هي تسع آيات، وهي مكية بلا خلاف. قال ابن عباس : نزلت بمكة، وقال المحلي : أو مدنية، والأول أولى.
ﰡ
قال أبو عبيدة والزجاج الهمزة اللمزة الذي يغتاب الناس، وعلى هذا هما بمعنى، وقال أبو العالية والحسن ومجاهد وعطاء بن أبي رباح (الهمزة) الذي يغتاب الرجل في وجهه (واللمزة) الذي يغتابه من خلفه، وقال قتادة عكس هذا، وروي عن قتادة ومجاهد أيضاًً أن الهمزة الذي يغتاب الناس في أنسابهم وعن مجاهد أيضاًً أن الهمزة الذي يهمز الناس بيده، واللمزة الذي يلمزهم بلسانه.
وقال سفيان الثوري يهمزهم بلسانه ويلمزهم بعينه، وقال ابن كيسان الهمزة الذي يؤذي جلساءه بسوء اللفظ واللمزة الذي يكسر عينه على جليسه ويشير بيده وبرأسه وبحاجبه، وقيل هم المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون العيب للبريء.
وحاصل هذه الأقاويل يرجع إلى أصل واحد وهو الطعن وإظهار العيب،
وأصل الهمزة الكسر يقال همز رأسه كسره، وقيل أصل الهمز واللمز الضرب والدفع، يقال همزه يهمزه همزاً ولمزه يلمزه لمزاً إذا دفعه وضربه.
قرأ الجمهور يقال همزة لمزة بضم أولهما وفتح الميم فيهما، وقرىء بسكون الميم فيهما وقرأ أبو وائل والنخعي والأعمش (ويل للهمزة اللمزة) والآية تعم كل من كان متصفاً بذلك ولا ينافيه نزولها على سبب خاص، فإن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وعن ابن عباس أنه سئل عن همزة لمزة قال: هو المشاء بالنميمة المفرق بين الجمع المغري بين الأخوان، وعنه قال همزة طعان ولمزة مغتاب.
وقوله
قرأ الجمهور جمع مخففاً وقرىء مثقلاً. قال الرازي الفرق أن التشديد يفيد أنه جمعه من ههنا ومن ههنا ولم يجمعه في يوم واحد، ولا في يومين، ولا في شهر ولا في شهرين، وأن التخفيف لا يفيد ذلك، ونكر (مالاً) للتعظيم أي مالاً بلغ في الخبث والفساد أقصى النهايات فكيف يليق بالعاقل أن يفتخر به.
وقرأ الجمهور (وعدده) مشدداً وقرىء بالتخفيف والتشديد في الكلمتين يدل على التكثير، وهو جمع الشيء بعد الشيء وتعديده مرة بعد أخرى، قال الفراء معنى عدده أحصاه فهو مأخوذ من العد، وقال الزجاج
والمقصود ذمه على جمع المال وإمساكه وعدم إنفاقه في سبل الخير، وقيل المعنى على قراءة التخفيف في عدده أنه جمع عشيرته وأقاربه، قال المهدوي من خفف وعدده فهو معطوف على المال أي وجمع عدده.
وجملة
والإظهار في موضع الإضمار للتقريع والتوبيخ، وقيل هو تعريض بالعمل الصالح وأنه الذي يخلد صاحبه في الحياة الأبدية لا المال، والخلد بالضم البقاء والدوام وبابه دخل، وأخلده الله وخلد تخليداً.
والمعنى تحطم وتكسر كل ما ألقي فيها ففي الحطمة مماثلة لعمله لفظاً ومعنى لأنها على وزن همزة لمزة وفيهما كسر كما فيها، وحطمة من باب ضرب، والتحطيم التكسير والحطمة من أسماء النار لأنها تحطم ما تلتقم.
قال مقاتل أطبقت الأبواب عليهم ثم شدت بأوتاد من حديد فلا يفتح عليهم باب ولا يدخل عليهم روح.
ومعنى كون العمدة ممددة أنها مطولة وهي أرسخ من القصيرة، وقيل العمد أغلال في جهنم، وقيل القيود، وقال قتادة المعنى هم في عمد يعذبون بها، واختار هذا ابن جرير.
قرأ الجمهور عمد بفتح العين والميم، وقيل هو اسم جمع لعمود، وقيل جمع له، قال الفراء هي جمع لعمود كأديم وأدم، وقال أبو عبيدة هي جمع عماد.
قال الجوهري: العمود عمود البيت وجمع القلة أعمدة وجمع الكثرة عمد وعمد، وقرىء بهما وهما سبعيتان.
قال أبو عبيدة: العمود كل مستطيل من خشب أو حديد، قال ابن عباس عمد من نار، وقال ابن مسعود هي الأدهم، وعن ابن عباس أيضاًً الأبواب هي الممددة، وعنه قال أدخلهم في عمد فمدت عليهم في أعناقهم فسدت بها الأبواب.
قال ابن جزي: المعنى أن أبواب جهنم أغلقت عليهم بعمد ممدودة على أبوابها تشديداً في الإغلاق، وقيل معناه في دهر ممدود أي لا انقطاع له، قال القشيري أن العمد أوتاد الأطباق التي تطبق على أهل النار تشد تلك الأطباق حتى يرجع عليهم غمها وحرها فلا يدخل عليهم روح.
هي خمس آيات وهي مكية بلا خلاف، قال ابن عباس نزلت بمكة.
بسم الله الرحمن الرحيم
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (١) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (٢) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (٣) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (٤) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (٥)