تفسير سورة التوبة

تفسير الجلالين

تفسير سورة سورة التوبة من كتاب تفسير الجلالين المعروف بـتفسير الجلالين.
لمؤلفه المَحَلِّي . المتوفي سنة 864 هـ
هَذِهِ ﴿بَرَاءَة مِنْ اللَّه وَرَسُوله﴾ وَاصِلَة ﴿إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ﴾ عَهْدًا مُطْلَقًا أَوْ دُون أَرْبَعَة أَشْهُر أَوْ فَوْقهَا وَنَصّ الْعَهْد بِمَا يُذْكَر فِي قَوْله
﴿فَسِيحُوا﴾ سِيرُوا آمِنِينَ أَيّهَا الْمُشْرِكُونَ ﴿فِي الْأَرْض أَرْبَعَة أَشْهُر﴾ أَوَّلهَا شَوَّال بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي وَلَا أَمَان لَكُمْ بَعْدهَا ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْر مُعْجِزِي اللَّه﴾ أَيْ فَائِتِي عَذَابه ﴿وَأَنَّ اللَّه مُخْزِي الْكَافِرِينَ﴾ مُذِلّهمْ فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَالْأُخْرَى بالنار
﴿وَأَذَان﴾ إعْلَام ﴿مِنْ اللَّه وَرَسُوله إلَى النَّاس يَوْم الْحَجّ الْأَكْبَر﴾ يَوْم النَّحْر ﴿أَنَّ﴾ أَيْ بِأَنَّ ﴿اللَّه بَرِيء مِنْ الْمُشْرِكِينَ﴾ وَعُهُودهمْ ﴿وَرَسُوله﴾ بَرِيء أَيْضًا وَقَدْ بَعَثَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيًّا مِنْ السَّنَة وَهِيَ سَنَة تسع فأذن يوم النحربمنى بِهَذِهِ الْآيَات وَأَنْ لَا يَحُجّ بَعْد الْعَام مُشْرِك وَلَا يَطُوف بِالْبَيْتِ عُرْيَان رَوَاهُ الْبُخَارِيّ ﴿فَإِنْ تُبْتُمْ﴾ مِنْ الْكُفْر ﴿فَهُوَ خَيْر لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ﴾ عَنْ الْإِيمَان ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْر مُعْجِزِي اللَّه وَبَشِّرْ﴾ أَخْبِرْ ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيم﴾ مُؤْلِم وَهُوَ الْقَتْل وَالْأَسْر فِي الدُّنْيَا وَالنَّار فِي الْآخِرَة
﴿إلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا﴾ مِنْ شُرُوط الْعَهْد ﴿وَلَمْ يُظَاهِرُوا﴾ يُعَاوِنُوا ﴿عَلَيْكُمْ أَحَدًا﴾ مِنْ الْكُفَّار ﴿فَأَتِمُّوا إلَيْهِمْ عَهْدهمْ إلَى﴾ انْقِضَاء ﴿مُدَّتهمْ﴾ الَّتِي عَاهَدْتُمْ عَلَيْهَا ﴿إنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُتَّقِينَ﴾ بِإِتْمَامِ الْعُهُود
﴿فَإِذَا انْسَلَخَ﴾ خَرَجَ ﴿الْأَشْهُر الْحُرُم﴾ وَهِيَ آخِر مُدَّة التَّأْجِيل ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ فِي حِلّ أَوْ حَرَم ﴿وَخُذُوهُمْ﴾ بِالْأَسْرِ ﴿وَاحْصُرُوهُمْ﴾ فِي الْقِلَاع وَالْحُصُون حَتَّى يُضْطَرُّوا إلَى الْقَتْل أَوْ الْإِسْلَام ﴿وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلّ مَرْصَد﴾ طَرِيق يَسْلُكُونَهُ ونصب كل على نزع الخافظ ﴿فَإِنْ تَابُوا﴾ مِنْ الْكُفْر ﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَآتَوْا الزَّكَاة فَخَلُّوا سَبِيلهمْ﴾ وَلَا تَتَعَرَّضُوا لَهُمْ ﴿إنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم﴾ لِمَنْ تَابَ
﴿وَإِنْ أَحَد مِنْ الْمُشْرِكِينَ﴾ مَرْفُوع بِفِعْلٍ يُفَسِّرهُ ﴿اسْتَجَارَك﴾ اسْتَأْمَنَك مِنْ الْقَتْل ﴿فَأَجِرْهُ﴾ أَمِّنْهُ ﴿حَتَّى يَسْمَع كَلَام اللَّه﴾ الْقُرْآن ﴿ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنه﴾ وَهُوَ دَار قَوْمه إنْ لَمْ يُؤْمِن لِيَنْظُر فِي أَمْره ﴿ذَلِكَ﴾ الْمَذْكُور ﴿بِأَنَّهُمْ قَوْم لَا يَعْلَمُونَ﴾ دِين اللَّه فَلَا بُدّ لَهُمْ مِنْ سَمَاع الْقُرْآن لِيَعْلَمُوا
﴿كَيْفَ﴾ أَيْ لَا ﴿يَكُون لِلْمُشْرِكِينَ عَهْد عِنْد اللَّه وَعِنْد رَسُوله﴾ وَهُمْ كَافِرُونَ بِاَللَّهِ وَرَسُوله غَادِرُونَ ﴿إلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْد الْمَسْجِد الْحَرَام﴾ يَوْم الْحُدَيْبِيَة وَهُمْ قُرَيْش الْمُسْتَثْنَوْنَ مِنْ قَبْل ﴿فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ﴾ أَقَامُوا عَلَى الْعَهْد وَلَمْ ينقضوه ﴿فاستقيموا لهم﴾ على الوفاء به وما شرطية ﴿إن الله يحب المتقين﴾ وَقَدْ اسْتَقَامَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَهْدهمْ حَتَّى نَقَضُوا بِإِعَانَةِ بَنِي بَكْر على خزاعة
﴿كَيْفَ﴾ يَكُون لَهُمْ عَهْد ﴿وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ﴾ يظفروا بكم ﴿لَا يَرْقُبُوا﴾ يُرَاعُوا ﴿فِيكُمْ إلًّا﴾ قَرَابَة ﴿وَلَا ذمة﴾ عهدا بل يؤذوكم ما استطاعوا وجملة الشرط حال ﴿يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ بِكَلَامِهِمْ الْحَسَن ﴿وَتَأْبَى قُلُوبهمْ﴾ الْوَفَاء بِهِ ﴿وَأَكْثَرهمْ فَاسِقُونَ﴾ نَاقِضُونِ لِلْعَهْدِ
﴿اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّه﴾ الْقُرْآن ﴿ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ مِنْ الدُّنْيَا أَيْ تَرَكُوا اتِّبَاعهَا لِلشَّهَوَاتِ وَالْهَوَى ﴿فَصَدُّوا عَنْ سَبِيله﴾ دِينه ﴿إنَّهُمْ سَاءَ﴾ بِئْسَ ﴿مَا كانوا يعملون﴾ هـ عملهم هذا
١ -
﴿لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وأولئك هم المعتدون﴾
١ -
﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاة وَآتَوْا الزَّكَاة فَإِخْوَانكُمْ﴾ أَيْ فَهُمْ إخْوَانكُمْ ﴿فِي الدِّين وَنُفَصِّل﴾ نُبَيِّن ﴿الْآيَات لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ يَتَدَبَّرُونَ
241
١ -
242
﴿وَإِنْ نَكَثُوا﴾ نَقَضُوا ﴿أَيْمَانهمْ﴾ مَوَاثِيقهمْ ﴿مِنْ بَعْد عَهْدهمْ وَطَعَنُوا فِي دِينكُمْ﴾ عَابُوهُ ﴿فَقَاتِلُوا أَئِمَّة الْكُفْر﴾ رُؤَسَاءَهُ فِيهِ وَضْع الظَّاهِر مَوْضِع الْمُضْمَر ﴿إنَّهُمْ لَا أَيْمَان﴾ عُهُود ﴿لَهُمْ﴾ وَفِي قِرَاءَة بِالْكَسْرِ ﴿لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ﴾ عَنْ الْكُفْر
١ -
﴿أَلَا﴾ لِلتَّحْضِيضِ ﴿تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا﴾ نَقَضُوا ﴿أَيْمَانهمْ﴾ عُهُودهمْ ﴿وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُول﴾ مِنْ مَكَّة لَمَّا تشاوروا فيه بدار الندوة ﴿وهم بدؤوكم﴾ بِالْقِتَالِ ﴿أَوَّل مَرَّة﴾ حَيْثُ قَاتَلُوا خُزَاعَة حُلَفَاءَكُمْ مَعَ بَنِي بَكْر فَمَا يَمْنَعكُمْ أَنْ تُقَاتِلُوهُمْ ﴿أَتَخْشَوْنَهُمْ﴾ أَتَخَافُونَهُمْ ﴿فَاَللَّه أَحَقّ أَنْ تَخْشَوْهُ﴾ فِي ترك قتالهم ﴿إن كنتم مؤمنين﴾
١ -
﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبهُمْ اللَّه﴾ يَقْتُلهُمْ ﴿بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ﴾ يُذِلّهُمْ بِالْأَسْرِ وَالْقَهْر ﴿وَيَنْصُركُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُور قَوْم مُؤْمِنِينَ﴾ بِمَا فَعَلَ بِهِمْ هُمْ بَنُو خُزَاعَة
١ -
﴿وَيُذْهِب غَيْظ قُلُوبهمْ﴾ كَرْبهَا ﴿وَيَتُوب اللَّه عَلَى مَنْ يَشَاء﴾ بِالرُّجُوعِ إلَى الْإِسْلَام كَأَبِي سُفْيَان ﴿والله عليم حكيم﴾
١ -
﴿أَمْ﴾ بِمَعْنَى هَمْزَة الْإِنْكَار ﴿حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا﴾ لَمْ ﴿يَعْلَم اللَّه﴾ عِلْم ظُهُور ﴿الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ﴾ بِإِخْلَاصٍ ﴿وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُون اللَّه وَلَا رَسُوله وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَة﴾ بِطَانَة وَأَوْلِيَاء الْمَعْنَى وَلَمْ يَظْهَر الْمُخْلِصُونَ وَهُمْ الْمَوْصُوفُونَ بما ذكر من غيرهم ﴿والله خبير بما تعملون﴾
١ -
﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِد اللَّه﴾ بِالْإِفْرَادِ وَالْجَمْع بِدُخُولِهِ وَالْقُعُود فِيهِ ﴿شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسهمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ﴾ بَطَلَتْ ﴿أَعْمَالهمْ﴾ لِعَدَمِ شرطها ﴿وفي النار هم خالدون﴾
١ -
﴿إنَّمَا يَعْمُر مَسَاجِد اللَّه مَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر وَأَقَامَ الصَّلَاة وَآتَى الزَّكَاة وَلَمْ يخش﴾ أحدا {إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين
242
١ -
243
﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَة الْحَاجّ وَعِمَارَة الْمَسْجِد الْحَرَام﴾ أَيْ أَهْل ذَلِكَ ﴿كَمَنْ آمَنَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر وَجَاهَدَ فِي سَبِيل اللَّه لَا يَسْتَوُونَ عِنْد اللَّه﴾ فِي الْفَضْل ﴿وَاَللَّه لَا يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمِينَ﴾ الْكَافِرِينَ نَزَلَتْ رَدًّا عَلَى مَنْ قَالَ ذَلِكَ وَهُوَ الْعَبَّاس أَوْ غَيْره
٢ -
﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيل اللَّه بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ أَعْظَم دَرَجَة﴾ رُتْبَة ﴿عِنْد اللَّه﴾ مِنْ غَيْرهمْ ﴿وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ﴾ الظَّافِرُونَ بِالْخَيْرِ
٢ -
﴿يُبَشِّرهُمْ رَبّهمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَان وَجَنَّات لَهُمْ فِيهَا نَعِيم مُقِيم﴾ دَائِم
٢ -
﴿خالدين﴾ حال مقدرة ﴿فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم﴾
٢ -
وَنَزَلَ فِيمَنْ تَرَكَ الْهِجْرَة لِأَجْلِ أَهْله وَتِجَارَته ﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانكُمْ أَوْلِيَاء إن استحبوا﴾ اختاروا ﴿الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون﴾
٢ -
﴿قُلْ إنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانكُمْ وَأَزْوَاجكُمْ وَعَشِيرَتكُمْ﴾ أَقْرِبَاؤُكُمْ وَفِي قِرَاءَة عَشِيرَاتكُمْ ﴿وَأَمْوَال اقْتَرَفْتُمُوهَا﴾ اكتسبتموها ﴿وتجارة تخشون كسادها﴾ عدم نفاذها ﴿وَمَسَاكِن تَرْضَوْنَهَا أَحَبّ إلَيْكُمْ مِنْ اللَّه وَرَسُوله وَجِهَاد فِي سَبِيله﴾ فَقَعَدْتُمْ لِأَجْلِهِ عَنْ الْهِجْرَة وَالْجِهَاد ﴿فَتَرَبَّصُوا﴾ انْتَظِرُوا ﴿حَتَّى يَأْتِيَ اللَّه بِأَمْرِهِ﴾ تهديد لهم {والله لا يهدي القوم الفاسقين
243
٢ -
244
﴿لَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّه فِي مَوَاطِن﴾ لِلْحَرْبِ ﴿كَثِيرَة﴾ كبدر وقريظة والنضير ﴿و﴾ واذكر ﴿يَوْم حُنَيْن﴾ وَادٍ بَيْن مَكَّة وَالطَّائِف أَيْ يَوْم قِتَالكُمْ فِيهِ هَوَازِن وَذَلِك فِي شَوَّال سَنَة ثَمَان ﴿إذْ﴾ بَدَل مِنْ يَوْم ﴿أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتكُمْ﴾ فَقُلْتُمْ لَنْ نُغْلَب الْيَوْم مِنْ قِلَّة وَكَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا وَالْكُفَّار أَرْبَعَة آلَاف ﴿فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الْأَرْض بِمَا رَحُبَتْ﴾ مَا مَصْدَرِيَّة أَيْ مَعَ رَحْبهَا أَيْ سِعَتهَا فَلَمْ تَجِدُوا مَكَانًا تَطْمَئِنُّونَ إلَيْهِ لِشِدَّةِ مَا لَحِقَكُمْ مِنْ الْخَوْف ﴿ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ﴾ مُنْهَزِمِينَ وَثَبَتَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى بَغْلَته الْبَيْضَاء وَلَيْسَ مَعَهُ غَيْر الْعَبَّاس وَأَبُو سُفْيَان آخِذ بِرِكَابِهِ
٢ -
