ﰡ
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله: ﴿إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ﴾ : يجوزُ أن يكونَ جوابَ القسمِ، وأَنْ يكونَ اعتراضاً، والجوابُ قولُه: ﴿إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ﴾، واختاره ابنُ عطية. وقيل: «إنَّا كُنَّا» مستأنفٌ، أو جوابٌ ثانٍ مِنْ غيرِ عاطِفٍ.وقرأ الحسن والأعرج والأعمش «يَفْرُقُ» بفتح الياء وضمِّ الراءِ، «كلَّ» بالنصب أي: يَفْرُقُ اللَّهُ كلَّ أَمْرٍ. وزيد بن علي «نَفْرِقُ» بنونِ العظمةِ، «كلَّ»
وقرأ زيد بن علي «أَمْرٌ» بالرفع. قال الزمخشري: «وهي تُقَوِّي النصبَ على الاختصاصِ».
قوله: «مِنْ عِنْدِنا» يجوز أَنْ يتعلَّق ب «يُفْرَقُ» أي: مِنْ جهتِنا، وهي لابتداءِ الغاية مجازاً. ويجوز أَنْ يكونَ صفةً ل أَمْراً.
قوله: ﴿إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾ جوابٌ ثالثٌ أو مستأنفٌ، أو بدلٌ من قوله: ﴿إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ﴾.
و «مِنْ رَبِّك» يتعلَّقُ برَحْمة، أو بمحذوفٍ على أنها صفةٌ. وفي «مِنْ ربِّك» التفاتٌ من التكلُّم إلى الغَيْبة، ولو جَرَى على مِنْوالِ ما تقدَّمَ لقال: رحمةً منا.
وقرأ ابنُ محيصن وابنُ أبي إسحاق وأبو حيوة والحسن بالجرِّ/ على البدلِ أو البيانِ أو النعتِ ل «رب السماوات»، وهذا يُوْجِبُ أَنْ يكونوا يَقْرؤون «رَبِّ السماوات» بالجرِّ. والأنطاكي بالنصب على المدحِ.
قوله: «هذا عَذابٌ» في محلِّ نصبٍ بالقول. وذلك القولُ حالٌ أي: قائلين ذلك، ويجوزُ أَنْ لا يكونَ معمولاً لقولٍ البتةَ، بل هو مجرَّدُ إخبارٍ.
قوله: «وقد جاءَهم» حال مِنْ «لهم». وقرأ زيد بن علي «مُعَلِّم» بكسر اللام.
وقوله: «إنِّي عُذْتُ» مستأنفٌ. وأدغم الذالَ في التاء أبو عمروٍ والأخَوان. وقد مَضَى توجيهُه في طه عند قوله: ﴿فَنَبَذْتُهَا﴾ [طه: ٩٦].
٤٠١٤ - والخيلَ تَمْزَعُ رَهْواً في أَعِنَّتِها | كالطيرِ تَنْجُوْ مِنَ الشُّؤْبوب ذي البَرَدِ |
٤٠١٥ - يَمْشِيْنَ رَهْواً فلا الأَعْجازُ خاذِلَةٌ | ولا الصدورُ على الأعجازِ تَتَّكِلُ |
وفي التفسير: أنَّه لَمَّا انْفَلَق البحرُ لموسى وطَلَعَ منه خاف أن يتبعَه فرعونُ فأراد أَنْ يَضْرِبَه ليعودَ حتى لا يَلحقوه. فأَمَرَ أَنْ يتركَه فُرَجاً. وأصلُه مِنْ قولِهم: / رَها الرجلُ يَرْهُو رَهْواً فتح ما بينَ رِجْلَيْه، والرَّهْوُ والرَّهْوَةُ: المكانُ المرتفعُ والمنخفضُ يَجْتمع فيه فهو من الأضداد. والرَّهْوَةُ المرأةُ الواسعةُ الهَنِ. والرَّهْوُ: طائر يقال هو الكُرْكِيّ. وقد تقدَّم الكلامُ في الشعراء على نظير ﴿كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ﴾.
قوله: «فاكِهين» العامَّةُ على الألف أي: طَيِّبي الأنفسِ أو أصحابُ فاكهة ك لابنِ وتامرِ. وقيل: فاكهين لاهين. وقرأ الحسن وأبو رجاء «فَكِهين» أي: مُسْتَخِفِّين مُسْتهزئين. قال الجوهري: «يُقال: فَكِهَ الرجلُ بالكسرِ فهو فَكِهٌ إذا كان مَزَّاحاً والفَكِهُ أيضاً: الأشِرُ».
٤٠١٦ - الشمسُ طالِعَةٌ ليسَتْ بكاسِفَةٍ | تَبْكي عليك نجومَ الليلِ والقمرا |
٤٠١٧ - لَمَّا أتى خبرُ الزُّبَيْرِ تواضَعَتْ | سُوْرُ المدينةِ والجبالُ الخُشَّعُ |
٤٠١٨ - بكى حارِثُ الجَوْلانِ مِنْ فَقْدِ رَبِّهِ | وحَوْرَانُ منه خاشِعٌ مُتَضائِلُ |
٤٠١٩ - ويَوْماً على ظَهْر الكَثِيْبِ تَعَذَّرَتْ | عليَّ وآلَتْ حَلْفَةً لم تَحَلَّلِ |
قوله: «ولا هم» جُمِع الضميرُ عائداً به على «مَوْلَى»، وإنْ كان مفرداً لأنه قَصَدَ معناه فجُمِعَ، وهو نكرةٌ في سِياق النفيِ فَعَمَّ.
