تفسير سورة الأعلى

القطان

تفسير سورة سورة الأعلى من كتاب تيسير التفسير المعروف بـالقطان.
لمؤلفه إبراهيم القطان . المتوفي سنة 1404 هـ

التسبيح: التنزيه. فسوّى: فعدل هذا الكون وقومه. وقدّر فهدى: قدّر لكل كائن ما يصلحه فهداه اليه. المرعى: كل ما تنبته الارض لصالح الحيوان. غُثاء: يابسا مسودّا. والغثاء: ما يحمله السيل من الحشائش والاوراق التي لا قيمة لها. يقال غثا الوادي يغثو غثُوّاً كثُرَ فيه الغثاء. أحوى: ما يُحيل لونَه الى السواد.
نيسّرك لليسرى: نوفقك الى طريق الخير. الذِكرى: الموعظة. الأشقى: المصرّ على العناد. يصلَى النار: يدخلها. قد أفلح: قد فاز. من تزكّى: من طهر نفسه بالايمان. تؤثرون: تفضّلون. وأبقى: أدوم.
نزّه يا محمد ربّك الأعظم عن كل ما لا يليق بجلاله. وقد وجّه الله الأمر بتسبيحِ اسمه الأعلى دون تسبيح ذاته ليرشدَنا الى أن مبلغ جهدنا هو معرفةُ صفاته. اما ذاتُه العليّة فهي أعلى وابعد من أن ندركها في هذه الحياة الدنيا. ثم ذَكَر أوصافَه الجليلة ومظاهر قدرته البالغة وكمالَه فقالك
﴿الذي خَلَقَ فسوى﴾
هذا الكونَ العجيب وأتقنَ خلقه، وأبدع صنعه.
﴿والذي قَدَّرَ فهدى﴾
قدّر لكل مخلوق ما يصلحه فهداه اليه، وعرّفه وجه الانتفاع به.
﴿والذي أَخْرَجَ المرعى﴾
وأنبتَ النبات مختلف الأشكال لترعاه الدواب.
﴿فَجَعَلَهُ غُثَآءً أحوى﴾
أي صيَّره يابسا جافا بعد الخضرة والنضارة. وفي هذا عبرة لذوي العقول، فكما ان النبات يبدأ أخضر زاهيا ثم يَميل الى الجفاف والسواد - فكذلك الحياةُ الدنيا زائلة فانية، والآخرة هي الباقية.
وبعد ان ذكر الله دلائلَ قدرته، ذكر فضلَه على رسوله الكريم مع البشرى العظيمة له ولأمته بقوله:
﴿سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تنسى إِلاَّ مَا شَآءَ الله إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر وَمَا يخفى﴾
بشرى عظيمة من الله تعالى لك يا محمد أنه سيشرح صدرَك، ويقوّي ذاكرتَك فتتلقى القرآنَ وتحفظه فلا تنساه. ﴿إِلاَّ مَا شَآءَ الله﴾ أن تنساه. فانه تعالى يعلم ما يجهر به عباده وما يخفونه.
ثم يزيد البشارة فيقول: ﴿وَنُيَسِّرُكَ لليسرى﴾ ونوفّقك للطريقة السهلة. فقد كان رسول الله ﷺ يحب اليُسر في كل الأمور.
روت عائشة رضي الله عنها أنه ما خُير بين أمرين الا اختار أيسرهما. رواه البخاري ومسلم. وكلُّ سيرته مبنيّة على اليسر، وأحاديثه تحضُّ على اليسر والسماحة والرِفق في تناول الأمور.
لقد منّ الله عليه بهذه البشرى: أَقرأه فلا ينسى الا ما شاءَ الله، ويسّره لليسرى حتى ينهضَ بالأمانة الكبرى. فلهذا أُعِد ولهذا يُسّر.
﴿فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذكرى﴾
ذكِّر الناسَ بما أوحيناه اليك، لعلّهم يرجعون الى الله، وينتفع بتذكيرك من يخاف الله. اما المعاندون الجاحدون فلا تنفع معهم الذكرى ولا تجدي.
﴿وَيَتَجَنَّبُهَا الأشقى الذى يَصْلَى النار الكبرى ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا﴾.
فالأشقى المصرّ على العناد لا يسمع لها ولا يستفيد منها.
427
ومصيره الى النار الكبرى لا يموتُ فيها فيستريح بالموت، ولا يحيا حياةً يهنَأُ بها.. بل يبقى في العذاب خالدا.
اما الذي ينتفع بالذِكرى فإنه من أهل الفوز والفلاح.
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى وَذَكَرَ اسم رَبِّهِ فصلى﴾
لقد فاز من تطهر من الشرك والآثام، وذكر اسم خالقه بقلبه ولسانه فصلّى خاشعا يرجو رحمة ربه.
ثم ردّ سبحانه على من قست قلوبهم، وتعلقوا بهذه الحياة الفانية ونسوا الآخرة فقال:
﴿إِنَّ هذا لَفِي الصحف الأولى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وموسى﴾.
ان جميع ما أُوحي به الى النبي الكريم هو بعينه ما جاء في صحف ابراهيم وموسى، فدينُ الله واحد، وانما تختلف صورهُ وتتعدّد مظاهره..
قراءات:
قرأ الكسائي: قدر بالتخفيف. والباقون: قدّر بالتشديد. وقرأ ابو عمرو وروح: يؤثرون بالياء. والباقون تؤثرون بالتاء.
428
سورة الأعلى
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الأعلى) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بتنزيه الله عز وجل عن كلِّ نقص، وإثباتِ العلوِّ المطلق له سبحانه، وجاءت على أمثلةٍ من قدرة الله عز وجل في هذا الكون؛ طلبًا من المؤمن أن يُزكِّيَ نفسَه، ويلجأَ إلى خالق هذا الكونِ وحده، و(الأعلى) هو أحدُ أسماءِ الله الحسنى، وقد حرَصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قراءتِها في غير موضع؛ كالجمعة، والعيدَينِ، والوتر.

