تفسير سورة الأعلى

البحر المحيط في التفسير

تفسير سورة سورة الأعلى من كتاب البحر المحيط في التفسير
لمؤلفه أبو حيان الأندلسي . المتوفي سنة 745 هـ
سورة الأعلى
هذه السورة مكية. ولما ذكر فيما قبلها ﴿ فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ ﴾
كأن قائلاً قال : من خلقه على هذا المثال ؟ فقيل :﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبّكَ ﴾. وأيضاً لما قال :
﴿ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ ﴾، قيل : هو ﴿ سَنُقْرِئُكَ ﴾، أي ذلك القول الفصل.

سورة الأعلى
[سورة الأعلى (٨٧) : الآيات ١ الى ١٩]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (٣) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى (٤)
فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى (٥) سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى (٦) إِلاَّ مَا شاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى (٧) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى (٨) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (٩)
سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (١٠) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى (١٢) ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (١٣) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤)
وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٧) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٨) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى (١٩)
الْغُثَاءُ، مُخَفَّفُ الثَّاءِ وَمُشَدَّدُهَا: مَا يَقْذِفُ بِهِ السَّيْلُ عَلَى جَانِبِ الْوَادِي مِنَ الْحَشِيشِ وَالنَّبَاتِ وَالْقُمَاشِ، قَالَ الشَّاعِرُ:
كَأَنَّ ظَمِيئَاتِ الْمُخَيْمَرِ غُدْوَةً من السيل والغثاء فلك مغرل
وَرَوَاهُ الْفَرَّاءُ: وَالْأَغْثَاءِ عَلَى الْجَمْعِ، وَهُوَ غَرِيبٌ مِنْ حَيْثُ جَمْعُ فِعَالٍ عَلَى أَفْعَالٍ.
الْحُوَّةُ: سَوَادٌ يَضْرِبُ إِلَى الْخُضْرَةِ، قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:
لَمْيَاءُ فِي شفتها حُوَّةٌ لَعَسٌ وَفِي اللِّثَاتِ وَفِي أَنْيَابِهَا شَنَبُ
وَقِيلَ: خُضْرَةٌ عَلَيْهَا سَوَادٌ، وَالْأَحْوَى: الظَّبْيُ الَّذِي فِي ظَهْرِهِ خَطَّانِ مِنْ سَوَادٍ وَبَيَاضٍ، قَالَ الشَّاعِرُ:
454
وَفِي الْحَيِّ أَحَوَى يَنْفُضُ الْمَرْدَ شَادِنٌ مُظَاهِرُ سِمْطَيْ لُؤْلُؤٍ وَزَبَرْجَدِ
وَفِي الصِّحَاحِ: الْحُوَّةُ: سُمْرَةٌ، وَقَالَ الْأَعْلَمُ: لَوْنٌ يَضْرِبُ إِلَى السَّوَادِ، وَقَالَ أَيْضًا:
الشَّدِيدُ الْخُضْرَةِ الَّتِي تَضْرِبُ إِلَى السَّوَادِ.
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى، وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى، فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى، سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى، إِلَّا مَا شاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى، وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى، فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى، سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى، وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى، الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى، ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى، وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى، بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا، وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى، إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى، صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى.
هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ. وَلَمَّا ذَكَرَ فِيمَا قَبْلَهَا فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ «١»، كَأَنَّ قَائِلًا قَالَ: مَنْ خَلَقَهُ عَلَى هَذَا الْمِثَالِ؟ فَقِيلَ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ. وَأَيْضًا لَمَّا قَالَ: إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ «٢»، قِيلَ: هُوَ سَنُقْرِئُكَ، أَيْ ذَلِكَ الْقَوْلَ الْفَصْلَ.
سَبِّحِ: نَزِّهْ عَنِ النَّقَائِصِ، اسْمَ رَبِّكَ: الظَّاهِرُ أَنَّ التَّنْزِيهَ يَقَعُ عَلَى الِاسْمِ، أَيْ نَزِّهْهُ عَنْ أَنْ يُسَمَّى بِهِ صَنَمٌ أَوْ وَثَنٌ فَيُقَالَ لَهُ رَبٌّ أَوْ إِلَهٌ، وَإِذَا كَانَ قَدْ أَمَرَ بِتَنْزِيهِهِ اللَّفْظَ أَنْ يُطْلَقَ عَلَى غَيْرِهِ فَهُوَ أَبْلَغُ، وَتَنْزِيهُ الذَّاتِ أَحْرَى. وَقِيلَ: الِاسْمُ هُنَا بِمَعْنَى الْمُسَمَّى. وَقِيلَ:
مَعْنَاهُ نَزِّهْ اسْمَ اللَّهِ عَنْ أَنْ تَذْكُرَهُ إِلَّا وَأَنْتَ خَاشِعٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمَعْنَى صَلِّ بِاسْمِ رَبِّكَ الْأَعْلَى، كَمَا تَقُولُ: ابْدَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، وَحَذَفَ حَرْفَ الْجَرِّ.
وَقِيلَ: لَمَّا نَزَلَ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ»
، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ». فَلَمَّا نَزَلَ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، قَالَ: «اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ». وَكَانُوا يَقُولُونَ فِي الرُّكُوعِ: اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَفِي السُّجُودِ: اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ.
قَالُوا: الْأَعْلَى يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ صِفَةً لِرَبِّكَ، وَأَنْ يَكُونَ صِفَةً لِاسْمٍ فَيَكُونَ مَنْصُوبًا، وَهَذَا الْوَجْهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُعْرَبَ الَّذِي خَلَقَ صِفَةٌ لِرَبِّكَ، فَيَكُونُ فِي مَوْضِعِ جَرٍّ لِأَنَّهُ قَدْ حَالَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْصُوفِ صِفَةٌ لِغَيْرِهِ. لَوْ قُلْتَ: رَأَيْتُ غُلَامَ هِنْدٍ الْعَاقِلَ الْحَسَنَةِ، لَمْ يَجُزْ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ تَأْتِيَ بِصِفَةِ هِنْدٍ، ثُمَّ تَأْتِيَ بِصِفَةِ الْغُلَامِ فَتَقُولُ: رَأَيْتُ غُلَامَ هِنْدٍ الْحَسَنَةِ الْعَاقِلَ. فَإِنْ لَمْ يُجْعَلِ الَّذِي صِفَةً لِرَبِّكَ، بَلْ تَرْفَعُهُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَوْ تَنْصِبُهُ عَلَى الْمَدْحِ، جَازَ أَنْ يَكُونَ الأعلى صفة لاسم.
(١) سورة الطارق: ٨٦/ ٥.
(٢) سورة الطارق: ٨٦/ ١٣. [.....]
(٣) سورة الواقعة: ٥٦/ ٧٤.
455
الَّذِي خَلَقَ: أَيْ كُلَّ شَيْءٍ، فَسَوَّى: أَيْ لَمْ يَأْتِ مُتَفَاوِتًا بَلْ مُتَنَاسِبًا عَلَى إِحْكَامٍ وَإِتْقَانٍ، دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُ صَادِرٌ عَنْ عَالِمٍ حَكِيمٍ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: قَدَّرَ بِشَدِّ الدَّالِ، فَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْقَدَرِ وَالْقَضَاءِ، وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ مِنَ التَّقْدِيرِ وَالْمُوَازَنَةِ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: قَدَّرَ لِكُلِّ حَيَوَانٍ مَا يُصْلِحُهُ، فَهَدَاهُ إِلَيْهِ وَعَرَّفَهُ وَجْهَ الِانْتِفَاعِ بِهِ، انْتَهَى.
وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ: قَدَرَ مُخَفَّفَ الدَّالِ مِنَ الْقُدْرَةِ أَوْ مِنَ التَّقْدِيرِ وَالْمُوَازَنَةِ، وَهَدَى عَامٌّ لِجَمِيعِ الْهِدَايَاتِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: فَهَدَى وَأَضَلَّ، اكْتَفَى بِالْوَاحِدَةِ عَنِ الْأُخْرَى. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ:
هَدَى الْحَيَوَانَ إِلَى وَطْءِ الذُّكُورِ لِلْإِنَاثِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هَدَى الْإِنْسَانَ لِلْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَالْبَهَائِمَ لِلْمَرَاتِعِ. وَقِيلَ: هَدَى الْمَوْلُودَ عِنْدَ وَضْعِهِ إِلَى مَصِّ الثَّدْيِ، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّمْثِيلِ لَا عَلَى التَّخْصِيصِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ أَحَوَى صِفَةٌ لِغُثَاءٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْمَعْنَى فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى: أَيْ أَسَوْدَ، لِأَنَّ الْغُثَاءَ إِذَا قَدُمَ وَأَصَابَتْهُ الْأَمْطَارُ اسْوَدَّ وَتَعَفَّنَ فَصَارَ أَحَوَى. وَقِيلَ: أَحَوَى حَالٌ مِنَ الْمَرْعَى، أَيْ أَحْرَى الْمَرْعَى أَحَوَى، أَيْ لِلسَّوَادِ مِنْ شِدَّةِ خُضْرَتِهِ وَنَضَارَتِهِ لِكَثْرَةِ رِيِّهِ، وَحَسُنَ تَأْخِيرُ أَحَوَى لِأَجْلِ الفواصل، قال:
وغيث من الوسمي حوتلاعه تَبَطَّنْتُهُ بِشَيْظَمٍ صَلَتَانِ
سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى، قَالَ الْحَسَنُ وقتادة وَمَالِكٌ: هَذَا فِي مَعْنَى لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ
«١». وَعَدَهُ اللَّهُ أَنْ يُقْرِئَهُ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَا يَنْسَى، وهذه آية لِلرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فِي أَنَّهُ أُمِّيٌّ، وَحَفِظَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْوَحْيَ، وَأَمَّنَهُ مِنْ نِسَائِهِ. وَقِيلَ: هَذَا وَعْدٌ بِإِقْرَاءِ السُّوَرِ، وَأَمْرٌ أَنْ لَا يَنْسَى عَلَى مَعْنَى التَّثْبِيتِ وَالتَّأْكِيدِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ النِّسْيَانَ لَيْسَ فِي قُدْرَتِهِ، فَهُوَ نَهْيٌ عَنْ إِغْفَالِ التَّعَاهُدِ، وَأُثْبِتَتِ الْأَلِفُ فِي فَلا تَنْسى، وَإِنْ كَانَ مَجْزُومًا بِلَا التي للنهي لتعديل رؤوس الْآيِ.
إِلَّا مَا شاءَ اللَّهُ، الظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتِثْنَاءٌ مَقْصُودٌ. قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا: مِمَّا قَضَى اللَّهُ نَسْخَهُ، وَأَنْ تَرْتَفِعَ تِلَاوَتُهُ وَحُكْمُهُ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُنْسِيَكَ لِتَسُنَّ بِهِ، عَلَى نَحْوِ
قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «إِنِّي لَأَنْسَى وَأُنَسَّى لَأَسُنَّ».
وَقِيلَ: إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَغْلِبَكَ النِّسْيَانُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُذَكِّرُكَ بِهِ بَعْدُ، كَمَا
قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، حِينَ سَمِعَ قِرَاءَةَ عَبَّادِ بْنِ بَشِيرٍ: «لَقَدْ ذَكَّرَنِي كَذَا وَكَذَا آيَةً فِي سُورَةِ كَذَا وَكَذَا»
. وَقِيلَ: فَلا تَنْسى: أَيْ فَلَا تَتْرُكِ الْعَمَلَ بِهِ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَتْرُكَهُ بِنَسْخِهِ إِيَّاهُ، فَهَذَا في نسخ العمل.
(١) سورة القيامة: ٧٥/ ١٦.
456
وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَجَمَاعَةٌ: هَذَا اسْتِثْنَاءُ صِلَةٍ فِي الْكَلَامِ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الِاسْتِثْنَاءِ، وَلَيْسَ ثَمَّ شَيْءٌ أُبِيحَ اسْتِثْنَاؤُهُ.
