تفسير سورة الغاشية

مختصر تفسير ابن كثير

تفسير سورة سورة الغاشية من كتاب مختصر تفسير ابن كثير المعروف بـمختصر تفسير ابن كثير.
لمؤلفه محمد علي الصابوني .

- ١ - هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ
- ٢ - وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ
- ٣ - عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ
- ٤ - تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً
- ٥ - تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ
- ٦ - لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ
- ٧ - لاَّ يُسْمِنُ وَلاَ يُغْنِي مِن جُوعٍ
الغاشية من أسماء يوم القيامة، لأنها تغشى الناس وتعمهم، روي عن عمرو بن ميمون أنه قَالَ: مرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى امْرَأَةٍ تَقْرَأُ: ﴿هَلُ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ﴾ فَقَامَ يَسْتَمِعُ، وَيَقُولُ: «نَعَمْ قَدْ جَاءَنِي». وَقَوْلُهُ تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ﴾ أي ذليلة، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَخْشَعُ وَلَا يَنْفَعُهَا عَمَلُهَا، وقوله تعالى: ﴿عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ﴾ أَيْ قَدْ عَمِلَتْ عَمَلًا كَثِيرًا وَنَصَبَتْ فِيهِ، وَصَلِيَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَارًا حَامِيَةً، عن أبي عمران الجوني قال: مرَّ عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عَنْهُ بِدَيْرِ رَاهِبٍ، قَالَ، فَنَادَاهُ: يَا رَاهِبُ، فَأَشْرَفَ، قَالَ، فَجَعَلَ عُمَرُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَيَبْكِي، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا يُبْكِيكَ مِنْ هَذَا؟ قَالَ: ذَكَرْتُ قَوْلَ اللَّهِ عزَّ وجلَّ فِي كِتَابِهِ: ﴿عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً﴾ فذاك الذي أبكاني، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ﴾ النَّصَارَى، وَعَنْ عِكْرِمَةَ وَالسُّدِّيِّ: عَامِلَةٌ فِي الدُّنْيَا بِالْمَعَاصِي، نَاصِبَةٌ في النار بالعذاب والإهلاك. قال ابن عباس: ﴿تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً﴾ أَيْ حَارَةٌ شَدِيدَةُ الْحَرِّ، ﴿تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ﴾ أَيْ قَدِ انْتَهَى حرها وغليانها (وهو قول ابن عباس ومجاهد والحسن والسدي)، وقوله تَعَالَى: ﴿لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ﴾ قَالَ ابن عباس: شجر من النار، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الزَّقُّومُ، وَعَنْهُ أنها الحجارة، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ، قَالَ مُجَاهِدٌ: الضَّرِيعُ نَبْتٌ يُقَالُ لَهُ الشِّبْرِقُ يُسَمِّيهِ أَهْلُ الْحِجَازِ الضَّرِيعَ إِذَا يبس، وهو سم، وقال قَتَادَةَ: ﴿لَّيْسَ
لَهُمْ طَعَامٌ إِلاَّ مِن ضَرِيعٍ﴾
من شر الطعام وأبشعه وأخبثه، وقوله تعالى: ﴿لاَ يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ﴾ يَعْنِي لَا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودٌ وَلَا يَنْدَفِعُ بِهِ محذور.
- ٨ - وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ
- ٩ - لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ
- ١٠ - فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ
- ١١ - لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لَاغِيَةً
- ١٢ - فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ
- ١٣ - فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ
- ١٤ - وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ
- ١٥ - وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ
- ١٦ - وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ
