تفسير سورة الأعلى

الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية

تفسير سورة سورة الأعلى من كتاب الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المعروف بـالفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية.
لمؤلفه النخجواني . المتوفي سنة 920 هـ

على الله فأمره بمقتضى علمه وحكمته حسب ارادته ومشيته فقال بعد التيمن بِسْمِ اللَّهِ الى ذاته عن احلام الأنام وافهام الخواص والعوام الرَّحْمنِ لعموم عباده يدعوهم الى دار السلام الرَّحِيمِ لخواصهم يهديهم الى ارفع المكانة وأعلى المقام
[الآيات]
سَبِّحِ لله يا من غرق في تيار البحر الزخار للوجود وتلاشى في لمعات شمس الشهود اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وان لم يبق لك التوسل بمطلق الأسماء بعد ما فنيت في المسمى ثم تذكر بمقتضى حصة عبوديتك نعمه الواصلة إليك بعد ان فزت بحلل البقاء استحضارا وتذكيرا لما جرى عليك من الشئون والأطوار في نشأة ناسوتك إذ هو سبحانه القادر المقتدر
الَّذِي خَلَقَ وأوجد عموم ما خلق واظهر فَسَوَّى خلق الكل بحوله وقوته واختياره مع ما يتعلق به ويترتب عليه في معايشه ومعاده
وَهو الحكيم العليم القدير الَّذِي قَدَّرَ المقادير ودبر التدابير واحسن التصاوير وأودع فيها ما أودع من الاستعدادات والقابليات الجالبة لانواع الكمالات وبعد ما هيأها وعدلها فَهَدى اى هدى الكل الى ما جبلوا لأجله بوضع التكاليف المشتملة على الأوامر والنواهي والاحكام الواجبة والمندوبة والأخلاق المرضية والآداب السنية ليتمرنوا على الأمور المذكورة ويترسخوا فيها بالعزيمة الخالصة والجزم التام حتى يستعدوا لان تفيض عليهم طلائع سلطان الوحدة الذاتية المنقذة لهم عن ورطة الناسوت الموصلة لهم الى فضاء اللاهوت
وَهو سبحانه القادر المقتدر الَّذِي أَخْرَجَ بكمال قدرته واثبت واظهر الْمَرْعى الحاصل في مرتع الدنيا باجناسها وأصنافها تتميما لتربية دواب الطبائع وحوامل الأركان القابلة لتأثيرات عالم الأسماء والصفات ليتقوموا بها ويستعدوا لفيضان المعارف والحقائق وانواع الكمالات اللائقة التي هم جبلوا لأجلها وبعد ما حصل من الكمالات المنتظرة في نشأة الناسوت
فَجَعَلَهُ سبحانه مرعى العالم مع كمال نضارتها وبهائها في نظر شهود اولى الألباب الناظرين بنور الله من وراء سدول الأسماء والصفات غُثاءً يابسا بل سرابا باطلا عاطلا وبعد ما تحققوا بمقر التوحيد ورفعوا وسائل الأوصاف والأسماء من البين فصار الكل حينئذ هباء أَحْوى بل عدما لا يبقى اسود موحشا بعد ما كان اخضر مفرحا ثم التفت سبحانه نحو حبيبه ﷺ على سبيل التفضل والامتنان فقال على طريق الوصاية والتذكير
سَنُقْرِئُكَ ونجعلك قارئا يا أكمل الرسل مراقبا على وجوه الوحى والإلهام النازل من لدنا عليك مع انك أمي لم يعهد من مثلك أمثالها فَلا تَنْسى يعنى عليك ان تضبط هذه النعمة وتحفظها على وجهها وتواظب على أداء شكرها بلا فوت شيء منها بزيادة عليها او تحريف فيها
إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ العليم الحكيم نسيانه منك بان نسخ تلاوته او حكمه او كلاهما على مقتضى حكمته المتقنة ومصلحة عباده المستحكمة وبعد ما سمعت يا أكمل الرسل ما سمعت فدم عليها ولا تغفل عنها سرا وجهرا حالا ومقالا إِنَّهُ سبحانه يَعْلَمُ منك الْجَهْرَ وَما يَخْفى يعنى ظاهرك وباطنك اى يعلم سبحانه منك جميع ما امتثلت بظاهرك من مقتضيات الوحى والإلهام وبباطنك من الإخلاص في النيات والحالات والخلوص في العزائم والمقامات
وَاعلم يا أكمل الرسل انا بمقتضى عظيم جودنا معك مراقبون لك في عموم شئونك واطوارك نُيَسِّرُكَ ونوفقك على التدين والتحفظ بمقتضيات الوحى لِلْيُسْرى اى الطريقة والشريعة السهلة السمحة البيضاء وبعد ما يسرنا لك وسهلنا عليك طريق الهداية والإرشاد
فَذَكِّرْ بالقرآن وبين الاحكام الموردة فيه للناس إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى اى سواء نفعت عظتك وتذكيرك إياهم او لم تنفع
