تفسير سورة الدّخان

المنتخب في تفسير القرآن الكريم

تفسير سورة سورة الدخان من كتاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم
لمؤلفه المنتخب . المتوفي سنة 2008 هـ
ابتدأت السورة بالحديث عن القرآن، وأنه أنزل من عند الله في ليلة القدر المباركة للإنذار والتوحيد، وأنه الحق. كما تحدثت عن البعث، وأنه لا ريب فيه، وناقشت حجج المنكرين له، وردت على المشركين، وقارنت بين مشركي مكة وأسلافهم قوم فرعون، وتعرضت لما حل بهم من انتقام الله، ثم أكدت أن يوم القيامة هو موعد حساب فرق الكفر والضلال جميعا، وتحدثت عن جزاء الضالين في هذا اليوم وجزاء المهتدين، وانتهت بالحديث عن القرآن، كما بدأت به، وبتهديد المكذبين بأمره ( بانتظار ما يحل بهم من البلاء والمصائب ).

١- حم : ابتدأت هذه السورة ببعض الحروف الصوتية على طريقة القرآن الكريم في افتتاح كثير من السور بمثل هذه الحروف.
٢- أقسم الله بالقرآن الكاشف عن الدين الحق، الموضح للناس ما يُصلح دنياهم وآخرتهم، إعلاماً برفعة قدره.
٣- إننا ابتدأنا إنزال القرآن في ليلة وفيرة الخير، كثيرة البركات، لأن من شأننا الإنذار بإرسال الرسل وإنزال الكتب.
٤- في هذه الليلة المباركة يُفَصَّل ويُبيَّن كل أمر محكم، والقرآن رأس الحكمة، والفيصل بين الحق والباطل، ولذا كان إنزاله فيها.
٥- أعنى بهذا الأمر أمراً عظيماً صادراً من عندنا كما اقتضاه تدبيرنا، لأن من شأننا إرسال الرسل بالكتب لتبليغ العباد.
٦- لأجل رحمة ربك بعباده أرسل رسله للناس يبلغونهم هَدْيه، لأنه - وحده - السميع لكل مسموع، المحيط علماً بكل معلوم.
٧- هو خالق السماوات والأرض وما بينهما، إن كنتم موقنين بالحق، مذعنين له، مؤمنين بأنه المنزل للقرآن رحمة وهداية.
٨- لا إله يستحق العبادة سواه، هو - وحده يحيى ويميت، وهو - وحده - خالقكم وخالق آبائكم الأولين.
٩- بل الكفار في شك من هذا الحق، يتبعون أهواءهم، وذلك شأن اللاهين اللاعبين، لا شأن أهل العلم واليقين.
١٠- فانتظر - أيها الرسول - حينما ينزل بهم القحط، فيصابون بالهزال وضعف البصر، فيرى الرجل بين السماء والأرض دخاناً واضحاً !.
١١- يحيط هذا الدخان بالمكذبين الذين أصابهم الجدب، فيقولون لشدة الهول : هذا عذاب شديد الإيلام.
١٢- كما يقولون استغاثة بالله : إننا سنؤمن بعد أن تكشف عنا عذاب الجوع والحرمان.
١٣- كيف يتعظ هؤلاء، ويوفون بما وعدوا من الإيمان عند كشف العذاب، وقد جاءهم رسول واضح الرسالة بالمعجزات الدالة على صدقه، وذلك أعظم موجبات الاتعاظ ؟.
١٤- ثم أعرضوا عن التصديق بالرسول المؤيد بالمعجزات الواضحة، وقالوا - كذباً وافتراءً - : تارة يعلمه البشر، وقالوا تارة أخرى : اختلط عقله.
١٥- فرد الله عليهم : إنا سنرفع عنكم العذاب زمن الدنيا، وهو قليل، وإنكم عائدون - لا محالة - إلى ما كنتم عليه.
١٦- اذكر - أيها الرسول - يوم نأخذهم الأخذة الكبرى بعنف وقوة، إننا - بهذا الأخذ - منتقمون منهم.
١٧- ولقد امتحنا قبل كفار مكة قوم فرعون بالدعوة إلى الإيمان، وجاءهم موسى رسول كريم على الله، فكفروا به عناداً، وكذلك شأن هؤلاء المشركين.
١٨- قال لهم الرسول الكريم : أدَّوا إلىَّ يا عباد الله ما هو واجب عليكم من قبول دعوتي، لأني لكم رسول إليكم خاصة، أمين على رسالتي.
١٩- ولا تتكبروا على الله بتكذيب رسوله، لأني آتيكم بمعجزة واضحة تبين صدق نبوتي ورسالتي.
٢٠- وإني اعتصمت بخالقي وخالقكم من أن تتمكنوا من قتلى رجماً.
٢١- وإن لم تصدقوا بي فكونوا بمعزل منى، ولا تُؤْذُوني.
٢٢- فدعا موسى ربه - شاكياً قومه حين يئس من إيمانهم - بأن هؤلاء قوم تناهي أمرهم في الكفر، فافعل بهم ما يستحقون.
٢٣- فسِر بالمؤمنين ليلا في خفية، حتى لا يدركوكم، لأن فرعون وجنوده سيتبعونكم، إذا علموا، للإيقاع بكم.
٢٤- واترك البحر ساكناً على هيئته بعد ضربه بالعصا، ليدخله المنكرون، فإنهم مغرقون لا محالة.
٢٥- تركوا بعد إغراقهم كثيراً من الجنات الناضرة والعيون الجارية.
٢٦- والزورع المتنوعة والمنازل الحسنة.
٢٧- وعيشة مترفة نضرة كانوا فيها متنعمين.
٢٨- مثل ذلك العقاب يعاقب الله من خالف أمره، وخرج على طاعته، ويحول ما كان فيه من النعم إلى قوم آخرين ليسوا منهم في شيء من قرابة ولا دين.
