تفسير سورة الأعلى

جامع البيان في تفسير القرآن

تفسير سورة سورة الأعلى من كتاب جامع البيان في تفسير القرآن
لمؤلفه الإيجي محيي الدين . المتوفي سنة 905 هـ
سورة الأعلى مكية
وهي تسع عشرة آية

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ سبح اسم١ ربك الأعلى ﴾ أي : نزه ذاته الذي هو أعلى من أن يقاس بغيره فالاسم مقحم، والأعلى صفة لربك، أو نزه أسماءه عما لا يصح فيه من المعاني، والأعلى إما صفة للاسم، أو للرب
١ نزه ذاته الذي هو أعلى من أن يقاس بغيره، فالاسم مقحم للتعظيم، ولما نزل قال صلى الله عليه وسلم:"اجعلوها في سجودكم" كما رواه أبو داود وابن ماجة والدارمي، فجعل فيه سبحانه ربي الأعلى بترك لفظ الاسم في سجودهم فالحديث دال على إقحامه/١٢ وجيز. [وضعفه الشيخ الألباني في " ضعيف سن ابن ماجه"].
﴿ الذي خلق ﴾ كل شيء، ﴿ فسوى ﴾ : خلقه، ولم يأت به متفاوتا غير ملتئم
﴿ والذي قدر١ : الأشياء على وجه معين ﴿ فهدى ﴾ : فوجهها إليه
١ أي: قدر لكل شيء ما يصلحه فهداه إليه، وعرفه وجه الانتفاع/١٢ منه..
﴿ والذي أخرج ﴾ من الأرض ﴿ المرعى ﴾ : ما يرعاه الدواب
﴿ فجعله ﴾ بعد خضرته ﴿ غثاء ﴾ : يابسا ﴿ أحو ى١ أسود، وقيل : أحوى حال من المرعى، أي : من شدة الخضرة أسود
١ أي: أسود حال من المرعي، أخر لكونه في فاصلة لأن النبات في حال اليبس يصير أصفر لا أسود، ولما أمره بالتسبيح لمن رباه، أعقبه بما هو عين تربية الرسول في رسالته فقال:﴿سنقرئك﴾ الآية/١٢ وجيز..
﴿ سنقرئك ﴾ على لسان جبريل، أو سنجعلك قارئا ﴿ فلا تنسى ﴾ فهذا وعد من الله
﴿ إلا ما شاء الله ﴾ نسيانه بأن نسخ١ تلاوته، أو إلا ما شاء الله لكن لم يشأ، وعن مجاهد وغيره، كان عليه السلام يستعجل بالقراءة قبل إتمام قراءة جبريل مخافة النسيان، فنزل هذا الوعد فلم ينس بعد ذلك شيئا، وقيل : نفي بمعنى النهي، أو نهي، والألف للفاصلة نحو، السبيلا، ﴿ إنه يعلم الجهر وما يخفى ﴾ : ما ظهر من الأحوال وما بطن، فلا يفعل إلا ما فيه الحكمة البالغة،
١ وعلى هذا النفي بمعناه المتبادر لا أنه بمعنى النهي/١٢ وجيز..
﴿ ونيسرك ﴾، عطف على سنقرئك، أي : نعدلك ﴿ لليسرى ﴾ : للشريعة اليسرى السمحة، أو نسهل عليك أفعال الخير، وقيل : معناه إنه يعلم الجهر مما تقرأه بعد فراغ جبريل، وما يخفى مما تقرأه في نفسك معه مخافة النسيان، ثم وعده وقال، نيسرك للطريقة اليسرى في حفظ الوحي
﴿ فذكر إن نفعت الذكرى١ : عظ بالقرآن إن نفعت التذكير، قال علي رضي الله عنه : ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم، وحاصله إن كنت جربت أن الموعظة لا تنفع فلا تتعب نفسك
١ أي: ذكر بالقرآن، إن رأيت أن التذكير نافع، وهذا القيد والشرط لتوبيخ قريش وتقريعهم ومعناه استبعاد انتفاعهم به.
لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي
وجيز..

