سورة القمر
سورة القمر مكية١
ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
سورة القمرسورة القمر مكية قوله تعالى ﴿اقتربت الساعة﴾.
معناه دنت القيامة وقربت.
روى أنس " أن النبي ﷺ خطب وقد كادت الشمس تغيب فقال ما بقي من دنياكم فيما مضى إلا مثلاً ما [بقي] من هذا اليوم فيما مضى وما نرى من الشمس إلا يسيراً ".
وقوله: / ﴿وانشق القمر﴾ أي: انفلق وكان ذلك على عهد النبي ﷺ وهو بمكة قبل الهجرة، وذلك أن كفار قريش سألوه آية فأراهم انشقاق القمر، فدل على صحة قوله، فلما أراهم ذلك (أعرضوا وكذبوا). وقالوا هذا سحر مستمر سحرنا له محمد، ففي ذلك يقول الله جل ذكره.
ومعنى مستمر: أي: ذاهب. وقيل مستمر: شديد. وقيل معناه: يشبه بعضه بعضاً. قال أنس: انشق القمر فرقتين. وقال ابن مسعود انشق القمر ونحن مع النبي ﷺ حتى ذهبت فرقة منه خلف الجبل فقال رسول الله ﷺ أشهدوا.
أي: ولقد جاء قريشاً من الأخبار والقصص والوعد والوعيد ما فيه متعظ لهم.
قال ﴿حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ﴾ يعني القرآن. ﴿فَمَا تُغْنِ النذر﴾ أي: فليست تغن النذر لإعراضهم عنها. والنذر جمع نذير أو بمعنى الإنذار، ويجوز أن تكون " ما " استفهاماً. والمعنى فأي شيء يغني النذر عنهم وهم معرضون عنها.
ثم قال فتول عنهم يوم يدع الداع / إلى شيء نكر أي: فأعرض عنهم: تم الكلام
وقوله ﴿خُشَّعاً أبصارهم﴾ حال من الضمير في (يخرجون من قبورهم) فينتشرون لموقف العرض يوم يد الداع خشعا إبصارهم، أي هي ذليلة خاضعة، ولا يجوز أن يكون حالا من المضمر في عنهم، لأن الأمر بالتوالي في الدنيا، والإخبار بخشوع أبصارهم بعد بعثهم.
وقوله ﴿كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ﴾ وقال في موضع آخر ﴿يَوْمَ يَكُونُ الناس كالفراش المبثوث﴾ [القارعة: ٣] فذلك صنفان مختلفان، وإنما ذلك لأن كون ذلك في وقتين مختلفين أحدهما عند البعث بالخروج من القبور يخرجون فزعين لا يهتدون أين يتوجهون، فيدخل بعضهم في بعض لا جهة لأحد منهم يقصدها نشبههم عند
ويروى أن مريم سألت ربها أن يطعمها لحماً لا دم فيه فأطعمها الجراد فدعت للجراد فقالت: اللهم أعشها بغير رضاع (وتابع بنيها بغير شياع، أي: بغير دعاء بينها). ثم قال ﴿مُّهْطِعِينَ إِلَى الداع﴾ قال قتادة: عامدين. وقال أبو عبيدة: مسرعين مقبلين خائفين. ولا يكون الإهطاع إلا مع خوف، ويقال: هطع وأهطع بمعنى أسرع مقبلاً خائفاً.
وقال سفيان شاخصة أبصارهم إلى السماء. وقال ابن عباس ناظرين.
٢ انظر: البحر المحيط ٨/١٧٥..
وقوله ﴿ خشعا أبصارهم ﴾ حال من الضمير١ في ( يخرجون من قبورهم )٢ فينتشرون لموقف العرض يوم يدع الداع خشعا إبصارهم، أي٣ هي ذليلة خاضعة، ولا يجوز أن يكون حالا من المضمر في عنهم، لأن الأمر بالتوالي في الدنيا، والإخبار بخشوع٤ أبصارهم بعد بعثهم٥.
