تفسير سورة الدّخان

تفسير ابن أبي زمنين

تفسير سورة سورة الدخان من كتاب تفسير القرآن العزيز المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين.
لمؤلفه ابن أبي زَمَنِين . المتوفي سنة 399 هـ
تفسير سورة الدخان وهي مكية كلها.

قَوْله: ﴿وَالْكتاب الْمُبين﴾ قسم أقسم بِالْقُرْآنِ
﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن ﴿فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ﴾ يَعْنِي: لَيْلَة الْقدر.
يَحْيَى: عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالحٍ [عَنِ] ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " نَزَلَ الْقُرْآنُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا جُمْلَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ جَعَلَ بَعْدَ ذَلِكَ يَنْزِلُ نُجُومًا ثَلاثَ آيَاتٍ وَأَرْبَعَ آيَاتٍ وَخَمْسَ آيَاتٍ وَأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَأَكْثَرَ. ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾ ".
198
﴿إِنَّا كُنَّا منذرين﴾ الْعباد من النَّار
199
﴿فِيهَا﴾ يَعْنِي: لَيْلَة الْقدر ﴿يُفْرَقُ كُلُّ أَمر حَكِيم﴾ أَي: يفصل، قَالَ الْحسن: مَا يُرِيد الله أَن ينزل من الْوَحْي وَينفذ من الْأُمُور فِي سمائه وأرضه وخلقه تِلْكَ السّنة، ينزله فِي لَيْلَة الْقدر إِلَى سمائه، ثمَّ ينزله فِي الْأَيَّام والليالي على قَدَرٍ حَتَّى يحول الْحول من تِلْكَ اللَّيْلَة.
قوله :﴿ أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين( ٥ ) ﴾ الرسل إلى العباد.
﴿ رحمة من ربك. . . ﴾ الآية.
قال محمد : قوله :﴿ أمرا ﴾ منصوب على الحال ؛ المعنى : إنا أنزلناه آمرين أمرا. وقوله :﴿ رحمة من ربك ﴾ أي : أنزلناه رحمة.
قَوْله: ﴿أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مرسلين﴾ الرُّسُل إِلَى الْعباد
﴿رَحْمَة من رَبك﴾ الْآيَة.
قَالَ محمدٌ: قَوْله: ﴿أَمْرًا﴾ مَنْصُور على الْحَال؛ الْمَعْنى: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ آمرين أمرا. وَقَوله: ﴿رَحْمَةً مِنْ رَبك﴾ أَي: أَنزَلْنَاهُ رَحْمَة.
199
تَفْسِير سُورَة الدُّخان من الْآيَة ١٠ إِلَى آيَة ١٥.
200
﴿فَارْتَقِبْ﴾ أَي: فانتظر ﴿يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَان مُبين﴾ بَين
﴿يغشى النَّاس﴾ تَفْسِير مُجَاهِد: يَعْنِي: الجدب وإمساك الْمَطَر عَن [كفار قُرَيْش].
يَقُولُونَ: ﴿رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ﴾.
قَالَ الله: ﴿أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى﴾ أَي: كَيفَ لَهُم الذكرى؟ (ل ٣١٩) يَعْنِي: الْإِيمَان بعد وُقُوع هَذَا الْبلَاء ﴿وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ﴾
﴿ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُون﴾ يُعلمهُ عبد [لنَبِيّ] الْحَضْرَمِيّ، وَكَانَ كَاهِنًا؛ فِي تَفْسِير الْحسن. وَقَالَ بَعضهم: عداس غُلَام عتبَة بن ربيعَة؛ كَانَ يقْرَأ الْكتب،
قَالَ الله: ﴿إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلا﴾.
تَفْسِير سُورَة الدُّخان آيَة ١٦.
﴿يَوْم نبطش البطشة الْكُبْرَى﴾.
قَالَ مُحَمَّد: ﴿يَوْم نبطش﴾ منصوبٌ بِمَعْنى: وَاذْكُر يَوْم نبطش، وَيُقَال: يبطُش بِالرَّفْع أَيْضا، مثل: عَكَفَ يَعْكُفُ ويَعْكِفُ، وَمثل هَذَا كثير.