﴿ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّه سَكِينَته﴾ طُمَأْنِينَته ﴿عَلَى رَسُوله وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ فَرَدُّوا إلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا نَادَاهُمْ الْعَبَّاس بِإِذْنِهِ وَقَاتَلُوا ﴿وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا﴾ مَلَائِكَة ﴿وَعَذَّبَ الَّذِينَ كفروا﴾ بالقتل والأسر ﴿وذلك جزاء الكافرين﴾
٢ -
﴿ثُمَّ يَتُوب اللَّه مِنْ بَعْد ذَلِكَ عَلَى من يشاء﴾ منهم بالإسلام ﴿والله غفور رحيم﴾
٢ -
﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَس﴾ قَذَر لِخُبْثِ بَاطِنهمْ ﴿فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِد الْحَرَام﴾ أَيْ لَا يَدْخُلُوا الْحَرَم ﴿بَعْد عَامهمْ هَذَا﴾ عَام تِسْع مِنْ الْهِجْرَة ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَة﴾ فَقْرًا بِانْقِطَاعِ تِجَارَتهمْ عَنْكُمْ ﴿فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّه مِنْ فَضْله إن شاء﴾ وقد أغناهم بالفتوح والجزية ﴿إن الله عليم حكيم﴾
٢ -
﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِر﴾ وَإِلَّا لَآمَنُوا بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّه وَرَسُوله﴾ كَالْخَمْرِ ﴿وَلَا يَدِينُونَ دِين الْحَقّ﴾ الثَّابِت النَّاسِخ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأَدْيَان وَهُوَ دِين الْإِسْلَام ﴿مِنْ﴾ بَيَان لِلَّذِينَ ﴿الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَاب﴾ أَيْ الْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَة﴾ الْخَرَاج الْمَضْرُوب عَلَيْهِمْ كُلّ عَام ﴿عَنْ يَد﴾ حَال أَيْ مُنْقَادِينَ أَوْ بِأَيْدِيهِمْ لَا يُوَكَّلُونَ بِهَا ﴿وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ أَذِلَّاء مُنْقَادُونَ لِحُكْمِ الْإِسْلَام
٣ -
﴿وقالت اليهود عزير بن الله وقالت النصارى المسيح﴾ عيسى ﴿بن اللَّه ذَلِكَ قَوْلهمْ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ لَا مُسْتَنِد لَهُمْ عَلَيْهِ بَلْ ﴿يُضَاهِئُونَ﴾ يُشَابِهُونَ بِهِ ﴿قَوْل الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْل﴾ مِنْ آبَائِهِمْ تَقْلِيدًا لَهُمْ ﴿قَاتَلَهُمْ﴾ لَعَنَهُمْ ﴿اللَّه أَنَّى﴾ كَيْفَ ﴿يُؤْفَكُونَ﴾ يُصْرَفُونَ عَنْ الْحَقّ مَعَ قِيَام الدَّلِيل
244
٣ -
245
﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارهمْ﴾ عُلَمَاء الْيَهُود ﴿وَرُهْبَانهمْ﴾ عُبَّاد النَّصَارَى ﴿أَرْبَابًا مِنْ دُون اللَّه﴾ حَيْثُ اتَّبَعُوهُمْ فِي تَحْلِيل مَا حَرَّمَ اللَّه وَتَحْرِيم مَا أَحَلَّ الله ﴿والمسيح بن مَرْيَم وَمَا أُمِرُوا﴾ فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل ﴿إلَّا لِيَعْبُدُوا﴾ أَيْ بِأَنْ يَعْبُدُوا ﴿إلَهًا وَاحِدًا لَا إله إلا هو سبحانه﴾ تنزيها له ﴿عما يشركون﴾
٣ -
﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُور اللَّه﴾ شَرْعه وَبَرَاهِينه ﴿بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ بِأَقْوَالِهِمْ فِيهِ ﴿وَيَأْبَى اللَّه إلَّا أَنْ يُتِمّ﴾ يُظْهِر ﴿نُوره وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾ ذَلِكَ
٣ -
﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُوله﴾ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿بِالْهُدَى وَدِين الْحَقّ لِيُظْهِرهُ﴾ يُعْلِيه ﴿عَلَى الدِّين كُلّه﴾ جَمِيع الْأَدْيَان الْمُخَالِفَة لَهُ ﴿وَلَوْ كَرِهَ المشركون﴾ ذلك
٣ -
﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا إنَّ كَثِيرًا مِنْ الْأَحْبَار وَالرُّهْبَان لَيَأْكُلُونَ﴾ يَأْخُذُونَ ﴿أَمْوَال النَّاس بِالْبَاطِلِ﴾ كَالرِّشَا فِي الْحُكْم ﴿وَيَصُدُّونَ﴾ النَّاس ﴿عَنْ سَبِيل اللَّه﴾ دِينه ﴿وَاَلَّذِينَ﴾ مُبْتَدَأ ﴿يَكْنِزُونَ الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلَا يُنْفِقُونَهَا﴾ أَيْ الْكُنُوز ﴿فِي سَبِيل اللَّه﴾ أَيْ لَا يؤدون منها حقه من الزكاة والخير ﴿فَبَشِّرْهُمْ﴾ أَخْبِرْهُمْ ﴿بِعَذَابٍ أَلِيم﴾ مُؤْلِم
٣ -
﴿يَوْم يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَار جَهَنَّم فَتُكْوَى﴾ تُحْرَق ﴿بِهَا جِبَاههمْ وَجُنُوبهمْ وَظُهُورهمْ﴾ وَتُوَسِّع جُلُودهمْ حَتَّى تُوضَع عَلَيْهَا كُلّهَا وَيُقَال لَهُمْ ﴿هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ﴾ أي جزاءه
٣ -
﴿إنَّ عِدَّة الشُّهُور﴾ الْمُعْتَدّ بِهَا لِلسَّنَةِ ﴿عِنْد اللَّه اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَاب اللَّه﴾ اللَّوْح الْمَحْفُوظ ﴿يَوْم خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض مِنْهَا﴾ أَيْ الشُّهُور ﴿أَرْبَعَة حُرُم﴾ مُحَرَّمَة ذُو الْقَعْدَة وَذُو الْحِجَّة وَالْمُحَرَّم وَرَجَب ﴿ذَلِكَ﴾ أَيْ تَحْرِيمهَا ﴿الدِّين الْقَيِّم﴾ الْمُسْتَقِيم ﴿فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ﴾ أَيْ الْأَشْهُر الْحُرُم ﴿أَنْفُسكُمْ﴾ بِالْمَعَاصِي فَإِنَّهَا فِيهَا أَعْظَم وِزْرًا وَقِيلَ فِي الْأَشْهُر كُلّهَا ﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّة﴾ جَمِيعًا فِي كُلّ الشُّهُور ﴿كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّة وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ بِالْعَوْنِ وَالنَّصْر
245
٣ -
246
﴿إنَّمَا النَّسِيء﴾ أَيْ التَّأْخِير لِحُرْمَةِ شَهْر إلَى آخَر كَمَا كَانَتْ الْجَاهِلِيَّة تَفْعَلهُ مِنْ تَأْخِير حُرْمَة الْمُحَرَّم إذَا هَلَّ وَهُمْ فِي الْقِتَال إلَى صَفَر ﴿زِيَادَة فِي الْكُفْر﴾ لِكُفْرِهِمْ بِحُكْمِ اللَّه فِيهِ ﴿يُضَلّ﴾ بِضَمِّ الْيَاء وَفَتْحهَا ﴿بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ﴾ أَيْ النَّسِيء ﴿عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا﴾ يُوَافِقُوا بِتَحْلِيلِ شَهْر وَتَحْرِيم آخَر بَدَله ﴿عِدَّة﴾ عَدَد ﴿مَا حَرَّمَ اللَّه﴾ مِنْ الْأَشْهُر فَلَا يَزِيدُوا عَلَى تَحْرِيم أَرْبَعَة وَلَا يَنْقُصُوا وَلَا يَنْظُرُوا إلَى أَعْيَانهَا ﴿فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّه زُيِّنَ لَهُمْ سُوء أَعْمَالهمْ﴾ فَظَنُّوهُ حسنا ﴿والله لا يهدي القوم الكافرين﴾
٣ -
وَنَزَلَ لَمَّا دَعَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاس إلَى غَزْوَة تَبُوك وَكَانُوا فِي عسرة وشدة حر فشق عليهم ﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إذَا قِيلَ لَكُمْ انْفِرُوا فِي سَبِيل اللَّه اثَّاقَلْتُمْ﴾ بِإِدْغَامِ التَّاء فِي الْأَصْل فِي الْمُثَلَّثَة وَاجْتِلَاب هَمْزَة الْوَصْل أَيْ تَبَاطَأْتُمْ وَمِلْتُمْ عَنْ الْجِهَاد ﴿إلَى الْأَرْض﴾ والقعود فيها والاستفهام للتوبيخ ﴿أرضيتم بالحياة الدنيا﴾ ولذاتها ﴿مِنْ الْآخِرَة﴾ أَيْ بَدَل نَعِيمهَا ﴿فَمَا مَتَاع الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي﴾ جَنْب مَتَاع ﴿الْآخِرَة إلَّا قليل﴾ حقير
٣ -
﴿إلَّا﴾ بِإِدْغَامِ لَا فِي نُون إنْ الشَّرْطِيَّة فِي الْمَوْضِعَيْنِ ﴿تَنْفِرُوا﴾ تَخْرُجُوا مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْجِهَادِ ﴿يُعَذِّبكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا﴾ مُؤْلِمًا ﴿وَيَسْتَبْدِل قَوْمًا غَيْركُمْ﴾ أَيْ يَأْتِ بِهِمْ بَدَلكُمْ ﴿وَلَا تَضُرُّوهُ﴾ أَيْ اللَّه أَوْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿شَيْئًا﴾ بِتَرْكِ نَصْره فَإِنَّ اللَّه نَاصِر دِينه ﴿وَاَللَّه عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير﴾ وَمِنْهُ نَصْر دِينه وَنَبِيّه
246
٤ -
247
﴿إلَّا تَنْصُرُوهُ﴾ أَيْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّه إذْ﴾ حِين ﴿أَخْرَجَهُ الذين كفروا﴾ من مكة أي ألجؤوه إلَى الْخُرُوج لَمَّا أَرَادُوا قَتْله أَوْ حَبْسه أَوْ نَفْيه بِدَارِ النَّدْوَة ﴿ثَانِي اثْنَيْنِ﴾ حَال أَيْ أَحَد اثْنَيْنِ وَالْآخَر أَبُو بَكْر الْمَعْنَى نَصَرَهُ اللَّه فِي مِثْل تِلْكَ الْحَالَة فَلَا يَخْذُلهُ فِي غَيْرهَا ﴿إذْ﴾ بَدَل مِنْ إذْ قَبْله ﴿هُمَا فِي الْغَار﴾ نَقْب فِي جَبَل ثَوْر ﴿إذْ﴾ بَدَل ثَانٍ ﴿يَقُول لِصَاحِبِهِ﴾ أَبِي بَكْر وَقَدْ قَالَ لَهُ لَمَّا رَأَى أَقْدَام الْمُشْرِكِينَ لَوْ نَظَرَ أَحَدهمْ تَحْت قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا ﴿لَا تَحْزَن إنَّ اللَّه مَعَنَا﴾ بِنَصْرِهِ ﴿فَأَنْزَلَ اللَّه سَكِينَته﴾ طُمَأْنِينَته ﴿عَلَيْهِ﴾ قِيلَ عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ عَلَى أَبِي بَكْر ﴿وَأَيَّدَهُ﴾ أَيْ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا﴾ مَلَائِكَة فِي الْغَار وَمَوَاطِن قِتَاله ﴿وَجَعَلَ كَلِمَة الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أَيْ دَعْوَة الشِّرْك ﴿السُّفْلَى﴾ الْمَغْلُوبَة ﴿وَكَلِمَة اللَّه﴾ أَيْ كَلِمَة الشَّهَادَة ﴿هِيَ الْعُلْيَا﴾ الظَّاهِرَة الْغَالِبَة ﴿وَاَللَّه عَزِيز﴾ فِي مُلْكه ﴿حَكِيم﴾ فِي صُنْعه
٤ -
﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا﴾ نَشَاطًا وَغَيْر نَشَاط وَقِيلَ أَقْوِيَاء وَضُعَفَاء أَوْ أَغْنِيَاء وَفُقَرَاء وَهِيَ مَنْسُوخَة بِآيَةِ ﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء﴾ ﴿وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسكُمْ فِي سَبِيل اللَّه ذَلِكُمْ خَيْر لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أَنَّهُ خَيْر لَكُمْ فَلَا تَثَّاقَلُوا
٤ -
ونزل في المنافقين الذين تخلفوا ﴿لو كان﴾ ما دعوتهم إليه ﴿عَرَضًا﴾ مَتَاعًا مِنْ الدُّنْيَا ﴿قَرِيبًا﴾ سَهْل الْمَأْخَذ ﴿وَسَفَرًا قَاصِدًا﴾ وَسَطًا ﴿لَاتَّبَعُوك﴾ طَلَبًا لِلْغَنِيمَةِ ﴿وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمْ الشُّقَّة﴾ الْمَسَافَة فَتَخَلَّفُوا ﴿وَسَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ﴾ إذَا رَجَعْتُمْ إلَيْهِمْ ﴿لَوْ اسْتَطَعْنَا﴾ الْخُرُوج ﴿لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسهمْ﴾ بِالْحَلِفِ الْكَاذِب ﴿وَاَللَّه يَعْلَم إنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ فِي قَوْلهمْ ذَلِكَ
٤ -
وَكَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذَّنَ لِجَمَاعَةٍ فِي التَّخَلُّف بِاجْتِهَادٍ مِنْهُ فَنَزَلَ عِتَابًا لَهُ وَقَدَّمَ الْعَفْو تَطْمِينًا لِقَلْبِهِ ﴿عَفَا اللَّه عَنْك لِمَ أَذِنْت لَهُمْ﴾ فِي التَّخَلُّف وَهَلَّا تَرَكْتهمْ ﴿حَتَّى يَتَبَيَّن لَك الَّذِينَ صَدَقُوا﴾ فِي الْعُذْر ﴿وَتَعْلَم الْكَاذِبِينَ﴾ فِيهِ
٤ -
﴿لَا يَسْتَأْذِنك الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر﴾ فِي التَّخَلُّف عَنْ {أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ والله عليم بالمتقين
