ﰡ
مكّيّة وهى احدى وعشرون اية بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى الشمس او النهار كما فى قوله تعالى يغشى الليل النهار او كل شىء يوارى بظلامه والكلام فى إذا يغشى كما مر فى والليل إذا يغشها من كونه متعلقا بفعل القسم او بمضاف محذوف اى حصول الليل وكونه صفة له او بمعنى الوقت فينسلخا عن الظرفية.
وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى اى ظهر يزوال ظلمة الليل او بطلوع الشمس.
وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى اى القادر الذي خلق صنفى الذكر والأنثى من كل نوع له توالد او آدم وحوا ويجوز ان يكون مصدرية وجواب القسم.
إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى ط يعنى ان عملكم لمختلف منكم ساغ فكاك رقبة من النار وصعود درجات القرب ومدارج الجنة ومنكم ساع فى عطيها قال البغوي عن ابى مالك الأشعري قال قال رسول الله - ﷺ - كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها او موبقها ثم فصل الله سبحانه فقال.
فَأَمَّا مَنْ أَعْطى ماله فى سبيل الله او ادى كل ما وجب عليه وَاتَّقى عذاب ربه فاجتنب مجاريه وفى الحديث اتقوا النار ولو بشق ثمرة رواه الشيخان عن عدى بن حاتم واحمد عن عائشة والبزار والطبراني عن انس فى الأوسط وعن ابن عباس وابى امامة فى الكبير والبراء عن النعمان بن بشير وابى هريرة.
وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى قال ابو عبد الرحمن السلمى والضحاك وصدق بلا اله الا الله وهى رواية عطية عن ابن عباس وقال مجاهد بالجنة قال الله تعالى للذين أحسنوا الحسنى يعنى الجنة وقيل أيقن ان الله سيخلفه وهو رواية عكرمة عن ابن عباس وقال قتادة ومقاتل والكلبي بموعود الله تعالى ان يفى به.
فَسَنُيَسِّرُهُ اى نسهله ونهيئه لِلْيُسْرى اى للخلقت اليسرى التي يودى الى يسر وراحة وهى العمل وما يرضى الله ودخول الجنة من يسر الفرس لا هبته المركوب باليسر بالسرج واللجام.
وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ بالنفقة بالخير وبما امر به الله تعالى وفى الحديث البخيل
وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى بالكلمة الحسنى.
فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى اى لخصلة التي يودى الى العسر والشدة وهى العمل بما يكرهه الله تعالى ودخول النار قال مقاتل يعسر عليه ان يأتي خيرا عن على رضى الله عنه قال قال رسول الله - ﷺ - ما منكم من أحد الا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة قالوا يا رسول الله أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له اما من كان من اهل السعادة فسنيسره بعمل اهل السعادة واما من كان من اهل الشقاوة فسنيسره بعمل اهل الشقاوة ثم قرأ فاما من اعطى واتقى وصدق بالحسنى قسنيسره لليسرى متفق عليه قال البغوي قيل نزلت فى ابى بكر الصديق اشترى بلالا عن امية بن خلف ببردة وعشر أواق فانزل الله تعالى سورة الليل الى قوله ان سعيكم لشتى سعى ابو بكر وسعى امية كذا روى عن ابن مسعود واخرج ابن ابى حاتم وغيره من طريق الحاكم بن ابان عن عكرمة عن ابن عباس ان رجلا كانت له نخلة فرعها فى دار رجل فقير ذى عيال فكان الرجل إذا جاء فدخل الدار فصعد الى النخلة لياخذ منها الثمرة وبما يقع التمرة فياخذها صبيان الفقير فينزل من نخلة فياخذ الثمرة من أيديهم وان وجدها فى فم أحدهم ادخل إصبعيه يخرج التمرة من فيه فشكى ذلك الرجل يعنى الفقير الى