يَحْيَى: عَنِ الْمُعَلَّى، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى،
200
عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: " هَا هُنَا رَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَأْتِي دُخَانٌ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَيَأْخُذُ بِأَسْمَاعِ الْمُنَافِقِينَ وَأَبْصَارِهِمْ، وَيَأْخُذُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزُّكَامِ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَغَضِبَ؛ فَجَلَسَ فَقَالَ: يَا أَيهَا النَّاسُ مَنْ عَلِمَ عِلْمًا فَلْيَقُلْ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَلْيَقُلْ: اللَّهُ أَعْلَمُ؛ فَإِنَّ مِنَ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ لِمَا لَا يَعْلَمُ: اللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا من المتكلفين﴾ وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنِ الدُّخَانِ: إِنَّ قُرَيْشًا لَمَّا أَبْطَئُوا عَنِ الإِسْلامِ، دَعَا عَلَيْهِم رَسُول الله؛ فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ. فَأَصَابَهُمُ الْجُوعُ؛ حَتَّى أَكَلُوا الْمَيْتَةَ وَالْعِظَامَ، حَتَّى كَانَ أَحَدُهُمْ يَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ دُخَانًا مِنَ الْجَهْدِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَان مُبين﴾ إِلَى قَوْله ﴿إِنَّا مُؤمنُونَ﴾ فَسَأَلُوا أَنْ يُكْشَفَ عَنْهُمُ الْعَذَابُ فَيُؤْمِنُوا، قَالَ اللَّهُ: ﴿أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ﴾ إِلَى قَوْله: ﴿منتقمون﴾ فَكُشِفَ عَنْهُمْ فَعَادُوا فِي كُفْرِهِمْ؛ فَأَخَذَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ، فَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿يَوْم نبطش البطشة الْكُبْرَى﴾ فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ: قَدْ مَضَتِ الْبَطْشَةُ وَالدُّخَانُ وَاللِّزَامُ
201
وَالرُّومُ وَالْقَمَرُ ".
قَالَ محمدٌ: قيل للجوع: دُخان، لِيَبَس الأَرْض فِي سنة الجَدْب، وَانْقِطَاع النَّبَات وارتفاع الْغُبَار، فَشبه مَا يرْتَفع مِنْهُ بالدخان، وَمن كَلَامهم: جوعٌ أغْبَرُ وَسنة غبراء لسنة المجاعة.
تَفْسِير سُورَة الدُّخان من الْآيَة ١٧ إِلَى آيَة ٢٩.
202
قَوْله: ﴿وَلَقَد فتنا قبلهم﴾ أَي: اختبرنا قبلهم ﴿قَوْمَ فِرْعَوْنَ﴾ بِالدّينِ؛ كَقَوْلِه: ﴿وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ﴾ لمختبرين بِالدّينِ.
202
﴿وجاءهم رَسُول كريم﴾ على الله؛ يَعْنِي: مُوسَى
203
﴿أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ﴾ أرْسلُوا معي بني إِسْرَائِيل؛ فِي تَفْسِير مُجَاهِد ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِين﴾ على مَا أَتَانِي من الله، لَا أَزِيد فِيهِ شَيْئا وَلَا أنقص مِنْهُ شَيْئا.
﴿وَأَنْ لَا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ﴾ أَي: لَا تستكبروا عَن عبَادَة الله ﴿إِنِّي آتيكم﴾ أَي: قد أتيتكم ﴿بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ بِحجَّة بَيِّنَة
