تفسير سورة الدّخان

تفسير ابن عباس

تفسير سورة سورة الدخان من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس.
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ

وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله جلّ ذكره ﴿حم﴾ يَقُول قضى مَا هُوَ كَائِن أى بَين
﴿وَالْكتاب الْمُبين﴾ وَأقسم بِالْكتاب الْمُبين لقد قضى مَا هُوَ كَائِن أَي بَين وَيُقَال قسم أقسم بِالْحَاء وَالْمِيم وَالْقُرْآن الْمُبين بالحلال وَالْحرَام وَالْأَمر والنهى
﴿إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ﴾ أنزلنَا جِبْرِيل بِالْقُرْآنِ وَلِهَذَا كَانَ الْقسم أنزل الله جِبْرِيل إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا حَتَّى أمْلى الْقُرْآن على الكتبة وهم أهل سَمَاء الدُّنْيَا ﴿فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ﴾ فِيهَا الرَّحْمَة وَالْمَغْفِرَة وَالْبركَة وَهِي لَيْلَة الْقدر ثمَّ أنزل الله جِبْرِيل بعد ذَلِك على مُحَمَّد عَلَيْهِ السَّلَام بِآيَة وَسورَة وَكَانَ بَين أَوله وَآخره عشرُون سنة ﴿إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ﴾ إِنَّا كُنَّا مخوفين بِالْقُرْآنِ
﴿فِيهَا﴾ فِي لَيْلَة الْقدر ﴿يُفْرَقُ﴾ يبين ﴿كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ كَائِن من سنة إِلَى سنة
﴿أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ﴾ بَيَانا منا نبين لجبريل وَمِيكَائِيل وإسرافيل وَملك الْمَوْت مَا هم موكلون عَلَيْهِ من سنة إِلَى سنة ﴿إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾ الرُّسُل بالكتب
﴿رَحْمَةً﴾ نعْمَة ﴿مِّن رَّبِّكَ﴾ على عباده إرْسَاله الرُّسُل بالكتب ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيع﴾ لمقالة قُرَيْش حَيْثُ قَالُوا رَبنَا اكشف عَنَّا الْعَذَاب ﴿الْعَلِيم﴾ بهم وبعقوبتهم
﴿رب﴾ خَالق ﴿السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا﴾ من الْخلق هُوَ الله ﴿إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ﴾ مُصدقين بذلك
﴿لاَ إِلَه﴾ لَا خَالق ﴿إِلاَّ هُوَ﴾ الَّذِي خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض ﴿يُحْيِي﴾ للبعث ﴿وَيُمِيتُ﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ الْأَوَّلين﴾ خالقكم وخالق آبائكم الأقدمين
﴿بَلْ هُمْ﴾ يَعْنِي كفار مَكَّة ﴿فِي شَكٍّ﴾ من قيام السَّاعَة ﴿يَلْعَبُونَ﴾ يهزءون بِقِيَام السَّاعَة
﴿فَارْتَقِبْ﴾ فانتظر عَذَابهمْ يَا مُحَمَّد ﴿يَوْمَ تَأْتِي السمآء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ﴾ بَين السَّمَاء وَالْأَرْض
﴿يَغْشَى النَّاس﴾ ذَلِك الدُّخان ﴿هَذَا﴾ الدُّخان ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وجيع وَهُوَ الْجُوع
﴿رَّبَّنَا اكشف﴾ قَالُوا رَبنَا اكشف ﴿عَنَّا الْعَذَاب﴾ يَعْنِي الْجُوع ﴿إِنَّا مْؤْمِنُونَ﴾ بك وبكتابك وَرَسُولك
﴿أَنى لَهُمُ الذكرى﴾ من أَيْن لَهُم العظة وَالتَّوْبَة إِذا كشفنا عَنْهُم الْعَذَاب وَيُقَال إِذا أهلكناهم يَوْم بدر وَيُقَال يَوْم الْقِيَامَة ﴿وَقَدْ جَاءَهُم رَسُول﴾ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿مُّبِينٌ﴾ يبين لَهُم لُغَة يعلمونها
