تفسير سورة الأعلى

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم

تفسير سورة سورة الأعلى من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ

لما بين كيفيَّة خلقنا أمرنا بتنزيه الخالق شكرا فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * سَبِّحِ ﴾ نَزَّه ﴿ ٱسْمَ رَبِّكَ ٱلأَعْلَىٰ ﴾: عن الإلحاد كما مر في الأعراف، أو ذاته عن النقائص، ويُسْتحبُّ حينئذٍ قول: سبحان ربي الأعلى ﴿ ٱلَّذِي خَلَقَ ﴾: الخلق ﴿ فَسَوَّىٰ ﴾: خلقه غير متفاوت كما مر ﴿ وَٱلَّذِي قَدَّرَ ﴾: الأشياء على مقتضى حكمته ﴿ فَهَدَىٰ ﴾: إلى مصالحها ﴿ وَٱلَّذِيۤ أَخْرَجَ ٱلْمَرْعَىٰ ﴾: العشب للدواب ﴿ فَجَعَلَهُ ﴾: بعد خضرته ﴿ غُثَآءً ﴾: يابسا ﴿ أَحْوَىٰ ﴾: أسود باليا ﴿ سَنُقْرِئُكَ ﴾: سنؤهلك للقراءة ﴿ فَلاَ تَنسَىٰ ﴾: الموحى إليك مع أنك أمي، فتكون آية أخرى، وبعده ما نسيَهُ صلى الله عليه وسلم ﴿ إِلاَّ مَا شَآءَ ٱللَّهُ ﴾: نسيانه بنسخ تلاوته، أو إلا نادرا كما نسى في الصلاة ﴿ إِنَّهُ يَعْلَمُ ٱلْجَهْرَ ﴾: أي: جهرك بالقراءة مع جبريل ﴿ وَمَا يَخْفَىٰ ﴾: كخوفك نسيانه ﴿ وَنُيَسِّرُكَ ﴾: أي: نعدك ﴿ لِلْيُسْرَىٰ ﴾: أي: لأيسر طرق حفظ الوحي ﴿ فَذَكِّرْ ﴾: بالقرآن ﴿ إِن نَّفَعَتِ ٱلذِّكْرَىٰ ﴾: فإذا أيست فلا تتعب، والتذكير تكثير الإنذار وتكريره ﴿ سَيَذَّكَّرُ ﴾: سيتعظ ﴿ مَن يَخْشَىٰ ﴾: فإنه يتفكر فيهما ﴿ وَيَتَجَنَّبُهَا ﴾: أي: يبعد عنها ﴿ ٱلأَشْقَى ﴾: في علم الله تعالى، وهو الكافر ﴿ ٱلَّذِى يَصْلَى ﴾: يدخل ﴿ ٱلنَّارَ ٱلْكُبْرَىٰ ﴾: أي جهنم، فإن نار الدنيا جزء من سبعين جُزْءاً منها ﴿ ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا ﴾: فيستريح ﴿ وَلاَ يَحْيَا ﴾: حياة تتفعه ﴿ قَدْ أَفْلَحَ ﴾: أي: فاز ﴿ مَن تَزَكَّىٰ ﴾: تطهر من الشرك والمعاصي، وقيل: أدى زكاة الفطر ﴿ وَذَكَرَ ٱسْمَ رَبِّهِ ﴾: دائما، أو تكبير العيد في طريق المصلى ﴿ فَصَلَّىٰ ﴾: الخمس أو العيد، والعيد والفطر شرعا بالمدينة لكن يجوز تقديم النزول على الحكم نحو: وأنت حل ﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ ﴾: تختارون ﴿ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا ﴾: فتتركون ما ينفعكم في العُقْبى ﴿ وَٱلآخِرَةُ خَيْرٌ ﴾ لأن نعيمها يلذ بالذات ﴿ وَأَبْقَىٰ * إِنَّ هَـٰذَا ﴾: يعني السورة، أو من: قَدْ أفلح إلى هنا ﴿ لَفِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ ﴾: المنزلة قبل القرآن ﴿ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ ﴾: أنزل الله تعالى مائةً وأربعة كتب، عَشْرُ صُحفٍ على آدم، وخمسون صحيفة على شِيْثٍ، وثلاثون على إدريس، وعشرة على إبرايهم، والتوراة والإنجيل والزبور والفرقان، والله تعالى أعلم.
سورة الأعلى
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الأعلى) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بتنزيه الله عز وجل عن كلِّ نقص، وإثباتِ العلوِّ المطلق له سبحانه، وجاءت على أمثلةٍ من قدرة الله عز وجل في هذا الكون؛ طلبًا من المؤمن أن يُزكِّيَ نفسَه، ويلجأَ إلى خالق هذا الكونِ وحده، و(الأعلى) هو أحدُ أسماءِ الله الحسنى، وقد حرَصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قراءتِها في غير موضع؛ كالجمعة، والعيدَينِ، والوتر.