إذ ما عليك الا البلاغ وعلينا الحساب ولا تيأس يا أكمل الرسل من مبالغتهم في الاعراض والانصراف عنك وعن تذكيرك واعلم انه
سَيَذَّكَّرُ ويتعظ بتذكيرك مَنْ يَخْشى من بطش الله ومن كمال قدرته على وجوه الانتقام سيما بعد التأمل في معاني القرآن مرارا والتدبر في فحاويه تكرارا قد تنبه على حقيته فتذكر به وامتثل بما فيه
يَتَجَنَّبُهَا
اى يعرض عنها وعن سماعها يعنى سماع الذكرى والعظة التي هي القرآنْ َشْقَى
اى الكافر الذي جبل على فطرة الشقاوة وجبلة الجهل والغباوة
الَّذِي يَصْلَى ويدخل في النشأة الاخرى النَّارَ الْكُبْرى التي هي أضعاف نار الدنيا في الحرارة والحروقة لذلك قال كبرى او في الدرك الأسفل منها وهو أكبرها
ثُمَّ لما دخل في نار القطيعة والحرمان بأنواع الخيبة والخذلان لا يَمُوتُ فِيها حتى يستريح ويخلص وَلا يَحْيى حياة نافعة طيبة كسكان بقعة الإمكان الداخلين في نيران الشهوات ودركات الأماني والآمال بحيث لا يموتون حتى يستريحون ولا يحيون بلا منية الامنية وغل الأمل وسلسلة الحرص والطمع وبالجملة هم معذبون في عموم الأوقات والأحوال لا نجاة لهم فيها ما داموا في قيد الحياة وبعد ما ماتوا بأنواع الحسرات سيصلون في أسفل الدركات وأصعب العقبات. هب لنا جذوة من نار المحبة تنجينا من نيران الإمكان في النشأة الاولى والاخرى. ثم قال سبحانه على سبيل التنبيه
قَدْ أَفْلَحَ وفاز بالدرجة القصوى والمرتبة العليا مَنْ تَزَكَّى وتطهر عن ادناس الطبائع وإكدار الهيولى من الميل الى الدنيا وما فيها من اللذات الفانية والشهوات الغير الباقية وتوجه نحو المولى بالعزيمة الخالصة
وَذَكَرَ في أوائل الطلب ومبادي الارادة اسْمَ رَبِّهِ اى جنس الأسماء الإلهية متفطنا بمعناها يقظانا بفحواها فرحانا بمضمونها متشوقا الى لقياه سبحانه فَصَلَّى ومال نحوه سبحانه في الأوقات المحفوظة المأمور بالأداء فيها محرما على نفسه عموم مبتغاه من دنياه
بَلْ هؤلاء الحمقى الهلكى التائهون في تيه الغفلة والضلال المغلولون بأغلال الأماني والآمال تُؤْثِرُونَ وتختارون الْحَياةَ الدُّنْيا المستعارة الفانية على الحياة الحقيقية الاخروية الباقية وكذلك تجمعون اسباب الفساد والإفساد ولا تتزودون ليوم المعاد
وَالْآخِرَةُ اى والحال ان الآخرة وما وعد فيها من اللذات الروحانية الباقية خَيْرٌ مما في الدنيا وأمانيها وَأَبْقى وأدوم بحيث لا انقطاع لها ولا نهاية للذاتها وبالجملة
إِنَّ هذا الذي وعظك الحق به يا أكمل الرسل ووصاك بحفظه وبالامتثال به والاتصاف بمضمونه لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى اى مثبت مسطور فيها على وجهه وتلك الصحف هي
صُحُفِ جدك يا أكمل الرسل إِبْراهِيمَ الخليل الفائق في الخلة والفلاح على عموم ارباب الصلاح والنجاح وَصحف أخيك مُوسى الكليم الفائز من عند الله بالفوز العظيم ألا وهو مرتبة التكلم والتكليم مع الله العليم. جعلنا الله من خدامهم وتراب اقدامهم
خاتمة سورة الأعلى
عليك ايها الطالب للفلاح الأخروي الحقيقي والنجاح المعنوي ان تزكى أولا نفسك عن مطلق الرذائل العائقة عن التوجه الحقيقي نحو الحق وتصفى سرك عن الميل الى مزخرفات الدنيا الدنية وأمانيها الغير المريئة الهنيئة فعليك ان ترغب نفسك عن مقتضيات الإمكان ولا تغريها الى لذاتها وشهواتها فعليك ان تلازم الخلوة والخمول وتجتنب عن اصحاب الثروة والفضول حتى يعينك الحق
سورة الأعلى
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الأعلى) من السُّوَر المكية، وقد افتُتحت بتنزيه الله عز وجل عن كلِّ نقص، وإثباتِ العلوِّ المطلق له سبحانه، وجاءت على أمثلةٍ من قدرة الله عز وجل في هذا الكون؛ طلبًا من المؤمن أن يُزكِّيَ نفسَه، ويلجأَ إلى خالق هذا الكونِ وحده، و(الأعلى) هو أحدُ أسماءِ الله الحسنى، وقد حرَصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قراءتِها في غير موضع؛ كالجمعة، والعيدَينِ، والوتر.

