تفسير سورة الأعلى

مختصر تفسير ابن كثير

تفسير سورة سورة الأعلى من كتاب تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير المعروف بـمختصر تفسير ابن كثير.
لمؤلفه محمد نسيب الرفاعي . المتوفي سنة 1412 هـ

عن ابن عباس :« أن رسول الله ﷺ كان إذا قرأ :﴿ سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى ﴾ قال :( سبحان ربي الأعلى ) » وقوله تعالى :﴿ الذي خَلَقَ فسوى ﴾ أي خلق الخليقة وسوّى كل مخلوق في أحسن الهيئات، وقوله تعالى :﴿ والذي قَدَّرَ فهدى ﴾. قال مجاهد : هدى الإنسان للشقاوة والسعادة. وهدى الأنعام لمراتعها، وهذه الآية كقوله تعالى :﴿ قَالَ رَبُّنَا الذي أعطى كُلَّ شَيءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هدى ﴾ [ طه : ٥٠ ] أي قدّر قدراً وهدى الخلائق إليه، كما ثبت في « صحيح مسلم » :« إن الله قدَّر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء » وقوله تعالى :﴿ والذي أَخْرَجَ المرعى ﴾ أي من جميع صنوف النباتات والزروع، ﴿ فَجَعَلَهُ غُثَآءً أحوى ﴾ قال ابن عباس : هشيماً متغيراً، وقوله تعالى :﴿ سَنُقْرِئُكَ ﴾ أي يا محمد ﴿ فَلاَ تنسى ﴾ وهذا إخبار من الله تعالى ووعد منه له، بأنه سيقرئه قراءة لا ينساها ﴿ إِلاَّ مَا شَآءَ الله ﴾ وهذا اختيار ابن جرير، وقال ابن قتادة :« كان رسول الله ﷺ لا ينسى شيئاً إلاّ ما شاء الله »، وقوله تعالى :﴿ إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر وَمَا يخفى ﴾ أي يعلم ما يجهر به العباد، وما يخفونه من أقوالهم وأفعالهم، لا يخفى عليه منه ذلك شيء، وقوله تعالى :﴿ وَنُيَسِّرُكَ لليسرى ﴾ أي نسهل عليك أفعال الخير، ونشرع لك شرعاً سهلاً سمحاً، لا اعوجاج فيه ولا حرج ولا عشر، وقوله تعالى :﴿ فَذَكِّرْ إِن نَّفَعَتِ الذكرى ﴾ أي ذكّر حيث تنفع التذكرة، ومن ههنا يؤخذ الأدب في نشر العلم فلا يضعه عند غير أهله، كما قال علي رضي الله عنه : ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلاّ كان فتنة لبعضهم. وقال : حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذّب الله ورسوله؟ وقوله تعالى :﴿ سَيَذَّكَّرُ مَن يخشى ﴾ أي سيتعظ بما تبلغه يا محمد من قبله يخشى الله ويعلم أنه ملاقيه، ﴿ وَيَتَجَنَّبُهَا الأشقى * الذى يَصْلَى النار الكبرى * ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا ﴾ أي لا يموت فيستريح، ولا يحيى حياة تنفعه بل هي مضرة عليه، لأن بسببها يشعر ما يعاقب به من أليم العذاب وأنواع النكال، عن أبي سعيد الخدري قال، قال رسول الله ﷺ :« أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن أناس تصبيهم النار بذنوبهم - أو قال بخطاياهم - فيميتهم إماتة حتى إذا ما صاروا فحماً أذن في الشفاعة فجيء بهم ضبائر ضبائر، فبثوا على أنهار الجنة فيقال : يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة في حميل السيل » ﴿ وَنَادَوْاْ يامالك لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَّاكِثُونَ ﴾ [ الزخرف : ٧٧ ]، وقال تعالى :﴿ لاَ يقضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا ﴾ [ فاطر : ٣٦ ] إلى غير ذلك من الآيات في هذا المعنى.