وَأَخَذَ الزَّمَخْشَرِيُّ هَذَا الْقَوْلَ فَقَالَ: وَقَالَ: إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ، وَالْغَرَضُ نَفْيُ النِّسْيَانِ رَأْسًا، كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ: أَنْتَ سَهِيمِي فِيمَا أَمْلِكُ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ، وَلَا يَقْصِدُ اسْتِثْنَاءَ شَيْءٍ، وَهُوَ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْقِلَّةِ فِي مَعْنَى النَّفْيِ، انتهى. وقول الفراء والزمخشري يَجْعَلُ الِاسْتِثْنَاءَ كَلَا اسْتِثْنَاءٍ، وَهَذَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ وَلَا فِي كَلَامٍ فَصِيحٍ.
وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ بِأَنَّ لَا فِي فَلا تَنْسى لِلنَّهْيِ، وَالْأَلِفُ ثَابِتَةٌ لِأَجْلِ الْفَاصِلَةِ، وَهَذَا قَوْلٌ ضَعِيفٌ. وَمَفْهُومُ الْآيَةِ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ، وَقَدْ تَعَسَّفُوا فِي فَهْمِهَا. وَالْمَعْنَى أَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُ سَيُقْرِئُهُ، وَأَنَّهُ لَا يَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ، فَإِنَّهُ يَنْسَاهُ إِمَّا النَّسْخُ، وَإِمَّا أَنْ يَسُنَّ، وَإِمَّا عَلَى أَنْ يَتَذَكَّرَ. وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْصُومٌ مِنَ النِّسْيَانِ فِيمَا أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ، فَإِنْ وَقَعَ نِسْيَانٌ، فَيَكُونُ عَلَى وَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ.
وَمُنَاسَبَةُ سَنُقْرِئُكَ لِمَا قَبْلَهُ: أَنَّهُ لَمَّا أَمَرَهُ تَعَالَى بِالتَّسْبِيحِ، وَكَانَ التَّسْبِيحُ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِقِرَاءَةِ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ، وَكَانَ يَتَذَكَّرُ فِي نَفْسِهِ مَخَافَةَ أَنْ يَنْسَى، فَأَزَالَ عَنْهُ ذَلِكَ وَبَشَّرَهُ بِأَنَّهُ تَعَالَى يُقْرِئُهُ وَأَنَّهُ لَا يَنْسَى، اسْتَثْنَى مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُنْسِيَهُ لِمَصْلَحَةٍ مِنْ تِلْكَ الْوُجُوهِ. إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ: أَيْ جَهْرَكَ بِالْقُرْآنِ، وَما يَخْفى: أَيْ فِي نَفْسِكَ مِنْ خَوْفِ التَّفَلُّتِ، وَقَدْ كَفَاكَ ذَلِكَ بِكَوْنِهِ تَكَفَّلَ بِإِقْرَائِكَ إِيَّاهُ وَإِخْبَارِهِ أَنَّكَ لَا تَنْسَى إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ، وَتَضَمَّنَ ذَلِكَ إِحَاطَةَ عِلْمِهِ بِالْأَشْيَاءِ. وَنُيَسِّرُكَ مَعْطُوفٌ عَلَى سَنُقْرِئُكَ، وَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْجُمْلَةِ الْمُؤَكِّدَةِ اعْتِرَاضٌ، أَيْ يُوَفِّقُكَ لِلطَّرِيقَةِ الَّتِي هِيَ أَيْسَرُ وَأَسْهَلُ، يَعْنِي فِي حِفْظِ الْوَحْيِ. وَقِيلَ: لِلشَّرِيعَةِ الْحَنِيفِيَّةِ السَّهْلَةِ. وَقِيلَ: يَذْهَبُ بِكَ إِلَى الْأُمُورِ الْحَسَنَةِ فِي أَمْرِ دُنْيَاكَ وَآخِرَتِكَ مِنَ النَّصْرِ وَعُلُوِّ الْمَنْزِلَةِ وَالرِّفْعَةِ فِي الْجَنَّةِ. وَلَمَّا أَخْبَرَ أَنَّهُ يُقْرِئُهُ وَيُيَسِّرُهُ، أَمَرَهُ بِالتَّذْكِيرِ، إِذْ ثَمَرَةُ الْإِقْرَاءِ هِيَ انْتِفَاعُهُ فِي ذَاتِهِ وَانْتِفَاعُ مَنْ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالتَّذْكِيرِ مَشْرُوطٌ بِنَفْعِ الذِّكْرَى، وَهَذَا الشَّرْطُ إِنَّمَا جِيءَ بِهِ تَوْبِيخًا لِقُرَيْشٍ، أَيْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى فِي هَؤُلَاءِ الطُّغَاةِ الْعُتَاةِ، وَمَعْنَاهُ اسْتِبْعَادُ انْتِفَاعِهِمْ بِالذِّكْرَى، فَهُوَ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