لَمَّا ذَكَرَ حَالَ الْأَشْقِيَاءِ ثَنى بِذِكْرِ السُّعَدَاءِ فَقَالَ: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ﴾ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، ﴿نَّاعِمَةٌ﴾ أَيْ يُعْرَفُ النَّعِيمُ فِيهَا، وإنما حصل لها ذلك بسعيها، ﴿لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ﴾ قد رضيت عملها، وقوله تعالى: ﴿فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ﴾ أَيْ رَفِيعَةٌ بَهِيَّةٌ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ، ﴿لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً﴾ أَيْ لا تسمع فِي الْجَنَّةِ الَّتِي هُمْ فِيهَا كَلِمَةَ لَغْوٍ، كما قال تعالى: ﴿لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إلا سلاماً﴾، وقال تعالى: ﴿لاَ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تأثيم﴾، ﴿فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ﴾ أي سارحة وليس المراد بها عين وَاحِدَةً وَإِنَّمَا هَذَا جِنْسٌ يَعْنِي فِيهَا عُيُونٌ جاريات، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنْهَارُ الْجَنَّةِ تَفْجُرُ مِنْ تَحْتِ تِلَالِ - أَوْ مِنْ تَحْتِ جِبَالِ - المسك» (أخرجه ابن أبي حاتم)، ﴿فِيهَا سُرُرٌ مَّرْفُوعَةٌ﴾ أَيْ عَالِيَةٌ نَاعِمَةٌ، كَثِيرَةُ الفرش مرتفعة السمك، عليها الحور العين، فَإِذَا أَرَادَ وَلِيُ اللَّهِ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى تِلْكَ السُّرُرِ الْعَالِيَةِ تَوَاضَعَتْ لَهُ، ﴿وَأَكْوَابٌ مَّوْضُوعَةٌ﴾ يَعْنِي أَوَانِي الشُّرْبِ مُعَدَّةٌ مُرْصَدَةٌ لِمَنْ أَرَادَهَا، ﴿وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: النَّمَارِقُ الْوَسَائِدُ (وكذا قال عكرمة وقتادة والضحّاك والسدي وغيرهم)، وقوله تعالى: ﴿وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الزَّرَابِيُّ الْبُسُطُ، ومعنى مبثوثة: أي ههنا وههنا لمن أراد الجلوس عليها، عَنْ أُسامة بْنِ زَيْدٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا هَلْ مِنْ مُشَمِّرٍ لِلْجَنَّةِ فَإِنَّ الْجَنَّةَ لَا خَطَرَ لَهَا، هِيَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ، وَقَصْرٌ مَشِيدٌ، وَنَهْرٌ مُطَّرِدٌ، وَثَمَرَةٌ نَضِيجَةٌ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ، وَمَقَامٌ فِي أَبَدٍ فِي دَارٍ سَلِيمَةٍ، وَفَاكِهَةٍ وَخُضْرَةٍ، وَحَبْرَةٍ وَنَعْمَةٍ، فِي مَحَلَّةٍ عَالِيَةٍ بَهِيَّةٍ!»، قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا، قَالَ: "قُولُوا: إِنْ شَاءَ اللَّهُ" قال القوم إن شاء الله (أخرجه ابن ماجة).
- ١٧ - أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ
- ١٨ - وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ
- ١٩ - وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ
- ٢٠ - وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ
- ٢١ - فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ
- ٢٢ - لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ
- ٢٣ - إِلاَّ مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ
- ٢٤ - فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ
- ٢٥ - إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ
- ٢٦ - ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ
يَقُولُ تَعَالَى آمِرًا عِبَادَهُ بِالنَّظَرِ فِي مَخْلُوقَاتِهِ الدَّالَّةِ عَلَى قُدْرَتِهِ وَعَظَمَتِهِ: ﴿أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾؟ فَإِنَّهَا خَلْقٌ عَجِيبٌ وَتَرْكِيبُهَا غَرِيبٌ، فَإِنَّهَا فِي غَايَةِ الْقُوَّةِ وَالشِّدَّةِ، وهي مع ذلك تنقاد لِلْقَائِدِ الضَّعِيفِ، وَتُؤْكَلُ وَيُنْتَفَعُ بِوَبَرِهَا وَيُشْرَبُ لَبَنُهَا، ونبهوا إلى ذلك لِأَنَّ الْعَرَبَ غَالِبُ
دَوَابِّهِمْ كَانَتِ الْإِبِلُ، وَكَانَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي يَقُولُ: اخْرُجُوا بِنَا حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ، وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ! أَيْ كَيْفَ رَفَعَهَا اللَّهُ عزَّ وجلَّ عَنِ الْأَرْضِ هَذَا الرَّفْعَ الْعَظِيمَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ﴾، ﴿وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ﴾ أَيْ جُعِلَتْ مَنْصُوبَةً فإنها ثَابِتَةً رَاسِيَةً لِئَلَّا تَمِيدَ الْأَرْضُ بِأَهْلِهَا وَجَعَلَ
633
