surah.tafsir

النهر الماد من البحر المحيط

surah.tafsir من كتاب النهر الماد من البحر المحيط
لمؤلفه . المتوفي سنة 745 هـ

﴿ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ * سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ ﴾ هذه السورة مكية ولما ذكر فيما قبلها فلينظر الإِنسان مم خلق كان قائلاً قال من خلقه على هذا المثال فقال: ﴿ سَبِّحِ ٱسْمَ رَبِّكَ ﴾.
وأيضاً لما قال: ﴿ ٱلأَعْلَىٰ ﴾ إنه لقول فصل قيل سنقرئك أي ذلك القول الفصل وسبح نزه عن النقائص اسم ربك الظاهر أن التنزيه يقع على الإِسم أي نزهه عن أن يسمى به صنم أو وثن فيقال له: رب أو إلٰه وإذا كان قد أمر بتنزيه اللفظ ان يطلق على غيره فهو أبلغ وتنزيه الذات أحرى وقيل الإِسم هنا بمعنى المسمى قيل" لما نزل سبح إسم ربك الأعلى قال صلى الله عليه وسلم اجعلوها في سجودكم "وكانوا يقولون في الركوع اللهم لك ركعت وفي السجود اللهم لك سجدت والأظهران الأعلى صفة لربك.﴿ ٱلَّذِي ﴾ صفة أيضاً.﴿ خَلَقَ ﴾ أي كل شىء.﴿ فَسَوَّىٰ ﴾ أي لم يأت متفاوتاً بل متناسباً على إحكام وإتقان دلالة على أنه صادر عن عالم حكيم وهذا عام لجميع الهدايات والمرعى النبات الذي يرعى والغثاء ما يقذف به السيل على جانب الوادي من الحشيش والنبات وغير ذلك، والأحوى السواد المائل إلى الخضرة ولما تغايرت الصفات وتباينت أتى لكل صلة بموصول وعطف على كل صلة ما يترتب عليها فجاء الموصول الأول الذي خلق فسوى والثاني: الذي قدر فهدى والثالث: الذي أخرج المرعى فجعله غثاء فأحوى حال من المدعي وآخر لكونه فاصلة.﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىٰ ﴾ هذا في معنى لا تحرك به لسانك وعده الله أن يقرئه وأخبره أنه لا ينسى نسياناً لا يكون بعده ذكر إن كان يحرك شفتيه مبادرة خوفاً من أن ينسى وهذه آية للرسول صلى الله عليه وسلم في أنه أمي وحفظ الله عليه الوحي وأمنه من نسيانه.﴿ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ ﴾ الظاهر أنه استثناء مقصود معناه مما قضى الله تعالى بنسخه وأن ترتفع تلاوته وحكمه. و ﴿ إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ ﴾ أي جهرك بالقرآن.﴿ وَمَا يَخْفَىٰ ﴾ أي في نفسك من خوف التفلت وقد كفاك ذلك بكونه تكفل بإِقرائك إياه وإخباره أنك لا تنسى إلا ما استثناه وتضمن ذلك إحاطة علمه تعالى باشياء.﴿ وَنُيَسِّرُكَ ﴾ معطوف على سنقرئك وما بينهما من الجملة المؤكدة اعتراض أي نوفقك للطريقة التي هي أيسر وأسهل يعني في حفظ الوحي ولما أخبر أنه يقرئه وييسر أمره بالتذكير إذ ثمرة الاقراء هي انتفاعه في ذاته وانتفاع من أرسل إليهم والظاهر أن الأمر بالتذكير مشروط بنفع الذكرى وهذا الشرط إنما جيء به توبيخاً لقريش أي إن نفعت الذكرى في هؤلاء الطغاة العتاة ومعناه استبعاد انتفاعهم بالذكرى.﴿ سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَىٰ ﴾ أي يتذكر بذاكر من يخاف فإِن الخوف حامل على النظر في الذي ينجيه مما يخافه.﴿ وَيَتَجَنَّبُهَا ﴾ أي الذكرى.﴿ ٱلأَشْقَى ﴾ أي البالغ في الشقاوة لأن الكافر بالرسول عليه السلام هو أشقى الكفار كما أن المؤمن به وبما جاء به هو أفضل ممن آمن برسول قبله ثم وصف بما يؤول إليه حاله في الآخرة وهو صلى النار ووصفها بالكبرى وهي نار الآخرة والصغرى نار الدنيا.﴿ ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا ﴾ فيستريح.﴿ وَلاَ يَحْيَا ﴾ حياة هنيئة وجيء بثم المقتضية للتراخي إيذاناً بتفاوت مراتب الشدّة لأن التردد بين الحياة والموت أشد وأفظع من الصلي.﴿ قَدْ أَفْلَحَ ﴾ أي فاز وظفر بالبغية.﴿ مَن تَزَكَّىٰ ﴾ من تطهر من الشرك وقال لا إله إلا الله قاله ابن عباس.﴿ وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ ﴾ أي وحده لم يقرنه بشىء من الأنداد.﴿ فَصَلَّىٰ ﴾ أي الصلاة المفروضة وما أمكنه من النوافل والمعنى أنه لما تذكر من آمن بالله ثم أخبر تعالى عنه أنه أفلح أي من أتى بهاتين العبادتين الصلاة والزكاة وقرىء: يؤثرون بياء الغيبة وبالتاء خطاباً للكفار.﴿ وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ﴾ لفي الصحف الأولى لم ينسخ إفلاح من تزكى والآخرة خير وأبقى في شرع من الشرائع فهو في الأولى وفي آخر الشرائع وتقدم الكلام على صحف إبراهيم وموسى في سورة النجم.
سورة الأعلى
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الأعلى) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بتنزيه الله عز وجل عن كلِّ نقص، وإثباتِ العلوِّ المطلق له سبحانه، وجاءت على أمثلةٍ من قدرة الله عز وجل في هذا الكون؛ طلبًا من المؤمن أن يُزكِّيَ نفسَه، ويلجأَ إلى خالق هذا الكونِ وحده، و(الأعلى) هو أحدُ أسماءِ الله الحسنى، وقد حرَصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قراءتِها في غير موضع؛ كالجمعة، والعيدَينِ، والوتر.