﴿وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ ترجمون﴾ يَعْنِي: الْقَتْل بِالْحِجَارَةِ
﴿وَإِن لم تؤمنوا لي﴾ تصدقوني ﴿فاعتزلون﴾ حَتَّى يحكم الله بيني وَبَيْنكُم.
قَالَ محمدٌ: قيل: الْمَعْنى: فَإِن لم تؤمنوا لي؛ فَلَا تَكُونُوا عَليّ وَلَا معي.
﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ مجرمون﴾ مشركون.
قَالَ مُحَمَّد: من قَرَأَ (إِن) بالكَسْرِ فعلى معنى: قَالَ: إِن هَؤُلَاءِ، وَيجوز الْفَتْح بِمَعْنى: بِأَن هَؤُلَاءِ.
﴿فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ﴾ أَي: يتبعكم فِرْعَوْن وَجُنُوده
﴿واترك الْبَحْر رهوا﴾ قَالَ مُجَاهِد: يَعْنِي: سَاكِنا بعد أَن ضربه مُوسَى بعصاه.
﴿ومقام كريم﴾ أَي: منزل حسن
﴿ونعمة كَانُوا فِيهَا فاكهين﴾ أَي: مسرورين.
قَالَ الله: ﴿كَذَلِك﴾ أَي: هَكَذَا كَانَ الْخَبَر ﴿وَأَوْرَثْنَاهَا قوما آخَرين﴾ يَعْنِي: بني إِسْرَائِيل
﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ﴾.
يَحْيَى: عَنْ حَمَّادٍ، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: " لِلْمُؤْمِنِ بَابَانِ فِي السَّمَاءِ، أَحَدُهُمَا يَصْعَدُ مِنْهُ عَمَلُهُ، وَالآخَرُ يَنْزِلُ مِنْهُ رِزْقُهُ، فَإِذَا مَاتَ
203
بَكَيَا عَلَيْهِ ".
قَالَ أبان الْعَطَّار: بَلغنِي أَنَّهُمَا يَبْكِيَانِ عَلَيْهِ أَرْبَعِينَ صباحا.
﴿وَمَا كَانُوا منظرين﴾ من الْعَذَاب يَعْنِي: الْغَرق.
تَفْسِير سُورَة الدُّخان من الْآيَة ٣٠ إِلَى آيَة ٣٩.
204
(ل ٣٢٠) ﴿وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَاب المهين﴾
205
﴿مِنْ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ كَانَ عَالِيًا من المسرفين﴾ أَي: المتكبرين
﴿وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالمين﴾ على عَالم زمانهم الَّذِي كَانُوا فِيهِ
﴿وآتيناهم﴾ يَعْنِي: أعطيناهم ﴿مِنَ الآيَاتِ مَا فِيهِ بلَاء مُبين﴾ نعْمَة بَيِّنَة.
﴿إِن هَؤُلَاءِ ليقولون﴾ يَعْنِي: مُشْركي الْعَرَب
﴿إِنْ هِيَ إِلا مَوْتَتُنَا الأُولَى وَمَا نَحن بمنشرين﴾ بمبعوثين.
قَالَ محمدٌ: يُقَال: أَنْشَرَ الله الْمَوْتَى؛ فنشروا.
﴿فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ أَي: فأحيوا لنا آبَاءَنَا، حَتَّى نصدقكم بمقالتكم أنَّ الله يحيي الْمَوْتَى.
قَالَ الله: ﴿أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ﴾ من الْكفَّار أَي: أَنهم لَيْسُوا بِخَير مِنْهُم؛ يخوفهم بِالْعَذَابِ.
﴿مَا خلقناهما إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ للبعث وللحساب، وللجنة وَالنَّار ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرهم﴾ جمَاعَة الْمُشْركين ﴿لَا يعلمُونَ﴾ أَنهم مبعوثون ومحاسبون ومجازون.
205
تَفْسِير سُورَة الدُّخان من الْآيَة ٤٠ إِلَى آيَة ٥٠.
206
﴿إِن يَوْم الْفَصْل﴾ يَعْنِي: الْقَضَاء ﴿ميقاتهم أَجْمَعِينَ﴾ أَي: مِيقَات بَعثهمْ
206
﴿يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مولى﴾ ولي عَن ولي ﴿شَيْئا﴾ أَي: لَا يحمل من ذنوبهم شَيْئا ﴿وَلَا هم ينْصرُونَ﴾ يمْنَعُونَ من الْعَذَاب
206
﴿ يوم لا يغني مولى عن مولى ﴾ ولي عن ولي ﴿ شيئا ﴾ أي : لا يحمل من ذنوبهم شيئا ﴿ ولا هم ينصرون( ٤١ ) ﴾ يمنعون من العذاب.
