تفسير سورة الأعلى

تفسير النسفي

تفسير سورة سورة الأعلى من كتاب مدارك التنزيل وحقائق التأويل المعروف بـتفسير النسفي.
لمؤلفه أبو البركات النسفي . المتوفي سنة 710 هـ
مكية وهي تسع عشرة آية

سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١)
﴿سَبِّحِ اسم رَبّكَ الأعلى﴾ نزه ذاته عما لا يليق به والاسم صلة وذلك بأن يفسر الأعلى بمعنى العلو الذي هو القهر والافتدار لا بمعنى العلو في المكان وقيل قل سبحان ربي الأعلى وفي الحديث لما نزلت قال عليه السلام اجعلوها في سجودكم
الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢)
﴿الذي خلق فسوى﴾ أى خلق كل شئ فسوى خلقه تسوية ولم يأت به متفاوتاً غير ملتئم ولكن على أحكام واتساق ودلالة على أنه صادر عن عالم حكيم أو سوَّاه على ما فيه منفعة ومصلحة
وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (٣)
﴿والذي قدر فهدى﴾ أى قدرلكل حيوان ما يصلحه فهداه إليه وعرفه وجه الانتفاع به أو فهدى وأضل ولكن حذف وأضل اكتفاء كقوله يُضِلُّ مَن يَشَآء وَيَهْدِى من يشاء قدر على
وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (٤)
﴿والذى أَخْرَجَ المرعى﴾ أنبت ما ترعاه الدواب
فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى (٥)
﴿فَجَعَلَهُ غُثَاءً﴾ يابساً هشيماً ﴿أحوى﴾ أسود فأحوى صفة لغثاء
سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦)
﴿سنقرئك فلا تنسى﴾ سنعلمك القرآن حتى لا تنساه
إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (٧)
﴿إِلاَّ مَا شَاء الله﴾ أن ينسخه وهذا بشارة من الله لبنيه أن يحفظ عليه الوحي حتى لا ينفلت منه شئ إلا ما شاء الله أن ينسخه فيذهب به عن حفظه يرفع حكمه وتلاوته وسأل ابن كيسان النحوي جنيداً عنه فقال فلا تنسى العمل به فقال مثلك يصدر وقيل قوله فَلاَ تنسى على النهي والألف مزيدة للفاصلة كقوله السبيلا أى فلا تفعل قراءته وتكريره فتنساه إلا ما شاء الله أن ينسيكه يرفع تلاوته ﴿إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر وَمَا يخفى﴾ أي إنك تجهر بالقراءة مع قراءة جبريل مخافة التفلت والله يعلم جهرك معه وما في نفسك مما يدعوك إلى الجهر أو ما تقرأ في نفسك مخافة النسيان أو يعلم ما أسررتم وما أعلنتم من أقوالكم وأفعالكم وما ظهر وما بطن من أحوالكم
وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى (٨)
﴿وَنُيَسِّرُكَ لليسرى﴾ معطوف على سَنُقْرِئُكَ وقوله إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر وَمَا يخفى اعتراض ومعناه ونوفقك للطريقة التي هي أيسر وأسهل يعني حفظ الوحي وقيل للشريعة السمحة التي هي أيسر الشرائع أو توفقك لعمل الجنة
فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى (٩)
﴿فَذَكِّرْ﴾ عظ بالقرآن ﴿إِن نَّفَعَتِ الذكرى﴾ جواب إن مدلول قوله فَذَكِّرْ قيل ظاهره شرط ومعناه استبعاد لتأثير الذكرى فيهم وقيل هو أمر بالتذكير على الإطلاق كقوله فَذَكّرْ إِنَّمَا أنت مذكر غير مشروط بالتفع
سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى (١٠)
﴿سَيَذَّكَّرُ﴾ سيتعظ ويقبل التذكرة ﴿مَن يخشى﴾ الله وسوء العاقبة
وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١)
﴿وَيَتَجَنَّبُهَا﴾ ويتباعد عن الذكرى
فلا يقبلها ﴿الأشقى﴾ الكافر أو الذي هو أشقى الكفر لتوغله فى عداوة رسول الله ﷺ قيل نزلت في الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة
الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى (١٢)
﴿الذى يَصْلَى النار الكبرى﴾ يدخل نار جهنم والصغرى نار الدنيا
ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى (١٣)
﴿ثُمَّ لاَ يَمُوتُ فِيهَا﴾ فيستريح من العذاب ﴿وَلاَ يحيى﴾ حياة يتلذذ بها وقيل ثم لأن الترجح بين الحياة والموت أفظع من الصلي فهو متراخٍ عنه في مراتب الشدة
قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤)
﴿قد أفلح﴾ نال الفوز ﴿من تزكى﴾ نطهر من الشرك أو تطهر الصلاة أو أدى الزكاة كفعل من الزكاة كتصدق من الصدقة
وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥)
﴿وَذَكَرَ اسم رَبِّهِ﴾ وكبر للافتتاح ﴿فصلى﴾ الخمس وبه يحتج على وجوب تكبيرة الافتتاح وعلى أنها ليست من الصلاة لأن الصلاة عطفت عليها وهو يقتضي المغايرة وعلى أن الافتتاح جائز بكل اسم من اسمائه عز وجل وعن ابن عباس رضى الله عنهما ذكر معاده وموقفه بين يدى ربه فصلى له وعن الضحاك وذكر اسم ربه في طريق المصلى فصلى صلاة العيد
بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦)
﴿بَلْ تُؤْثِرُونَ الحياة الدنيا﴾ على الآخرة فلا تفعلون ما به تفلحون والمخاطب به الكافرون دليله قراءة أبي عمرو يؤثرون بالياء
وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (١٧)
﴿والآخرة خير وأبقى﴾ أفضل فى نفسها وأدوم
إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (١٨)
﴿إِنَّ هذا لَفِى الصحف الأولى﴾ هذا إشارة إلى قوله قَدْ أَفْلَحَ إلى أبقى أي أن معنى هذا الكلام وأراد في تلك الصحف أو إلى ما في السورة كلها وهو دليل على جواز قراءة القرآن بالفارسية في الصلاة لأنه جعله مذكوراً في تلك الصحف مع أنه لم يكن فيها بهذا النظم وبهذه اللغة
صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (١٩)
﴿صُحُفِ إبراهيم وموسى﴾ بدل من الصحف الأولى وفي الأثر وفي صحف إبراهيم ينبغي للعاقل أن يكون حافظاً للسانه عارفاً بزمانه مقبلاً على شأنه
632
سورة الغاشية مكية وهي ست وعشرون آية
بسم الله الرحمن الرحيم ﴿هل أتاك حديث الغاشية﴾
633
سورة الأعلى
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الأعلى) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بتنزيه الله عز وجل عن كلِّ نقص، وإثباتِ العلوِّ المطلق له سبحانه، وجاءت على أمثلةٍ من قدرة الله عز وجل في هذا الكون؛ طلبًا من المؤمن أن يُزكِّيَ نفسَه، ويلجأَ إلى خالق هذا الكونِ وحده، و(الأعلى) هو أحدُ أسماءِ الله الحسنى، وقد حرَصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قراءتِها في غير موضع؛ كالجمعة، والعيدَينِ، والوتر.