ترتيبها المصحفي
87
نوعها
مكية
ألفاظها
72
ترتيب نزولها
8
العد المدني الأول
19
العد المدني الأخير
19
العد البصري
19
العد الكوفي
19
العد الشامي
19

* سورة (الأعلى):

سُمِّيت سورة (الأعلى) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} [الأعلى: 1].

* وتُسمَّى كذلك بسورة {سَبِّحْ}؛ لافتتاحها بهذا اللفظ.

* أمَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يُجعَل لفظُ أولِ آيةٍ من سورة (الأعلى) في السجود:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا نزَلتْ: {فَسَبِّحْ بِاْسْمِ رَبِّكَ اْلْعَظِيمِ} [الواقعة: 96]، قال رسولُ اللهِ ﷺ: «اجعَلوها في ركوعِكم»، فلمَّا نزَلتْ: {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} [الأعلى: 1]، قال: «اجعَلوها في سجودِكم»». أخرجه ابن حبان (١٨٩٨).

 حرَصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قراءةِ سورة (الأعلى) في كثيرٍ من المواطن؛ من ذلك:

* في صلاة العِيدَينِ: عن سَمُرةَ بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يَقرأُ في العِيدَينِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، و{هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ اْلْغَٰشِيَةِ}». أخرجه أحمد (٢٠١٦١).

* في صلاة الظُّهْرِ: عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الظُّهْرِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} ونحوِها، وفي الصُّبْحِ بأطوَلَ مِن ذلك». أخرجه مسلم (٤٦٠).

* في صلاة الوتر: عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُوتِرُ بثلاثٍ، يَقرأُ فيهنَّ في الأولى: بـ{سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، وفي الثانيةِ: بـ{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، وفي الثالثةِ: بـ{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}». أخرجه النسائي (١٧٠١).

* في صلاة الجمعة: عن سَمُرةَ بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ كان يَقرأُ في صلاةِ الجمعة بـ{سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، و{هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ اْلْغَٰشِيَةِ}». أخرجه أبو داود (١١٢٥).

1. تسبيح وتعظيم (١-٥).

2. تكليف وامتنان (٦-١٣).

3. الحديث عن أهل التذكُّر (١٤-١٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /110).

يقول ابنُ عاشور عن مقاصدها: «اشتملت على تنزيهِ الله تعالى، والإشارة إلى وَحْدانيته؛ لانفراده بخَلْقِ الإنسان، وخلق ما في الأرض مما فيه بقاؤه.
وعلى تأييد النبي صلى الله عليه وسلم، وتثبيته على تَلقِّي الوحي.
وأنَّ اللهَ مُعطِيه شريعةً سَمْحة، وكتابًا يَتذكَّر به أهلُ النفوس الزكيَّة الذين يَخشَون ربهم، ويُعرِض عنهم أهلُ الشقاوة الذين يؤثِرون الحياة الدنيا، ولا يعبؤون بالحياة الأبدية.
وأن ما أوحيَ إليه يُصدِّقه ما في كتب الرسل من قبله؛ وذلك كلُّه تهوين لِما يَلقَاه من إعراض المشركين». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /272).