النبي ﷺ فقال اذهب ولقى النبي - ﷺ - صاحب النخلة فقال له أعطني نخلتك التي فرعها فى دار فلان لك نخلة فى الجنة فقال الرجل لقد أعطيت وان لى نخلا كثيرا وما فيه نخلة اعجب الى تمرة منها ثم ذهب الرجل ولقى رجلا كان يسمع الكلام من رسول الله - ﷺ - ومن صاحب النخلة فاتى الى رسول الله - ﷺ - فقال أتعطيني يا رسول الله ما أعطيت الرجل يعنى صاحب النخلة وان انا أخذتها قال نعم فذهب الرجل فلقى صاحب النخلة ولكليهما نخل فقال له أشعرت ان محمدا صلى الله عليه واله وسلم أعطاني بنخلتك التي فى دار فلان نخلة فى الجنة فقلت له لقد أعطيت ولكن يعجبنى تمرها ولى نخل كثير ما فيه نخل اعجب الى تمرة منها فقال له الاخر أتريد بيعها فقال لا الا ان أعطني بها ما أريد ولا أظنه اعطى وقال فكم فيها قال أربعين نخلة قال لقد جئت بامر عظيم ثم سكت عنه فقال له انا أعطيك أربعين نخلة قال فاشهد لى
وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ الذي بخل فيه نفى او استفهام انكار إِذا تَرَدَّى الظرف متعلق بيغنى وتردى تفعل من الردى بمعنى الهلاك قال مجاهد اى بات إذ المراد بالهلاك استيجاب العذاب او بمعنى السقوط يعنى تردى فى حفرة القبر او قعر جهنم قال قتادة وابو صالح هوى فى جهنم.
إِنَّ عَلَيْنا كلمة على للتاكيد يعنى التزمنا الهداية بموجب قضائنا السابق او بمقتضى كلمتنا لَلْهُدى اى الإرشاد الى الحق بنصب الدلائل وبيان الشرائع كذا قال الزجاج وقتادة وقال الفراء معناه من سلك الهدى فعلى الله سبيله كقوله تعالى وعلى الله قصد السبيل يقول من أراد الله فهو على السبيل القاصد يعنى من سلك على طريق الهدى يصل الى الله سبحانه.
وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى ملكا وخلقا وتقديم الخبر للحصر فمن طلبها من غير مالكهما فقد اخطأ الطريق او فنعطى ثواب الهداية للمهتدين او فلا يضرنا ترككم الاهتداء.
فَأَنْذَرْتُكُمْ اى خوفتكم والفاء للسببية فان كون الاخرة والاولى
لا يَصْلاها صفة اخرى إِلَّا الْأَشْقَى قيل الأشقى هاهنا بمعنى الشقي فهو يعم الكافر والفاسق الغير المغفور وصفه تعالى.
الَّذِي كَذَّبَ الرسول ﷺ وَتَوَلَّى عن الايمان باعتبار بعض افراده وليس الاحتراز بل لان العادة ومقتضى الايمان ان لا يكون المؤمن شقيا إذ الايمان يقتضى التقوى والسعادة والكافر المكذب هو الذي يكون شقيا عاصيا غالبا فتقيد الشقي بوصف التكذيب والتولي خرج مخرج العادة كما فى قوله تعالى وربائبكم اللّتى فى حجوركم او المراد بالتكذيب أعم من التكذيب صريحا وهو الكفر او دلالة وهو ارتكاب المحرمات مع الايمان بتحريمها او أعم مما هو صادر عن اللسان والقلب فيكون كفر او نفاقا ومما هو صادر عن النفس الامارة بالسوء حال كون قلبه مطمئنة بالايمان ولسانه ما خلقنا به فيكون ايمانا مجازيا عاما وقيل الأشقى بمعناه للتفضيل والمراد به الكافر فانه أشقى من الفاسق لكن يصلى هاهنا ليس على إطلاقه بل المراد منه المقيد باللزوم والشدة قال البيضاوي لا يصليها لا يلزمها مقاسيا شدتها الا الأشقى اى الكافر فان الفاسق وان دخلها ان لم يغفر لا يلزمها فلا نقض فى الحصر وقيل لا حاجة الى هذه التكليف بل الضمير فى لا يصلها عائد الى نارا تلظى ولا يصلى نارا تتلظى وتتلهب الا الكافر واما الفاسق فادخل جهنم لا يصلى نارا تتلهب بل نارا ضعيفة بالنسبة الى الكافر وهى الطبقة العليا من النار وعندى ان المراد بالأشقى هو الكافر كما هو الظاهر النار ايضا على عمومها فان التلهب