تفسير سورة الأعلى

تفسير التستري

تفسير سورة سورة الأعلى من كتاب تفسير التستري المعروف بـتفسير التستري.
لمؤلفه سهل التستري . المتوفي سنة 283 هـ

السورة التي يذكر فيها الأعلى جلّ وعلا
[سورة الأعلى (٨٧) : آية ١]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١)
قوله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [١] قال: هو تنزيهه عن الأضداد والأنداد في الظاهر، وفي الباطن مشاهدته بالذكر في الصلاة دون مشاهدة غيره.
[سورة الأعلى (٨٧) : آية ٣]
وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (٣)
قوله تعالى: قَدَّرَ فَهَدى [٣] قال: قدر عليهم الشقاوة والسعادة، ثم تولى أهل السعادة، ووكل أهل الشقاوة إلى أنفسهم، قال: والهدى هدايان: أحدهما البيان، والآخر التولي من الله تعالى، ألا ترون كيف يهتدي إلى سبب معاشه إلى ثدي أمه لتولي الله إياه وإلهامه إياه.
[سورة الأعلى (٨٧) : آية ١٤]
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤)
قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [١٤] قال: أي فاز وسعد من اتقى الله في السر والعلانية.
[سورة الأعلى (٨٧) : آية ١٦]
بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (١٦)
قوله تعالى: بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا [١٦] قال: ما ينبغي للمؤمن أن يكون في الدنيا إلا كمثل رجل ركب خشبة في البحر، وهو يقول: يا رب يا رب، لعل أن ينجيه منها، وما من عبد مؤمن زهد في الدنيا إلا وكّل الله به ملكاً حكيماً يغرس في قلبه أنواع الحكم، كما يغرس أهل الدنيا في بساتينهم من طرف الأشجار، والله سبحانه وتعالى أعلم.
السورة التي يذكر فيها الغاشية
[سورة الغاشية (٨٨) : الآيات ٢ الى ٣]
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ (٢) عامِلَةٌ ناصِبَةٌ (٣)
قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ [٢] أي ذليلة، لأن الله تعالى أمرها أن تخشع وتذل وتفتقر إليه في الدنيا، فلم تفعل، فأذلها في الآخرة بالذلة الباقية.
قوله تعالى: عامِلَةٌ ناصِبَةٌ [٣] أي عاملة في الدنيا بأنواع البدع والضلالات، ناصبة في الآخرة بالعذاب في الدركات.
[سورة الغاشية (٨٨) : آية ٥]
تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (٥)
تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ [٥] أي من عين صديد قد تناهى حرها كما قال: «حميم» أي قد بلغ في الحر منتهاه.
[سورة الغاشية (٨٨) : الآيات ٨ الى ٩]
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (٨) لِسَعْيِها راضِيَةٌ (٩)
قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ [٨] أي نعمة وكرامة. لِسَعْيِها راضِيَةٌ [٩] في الآخرة.
[سورة الغاشية (٨٨) : الآيات ١٢ الى ١٣]
فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ (١٢) فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (١٣)
قوله تعالى: فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ [١٢] أي مطردة في عين أخدود. فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ [١٣] يعني الفرش مرفوعة، على كل سرير سبعون فراشاً، كل فراش في ارتفاع غرفة من غرف الدنيا. قال سهل: ذكر الله تعالى هذه النعم ليرغبهم فيها، ويحذرهم عقوبته على قدر سلطانه، وكرامته على قدر عظيم شأنه وسلطانه، فلم ينجع ذلك في قلوب كفار مكة فذكر قدرته كي يعتبروا،
[سورة الغاشية (٨٨) : آية ١٧]
أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧)
فقال تعالى: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ [١٧] وهو في الباطن أمر للمؤمنين بالتذلل والافتقار إليه، فقال: انظروا إلى الإبل كيف خلقت، مع خلقتها وقوتها كيف تنقاد لصبي يقودها فلا يكون لها تحير ولا لها دونها اختيار، فلا تعجز أن تكون لربك كالإبل لصاحبها، ولهذا قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «كن لربك كالجمل الأنف» «١»، يعني المطاوع، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(١) في المستدرك على الصحيحين ١/ ١٣٠: (إن المؤمن كالجمل الأنف، حيثما انقيد انقاد).
سورة الأعلى
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الأعلى) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بتنزيه الله عز وجل عن كلِّ نقص، وإثباتِ العلوِّ المطلق له سبحانه، وجاءت على أمثلةٍ من قدرة الله عز وجل في هذا الكون؛ طلبًا من المؤمن أن يُزكِّيَ نفسَه، ويلجأَ إلى خالق هذا الكونِ وحده، و(الأعلى) هو أحدُ أسماءِ الله الحسنى، وقد حرَصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قراءتِها في غير موضع؛ كالجمعة، والعيدَينِ، والوتر.

ترتيبها المصحفي
87
نوعها
مكية
ألفاظها
72
ترتيب نزولها
8
العد المدني الأول
19
العد المدني الأخير
19
العد البصري
19
العد الكوفي
19
العد الشامي
19

* سورة (الأعلى):

سُمِّيت سورة (الأعلى) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} [الأعلى: 1].

* وتُسمَّى كذلك بسورة {سَبِّحْ}؛ لافتتاحها بهذا اللفظ.

* أمَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يُجعَل لفظُ أولِ آيةٍ من سورة (الأعلى) في السجود:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا نزَلتْ: {فَسَبِّحْ بِاْسْمِ رَبِّكَ اْلْعَظِيمِ} [الواقعة: 96]، قال رسولُ اللهِ ﷺ: «اجعَلوها في ركوعِكم»، فلمَّا نزَلتْ: {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} [الأعلى: 1]، قال: «اجعَلوها في سجودِكم»». أخرجه ابن حبان (١٨٩٨).

 حرَصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قراءةِ سورة (الأعلى) في كثيرٍ من المواطن؛ من ذلك:

* في صلاة العِيدَينِ: عن سَمُرةَ بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يَقرأُ في العِيدَينِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، و{هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ اْلْغَٰشِيَةِ}». أخرجه أحمد (٢٠١٦١).

* في صلاة الظُّهْرِ: عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الظُّهْرِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} ونحوِها، وفي الصُّبْحِ بأطوَلَ مِن ذلك». أخرجه مسلم (٤٦٠).

* في صلاة الوتر: عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُوتِرُ بثلاثٍ، يَقرأُ فيهنَّ في الأولى: بـ{سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، وفي الثانيةِ: بـ{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، وفي الثالثةِ: بـ{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}». أخرجه النسائي (١٧٠١).

* في صلاة الجمعة: عن سَمُرةَ بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ كان يَقرأُ في صلاةِ الجمعة بـ{سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، و{هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ اْلْغَٰشِيَةِ}». أخرجه أبو داود (١١٢٥).

1. تسبيح وتعظيم (١-٥).

2. تكليف وامتنان (٦-١٣).

3. الحديث عن أهل التذكُّر (١٤-١٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /110).

يقول ابنُ عاشور عن مقاصدها: «اشتملت على تنزيهِ الله تعالى، والإشارة إلى وَحْدانيته؛ لانفراده بخَلْقِ الإنسان، وخلق ما في الأرض مما فيه بقاؤه.
وعلى تأييد النبي صلى الله عليه وسلم، وتثبيته على تَلقِّي الوحي.
وأنَّ اللهَ مُعطِيه شريعةً سَمْحة، وكتابًا يَتذكَّر به أهلُ النفوس الزكيَّة الذين يَخشَون ربهم، ويُعرِض عنهم أهلُ الشقاوة الذين يؤثِرون الحياة الدنيا، ولا يعبؤون بالحياة الأبدية.
وأن ما أوحيَ إليه يُصدِّقه ما في كتب الرسل من قبله؛ وذلك كلُّه تهوين لِما يَلقَاه من إعراض المشركين». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /272).