247
٤ -
248
﴿إنَّمَا يَسْتَأْذِنك﴾ فِي التَّخَلُّف ﴿الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر وَارْتَابَتْ﴾ شَكَّتْ ﴿قُلُوبهمْ﴾ فِي الدِّين ﴿فَهُمْ فِي رَيْبهمْ يَتَرَدَّدُونَ﴾ يَتَحَيَّرُونَ
٤ -
﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوج﴾ مَعَك ﴿لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّة﴾ أُهْبَة مِنْ الْآلَة وَالزَّاد ﴿وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّه انْبِعَاثهمْ﴾ أَيْ لَمْ يُرِدْ خُرُوجهمْ ﴿فَثَبَّطَهُمْ﴾ كَسَّلَهُمْ ﴿وَقِيلَ﴾ لَهُمْ ﴿اُقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ﴾ الْمَرْضَى وَالنِّسَاء وَالصِّبْيَان أَيْ قَدَّرَ اللَّه تَعَالَى ذَلِكَ
٤ -
﴿لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إلَّا خَبَالًا﴾ فسادا بِتَخْذِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ﴿وَلَأَوْضَعُوا خِلَالكُمْ﴾ أَيْ أَسْرَعُوا بَيْنكُمْ بِالْمَشْيِ بِالنَّمِيمَةِ ﴿يَبْغُونَكُمْ﴾ يَطْلُبُونَ لَكُمْ ﴿الْفِتْنَة﴾ بِإِلْقَاءِ الْعَدَاوَة ﴿وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ مَا يَقُولُونَ سَمَاع قبول ﴿والله عليم بالظالمين﴾
٤ -
﴿لَقَدْ ابْتَغَوْا﴾ لَك ﴿الْفِتْنَة مِنْ قَبْل﴾ أَوَّل مَا قَدِمْت الْمَدِينَة ﴿وَقَلَبُوا لَك الْأُمُور﴾ أَيْ أَجَالُوا الْفِكْر فِي كَيْدك وَإِبْطَال دِينك ﴿حَتَّى جَاءَ الْحَقّ﴾ النَّصْر ﴿وَظَهَرَ﴾ عَزَّ ﴿أَمْر اللَّه﴾ دِينه ﴿وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ لَهُ فَدَخَلُوا فِيهِ ظَاهِرًا
٤ -
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُول ائْذَنْ لِي﴾ فِي التَّخَلُّف ﴿وَلَا تَفْتِنِّي﴾ وَهُوَ الْجَدّ بْن قَيْس قَالَ لَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ لَك فِي جَلَّاد بَنِي الْأَصْفَر فَقَالَ إنِّي مُغْرَم بِالنِّسَاءِ وَأَخْشَى إنْ رَأَيْت نِسَاء بَنِي الأصفر أن لا أصبر عنهن فأفتتن قال تعالى ﴿أَلَا فِي الْفِتْنَة سَقَطُوا﴾ بِالتَّخَلُّفِ وَقُرِئَ سَقَطَ ﴿وَإِنَّ جَهَنَّم لَمُحِيطَة بِالْكَافِرِينَ﴾ لَا مَحِيص لَهُمْ عنها
٥ -
﴿إن تصبك حسنة﴾ كنصر وغنيمة ﴿تسؤهم وَإِنْ تُصِبْك مُصِيبَة﴾ شِدَّة ﴿يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرنَا﴾ بِالْحَزْمِ حِين تَخَلَّفْنَا ﴿مِنْ قَبْل﴾ قَبْل هَذِهِ الْمَعْصِيَة ﴿وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ﴾ بِمَا أَصَابَك
٥ -
﴿قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿لَنْ يُصِيبنَا إلَّا مَا كَتَبَ اللَّه لَنَا﴾ إصَابَته ﴿هُوَ مَوْلَانَا﴾ نَاصِرنَا وَمُتَوَلِّي أمورنا {وعلى الله فليتوكل المؤمنون
248
٥ -
249
﴿قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ﴾ فِيهِ حَذْف إحْدَى التَّاءَيْنِ مِنْ الْأَصْل أَيْ تَنْتَظِرُونَ أَنْ يَقَع ﴿بِنَا إلَّا إحْدَى﴾ الْعَاقِبَتَيْنِ ﴿الْحُسْنَيَيْنِ﴾ تَثْنِيَة حُسْنَى تَأْنِيث أَحْسَن النَّصْر أَوْ الشَّهَادَة ﴿وَنَحْنُ نَتَرَبَّص﴾ نَنْتَظِر ﴿بِكُمْ أَنْ يُصِيبكُمْ اللَّه بِعَذَابٍ مِنْ عِنْده﴾ بِقَارِعَةٍ مِنْ السَّمَاء ﴿أَوْ بِأَيْدِينَا﴾ بِأَنْ يُؤْذِن لَنَا فِي قِتَالكُمْ ﴿فَتَرَبَّصُوا﴾
بِنَا ذَلِكَ ﴿إنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ﴾ عَاقِبَتكُمْ
٥ -
﴿قُلْ أَنْفِقُوا﴾ فِي طَاعَة اللَّه ﴿طَوْعًا أَوْ كرها لن يتقبل منكم﴾ ما أنفقتموه ﴿إنكم كنتم قوما فاسقين﴾ وَالْأَمْر هُنَا بِمَعْنَى الْخَبَر
٥ -
﴿وما منعهم أن تقبل﴾ بالياء والتاء ﴿منهم نفقاتهم إلا أنهم﴾ فَاعِل وَأَنْ تُقْبَل مَفْعُول ﴿كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاة إلَّا وَهُمْ كُسَالَى﴾ مُتَثَاقِلُونَ ﴿وَلَا يُنْفِقُونَ إلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ النَّفَقَة لِأَنَّهُمْ يعدونها مغرما
٥ -
﴿فَلَا تُعْجِبك أَمْوَالهمْ وَلَا أَوْلَادهمْ﴾ أَيْ لَا تَسْتَحْسِن نِعَمنَا عَلَيْهِمْ فَهِيَ اسْتِدْرَاج ﴿إنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُعَذِّبهُمْ﴾ أَيْ أَنْ يُعَذِّبهُمْ ﴿بِهَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا﴾ بِمَا يَلْقَوْنَ فِي جَمْعهَا مِنْ الْمَشَقَّة وَفِيهَا مِنْ الْمَصَائِب ﴿وَتَزْهَق﴾ تَخْرُج ﴿أَنْفُسهمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ فَيُعَذِّبهُمْ فِي الْآخِرَة أَشَدّ الْعَذَاب
٥ -
﴿وَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ إنَّهُمْ لِمِنْكُمْ﴾ أَيْ مُؤْمِنُونَ ﴿وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْم يَفْرُقُونَ﴾ يَخَافُونَ أَنْ تَفْعَلُوا بِهِمْ كَالْمُشْرِكِينَ فَيَحْلِفُونَ تَقِيَّة
٥ -
﴿لو يجدون ملجأ﴾ يلجأون إلَيْهِ ﴿أَوْ مَغَارَات﴾ سَرَادِيب ﴿أَوْ مُدَّخَلًا﴾ مَوْضِعًا يَدْخُلُونَهُ ﴿لَوَلَّوْا إلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ﴾ يُسْرِعُونَ فِي دُخُوله وَالِانْصِرَاف عَنْكُمْ إسْرَاعًا لَا يَرُدّهُ شَيْء كالفرس الجموح
٥ -
﴿ومنهم من يلمزك﴾ يعيبك ﴿في﴾ قسم {الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون
249
٥ -
250
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آتَاهُمْ اللَّه وَرَسُوله﴾ مِنْ الْغَنَائِم وَنَحْوهَا ﴿وَقَالُوا حَسْبنَا﴾ كَافِينَا ﴿اللَّه سَيُؤْتِينَا اللَّه مِنْ فَضْله وَرَسُوله﴾ مِنْ غَنِيمَة أُخْرَى مَا يَكْفِينَا ﴿إنَّا إلَى اللَّه رَاغِبُونَ﴾ أَنْ يُغْنِينَا وَجَوَاب لَوْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ
٦ -
﴿إنَّمَا الصَّدَقَات﴾ الزَّكَوَات مَصْرُوفَة ﴿لِلْفُقَرَاءِ﴾ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَقَع مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتهمْ ﴿وَالْمَسَاكِين﴾ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَكْفِيهِمْ ﴿وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا﴾ أَيْ الصَّدَقَات مِنْ جَابٍ وَقَاسِم وَكَاتِب وَحَاشِر ﴿وَالْمُؤَلَّفَة قُلُوبهمْ﴾ لِيُسْلِمُوا أَوْ يَثْبُت إسْلَامهمْ أَوْ يَسْلَم نُظَرَاؤُهُمْ أَوْ يَذُبُّوا عَنْ الْمُسْلِمِينَ أَقْسَام الْأَوَّل وَالْأَخِير لَا يُعْطِيَانِ الْيَوْم عِنْد الشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُ لِعَزِّ الْإِسْلَام بِخِلَافِ الْآخَرَيْنِ فَيُعْطِيَانِ عَلَى الْأَصَحّ ﴿وَفِي﴾ فَكّ ﴿الرِّقَاب﴾ أَيْ الْمُكَاتَبِينَ ﴿وَالْغَارِمِينَ﴾ أَهْل الدِّين إنْ اسْتَدَانُوا لِغَيْرِ مَعْصِيَة أَوْ تَابُوا وَلَيْسَ لَهُمْ وَفَاء أَوْ لِإِصْلَاحِ ذَات الْبَيْن وَلَوْ أَغْنِيَاء ﴿وَفِي سَبِيل اللَّه﴾ أَيْ الْقَائِمِينَ بِالْجِهَادِ مِمَّنْ لَا فيء لهم ولو أغنياء ﴿وبن السَّبِيل﴾ الْمُنْقَطِع فِي سَفَره ﴿فَرِيضَة﴾ نُصِبَ بِفِعْلِهِ الْمُقَدَّر ﴿مِنْ اللَّه وَاَللَّه عَلِيم﴾ بِخَلْقِهِ ﴿حَكِيم﴾ فِي صُنْعه فَلَا يَجُوز صَرْفهَا لِغَيْرِ هَؤُلَاءِ ولا مانع صِنْف مِنْهُمْ إذَا وُجِدَ فَيَقْسِمهَا الْإِمَام عَلَيْهِمْ عَلَى السَّوَاء وَلَهُ تَفْضِيل بَعْض آحَاد الصِّنْف عَلَى بَعْض وَأَفَادَتْ اللَّام وُجُوب اسْتِغْرَاق أَفْرَاده لَكِنْ لَا يَجِب عَلَى صَاحِب الْمَال إذَا قَسَمَ لِعُسْرِهِ بَلْ يَكْفِي إعْطَاء ثَلَاثَة مِنْ كُلّ صِنْف وَلَا يَكْفِي دُونهَا كَمَا أَفَادَتْهُ صِيغَة الْجَمْع وَبَيَّنَتْ السُّنَّة أَنَّ شَرْط الْمُعْطَى مِنْهَا الْإِسْلَام وَأَنْ لَا يَكُون هَاشِمِيًّا وَلَا مطلبيا
250
٦ -
251
﴿وَمِنْهُمْ﴾ أَيْ الْمُنَافِقِينَ ﴿الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيّ﴾ بِعَيْبِهِ وَبِنَقْلِ حَدِيثه ﴿وَيَقُولُونَ﴾ إذَا نُهُوا عَنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يُبَلِّغهُ ﴿هُوَ أُذُن﴾ أَيْ يَسْمَع كُلّ قَيْل وَيَقْبَلهُ فَإِذَا حَلَفْنَا لَهُ أَنَّا لَمْ نَقُلْ صَدَّقْنَا ﴿قُلْ﴾ هُوَ ﴿أُذُن﴾ مُسْتَمِع ﴿خَيْر لَكُمْ﴾ لَا مُسْتَمِع شَرّ ﴿يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَيُؤْمِن﴾ يُصَدِّق ﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ فِيمَا أَخْبَرُوهُ بِهِ لَا لِغَيْرِهِمْ وَاللَّام زَائِدَة لِلْفَرَقِ بَيْن إيمَان التَّسْلِيم وَغَيْره ﴿وَرَحْمَة﴾ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى أُذُن وَالْجَرّ عَطْفًا على خير ﴿للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم﴾
٦ -
﴿يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ لَكُمْ﴾ أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ فِيمَا بَلَغَكُمْ عَنْهُمْ مِنْ أَذَى الرَّسُول أَنَّهُمْ مَا أَتَوْهُ ﴿لِيُرْضُوكُمْ وَاَللَّه وَرَسُوله أَحَقّ أَنْ يُرْضُوهُ﴾ بِالطَّاعَةِ ﴿إن كانوا مؤمنين﴾ حقا وَتَوْحِيد الضَّمِير لِتَلَازُمِ الرِّضَاءَيْنِ أَوْ خَبَر اللَّه ورسوله محذوف
٦ -
﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا﴾ بِ ﴿أَنَّهُ﴾ أَيْ الشَّأْن ﴿مَنْ يُحَادِدْ﴾ يُشَاقِقْ ﴿اللَّه وَرَسُوله فَإِنَّ لَهُ نَار جهنم﴾ جزاء ﴿خالدا فيها ذلك الخزي العظيم﴾
٦ -
﴿يحذر﴾ يخاق ﴿المُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ﴾ أَيْ الْمُؤْمِنِينَ ﴿سُورَة تُنَبِّئهُمْ بِمَا فِي قُلُوبهمْ﴾ مِنْ النِّفَاق وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿قُلْ اسْتَهْزِئُوا﴾ أَمْر تَهْدِيد ﴿إنَّ اللَّه مُخْرِج﴾ مُظْهِر ﴿مَا تَحْذَرُونَ﴾ إخْرَاجه من نفاقكم
٦ -
﴿وَلَئِنْ﴾ لَام قَسَم ﴿سَأَلْتهمْ﴾ عَنْ اسْتِهْزَائِهِمْ بِك وَالْقُرْآن وَهُمْ سَائِرُونَ مَعَك إلَى تَبُوك ﴿لَيَقُولُنَّ﴾ مُعْتَذِرِينَ ﴿إنَّمَا كُنَّا نَخُوض وَنَلْعَب﴾ فِي الْحَدِيث لِنَقْطَع بِهِ الطَّرِيق وَلَمْ نَقْصِد ذَلِكَ ﴿قُلْ﴾ لهم ﴿أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون﴾
٦ -
﴿لَا تَعْتَذِرُوا﴾ عَنْهُ ﴿قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْد إيمَانكُمْ﴾ أَيْ ظَهَرَ كُفْركُمْ بَعْد إظْهَار الْإِيمَان ﴿إنْ يُعْفَ﴾ بِالْيَاءِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ وَالنُّون مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ ﴿عَنْ طَائِفَة مِنْكُمْ﴾ بِإِخْلَاصِهَا وَتَوْبَتهَا كَجَحْشِ بْن حمير ﴿تعذب﴾ بِالتَّاءِ وَالنُّون ﴿طَائِفَة بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ مُصِرِّينَ عَلَى النِّفَاق وَالِاسْتِهْزَاء
251
٦ -
252
﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَات بَعْضهمْ مِنْ بَعْض﴾ أَيْ مُتَشَابِهُونَ فِي الدِّين كَأَبْعَاضِ الشَّيْء الْوَاحِد ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ﴾ الْكُفْر وَالْمَعَاصِي ﴿وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوف﴾ الْإِيمَان وَالطَّاعَة ﴿وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيهمْ﴾ عَنْ الْإِنْفَاق فِي الطَّاعَة ﴿نَسُوا اللَّه﴾ تَرَكُوا طَاعَته ﴿فَنَسِيَهُمْ﴾ تَرَكَهُمْ مِنْ لُطْفه ﴿إن المنافقين هم الفاسقون﴾
