تفسير سورة الأعلى

تفسير مقاتل بن سليمان

تفسير سورة سورة الأعلى من كتاب تفسير مقاتل بن سليمان
لمؤلفه مقاتل بن سليمان . المتوفي سنة 150 هـ
سورة الأعلى مكية، عددها تسع عشرة آية كوفي

قوله: ﴿ سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ﴾ [آية: ١] يقول سبحانه: نزه اسم ربك الأعلى، يقول: نزهه من الشرك بشهادة أن لا إله إلا الله، فذلك قوله: ﴿ ٱلأَعْلَىٰ ﴾ قال: ﴿ ٱلَّذِي خَلَقَ ﴾ الإنسان في بطن أمه من نطفة، ثم من علقة، ثم من مضغة، قال: ﴿ فَسَوَّىٰ ﴾ [آية: ٢] يقول: فسوى خلقه ﴿ وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ ﴾ [آية: ٣] يقول: الذي قدر الولد في بطن أمه تسعة أشهر، فلما بلغ الوقت هداه للخروج من بطن أمه، وأيضاً قوله: ﴿ قَدَّرَ فَهَدَىٰ ﴾ يعني قدر الذكر والأنثى فعلمه، كيف يأتيها؟ وكيف تأتيه؟. وأما قوله: ﴿ وَٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلْمَرْعَىٰ ﴾ [آية: ٤] ﴿ فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَىٰ ﴾ [آية: ٥] بصعنه يقول: الذي أخرج الحشيش والكلأ في الشتاء، فتراه رطباً فيجعله بعد الرطوبة، والخضرة إلى اليبوسة، قوله: ﴿ سَنُقْرِئُكَ ﴾ القرآن يا محمد نجمعه في قلبك ﴿ فَلاَ تَنسَىٰ ﴾ [آية: ٦] فلا تنساه أبداً، ثم استثنى، فقال: ﴿ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ ﴾ يعني إلا ما شاء الله فينسخها، ويأت بخير منها، ثم قال: ﴿ إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ وَمَا يَخْفَىٰ ﴾ [آية: ٧] يعلم الجهر من القول والفعل، وما يخفى منهما.﴿ وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَىٰ ﴾ [آية: ٨] يقول: ونبدلك مكان آية بأيسر منها، ثم قال: ﴿ فَذَكِّرْ ﴾ يا محمد: اذكر بشهادة أن لا إله إلا الله ﴿ إِن ﴾ يعني قد ﴿ نَّفَعَتِ ٱلذِّكْرَىٰ ﴾ [آية: ٩] شهادة أن لا إله إلا الله، الذين من قبلك، قال: ﴿ سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ ﴾ [آية: ١٠] يقول: سيوحد الله من يخشاه، يقول: من يخشاه غفر له، ولم يؤاخذه ﴿ وَيَتَجَنَّبُهَا ٱلأَشْقَى ﴾ [آية: ١١] يقول: ويتهاون بها، يعني بالتوحيد الأشقى ﴿ ٱلَّذِى ﴾ قد سبق علم الله فيه بالشقاء الذي ﴿ يَصْلَى ٱلنَّارَ ٱلْكُبْرَىٰ ﴾ [آية: ١٢] وهي نار جهنم، قال: ﴿ ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا ﴾ [آية: ١٣] يقول: لا يموت في النار فيستريح، ولا يحيا حياة طيبة، ولكنه في بلاء ما دام في النار يأتيه الموت من كل مكان، ما هو بميت ويحترق كل يوم سبع مرات، ثم يعاد إلى العذاب ليس له طعام إلا من لحمه، فذلك قوله: ولا طعام إلا من غسلين، يأكل النار وتأكله وهو في النار، لباسه النار، وعلى رأسه نار، وفى عنقه نار، وفى كل مفصل منه سبعة ألوان من ألوان العذاب، لا يرحم أبداً، ولا يشبع أبداً، ولا يموت أبداً، ولا يعيش معيشة طيبة أبداً، الله عليه غضبان، والملائكة غضاب، وجهنم غضبانة. قوله: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ ﴾ [آية: ١٥] يقول: قد أفلح من أدى الزكاة، وشهد أن لا إله إلا الله، وصلى الصلوات الخمس، قوله: ﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا ﴾ [آية: ١٦] بقول: بل تختارون الحياة الدنيا ﴿ وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ إِنَّ هَـٰذَا لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ ﴾ [آية: ١٨] يقول: الكتب الأولى ﴿ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ ﴾ كيف إبراهيم ﴿ وَ ﴾ كتب ﴿ وَمُوسَىٰ ﴾ [آية: ١٩] وهي التوراة، فأما صحف إبراهيم فقد رفعت.
سورة الأعلى
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الأعلى) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بتنزيه الله عز وجل عن كلِّ نقص، وإثباتِ العلوِّ المطلق له سبحانه، وجاءت على أمثلةٍ من قدرة الله عز وجل في هذا الكون؛ طلبًا من المؤمن أن يُزكِّيَ نفسَه، ويلجأَ إلى خالق هذا الكونِ وحده، و(الأعلى) هو أحدُ أسماءِ الله الحسنى، وقد حرَصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قراءتِها في غير موضع؛ كالجمعة، والعيدَينِ، والوتر.