ترتيبها المصحفي
87
نوعها
مكية
ألفاظها
72
ترتيب نزولها
8
العد المدني الأول
19
العد المدني الأخير
19
العد البصري
19
العد الكوفي
19
العد الشامي
19

* سورة (الأعلى):

سُمِّيت سورة (الأعلى) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} [الأعلى: 1].

* وتُسمَّى كذلك بسورة {سَبِّحْ}؛ لافتتاحها بهذا اللفظ.

* أمَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يُجعَل لفظُ أولِ آيةٍ من سورة (الأعلى) في السجود:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا نزَلتْ: {فَسَبِّحْ بِاْسْمِ رَبِّكَ اْلْعَظِيمِ} [الواقعة: 96]، قال رسولُ اللهِ ﷺ: «اجعَلوها في ركوعِكم»، فلمَّا نزَلتْ: {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} [الأعلى: 1]، قال: «اجعَلوها في سجودِكم»». أخرجه ابن حبان (١٨٩٨).

 حرَصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قراءةِ سورة (الأعلى) في كثيرٍ من المواطن؛ من ذلك:

* في صلاة العِيدَينِ: عن سَمُرةَ بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يَقرأُ في العِيدَينِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، و{هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ اْلْغَٰشِيَةِ}». أخرجه أحمد (٢٠١٦١).

* في صلاة الظُّهْرِ: عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الظُّهْرِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} ونحوِها، وفي الصُّبْحِ بأطوَلَ مِن ذلك». أخرجه مسلم (٤٦٠).

* في صلاة الوتر: عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُوتِرُ بثلاثٍ، يَقرأُ فيهنَّ في الأولى: بـ{سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، وفي الثانيةِ: بـ{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، وفي الثالثةِ: بـ{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}». أخرجه النسائي (١٧٠١).

* في صلاة الجمعة: عن سَمُرةَ بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ كان يَقرأُ في صلاةِ الجمعة بـ{سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، و{هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ اْلْغَٰشِيَةِ}». أخرجه أبو داود (١١٢٥).

1. تسبيح وتعظيم (١-٥).

2. تكليف وامتنان (٦-١٣).

3. الحديث عن أهل التذكُّر (١٤-١٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /110).

يقول ابنُ عاشور عن مقاصدها: «اشتملت على تنزيهِ الله تعالى، والإشارة إلى وَحْدانيته؛ لانفراده بخَلْقِ الإنسان، وخلق ما في الأرض مما فيه بقاؤه.
وعلى تأييد النبي صلى الله عليه وسلم، وتثبيته على تَلقِّي الوحي.
وأنَّ اللهَ مُعطِيه شريعةً سَمْحة، وكتابًا يَتذكَّر به أهلُ النفوس الزكيَّة الذين يَخشَون ربهم، ويُعرِض عنهم أهلُ الشقاوة الذين يؤثِرون الحياة الدنيا، ولا يعبؤون بالحياة الأبدية.
وأن ما أوحيَ إليه يُصدِّقه ما في كتب الرسل من قبله؛ وذلك كلُّه تهوين لِما يَلقَاه من إعراض المشركين». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /272).