مكية في قول الجميع
ﰡ
(فاعقلي إن كنت لم تعقلي | إنما أفلح من كان عقل) |
(أفبعدنا أو بعدهم.. | . يرجى لغابرنا الفلاح) |
(لو كان حي مدرك الفلاح | أدركه ملاعب الرماح) |
أحدها : خائفون، وهو قول الحسن وقتادة.
والثاني : خاضعون، وهو قول ابن عيسى.
والثالث : تائبون، وهو قول إبراهيم.
والرابع : أنه غض البصر وخفض الجناح، قاله مجاهد.
الخامس : هو أن ينظر إلى موضع سجوده من الأرض ولا يجوز بصره مُصَلاَّهُ، فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع بصره إلى السماء فنزلت :﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ فصار لا يجوِّز بصره مُصَلاَّهُ.
فصار في محل الخشوع على هذه الأوجه قولان :
أحدهما : في القلب خاصة، وهو قول الحسن وقتادة.
والثاني : في القلب والبصر، وهو مرتضى قول وجاهد وإبراهيم.
أحدها : أن اللغو الباطل، قاله ابن عباس.
الثاني : أنه الكذب، قاله السدي.
الثالث : أنه الحلف، قاله الكلبي.
الرابع : أنه الشتم لأن كفار مكة كانوا يشتمون المسلمين فهو عن الإِجابة حكاه النقاش.
الخامس : أنها المعاصي كلها، قاله الحسن.
أحدها : أنه اسم من أسماء الجنة، قاله الحسن.
الثاني : أنه أعلى الجنان قاله قطرب.
الثالث : أنه جبل الجنة الذي تتفجر منه أنهار الجنة، قاله أبو هريرة.
الرابع : أنه البستان وهو رومي معرب، قاله الزجاج.
الخامس : أنه عربي وهو الكرم، قاله الضحاك.
(وما هند إلا مهرة عربية | سليلة أفراسٍ تجلّلها بغل) |
(طوت أحشاء مرتجةٍ لوقت | على مشج سلالته مهينُ) |
(خلق البرية من سلالة منتن | وإلى السلالة كلها ستعود) |
(وأنهما لحرّابا حروب | وشرّابان بالنطف الظوامي) |
وأنهما لحرّابا حروب | وشرّابان بالنطف الظوامي>١ |
﴿ فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً ﴾ وهي قدر ما يمضغ من اللحم.
﴿ فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمَاً ﴾ وإنما بين الله أن الإِنسان تنتقل أحوال خلقه ليعلم نعمته عليه وحكمته فيه، وإن بعثه بعد الموت حياً أهون من إنشائه ولم يكن شيئاً.
﴿ ثُمَّ أَنشَأنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : يعني بنفخ الروح فيه، وهذا قول ابن عباس والكلبي.
والثاني : بنبات الشعر، وهذا قول قتادة.
والثالث : أنه ذكر أو أنثى، وهذا قول الحسن.
والرابع : حين استوى به شبابه، وهذا قول مجاهد.
ويحتمل وجهاً خامساً : أنه بالعقل والتمييز.
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه لما نزلت هذه الآية إلى قوله :﴿ ثَمَّ أَنشَأنَاهُ خَلْقَاً آخَرَ ﴾ قال عمر بن الخطاب : فتبارك الله أحسن الخالقين، فنزلت :﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾.
٨٩ (نضرب بالسيف ونرجو بالفرج} ٩
فكانت الباء في بالفرج زائدة كذلك في الدهن وهي قراءة ابن مسعود. الثاني: أن الباء أصل وليست بزائدة، وقد قرىء تنبت بالدهن بفتح التاء الأولى إذا كانت التاء أصلاً ثابتاً. فإن كانت القراءة بضم التاء الأولى فمعناه تنبت وينبت بها الدهن ومعناهما إذا حقق متقارب وإن كان بينهما أدنى فرق. وقال الزجاج: معناه ينبت فيها الدهن، وهذه عبرة: أن تشرب الماء وتخرج الدهن. ﴿وَصِبْغٍ لِّلآكِلِينَ﴾ أي إدام يصطبغ به الآكلون، وقد روي عن النبي ﷺ أنه قال: (الزَّيتُ مِنْ شَجَرةٍ مُبَارَكَةٍ فَائْتَدِمُواْ بِهِ وَادَّهِنُوا) وقيل إن الصبغ ما يؤتدم به سوى اللحم.