وقوله ﴿ كأنهم جراد منتشر ﴾ [ ٧ ] وقال في موضع آخر ﴿ يوم يكون٦ الناس كالفراش المبثوث٧ ﴾ فذلك صنفان مختلفان، وإنما ذلك لأن كون ذلك في وقتين مختلفين أحدهما عند البعث بالخروج من القبور يخرجون فزعين لا يهتدون أين يتوجهون، فيدخل بعضهم في بعض لا جهة لأحد منهم يقصدها٨ نشبههم٩ عند ذلك بالفراش لأن١٠ الفراش لا جهة له يقصدها، وإنما هي بعضها في بعض فلا يزال الناس كذلك حتى يسمعوا١١ المنادي يدعوهم١٢ فيقصدونه، فتصير لهم وجهة يقصدونها، فشبههم في هذا الوقت بالجراد المنتشر، وهكذا الجراد ( وجهة تقصدها )١٣ وهي منشرة.
ويروى أن مريم سألت١٤ ربها أن يطعمها لحما لا دم فيه فأطعمها الجراد فدعت للجراد فقالت : اللهم أعشها بغير رضاع ( وتابع بنيها بغير شياع، أي : بغير دعاء بينها )١٥.
٢ ع: "يخرجون: أي: يخرجون من قبورهم"..
٣ ساقط من ع..
٤ ع: "مخشوع" وهو تحريف..
٥ انظر: مشكل الإعراب ٦٩٨، وإعراب النحاس و ٤/٢٧٨، ومغني اللبيب ٦٠٢..
٦ ع: "تكون" وهو تصحيف..
٧ سورة القارعة: ٣..
٨ ع: "يقصدوها"..
٩ ع: "فشبهم"وهو تحريف..
١٠ ع: "فان"..
١١ ع: "يسمع"..
١٢ ح: يدعونهم: وهو تحريف..
١٣ ع: "جهة تقصدوها" وهو تحريف..
١٤ ع: "دعته"..
١٥ ح: "وتابع بينها شياع أي: بغير دعائها"..
وقال سفيان شاخصة أبصارهم إلى السماء٤. وقال ابن عباس ناظرين٥.
﴿ يقول الكافرون هذا يوم عسر ﴾ أي : شديد٦ هول المطلع.
٢ انظر: مجاز أبي عبيدة ٢/٢٤٠، وتفسير القرطبي ١٧/١٣٠، والبحر المحيط ٨/١٧٦، وتفسير الغريب ٤٣٠..
٣ انظر: الصحاح ٣/١٣٠٧، واللسان ٣/٨١١، وتاج العروس ٥/٥٥٨..
٤ انظر: جامع البيان ٢٧/٥٤..
٥ انظر: جامع البيان ٢٧/٥٤، والدر المنثور ٧/٦٧٤..
٦ ساقط من ع..
قال: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ﴾ أي: كذب قبل قومك قوم نوحا. ﴿فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا﴾ يعني نوحاً. ﴿وَقَالُواْ مَجْنُونٌ﴾ أي: هو مجنون. وقوله ﴿وازدجر﴾ أي: زجروه بالشتم والوعيد والرجم.
قال ابن زيد اتهموه وزجروه وأوعدوه، وقالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين. وقال الحسن قالوا مجنون وتوعدوه بالقتل. ثم قال ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فانتصر﴾ أي: قال يا رب قد غلبت وقهرت فانتصر لي منهم بعذاب من عندك. قال تعالى: ﴿فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السمآء بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ﴾ أي: مندفع منصب.
قال ﴿وَفَجَّرْنَا الأرض عُيُوناً فَالْتَقَى المآء على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ أي: فالتقى ماء السماء وماء الأرض على أمر قد قدره الله وقضاه في اللوح المحفوظ. ثم قال ﴿وَحَمَلْنَاهُ على ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾ / أي: وحملنا نوحا إذا التقى الماء على سفينة ذات ألواح ودسر. والدسر: المسامير، وهو جمع دسار. وقيل الدسر: صدر السفينة
وقال مجاهد : الدسر : أضلاع السفينة٦. وقال الضحاك الدسر : طرف السفينة، وأصل الدسر : الدفع٧.
٢ انظر: العمدة ٢٨٩، ومجاز أبي عبيدة ٢/٢٤٠ وإعراب النحاس ٩/٢٨٩ وغريب القرآن وتفسيره ١٧٢، وجامع البيان ٢٧/٥٥، وتفسير القرطبي ١٧/١٣٣، وتفسير الغريب..