توصف بها نار الدنيا ايضا ونار جهنم وان كانت ضعيفة فهى أشد من نار الدنيا البتة لكن الحصر فى الاية إضافي بالنسبة الى المؤمنين الموجودين فى زمان النبي ﷺ فالاية تدل على عدم دخول أحد من الصحابة فى النار كيف وقد انعقد الإجماع على ان الصحابة كلهم عدول وقد قال الله تعالى وكلا وعد الله الحسنى وقال كنتم خير امة أخرجت للناس وقال محمد رسول الله والذين معه الاية وقال رسول الله - ﷺ - لا تمس النار مسلما رانى او راى من رانى رواه الترمذي عن جابر وقال أصحابي كالنجوم بايهم اقتديتم اهتديتم رواه رزين عن عمر بن الخطاب فمن صدر منه معصية فهم على سبيل الندرة وفق غالبا للتوبة فان التائب كمن لا ذنب له رواه ابن ماجة عن ابن مسعود مرفوعا او أدركته الرحمة ببركة صحبة النبي ﷺ كيف وقد قال رسول الله ﷺ فى حق الصلحاء من أمته هم قوم لا يشقى جليسهم ولا يخاب انيسهم
وترك الواجبات دخول النار كما قالت المرجئة لصارت الشريعة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر كلها سفسطة ولا يقولها الا كاهن او مجنون.
وَسَيُجَنَّبُهَا عطف على لا يصليها والسين للتحقيق الْأَتْقَى اى الذي اتقى الشرك الجلى والخفي والمعاصي القلبية والقالبية والنفسانية وذلك بعد تزكية النفس واطمينانها.
الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ الفقراء وفى فك الرقاب ووجوه الخير يَتَزَكَّى بدل من يوتى ولا محل له من الاعراب او منصوب على الحالية من فاعله اى يطلب ان يكون عند الله زاكيا لا يريد به رياء ولا سمعة او يتفعل من الزكوة والمفهوم عندنا غير معتبر فلا تدل تلك الاية
وَما لِأَحَدٍ بلال ولا لغيره من الغلمان عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى وكذا اخرج البزار عن ابن الزبير انها نزلت فى ابى بكر والجملة حال من فاعل يوتى ماله او مستأنفة كانه فى جواب بل كان لاحد ممن يوتيه ماله عنده يجزى ان يكافيه عليهما ويقصد بإعطائه او اعتاقه مجازا بها.
إِلَّا استثناء منقطع اى لكن يفعل ذلك ابو بكر ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى ج طلبا لرضاه ويجوز ان يكون متصلا عن محذوف تقديره لا يوتى ماله لغرض من الأغراض ومكافاته لنعمة الا لغرض ابتغاء وجه الله وطلب رضائه.
وَلَسَوْفَ يَرْضى ع الله عنه بما يفعل او يرضى عن الله تعالى بما يعطيه من الجزاء فى الاخرة من الجنة والكرامة عطف على وسيجنبها وهذه الاية لابى بكر كقوله تعالى لنبيه صلى الله عليه واله وسلم ولسوف يعطيك ربك فترضى وكون ابى بكر اتقى الناس بعد الأنبياء دليل على كونه أفضلهم لقوله تعالى ان أكرمكم عند الله أتقاكم وعليه انعقد الإجماع عن ابن عمر قال كنا فى زمن النبي ﷺ لا نعدل بابى بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان ثم نترك اصحاب النبي صلى الله عليه واله وسلم لا تفاضل بينهم رواه البخاري وسال محمد بن الحنيفة عن على اى الناس خير بعد النبي صلى الله عليه واله وسلم قال ابو بكر قال ثم من قال عمر رواه البخاري وقد بسطنا الكلام فى هذه المسألة وذكرنا فيها الأحاديث والآثار وروايات الإجماع والمنقول فى كتابنا السيف المسلول انصرافا على الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا امال حمزة والكسائي اواخر هاتين السورتين والليل والضحى الا قرنه تعالى سبحى فان حمزة فتحها وامال ابو عمرو للعسرى ولليسرى وما سواهما بين بين وورش جميع ذلك بين بين والباقون بإخلاص الفتح فى الكل- والله تعالى اعلم.