﴿ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ﴾ أَعرضُوا عَن الْإِيمَان بِهِ ﴿وَقَالُوا معلم﴾ يعنون مُحَمَّد يُعلمهُ جبر ويسار ﴿مَّجْنُونٌ﴾ مخنوق يختنق
﴿إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَاب﴾ يَعْنِي الْجُوع ﴿قَلِيلاً﴾ يَسِيرا إِلَى يَوْم بدر ﴿إِنَّكُمْ﴾ يَا أهل مَكَّة ﴿عَآئِدُونَ﴾ رَاجِعُون إِلَى الْمعْصِيَة فَلَمَّا رفع عَنْهُم الْعَذَاب عَادوا إِلَى الْمعْصِيَة فأهلكهم الله يَوْم بدر لقَوْله
﴿يَوْمَ نَبْطِشُ البطشة الْكُبْرَى﴾ نعاقبهم الْعقُوبَة الْعُظْمَى يَوْم بدر بِالسَّيْفِ ﴿إِنَّا مُنتَقِمُونَ﴾ مِنْهُم بِالْعَذَابِ
﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا﴾ ابتلينا ﴿قَبْلَهُمْ﴾ قبل قُرَيْش ﴿قَوْمَ فِرْعَوْنَ﴾ فِرْعَوْن وَقَومه بِالْعَذَابِ ﴿وَجَآءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ﴾ على ربه يَعْنِي مُوسَى
﴿أَنْ أَدّوا إِلَيَّ﴾ ادفعوا إِلَيّ وَأَرْسلُوا معي ﴿عِبَادَ الله﴾ بني إِسْرَائِيل ﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ﴾ من الله ﴿أَمِينٌ﴾ على الرسَالَة
﴿وَأَن لاَّ تَعْلُواْ﴾ لَا تتكبروا وَلَا تفتروا ﴿عَلَى الله إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ بِحجَّة بَيِّنَة وَعذر بَين
﴿وَإِنِّي عُذْتُ﴾ اعتصمت ﴿بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَن تَرْجُمُونِ﴾
417
من أَن تقتلون
418
﴿وَإِن لَّمْ تُؤْمِنُواْ لِي﴾ إِن لم تصدقوني بالرسالة ﴿فاعتزلون﴾ فَاتْرُكُونِي لَا لي وَلَا عَليّ
﴿فَدَعَا ربه أَن هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُّجْرِمُونَ﴾ مشركون اجترموا الْهَلَاك على أنفسهم
﴿فَأَسْرِ بِعِبَادِي﴾ قَالَ الله لمُوسَى سر بعبادي بني إِسْرَائِيل ﴿لَيْلاً﴾ من أول اللَّيْل ﴿إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ﴾ فِي الْبَحْر
﴿واترك الْبَحْر رَهْواً﴾ طرقاً وَاسِعَة بِقدر مَا عبر مُوسَى وَقَومه ﴿إِنَّهُمْ﴾ يَعْنِي فِرْعَوْن وَقَومه ﴿جُندٌ مُّغْرَقُونَ﴾ فِي الْبَحْر
﴿كَمْ تَرَكُواْ﴾ خلفوا ﴿مِن جَنَّاتٍ﴾ بساتين ﴿وَعُيُونٍ﴾ مَاء ظَاهر فِي الْبَسَاتِين
﴿وَزُرُوعٍ﴾ حروث ﴿وَمَقَامٍ كَرِيمٍ﴾ منَازِل حَسَنَة
﴿وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَاكِهِينَ﴾ معجبين
﴿كَذَلِك﴾ فعلنَا بهم ﴿وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ﴾ جعلت مِيرَاثا لبني إِسْرَائِيل من بعدهمْ
﴿فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ﴾ على فِرْعَوْن وَقَومه ﴿السمآء﴾ بَاب السَّمَاء ﴿وَالْأَرْض﴾ وَلَا مصلاء على الأَرْض لِأَن الْمُؤمن إِذا مَاتَ بَكَى عَلَيْهِ بَاب السَّمَاء الَّذِي يصعد مِنْهُ عمله وَينزل مِنْهُ رزقه وَمُصَلَّاهُ فِي الأَرْض الَّتِي كَانَ يُصَلِّي فِيهَا وَلم يبك على فِرْعَوْن وَقَومه لِأَنَّهُ لم يكن لَهُم بَاب فِي السَّمَاء لرفع عَمَلهم وَلَا مصلى فِي الأَرْض ﴿وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ﴾ مؤجلين من الْغَرق