٣ ع: "سدر"..
٤ ساقط من ح..
٥ انظر: العمدة ٢٨٩، وجامع البيان ٢٧/٥٥، وإعراب النحاس ٤/٢٨٩، وتفسير الخازن وبهامش معالم التنزيل ٦/٢٧٥، وزاد المسير ٨/٩٣، وتفسير القرطبي ١٧/١٣٢، وابن كثير ٤/٢٦٥ والدر المنثور ٧/٦٧٦..
٦ انظر: تفسير مجاهد ٦٣٤، وجامع البيان ٢٧/٥٥، وزاد المسير ٨/٩٣، وابن كثير ٤/٢٦٥..
٧ انظر: جامع البيان ٢٧/٥٥، وزاد المسير ٨/٩٣، وابن كثير ٤/٢٦٥..
وقال مجاهد: الدسر: أضلاع السفينة. وقال الضحاك الدسر: طرف السفينة، وأصل الدّسْر: الدّفع.
قال ﴿تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا﴾ أي: بمرأى منا ومبصر.
وقوله ﴿جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ﴾ أي: فعلنا بهم ذلك جزاء لنوح للذي كفر بالله فيه. وقيل " من " بمعنى " ما " والمعنى: جزاء لمن كان كفر بنعم الله وأياديه.
وقال مجاهد: معناه (جزاء الله لأنه كفر به). وقيل معناه جزاء لنوح ولمن آمن به لأنهم كفروا بهم، فتوحد " كفر " على هذا على لفظ " من ". ثم قال
قال مجاهد: إن الله جل ذكره حين غرق قوم نوح جعلت الجبال تشمخ، وتواضع الجودي فرفعه الله تعالى على الجبال، وجعل قرار السفينة عليه. وقيل معناه: ولقد تركنا هذه الفعلة آية. ﴿فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ﴾.
أي: فهل من متعظ يخاف أن يناله من العقوبة مثل ما نال قوم نوح. ثم قال ﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ أي: وإنذاري، وهذا تحذير من الله لمن نزل عليه القرآن وكفر به أن يصيبه مثل ما أصاب قوم نوح. ثم قال ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا القرآن لِلذِّكْرِ﴾ أي: سهلناه وبيناه وفصلناه لمن يريد أن يتذكر به ويعتبر.
وقيل معنى: فهل من مذكر: هل من طالب علم فيعان عليه: وقال محمد بن كعب معناه: هل من مذكر عن معاصي الله. قال ابن زيد يسرنا: بينا. وقال مجاهد: يسرنا: هونا.
قال ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ﴾ أي: كذب أيضاً عاد هوداً نبيهم فيما أتاهم / به. ﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ (أي عذبتهم لذلك، وأهلكتهم، فلتحذر قريش ان يصيبهم بتكذيبهم محمدا مثل ما أصاب قوم هود.
قال ﴿إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً﴾ أي: ريحاً شديدة العصوف باردة لها صوت، وأصله صَرَرً فأبدل من أحدى الراءات ماداً، فكبْكِبُوا من كَبَبَ.
قوله ﴿فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ﴾ أي: في يوم شر وشؤم لهم (استمر بهم فيه البلاء) والعذاب إلى أن (أوفى بهم العذاب). قال قتادة استمر بهم إلى نار جهنم.
أي: تقتلع الناس ثم ترمي بهم على رؤوسهم فتندق رقابهم وتبين من أجسادهم.
أَلاَ لَمْ يَبْقَ إِلاّ الخِلْجَانَ نَفْسُه | يَالَك من يوم دَهَاني أَمْسُه. |
بِثَابِتِ الوَطء شديدٍ أَمْسُه | لو لم يجِئني جِئته أَجُسه. |
(وَتَعْطوُ بَرخص غير شَتْنٍ كأنه | أَسَارِيعُ ظَبْيٍ أو مَسَاوِيكُ إِسْحَل). |
قال ﴿فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ هذا الخطاب لقريش [أي] فكيف كان
وقيل معناه: وإنذاري لكم أَنّا أرسلنا عليهم صيحة واحدة، وقد تقدم خبر عذابهم كيف كان.