ترتيبها المصحفي
87
نوعها
مكية
ألفاظها
72
ترتيب نزولها
8
العد المدني الأول
19
العد المدني الأخير
19
العد البصري
19
العد الكوفي
19
العد الشامي
19

* سورة (الأعلى):

سُمِّيت سورة (الأعلى) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} [الأعلى: 1].

* وتُسمَّى كذلك بسورة {سَبِّحْ}؛ لافتتاحها بهذا اللفظ.

* أمَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يُجعَل لفظُ أولِ آيةٍ من سورة (الأعلى) في السجود:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا نزَلتْ: {فَسَبِّحْ بِاْسْمِ رَبِّكَ اْلْعَظِيمِ} [الواقعة: 96]، قال رسولُ اللهِ ﷺ: «اجعَلوها في ركوعِكم»، فلمَّا نزَلتْ: {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} [الأعلى: 1]، قال: «اجعَلوها في سجودِكم»». أخرجه ابن حبان (١٨٩٨).

 حرَصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قراءةِ سورة (الأعلى) في كثيرٍ من المواطن؛ من ذلك:

* في صلاة العِيدَينِ: عن سَمُرةَ بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يَقرأُ في العِيدَينِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، و{هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ اْلْغَٰشِيَةِ}». أخرجه أحمد (٢٠١٦١).

* في صلاة الظُّهْرِ: عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الظُّهْرِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} ونحوِها، وفي الصُّبْحِ بأطوَلَ مِن ذلك». أخرجه مسلم (٤٦٠).

* في صلاة الوتر: عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُوتِرُ بثلاثٍ، يَقرأُ فيهنَّ في الأولى: بـ{سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، وفي الثانيةِ: بـ{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، وفي الثالثةِ: بـ{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}». أخرجه النسائي (١٧٠١).

* في صلاة الجمعة: عن سَمُرةَ بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ كان يَقرأُ في صلاةِ الجمعة بـ{سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، و{هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ اْلْغَٰشِيَةِ}». أخرجه أبو داود (١١٢٥).

1. تسبيح وتعظيم (١-٥).

2. تكليف وامتنان (٦-١٣).

3. الحديث عن أهل التذكُّر (١٤-١٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /110).

يقول ابنُ عاشور عن مقاصدها: «اشتملت على تنزيهِ الله تعالى، والإشارة إلى وَحْدانيته؛ لانفراده بخَلْقِ الإنسان، وخلق ما في الأرض مما فيه بقاؤه.
وعلى تأييد النبي صلى الله عليه وسلم، وتثبيته على تَلقِّي الوحي.
وأنَّ اللهَ مُعطِيه شريعةً سَمْحة، وكتابًا يَتذكَّر به أهلُ النفوس الزكيَّة الذين يَخشَون ربهم، ويُعرِض عنهم أهلُ الشقاوة الذين يؤثِرون الحياة الدنيا، ولا يعبؤون بالحياة الأبدية.
وأن ما أوحيَ إليه يُصدِّقه ما في كتب الرسل من قبله؛ وذلك كلُّه تهوين لِما يَلقَاه من إعراض المشركين». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /272).