وفي طور سيناء خمسة تأويلات :
أحدها : أن سيناء البركة فكأنه قال جبل البركة، قاله ابن عباس ومجاهد.
الثاني : أنه الحسن المنظر، قاله قتادة.
الثالث : أنه الكثير الشجر، قاله ابن عيسى.
الرابع : أنه اسم الجبل الذي كلم الله عليه موسى، قاله أبو عبيدة.
الخامس : أنه المرتفع مأخوذ من النساء، وهو الارتفاع فعلى هذا التأويل يكون اسماً عربياً. وعلى ما تقدم من التأويلات يكون اسماً أعجمياً واختلف القائلون بأعجميته على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه سرياني، قاله ابن عباس.
الثاني : نبطي.
الثالث : حبشي.
﴿ تَنْبُتْ بِالدُّهْنِ ﴾ اختلف في الدهن هنا على قولين :
أحدهما : أن الدهن هنا المطر اللين، قاله محمد بن درستويه، ويكون دخول الباء تصحيحاً للكلام.
الثاني : أنه الدهن المعروف أي بثمر الدهن.
وعلى هذا اختلفوا في دخول الباء على وجهين :
أحدهما : أنها زائدة وأنها تنبت الدهن، قاله أبو عبيدة وأنشد :
نضرب بالسيف ونرجو بالفرج١ ***
فكانت الباء في بالفرج زائدة كذلك في الدهن وهي قراءة ابن مسعود.
الثاني : أن الباء أصل وليست بزائدة وقد قرئ تنبت بالدهن بفتح التاء الأولى إذا كانت التاء أصلاً ثابتاً. فإن كانت القراءة بضم التاء الأولى فمعناه تنبت وينبت بها الدهن ومعناهما إذا حقق متقارب وإن كان بينهما أدنى فرق. وقال الزجاج : معناه ينبت فيها الدهن، وهذه عبرة : أن تشرب الماء وتخرج الدهن.
﴿ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِينَ ﴾ أي إدام يصطبغ به الآكلون، وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" الزَّيتُ مِنْ شَجَرةٍ مُبَارَكَةٍ فَائْتَدِمُوا بِهِ وَادَّهِنُوا٢ " وقيل إن الصبغ ما يؤتدم به سوى اللحم.
٢ رواه الترمذي وفي سنده اضطراب.
أحدهما : ما سمعنا بمثل دعوته.
والثاني : ما سمعنا بمثله بشراً أتى برسالة من ربه.
وفي آبائهم الأولين وجهان :
أحدهما : أنه الأب الأدنى، لأنه أقرب، فصار هو الأول.
والثاني : أنه الأب الأبعد لأنه أوّل أبٍ وَلدَك.
أحدهما : حتى يموت.
الثاني : حتى يستبين جنونه.
أحدها : تنور الخابزة، قاله الكلبي.
الثاني : أنه آخر مكان في دارك، قاله أبو الحجاج.
الثالث : أنه طلوع الفجر، قاله علي رضي الله عنه.
الرابع : أنه مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لاشتداد الأمر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم :" الآن حَمِيَ الوَطِيسُ١ " قاله ابن بحر.
﴿ وَأَنتَ خَيْرٌ الْمُنزِلِينَ ﴾ في ذلك قولان :
أحدهما : أن نوحاً قال ذلك عند نزوله في السفينة فعلى هذا يكون قوله مباركاً يعني بالسلامة والنجاة.
الثاني : أنه قاله عند نزوله من السفينة، قاله مجاهد. فعلى هذا يكون قوله مباركاً يعني بالماء والشجر.
أحدها : يموت منا قوم ويحيا منا قوم، قاله ابن عيسى.