وقوله ﴿فَكَانُواْ كَهَشِيمِ المحتظر﴾ أي: فكان قوم صالح لما أخذتهم الصيحة صاروا رفاتاً كهيئة الشجر المحتظر بعد (نعمته وغضارته). وقيل معناه: فصاروا كالعظام المحترقة، قاله ابن عباس.
وقيل صاروا كالتراب المتناثر من الحائط في يوم ريح: قاله ابن جبير.
وقال ابن زيد صاروا كهشيم حظيرة الراعي التي تتخذ الغم فتيبس فتصير هشيماً.
وقال مجاهد: صاروا كهشيم الخيمة وهو ما تكسر من (خشبها).
وقال سفيان (هو ما يتناثر من الحصير إذا ضربتها بالعصا.
أي: كذبت جماعة قوم لوط بما أنذرهم به لوط من الإيمان والوعد والوعيد.
قال ﴿إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً﴾ أي: حجارة من السماء وقد تقدم ذكره في غير موضع.
﴿إِلاَّ آلَ لُوطٍ﴾ يعني بناته ﴿نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ﴾.
قال ﴿نِّعْمَةً مِّنْ عِندِنَا﴾ نصب " نعمة " على أنها مفعول لها، ولذلك لا يتم الوقف على " سحر " أي: أنجيناهم من العذاب للنعمة من الله عليهم.
ثم قال ﴿كَذَلِكَ نَجْزِي مَن شَكَرَ﴾ أي: كما أنجينا آل لوط من العذاب، كذلك نجزي
أي: حذرهم لوط قبل حلول العذاب لهم نقمة الله تعالى لهم، فشكوا فيما توعدهم به وأنذرهم إياه.
قال: ﴿وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ﴾ أي: راود قوم لوط لوطاً في أضيافه ليفعلوا بهم ما كانوا يفعلون بمن دخل قريتهم من الذكور.
﴿فَطَمَسْنَآ أَعْيُنَهُمْ﴾ أي: طمس على أعينهم، أي: غطينا عليها.
وروي أن جبريل عليه السلام استأذن ربه تعالى في عقوبتهم ليلة أتوا لوطاً وأنهم عالجوا الباب ليدخلوا عليه فصفقهم بجناحه فتركهم عمياً لا يرون يترددون.
قال ابن زيد: هؤلاء قوم لوط حين أرادوا من ضيفه طمس الله أعينهم. وقد كان ينهاهم عن عملهم الخبيث الذي كانوا يعملون فقالوا له إنه لا نترك عملنا فإياك أن تنزل أحداً أو تضيفه أو تدعه ينزل عندك فإنا لا نتركه، قال فلما جاءه المرسلون خرجت امرأته الشقية فأتتهم فدعتهم وقالت لهم تعالوا فأنه قد جاء قوم لم
وكذلك ذكر مجاهد مثل معنى هذا.
ثم قال ﴿فَذُوقُواْ عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ أي: ذوقوا عذابي الذي حل بكم، وعاقبة إنذاري لكم، وقيل إنه من قول الملائكة لهم أي: قالت الملائكة لهم فذوقوا عذاب الله، وعاقبة ما أنذركم به.
أي: ولقد صبحهم قوم لوط عند طلوع الفجر عذاب ثابت إلى يوم القيامة، وهو أن قلبت عليهم المدينة، وأرسلت الحجارة عليهم وعلى من غاب من المدينة وحلوا في عذاب إلى يوم القيامة. قال قتادة: استقر بهم العذاب إلى نار جهنم. /
قد تقدم تفسير كل هذا.
(كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ) [٤٢] أي: كذبوا بكل ما جاءهم به موسى ﷺ فأخذهم الله بالعذاب أخذ منيع قادر على ما يريد، فأغرقهم أجمعين.
ثم قال ﴿أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ﴾ أي: أكفاركم يا قريش، (أي الذين إن يروا آية) يعرضوا ويقولوا سحر مستمر، خير من هؤلاء الذين تقدم ذكرهم، وأخذهم العذاب لكفرهم، فيقولوا إنا ننجوا لشرفنا، بل ليس هم بخير منهم، فإذا كانوا قد هلكوا بكفرهم فما يؤمنك أن يصيبكم مثل ما أصابهم من العذاب [وهذا] لفظ استفهام معناه التوقيف. حكى سيبويه: الشقاء أحب إليك أم السعادة.
