تفسير سورة الأعلى

تيسير التفسير

تفسير سورة سورة الأعلى من كتاب تيسير التفسير
لمؤلفه إبراهيم القطان . المتوفي سنة 1404 هـ
سورة الأعلى مكية وآياتها تسع عشرة، نزلت بعد سورة التكوير.
وقد بدئت بتنزيه خالق هذا الكون، الذي خلق كل شيء وأتقنه، وقدّر لكل شيء ما يصلحه فهداه إليه، كما أنبت المرعى أخضر يانعا ثم جعله غُثاء أحوى. وفيها بشرى للرسول الكريم بأن الله سيُقرئه القرآن فلا ينساه إلا ما شاء الله الذي يعلم ما يجهر به العباد وما يُخفونه. ثم أمرت الرسول الكريم أن يذكّر بالقرآن لعلهم ينتفعون بالذكرى، فالذي يخاف الله يتذكر ويخشع، أما الأشقى فهو يصرّ على العناد، ويلقى مصيرا مظلما هو نار جهنم الكبرى، فلا يموت فيها فيستريح، ولا يحيا حياة طيبة يسعد فيها.
وأكدت السورة أن الفلاح لمن طهّر نفسه وزكّاها، وذكر اسم ربه فصلّى. وأن كثيرا من الناس يفضّلون هذه الحياة الدنيا، مع أن الآخرة خير وأبقى. وأن هذا المذكور في هذه السورة ثابت في الصحف القديمة، صحف إبراهيم وموسى.
روى الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي عن النعمان بن بشير رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين والجمعة : سبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية.

التسبيح : التنزيه.
نزّه يا محمد ربّك الأعظم عن كل ما لا يليق بجلاله. وقد وجّه الله الأمر بتسبيحِ اسمه الأعلى دون تسبيح ذاته ليرشدَنا إلى أن مبلغ جهدنا هو معرفةُ صفاته. أما ذاتُه العليّة فهي أعلى وأبعد من أن ندركها في هذه الحياة الدنيا.
فسوّى : فعدل هذا الكون وقومه.
ثم ذَكَر أوصافَه الجليلة ومظاهر قدرته البالغة وكمالَه فقال :
﴿ الذي خَلَقَ فسوى ﴾
هذا الكونَ العجيب وأتقنَ خلقه، وأبدع صنعه.
وقدّر فهدى : قدّر لكل كائن ما يصلحه فهداه إليه.
قدّر لكل مخلوق ما يصلحه فهداه إليه، وعرّفه وجه الانتفاع به.
قراءات :
قرأ الكسائي : قدر بالتخفيف. والباقون : قدّر بالتشديد.
المرعى : كل ما تنبته الأرض لصالح الحيوان.
وأنبتَ النبات مختلف الأشكال لترعاه الدواب.
غُثاء : يابسا مسودّا. والغثاء : ما يحمله السيل من الحشائش والأوراق التي لا قيمة لها. يقال غثا الوادي يغثو غثُوّاً كثُرَ فيه الغثاء.
أحوى : ما يُحيل لونَه إلى السواد.
أي صيَّره يابسا جافا بعد الخضرة والنضارة. وفي هذا عبرة لذوي العقول، فكما أن النبات يبدأ أخضر زاهيا ثم يَميل إلى الجفاف والسواد، فكذلك الحياةُ الدنيا زائلة فانية، والآخرة هي الباقية.
وبعد أن ذكر الله دلائلَ قدرته، ذكر فضلَه على رسوله الكريم مع البشرى العظيمة له ولأمته بقوله :
﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى ﴾، بشرى عظيمة من الله تعالى لك يا محمد أنه سيشرح صدرَك، ويقوّي ذاكرتَك فتتلقى القرآنَ وتحفظه فلا تنساه.
﴿ إِلاَّ مَا شَآءَ الله ﴾ أن تنساه. فإنه تعالى يعلم ما يجهر به عباده وما يخفونه.
نيسّرك لليسرى : نوفقك إلى طريق الخير.
ثم يزيد البشارة فيقول :﴿ وَنُيَسِّرُكَ لليسرى ﴾ ونوفّقك للطريقة السهلة. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب اليُسر في كل الأمور.
روت عائشة رضي الله عنها أنه ما خُير بين أمرين إلا اختار أيسرهما. رواه البخاري ومسلم. وكلُّ سيرته مبنيّة على اليسر، وأحاديثه تحضُّ على اليسر والسماحة والرِفق في تناول الأمور.
لقد منّ الله عليه بهذه البشرى : أَقرأه فلا ينسى إلا ما شاءَ الله، ويسّره لليسرى حتى ينهضَ بالأمانة الكبرى. فلهذا أُعِد ولهذا يُسّر.
الذِكرى : الموعظة.
ذكِّر الناسَ بما أوحيناه إليك، لعلّهم يرجعون إلى الله.
وينتفع بتذكيرك من يخاف الله.
الأشقى : المصرّ على العناد.
أما المعاندون الجاحدون فلا تنفع معهم الذكرى ولا تجدي.
فالأشقى المصرّ على العناد لا يسمع لها ولا يستفيد منها.
يصلَى النار : يدخلها.
ومصيره إلى النار الكبرى.
لا يموتُ فيها فيستريح بالموت، ولا يحيا حياةً يهنَأُ بها.. بل يبقى في العذاب خالدا.
قد أفلح : قد فاز.
من تزكّى : من طهر نفسه بالإيمان.
أما الذي ينتفع بالذِكرى فإنه من أهل الفوز والفلاح.
لقد فاز من تطهر من الشرك والآثام.
وذكر اسم خالقه بقلبه ولسانه فصلّى خاشعا يرجو رحمة ربه.
تؤثرون : تفضّلون.
قراءات :
قرأ أبو عمرو وروح : يؤثرون بالياء. والباقون تؤثرون بالتاء.
وأبقى : أدوم.
ثم ردّ سبحانه على من قست قلوبهم، وتعلقوا بهذه الحياة الفانية ونسوا الآخرة فقال :
﴿ إِنَّ هذا لَفِي الصحف الأولى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وموسى ﴾.
إن جميع ما أُوحي به إلى النبي الكريم هو بعينه ما جاء في صحف إبراهيم وموسى، فدينُ الله واحد، وإنما تختلف صورهُ وتتعدّد مظاهره..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٦:تؤثرون : تفضّلون.