الثاني : يموت قوم ويولد قوم، قاله يحيى بن سلام. قال الكلبي : يموت الآباء ويحيا الأبناء.
الثالث : أنه مقدم ومؤخر معناه نحيا ونموت وما نحن بمبعوثين، قاله ابن شجرة.
أحدها : أنه البالي من الشجر ؛ وهذا قول ابن عباس ومجاهد وقتادة.
والثاني : ورق الشجر إذا وقع في الماء ثم جف، وهذا قول قطرب.
والثالث : هو ما احتمله الماء من الزبد والقذى، ذكره ابن شجرة وقاله الأخفش.
﴿ فَبُعْداً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : فبعداً لهم من الرحمة كاللعنة، قاله ابن عيسى.
الثاني : فبعداً لهم في العذاب زيادة في الهلاك، ذكره أبو بكر النقاش.
أحدهما : متواترين يتبع بعضهم بعضاً، قاله ابن عباس ومجاهد.
الثاني : منقطعين بين كل اثنين دهر طويل وهذا تأويل من قرأ بالتنوين.
وفي اشتقاق تترى ثلاثة أقاويل.
أحدها : أنه مشتق من وتر القوس لاتصاله بمكانه منه، قاله ابن عيسى وهو اشتقاقه على القول الأول.
الثاني : أنه مشتق من الوتر وهو الفرد لأن كل واحد بعد صاحبه فرد، قاله الزجاج وهو اشتقاقه على التأويل الثاني.
الثالث : أنه مشتق من التواتر، قاله ابن قتيبة ويحتمل اشتقاقه التأويلين معاً.
أحدها : متكبرين، قاله المفضل.
الثاني : مشركين، قاله يحيى بن سلام.
الثالث : قاهرين، قاله ابن عيسى.
الرابع : ظالمين، قاله الضحاك.
أحدها : مطيعون، قاله ابن عيسى.
الثاني : خاضعون، قاله ابن شجرة.
الثالث : مستعبدون، قاله يحيى ابن سلام.
الرابع : ما قاله الحسن كان بنو إسرائيل يعبدون فرعون وكان فرعون يعبد الأصنام.
(طوى نفسه طيّ الحرير كأنه | حوى جنة في ربوة وهو خاشع) |
(فكنت هميداً تحت رمس بربوة | تعاورني ريحٌ جنوب وشمألُ) |
(إن الذين غروا بلبك غادروا | وشلاً بعينك ما يزال معينا) |
(حلفت فلم أترك لنفسك ريبةً | وهل يأتَمن ذو أمة وهو طائع) |
أحدها : دينكم دين واحد، قاله الحسن، ومنه قول الشاعر١ :
حلفت فلم أترك لنفسك ريبةً | وهل يأثَمن ذو أمّة وهو طائع |
الثالث : خلقكم خلق واحد.
أحدهما : ففرقوا دينهم بينهم، قاله الكلبي.
الثاني : انقطع تواصلهم بينهم. وهو محتمل.
﴿ زُبُراً ﴾ فيه تأويلان :
أحدهما يعني قطعاً وجماعات، قاله مجاهد والسدي وتأويل من قرأ بفتح الباء.
الثاني : يعني، كتباً، قاله قتادة وتأويل من قرأ بضم الباء ومعناه أنهم تفرقوا الكتب فأخذ كل فريق منهم كتاباً آمن به وكفر بما سواه.
﴿ كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : كل حزب بما تفردوا به من دين وكتاب فرحون.
والثاني : كل حزب بما لهم من أموال وأولاد فرحون.
وفي فرحهم وجهان :
أحدهما : أنه سرورهم.
والثاني : أنها أعمالهم.
أحدها : في ضلالتهم، وهو قول قتادة.
والثاني : في عملهم، وهو قول يحيى بن سلام.
والثالث : في حيرتهم، وهو قول ابن شجرة.
والرابع : في جهلهم، وهو قول الكلبي.
﴿ حَتَّى حِينٍ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : حتى الموت.
والثاني : حتى يأتيهم ما وعدوا به، وهو يوم بدر.
