مكية باتفاق
بسم الله الرحمان الرحيم
ﰡ
(إلى الحْولِ ثم اسم السلام عليكما | ومَنْ يَبْكِ حَوْلاً كاملاً فقد اعتذر) |
(قَبَحَ الإلهُ وَجوه تَغْلبَ كلّما | سَبَحَ الحجيجُ وكبّروا تكبيرا) |
(وقد يَنْبُتُ المرعى على دِمَنِ الثّرَى | وتَبْقَى حَزازاتُ النفوسِ كما هِيا) |
(لمياءُ في شَفَتَيْها حُوَّةٌ لَعَسٌ | وفي اللّثاتِ وفي أنْيابها شَنَبُ) |
(وغيثٍ دائمِ التهْتا | نِ حاوي النبتِ أدْهم) |
(ألا ما لنفسٍ لا تموتُ فَيَنْقَضِي | عَناها ولا تحْيا حياةً لها طَعمْ.) |
وقد يَنْبُتُ المرعى على دِمَنِ الثّرَى | وتَبْقَى حَزازاتُ النفوسِ كما هِيا |
أحدها : أن الغثاء ما يبس من النبات حتى صار هشيماً تذروه الرياح.
والأحوى : الأسود، قال ذو الرمة :
لمياءُ في شَفَتَيْها حُوَّةٌ لَعَسٌ | وفي اللّثاتِ وفي أنْيابها شَنَبُ |
الثاني : أن الغثاء ما احتمل السيل من النبات، والأحوى : المتغير، وهذا معنى قول السدي.
الثالث : أن في الكلام تقديماً وتأخيراً، ومعناه أحوى فصار غثاء، والأحوى : ألوان النبات الحي من أخضر وأحمر وأصفر وأبيض، ويعبر عن جميعه بالسواد كما سمي به سواد العراق، وقال امرؤ القيس :
وغيثٍ دائمِ التهْتا | نِ حاوى النبتِ أدْهم |
أحدهما : أن معنى قوله : فلا تنسى، أي فلا تترك العمل إلا ما شاء الله أن يترخص لك فيه، فعلى هذا التأويل يكون هذا نهياً عن الشرك.
والوجه الثاني : أنه إخبار من الله تعالى أنه لا ينسى ما يقرئه من القرآن، حكى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل عليه جبريل بالوحي يقرؤه خيفة أن ينساه، فأنزل الله تعالى :
" سنقرئك فلا تنسى " يعني القرآن.
أحدهما : إلا ما شاء الله أن ينسخه فتنساه، قاله الحسن وقتادة.
الثاني : إلا ما شاء الله أن يؤخر إنزاله عليك فلا تقرؤه، حكاه ابن عيسى.
﴿ إنهُ يَعْلَمُ الجهْرَ وما يَخْفَى ﴾ فيه أربعة تأويلات :
أحدها : أن الجهر ما حفظته من القرآن في صدرك، وما يخفى هو ما نسخ من حفظك.
الثاني : أن الجهر ما علمه، وما يخفى ما يستعمله من بعد، قاله ابن عباس.
الثالث : أن الجهر ما قد أظهره، وما يخفى ما تركه من الطاعات.
أحدها : نيسرك لأن تعمل خيراً، قاله ابن عباس.
الثاني : للجنة، قاله ابن مسعود.
الثالث : للدين واليسر وليس بالعسر، قاله الضحاك.
أحدهما : بالقرآن، قاله مجاهد.
الثاني : بالله رغبة ورهبة، قاله ابن شجرة.
وفي قوله :﴿ إنْ نَفَعَتِ الذّكْرى ﴾ وجهان :
أحدهما : يعني إن قبلت الذكرى وهو معنى قول يحيى بن سلام.
الثاني : يعني ما نفعت الذكرى، فتكون " إنْ " بمعنى ما الشرط، لأن الذكرى نافعة بكل حال، قاله ابن شجرة.
أحدهما : هي نار جهنم، والصغرى١ نار الدنيا، قاله يحيى بن سلام.
الثاني : الكبرى نار الكفار في الطبقة السفلى من جهنم، والصغرى نار المذنبين في الطبقة العليا من جهنم، وهو معنى قول الفراء.
أحدهما : لا يموت ولا يجد روح الحياة، ذكره ابن عيسى.
الثاني : أنه يعذب لا يستريح ولا ينتفع بالحياة، كما قال الشاعر :
ألا ما لنفسٍ لا تموتُ فَيَنْقَضِي | عَناها ولا تحْيا حياةً لها طَعمْ. |
بسم الله الرحمن الرحيم
أحدها : أن يوحد الله، قاله ابن عباس.
الثاني : أن يدعوه ويرغب إليه.
الثالث : أن يستغفروه ويتوب إليه.
الرابع : أن يذكره بقلبه عند صلاته فيخاف عقابه ويرجو ثوابه، ليكون استيفاؤه لها وخشوعه فيها بحسب خوفه ورجائه.
الخامس : أن يذكر اسم ربه بلسانه عند إحرامه بصلاته، لأنها لا تنعقد إلا بذكره. السادس : أن يفتتح كل سورة ببسم الله الرحمن الرحيم.
وفي قوله " فصلّى " ثلاثة أقاويل :
أحدها : الصلوات الخمس، قاله ابن عباس.