قراءات :

قرأ أبو عمرو وروح : يؤثرون بالياء. والباقون تؤثرون بالتاء.

سورة الأعلى
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الأعلى) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بتنزيه الله عز وجل عن كلِّ نقص، وإثباتِ العلوِّ المطلق له سبحانه، وجاءت على أمثلةٍ من قدرة الله عز وجل في هذا الكون؛ طلبًا من المؤمن أن يُزكِّيَ نفسَه، ويلجأَ إلى خالق هذا الكونِ وحده، و(الأعلى) هو أحدُ أسماءِ الله الحسنى، وقد حرَصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قراءتِها في غير موضع؛ كالجمعة، والعيدَينِ، والوتر.

ترتيبها المصحفي
87
نوعها
مكية
ألفاظها
72
ترتيب نزولها
8
العد المدني الأول
19
العد المدني الأخير
19
العد البصري
19
العد الكوفي
19
العد الشامي
19

* سورة (الأعلى):

سُمِّيت سورة (الأعلى) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} [الأعلى: 1].

* وتُسمَّى كذلك بسورة {سَبِّحْ}؛ لافتتاحها بهذا اللفظ.

* أمَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يُجعَل لفظُ أولِ آيةٍ من سورة (الأعلى) في السجود:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا نزَلتْ: {فَسَبِّحْ بِاْسْمِ رَبِّكَ اْلْعَظِيمِ} [الواقعة: 96]، قال رسولُ اللهِ ﷺ: «اجعَلوها في ركوعِكم»، فلمَّا نزَلتْ: {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} [الأعلى: 1]، قال: «اجعَلوها في سجودِكم»». أخرجه ابن حبان (١٨٩٨).

 حرَصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قراءةِ سورة (الأعلى) في كثيرٍ من المواطن؛ من ذلك:

* في صلاة العِيدَينِ: عن سَمُرةَ بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يَقرأُ في العِيدَينِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، و{هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ اْلْغَٰشِيَةِ}». أخرجه أحمد (٢٠١٦١).

* في صلاة الظُّهْرِ: عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الظُّهْرِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} ونحوِها، وفي الصُّبْحِ بأطوَلَ مِن ذلك». أخرجه مسلم (٤٦٠).

* في صلاة الوتر: عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُوتِرُ بثلاثٍ، يَقرأُ فيهنَّ في الأولى: بـ{سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، وفي الثانيةِ: بـ{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، وفي الثالثةِ: بـ{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}». أخرجه النسائي (١٧٠١).

* في صلاة الجمعة: عن سَمُرةَ بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ كان يَقرأُ في صلاةِ الجمعة بـ{سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، و{هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ اْلْغَٰشِيَةِ}». أخرجه أبو داود (١١٢٥).

1. تسبيح وتعظيم (١-٥).

2. تكليف وامتنان (٦-١٣).

3. الحديث عن أهل التذكُّر (١٤-١٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /110).

يقول ابنُ عاشور عن مقاصدها: «اشتملت على تنزيهِ الله تعالى، والإشارة إلى وَحْدانيته؛ لانفراده بخَلْقِ الإنسان، وخلق ما في الأرض مما فيه بقاؤه.
وعلى تأييد النبي صلى الله عليه وسلم، وتثبيته على تَلقِّي الوحي.
وأنَّ اللهَ مُعطِيه شريعةً سَمْحة، وكتابًا يَتذكَّر به أهلُ النفوس الزكيَّة الذين يَخشَون ربهم، ويُعرِض عنهم أهلُ الشقاوة الذين يؤثِرون الحياة الدنيا، ولا يعبؤون بالحياة الأبدية.
وأن ما أوحيَ إليه يُصدِّقه ما في كتب الرسل من قبله؛ وذلك كلُّه تهوين لِما يَلقَاه من إعراض المشركين». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /272).