والثالث : أنه خارج مخرج الوعيد كما تقول للتوعد : لك يوم، وهذا قول الكلبي.
﴿ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : نجعله في العامل خيراً.
والثاني : أنما نريد لهم بذلك خيراً.
﴿ بَل لاَّ يَشْعُرُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : بل لا يشعرون أنه استدراج.
والثاني : بل لا يشعرون أنه اختيار.
أحدهما : يعني الزكاة.
الثاني : أعمال البر كلها.
﴿ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ﴾ أي خائفة.
قال بعض أصحب الخواطر : وجل العارف من طاعته أكثر من وجِلِه من مخالفته لأن المخالفة تمحوها التوبة، والطاعة تطلب لتصحيح الغرض.
﴿ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : يخافون ألا ينجوا من عذابه إذا قدموا عليه.
الثاني : يخافون أن لا تقبل أعمالهم إذا عرضت عليه. روته عائشة مرفوعاً.
أحدهما : يستكثرون منها لأن المسارع مستكثر.
الثاني : يسابقون إليها، لأن المسارع سابق.
﴿ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : وهم بها سابقون إلى الجنة.
الثاني : وهم إلى فعلها سابقون.
وفيه وجه ثالث : وهم لمن تقدمهم من الأمم سابقون، قاله الكلبي.
أحدهما : في غطاء، قاله ابن قتيبة.
والثاني : في غفلة قاله قتادة.
﴿ مِنْ هذا ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : من هذا القرآن، وهو قول مجاهد.
الثاني : من هذا الحق، وهو قول قتادة.
﴿ وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : خطايا [ يعملونها ] من دون الحق، وهو قول قتادة.
الثاني : أعمال [ رديئة ] لم يعملوها وسيعملونها، حكاه يحيى بن سلام.
ويحتمل وجهاً ثالثاً : أنه ظلم المخلوقين مع الكفر بالخالق.
أحدهما : أنهم الموسع عليهم بالخصب، قاله ابن قتيبة. والثاني : بالمال والولد، قاله الكلبي. فعلى الأول يكون عامّا، ً وعلى الثاني يكون خاصاً.
﴿ إذَا هُم يَجْأَرُونَ ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : يجزعون، وهو قول قتادة.
الثاني : يستغيثون، وهو قول ابن عباس.
والثالث : يصيحون، وهو قول علي بن عيسى.
والرابع : يصرخون إلى الله تعالى بالتوبة فلا تقبل منهم، وهو قول الحسن. قال قتادة نزلت هذه الآية في قتلى بدر. وقال ابن جريج ﴿ حَتَّى إِذَا أَخذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ ﴾ هم الذين قتلوا ببدر.
أحدها : تستأخرون، وهو قول مجاهد.
والثاني : تكذبون.
والثالث : رجوع القهقرى. ومنه قول الشاعر :
زعموا أنهم على سبل الحق | وأنا نكص على الأعقاب |
ويحتمل وجهاً آخر : مستكبرين بمحمد أن يطيعوه، وبالقرآن أن يقبلوه.
﴿ سَامِراً تَهْجُرونَ ﴾ سامر فاعل من السّمر. وفي السمر قولان :
أحدهما : أنه الحديث ليلاً، قاله الكلبي. وقيل به : سمراً تهجرون.
والثاني : أنه ظل القمر، حكاه ابن عيسى. والعرب تقول : حلف بالسمر والقمر أي بالظلمة والضياء، لأنهم يسمرون في ظلمة الليل وضوء القمر. والعرب تقول أيضاً : لا أكلمه السمر والقمر، أي الليل والنهار. وقال الزجاج : ومن السمر أخذت سمرة اللون. وفي ﴿ تَهْجُرُونَ ﴾ وجهان :
أحدهما : تهجرون الحق بالإِعراض عنه، قاله ابن عباس.
والثاني : تهجرون في القول بالقبيح من الكلام، قاله ابن جبير ومجاهد.
وقرأ نافع ﴿ تُهْجِرُونَ ﴾ بضم التاء وكسر الجيم، وهو من هجر القول. وفي مخرج هذا الكلام قولان :
أحدهما : إنكار تسامرهم بالإِزراء على الحق مع ظهوره لهم.