لَقَدْ أَسْمَعْتَ لَوْ نَادَيْتَ حَيًّا وَلَكِنْ لَا حَيَاةَ لِمَنْ تُنَادِي
كَمَا تَقُولُ: قُلْ لِفُلَانٍ وَأَعِدْ لَهُ إِنْ سَمِعَكَ فَقَوْلُهُ: إِنْ سَمِعَكَ إِنَّمَا هُوَ تَوْبِيخٌ وَإِعْلَامٌ أَنَّهُ لَنْ يَسْمَعَ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَالنَّحَّاسُ وَالزَّهْرَاوِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ مَعْنَاهُ: وَإِنْ لَمْ يَنْفَعْ فَاقْتَصِرْ عَلَى الْقِسْمِ الْوَاحِدِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الثَّانِي. وَقِيلَ: إِنْ بِمَعْنَى إِذْ، كَقَوْلِهِ: وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ
457
كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
«١» : أَيْ إِذْ كُنْتُمْ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْبِرْ بكونهم الأعلون إِلَّا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ. سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى: أَيْ لَا يَتَذَكَّرُ بِذِكْرَاكَ إِلَّا مَنْ يَخَافُ، فَإِنَّ الْخَوْفَ حَامِلٌ عَلَى النَّظَرِ فِي الَّذِي يُنْجِيهِ مِمَّا يَخَافُهُ، فَإِذَا نَظَرَ فَأَدَّاهُ النَّظَرُ وَالتَّذَكُّرُ إِلَى الْحَقِّ، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْعُلَمَاءُ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ عَلَى قَدْرِ مَا وُفِّقَ لَهُ. يَتَجَنَّبُهَا
: أي الذي، َْشْقَى
: أَيِ الْمُبَالِغُ فِي الشَّقَاوَةِ، لِأَنَّ الْكَافِرَ بِالرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ أَشْقَى الْكُفَّارِ، كَمَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ هُوَ أَفْضَلُ مِمَّنْ آمَنَ بِرَسُولٍ قَبْلَهُ. ثُمَّ وصفه بما يؤول إِلَيْهِ حَالُهُ فِي الْآخِرَةِ، وَهُوَ صَلْيُ النَّارِ وَوَصَفَهَا بِالْكُبْرَى.
قَالَ الْحَسَنُ: النَّارُ الْكُبْرَى: نَارُ الْآخِرَةِ، وَالصُّغْرَى: نَارُ الدُّنْيَا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: الْكُبْرَى:
السُّفْلَى مِنْ أَطْبَاقِ النَّارِ. وَقِيلَ: نَارُ الْآخِرَةِ تَتَفَاضَلُ، فَفِيهَا شَيْءٌ أَكْبَرُ مِنْ شَيْءٍ. ثُمَّ لَا يَمُوتُ: فيستريح، وَلا يَحْيى حَيَاةً هَنِيئَةً وَجِيءَ بِثُمَّ الْمُقْتَضِيَةِ لِلتَّرَاخِي إِيذَانًا بِتَفَاوُتِ مَرَاتِبِ الشِّدَّةِ، لِأَنَّ التَّرَدُّدَ بَيْنَ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ أَشَدُّ وَأَفْظَعُ مِنَ الصَّلْيِ بِالنَّارِ.
قَدْ أَفْلَحَ: أَيْ فَازَ وَظَفِرَ بِالْبُغْيَةِ، مَنْ تَزَكَّى: تَطَهَّرَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مِنَ الشِّرْكِ، وَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَنْ كَانَ عَمَلُهُ زَاكِيًا. وَقَالَ أَبُو الْأَحْوَصِ وَقَتَادَةُ وَجَمَاعَةٌ: مَنْ رَضَخَ مِنْ مَالِهِ وَزَكَّاهُ. وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ: أَيْ وَحَّدَهُ، لَمْ يَقْرِنْهُ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَنْدَادِ، فَصَلَّى: أَيْ أَتَى الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَمَا أَمْكَنَهُ مِنَ النَّوَافِلِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَمَّا تَذَكَّرَ آمَنَ بِاللَّهِ، ثُمَّ أَخْبَرَ عَنْهُ تَعَالَى أَنَّهُ أَفْلَحَ مَنْ أَتَى بِهَاتَيْنِ الْعِبَادَتَيْنِ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ: وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ عَلَى وُجُوبِ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، وَعَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ بِكُلِّ اسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى، وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الصَّلَاةِ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ مَعْطُوفَةٌ عَلَى الذِّكْرِ الَّذِي هُوَ تَكْبِيرَةُ الِافْتِتَاحِ، وَهُوَ احْتِجَاجٌ ضَعِيفٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ: أَيْ مَعَادَهُ وَمَوْقِفَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ، فَصَلَّى لَهُ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: بَلْ تُؤْثِرُونَ بِتَاءِ الْخِطَابِ لِلْكُفَّارِ. وَقِيلَ: خِطَابٌ لِلْبَرِّ وَالْفَاجِرِ يُؤْثِرُهَا الْبَرُّ لِاقْتِنَاءِ الثَّوَابِ، وَالْفَاجِرُ لِرَغْبَتِهِ فِيهَا. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ وَأَبُو رَجَاءٍ وَالْحَسَنُ وَالْجَحْدَرِيُّ وَأَبُو حَيْوَةَ وَابْنُ أَبِي عَبْلَةَ وَأَبُو عَمْرٍو وَالزَّعْفَرَانِيُّ وَابْنُ مِقْسَمٍ: بِيَاءِ الْغَيْبَةِ.
إِنَّ هَذَا: أَيِ الْإِخْبَارَ بِإِفْلَاحِ مَنْ تَزَكَّى وَإِيثَارِ النَّاسِ لِلدُّنْيَا، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ وَابْنُ جَرِيرٍ، وَيُرَجَّحُ بِقُرْبِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ بِهَذَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ وَالسُّدِّيُّ: إِلَى مَعَانِي السُّورَةِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: إِلَى الْقُرْآنِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: إِلَى قَوْلِهِ: وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى.
(١) سورة آل عمران: ٣/ ١٣٩.
458
لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى، لَمْ يُنْسَخْ إِفْلَاحُ مَنْ تَزَكَّى، وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى فِي شَرْعٍ مِنَ الشَّرَائِعِ. فَهُوَ فِي الْأُولَى وَفِي آخِرِ الشَّرَائِعِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: الصُّحُفِ بِضَمِّ الْحَاءِ كَالْحَرْفِ الثَّانِي والأعمش وهرون وَعِصْمَةُ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي عَمْرٍو: بِسُكُونِهَا وَفِي كِتَابِ اللوامح العبقلي عَنْ أَبِي عَمْرٍو: الصُّحْفِ صُحْفِ بِإِسْكَانِ الْحَاءِ فِيهِمَا، لُغَةُ تَمِيمٍ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ:
إِبْرَاهِيمُ بِأَلِفٍ وَبِيَاءِ وَالْهَاءُ مَكْسُورَةٌ وَأَبُو رَجَاءٍ: بِحَذْفِهِمَا وَالْهَاءُ مَفْتُوحَةٌ مَكْسُورَةٌ مَعًا وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَابْنُ الزُّبَيْرِ: أَبْرَاهَامَ بِأَلِفٍ فِي كُلِّ الْقُرْآنِ وَمَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: إِبْرَاهَمَ بِأَلِفٍ وَفَتْحِ الْهَاءِ وَبِغَيْرِ يَاءٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ: إبراهيم بِكَسْرِ الْهَاءِ وَبِغَيْرِ يَاءٍ فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ. قَالَ ابْنُ خَالَوَيْهِ: وَقَدْ جَاءَ إبراهم، يَعْنِي بِأَلِفٍ وَضَمِّ الْهَاءِ. وَتَقَدَّمَ فِي وَالنَّجْمِ الْكَلَامُ عَلَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.
459
سورة الأعلى
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الأعلى) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بتنزيه الله عز وجل عن كلِّ نقص، وإثباتِ العلوِّ المطلق له سبحانه، وجاءت على أمثلةٍ من قدرة الله عز وجل في هذا الكون؛ طلبًا من المؤمن أن يُزكِّيَ نفسَه، ويلجأَ إلى خالق هذا الكونِ وحده، و(الأعلى) هو أحدُ أسماءِ الله الحسنى، وقد حرَصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قراءتِها في غير موضع؛ كالجمعة، والعيدَينِ، والوتر.