فِيهَا مَا جَعَلَ مِنَ الْمَنَافِعِ وَالْمَعَادِنِ، ﴿وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾! أَيْ كَيْفَ بُسِطَتْ وَمُدَّتْ وَمُهِّدَتْ، فَنَبَّهَ الْبَدَوِيَّ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِمَا يُشَاهِدُهُ مِنْ بَعِيرِهِ الَّذِي هُوَ رَاكِبٌ عَلَيْهِ، وَالسَّمَاءِ الَّتِي فَوْقَ رَأْسِهِ، وَالْجَبَلِ الَّذِي تُجَاهَهُ، وَالْأَرْضِ الَّتِي تَحْتَهُ، عَلَى قُدْرَةِ خَالِقِ ذَلِكَ وَصَانِعِهِ، وأنه الرب العظيم الخالق المالك المتصرف، وَأَنَّهُ الْإِلَهُ الَّذِي لَا يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ سِوَاهُ، عَنْ أنَس قَالَ: كُنَّا نُهِينَا أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم عن كل شَيْءٍ، فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْعَاقِلُ فَيَسْأَلُهُ، وَنَحْنُ نَسْمَعُ، فَجَاءَ رجل من أهل البادية فقال: يامحمد إنا أَتَانَا رَسُولُكَ، فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ تَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ أَرْسَلَكَ، قَالَ: «صَدَقَ» قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ السَّمَاءَ؟ قَالَ: «اللَّهُ» قَالَ: فَمَنْ خَلَقَ الْأَرْضَ؟ قَالَ: «اللَّهُ» قَالَ: فَمَنْ نَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ وَجَعَلَ فِيهَا مَا جَعَلَ؟ قَالَ: «اللَّهُ»، قَالَ: فَبِالَّذِي خَلَقَ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَنَصَبَ هَذِهِ الْجِبَالَ آللَّهُ أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: «نَعَمْ». قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِنَا وَلَيْلَتِنَا؟ قَالَ: «صَدَقَ»، قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا زَكَاةً فِي أَمْوَالِنَا؟ قَالَ: «صَدَقَ»، قَالَ: فَبِالَّذِي أَرْسَلَكَ آللَّهُ أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: وَزَعَمَ رَسُولُكَ أَنَّ عَلَيْنَا حَجَّ الْبَيْتِ من استطاع له سَبِيلًا؟ قَالَ: «صَدَقَ»، قَالَ: ثُمَّ وَلَّى، فَقَالَ: والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن شيئاً وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُنَّ شَيْئًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ صَدَقَ لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ» (أخرجه مسلم وأصحاب السنن والإمام أحمد، وجاء في بعض الروايات: «وَأَنَا ضِمَامُ بْنُ ثَعْلَبَةَ أَخُو بَنِي سَعْدِ بن بكر»).
وقوله تَعَالَى: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٌ * لَّسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ﴾ أَيْ فَذَكِّرْ يَا مُحَمَّدُ النَّاسَ بِمَا أُرْسِلْتَ بِهِ إِلَيْهِمْ ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ﴾، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿لَّسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ﴾؛ قَالَ ابْنُ عباس ومجاهد: لست عليهم بجبار، أي لست تخلق الإِيمان في قلوبهم، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: لَسْتَ بِالَّذِي تُكْرِهُهُمْ عَلَى الإيمان، عَنْ جَابِرٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أُمرت أَنْ أُقاتل النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عزَّ وجلَّ" ثُمَّ قرأَ: ﴿فذكِّر إِنَّمَآ أَنتَ مذكِّر * لستَ عَلَيْهِم بِمُسَيْطِرٍ﴾ (أخرجه أحمد ورواه مسلم والنسائي والترمذي). وقوله تعالى: ﴿إِلاَّ مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ﴾ أَيْ تَوَلَّى عَنِ الْعَمَلِ بِأَرْكَانِهِ، وَكَفَرَ بِالْحَقِّ بِجِنَانِهِ وَلِسَانِهِ، وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَلاَ صدَّق وَلاَ صلَّى * وَلَكِنْ كذَّب وَتَوَلَّى﴾، ولهذا قال: ﴿فسيعذبه الله العذاب الأكبر﴾، وروى الإمام أحمد: أَنَّ أَبَا أُمَامَةَ الْبَاهِلِيَّ مرَّ عَلَى خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَسَأَلَهُ عَنْ أَلين كَلِمَةٍ سَمِعَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «أَلَا كُلُّكُمْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ شَرَدَ عَلَى اللَّهِ شِرَادَ البعير عن أهله» (تفرد بإخراجه الإمام أحمد). وقوله تعالى: ﴿إِنَّ إِلَيْنَآ إِيَابَهُمْ﴾ أَيْ مَرْجِعَهُمْ وَمُنْقَلَبَهُمْ، ﴿ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ﴾ أَيْ نَحْنُ نُحَاسِبُهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ وَنُجَازِيهِمْ بِهَا، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًا فَشَرٌّ.
634
- ٨٩ - سورة الفجر.
635
سورة الغاشية
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الغاشية) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الذَّاريَات)، وقد افتُتحت بأسلوبِ استفهام لتهويل وصفِ يوم القيامة، وما يجري به من أحداثٍ؛ دلالةً على قدرة الله وعظمتِه، وعِبْرةً لمن خرج عن طريق الهداية حتى يعُودَ إليه، وقد حرَص رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قراءتها في غير موضع؛ كالجمعة، والعِيدَينِ، والظُّهْرِ.