٢٩- فما حزنت عليهم السماء والأرض عندما أخذهم العذاب لهوان شأنهم، ولم يُنظَروا لتوبة، ولم يمهلوا لتدارك تقصيرهم، احتقاراً لهم.
٣٠- ولقد نجَّى الله بني إسرائيل من العذاب المذل لهم.
٣١- نجاهم من فرعون، إن فرعون كان مستعلياً على قومه، مسرفاً في الشر والطغيان.
٣٢- أقسم : لقد اخترنا بني إسرائيل على علم منا بأحقيتهم بالاختيار على عالمي زمانهم، فبعثنا فيهم أنبياء كثيرين مع علمنا بحالهم.
٣٣- وآتاهم الله على يد موسى من الدلائل ما فيه اختبار ظاهر لهم.
٣٤ - إن هؤلاء المكذبين بالبعث ليقولون : ما الموتة إلا موتتنا الأولى في الدنيا وما نحن بعدها بمبعوثين.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٤:٣٤ - إن هؤلاء المكذبين بالبعث ليقولون : ما الموتة إلا موتتنا الأولى في الدنيا وما نحن بعدها بمبعوثين.
٣٦- ويقولون لرسول الله والمؤمنين : إن كنتم صادقين في دعواكم أن ربكم يحيى الموتى للحساب في الآخرة، فعجلوا لنا إحياء من مات من آبائنا بسؤالكم ربكم ذلك.
٣٧- أكفار مكة خير في القوة والمنعة والسلطان وسائر أمور الدنيا أم قوم تبع ومن سبقهم ؟ ليس مشركو قومك - يا محمد - أقوى منهم، وقد أهلكناهم في الدنيا بكفرهم وأجرامهم، فليعتبروا بهم.
٣٨- وما خلق الله السماوات والأرض وما بينهما بحكمة ولحكمة.
٣٩- ما خلقناهما إلا خلقاً منوطاً بالحكمة على نظام ثابت يدل على وجود الله ووحدانيته وقدرته، ولكن أكثر هؤلاء في غفلة عمياء، لا يعلمون هذه الدلالة.
٤٠- إن يوم الحكم بين المحق والمبطل وقت موعدهم أجمعين.
٤١- يوم لا يدفع أي قريب عن أي قريب، ولا أي حليف عن أي حليف شيئاً قليلاً من العذاب، ولا هم ينصرون عند الله بأنفسهم.
٤٢- لكن الذين رحمهم الله من المؤمنين يعفو الله عنهم، ويأذن لهم بالشفاعة، إنه الغالب على كل شيء، الرحيم بعباده المؤمنين.
٤٣ - إن شجرة الزقوم - المعروفة بقبح منظرها وخبث طعمها وريحها.
طعام الفاجر كثير الآثام.
٤٥ - طعامها كسائل المعدن الذي صهرته الحرارة، يغلي في البطون كغلي الماء الذي بلغ النهاية في غليانه.
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٤٥:٤٥ - طعامها كسائل المعدن الذي صهرته الحرارة، يغلي في البطون كغلي الماء الذي بلغ النهاية في غليانه.
٤٧- خذوا - يا زبانية جهنم - هذا الفاجر الأثيم فقودوه بعنف وغلظة إلى وسط جهنم.
٤٨- ثم صبوا فوق رأسه الماء الشديد الحرارة، زيادة في تعذيبه وإيلامه.
٤٩- يقال له - استهزاء وتهكماً به - ذق العذاب الشديد، إنك أنت العزيز في قومك، الكريم في حسبك.
٥٠- إن هذا العذاب الذي لمستموه حقيقة واقعة هو ما كنتم تخاصمون بشأنه في الدنيا، وتشكُّون في وقوعه.
٥١- إن الذين وقوا أنفسهم من المعاصي بالتزام طاعة الله في مكان عظيم يأمنون فيه على أنفسهم.
٥٢- في جنات ينعمون فيها، وعيون من الماء تجري من تحتها، إكراماً لهم بإعظام نعيمهم.
٥٣- يلبسون ما رقَّ وما غلظ من الحرير زيادة في زينتهم، متقابلين في مجالسهم، ليتم لهم الأنس.
٥٤- ومع هذا الجزاء زوَّجناهم في الجنة بحور عين، يحار فيهن الطرف لفرط حسنهن وجمالهن وسعة عيونهن.
٥٥- يطلبون في الجنة كل فاكهة يشتهونها، آمنين من الغصص والزوال والحرمان.
٥٦- لا يذوقون في الجنة الموت بعد الموتة الأولى التي ذاقوها في الدنيا عند انقضاء آجالهم، وحفظهم ربهم من عذاب النار.
٥٧- حفظوا من العذاب - فضلا وإحساناً من خالقك - ذلك الحفظ من العذاب، ودخول الجنة هو غاية الفوز العظيم.
٥٨- فإنما سهَّلنا عليك تلاوة القرآن وتبليغه مُنَزَّلا بلغتك ولغتهم كي يتعظوا فيؤمنوا به ويعملوا بما فيه.
٥٩- فانتظر ما يحل بهم، إنهم منتظرون ما يحل بك وبدعوتك من الدوائر.
سورة الدخان
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (الدُّخَان) من السُّوَر المكية، وقد احتوت على ذِكْرِ علامةٍ من العلامات الكبرى ليومِ القيامة؛ وهي دُخَانٌ يملأ ما بين السماءِ والأرض يغشى الناسَ، وفي ذلك تحذيرٌ للكفار من هلاك قريب، وترهيبٌ لهم من مصيرٍ مَهُول، ودعوةٌ لهم إلى العودة إلى طريق الله، والاستجابةِ لأمره، وتركِ ما هم عليه من تكبُّرٍ وكفر، وخُتمت السورة بالترغيب فيما يَلْقاه المؤمنُ من عطاء الله، والخيرِ الذي عنده، وكلُّ هذا دعوةً للكفار للإيمان، وتثبيتًا للمؤمنين على إيمانهم.