﴿وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بني إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَاب المهين﴾ الْأَلِيم الشَّديد
﴿مِن فِرْعَوْنَ﴾ وَقَومه من ذبح الْأَبْنَاء واستخدام النِّسَاء وَغير ذَلِك ﴿إِنَّهُ كَانَ عَالِياً﴾ مُخَالفا عاتياً ﴿مِّنَ المسرفين﴾ فِي الشّرك
﴿وَلَقَدِ اخترناهم﴾ اخترنا بني إِسْرَائِيل ﴿على عِلْمٍ﴾ كَمَا علمنَا ﴿عَلَى الْعَالمين﴾ عالمي زمانهم بالمن والسلوى وَالْكتاب وَالرَّسُول والنجاة من فِرْعَوْن وَقَومه والنجاة من الْغَرق
﴿وَآتَيْنَاهُم﴾ أعطيناهم ﴿مِّنَ الْآيَات﴾ من العلامات ﴿مَا فِيهِ بلَاء مُبين﴾ نعْمَة عَظِيمَة وَيُقَال اختبار بَين وَهُوَ الَّذِي نجاهم من فِرْعَوْن وَمن الْغَرق وَأنزل عَلَيْهِم الْمَنّ والسلوى فِي التيه وَغير ذَلِك
﴿إِنَّ هَؤُلَاءِ﴾ قَوْمك يَا مُحَمَّد ﴿لَيَقُولُونَ﴾
﴿إِنْ هِيَ﴾ مَا هِيَ أَي حياتنا ﴿إِلاَّ مَوْتَتُنَا﴾ بعد موتتنا ﴿الأولى وَمَا نَحْنُ بِمُنشَرِينَ﴾ بمحيون بعد الْمَوْت
﴿فَأتوا بِآبَائِنَا﴾ فأحى يَا مُحَمَّد آبَائِنَا الَّذين مَاتُوا حَتَّى نسألهم أَحَق تَقول أم بَاطِل ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ إِن كنت من الصَّادِقين أَن نبعث بعد الْمَوْت قَالَ الله تَعَالَى
﴿أَهُمْ خَيْرٌ﴾ أقومك خير ﴿أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ﴾ حمير واسْمه أسعد بن ملكيكوب وكنيته أَبُو كرب سمي تبعا لِكَثْرَة تبعه ﴿وَالَّذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ من قبل قوم تبع ﴿أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ﴾ مُشْرِكين أَفلا يخَاف قَوْمك من هلاكهم وعذابهم
﴿وَمَا خلقنَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بينهمآ﴾ من الْخلق ﴿لاَعِبِينَ﴾ لاهين
﴿مَا خَلَقْنَاهُمَآ إِلاَّ بِالْحَقِّ﴾ للحق لَا للباطل ﴿وَلَكِن أَكْثَرَهُمْ﴾ أهل مَكَّة ﴿لاَ يَعْلَمُونَ﴾ ذَلِك وَلَا يصدقون
﴿إِنَّ يَوْمَ الْفَصْل﴾ يَوْم الْقَضَاء بَين الْخَلَائق ﴿مِيقَاتُهُمْ﴾ ميعادهم ﴿أَجْمَعِينَ﴾
﴿يَوْمَ لاَ يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً﴾ ولي حميم يَعْنِي قرَابَة عَن قرَابَة شَيْئا وَكَافِر عَن كَافِر وَقَرِيب عَن قريب شَيْئا من الشَّفَاعَة وَلَا من عَذَاب الله ﴿وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ﴾ يمْنَعُونَ مِمَّا يُرَاد بهم من الْعَذَاب
﴿إِلاَّ مَن رَّحِمَ الله﴾ من الْمُؤمنِينَ فَإِنَّهُم لَيْسُوا كَذَلِك وَلَكِن يشفع بَعضهم لبَعض ﴿إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيز﴾ بالنقمة من الْكَافرين ﴿الرَّحِيم﴾ بِالْمُؤْمِنِينَ
﴿إِنَّ شَجَرَةَ الزقوم طَعَامُ الأثيم﴾ طَعَام الْفَاجِر فِي النَّار أبي جهل وَأَصْحَابه
﴿كَالْمهْلِ﴾ سَوْدَاء كدردي الزَّيْت وَيُقَال حارة كالفضة المذابة ﴿يَغْلِي فِي الْبُطُون﴾
﴿كَغَلْيِ الْحَمِيم﴾ المَاء الْحَار
﴿خُذُوهُ﴾ يَقُول الله للزبانية خُذُوا أَبَا جهل ﴿فاعتلوه﴾ فتلتلوه وَيُقَال فسوقوه واذهبوا بِهِ ﴿إِلَى سَوَآءِ الْجَحِيم﴾ إِلَى وسط النَّار