﴿إِلَّا من رحم الله﴾ قَالَ الْحسن: يَعْنِي: من الْمُؤمنِينَ يشفع بعضُهم لبَعض؛ فينفعهم ذَلِك عِنْد الله.
﴿إِن شَجَرَة الزقوم﴾
﴿طَعَام الأثيم﴾ الْمُشرك
﴿كَالْمهْلِ﴾ الْمهل: مَا كَانَ ذائبًا من الْفضة والنحاس وَمَا أشبه ذَلِك.
قَالَ محمدٌ: وَقيل: الْمهل: عكر الزَّيْت الشَّديد السوَاد.
﴿تَغْلِي فِي الْبُطُونِ﴾
﴿ كغلي الحميم( ٤٦ ) ﴾ يعني : الماء الشديد الحر.
﴿كَغَلْيِ الْحَمِيمِ﴾ يَعْنِي: المَاء الشَّديد الْحر ﴿خذوه فاعتلوه﴾ قَالَ الْحسن: يَعْنِي: فجرُّوه ﴿إِلَى سَوَاء الْجَحِيم﴾ وسط الْجَحِيم.
قَالَ محمدٌ: العَتْلُ فِي اللُّغَة أَن يُمْضَى بِهِ بعنْفٍ وَشدَّة، يُقَال مِنْهُ: عتَلَ يَعْتُلُ، وَفِيه لُغَة أُخْرَى: يَعْتِلُ.
﴿ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَاب الْحَمِيم﴾ كَقَوْلِه ﴿يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيد﴾ يُقْمَعُ بالمقمعة، فتخرقُ رأسَهُ، فيُصَبُّ على رَأسه الْحَمِيم، فَيدْخل فِي فِيهِ
206
حَتَّى يصل إِلَى جَوْفه.
207
﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾ يَعْنِي: المنيع الْكَرِيم عِنْد نَفسك، إِذْ كنت فِي الدُّنْيَا وَلست كَذَلِك، قَالَ بَعضهم: نزلت فِي أبي جهل كَانَ يَقُول: أَنا أعز قُرَيْش وَأَكْرمهَا
﴿إِن هَذَا﴾ يَعْنِي: (الْعَذَاب) ﴿مَا كُنْتُمْ بِهِ تمترون﴾ تشكون فِي الدُّنْيَا أَنه كَائِن.
تَفْسِير سُورَة الدُّخان من الْآيَة ٥١ إِلَى آيَة ٥٩.
﴿إِن الْمُتَّقِينَ فِي مقَام﴾ فِي منزل ﴿امين﴾ أَي: هم آمنون فِيهِ من الغِيَرِ.
قَالَ محمدٌ: من قَرَأَ ﴿مُقامٍ﴾ بِرَفْع الْمِيم فَهُوَ من قَوْلهم: أَقَام مُقَامًا، وَمن قَرَأَ بِفَتْح الْمِيم فَهُوَ من قَوْلهم: قَامَ يقوم.
﴿يلبسُونَ من سندس وإستبرق﴾ تَفْسِير الْحسن: هما جَمِيعًا حَرِير.
قَالَ محمدٌ: قيل الاسْتَبْرَقُ: الدِّيبَاجُ الصَّفِيقُ الكثيف، والسُّنْدس: الرَّقِيق.
207
قَالَ كَعْب: فِي الْجنَّة شجر تُنْبِت الاستبرق وَالْحَرِير؛ مِنْهُ يكون لِبَاس أهل الْجنَّة. قَوْله: ﴿مُتَقَابِلِينَ﴾ لَا ينظر بعضُهم إِلَى قَفَا بعضٍ إِذا تزاوروا؛ فِي تَفْسِير بَعضهم.
208
﴿كَذَلِك وزوجناهم بحور عين﴾ تَفْسِير الْحسن، أَي: كَذَلِك حكم الله لأهل الْجنَّة بِهَذَا؛ والحُور: البيضُ؛ فِي تَفْسِير قَتَادَة، والعِينُ: عظامُ الْعُيُون.
قَالَ محمدٌ: قَوْله ﴿وزوجناهم﴾ أَي: قرناهم بِهن.
﴿يدعونَ فِيهَا بِكُل فَاكِهَة﴾ أَي: يَأْتِيهم مَا يشتهون فِيهَا ﴿أمنين﴾ من الْمَوْت
﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الموتة الأولى﴾ وَلَيْسَ ثَمَّ موتَة، إِنَّمَا هِيَ هَذِه الموتة الْوَاحِدَة فِي الدُّنْيَا.
﴿فَضْلا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم﴾ النجَاة الْعَظِيمَة من النَّار إِلَى الْجنَّة.
قَالَ مُحَمَّد: ﴿فضلا﴾ منصوبٌ بِمَعْنى: وَذَلِكَ بفضلٍ من الله، أَي: فعل ذَلِك مِنْهُ فضلا.
﴿فَإِنَّمَا يسرناه﴾ يَعْنِي: الْقُرْآن ﴿بلسانك﴾ يَعْنِي: النَّبِي، لَوْلَا أَن الله يسره بِلِسَان محمدٍ مَا كَانُوا ليقرءوه وَلَا يفقهوه ﴿لَعَلَّهُم يتذكرون﴾ لكَي يتذكروا
﴿فَارْتَقِبْ﴾ فانتظر الْعَذَاب، فَإِنَّهُ واقعٌ بهم ﴿إِنَّهُم مرتقبون﴾ منتظرون.
208
تَفْسِير سُورَة الجاثية وَهِي مَكِّيَّة كلهَا

بِسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

تَفْسِير سُورَة الجاثية من الْآيَة ١ إِلَى آيَة ٦.
209
﴿ فارتقب ﴾ فانتظر العذاب، فإنه واقع بهم ﴿ إنهم مرتقبون( ٥٩ ) ﴾ منتظرون.
سورة الدخان
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الدُّخَان) من السُّوَر المكية، وقد احتوت على ذِكْرِ علامةٍ من العلامات الكبرى ليومِ القيامة؛ وهي دُخَانٌ يملأ ما بين السماءِ والأرض يغشى الناسَ، وفي ذلك تحذيرٌ للكفار من هلاك قريب، وترهيبٌ لهم من مصيرٍ مَهُول، ودعوةٌ لهم إلى العودة إلى طريق الله، والاستجابةِ لأمره، وتركِ ما هم عليه من تكبُّرٍ وكفر، وخُتمت السورة بالترغيب فيما يَلْقاه المؤمنُ من عطاء الله، والخيرِ الذي عنده، وكلُّ هذا دعوةً للكفار للإيمان، وتثبيتًا للمؤمنين على إيمانهم.

ترتيبها المصحفي
44
نوعها
مكية
ألفاظها
346
ترتيب نزولها
64
العد المدني الأول
56
العد المدني الأخير
56
العد البصري
57
العد الكوفي
59
العد الشامي
56

* قوله تعالى: {يَوْمَ نَبْطِشُ اْلْبَطْشَةَ اْلْكُبْرَىٰٓ إِنَّا مُنتَقِمُونَ} [الدخان: 16]:

عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «إنَّما كان هذا لأنَّ قُرَيشًا لمَّا استعصَوْا على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، دعَا عليهم بسِنِينَ كَسِنِي يوسُفَ، فأصابَهم قَحْطٌ وجَهْدٌ حتى أكَلوا العِظامَ، فجعَلَ الرجُلُ ينظُرُ إلى السماءِ فيَرى ما بَيْنَه وبينها كهيئةِ الدُّخَانِ مِن الجَهْدِ؛ فأنزَلَ اللهُ تعالى: {فَاْرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي اْلسَّمَآءُ بِدُخَانٖ مُّبِينٖ ١٠ يَغْشَى اْلنَّاسَۖ هَٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٞ} [الدخان: 10-11]، قال: فأُتِيَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقيل له: يا رسولَ اللهِ، استَسْقِ اللهَ لِمُضَرَ؛ فإنَّها قد هلَكتْ، قال: «لِمُضَرَ؟ إنَّك لَجريءٌ»، فاستَسقى لهم؛ فَسُقُوا؛ فنزَلتْ: {إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ} [الدخان: 15]، فلمَّا أصابَتْهم الرَّفاهيَةُ، عادُوا إلى حالِهم حينَ أصابَتْهم الرَّفاهيَةُ؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {يَوْمَ نَبْطِشُ اْلْبَطْشَةَ اْلْكُبْرَىٰٓ إِنَّا مُنتَقِمُونَ} [الدخان: 16]، قال: يَعنِي: يومَ بَدْرٍ». أخرجه البخاري (٤٨٢١).

* سورة (الدُّخَان):

سُمِّيت سورة (الدُّخَان) بهذا الاسم؛ لورودِ لفظ (الدُّخَان) فيها في قوله تعالى: {فَاْرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي اْلسَّمَآءُ بِدُخَانٖ مُّبِينٖ} [الدخان: 10].

مقصدُ سورة (الدُّخَان) هو الإنذار بالهلاكِ والعذاب لكلِّ مَن أعرض عن هذا الكتابِ الحكيم، ولم يَقبَلْ ما أُرسِل به مُحمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، وفي هذا دعوةٌ للكفار إلى العودة إلى الحقِّ واتباع هذا الدِّين قبل أن يَنزِلَ بهم العذاب، كما أن فيه إقامةَ الحُجَّة بتمام البلاغ.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /471).