الثاني : إنكاراً منهم حتى تسامروا في ليلهم، والخوف أحق بهم.
أحدهما : أنه الله، قاله الأكثرون.
الثاني : أنه التنزيل أي لو نزل بما يريدون لفسدت السموات والأرض.
وفي إتباع أهوائهم قولان :
أحدهما : لو اتبع أهواءهم فيما يشتهونه.
الثاني : فيما يعبدونه.
﴿ لَفَسَدَتِ السَّموَاتُ وَالأَرْضُ ﴾ يحتمل وجهين :
أحدهما : لفسد تدبير السموات والأرض لأنها مدبرة بالحق لا بالهوى.
الثاني : لفسدت أحوال السموات والأرض لأنها جارية بالحكمة لا على الهوى.
﴿ وَمَن فِيهِنَّ ﴾ أي ولفسد من فيهن وذلك إشارة إلى من يعقل من ملائكة السموات وإنس الأرض. وقال الكلبي : يعني ما بينهما من خلق وفي قراءة ابن مسعود : لفسدت السموات والأرض وما بينهما. فتكون على تأويل الكلبي وقراءة ابن مسعود محمولاً على فساد ما لا يعقل من حيوان وجماد، وعلى ظاهر التنزيل في قراءة الجمهور يكون محمولاً على فساد ما يعقل وما لا يعقل من الحيوان لأن ما لا يعقل تابع لما يعقل في الصلاح والفساد فعلى هذا يكون من الفساد يعود على من في السموات من الملائكة بأن جعلت أرباباً وهي مربوبة وعبدت وهي مستعبدة.
وفساد الإِنس يكون على وجهين :
أحدهما : بإتباع الهوى. وذلك مهلك.
الثاني : بعبادة غير الله. وذلك كفر.
وأما فساد الجن فيكون بأن يطاعوا فيطغوا.
وأما فساد ما عدا ذلك فيكون على وجه التبع لأنهم مدبرون بذوي العقول فعاد فساد المدبرين عليهم.
﴿ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : عنى بيان الحق لهم، قاله ابن عباس.
الثاني : بشرفهم لأن الرسول صلى الله عليه وسلم منهم والقرآن بلسانهم، قاله السدي وسفيان.
ويحتمل ثالثاً : يذكر ما عليهم من طاعة ولهم من جزاء.
﴿ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعِرِضُونَ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : فهم عن القرآن معرضون، قاله قتادة.
الثاني : عن شرفهم معرضون، قاله السدي.
﴿ فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : فرزق ربك في الدنيا خير منه، قاله الكلبي.
الثاني : فأجر ربك في الآخرة خيرٌ منه، قاله الحسن.
وذكر أبو عمرو بن العلاء الفرق بين الخرج والخراج فقال : الخرج من الرقاب : والخراج من الأرض.
أحدها : لعادلون، قاله ابن عباس.
الثاني : لحائدون، قاله قتادة.
الثالث : لتاركون، قاله الحسن.
الرابع : لمعرضون، قاله الكلبي. ومعانيها متقاربة.
أحدها : أنه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم عليه فقال :" اللَّهُمّ اجْعَلْهَا عَلَيهِم سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ فَقَحَطُوا سَبْعَ سِنِينَ حَتَّى أَكَلُوا الْعَلْهَزَ مِنَ الجُوعِ وَهُوَ الوَبَرُ بالدَّمِ "، قاله مجاهد.
الثاني : أنه قتلهم بالسيف يوم بدر، قاله ابن عباس.
الثالث : يعني باباً من عذاب جهنم في الآخرة، قاله بعض المتأخرين.
﴿ مُبْلِسُونَ ﴾ قد مضى تفسيره.
أحدهما : خلقكم، قاله الكلبي ويحيى بن سلام.
الثاني : نشركم، قاله ابن شجرة.
أحدهما : بالزيادة والنقصان.
الثاني : تكررهما يوماً بعد ليلة وليلة بعد يوم.
ويحتمل ثالثاً : اختلاف ما مضى فيهما من سعادة وشقاء وضلال وهدى.