﴿ثُمَّ صُبُّواْ فَوْقَ رَأْسِهِ﴾ على رَأسه ﴿مِنْ عَذَابِ الْحَمِيم﴾ من مَاء حَار بعد مَا يضْرب رَأسه بمقامع الْحَدِيد
﴿ذُقْ﴾ يَا أَبَا جهل ﴿إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيز﴾ فِي قَوْمك ﴿الْكَرِيم﴾ عَلَيْهِم وَيُقَال إِنَّك أَنْت الْعَزِيز المتعزز فِي قَوْمك الْكَرِيم المتكرم عَلَيْهِم
﴿إِنَّ هَذَا﴾ يَعْنِي الْعَذَاب ﴿مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ﴾ تشكون فِي الدُّنْيَا أَنه لَا يكون
﴿إِن الْمُتَّقِينَ﴾ من الْكفْر والشرك وللفواحش يَعْنِي أَبَا بكر وَأَصْحَابه ﴿فِي مَقَامٍ﴾ مَكَان ﴿أَمِينٍ﴾ من الْمَوْت والزوال وَالْعَذَاب
﴿فِي جَنَّاتٍ﴾ بساتين ﴿وَعُيُونٍ﴾ أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَاللَّبن وَالْعَسَل
﴿يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ﴾ مَا لطف من الديباج ﴿وَإِسْتَبْرَقٍ﴾ وَمَا ثخن من الديباج ﴿مُّتَقَابِلِينَ﴾ فِي الزِّيَارَة
﴿كَذَلِك﴾ هَكَذَا مقَام الْمُؤمنِينَ فِي الْجنَّة ﴿وَزَوَّجْنَاهُم﴾ قررناهم فِي الْجنَّة ﴿بِحُورٍ﴾ بجوار بيض ﴿عِينٍ﴾ عِظَام الْأَعْين حسان الْوُجُوه
﴿يَدْعُونَ فِيهَا﴾ يسْأَلُون فِي الْجنَّة وَيُقَال يتعاطون فِي الْجنَّة ﴿بِكلِّ فَاكِهَةٍ﴾ بألوان كل فَاكِهَة ﴿آمِنِينَ﴾ من الْمَوْت والزوال وَالْعَذَاب
﴿لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا﴾ فِي الْجنَّة ﴿الْمَوْت إِلاَّ الموتة الأولى﴾ بعد مَوْتهمْ فِي الدُّنْيَا ﴿وَوَقَاهُمْ﴾ رفع عَنْهُم رَبهم ﴿عَذَابَ الْجَحِيم﴾ عَذَاب النَّار
﴿فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ﴾ منا من رَبك وَيُقَال عَطاء من رَبك ﴿ذَلِك﴾ الْمَنّ ﴿هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم﴾ النجَاة الوافرة فازوا بِالْجنَّةِ ونجوا من النَّار
﴿فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ﴾ يَقُول هونا عَلَيْك قِرَاءَة الْقُرْآن ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ لكَي يتعظوا بِالْقُرْآنِ
﴿فَارْتَقِبْ﴾ فانتظر هلاكهم يَوْم بدر ﴿إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ﴾ منتظرون هلاكهم فأهلكهم الله يَوْم بدر
وَمن السُّورَة الَّتِى يذكر فِيهَا الجاثية وهى كلهَا مَكِّيَّة آياتها سِتّ وَثَلَاثُونَ آيَة وكلماتها سِتّمائَة وَأَرْبع وَأَرْبَعُونَ وحروفها أَلفَانِ وسِتمِائَة حرف
﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
سورة الدخان
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الدُّخَان) من السُّوَر المكية، وقد احتوت على ذِكْرِ علامةٍ من العلامات الكبرى ليومِ القيامة؛ وهي دُخَانٌ يملأ ما بين السماءِ والأرض يغشى الناسَ، وفي ذلك تحذيرٌ للكفار من هلاك قريب، وترهيبٌ لهم من مصيرٍ مَهُول، ودعوةٌ لهم إلى العودة إلى طريق الله، والاستجابةِ لأمره، وتركِ ما هم عليه من تكبُّرٍ وكفر، وخُتمت السورة بالترغيب فيما يَلْقاه المؤمنُ من عطاء الله، والخيرِ الذي عنده، وكلُّ هذا دعوةً للكفار للإيمان، وتثبيتًا للمؤمنين على إيمانهم.