ترتيبها المصحفي
88
نوعها
مكية
ألفاظها
92
ترتيب نزولها
68
العد المدني الأول
26
العد المدني الأخير
26
العد البصري
26
العد الكوفي
26
العد الشامي
26

* سورة (الغاشية):

سُمِّيت سورة (الغاشية) بهذا الاسمِ؛ لذِكْرِ (الغاشية) في افتتاحها؛ وهي: اسمٌ من أسماءِ يوم القيامة.

* وتُسمَّى كذلك بـ {هَلْ أَتَىٰكَ} أو {هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ اْلْغَٰشِيَةِ}؛ لافتتاحها بهذا اللفظ.

 حرَصَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قراءة سورة (الغاشية) في كثيرٍ من المواطن؛ من ذلك:

* في صلاة العِيدَينِ: عن سَمُرةَ بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه، قال: «كان رسولُ اللهِ ﷺ يَقرأُ في العِيدَينِ بـ{سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، و{هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ اْلْغَٰشِيَةِ}». أخرجه أحمد (٢٠١٦١).

* في صلاة الظُّهر: عن أنسِ بن مالكٍ رضي الله عنه: «أنَّهم كانوا يَسمَعون مِن النبيِّ صلى الله عليه وسلم في الظُّهْرِ النَّغْمةَ بـ{سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، و{هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ اْلْغَٰشِيَةِ}». أخرجه ابن حبان (١٨٢٤).

* في صلاة الجمعة: عن سَمُرةَ بن جُنْدُبٍ رضي الله عنه: «أنَّ النبيَّ ﷺ كان يَقرأُ في الجمعةِ بـ{سَبِّحِ اْسْمَ رَبِّكَ اْلْأَعْلَى}، و{هَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ اْلْغَٰشِيَةِ}». أخرجه أبو داود (١١٢٥).

1. ثواب وعقاب (١-١٦).

2. آيات القدرة على البعث (١٧-٢٠).

3. وظيفة النبي الداعية (٢١-٢٦).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /116).

الدلالة على هولِ يوم القيامةِ، وما يَتبَعُه من أحداث؛ لحَثِّ الناس على اتباع طريق الحق، والإيمانِ بالله صاحبِ القدرة المطلقة، والخَلْقِ البديع الذي مَن تأمَّله عرَفَ خالقَه.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /294).