ترتيبها المصحفي
87
نوعها
مكية
ألفاظها
72
ترتيب نزولها
8
العد المدني الأول
19
العد المدني الأخير
19
العد البصري
19
العد الكوفي
19
العد الشامي
19

* سورة (الأعلى):

سُمِّيت سورة (الأعلى) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} [الأعلى: 1].

* وتُسمَّى كذلك بسورة {سَبِّحْ}؛ لافتتاحها بهذا اللفظ.

* أمَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يُجعَل لفظُ أولِ آيةٍ من سورة (الأعلى) في السجود:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا نزَلتْ: {فَسَبِّحْ بِاْسْمِ رَبِّكَ اْلْعَظِيمِ} [الواقعة: 96]، قال رسولُ اللهِ ﷺ: «اجعَلوها في ركوعِكم»، فلمَّا نزَلتْ: {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} [الأعلى: 1]، قال: «اجعَلوها في سجودِكم»». أخرجه ابن حبان (١٨٩٨).

 حرَصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قراءةِ سورة (الأعلى) في كثيرٍ من المواطن؛ من ذلك:

* في صلاة العِيدَينِ: عن سَمُرةَ بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يَقرأُ في العِيدَينِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، و{هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ اْلْغَٰشِيَةِ}». أخرجه أحمد (٢٠١٦١).

* في صلاة الظُّهْرِ: عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الظُّهْرِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} ونحوِها، وفي الصُّبْحِ بأطوَلَ مِن ذلك». أخرجه مسلم (٤٦٠).

* في صلاة الوتر: عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُوتِرُ بثلاثٍ، يَقرأُ فيهنَّ في الأولى: بـ{سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، وفي الثانيةِ: بـ{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، وفي الثالثةِ: بـ{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}». أخرجه النسائي (١٧٠١).

* في صلاة الجمعة: عن سَمُرةَ بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ كان يَقرأُ في صلاةِ الجمعة بـ{سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، و{هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ اْلْغَٰشِيَةِ}». أخرجه أبو داود (١١٢٥).

1. تسبيح وتعظيم (١-٥).

2. تكليف وامتنان (٦-١٣).

3. الحديث عن أهل التذكُّر (١٤-١٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /110).

يقول ابنُ عاشور عن مقاصدها: «اشتملت على تنزيهِ الله تعالى، والإشارة إلى وَحْدانيته؛ لانفراده بخَلْقِ الإنسان، وخلق ما في الأرض مما فيه بقاؤه.
وعلى تأييد النبي صلى الله عليه وسلم، وتثبيته على تَلقِّي الوحي.
وأنَّ اللهَ مُعطِيه شريعةً سَمْحة، وكتابًا يَتذكَّر به أهلُ النفوس الزكيَّة الذين يَخشَون ربهم، ويُعرِض عنهم أهلُ الشقاوة الذين يؤثِرون الحياة الدنيا، ولا يعبؤون بالحياة الأبدية.
وأن ما أوحيَ إليه يُصدِّقه ما في كتب الرسل من قبله؛ وذلك كلُّه تهوين لِما يَلقَاه من إعراض المشركين». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /272).