أحدهما : خزائن كل شيء، قاله مجاهد.
الثاني : ملك كل شيء، قاله الضحاك. والملكوت من صفات المبالغة كالجبروت والرهبوت.
﴿ وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ علَيْهِ ﴾ أي يمنع ولا يُمنع منه فاحتمل ذلك وجهين :
أحدهما : في الدنيا ممن أراد هلاكه لم يمنعه منه مانع، ومن أرد نصره لم يدفعه من نصره دافع.
الثاني : في الآخرة لا يمنعه من مستحق الثواب مانع ولا يدفعه من مستوجب العذاب دافع.
أحدهما : فمن أي وجه تصرفون عن التصديق بالبعث.
الثاني : فكيف تكذبون فيخيل لكم الكذب حقاً.
أحدها : بالإغضاء والصفح عن إساءة المسيء، قاله الحسن.
الثاني : ادفع الفحش بالسلام، قاله عطاء والضحاك.
الثالث : ادفع المنكر بالموعظة، حكاه ابن عيسى.
الرابع : معناه امسح السيئة بالحسنة، وهذا قول ابن شجرة.
الخامس : معناه قابل أعداءك بالنصيحة وأولياءك بالموعظة، وهذا وإن كان خطاباً له عليه السلام فالمراد به جميع الأمة.
الثاني : من إغواء.
الثالث : أذاهم.
الرابع : الجنون.
أحدهما في الصلاة عند تلاوة القرآن. قال الكلبي.
والثاني : في أحواله كلها، وهذا قول الأكثرين.
﴿ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ ﴾
[ الرحمن : ٢٠ ] وفيه خمسة أقاويل.
أحدها : أنه حاجز بين الموت والبعث، قاله ابن زيد.
الثاني : حاجز بين الدنيا والآخرة، قاله الضحاك.
الثالث : حاجز بين الميت ورجوعه للدنيا، قاله مجاهد.
الرابع : أن البرزخ الإِمهال ليوم القيامة، حكاه ابن عيسى.
الخامس : هو الأجل ما بين النفختين وبينهما أربعون سنة، قاله الكلبي.
أحدهما : الهوى.
الثاني : حسن الظن بالنفس وسوء الظن بالخلق.
أحدهما : أنهما لغتان ومعناهما سواء وهما من الهزء.
الثاني : أنها بالضم من السُخرة والاستعباد، وبالكسر من السخرية والاستهزاء، قاله الحسن.
أحدهما : الملائكة، قاله مجاهد.
الثاني : الحُسّابُ، قاله قتادة.
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة المؤمنون
سورةُ (المؤمنون) من السُّوَر المكية التي اهتمت بذِكْرِ دلائل وَحْدانية الله تعالى، كما اهتمت بذِكْرِ صفاتِ المؤمنين المفلحين؛ كما في فاتحة السورة الكريمة، وقد صح عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم: أنَّ مَن أقامَ أوَّلَ عَشْرِ آياتٍ من سورة (المؤمنون) دخَلَ الجنَّةَ، وبالأخذِ بهذه الصفات التي ذكَرها الله للمؤمنين، تصلُحُ للعبد دنياه وآخرتُه، ويحقِّقُ معنى التوحيد التام.
ترتيبها المصحفي
23نوعها
مكيةألفاظها
1052ترتيب نزولها
74العد المدني الأول
119العد المدني الأخير
119العد البصري
119العد الكوفي
118العد الشامي
119* قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَما اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: ٧٦]:
عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «جاء أبو سُفْيانَ بنُ حَرْبٍ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا مُحمَّدُ، أنشُدُك اللهَ والرَّحِمَ؛ فقد أكَلْنا العِلْهِزَ - يعني: الوَبَرَ والدَّمَ -؛ فأنزَلَ اللهُ: {وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ فَما اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ وَما يَتَضَرَّعُونَ} [المؤمنون: ٧٦]». أخرجه ابن حبان (٩٦٧).