قال ابن عباس معناه ليس كفاركم خيراً من وقوم نوح وقوم لوط.
ثم قال ﴿أَمْ لَكُم بَرَآءَةٌ فِي الزبر﴾ [أي] أم لكم كتاب فيه براءة لكم من العذاب في كتاب الله تعالى. ﴿ أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ﴾ أي: أم يقول كفار
فصدق الله تعالى رسوله ﷺ وعده، وهزم المشركين يوم بدر وولوا هاربين.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنهـ لما نزلت ﴿سَيُهْزَمُ الجمع وَيُوَلُّونَ الدبر﴾ جعلت أقول أي: جمع يهزم، فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله ﷺ يقول سيهزم الجمع ويولون الدبر. وأكثر المفسرين على أنه يوم بدر هزموا فيه وولوا الدبر.
(قالت عائشة رضي الله عنها لقد نزل على محمد ﷺ بمكة وإني لجارية أَلْعَب. ﴿بَلِ الساعة مَوْعِدُهُمْ﴾ الآية أي: يوم القيامة موعدهم للعذاب بل ذلك الوقت أدهى وأمر من الهزيمة التي كانت عليهم في الدنيا وتوليتهم الدبر.
وأدهى من الداهية والداهية (الأمر العظيم) الذي لا ينفع فيه دواء. وَأَمْرُ من المَرَارة.
روى أنس عن النبي ﷺ أنه: " قال: هم القدرية الذين يقولون الخير والشر بأيدينا ليس لهم في شفاعتي نصيب ولا أنا منهم ولا هم مني ".
وقيل القول هنا محذوف. والمعنى يقال لهم: ذوقوا مس سقر. ومعنى يسحبون: أي: يجرون إلى النار. وفي قراءة ابن مسعود " إِلَى اُلنّاِر " على التفسير، " وسَقَى " إسم من أسماء أبواب جهنم أعاذنا الله منها.
وروى ابن جبير عن ابن عباس أنه قال: لوددت أن عندي رجلا من أهل القدر فوجأت رأسه، قال: ولم ذلك لأن الله تعالى خلق لوحاً محفوظاً من درة بيضاء، دفتاه ياقوتة حمراء وقلمه ذهب وكتابه نور، وعرضه ما بين السماء والأرض ينظر الله فيه كل يوم ستين وثلاث مائة نظرة يخلق في كل نظرة، ويحيي ويميت ويقدر ويدبر،
وقوله ﴿ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ﴾ هو على المجاز، كما يقال وجدت مس الحمى، وذاق طعم الموت.
وقوله ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ أي: بمقدار قدرناه وقضيناه وفي هذا بيان بالتوعد للقائلين بالقدر.
وقال ابن عباس: إني لأجد في القرآن قوما يسحبون في النار وعلى وجوههم، يقال لهم ذوقوا مس سقر لأنهم كانوا يكذبون بالقدر وإني لأراهم فما أدري أشيء [كان] قبلنا أم شيء فيما بقي.
وقال أبو هريرة خاصمت مشركو قريش النبي ﷺ في القدر، فأنزل الله تعالى ﴿إِنَّ المجرمين فِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ﴾ إلى قوله ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾.
(وقال أبو عبد الرحمان السلمي لما نزلت هذه الآية: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ)، قال رجل يا رسول الله ففيم العمل، أفي شيء نستأنفه، أم في شيء قد فرغ
وقال ابن عباس : إني لأجد في القرآن قوما يسحبون في النار وعلى وجوههم، يقال لهم ذوقوا مس سقر لأنهم كانوا يكذبون بالقدر٢ وإني لأراهم فما أدري أشيء [ كان ]٣ قبلنا أم شيء فيما بقي٤.
وقال أبو هريرة خاصمت مشركو قريش النبي صلى الله عليه وسلم في القدر، فأنزل الله تعالى ﴿ إن المجرمين في ضلال وسعر ﴾ إلى قوله ﴿ إنا كل شيء خلقناه بقدر ﴾٥.