ترتيبها المصحفي
87
نوعها
مكية
ألفاظها
72
ترتيب نزولها
8
العد المدني الأول
19
العد المدني الأخير
19
العد البصري
19
العد الكوفي
19
العد الشامي
19

* سورة (الأعلى):

سُمِّيت سورة (الأعلى) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} [الأعلى: 1].

* وتُسمَّى كذلك بسورة {سَبِّحْ}؛ لافتتاحها بهذا اللفظ.

* أمَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يُجعَل لفظُ أولِ آيةٍ من سورة (الأعلى) في السجود:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا نزَلتْ: {فَسَبِّحْ بِاْسْمِ رَبِّكَ اْلْعَظِيمِ} [الواقعة: 96]، قال رسولُ اللهِ ﷺ: «اجعَلوها في ركوعِكم»، فلمَّا نزَلتْ: {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} [الأعلى: 1]، قال: «اجعَلوها في سجودِكم»». أخرجه ابن حبان (١٨٩٨).

 حرَصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قراءةِ سورة (الأعلى) في كثيرٍ من المواطن؛ من ذلك:

* في صلاة العِيدَينِ: عن سَمُرةَ بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يَقرأُ في العِيدَينِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، و{هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ اْلْغَٰشِيَةِ}». أخرجه أحمد (٢٠١٦١).

* في صلاة الظُّهْرِ: عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الظُّهْرِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} ونحوِها، وفي الصُّبْحِ بأطوَلَ مِن ذلك». أخرجه مسلم (٤٦٠).

* في صلاة الوتر: عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُوتِرُ بثلاثٍ، يَقرأُ فيهنَّ في الأولى: بـ{سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، وفي الثانيةِ: بـ{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، وفي الثالثةِ: بـ{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}». أخرجه النسائي (١٧٠١).

* في صلاة الجمعة: عن سَمُرةَ بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ كان يَقرأُ في صلاةِ الجمعة بـ{سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، و{هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ اْلْغَٰشِيَةِ}». أخرجه أبو داود (١١٢٥).

1. تسبيح وتعظيم (١-٥).

2. تكليف وامتنان (٦-١٣).

3. الحديث عن أهل التذكُّر (١٤-١٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /110).

يقول ابنُ عاشور عن مقاصدها: «اشتملت على تنزيهِ الله تعالى، والإشارة إلى وَحْدانيته؛ لانفراده بخَلْقِ الإنسان، وخلق ما في الأرض مما فيه بقاؤه.
وعلى تأييد النبي صلى الله عليه وسلم، وتثبيته على تَلقِّي الوحي.
وأنَّ اللهَ مُعطِيه شريعةً سَمْحة، وكتابًا يَتذكَّر به أهلُ النفوس الزكيَّة الذين يَخشَون ربهم، ويُعرِض عنهم أهلُ الشقاوة الذين يؤثِرون الحياة الدنيا، ولا يعبؤون بالحياة الأبدية.
وأن ما أوحيَ إليه يُصدِّقه ما في كتب الرسل من قبله؛ وذلك كلُّه تهوين لِما يَلقَاه من إعراض المشركين». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /272).