تفسير سورة الأعلى

تفسير البيضاوي

تفسير سورة سورة الأعلى من كتاب أنوار التنزيل وأسرار التأويل المعروف بـتفسير البيضاوي.
لمؤلفه البيضاوي . المتوفي سنة 685 هـ
سورة الأعلى مكية وأيها تسع عشرة آية.

(٨٧) سورة الأعلى
مكية وآيها تسع عشرة آية
[سورة الأعلى (٨٧) : الآيات ١ الى ٢]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢)
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى نزه اسمه عن الإلحاد فيه بالتأويلات الزائغة وإطلاقه على غيره زاعماً أنهما فيه سواء وذكره لا على على وجه التعظيم، وقرئ «سبحان ربي الأعلى».
وفي الحديث «لما نزلت فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ قال عليه الصلاة والسلام اجعلوها في ركوعكم، فلما نزلت سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال عليه الصلاة والسلام اجعلوها في سجودكم» وكانوا يقولون في الركوع اللهم لك ركعت وفي السجود اللهم لك سجدت.
الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى خلق كل شيء فسوى خلقه بأن جعل له ما به يتأتى كماله ويتم معاشه.
[سورة الأعلى (٨٧) : الآيات ٣ الى ٥]
وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (٣) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى (٤) فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى (٥)
وَالَّذِي قَدَّرَ أي قدر أجناس الأشياء وأنواعها وأشخاصها ومقاديرها وصفاتها وأفعالها وآجالها.
فَهَدى فوجهه إلى أفعاله طبعاً واختياراً بخلق الميول والإِلهامات ونصب الدلائل وانزال الآيات.
وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى أنبت ما ترعاه الدواب.
فَجَعَلَهُ بعد خضرته. غُثاءً أَحْوى يابساً أسود. وقيل أَحْوى حال من المرعى أي أخرجه أَحْوى أي أسود من شدة خضرته.
[سورة الأعلى (٨٧) : الآيات ٦ الى ٧]
سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦) إِلاَّ مَا شاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى (٧)
سَنُقْرِئُكَ على لسان جبريل عليه الصلاة والسلام، أو سنجعلك قارئاً بإلهام القراءة. فَلا تَنْسى أصلاً من قوة الحفظ مع أنك أمي ليكون ذلك آية أخرى لك مع أن الإِخبار به عما يستقبل ووقوعه كذلك أيضاً من الآيات، وقيل نهي والألف للفاصلة كقوله السَّبِيلَا. إِلَّا مَا شاءَ اللَّهُ نسيانه بأن نسخ تلاوته، وقيل أراد به القلة والندرة. لما
روي أنه عليه الصلاة والسلام «أسقط آية في قراءته في الصلاة فحسب أُبيّ أنها نسخت فسأله فقال: نسيتها».
أو نفى النسيان رأساً فإن القلة تستعمل للنفي. إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى ما ظهر من أحوالكم وما بطن، أو جهرك بالقراءة مع جبريل عليه الصلاة والسلام وما دعاك إليه من مخافة النسيان فيعلم ما فيه صلاحكم من ابقاء وإنساء.
[سورة الأعلى (٨٧) : الآيات ٨ الى ١٠]
وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى (٨) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (٩) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (١٠)
وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى ونعدك للطريقة اليسرى في حفظ الوحي، أو التدين ونوفقك لها ولهذه النكتة قال نُيَسِّرُكَ لا نيسر لك عطف على سَنُقْرِئُكَ، وإِنَّهُ يَعْلَمُ اعتراض.
فَذَكِّرْ بعد ما استتب لك الأمر. إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى لعل هذه الشرطية إنما جاءت بعد تكرير التذكير وحصول اليأس من البعض لئلا يتعب نفسه ويتلهف عليهم كقوله: وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ الآية، أو لذم المذكرين واستبعاد تأثير الذكرى فيهم، أو للإشعار بأن التذكير إنما يجب إذا ظن نفعه ولذلك أمر بالإِعراض عمن تولى.
سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى سيتعظ وينتفع بها من يخشى الله تعالى بأن يتأمل فيها فيعلم حقيقتها، وهو يتناول العارف والمتردد.
[سورة الأعلى (٨٧) : الآيات ١١ الى ١٣]
وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى (١٢) ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (١٣)
يَتَجَنَّبُهَا
ويتجنب الذِّكْرى. َْشْقَى
الكافر فإنه أشقى من الفاسق، أوَْشْقَى
من الكفرة لتوغله في الكفر.
الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى نار جهنم
فإنه عليه الصلاة والسلام قال «ناركم هذه جزء من سبعين جزأ من نار جهنم»
، أو ما في الدرك الأسفل منها.
ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيها فيستريح. وَلا يَحْيى حياة تنفعه.
[سورة الأعلى (٨٧) : الآيات ١٤ الى ١٧]
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٧)
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى تطهر من الكفر والمعصية، أو تكثر من التقوى من الزكاء، أو تطهر للصلاة أو أدى الزكاة.
وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ بقلبه ولسانه فَصَلَّى كقوله: أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي ويجوز أن يراد بالذكر تكبيرة التحريم، وقيل تَزَكَّى تصدق للفطر وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ كبره يوم العيد فَصَلَّى صلاته.
بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا فلا تفعلون ما يسعدكم في الآخرة، والخطاب للأشقين على الالتفات أو على إضمار قل، أو للكل فإن السعي للدنيا أكثر في الجملة، وقرأ أبو عمرو بالياء.
وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى فإن نعيمها ملذ بالذات خالص عن الغوائل لا انقطاع له.
[سورة الأعلى (٨٧) : الآيات ١٨ الى ١٩]
إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٨) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى (١٩)
إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى الإِشارة إلى ما سبق من قَدْ أَفْلَحَ فإنه جامع أمر الديانة وخلاصة الكتب المنزلة.
صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى بدل من الصحف الأولى.
قال صلّى الله عليه وسلم «من قرأ سورة الأعلى أعطاه الله عشر حسنات بعدد كل حرف أنزله الله على إبراهيم وموسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام».
سورة الأعلى
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الأعلى) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بتنزيه الله عز وجل عن كلِّ نقص، وإثباتِ العلوِّ المطلق له سبحانه، وجاءت على أمثلةٍ من قدرة الله عز وجل في هذا الكون؛ طلبًا من المؤمن أن يُزكِّيَ نفسَه، ويلجأَ إلى خالق هذا الكونِ وحده، و(الأعلى) هو أحدُ أسماءِ الله الحسنى، وقد حرَصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قراءتِها في غير موضع؛ كالجمعة، والعيدَينِ، والوتر.

