ﰡ
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير: لما قال سبحانه وتعالى ﴿إن الإنسان لفي خسر﴾ أتبعه بمثال من ذكر نقصه وقصوره واغتراره، وظنه الكمال لنفسه حتى يعيب غيره، واعتماده على ما جمعه من المال ظناً أنه يخلده وينجيه، وهذا كله هو عين النقص، الذي هو شأن الإنسان، وهو المذكور في السورة قبل، فقال تعالى ﴿ويل لكل همزة لمزة﴾ فافتتحت السورة بذكر ما أعد له من العذاب جزاء له على همزه ولمزه الذي أتم حسده، والهمزة العياب الطعان واللمزة مثله، ثم ذكر تعالى ماله ومستقرة بقوله: ﴿لينبذن في الحطمة﴾ أي ليطرحن في النار جزاء له على اغتراره وطعنه - انتهى.
ولما كان الذي يفعل النقيصة من غير حاجة تحوجه إليها أقبح حالاً
ولما كان هذا الحسبان لشدة وهيه وبيان ضعفه لا يحتاج إلى إقامة دليل على فساده، اكتفى فيه بأداة الردع الجامعة لكل زجر فقال: ﴿كلا﴾ أي لا يكون ما حسبه لأنه لا يكون له ما لا يكون لغيره من أمثاله بل يموت كما مات كل حي مخلوق.
ولما كان كأنه قيل: فما الذي يفعل به بعد الموت؟ قال مقسماً دالاًّ باللام الداخلة على الفعل على القسم: ﴿لينبذن﴾ أي ليطرحن بعد موته طرح ما هو خفيف هين جداً على كل طارح كما دل عليه التعبير بالنبذ وبالبناء للمفعول ﴿في الحطمة *﴾ أي الطبقة من النار التي من شأنها أن تحطم أي تكسر وتهشم بشدة وعنف كل ما طرح فيها فيكون أخسر الخاسرين، وعبر بها في مقابلة الاستعداد بالمال الحامل على الاستهانة بالخلق، قال الأستاد أبو الحسن الحرالي: فلمعنى ما يختص بالحكم يسمي تعالى باسم من أسمائها من نحو جهنم فيما يكون مواجهة ومن نحو الحطمة فيما يكون جزاء لقوة قهر واستعداد بعدد، ونحو ذلك في سائر أسمائها، وعظم شأنها سبحانه وتعالى بقوله: ﴿وما أدراك﴾ أي وأيّ شيء أعلمك ولو بمحاولة منك للعلم واجتهاد في التعرف مع
ولما وصف الهامز الهازم، وصف الحاطم فقال تعالى: ﴿التي﴾ ولما كان لا يطلع على أحوال الشيء إلا من قبله علماً قال: ﴿تطلع﴾ اطلاعاً شديداً ﴿على الأفئدة *﴾ جمع فؤاد وهو القلب الذي يكاد يحترق من شدة ذكائه، فكان ينبغي أن يجعل ذكاءه في أسباب الخلاص، واطلاعها عليه بأن تعلو وسطه وتشتمل عليه اشتمالاً بالغاً، سمي بذلك لشدة توقده، وخص بالذكر لأنه ألطف ما في البدن وأشده تألماً بأدنى شيء من الأذى، ولأنه منشأ العقائد الفاسدة ومعدن حب المال الذي هو منشأ الفساد والضلال، وعنه تصدر الأفعال القبيحة.
ولما كانت عادتهم في المنع من التصرف أن يضعوا خشبة عظيمة تسمى المقطرة فيها حلق توثق فيها الرجل، فلا يقدر صاحبها بعد ذلك على حراك، قال مصوراً لعذابهم بحال من ضمير «عليهم» :﴿في﴾ أي حال كونهم موثقين في ﴿عمد﴾ بفتحتين وبضمتين جمع عمود ﴿ممددة *﴾ أي معترضة كأنها موضوعة على الأرض، فهي في غاية المكنة فلا يستطيع الموثق بها على نوع حيلة في أمرها فهو تأكيد ليأسهم من الخروج بالإيثاق بعد الإيصاد، وهذا أعظم الويل وأشد النكال، فقد رجع آخرها إلى أولها، وكان لمفصلها أشد التحام بموصلها - والله الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب.
مقصودها الدلالة على آخر الهمزة من إهلاك المكاثرين في دار التعاضد والتناصر بالأسباب، فعند انقطاعها أولى لأختصاصه سبحانه وتعالى بتمام القدرة دون التمكن بالمال والرجال، واسمها الفيل ظاهر الدلالة على ذلك بتأمل سورته، وما حصل في سيرة جيشه وصورته) بسم الله (الذي له الإحاطة فقدرته في كل شيء عاملة) الرحمن (الذي له النعمة الشاملة) الرحيم (الذي يختص أهل الاصطفاء بالنعمة الكاملة.