يقول تعالى :﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى ﴾ أي ظهر نفسه من الأخلاق الرذيلة، واتبع ما أنزل الله على الرسول صلوات الله وسلامه عليه، ﴿ وَذَكَرَ اسم رَبِّهِ فصلى ﴾ أي أقام الصلاة في أوقاتها ابتغاء رضوان الله وامتثالاً لشرع الله، روي عن جابر بن عبد الله يرفعه ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى ﴾ قال :« من شهد أن لا إله إلاّ الله، وخلع الأنداد. وشهد أني رسول الله ﴿ وَذَكَرَ اسم رَبِّهِ فصلى ﴾ قال :» هي الصلوات الخمس والمحافظة عليها والاهتمام بها « »، وكذا قال ابن عباس إن المراد بذلك الصلوات الخمس، واختاره ابن جرير، وعن عمر بن عبد العزيز أنه كان يأمر الناس بإخراج صدقة الفطر، ويتلو هذه الآية :﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى * وَذَكَرَ اسم رَبِّهِ فصلى ﴾، وقال قتادة في هذه الآية :﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى * وَذَكَرَ اسم رَبِّهِ فصلى ﴾ زكى ماله وأرضى خالقه، ثم قال تعالى :﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الحياة الدنيا ﴾ أي تقدمونها على أمر الآخرة، وتبدّونها على ما فيه نفعكم وصلاحكم في معاشكم ومعادكم، ﴿ والآخرة خَيْرٌ وأبقى ﴾ أي ثواب الله في الدار الآخرة، خير من الدنيا وأبقى، فإن الدنيا دانية فانية، والآخرة شريفة باقية، فكيف يؤثر عاقل ما يفنى على ما يبقى، ويهتم بما يزول عنه قريباً ويترك الاهتمام بدار البقاء والخلد؟ وقد قال رسول الله ﷺ :« الدنيا دار من لا دار له، ومال من لا مال له، ولها يجمع من لا عقل له » عن عرفجة الثقفي قال : استقرأت ابن مسعود :﴿ سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى ﴾ فلما بلغ ﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الحياة الدنيا ﴾ ترك القراءة وأقبل على أصحابه وقال : آثرنا الدنيا على الآخرة، فسكت القوم، فقال : آثرنا الدنيا لأنا رأينا زينتها ونساءها وطعامها وشرابها، وزويت عنا الآخرة، فاخترنا هذا العاجل وتركنا الآجل، وهذا منه على وجه التواضع والهضم، وفي الحديث :« من أحب دنياه أضر بأخرته، ومن أحب آخرته أضر بدنياه فآثروا ما يبقى على من يفنى » وقوله تعالى :﴿ إِنَّ هذا لَفِي الصحف الأولى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وموسى ﴾ كقوله في سورة النجم :﴿ أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ موسى * وَإِبْرَاهِيمَ الذي وفى * أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى * وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سعى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يرى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الجزآء الأوفى * وَأَنَّ إلى رَبِّكَ المنتهى ﴾ [ النجم : ٣٦-٤٢ ] الآيات إلى آخرهن؛ وهكذا قال عكرمة في قوله تعالى :﴿ إِنَّ هذا لَفِي الصحف الأولى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وموسى ﴾ يقول : الآيات التي في ﴿ سَبِّحِ اسم رَبِّكَ الأعلى ﴾، وقال أبو العالية : قصة هذه السورة في الصحف الأولى، واختبار ابن جرير أن المراد بقوله :﴿ إِنَّ هذا ﴾ إشارة إلى قوله :﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن تزكى * وَذَكَرَ اسم رَبِّهِ فصلى * بَلْ تُؤْثِرُونَ الحياة الدنيا * والآخرة خَيْرٌ وأبقى ﴾، ثم قال تعالى :﴿ إِنَّ هذا ﴾ أي مضمون هذا الكلام ﴿ لَفِي الصحف الأولى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وموسى ﴾ وهذا الذي اختباره حسن قوي، وقد روي عن قتادة وابن زيد نحوه، والله أعلم.
سورة الأعلى
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الأعلى) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بتنزيه الله عز وجل عن كلِّ نقص، وإثباتِ العلوِّ المطلق له سبحانه، وجاءت على أمثلةٍ من قدرة الله عز وجل في هذا الكون؛ طلبًا من المؤمن أن يُزكِّيَ نفسَه، ويلجأَ إلى خالق هذا الكونِ وحده، و(الأعلى) هو أحدُ أسماءِ الله الحسنى، وقد حرَصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قراءتِها في غير موضع؛ كالجمعة، والعيدَينِ، والوتر.