والأَثيم صفةُ مبالَغَةٍ. ويقال: الأَثُوم كالصَّبورِ والشَّكور. والمُهْل: قيل دُرْدِيُّ الزيت. وقيل عَكَر القَطِران. وقيل: ما أُذِيْبَ مِنْ ذَهَبٍ أو فضة. وقيل:
قوله: «يَغْلي» قرأ ابن كثير وحفصٌ بالياءِ مِنْ تحتُ. والفاعلُ ضميرٌ يعود على طعام. وجَوَّز أبو البقاء أَنْ يعودَ على الزَّقُّوم. وقيل: يعود على المُهْلِ نفسِه، و «يَغْلي» حالٌ من الضميرِ المستترِ في الجارِّ أي: مُشْبهاً المُهْلَ غالياً. ويجوزُ أَنْ يكونَ حالاً مِنَ المُهْلِ نفسِه. وجَوَّزَ أبو البقاء أَنْ يكونَ خبرَ مبتدأ محذوفٍ أي: هو يَغْلي أي: الزقُّوم أو الطعامُ. والباقون «تَغْلي» بالتاء مِنْ فوقُ، على أنَّ الفاعلَ ضميرُ الشجرةِ، والجملةُ خبرٌ ثانٍ أو حالٌ على رَأْيٍ، أو خبرُ مبتدأ مضمر أي: هي تَغْلي.
٤٠٢٠ - ألَمْ يَكُنْ في وُسُومٍ قد وَسَمْتُ بها | مَنْ كان موعظةً يا زهرةَ اليَمَنِ |
٤٠٢١ - أبْلِغْ كُلَيْباً وأَبْلِغْ عَنْك شاعرَها | أنِّي الأَغَرُّ وأنِّي زهرةُ اليمنِ |
٤٠٢٢ - لا عَيْبَ فيهم غيرَ أنَّ سيوفَهُمْ | بهنَّ فُلولٌ مِنْ قِراعِ الكتائبِ |
قوله:» ووَقاهم «الجمهورُ على التخفيف. وقرأ أبو حيوةَ» ووقَّاهم «بالتشديد على المبالغة، ولا يكونُ للتعدية فإنَّه متعدٍّ إلى اثنين قبلَ ذلك.
سورة الدخان
سورةُ (الدُّخَان) من السُّوَر المكية، وقد احتوت على ذِكْرِ علامةٍ من العلامات الكبرى ليومِ القيامة؛ وهي دُخَانٌ يملأ ما بين السماءِ والأرض يغشى الناسَ، وفي ذلك تحذيرٌ للكفار من هلاك قريب، وترهيبٌ لهم من مصيرٍ مَهُول، ودعوةٌ لهم إلى العودة إلى طريق الله، والاستجابةِ لأمره، وتركِ ما هم عليه من تكبُّرٍ وكفر، وخُتمت السورة بالترغيب فيما يَلْقاه المؤمنُ من عطاء الله، والخيرِ الذي عنده، وكلُّ هذا دعوةً للكفار للإيمان، وتثبيتًا للمؤمنين على إيمانهم.
ترتيبها المصحفي
44نوعها
مكيةألفاظها
346ترتيب نزولها
64العد المدني الأول
56العد المدني الأخير
56العد البصري
57العد الكوفي
59العد الشامي
56* قوله تعالى: {يَوْمَ نَبْطِشُ اْلْبَطْشَةَ اْلْكُبْرَىٰٓ إِنَّا مُنتَقِمُونَ} [الدخان: 16]:
عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «إنَّما كان هذا لأنَّ قُرَيشًا لمَّا استعصَوْا على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، دعَا عليهم بسِنِينَ كَسِنِي يوسُفَ، فأصابَهم قَحْطٌ وجَهْدٌ حتى أكَلوا العِظامَ، فجعَلَ الرجُلُ ينظُرُ إلى السماءِ فيَرى ما بَيْنَه وبينها كهيئةِ الدُّخَانِ مِن الجَهْدِ؛ فأنزَلَ اللهُ تعالى: {فَاْرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي اْلسَّمَآءُ بِدُخَانٖ مُّبِينٖ ١٠ يَغْشَى اْلنَّاسَۖ هَٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٞ} [الدخان: 10-11]، قال: فأُتِيَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقيل له: يا رسولَ اللهِ، استَسْقِ اللهَ لِمُضَرَ؛ فإنَّها قد هلَكتْ، قال: «لِمُضَرَ؟ إنَّك لَجريءٌ»، فاستَسقى لهم؛ فَسُقُوا؛ فنزَلتْ: {إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ} [الدخان: 15]، فلمَّا أصابَتْهم الرَّفاهيَةُ، عادُوا إلى حالِهم حينَ أصابَتْهم الرَّفاهيَةُ؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {يَوْمَ نَبْطِشُ اْلْبَطْشَةَ اْلْكُبْرَىٰٓ إِنَّا مُنتَقِمُونَ} [الدخان: 16]، قال: يَعنِي: يومَ بَدْرٍ». أخرجه البخاري (٤٨٢١).
* سورة (الدُّخَان):
سُمِّيت سورة (الدُّخَان) بهذا الاسم؛ لورودِ لفظ (الدُّخَان) فيها في قوله تعالى: {فَاْرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي اْلسَّمَآءُ بِدُخَانٖ مُّبِينٖ} [الدخان: 10].
مقصدُ سورة (الدُّخَان) هو الإنذار بالهلاكِ والعذاب لكلِّ مَن أعرض عن هذا الكتابِ الحكيم، ولم يَقبَلْ ما أُرسِل به مُحمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، وفي هذا دعوةٌ للكفار إلى العودة إلى الحقِّ واتباع هذا الدِّين قبل أن يَنزِلَ بهم العذاب، كما أن فيه إقامةَ الحُجَّة بتمام البلاغ.
ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /471).