الثاني : صلاة العيد١، قاله أبو سعيد الخدري.
الثالث : هو أن يتطوع بصلاة بعد زكاة، قاله أبو الأحوص.
وذكر الضحاك أنها نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه.
أحدهما : أن المراد بها الكفار، فيكون تأويلها : بل تؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة.
الثاني : أن المراد بها المسلمون، فيكون تأويلها : يؤثرون الاستكثار من الدنيا للاستكثار من الثواب.
أحدهما : خير للمؤمن من الدنيا، وأبقى للجزاء.
الثاني : ما قاله قتادة خير في الخير وأبقى في البقاء.
ويحتمل به وجهاً ثالثاً : يتحرر به الوجهان : والآخرة خير لأهل الطاعة وأبقى على أهل الجنة.
أحدها : يعني أن الآخرة خير وأبقى في الصحف الأولى، قاله قتادة.
الثاني : أن ما قصَّهُ الله في هذه السورة هو من الصحف الأولى.
الثالث : هي كتب الله كلها، وحكى وهب بن منبه في المبتدأ أن جميع الكتب التي أنزلها الله على أنبيائه مائة صحيفة وخمس صحف وأربعة كتب، منها خمسة وثلاثون صحيفة أنزلها على شيث بن آدم وخمسون صحيفة أنزلها على إدريس، وعشرون صحيفة أنزلها على إبراهيم، وأنزل التوراة على موسى، والزبور على داود، والإنجيل على عيسى، والفرقان على محمد عليهم السلام.
سورة الأعلى
سورة (الأعلى) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بتنزيه الله عز وجل عن كلِّ نقص، وإثباتِ العلوِّ المطلق له سبحانه، وجاءت على أمثلةٍ من قدرة الله عز وجل في هذا الكون؛ طلبًا من المؤمن أن يُزكِّيَ نفسَه، ويلجأَ إلى خالق هذا الكونِ وحده، و(الأعلى) هو أحدُ أسماءِ الله الحسنى، وقد حرَصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قراءتِها في غير موضع؛ كالجمعة، والعيدَينِ، والوتر.
ترتيبها المصحفي
87نوعها
مكيةألفاظها
72ترتيب نزولها
8العد المدني الأول
19العد المدني الأخير
19العد البصري
19العد الكوفي
19العد الشامي
19* سورة (الأعلى):
سُمِّيت سورة (الأعلى) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} [الأعلى: 1].
* وتُسمَّى كذلك بسورة {سَبِّحْ}؛ لافتتاحها بهذا اللفظ.
* أمَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يُجعَل لفظُ أولِ آيةٍ من سورة (الأعلى) في السجود:
عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا نزَلتْ: {فَسَبِّحْ بِاْسْمِ رَبِّكَ اْلْعَظِيمِ} [الواقعة: 96]، قال رسولُ اللهِ ﷺ: «اجعَلوها في ركوعِكم»، فلمَّا نزَلتْ: {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} [الأعلى: 1]، قال: «اجعَلوها في سجودِكم»». أخرجه ابن حبان (١٨٩٨).
حرَصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قراءةِ سورة (الأعلى) في كثيرٍ من المواطن؛ من ذلك:
* في صلاة العِيدَينِ: عن سَمُرةَ بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يَقرأُ في العِيدَينِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، و{هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ اْلْغَٰشِيَةِ}». أخرجه أحمد (٢٠١٦١).
* في صلاة الظُّهْرِ: عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الظُّهْرِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} ونحوِها، وفي الصُّبْحِ بأطوَلَ مِن ذلك». أخرجه مسلم (٤٦٠).
* في صلاة الوتر: عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُوتِرُ بثلاثٍ، يَقرأُ فيهنَّ في الأولى: بـ{سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، وفي الثانيةِ: بـ{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، وفي الثالثةِ: بـ{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}». أخرجه النسائي (١٧٠١).
* في صلاة الجمعة: عن سَمُرةَ بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ كان يَقرأُ في صلاةِ الجمعة بـ{سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، و{هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ اْلْغَٰشِيَةِ}». أخرجه أبو داود (١١٢٥).
1. تسبيح وتعظيم (١-٥).
2. تكليف وامتنان (٦-١٣).
3. الحديث عن أهل التذكُّر (١٤-١٩).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /110).
يقول ابنُ عاشور عن مقاصدها: «اشتملت على تنزيهِ الله تعالى، والإشارة إلى وَحْدانيته؛ لانفراده بخَلْقِ الإنسان، وخلق ما في الأرض مما فيه بقاؤه.
وعلى تأييد النبي صلى الله عليه وسلم، وتثبيته على تَلقِّي الوحي.
وأنَّ اللهَ مُعطِيه شريعةً سَمْحة، وكتابًا يَتذكَّر به أهلُ النفوس الزكيَّة الذين يَخشَون ربهم، ويُعرِض عنهم أهلُ الشقاوة الذين يؤثِرون الحياة الدنيا، ولا يعبؤون بالحياة الأبدية.
وأن ما أوحيَ إليه يُصدِّقه ما في كتب الرسل من قبله؛ وذلك كلُّه تهوين لِما يَلقَاه من إعراض المشركين». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /272).