ترتيبها المصحفي
87
نوعها
مكية
ألفاظها
72
ترتيب نزولها
8
العد المدني الأول
19
العد المدني الأخير
19
العد البصري
19
العد الكوفي
19
العد الشامي
19

* سورة (الأعلى):

سُمِّيت سورة (الأعلى) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} [الأعلى: 1].

* وتُسمَّى كذلك بسورة {سَبِّحْ}؛ لافتتاحها بهذا اللفظ.

* أمَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يُجعَل لفظُ أولِ آيةٍ من سورة (الأعلى) في السجود:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا نزَلتْ: {فَسَبِّحْ بِاْسْمِ رَبِّكَ اْلْعَظِيمِ} [الواقعة: 96]، قال رسولُ اللهِ ﷺ: «اجعَلوها في ركوعِكم»، فلمَّا نزَلتْ: {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} [الأعلى: 1]، قال: «اجعَلوها في سجودِكم»». أخرجه ابن حبان (١٨٩٨).

 حرَصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قراءةِ سورة (الأعلى) في كثيرٍ من المواطن؛ من ذلك:

* في صلاة العِيدَينِ: عن سَمُرةَ بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يَقرأُ في العِيدَينِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، و{هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ اْلْغَٰشِيَةِ}». أخرجه أحمد (٢٠١٦١).

* في صلاة الظُّهْرِ: عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الظُّهْرِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} ونحوِها، وفي الصُّبْحِ بأطوَلَ مِن ذلك». أخرجه مسلم (٤٦٠).

* في صلاة الوتر: عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُوتِرُ بثلاثٍ، يَقرأُ فيهنَّ في الأولى: بـ{سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، وفي الثانيةِ: بـ{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، وفي الثالثةِ: بـ{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}». أخرجه النسائي (١٧٠١).

* في صلاة الجمعة: عن سَمُرةَ بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ كان يَقرأُ في صلاةِ الجمعة بـ{سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، و{هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ اْلْغَٰشِيَةِ}». أخرجه أبو داود (١١٢٥).

1. تسبيح وتعظيم (١-٥).

2. تكليف وامتنان (٦-١٣).

3. الحديث عن أهل التذكُّر (١٤-١٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /110).

يقول ابنُ عاشور عن مقاصدها: «اشتملت على تنزيهِ الله تعالى، والإشارة إلى وَحْدانيته؛ لانفراده بخَلْقِ الإنسان، وخلق ما في الأرض مما فيه بقاؤه.
وعلى تأييد النبي صلى الله عليه وسلم، وتثبيته على تَلقِّي الوحي.
وأنَّ اللهَ مُعطِيه شريعةً سَمْحة، وكتابًا يَتذكَّر به أهلُ النفوس الزكيَّة الذين يَخشَون ربهم، ويُعرِض عنهم أهلُ الشقاوة الذين يؤثِرون الحياة الدنيا، ولا يعبؤون بالحياة الأبدية.
وأن ما أوحيَ إليه يُصدِّقه ما في كتب الرسل من قبله؛ وذلك كلُّه تهوين لِما يَلقَاه من إعراض المشركين». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /272).