٦ -
﴿وَعَدَ اللَّه الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَات وَالْكُفَّار نَار جَهَنَّم خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبهمْ﴾ جَزَاء وَعِقَابًا ﴿وَلَعَنَهُمْ اللَّه﴾ أَبْعَدهمْ عَنْ رَحْمَته ﴿وَلَهُمْ عَذَاب مُقِيم﴾ دائم
٦ -
أَنْتُمْ أَيّهَا الْمُنَافِقُونَ ﴿كَاَلَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ كَانُوا أَشَدّ مِنْكُمْ قُوَّة وَأَكْثَر أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا﴾ تَمَتَّعُوا ﴿بِخَلَاقِهِمْ﴾ نَصِيبهمْ مِنْ الدُّنْيَا ﴿فَاسْتَمْتَعْتُمْ﴾ أَيّهَا الْمُنَافِقُونَ ﴿بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ﴾ فِي الْبَاطِل وَالطَّعْن فِي النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿كَاَلَّذِي خَاضُوا﴾ أَيْ خوضهم ﴿أولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك هم الخاسرون﴾
٧ -
﴿أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأ﴾ خَبَر ﴿الَّذِينَ مِنْ قَبْلهمْ قوم نوح وعاد﴾ قوم هود ﴿وثمود﴾ قوم صَالِح ﴿وَقَوْم إبْرَاهِيم وَأَصْحَاب مَدْيَن﴾ قَوْم شُعَيْب ﴿وَالْمُؤْتَفِكَات﴾ قُرَى قَوْم لُوط أَيْ أَهْلهَا ﴿أَتَتْهُمْ رُسُلهمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ بِالْمُعْجِزَاتِ فَكَذَبُوهُمْ فَأُهْلِكُوا ﴿فَمَا كَانَ اللَّه لِيَظْلِمهُمْ﴾ بِأَنْ يُعَذِّبهُمْ بِغَيْرِ ذَنْب ﴿وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسهمْ يَظْلِمُونَ﴾ بِارْتِكَابِ الذَّنْب
٧ -
﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَات بَعْضهمْ أَوْلِيَاء بَعْض يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَر وَيُقِيمُونَ الصَّلَاة وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة وَيُطِيعُونَ اللَّه وَرَسُوله أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّه أَنَّ اللَّه عَزِيز﴾ لَا يُعْجِزهُ شَيْء عَنْ إنْجَاز وَعْده وَوَعِيده ﴿حَكِيم﴾ لَا يَضَع شَيْئًا إلَّا في محله
٧ -
﴿وَعَدَ اللَّه الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَات جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِن طَيِّبَة فِي جَنَّات عَدْن﴾ إقَامَة ﴿وَرِضْوَان مِنْ اللَّه أَكْبَر﴾ أعظم من ذلك كله {ذلك هو الفوز العظيم
252
٧ -
253
﴿يأيها النَّبِيّ جَاهِد الْكُفَّار﴾ بِالسَّيْفِ ﴿وَالْمُنَافِقِينَ﴾ بِاللِّسَانِ وَالْحُجَّة ﴿وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ بِالِانْتِهَارِ وَالْمَقْت ﴿وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّم وَبِئْسَ الْمَصِير﴾ الْمَرْجِع هِيَ
٧ -
﴿يَحْلِفُونَ﴾ أَيْ الْمُنَافِقُونَ ﴿بِاَللَّهِ مَا قَالُوا﴾ مَا بَلَغَك عَنْهُمْ مِنْ السَّبّ ﴿وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَة الْكُفْر وَكَفَرُوا بَعْد إسْلَامهمْ﴾ أَظْهَرُوا الْكُفْر بَعْد إظْهَار الْإِسْلَام ﴿وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا﴾ مِنْ الْفَتْك بِالنَّبِيِّ لَيْلَة الْعَقَبَة عِنْد عَوْده مِنْ تَبُوك وَهُمْ بَضْعَة عَشَرَ رَجُلًا فَضَرَبَ عَمَّار بْن يَاسِر وُجُوه الرَّوَاحِل لَمَّا غَشُوهُ فَرُدُّوا ﴿وَمَا نَقَمُوا﴾ أَنْكَرُوا ﴿إلَّا أَنْ أَغْنَاهُمْ اللَّه وَرَسُوله مِنْ فَضْله﴾ بِالْغَنَائِمِ بَعْد شِدَّة حَاجَتهمْ الْمَعْنَى لَمْ يَنَلْهُمْ مِنْهُ إلَّا هَذَا وَلَيْسَ مِمَّا يَنْقِم ﴿فَإِنْ يَتُوبُوا﴾ عَنْ النِّفَاق وَيُؤْمِنُوا بِك ﴿يَكُ خَيْرًا لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا﴾ عَنْ الإيمان ﴿يعذبهم عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا﴾ بِالْقَتْلِ ﴿وَالْآخِرَة﴾ بِالنَّارِ ﴿وَمَا لَهُمْ فِي الْأَرْض مِنْ وَلِيّ﴾ يَحْفَظهُمْ مِنْهُ ﴿وَلَا نَصِير﴾ يَمْنَعهُمْ
٧ -
﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّه لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْله لَنَصَّدَّقَنَّ﴾ فِيهِ إدْغَام التَّاء فِي الْأَصْل فِي الصَّاد ﴿وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ﴾ وَهُوَ ثَعْلَبَة بْن حَاطِب سَأَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَدْعُو لَهُ أَنْ يَرْزُقهُ اللَّه مالا ويؤدي منه إلى كُلّ ذِي حَقّ حَقّه فَدَعَا لَهُ فَوَسَّعَ عَلَيْهِ فَانْقَطَعَ عَنْ الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة وَمَنَعَ الزَّكَاة كما قال تعالى
٧ -
﴿فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْله بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا﴾ عن طاعة الله {وهم معرضون
253
٧ -
254
﴿فَأَعْقَبَهُمْ﴾ أَيْ فَصَيَّرَ عَاقِبَتهمْ ﴿نِفَاقًا﴾ ثَابِتًا ﴿فِي قُلُوبهمْ إلَى يَوْم يَلْقَوْنَهُ﴾ أَيْ اللَّه وَهُوَ يوم القيامة ﴿بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون﴾ فيه فَجَاءَ بَعْد ذَلِكَ إلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِزَكَاتِهِ فَقَالَ إنَّ اللَّه مَنَعَنِي أَنْ أَقْبَلَ مِنْك فَجَعَلَ يَحْثُو التُّرَاب عَلَى رأسه ثم جاء بها إلَى أَبِي بَكْر فَلَمْ يَقْبَلهَا ثُمَّ إلَى عُمَر فَلَمْ يَقْبَلهَا ثُمَّ إلَى عُثْمَان فَلَمْ يَقْبَلهَا وَمَاتَ فِي زَمَانه
٧ -
﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا﴾ أَيْ الْمُنَافِقُونَ ﴿أَنَّ اللَّه يَعْلَم سِرّهمْ﴾ مَا أَسَرُّوهُ فِي أَنْفُسهمْ ﴿وَنَجْوَاهُمْ﴾ مَا تَنَاجَوْا بِهِ بَيْنهمْ ﴿وَأَنَّ اللَّه عَلَّام الْغُيُوب﴾ مَا غَابَ عَنْ الْعِيَان وَلَمَّا نَزَلَتْ آيَة الصَّدَقَة جَاءَ رَجُل فَتَصَدَّقَ بِشَيْءٍ كَثِير فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ مُرَاءٍ وَجَاءَ رَجُل فَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ فَقَالُوا إنَّ اللَّه غَنِيّ عَنْ صَدَقَة هَذَا فَنَزَلَ
٧ -
﴿الَّذِينَ﴾ مُبْتَدَأ ﴿يَلْمِزُونَ﴾ يَعِيبُونَ ﴿الْمُطَّوِّعِينَ﴾ الْمُتَنَفِّلِينَ ﴿مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَات وَاَلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إلَّا جُهْدهمْ﴾ طَاقَتهمْ فَيَأْتُونَ بِهِ ﴿فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ﴾ وَالْخَبَر ﴿سخر الله منهم﴾ جازاهم على سخريتهم ﴿ولهم عذاب أليم﴾
٨ -
﴿اسْتَغْفِرْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِر لَهُمْ﴾ تَخْيِير لَهُ فِي الِاسْتِغْفَار وَتَرْكه قَالَ ﷺ إني خيرت اخترت يَعْنِي الِاسْتِغْفَار رَوَاهُ الْبُخَارِيّ ﴿إنْ تَسْتَغْفِر لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّة فَلَنْ يَغْفِر اللَّه لَهُمْ﴾ قِيلَ الْمُرَاد بِالسَّبْعِينَ الْمُبَالَغَة فِي كَثْرَة الِاسْتِغْفَار وَفِي الْبُخَارِيّ حَدِيث لَوْ أَعْلَم أَنِّي لَوْ زِدْت عَلَى السَّبْعِينَ غُفِرَ لَزِدْت عَلَيْهَا وَقِيلَ الْمُرَاد العدد المخصوص لحديثه أيضا وسأزيد على السبعين فبين لَهُ حَسْم الْمَغْفِرَة بِآيَةِ ﴿سَوَاء عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْت لهم أم لم تستغفر لهم﴾ ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين
254
٨ -
255
﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ﴾ عَنْ تَبُوك ﴿بِمَقْعَدِهِمْ﴾ أَيْ بِقُعُودِهِمْ ﴿خِلَاف﴾ أَيْ بَعْد ﴿رَسُول اللَّه وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ فِي سَبِيل اللَّه وَقَالُوا﴾ أَيْ قَالَ بَعْضهمْ لِبَعْضٍ ﴿لَا تَنْفِرُوا﴾ تَخْرُجُوا إلَى الْجِهَاد ﴿فِي الْحَرّ قُلْ نَار جَهَنَّم أَشَدّ حَرًّا﴾ مِنْ تَبُوك فَالْأَوْلَى أَنْ يَتَّقُوهَا بِتَرْكِ التَّخَلُّف ﴿لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ مَا تَخَلَّفُوا
٨ -
﴿فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿وَلْيَبْكُوا﴾ فِي الْآخِرَة ﴿كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون﴾ خَبَر عَنْ حَالهمْ بِصِيغَةِ الْأَمْر
٨ -
﴿فَإِنْ رَجَعَك﴾ رَدَّك ﴿اللَّه﴾ مِنْ تَبُوك ﴿إلَى طَائِفَة مِنْهُمْ﴾ مِمَّنْ تَخَلَّفَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ الْمُنَافِقِينَ ﴿فَاسْتَأْذَنُوك لِلْخُرُوجِ﴾ مَعَك إلَى غَزْوَة أُخْرَى ﴿فَقُلْ﴾ لَهُمْ ﴿لَنْ تَخْرُجُوا مَعِي أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِي عَدُوًّا إنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّل مَرَّة فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ﴾ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ الْغَزْو مِنْ النِّسَاء وَالصِّبْيَان وَغَيْرهمْ
٨ -
وَلَمَّا صَلَّى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على بن أُبَيٍّ نَزَلَ ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَد مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْره﴾ لِدَفْنٍ أَوْ زِيَارَة ﴿إنَّهُمْ كَفَرُوا بِاَللَّهِ وَرَسُوله وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ﴾ كَافِرُونَ
٨ -
﴿وَلَا تُعْجِبك أَمْوَالهمْ وَأَوْلَادهمْ إنَّمَا يُرِيد اللَّه أَنْ يُعَذِّبهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَق﴾ تَخْرُج ﴿أنفسهم وهم كافرون﴾
٨ -
﴿وَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَة﴾ أَيْ طَائِفَة مِنْ الْقُرْآن ﴿أَنْ﴾ أَيْ بِأَنْ ﴿آمِنُوا بِاَللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رسوله استأذنك أولو الطول﴾ ذوو الغنى ﴿منهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين﴾
٨ -
﴿رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِف﴾ جَمْع خَالِفَة أَيْ النِّسَاء اللَّاتِي تَخَلَّفْنَ فِي الْبُيُوت ﴿وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبهمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ﴾ الْخَيْر
٨ -
﴿لَكِنْ الرَّسُول وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسهمْ وَأُولَئِكَ لَهُمْ الْخَيْرَات﴾ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ﴿وأولئك هم المفلحون﴾ أي الفائزون
255
٨ -
256
﴿أعد الله لَهُمْ جَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا ذلك الفوز العظيم﴾
٩ -
﴿وَجَاءَ الْمُعَذِّرُونَ﴾ بِإِدْغَامِ التَّاء فِي الْأَصْل فِي الدَّال أَيْ الْمُعْتَذِرُونَ بِمَعْنَى الْمَعْذُورِينَ وَقُرِئَ بِهِ ﴿مِنْ الْأَعْرَاب﴾ إلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿لِيُؤْذَن لَهُمْ﴾ فِي الْقُعُود لِعُذْرِهِمْ فَأَذِنَ لَهُمْ ﴿وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُوا اللَّه وَرَسُوله﴾ فِي ادِّعَاء الْإِيمَان مِنْ مُنَافِقِي الْأَعْرَاب عَنْ الْمَجِيء للاعتذار ﴿سيصيب الذين كفروا منهم عذاب أليم﴾