ترتيبها المصحفي
87
نوعها
مكية
ألفاظها
72
ترتيب نزولها
8
العد المدني الأول
19
العد المدني الأخير
19
العد البصري
19
العد الكوفي
19
العد الشامي
19

* سورة (الأعلى):

سُمِّيت سورة (الأعلى) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} [الأعلى: 1].

* وتُسمَّى كذلك بسورة {سَبِّحْ}؛ لافتتاحها بهذا اللفظ.

* أمَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن يُجعَل لفظُ أولِ آيةٍ من سورة (الأعلى) في السجود:

عن عُقْبةَ بن عامرٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا نزَلتْ: {فَسَبِّحْ بِاْسْمِ رَبِّكَ اْلْعَظِيمِ} [الواقعة: 96]، قال رسولُ اللهِ ﷺ: «اجعَلوها في ركوعِكم»، فلمَّا نزَلتْ: {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} [الأعلى: 1]، قال: «اجعَلوها في سجودِكم»». أخرجه ابن حبان (١٨٩٨).

 حرَصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قراءةِ سورة (الأعلى) في كثيرٍ من المواطن؛ من ذلك:

* في صلاة العِيدَينِ: عن سَمُرةَ بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يَقرأُ في العِيدَينِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، و{هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ اْلْغَٰشِيَةِ}». أخرجه أحمد (٢٠١٦١).

* في صلاة الظُّهْرِ: عن جابرِ بن سَمُرةَ رضي الله عنه: «أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَقرأُ في الظُّهْرِ بـ {سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى} ونحوِها، وفي الصُّبْحِ بأطوَلَ مِن ذلك». أخرجه مسلم (٤٦٠).

* في صلاة الوتر: عن عبدِ اللهِ بن عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يُوتِرُ بثلاثٍ، يَقرأُ فيهنَّ في الأولى: بـ{سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، وفي الثانيةِ: بـ{قُلْ يَٰٓأَيُّهَا اْلْكَٰفِرُونَ}، وفي الثالثةِ: بـ{قُلْ هُوَ اْللَّهُ أَحَدٌ}». أخرجه النسائي (١٧٠١).

* في صلاة الجمعة: عن سَمُرةَ بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه: «أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ كان يَقرأُ في صلاةِ الجمعة بـ{سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، و{هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ اْلْغَٰشِيَةِ}». أخرجه أبو داود (١١٢٥).

1. تسبيح وتعظيم (١-٥).

2. تكليف وامتنان (٦-١٣).

3. الحديث عن أهل التذكُّر (١٤-١٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /110).

يقول ابنُ عاشور عن مقاصدها: «اشتملت على تنزيهِ الله تعالى، والإشارة إلى وَحْدانيته؛ لانفراده بخَلْقِ الإنسان، وخلق ما في الأرض مما فيه بقاؤه.
وعلى تأييد النبي صلى الله عليه وسلم، وتثبيته على تَلقِّي الوحي.
وأنَّ اللهَ مُعطِيه شريعةً سَمْحة، وكتابًا يَتذكَّر به أهلُ النفوس الزكيَّة الذين يَخشَون ربهم، ويُعرِض عنهم أهلُ الشقاوة الذين يؤثِرون الحياة الدنيا، ولا يعبؤون بالحياة الأبدية.
وأن ما أوحيَ إليه يُصدِّقه ما في كتب الرسل من قبله؛ وذلك كلُّه تهوين لِما يَلقَاه من إعراض المشركين». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /272).