ترتيبها المصحفي
87
نوعها
مكية
ألفاظها
72
ترتيب نزولها
8
العد المدني الأول
19
العد المدني الأخير
19
العد البصري
19
العد الكوفي
19
العد الشامي
19

* سورة (الأعلى):

سُمِّيت سورة (الأعلى) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} [الأعلى: 1].

* وتُسمَّى كذلك بسورة {سَبِّحْ}؛ لافتتاحها بهذا اللفظ.

* أمَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يُجعَل لفظُ أولِ آيةٍ من سورة (الأعلى) في السجود:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا نزَلتْ: {فَسَبِّحْ بِاْسْمِ رَبِّكَ اْلْعَظِيمِ} [الواقعة: 96]، قال رسولُ اللهِ ﷺ: «اجعَلوها في ركوعِكم»، فلمَّا نزَلتْ: {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} [الأعلى: 1]، قال: «اجعَلوها في سجودِكم»». أخرجه ابن حبان (١٨٩٨).

 حرَصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قراءةِ سورة (الأعلى) في كثيرٍ من المواطن؛ من ذلك:

* في صلاة العِيدَينِ: عن سَمُرةَ بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يَقرأُ في العِيدَينِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، و{هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ اْلْغَٰشِيَةِ}». أخرجه أحمد (٢٠١٦١).

* في صلاة الظُّهْرِ: عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الظُّهْرِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} ونحوِها، وفي الصُّبْحِ بأطوَلَ مِن ذلك». أخرجه مسلم (٤٦٠).

* في صلاة الوتر: عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُوتِرُ بثلاثٍ، يَقرأُ فيهنَّ في الأولى: بـ{سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، وفي الثانيةِ: بـ{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، وفي الثالثةِ: بـ{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}». أخرجه النسائي (١٧٠١).

* في صلاة الجمعة: عن سَمُرةَ بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ كان يَقرأُ في صلاةِ الجمعة بـ{سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، و{هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ اْلْغَٰشِيَةِ}». أخرجه أبو داود (١١٢٥).

1. تسبيح وتعظيم (١-٥).

2. تكليف وامتنان (٦-١٣).

3. الحديث عن أهل التذكُّر (١٤-١٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /110).

يقول ابنُ عاشور عن مقاصدها: «اشتملت على تنزيهِ الله تعالى، والإشارة إلى وَحْدانيته؛ لانفراده بخَلْقِ الإنسان، وخلق ما في الأرض مما فيه بقاؤه.
وعلى تأييد النبي صلى الله عليه وسلم، وتثبيته على تَلقِّي الوحي.
وأنَّ اللهَ مُعطِيه شريعةً سَمْحة، وكتابًا يَتذكَّر به أهلُ النفوس الزكيَّة الذين يَخشَون ربهم، ويُعرِض عنهم أهلُ الشقاوة الذين يؤثِرون الحياة الدنيا، ولا يعبؤون بالحياة الأبدية.
وأن ما أوحيَ إليه يُصدِّقه ما في كتب الرسل من قبله؛ وذلك كلُّه تهوين لِما يَلقَاه من إعراض المشركين». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /272).