٩ -
﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء﴾ كَالشُّيُوخِ ﴿وَلَا عَلَى الْمَرْضَى﴾ كَالْعُمْيِ وَالزَّمْنَى ﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ﴾ فِي الْجِهَاد ﴿حَرَج﴾ إثْم فِي التَّخَلُّف عَنْهُ ﴿إذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُوله﴾ فِي حَال قُعُودهمْ بِعَدَمِ الْإِرْجَاف وَالتَّثْبِيط وَالطَّاعَة ﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ بِذَلِكَ ﴿مِنْ سَبِيل﴾ طَرِيق بِالْمُؤَاخَذَةِ ﴿وَاَللَّه غَفُور﴾ لَهُمْ ﴿رَحِيم﴾ بِهِمْ فِي التَّوْسِعَة في ذلك
٩ -
﴿وَلَا عَلَى الَّذِينَ إذَا مَا أَتَوْك لِتَحْمِلهُمْ﴾ مَعَك إلَى الْغَزْو وَهُمْ سَبْعَة مِنْ الْأَنْصَار وَقِيلَ بَنُو مُقْرِن ﴿قُلْت لَا أَجِد مَا أَحْمِلكُمْ عَلَيْهِ﴾ حَال ﴿تَوَلَّوْا﴾ جَوَاب إذَا أَيْ انْصَرَفُوا ﴿وَأَعْيُنهمْ تَفِيض﴾ تَسِيل ﴿مِنْ﴾ لِلْبَيَانِ ﴿الدَّمْع حَزَنًا﴾ لِأَجْلِ ﴿أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ﴾ فِي الجهاد
٩ -
﴿إنَّمَا السَّبِيل عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَك﴾ فِي التَّخَلُّف ﴿وَهُمْ أَغْنِيَاء رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِف وَطَبَعَ اللَّه عَلَى قُلُوبهمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ تقدم مثله
٩ -
﴿يَعْتَذِرُونَ إلَيْكُمْ﴾ فِي التَّخَلُّف ﴿إذَا رَجَعْتُمْ إلَيْهِمْ﴾ مِنْ الْغَزْو ﴿قُلْ﴾ لَهُمْ ﴿لَا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِن لَكُمْ﴾ نُصَدِّقكُمْ ﴿قَدْ نَبَّأَنَا اللَّه مِنْ أَخْبَاركُمْ﴾ أَيْ أَخْبَرَنَا بِأَحْوَالِكُمْ ﴿وَسَيَرَى اللَّه عَمَلكُمْ وَرَسُوله ثُمَّ تُرَدُّونَ﴾ بِالْبَعْثِ ﴿إلَى عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة﴾ أَيْ اللَّه ﴿فَيُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ فيجازيكم عليه
256
٩ -
257
﴿سَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ لَكُمْ إذَا انْقَلَبْتُمْ﴾ رَجَعْتُمْ ﴿إلَيْهِمْ﴾ مِنْ تَبُوك أَنَّهُمْ مَعْذُورُونَ فِي التَّخَلُّف ﴿لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ﴾ بِتَرْكِ الْمُعَاتَبَة ﴿فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إنَّهُمْ رِجْس﴾ قذر لخبث باطنهم ﴿ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون﴾
٩ -
﴿يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّه لَا يَرْضَى عَنْ الْقَوْم الْفَاسِقِينَ﴾ أَيْ عَنْهُمْ وَلَا يَنْفَع رِضَاكُمْ مَعَ سَخَط الله
٩ -
﴿الْأَعْرَاب﴾ أَهْل الْبَدْو ﴿أَشَدّ كُفْرًا وَنِفَاقًا﴾ مِنْ أَهْل الْمُدُن لِجَفَائِهِمْ وَغِلَظ طِبَاعهمْ وَبُعْدهمْ عَنْ سماع القرآن ﴿وأجدر﴾ أولى ﴿أ﴾ ن أَيْ بِأَنْ ﴿لَا يَعْلَمُوا حُدُود مَا أَنْزَلَ اللَّه عَلَى رَسُوله﴾ مِنْ الْأَحْكَام وَالشَّرَائِع ﴿وَاَللَّه عَلِيم﴾ بِخَلْقِهِ ﴿حَكِيم﴾ فِي صُنْعه بِهِمْ
٩ -
﴿وَمِنْ الْأَعْرَاب مَنْ يَتَّخِذ مَا يُنْفِق﴾ فِي سَبِيل اللَّه ﴿مَغْرَمًا﴾ غَرَامَة وَخُسْرَانًا لِأَنَّهُ لَا يَرْجُو ثَوَابه بَلْ يُنْفِقهُ خَوْفًا وَهُمْ بَنُو أَسَد وَغَطَفَان ﴿وَيَتَرَبَّص﴾ يَنْتَظِر ﴿بِكُمْ الدَّوَائِر﴾ دَوَائِر الزَّمَان أَنْ تَنْقَلِب عَلَيْكُمْ فَيَتَخَلَّص ﴿عَلَيْهِمْ دَائِرَة السُّوء﴾ بِالضَّمِّ وَالْفَتْح أَيْ يَدُور الْعَذَاب وَالْهَلَاك عَلَيْهِمْ لَا عَلَيْكُمْ ﴿وَاَللَّه سَمِيع﴾ لِأَقْوَالِ عِبَاده ﴿عليم﴾ بأفعالهم
٩ -
﴿وَمِنْ الْأَعْرَاب مَنْ يُؤْمِن بِاَللَّهِ وَالْيَوْم الْآخِر﴾ كَجُهَيْنَة وَمُزَيْنَةَ ﴿وَيَتَّخِذ مَا يُنْفِق﴾ فِي سَبِيل الله ﴿قربات﴾ تقربه ﴿عند الله و﴾ وسيلة إلى ﴿صلوات﴾ دَعَوَات ﴿الرَّسُول﴾ لَهُ ﴿أَلَا إنَّهَا﴾ أَيْ نَفَقَتهمْ ﴿قُرْبَة﴾ بِضَمِّ الرَّاء وَسُكُونهَا ﴿لَهُمْ﴾ عِنْده ﴿سَيُدْخِلُهُمْ اللَّه فِي رَحْمَته﴾ جَنَّته ﴿إنَّ اللَّه غَفُور﴾ لِأَهْلِ طَاعَته ﴿رَحِيم﴾ بِهِمْ
257
١٠ -
258
﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار﴾ وَهُمْ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا أَوْ جَمِيع الصَّحَابَة ﴿وَاَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ﴾ إلَى يَوْم الْقِيَامَة ﴿بِإِحْسَانٍ﴾ فِي الْعَمَل ﴿رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ﴾ بِطَاعَتِهِ ﴿وَرَضُوا عَنْهُ﴾ بِثَوَابِهِ ﴿وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّات تَجْرِي تَحْتهَا الْأَنْهَار﴾ وَفِي قِرَاءَة بزيادة من ﴿خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم﴾
١٠ -
﴿وَمِمَّنْ حَوْلكُمْ﴾ يَا أَهْل الْمَدِينَة ﴿مِنْ الْأَعْرَاب مُنَافِقُونَ﴾ كَأَسْلَم وَأَشْجَع وَغِفَار ﴿وَمِنْ أَهْل الْمَدِينَة﴾ مُنَافِقُونَ أَيْضًا ﴿مَرَدُوا عَلَى النِّفَاق﴾ لَجُّوا فِيهِ واستمروا ﴿لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين﴾ بِالْفَضِيحَةِ أَوْ الْقَتْل فِي الدُّنْيَا وَعَذَاب الْقَبْر ﴿ثُمَّ يُرَدُّونَ﴾ فِي الْآخِرَة ﴿إلَى عَذَاب عَظِيم﴾ هو النار
١٠ -
﴿و﴾ قَوْم ﴿آخَرُونَ﴾ مُبْتَدَأ ﴿اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ﴾ مِنْ التَّخَلُّف نَعْته وَالْخَبَر ﴿خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا﴾ وَهُوَ جِهَادهمْ قَبْل ذَلِكَ أَوْ اعْتِرَافهمْ بِذُنُوبِهِمْ أَوْ غَيْر ذَلِكَ ﴿وَآخَر سَيِّئًا﴾ وَهُوَ تَخَلُّفهمْ ﴿عَسَى اللَّه أَنْ يَتُوب عَلَيْهِمْ إنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم﴾ نَزَلَتْ فِي أَبِي لُبَابَة وَجَمَاعَة أَوْثَقُوا أَنْفُسهمْ فِي سَوَارِي الْمَسْجِد لَمَّا بَلَغَهُمْ مَا نَزَلَ فِي الْمُتَخَلِّفِينَ وَحَلَفُوا لَا يُحِلّهُمْ إلَّا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَلَّهُمْ لَمَّا نزلت
١٠ -
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالهمْ صَدَقَة تُطَهِّرهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ مِنْ ذُنُوبهمْ فَأَخَذَ ثُلُث أَمْوَالهمْ وَتَصَدَّقَ بِهَا ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ أَيْ اُدْعُ لَهُمْ ﴿إنَّ صَلَاتك سكن﴾ رحمة ﴿لهم﴾ وقيل طمأنينة بقبول توبتهم ﴿والله سميع عليم﴾
١٠ -
﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّه هُوَ يَقْبَل التَّوْبَة عن عباده ويأخذ﴾ يقبل ﴿الصَّدَقَات وَأَنَّ اللَّه هُوَ التَّوَّاب﴾ عَلَى عِبَاده بقبول توبتهم ﴿الرحيم﴾ بهم وَالِاسْتِفْهَام لِلتَّقْرِيرِ وَالْقَصْد بِهِ هُوَ تَهْيِيجهمْ إلَى التوبة والصدقة
258
١٠ -
259
﴿وَقُلْ﴾ لَهُمْ أَوْ لِلنَّاسِ ﴿اعْمَلُوا﴾ مَا شِئْتُمْ ﴿فَسَيَرَى اللَّه عَمَلكُمْ وَرَسُوله وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ﴾ بِالْبَعْثِ ﴿إلَى عَالِم الْغَيْب وَالشَّهَادَة﴾ أَيْ اللَّه ﴿فَيُنَبِّئكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ فَيُجَازِيكُمْ بِهِ
١٠ -
﴿وآخرون﴾ من المتخلفين ﴿مرجون﴾ بِالْهَمْزِ وَتَرْكه مُؤَخَّرُونَ عَنْ التَّوْبَة ﴿لِأَمْرِ اللَّه﴾ فِيهِمْ بِمَا يَشَاء ﴿إمَّا يُعَذِّبهُمْ﴾ بِأَنْ يُمِيتهُمْ بِلَا تَوْبَة ﴿وَإِمَّا يَتُوب عَلَيْهِمْ وَاَللَّه عَلِيم﴾ بِخَلْقِهِ ﴿حَكِيم﴾ فِي صُنْعه بِهِمْ وَهُمْ الثَّلَاثَة الْآتُونَ بَعْد مَرَارَة بْن الرَّبِيع وَكَعْب بْن مَالِك وَهِلَال بْن أُمَيَّة تَخَلَّفُوا كَسَلًا وَمَيْلًا إلَى الدَّعَة لَا نِفَاقًا وَلَمْ يَعْتَذِرُوا إلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَغَيْرِهِمْ فَوَقَفَ أَمْرهمْ خَمْسِينَ لَيْلَة وَهَجَرَهُمْ النَّاس حَتَّى نَزَلَتْ توبتهم بعد
١٠ -
﴿و﴾ مِنْهُمْ ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا﴾ وَهُمْ اثْنَا عَشَرَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ ﴿ضِرَارًا﴾ مُضَارَّة لِأَهْلِ مَسْجِد قُبَاءَ ﴿وَكُفْرًا﴾ لِأَنَّهُمْ بَنَوْهُ بِأَمْرِ أَبِي عَامِر الرَّاهِب لِيَكُونَ مَعْقِلًا لَهُ يَقْدُم فِيهِ مَنْ يَأْتِي مِنْ عِنْده وَكَانَ ذَهَبَ لِيَأْتِيَ بِجُنُودٍ مِنْ قَيْصَر لِقِتَالِ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿وَتَفْرِيقًا بَيْن الْمُؤْمِنِينَ﴾ الَّذِينَ يُصَلُّونَ بِقُبَاءَ بِصَلَاةِ بَعْضهمْ فِي مَسْجِدهمْ ﴿وَإِرْصَادًا﴾ تَرَقُّبًا ﴿لِمَنْ حَارَبَ اللَّه وَرَسُوله مِنْ قَبْل﴾ أَيْ قَبْل بِنَائِهِ وَهُوَ أَبُو عَامِر الْمَذْكُور ﴿وَلَيَحْلِفُنَّ إنْ﴾ مَا ﴿أَرَدْنَا﴾ بِبِنَائِهِ ﴿إلَّا﴾ الْفِعْلَة ﴿الْحُسْنَى﴾ مِنْ الرِّفْق بِالْمِسْكِينِ فِي الْمَطَر وَالْحَرّ وَالتَّوْسِعَة عَلَى الْمُسْلِمِينَ ﴿وَاَللَّه يَشْهَد إنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ فِي ذَلِكَ وَكَانُوا سَأَلُوا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّي فِيهِ فَنَزَلَ
259
١٠ -
260
﴿لَا تَقُمْ﴾ تُصَلِّ ﴿فِيهِ أَبَدًا﴾ فَأَرْسَلَ جَمَاعَة هَدَمُوهُ وَحَرَّقُوهُ وَجَعَلُوا مَكَانه كُنَاسَة تُلْقَى فِيهَا الْجِيَف ﴿لَمَسْجِد أُسِّسَ﴾ بُنِيَتْ قَوَاعِده ﴿عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّل يَوْم﴾ وُضِعَ يَوْم حَلَلْت بِدَارِ الْهِجْرَة وَهُوَ مَسْجِد قُبَاءَ كَمَا فِي الْبُخَارِيّ ﴿أَحَقّ﴾ مِنْهُ ﴿أَنْ﴾ أَيْ بِأَنْ ﴿تَقُوم﴾ تُصَلِّي ﴿فِيهِ فِيهِ رِجَال﴾ هُمْ الْأَنْصَار ﴿يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاَللَّه يُحِبّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ أَيْ يُثِيبهُمْ فِيهِ إدْغَام التَّاء فِي الْأَصْل فِي الطَّاء رَوَى بن خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحه عَنْ عُوَيْمِر بْن سَاعِدَة أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُمْ فِي مَسْجِد قُبَاءَ فَقَالَ إنَّ اللَّه تَعَالَى قَدْ أَحْسَنَ عَلَيْكُمْ الثَّنَاء فِي الطَّهُور فِي قِصَّة مَسْجِدكُمْ فَمَا هَذَا الطَّهُور الَّذِي تَطَّهَّرُونَ بِهِ قَالُوا وَاَللَّه يَا رَسُول اللَّه مَا نَعْلَم شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ كَانَ لَنَا جِيرَان مِنْ الْيَهُود وَكَانُوا يَغْسِلُونَ أَدْبَارهمْ مِنْ الْغَائِط فَغَسَلْنَا كَمَا غَسَلُوا وَفِي حَدِيث رَوَاهُ الْبَزَّار فَقَالُوا نَتْبَع الْحِجَارَة بِالْمَاءِ فَقَالَ هُوَ ذَاكَ فَعَلَيْكُمُوهُ
١٠ -
﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانه عَلَى تَقْوَى﴾ مَخَافَة ﴿مِنْ اللَّه وَ﴾ رَجَاء ﴿رِضْوَان﴾ مِنْهُ ﴿خَيْر أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانه عَلَى شَفَا﴾ طَرَف ﴿جُرُف﴾ بِضَمِّ الرَّاء وَسُكُونهَا جَانِب ﴿هَار﴾ مُشْرِف عَلَى السُّقُوط ﴿فَانْهَارَ بِهِ﴾ سَقَطَ مَعَ بَانِيه ﴿فِي نَار جَهَنَّم﴾ خَيْر تَمْثِيل لِلْبِنَاءِ عَلَى ضِدّ التَّقْوَى بِمَا يُؤَوَّل إلَيْهِ وَالِاسْتِفْهَام لِلتَّقْرِيرِ أَيْ الْأَوَّل خَيْر وَهُوَ مِثَال مَسْجِد قُبَاءَ وَالثَّانِي مثال مسجد الضرار ﴿والله لا يهدي القوم الظالمين﴾
١١ -
﴿لَا يَزَال بُنْيَانُهُمْ الَّذِي بَنَوْا رِيبَة﴾ شَكًّا ﴿فِي قُلُوبهمْ إلَّا أَنْ تَقَطَّعَ﴾ تَنْفَصِل ﴿قُلُوبهمْ﴾ بِأَنْ يَمُوتُوا ﴿وَاَللَّه عَلِيم﴾ بِخَلْقِهِ ﴿حَكِيم﴾ فِي صنعه بهم
260
١١ -
261
﴿إنَّ اللَّه اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسهمْ وَأَمْوَالهمْ﴾ بِأَنْ يَبْذُلُوهَا فِي طَاعَته كَالْجِهَادِ ﴿بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّة يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيل اللَّه فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ﴾ جُمْلَة اسْتِئْنَاف بَيَان لِلشِّرَاءِ وَفِي قِرَاءَة بِتَقْدِيمِ الْمَبْنِيّ لِلْمَفْعُولِ أَيْ فَيُقْتَل بَعْضهمْ وَيُقَاتِل الْبَاقِي ﴿وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا﴾ مَصْدَرَانِ مَنْصُوبَانِ بِفِعْلِهِمَا الْمَحْذُوف ﴿فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّه﴾ أَيْ لَا أَحَد أَوْفَى مِنْهُ ﴿فَاسْتَبْشِرُوا﴾ فِيهِ الْتِفَات عَنْ الْغَيْبَة ﴿بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِك﴾ الْبَيْع ﴿هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم﴾ الْمُنِيل غَايَة الْمَطْلُوب
١١ -
﴿التَّائِبُونَ﴾ رُفِعَ عَلَى الْمَدْح بِتَقْدِيرِ مُبْتَدَأ مِنْ الشِّرْك وَالنِّفَاق ﴿الْعَابِدُونَ﴾ الْمُخْلِصُونَ الْعِبَادَة لِلَّهِ ﴿الْحَامِدُونَ﴾ لَهُ عَلَى كُلّ حَال ﴿السَّائِحُونَ﴾ الصَّائِمُونَ ﴿الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ﴾ أَيْ الْمُصَلُّونَ ﴿الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنْكَر وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّه﴾ لِأَحْكَامِهِ بِالْعَمَلِ بِهَا ﴿وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ﴾ بِالْجَنَّةِ
١١ -
وَنَزَلَ فِي اسْتِغْفَاره صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعمه أبي طالب واستغفار بَعْض الصَّحَابَة لِأَبَوَيْهِ الْمُشْرِكَيْنِ ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أولي قربى﴾ ذوي قرابة ﴿مِنْ بَعْد مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَاب الْجَحِيم﴾ النَّار بِأَنْ مَاتُوا عَلَى الْكُفْر
١١ -
﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَار إبْرَاهِيم لِأَبِيهِ إلَّا عَنْ مَوْعِدَة وَعَدَهَا إيَّاهُ﴾ بِقَوْلِهِ سَأَسْتَغْفِرُ لَك رَبِّي رَجَاء أَنْ يُسْلِم ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوّ لِلَّهِ﴾ بِمَوْتِهِ عَلَى الْكُفْر ﴿تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ وَتَرَكَ الِاسْتِغْفَار لَهُ ﴿إنَّ إبْرَاهِيم لَأَوَّاه﴾ كَثِير التَّضَرُّع وَالدُّعَاء ﴿حَلِيم﴾ صَبُور عَلَى الْأَذَى
١١ -
﴿وَمَا كَانَ اللَّه لِيُضِلّ قَوْمًا بَعْد إذْ هَدَاهُمْ﴾ لِلْإِسْلَامِ ﴿حَتَّى يُبَيِّن لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ﴾ مِنْ الْعَمَل فَلَا يَتَّقُوهُ فَيَسْتَحِقُّوا الْإِضْلَال ﴿إنَّ اللَّه بِكُلِّ شَيْء عَلِيم﴾ وَمِنْهُ مُسْتَحِقّ الْإِضْلَال والهداية
261
١١ -
262
﴿إن الله له ملك السماوات وَالْأَرْض يُحْيِي وَيُمِيت وَمَا لَكُمْ﴾ أَيّهَا النَّاس ﴿مِنْ دُون اللَّه﴾ أَيْ غَيْره ﴿مِنْ وَلِيّ﴾ يَحْفَظكُمْ مِنْهُ ﴿وَلَا نَصِير﴾ يَمْنَعكُمْ عَنْ ضَرَره
١١ -
﴿لَقَدْ تَابَ اللَّه﴾ أَيْ أَدَامَ تَوْبَته ﴿عَلَى النَّبِيّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَار الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَة الْعُسْرَة﴾ أَيْ وَقْتهَا وَهِيَ حَالهمْ فِي غَزْوَة تَبُوك كَانَ الرَّجُلَانِ يَقْتَسِمَانِ تَمْرَة وَالْعَشَرَة يَعْتَقِبُونَ الْبَعِير الْوَاحِد وَاشْتَدَّ الْحَرّ حَتَّى شَرِبُوا الْفَرْث ﴿مِنْ بَعْد مَا كَادَ يَزِيغ﴾ بِالتَّاءِ وَالْيَاء تَمِيل ﴿قُلُوب فَرِيق مِنْهُمْ﴾ عَنْ اتِّبَاعه إلَى التَّخَلُّف لِمَا هُمْ فِيهِ مِنْ الشِّدَّة ﴿ثُمَّ تاب عليهم﴾ بالثبات ﴿إنه بهم رءوف رحيم﴾
١١ -
﴿وَ﴾ تَابَ ﴿عَلَى الثَّلَاثَة الَّذِينَ خُلِّفُوا﴾ عَنْ التَّوْبَة عَلَيْهِمْ بِقَرِينَةِ ﴿حَتَّى إذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الْأَرْض بِمَا رَحُبَتْ﴾ أَيْ مَعَ رَحْبهَا أَيْ سِعَتهَا فَلَا يَجِدُونَ مَكَانًا يَطْمَئِنُّونَ إلَيْهِ ﴿وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسهمْ﴾ قُلُوبهمْ لِلْغَمِّ وَالْوَحْشَة بِتَأْخِيرِ تَوْبَتهمْ فَلَا يَسَعهَا سُرُور وَلَا أُنْس ﴿وَظَنُّوا﴾ أَيْقَنُوا ﴿أَنْ﴾ مُخَفَّفَة ﴿لَا مَلْجَأ مِنْ اللَّه إلَّا إليه ثم تاب عليهم﴾ وفقهم للتوبة ﴿ليتوبوا إن الله هو التواب الرحيم﴾
١١ -
﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّه﴾ بِتَرْكِ مَعَاصِيه ﴿وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين﴾
فِي الْإِيمَان وَالْعُهُود بِأَنْ تَلْزَمُوا الصدق
262
١٢ -
263
﴿مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَة وَمَنْ حَوْلهمْ مِنْ الْأَعْرَاب أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُول اللَّه﴾ إذَا غَزَا ﴿وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسه﴾ بِأَنْ يَصُونُوهَا عَمَّا رَضِيَهُ لِنَفْسِهِ مِنْ الشَّدَائِد وَهُوَ نَهْي بِلَفْظِ الْخَبَر ﴿ذَلِكَ﴾ أَيْ النَّهْي عَنْ التَّخَلُّف ﴿بِأَنَّهُمْ﴾ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ ﴿لَا يُصِيبهُمْ ظَمَأ﴾ عَطَش ﴿وَلَا نَصَب﴾ تَعَب ﴿وَلَا مَخْمَصَة﴾ جُوع ﴿فِي سَبِيل اللَّه وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا﴾ مَصْدَر بمعنى وطأ ﴿يَغِيظ﴾ يُغْضِب ﴿الْكُفَّار وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوّ﴾ لِلَّهِ ﴿نَيْلًا﴾ قَتْلًا أَوْ أَسْرًا أَوْ نَهْبًا ﴿إلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَل صَالِح﴾ لِيُجَازَوْا عَلَيْهِ ﴿إنَّ اللَّه لَا يُضِيع أَجْر الْمُحْسِنِينَ﴾ أَيْ أَجْرهمْ بَلْ يُثِيبهُمْ
١٢ -
﴿وَلَا يُنْفِقُونَ﴾ فِيهِ ﴿نَفَقَة صَغِيرَة﴾ وَلَوْ تَمْرَة ﴿وَلَا كَبِيرَة وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا﴾ بِالسَّيْرِ ﴿إلَّا كُتِبَ لَهُمْ﴾ بِهِ عَمَل صَالِح ﴿لِيَجْزِيَهُمْ اللَّه أَحْسَن مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ أَيْ جَزَاءَهُمْ
١٢ -
وَلَمَّا وُبِّخُوا عَلَى التَّخَلُّف وَأَرْسَلَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّة نَفَرُوا جَمِيعًا فَنَزَلَ ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا﴾ إلَى الْغَزْو ﴿كَافَّة فَلَوْلَا﴾ فَهَلَّا ﴿نَفَرَ مِنْ كُلّ فِرْقَة﴾ قَبِيلَة ﴿مِنْهُمْ طَائِفَة﴾ جَمَاعَة وَمَكَثَ الْبَاقُونَ ﴿لِيَتَفَقَّهُوا﴾ أَيْ الْمَاكِثُونَ ﴿فِي الدِّين وَلِيُنْذِرُوا قَوْمهمْ إذَا رَجَعُوا إلَيْهِمْ﴾ مِنْ الْغَزْو بِتَعْلِيمِهِمْ مَا تَعَلَّمُوهُ مِنْ الْأَحْكَام ﴿لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ عِقَاب اللَّه بِامْتِثَالِ أَمْره ونهيه قال بن عَبَّاس فَهَذِهِ مَخْصُوصَة بِالسَّرَايَا وَاَلَّتِي قَبْلهَا بِالنَّهْيِ عَنْ تَخَلُّف وَاحِد فِيمَا إذَا خَرَجَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم
١٢ -
﴿يأيها الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنْ الْكُفَّار﴾ أَيْ الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب مِنْهُمْ ﴿وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَة﴾ شِدَّة أَيْ أَغْلِظُوا عَلَيْهِمْ ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ بِالْعَوْنِ وَالنَّصْر
263
١٢ -
264
﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَة﴾ مِنْ الْقُرْآن ﴿فَمِنْهُمْ﴾ أَيْ الْمُنَافِقِينَ ﴿مَنْ يَقُول﴾ لِأَصْحَابِهِ اسْتِهْزَاء ﴿أَيّكُمْ زادته هذه إيمانا﴾ تصديقا قال تعالى ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إيمَانًا﴾ لِتَصْدِيقِهِمْ بِهَا ﴿وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ يَفْرَحُونَ بِهَا
١٢ -
﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض﴾ ضَعْف اعْتِقَاد ﴿فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إلَى رِجْسهمْ﴾ كُفْرًا إلَى كُفْرهمْ لكفرهم بها ﴿وماتوا وهم كافرون﴾
١٢ -
﴿أَوَلَا يَرَوْنَ﴾ بِالْيَاءِ أَيْ الْمُنَافِقُونَ وَالتَّاء أَيّهَا الْمُؤْمِنُونَ ﴿أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ﴾ يُبْتَلَوْنَ ﴿فِي كُلّ عَام مَرَّة أَوْ مَرَّتَيْنِ﴾ بِالْقَحْطِ وَالْأَمْرَاض ﴿ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ﴾ مِنْ نِفَاقهمْ ﴿وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ يَتَّعِظُونَ
١٢ -
﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَة﴾ فِيهَا ذِكْرهمْ وَقَرَأَهَا النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿نَظَرَ بَعْضهمْ إلَى بَعْض﴾ يُرِيدُونَ الْهَرَب يَقُولُونَ ﴿هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَد﴾ إذَا قُمْتُمْ فَإِنْ لَمْ يَرَهُمْ أَحَد قَامُوا وَإِلَّا ثَبَتُوا ﴿ثُمَّ انْصَرَفُوا﴾ عَلَى كُفْرهمْ ﴿صَرَفَ اللَّه قُلُوبهمْ﴾ عَنْ الْهُدَى ﴿بِأَنَّهُمْ قَوْم لَا يَفْقَهُونَ﴾ الْحَقّ لِعَدَمِ تَدَبُّرهمْ
١٢ -
﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُول مِنْ أَنْفُسكُمْ﴾ أَيْ مِنْكُمْ مُحَمَّد صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ﴿عَزِيز﴾ شَدِيد ﴿عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ﴾ أَيْ عَنَتكُمْ أَيْ مَشَقَّتكُمْ وَلِقَاؤُكُمْ الْمَكْرُوه ﴿حَرِيص عَلَيْكُمْ﴾ أَنْ تَهْتَدُوا ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوف﴾ شَدِيد الرَّحْمَة ﴿رَحِيم﴾ يُرِيد لَهُمْ الْخَيْر
264
١٢ -
265
﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ عَنْ الْإِيمَان بِك ﴿فَقُلْ حَسْبِي﴾ كافي ﴿الله لَا إلَه إلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْت﴾ بِهِ وَثِقْت لَا بِغَيْرِهِ ﴿وَهُوَ رَبّ الْعَرْش﴾ الْكُرْسِيّ ﴿الْعَظِيم﴾ خَصَّهُ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَعْظَم الْمَخْلُوقَات وَرَوَى الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرَك عَنْ أُبَيّ بْن كَعْب قَالَ آخِر آيَة نَزَلَتْ ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُول﴾ إلى آخر السورة = ١٠ سورة يونس