﴿ سيذكر ﴾ : يتعظ، وينتفع بها ﴿ من يخشى ﴾ : الله
﴿ ويتجنبها ﴾، أي : الذكرى، ويتباعد عنها ﴿ الأشقى ﴾ من الكفر لتوغله في الكفر والعناد، أو المراد من الأشقى الكافر في علم الله
﴿ الذي يصلى النار الكبرى ﴾ : نار جهنم، فإنها أشد حرا من نار الدنيا
﴿ ثم لا يموت فيها ﴾ : فيستريح ﴿ ولا يحيى١ : حياة يجد منها روح الحياة، فهذا للكافر، وأما المذنب ففي صحيح مسلم وغيره " إن أناسا دخلوا النار بخطاياهم يموتون في النار، فيصيرون فحما، ثم يخرجون فيلقون على أنهار الجنة فيرش عليهم منها، فينبتون كالحبة في حميل السيل "
١ يعني: حياة يجد منها روحا، وسنذكر أن الصلى لا يكون إلا للكافر، وأما المؤمن الذي يدخل النار، مدة أرادها الله لتطهيره فيموتون في النار، ويصير كالجمرة فلا يجدون ألم النار، ثم يلقون على نهر من الجنة فينبتون كالحبة من حميل السيل، كما في صحيح مسلم وغيره، وأما الموت الذي فيها فهو موت حقيقي أو غشى يعدم إحساس العذاب، فيه خلاف/١٢ وجيز..
﴿ قد أفلح من تزكى ﴾ : تطهر نفسه من الكفر والمعصية
﴿ وذكر اسم ربه ﴾ بقلبه ولسانه ﴿ فصلى ﴾ : الصلوات الخمس نحو :﴿ أقم الصلوات لذكري ﴾( طه : ١٤ )، وعن كثير من السلف المراد من أعطى صدقة الفطر١ فصلى العيد، وعلى هذا يكون النزول سابقا على الحكم، لأن السورة مكية، ولم يكن بمكة عيد ولا فطر كما قالوا في قوله :﴿ وأنت حل بهذا البلد ﴾( البلد : ٢ ) كما سيجيء
١ هو المنقول عن علي وعمر بن عبد العزيز وأبي الأحوص/١٢ منه..
﴿ بل تؤثرون ﴾ : تختارون ﴿ الحياة الدنيا ﴾ عن ابن مسعود قال : حين وصل إلى هذه الآية، آثرناها لأنا رأينا زينتها، ونساءها، وطعامها، وشرابها، وزويت عنا الآخرة فاخترنا هذا العاجل، وجاز أن يكون الخطاب للأشقين على الالتفات
﴿ والآخرة خير وأبقى إن هذا ﴾ عن كثير من السلف : الإشارة إلى أربع آيات متقدمة من قوله :﴿ قد أفلح من تزكى ﴾، وعن بعض منهم : الإشارة إلى جميع السورة ﴿ لفي الصحف١ الأولى ﴾ : الكتب السماوية المتقدمة
١ لم تنسخ في شرع من الشرائع، هذا كما قال صلى الله عليه وسلم:" إن من كلام النبوة الأولى، (إذا لم تستحي فاصنع ما شئت)" /١٢ وجيز..
﴿ صحف إبراهيم وموسى ﴾ بدل من الصحف الأولى، وفي مسند الإمام أحمد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب هذه السورة.
الحمد لله رب العالمين.
سورة الأعلى
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الأعلى) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بتنزيه الله عز وجل عن كلِّ نقص، وإثباتِ العلوِّ المطلق له سبحانه، وجاءت على أمثلةٍ من قدرة الله عز وجل في هذا الكون؛ طلبًا من المؤمن أن يُزكِّيَ نفسَه، ويلجأَ إلى خالق هذا الكونِ وحده، و(الأعلى) هو أحدُ أسماءِ الله الحسنى، وقد حرَصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قراءتِها في غير موضع؛ كالجمعة، والعيدَينِ، والوتر.

ترتيبها المصحفي
87
نوعها
مكية
ألفاظها
72
ترتيب نزولها
8
العد المدني الأول
19
العد المدني الأخير
19
العد البصري
19
العد الكوفي
19
العد الشامي
19

* سورة (الأعلى):

سُمِّيت سورة (الأعلى) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} [الأعلى: 1].

* وتُسمَّى كذلك بسورة {سَبِّحْ}؛ لافتتاحها بهذا اللفظ.

* أمَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يُجعَل لفظُ أولِ آيةٍ من سورة (الأعلى) في السجود:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا نزَلتْ: {فَسَبِّحْ بِاْسْمِ رَبِّكَ اْلْعَظِيمِ} [الواقعة: 96]، قال رسولُ اللهِ ﷺ: «اجعَلوها في ركوعِكم»، فلمَّا نزَلتْ: {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} [الأعلى: 1]، قال: «اجعَلوها في سجودِكم»». أخرجه ابن حبان (١٨٩٨).

 حرَصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قراءةِ سورة (الأعلى) في كثيرٍ من المواطن؛ من ذلك:

* في صلاة العِيدَينِ: عن سَمُرةَ بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يَقرأُ في العِيدَينِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، و{هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ اْلْغَٰشِيَةِ}». أخرجه أحمد (٢٠١٦١).

* في صلاة الظُّهْرِ: عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الظُّهْرِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} ونحوِها، وفي الصُّبْحِ بأطوَلَ مِن ذلك». أخرجه مسلم (٤٦٠).

* في صلاة الوتر: عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُوتِرُ بثلاثٍ، يَقرأُ فيهنَّ في الأولى: بـ{سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، وفي الثانيةِ: بـ{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، وفي الثالثةِ: بـ{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}». أخرجه النسائي (١٧٠١).

* في صلاة الجمعة: عن سَمُرةَ بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ كان يَقرأُ في صلاةِ الجمعة بـ{سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، و{هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ اْلْغَٰشِيَةِ}». أخرجه أبو داود (١١٢٥).

1. تسبيح وتعظيم (١-٥).

2. تكليف وامتنان (٦-١٣).

3. الحديث عن أهل التذكُّر (١٤-١٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /110).

يقول ابنُ عاشور عن مقاصدها: «اشتملت على تنزيهِ الله تعالى، والإشارة إلى وَحْدانيته؛ لانفراده بخَلْقِ الإنسان، وخلق ما في الأرض مما فيه بقاؤه.
وعلى تأييد النبي صلى الله عليه وسلم، وتثبيته على تَلقِّي الوحي.
وأنَّ اللهَ مُعطِيه شريعةً سَمْحة، وكتابًا يَتذكَّر به أهلُ النفوس الزكيَّة الذين يَخشَون ربهم، ويُعرِض عنهم أهلُ الشقاوة الذين يؤثِرون الحياة الدنيا، ولا يعبؤون بالحياة الأبدية.
وأن ما أوحيَ إليه يُصدِّقه ما في كتب الرسل من قبله؛ وذلك كلُّه تهوين لِما يَلقَاه من إعراض المشركين». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /272).