( وقال أبو عبد الرحمان السلمي لما نزلت هذه الآية : إنا كل شيء خلقناه٦ بقدر )، قال رجل يا رسول الله ففيم٧ العمل، أفي شيء نستأنفه، أم في شيء قد٨ فرغ منه فقال النبي صلى الله عليه وسلم :( فكل ميسر لما خلق له فسنيسره لليسرى وسنيسره٩ للعسرى١٠ ). وقال محمد بن كعب القرطبي/ لما تكلم الناس في القدر نظرت وإذا هو في هذه الآية أنزلت فيهم :﴿ إن المجرمين في ضلال وسعر ﴾ إلى ﴿ خلقه بقدر ﴾١١. قال أبو محمد وقد أملانا الكلام على إعراب هذه الآية، والاستدلال منها على الله خلق كل شيء، وأنه لفظ عام لا خصوص فيه في غير هذا الكلام.
٢ ح: "بالقرآن"..
٣ ساقط من ح..
٤ انظر: جامع البيان ٢٧/٦٥، والدر المنثور ٧/٦٨٥..
٥ انظر: جامع البيان ٢٧/٦٥، والدر المنثور ٧/٦٨٢، ولباب النقول ٢٠٨..
٦ ساقط من ع..
٧ ح: "فيم"..
٨ ساقط من ح..
٩ ع: "أي فسنيسره للعسرى"..
١٠ أخرجه مسلم – كتاب القدر – باب: تصريف الله تعالى القلوب كيف يشاء ١٦/٢٠٤ ومسند الإمام أحمد ٤/٢٧. والترمذي – أبواب: القدر – ما جاء في الشقاء والسعادة ٣/٣٠١ (رقم ٢٢١٩). والطبراني في المعجم الكبير – مسند أبي بكر ١/١٧ (رقم ٤٧). وذكره ابن جرير في جامع البيان ٢٧/٦٥ والواحدي في أسباب النزول ٢٩٩ والسيوطي في الدر المنثور ٧/٦٨٦..
١١ انظر: جامع البيان ٢٧٤/٦٥..
[أي وما أمرنا للشيء إذا أمرنا به وأردنا تكوينه إلا قولة واحدة كن فيكون كلمح البصر] من السرعة لا يتأخر ولا مراجعة فيها.
هذا خطاب لمشركي قريش الذين كذبوا محمداً ﷺ، أي: ولقد أهلكنا نظراءهم من الأمم الماضية المكذبة لرسلها كما كذبتم رسولكم، فما يؤمنك أن تهلكوا كما هلك من كان قبلكم، فهل من متعظ يتعظ فيزدجر عن كفره.
ثم قال ﴿وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزبر﴾ أي: وكل شيء فعله أشياعكم من
وقيل الزبر هنا أم الكتاب، هو في أم الكتاب من قبل أن يخلقوا. ﴿وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُّسْتَطَرٌ﴾ أي: وكل صغير من الأعمال أو كبير مثبت في الكتاب مكتوب في أسطر.
قال تعالى ﴿إِنَّ المتقين فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ﴾ أي: إن الذين اتقوا عقاب الله وآمنوا برسله، وبما جاءتهم به الرسل، في بساتين يوم القيامة.
والنهر ونَهر بمعنى أَنْهَار كما قال: " فِي حَلْقِكُمْ عَظْمٌ وقد شَجينا " وقيل نهر معناه وضياء وسعة، يقال أنهرته إذا وسعته. وقرأ الأعمش ونهر بالضم جعله جمع " نهار " كقَذَالِ وقُذَالَ.
سورة القمر
سورة (القَمَر) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الطارق)، وقد افتُتحت ببيانِ اقتراب أمر الله؛ من تحقُّقِ وقوع الساعة وشِدَّة اقترابها، وتقسيم الناس في جزائهم إلى أهلِ الجِنان، وأهل النِّيران والخسران؛ من خلال قصِّ سِيَرِ بعض الأنبياء، وقد كان صلى الله عليه وسلم يَقرأ سورة (القمر) في عيدَيِ الفطر والأضحى.