ترتيبها المصحفي
87
نوعها
مكية
ألفاظها
72
ترتيب نزولها
8
العد المدني الأول
19
العد المدني الأخير
19
العد البصري
19
العد الكوفي
19
العد الشامي
19

* سورة (الأعلى):

سُمِّيت سورة (الأعلى) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} [الأعلى: 1].

* وتُسمَّى كذلك بسورة {سَبِّحْ}؛ لافتتاحها بهذا اللفظ.

* أمَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يُجعَل لفظُ أولِ آيةٍ من سورة (الأعلى) في السجود:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا نزَلتْ: {فَسَبِّحْ بِاْسْمِ رَبِّكَ اْلْعَظِيمِ} [الواقعة: 96]، قال رسولُ اللهِ ﷺ: «اجعَلوها في ركوعِكم»، فلمَّا نزَلتْ: {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} [الأعلى: 1]، قال: «اجعَلوها في سجودِكم»». أخرجه ابن حبان (١٨٩٨).

 حرَصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قراءةِ سورة (الأعلى) في كثيرٍ من المواطن؛ من ذلك:

* في صلاة العِيدَينِ: عن سَمُرةَ بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يَقرأُ في العِيدَينِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، و{هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ اْلْغَٰشِيَةِ}». أخرجه أحمد (٢٠١٦١).

* في صلاة الظُّهْرِ: عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الظُّهْرِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} ونحوِها، وفي الصُّبْحِ بأطوَلَ مِن ذلك». أخرجه مسلم (٤٦٠).

* في صلاة الوتر: عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُوتِرُ بثلاثٍ، يَقرأُ فيهنَّ في الأولى: بـ{سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، وفي الثانيةِ: بـ{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، وفي الثالثةِ: بـ{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}». أخرجه النسائي (١٧٠١).

* في صلاة الجمعة: عن سَمُرةَ بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ كان يَقرأُ في صلاةِ الجمعة بـ{سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، و{هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ اْلْغَٰشِيَةِ}». أخرجه أبو داود (١١٢٥).

1. تسبيح وتعظيم (١-٥).

2. تكليف وامتنان (٦-١٣).

3. الحديث عن أهل التذكُّر (١٤-١٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /110).

يقول ابنُ عاشور عن مقاصدها: «اشتملت على تنزيهِ الله تعالى، والإشارة إلى وَحْدانيته؛ لانفراده بخَلْقِ الإنسان، وخلق ما في الأرض مما فيه بقاؤه.
وعلى تأييد النبي صلى الله عليه وسلم، وتثبيته على تَلقِّي الوحي.
وأنَّ اللهَ مُعطِيه شريعةً سَمْحة، وكتابًا يَتذكَّر به أهلُ النفوس الزكيَّة الذين يَخشَون ربهم، ويُعرِض عنهم أهلُ الشقاوة الذين يؤثِرون الحياة الدنيا، ولا يعبؤون بالحياة الأبدية.
وأن ما أوحيَ إليه يُصدِّقه ما في كتب الرسل من قبله؛ وذلك كلُّه تهوين لِما يَلقَاه من إعراض المشركين». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /272).