* سورةُ (المؤمنون):
سُمِّيت سورة (المؤمنون) بذلك؛ لأنَّ فاتحتها أفصَحتْ عن ذِكْرِ صفات المؤمنين.
* أنَّ مَن أقام أوَّلَ عَشْرِ آياتٍ من سورة (المؤمنون) دخَل الجنَّة:
عن عُمَرَ بن الخطَّابِ رضي الله عنه، قال: «كان إذا نزَلَ على رسولِ اللهِ ﷺ الوحيُ يُسمَعُ عند وجهِه دَوِيٌّ كدَوِيِّ النَّحْلِ، فمكَثْنا ساعةً، فاستقبَلَ القِبْلةَ، ورفَعَ يدَيهِ، فقال: «اللهمَّ زِدْنا ولا تنقُصْنا، وأكرِمْنا ولا تُهِنَّا، وأعطِنا ولا تَحرِمْنا، وآثِرْنا ولا تُؤثِرْ علينا، وارضَ عنَّا وأرضِنا»، ثم قال: «لقد نزَلتْ عليَّ عَشْرُ آياتٍ، مَن أقامَهنَّ دخَلَ الجنَّةَ»، ثم قرَأَ علينا: {قَدْ أَفْلَحَ اْلْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] حتى ختَمَ العَشْرَ». أخرجه الترمذي (3097).
* كانت تَتجلَّى صفاتُ رسول الله ﷺ من خلالِ هذه السورة:
فعن يَزيدَ بن بابَنُوسَ، قال: «دخَلْنا على عائشةَ، فقُلْنا: يا أمَّ المؤمنين، ما كان خُلُقُ رسولِ اللهِ ﷺ؟ قالت: كان خُلُقُه القُرْآنَ، تَقرَؤون سورةَ المؤمنين؟ قالت: اقرَأْ {قَدْ أَفْلَحَ اْلْمُؤْمِنُونَ}، قال يَزيدُ: فقرَأْتُ {قَدْ أَفْلَحَ اْلْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1] إلى: {لِفُرُوجِهِمْ حَٰفِظُونَ} [المؤمنون: 5]، قالت: هكذا كان خُلُقُ رسولِ اللهِ ﷺ». أخرجه البخاري في " الأدب المفرد" (٤٨).
* هي السورةُ التي قرأها النبيُّ صلى الله عليه وسلم يومَ الفتحِ:
عن عبدِ اللهِ بن السائبِ رضي الله عنه، قال: «حضَرْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يومَ الفتحِ وصلَّى في الكعبةِ، فخلَعَ نَعْلَيهِ فوضَعَهما عن يسارِه، ثم افتتَحَ سورةَ (المؤمنون)، فلمَّا بلَغَ ذِكْرَ عيسى أو موسى، أخَذَتْهُ سَعْلةٌ، فركَعَ». أخرجه أبو داود (٦٤٨).
جاءت سورةُ (المؤمنون) على ذِكْرِ الموضوعات الآتية:
1. صفات المؤمنين (١-١١).
2. أدلة وَحْدانية الله (١٢-٢٢).
3. الإيمان بالرسل، ومواقف أقوامهم منهم (٢٣-٥٢).
4. تفرُّق الأُمَم بعد رسلهم (٥٣-٧٧).
5. أدلة إثبات وَحْدانية الله وقدرته (٧٨-٩٨).
6. مِن مشاهِدِ يوم القيامة (٩٩- ١١٨).
ينظر: "التفسير الموضوعي للقرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (5 /124).
ظهَر مقصودُ سورة (المؤمنون) في اسمها؛ وهو اختصاصُ المؤمنين بالفلاح، وقد دارت آيُها حول مِحوَرِ تحقيقِ الوَحْدانية، وإبطالِ الشرك ونقضِ قواعده، والتنويه بالإيمان وشرائعه؛ فكان افتتاحُها بالبشارة للمؤمنين بالفلاح العظيم على ما تحلَّوْا به من أصول الفضائل الرُّوحية والعلمية، التي بها تزكيةُ النَّفس، واستقامةُ السلوك.
ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /303)، و"التحرير والتنوير" لابن عاشور (18 /6).