ترتيبها المصحفي
44
نوعها
مكية
ألفاظها
346
ترتيب نزولها
64
العد المدني الأول
56
العد المدني الأخير
56
العد البصري
57
العد الكوفي
59
العد الشامي
56

* قوله تعالى: {يَوْمَ نَبْطِشُ اْلْبَطْشَةَ اْلْكُبْرَىٰٓ إِنَّا مُنتَقِمُونَ} [الدخان: 16]:

عن عبدِ اللهِ بن مسعودٍ رضي الله عنه، قال: «إنَّما كان هذا لأنَّ قُرَيشًا لمَّا استعصَوْا على النبيِّ صلى الله عليه وسلم، دعَا عليهم بسِنِينَ كَسِنِي يوسُفَ، فأصابَهم قَحْطٌ وجَهْدٌ حتى أكَلوا العِظامَ، فجعَلَ الرجُلُ ينظُرُ إلى السماءِ فيَرى ما بَيْنَه وبينها كهيئةِ الدُّخَانِ مِن الجَهْدِ؛ فأنزَلَ اللهُ تعالى: {فَاْرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي اْلسَّمَآءُ بِدُخَانٖ مُّبِينٖ ١٠ يَغْشَى اْلنَّاسَۖ هَٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٞ} [الدخان: 10-11]، قال: فأُتِيَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقيل له: يا رسولَ اللهِ، استَسْقِ اللهَ لِمُضَرَ؛ فإنَّها قد هلَكتْ، قال: «لِمُضَرَ؟ إنَّك لَجريءٌ»، فاستَسقى لهم؛ فَسُقُوا؛ فنزَلتْ: {إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ} [الدخان: 15]، فلمَّا أصابَتْهم الرَّفاهيَةُ، عادُوا إلى حالِهم حينَ أصابَتْهم الرَّفاهيَةُ؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {يَوْمَ نَبْطِشُ اْلْبَطْشَةَ اْلْكُبْرَىٰٓ إِنَّا مُنتَقِمُونَ} [الدخان: 16]، قال: يَعنِي: يومَ بَدْرٍ». أخرجه البخاري (٤٨٢١).

* سورة (الدُّخَان):

سُمِّيت سورة (الدُّخَان) بهذا الاسم؛ لورودِ لفظ (الدُّخَان) فيها في قوله تعالى: {فَاْرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي اْلسَّمَآءُ بِدُخَانٖ مُّبِينٖ} [الدخان: 10].

مقصدُ سورة (الدُّخَان) هو الإنذار بالهلاكِ والعذاب لكلِّ مَن أعرض عن هذا الكتابِ الحكيم، ولم يَقبَلْ ما أُرسِل به مُحمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، وفي هذا دعوةٌ للكفار إلى العودة إلى الحقِّ واتباع هذا الدِّين قبل أن يَنزِلَ بهم العذاب، كما أن فيه إقامةَ الحُجَّة بتمام البلاغ.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /471).