ترتيبها المصحفي
44
نوعها
مكية
ألفاظها
346
ترتيب نزولها
64
العد المدني الأول
56
العد المدني الأخير
56
العد البصري
57
العد الكوفي
59
العد الشامي
56

* قوله تعالى: {يَوْمَ نَبْطِشُ اْلْبَطْشَةَ اْلْكُبْرَىٰٓ إِنَّا مُنتَقِمُونَ} [الدخان: 16]:

عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «إنَّما كان هذا لأنَّ قُرَيشًا لمَّا استعصَوْا على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، دعَا عليهم بسِنِينَ كَسِنِي يوسُفَ، فأصابَهم قَحْطٌ وجَهْدٌ حتى أكَلوا العِظامَ، فجعَلَ الرجُلُ ينظُرُ إلى السماءِ فيَرى ما بَيْنَه وبينها كهيئةِ الدُّخَانِ مِن الجَهْدِ؛ فأنزَلَ اللهُ تعالى: {فَاْرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي اْلسَّمَآءُ بِدُخَانٖ مُّبِينٖ ١٠ يَغْشَى اْلنَّاسَۖ هَٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٞ} [الدخان: 10-11]، قال: فأُتِيَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقيل له: يا رسولَ اللهِ، استَسْقِ اللهَ لِمُضَرَ؛ فإنَّها قد هلَكتْ، قال: «لِمُضَرَ؟ إنَّك لَجريءٌ»، فاستَسقى لهم؛ فَسُقُوا؛ فنزَلتْ: {إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ} [الدخان: 15]، فلمَّا أصابَتْهم الرَّفاهيَةُ، عادُوا إلى حالِهم حينَ أصابَتْهم الرَّفاهيَةُ؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {يَوْمَ نَبْطِشُ اْلْبَطْشَةَ اْلْكُبْرَىٰٓ إِنَّا مُنتَقِمُونَ} [الدخان: 16]، قال: يَعنِي: يومَ بَدْرٍ». أخرجه البخاري (٤٨٢١).

* سورة (الدُّخَان):

سُمِّيت سورة (الدُّخَان) بهذا الاسم؛ لورودِ لفظ (الدُّخَان) فيها في قوله تعالى: {فَاْرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي اْلسَّمَآءُ بِدُخَانٖ مُّبِينٖ} [الدخان: 10].

مقصدُ سورة (الدُّخَان) هو الإنذار بالهلاكِ والعذاب لكلِّ مَن أعرض عن هذا الكتابِ الحكيم، ولم يَقبَلْ ما أُرسِل به مُحمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، وفي هذا دعوةٌ للكفار إلى العودة إلى الحقِّ واتباع هذا الدِّين قبل أن يَنزِلَ بهم العذاب، كما أن فيه إقامةَ الحُجَّة بتمام البلاغ.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /471).