ترتيبها المصحفي
54نوعها
مكيةألفاظها
342ترتيب نزولها
37العد المدني الأول
55العد المدني الأخير
55العد البصري
55العد الكوفي
55العد الشامي
55* قوله تعالى: {اْقْتَرَبَتِ اْلسَّاعَةُ وَاْنشَقَّ اْلْقَمَرُ ١ وَإِن يَرَوْاْ ءَايَةٗ يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٞ مُّسْتَمِرّٞ} [القمر: 1-2]:
عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «سألَ أهلُ مكَّةَ النبيَّ ﷺ آيةً، فانشَقَّ القمرُ بمكَّةَ مرَّتَينِ؛ فنزَلتِ: {اْقْتَرَبَتِ اْلسَّاعَةُ وَاْنشَقَّ اْلْقَمَرُ} [القمر: 1] إلى قولِه: {سِحْرٞ مُّسْتَمِرّٞ} [القمر: 2]، يقولُ: ذاهبٌ». أخرجه الترمذي (٣٢٨٦).
* قوله تعالى: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي اْلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ ٤٨ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَٰهُ بِقَدَرٖ} [القمر: 48-49]:
عن أبي هُرَيرةَ رضي الله عنه، قال: «جاء مشرِكو قُرَيشٍ يُخاصِمون رسولَ اللهِ ﷺ في القَدَرِ؛ فنزَلتْ: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي اْلنَّارِ عَلَىٰ وُجُوهِهِمْ ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ ٤٨ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَٰهُ بِقَدَرٖ} [القمر: 48-49]». أخرجه مسلم (٢٦٥٦).
* سورة (القمر):
سُمِّيت سورةُ (القمر) بذلك؛ لافتتاحها بذكرِ انشقاق القمر، وهي معجزةٌ من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم.
* كان صلى الله عليه وسلم يقرأ سورة (القمر) في عيدَيِ الفطر والأضحى:
عن عُبَيدِ اللهِ بن عبدِ اللهِ: «أنَّ عُمَرَ بنَ الخطَّابِ سألَ أبا واقدٍ اللَّيْثيَّ: ما كان رسولُ اللهِ ﷺ يَقرأُ في الفِطْرِ والأضحى؟ قال: كان النبيُّ ﷺ يَقرأُ بـ {قٓۚ وَاْلْقُرْءَانِ اْلْمَجِيدِ}، و{اْقْتَرَبَتِ اْلسَّاعَةُ وَاْنشَقَّ اْلْقَمَرُ}». أخرجه ابن حبان (2820).
1. المقدمة (١-٥).
2. إنذارٌ ووعيد (٦-٨).
3. عاقبة قوم نوحٍ (٩-١٧).
4. عاقبة عادٍ (١٨-٢٢).
5. عاقبة ثمودَ (٢٣-٣٢).
7. عاقبة قوم لوطٍ (٣٣-٤٠).
8. عاقبة المكذِّبين من آلِ فرعون (٤١-٤٢).
9. تعقيبٌ وختام (٤٣-٥٥).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /515).
مقصدُ السورة بيانُ أمر الساعة، وتحقُّق وقوعها، وشدة قُرْبه، وإثباتُ الجزاء للمؤمنين بالجنان، وللكافرين بالنِّيران والخسران، ويشير ابن عاشور إلى مقصدها بقوله: «تسجيل مكابَرة المشركين في الآيات البيِّنة.
وأمرُ النبي صلى الله عليه وسلم بالإعراض عن مكابَرتهم.
وإنذارُهم باقتراب القيامة، وبما يَلقَونه حين البعث من الشدائد.
وتذكيرهم بما لَقِيَتْه الأُمَمُ أمثالهم من عذاب الدنيا لتكذيبهم رُسُلَ الله، وأنهم سيَلقَون مثلما لَقِيَ أولئك؛ إذ ليسوا خيرًا من كفار الأمم الماضية.
وإنذارهم بقتالٍ يُهزَمون فيه، ثم لهم عذابُ الآخرة، وهو أشد.
وإعلامهم بإحاطة الله علمًا بأفعالهم، وأنه مُجازيهم شرَّ الجزاء، ومُجازٍ المتقين خيرَ الجزاء.
وإثبات البعث، ووصف بعض أحواله.
وفي خلال ذلك، تكريرُ التنويه بهَدْيِ القرآن وحِكْمته». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (27 /166).
وينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /40).