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة التوبة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (التَّوْبةِ) ارتبَطتِ ارتباطًا وثيقًا بسورة (الأنفال)، حتى ظنَّ بعضُ الصَّحابة أنهما سورةٌ واحدة؛ فقد أكمَلتِ الحديثَ عن أحكام الحرب والأَسْرى. وسُمِّيتْ بـ (الفاضحةِ)؛ لأنها فضَحتْ سرائرَ المنافقين، وأحوالَهم، وصفاتِهم. وقد نزَلتْ سورة (التَّوْبةِ) في غزوتَيْ (حُنَينٍ)، و(تَبُوكَ). وأعلَنتْ هذه السورةُ البراءةَ من الشركِ والمشركين وأفعالهم، وبيَّنتْ أحكامَ المواثيق والعهود مع المشركين، معلِنةً في خاتمتها التوبةَ على مَن تاب وتخلَّف من الصحابة - رضي الله عنهم - عن الغزوِ: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوٓاْۚ} [التوبة: 118].

ترتيبها المصحفي
9
نوعها
مدنية
ألفاظها
2505
ترتيب نزولها
113
العد المدني الأول
130
العد المدني الأخير
130
العد البصري
130
العد الكوفي
129
العد الشامي
130

تعلَّقتْ سورةُ (التوبة) بأحداثٍ كثيرة، وهي (الفاضحةُ)؛ لذا صحَّ في أسبابِ نزولها الكثيرُ؛ من ذلك:

* قوله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ اْلْحَآجِّ وَعِمَارَةَ اْلْمَسْجِدِ اْلْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِاْللَّهِ وَاْلْيَوْمِ اْلْأٓخِرِ وَجَٰهَدَ فِي سَبِيلِ اْللَّهِۚ لَا يَسْتَوُۥنَ عِندَ اْللَّهِۗ وَاْللَّهُ لَا يَهْدِي اْلْقَوْمَ اْلظَّٰلِمِينَ} [التوبة: 19]:

عن النُّعمانِ بن بشيرٍ رضي الله عنهما، قال: «كنتُ عند مِنبَرِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال رجُلٌ: ما أُبالي ألَّا أعمَلَ عمَلًا بعد الإسلامِ إلا أن أَسقِيَ الحاجَّ، وقال آخَرُ: ما أُبالي ألَّا أعمَلَ عمَلًا بعد الإسلامِ إلا أن أعمُرَ المسجدَ الحرامَ، وقال آخَرُ: الجهادُ في سبيلِ اللهِ أفضَلُ ممَّا قُلْتم، فزجَرَهم عُمَرُ، وقال: لا تَرفَعوا أصواتَكم عند مِنبَرِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وهو يومُ الجمعةِ، ولكن إذا صلَّيْتُ الجمعةَ دخَلْتُ فاستفتَيْتُه فيما اختلَفْتم فيه؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ اْلْحَآجِّ} [التوبة: 19] الآيةَ إلى آخِرِها». أخرجه مسلم (١٨٧٩).

* قوله تعالى: {اْلَّذِينَ يَلْمِزُونَ اْلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ فِي اْلصَّدَقَٰتِ وَاْلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} [التوبة: 79]:

عن أبي مسعودٍ عُقْبةَ بن عمرٍو رضي الله عنه، قال: «لمَّا نزَلتْ آيةُ الصَّدقةِ كنَّا نُحامِلُ، فجاءَ رجُلٌ فتصدَّقَ بشيءٍ كثيرٍ، فقالوا: مُرائي، وجاءَ رجُلٌ فتصدَّقَ بصاعٍ، فقالوا: إنَّ اللهَ لَغنيٌّ عن صاعِ هذا؛ فنزَلتِ: {اْلَّذِينَ يَلْمِزُونَ اْلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ فِي اْلصَّدَقَٰتِ وَاْلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} [التوبة: 79] الآية». أخرجه البخاري (١٤١٥).

* قوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِۦٓۖ} [التوبة: 84]:

عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: «أنَّ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ لمَّا تُوُفِّيَ جاءَ ابنُه إلى النبيِّ ﷺ، فقال: يا رسولَ اللهِ، أعطِني قميصَك أُكفِّنْهُ فيه، وصَلِّ عليه، واستغفِرْ له، فأعطاه النبيُّ ﷺ قميصَه، فقال: آذِنِّي أُصلِّي عليه، فآذَنَه، فلمَّا أراد أن يُصلِّيَ عليه جذَبَه عُمَرُ رضي الله عنه، فقال: أليس اللهُ نهاك أن تُصلِّيَ على المنافِقين؟ فقال: أنا بين خِيرَتَينِ، قال: {اْسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةٗ فَلَن يَغْفِرَ اْللَّهُ لَهُمْۚ} [التوبة: 80]، فصلَّى عليه؛ فنزَلتْ: {وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِۦٓۖ} [التوبة: 84]». أخرجه البخاري (١٢٦٩).

* قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ مِنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَٰبُ اْلْجَحِيمِ} [التوبة: 113]:

عن المسيَّبِ بن حَزْنٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا حضَرتْ أبا طالبٍ الوفاةُ جاءَه رسولُ اللهِ ﷺ، فوجَدَ عنده أبا جهلٍ، وعبدَ اللهِ بنَ أبي أُمَيَّةَ بنِ المُغيرةِ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «يا عَمِّ، قُلْ: لا إلهَ إلا اللهُ، كلمةً أشهَدُ لك بها عند اللهِ»، فقال أبو جهلٍ وعبدُ اللهِ بنُ أبي أُمَيَّةَ: يا أبا طالبٍ، أتَرغَبُ عن مِلَّةِ عبدِ المطَّلِبِ؟ فلَمْ يَزَلْ رسولُ اللهِ ﷺ يَعرِضُها عليه، ويُعِيدُ له تلك المقالةَ، حتى قال أبو طالبٍ آخِرَ ما كلَّمهم: هو على مِلَّةِ عبدِ المطَّلِبِ، وأبى أن يقولَ: لا إلهَ إلا اللهُ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «أمَا واللهِ لَأستغفِرَنَّ لك ما لم أُنْهَ عنك»؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ مِنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَٰبُ اْلْجَحِيمِ} [التوبة: 113]». أخرجه مسلم (٢٤).

* قوله تعالى: {وَعَلَى اْلثَّلَٰثَةِ اْلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰٓ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ اْلْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوٓاْ أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اْللَّهِ إِلَّآ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوٓاْۚ إِنَّ اْللَّهَ هُوَ اْلتَّوَّابُ اْلرَّحِيمُ} [التوبة: 118]:

نزَلتْ في (كعبِ بن مالكٍ)، و(مُرَارةَ بنِ الرَّبيعِ)، و(هلالِ بنِ أُمَيَّةَ).

والحديثُ يَروِيه عبدُ اللهِ بن كعبٍ، عن أبيه كعبِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «لم أتخلَّفْ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في غزوةٍ غزاها قطُّ، إلا في غزوةِ تَبُوكَ، غيرَ أنِّي قد تخلَّفْتُ في غزوةِ بَدْرٍ، ولم يُعاتِبْ أحدًا تخلَّفَ عنه، إنَّما خرَجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم والمسلمون يُريدون عِيرَ قُرَيشٍ، حتى جمَعَ اللهُ بَيْنهم وبين عدوِّهم على غيرِ ميعادٍ، ولقد شَهِدتُّ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ليلةَ العَقَبةِ، حِينَ تواثَقْنا على الإسلامِ، وما أُحِبُّ أنَّ لي بها مَشهَدَ بَدْرٍ، وإن كانت بَدْرٌ أذكَرَ في الناسِ منها، وكان مِن خَبَري حِينَ تخلَّفْتُ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في غزوةِ تَبُوكَ: أنِّي لم أكُنْ قطُّ أقوى ولا أيسَرَ منِّي حِينَ تخلَّفْتُ عنه في تلك الغزوةِ، واللهِ ما جمَعْتُ قَبْلها راحلتَينِ قطُّ، حتى جمَعْتُهما في تلك الغزوةِ، فغزَاها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في حَرٍّ شديدٍ، واستقبَلَ سفَرًا بعيدًا ومَفازًا، واستقبَلَ عدوًّا كثيرًا، فجَلَا للمسلمين أمْرَهم لِيتأهَّبوا أُهْبةَ غَزْوِهم، فأخبَرَهم بوجهِهم الذي يريدُ، والمسلمون مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كثيرٌ، ولا يَجمَعُهم كتابٌ حافظٌ، يريدُ بذلك الدِّيوانَ، قال كعبٌ: فقَلَّ رجُلٌ يريدُ أن يَتغيَّبَ، يظُنُّ أنَّ ذلك سيَخفَى له، ما لم يَنزِلْ فيه وَحْيٌ مِن اللهِ عز وجل، وغزَا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تلك الغزوةَ حِينَ طابتِ الثِّمارُ والظِّلالُ، فأنا إليها أصعَرُ، فتجهَّزَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، وطَفِقْتُ أغدو لكي أتجهَّزَ معهم، فأرجِعُ ولم أقضِ شيئًا، وأقولُ في نفسي: أنا قادرٌ على ذلك إذا أرَدتُّ، فلم يَزَلْ ذلك يَتمادى بي حتى استمَرَّ بالناسِ الجِدُّ، فأصبَحَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم غاديًا والمسلمون معه، ولم أقضِ مِن جَهازي شيئًا، ثم غدَوْتُ فرجَعْتُ ولم أقضِ شيئًا، فلم يَزَلْ ذلك يَتمادى بي حتى أسرَعوا، وتفارَطَ الغَزْوُ، فهمَمْتُ أن أرتحِلَ فأُدرِكَهم، فيا لَيْتني فعَلْتُ، ثم لم يُقدَّرْ ذلك لي، فطَفِقْتُ إذا خرَجْتُ في الناسِ بعد خروجِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يحزُنُني أنِّي لا أرى لي أُسْوةً إلا رجُلًا مغموصًا عليه في النِّفاقِ، أو رجُلًا ممَّن عذَرَ اللهُ مِن الضُّعفاءِ، ولم يذكُرْني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حتى بلَغَ تَبُوكَ، فقال وهو جالسٌ في القومِ بتَبُوكَ: «ما فعَلَ كعبُ بنُ مالكٍ؟»، قال رجُلٌ مِن بَني سَلِمةَ: يا رسولَ اللهِ، حبَسَه بُرْداه والنَّظرُ في عِطْفَيهِ، فقال له مُعاذُ بنُ جبلٍ: بئسَ ما قلتَ، واللهِ يا رسولَ اللهِ، ما عَلِمْنا عليه إلا خيرًا، فسكَتَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فبينما هو على ذلك، رأى رجُلًا مُبيِّضًا، يزُولُ به السَّرابُ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كُنْ أبا خَيْثمةَ»، فإذا هو أبو خَيْثمةَ الأنصاريُّ، وهو الذي تصدَّقَ بصاعِ التَّمْرِ حِينَ لمَزَه المنافِقون».

فقال كعبُ بن مالكٍ: فلمَّا بلَغَني أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قد توجَّهَ قافلًا مِن تَبُوكَ، حضَرَني بَثِّي، فطَفِقْتُ أتذكَّرُ الكَذِبَ وأقولُ: بِمَ أخرُجُ مِن سَخَطِه غدًا؟ وأستعينُ على ذلك كلَّ ذي رأيٍ مِن أهلي، فلمَّا قيل لي: إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قد أظَلَّ قادمًا، زاحَ عنِّي الباطلُ، حتى عرَفْتُ أنِّي لن أنجوَ منه بشيءٍ أبدًا، فأجمَعْتُ صِدْقَه، وصبَّحَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قادمًا، وكان إذا قَدِمَ مِن سَفَرٍ، بدَأَ بالمسجدِ فركَعَ فيه ركعتَينِ، ثم جلَسَ للناسِ، فلمَّا فعَلَ ذلك جاءه المخلَّفون، فطَفِقوا يَعتذِرون إليه، ويَحلِفون له، وكانوا بِضْعةً وثمانين رجُلًا، فقَبِلَ منهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم علانيتَهم، وبايَعَهم، واستغفَرَ لهم، ووكَلَ سرائرَهم إلى اللهِ، حتى جئتُ، فلمَّا سلَّمْتُ تبسَّمَ تبسُّمَ المُغضَبِ، ثم قال: «تعالَ»، فجئتُ أمشي حتى جلَسْتُ بين يدَيهِ، فقال لي: «ما خلَّفَك؟ ألم تكُنْ قد ابتَعْتَ ظَهْرَك؟»، قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنِّي واللهِ لو جلَسْتُ عند غيرِك مِن أهلِ الدُّنيا، لَرأَيْتُ أنِّي سأخرُجُ مِن سَخَطِه بعُذْرٍ، ولقد أُعطِيتُ جدَلًا، ولكنِّي واللهِ لقد عَلِمْتُ، لَئِنْ حدَّثْتُك اليومَ حديثَ كَذِبٍ تَرضَى به عنِّي، لَيُوشِكَنَّ اللهُ أن يُسخِطَك عليَّ، ولَئِنْ حدَّثْتُك حديثَ صِدْقٍ تجدُ عليَّ فيه، إنِّي لَأرجو فيه عُقْبى اللهِ، واللهِ ما كان لي عُذْرٌ، واللهِ ما كنتُ قطُّ أقوى ولا أيسَرَ منِّي حين تخلَّفْتُ عنك، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أمَّا هذا فقد صدَقَ؛ فقُمْ حتى يَقضِيَ اللهُ فيك»، فقُمْتُ، وثارَ رجالٌ مِن بَني سَلِمةَ فاتَّبَعوني، فقالوا لي: واللهِ ما عَلِمْناك أذنَبْتَ ذَنْبًا قبل هذا، لقد عجَزْتَ في ألَّا تكونَ اعتذَرْتَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بما اعتذَرَ به إليه المخلَّفون، فقد كان كافيَك ذَنْبَك استغفارُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لك، قال: فواللهِ ما زالوا يُؤنِّبوني حتى أرَدتُّ أن أرجِعَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأُكذِّبَ نفسي، قال: ثم قلتُ لهم: هل لَقِيَ هذا معي مِن أحدٍ؟ قالوا: نَعم، لَقِيَه معك رجُلانِ، قالا مِثْلَ ما قلتَ، فقيل لهما مثلُ ما قيل لك، قال: قلتُ: مَن هما؟ قالوا: مُرَارةُ بنُ الرَّبيعِ العامريُّ، وهِلالُ بنُ أُمَيَّةَ الواقِفيُّ، قال: فذكَروا لي رجُلَينِ صالحَينِ قد شَهِدا بَدْرًا، فيهما أُسْوةٌ، قال: فمضَيْتُ حين ذكَروهما لي.

قال: ونهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامِنا - أيُّها الثلاثةُ - مِن بَيْنِ مَن تخلَّفَ عنه.

قال: فاجتنَبَنا الناسُ، وقال: تغيَّروا لنا، حتى تنكَّرتْ لي في نفسي الأرضُ، فما هي بالأرضِ التي أعرِفُ، فلَبِثْنا على ذلك خَمْسين ليلةً، فأمَّا صاحبايَ فاستكانا وقعَدا في بيوتِهما يَبكيانِ، وأمَّا أنا فكنتُ أشَبَّ القومِ وأجلَدَهم، فكنتُ أخرُجُ فأشهَدُ الصَّلاةَ، وأطُوفُ في الأسواقِ، ولا يُكلِّمُني أحدٌ، وآتي رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأُسلِّمُ عليه وهو في مَجلِسِه بعد الصَّلاةِ، فأقولُ في نفسي: هل حرَّكَ شَفَتَيهِ برَدِّ السلامِ أم لا؟ ثم أُصلِّي قريبًا منه، وأُسارِقُه النَّظرَ، فإذا أقبَلْتُ على صلاتي نظَرَ إليَّ، وإذا التفَتُّ نحوَه أعرَضَ عنِّي، حتى إذا طالَ ذلك عليَّ مِن جَفْوةِ المسلمين، مشَيْتُ حتى تسوَّرْتُ جدارَ حائطِ أبي قَتادةَ، وهو ابنُ عَمِّي، وأحَبُّ الناسِ إليَّ، فسلَّمْتُ عليه، فواللهِ ما رَدَّ عليَّ السلامَ، فقلتُ له: يا أبا قَتادةَ، أنشُدُك باللهِ هل تَعلَمَنَّ أنِّي أُحِبُّ اللهَ ورسولَه؟ قال: فسكَتَ، فعُدتُّ فناشَدتُّه، فسكَتَ، فعُدتُّ فناشَدتُّه، فقال: اللهُ ورسولُهُ أعلَمُ، ففاضت عينايَ، وتولَّيْتُ حتى تسوَّرْتُ الجدارَ.

فبَيْنا أنا أمشي في سوقِ المدينةِ، إذا نَبَطيٌّ مِن نََبَطِ أهلِ الشامِ، ممَّن قَدِمَ بالطعامِ يَبِيعُه بالمدينةِ، يقولُ: مَن يدُلُّ على كعبِ بن مالكٍ؟ قال: فطَفِقَ الناسُ يُشيرون له إليَّ، حتى جاءَني، فدفَعَ إليَّ كتابًا مِن مَلِكِ غسَّانَ، وكنتُ كاتبًا، فقرَأْتُه، فإذا فيه: أمَّا بعدُ، فإنَّه قد بلَغَنا أنَّ صاحِبَك قد جفَاك، ولم يَجعَلْك اللهُ بدارِ هوانٍ ولا مَضِيعةٍ، فالحَقْ بنا نُواسِك، قال: فقلتُ حين قرَأْتُها: وهذه أيضًا مِن البلاءِ، فتيامَمْتُ بها التَّنُّورَ، فسجَرْتُها بها.

حتى إذا مضَتْ أربعون مِن الخَمْسين، واستلبَثَ الوَحْيُ؛ إذا رسولُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يأتيني، فقال: إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يأمُرُك أن تعتزِلَ امرأتَك، قال: فقلتُ: أُطلِّقُها أم ماذا أفعَلُ؟ قال: لا، بل اعتزِلْها، فلا تَقرَبَنَّها، قال: فأرسَلَ إلى صاحِبَيَّ بمِثْلِ ذلك، قال: فقلتُ لامرأتي: الحَقِي بأهلِكِ فكُوني عندهم حتى يَقضِيَ اللهُ في هذا الأمرِ، قال: فجاءت امرأةُ هلالِ بنِ أُمَيَّةَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالت له: يا رسولَ اللهِ، إنَّ هلالَ بنَ أُمَيَّةَ شيخٌ ضائعٌ ليس له خادمٌ، فهل تَكرَهُ أن أخدُمَه؟ قال: لا، ولكن لا يَقرَبَنَّكِ، فقالت: إنَّه واللهِ ما به حركةٌ إلى شيءٍ، وواللهِ ما زالَ يَبكي منذ كان مِن أمرِه ما كان إلى يومِه هذا، قال: فقال لي بعضُ أهلي: لو استأذَنْتَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في امرأتِك؟ فقد أَذِنَ لامرأةِ هلالِ بنِ أُمَيَّةَ أن تخدُمَه، قال: فقلتُ: لا أستأذِنُ فيها رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وما يُدرِيني ماذا يقولُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا استأذَنْتُه فيها، وأنا رجُلٌ شابٌّ، قال: فلَبِثْتُ بذلك عَشْرَ ليالٍ، فكمَلَ لنا خمسون ليلةً مِن حِينَ نُهِيَ عن كلامِنا، قال: ثم صلَّيْتُ صلاةَ الفجرِ صباحَ خَمْسين ليلةً على ظَهْرِ بيتٍ مِن بيوتِنا، فبَيْنا أنا جالسٌ على الحالِ التي ذكَرَ اللهُ عز وجل منَّا، قد ضاقَتْ عليَّ نفسي، وضاقَتْ عليَّ الأرضُ بما رحُبَتْ؛ سَمِعْتُ صوتَ صارخٍ أوفَى على سَلْعٍ، يقولُ بأعلى صوتِه: يا كعبُ بنَ مالكٍ، أبشِرْ، قال: فخرَرْتُ ساجدًا، وعرَفْتُ أنْ قد جاء فَرَجٌ.

قال: فآذَنَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الناسَ بتوبةِ اللهِ علينا حِينَ صلَّى صلاةَ الفجرِ، فذهَبَ الناسُ يُبشِّروننا، فذهَبَ قِبَلَ صاحَبَيَّ مبشِّرون، وركَضَ رجُلٌ إليَّ فرَسًا، وسعى ساعٍ مِن أسلَمَ قِبَلي، وأوفى الجبلَ، فكان الصوتُ أسرَعَ مِن الفرَسِ، فلمَّا جاءني الذي سَمِعْتُ صوتَه يُبشِّرُني، فنزَعْتُ له ثَوْبَيَّ، فكسَوْتُهما إيَّاه ببِشارتِه، واللهِ ما أملِكُ غيرَهما يومَئذٍ، واستعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فلَبِسْتُهما، فانطلَقْتُ أتأمَّمُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَتلقَّاني الناسُ فوجًا فوجًا، يُهنِّئوني بالتوبةِ، ويقولون: لِتَهْنِئْكُ توبةُ اللهِ عليك، حتى دخَلْتُ المسجدَ، فإذا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جالسٌ في المسجدِ، وحَوْله الناسُ، فقام طَلْحةُ بنُ عُبَيدِ اللهِ يُهَروِلُ حتى صافَحَني وهنَّأني، واللهِ ما قامَ رجُلٌ مِن المهاجِرين غيرُه.

قال: فكان كعبٌ لا يَنساها لطَلْحةَ.

قال كعبٌ: فلمَّا سلَّمْتُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال وهو يبرُقُ وجهُه مِن السُّرورِ، ويقولُ: «أبشِرْ بخيرِ يومٍ مَرَّ عليك منذُ ولَدَتْك أمُّك»، قال: فقلتُ: أمِنْ عندِك يا رسولَ اللهِ، أم مِن عندِ اللهِ؟ فقال: «لا، بل مِن عندِ اللهِ»، وكان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ استنارَ وجهُه، كأنَّ وَجْهَه قطعةُ قمَرٍ، قال: وكنَّا نَعرِفُ ذلك.

قال: فلمَّا جلَسْتُ بين يدَيهِ، قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ مِن تَوْبتي أن أنخلِعَ مِن مالي صدقةً إلى اللهِ، وإلى رسولِه صلى الله عليه وسلم، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أمسِكْ بعضَ مالِك؛ فهو خيرٌ لك»، قال: فقلتُ: فإنِّي أُمسِكُ سَهْمي الذي بخَيْبرَ.

قال: وقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ اللهَ إنَّما أنجاني بالصِّدْقِ، وإنَّ مِن تَوْبتي ألَّا أُحدِّثَ إلا صِدْقًا ما بَقِيتُ.

قال: فواللهِ ما عَلِمْتُ أنَّ أحدًا مِن المسلمين أبلاه اللهُ في صِدْقِ الحديثِ، منذُ ذكَرْتُ ذلك لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، أحسَنَ ممَّا أبلاني اللهُ به، واللهِ ما تعمَّدتُّ كَذْبةً منذُ قلتُ ذلك لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، وإنِّي لأرجو أن يَحفَظَني اللهُ فيما بَقِيَ.

قال: فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {لَّقَد تَّابَ اْللَّهُ عَلَى اْلنَّبِيِّ وَاْلْمُهَٰجِرِينَ وَاْلْأَنصَارِ اْلَّذِينَ اْتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ اْلْعُسْرَةِ مِنۢ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٖ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْۚ إِنَّهُۥ بِهِمْ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ ١١٧ وَعَلَى اْلثَّلَٰثَةِ اْلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰٓ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ اْلْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ} [التوبة: 117-118] حتى بلَغَ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ اْتَّقُواْ اْللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ اْلصَّٰدِقِينَ} [التوبة: 119].

قال كعبٌ: واللهِ ما أنعَمَ اللهُ عليَّ مِن نعمةٍ قطُّ، بعد إذ هداني اللهُ للإسلامِ، أعظَمَ في نفسي مِن صِدْقي رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ألَّا أكونَ كذَبْتُه فأهلِكَ كما هلَكَ الذين كذَبوا؛ إنَّ اللهَ قال لِلَّذين كذَبُوا حِينَ أنزَلَ الوَحْيَ شرَّ ما قال لأحدٍ، وقال اللهُ: {سَيَحْلِفُونَ ‌بِاْللَّهِ ‌لَكُمْ إِذَا اْنقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْۖ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْۖ إِنَّهُمْ رِجْسٞۖ وَمَأْوَىٰهُمْ جَهَنَّمُ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ٩٥ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْۖ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اْللَّهَ لَا يَرْضَىٰ عَنِ اْلْقَوْمِ اْلْفَٰسِقِينَ} [التوبة: 95-96].

قال كعبٌ: كنَّا خُلِّفْنا - أيُّها الثلاثةُ - عن أمرِ أولئك الذين قَبِلَ منهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ حلَفوا له، فبايَعَهم، واستغفَرَ لهم، وأرجأَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أمْرَنا حتى قضى اللهُ فيه، فبذلك قال اللهُ عز وجل: {وَعَلَى ‌اْلثَّلَٰثَةِ ‌اْلَّذِينَ ‌خُلِّفُواْ} [التوبة: 118]، وليس الذي ذكَرَ اللهُ ممَّا خُلِّفْنا تخلُّفَنا عن الغَزْوِ، وإنَّما هو تخليفُه إيَّانا، وإرجاؤُه أمْرَنا عمَّن حلَفَ له واعتذَرَ إليه فقَبِلَ منه». أخرجه مسلم (٢٧٦٩).

* سورةُ (التوبة):

سُمِّيتْ بذلك لكثرةِ ذِكْرِ التوبة وتَكْرارها فيها، وذِكْرِ توبة الله على الثلاثة الذين تخلَّفوا يومَ غزوة (تَبُوكَ)، ولها عِدَّةُ أسماءٍ؛ من ذلك:

* سورةُ (براءةَ):

وقد اشتهَر هذا الاسمُ بين الصحابة؛ فعن البَراء رضي الله عنه، قال: «آخِرُ سورةٍ نزَلتْ كاملةً براءةُ». أخرجه البخاري (٤٣٦٤).

* (الفاضحةُ):

فعن سعيدِ بن جُبَيرٍ رحمه الله، قال: «قلتُ لابنِ عباسٍ: سورةُ التَّوبةِ، قال: آلتَّوبةُ؟ قال: بل هي الفاضحةُ؛ ما زالت تَنزِلُ: {وَمِنْهُمْ} {وَمِنْهُمْ} حتى ظَنُّوا أن لا يَبقَى منَّا أحدٌ إلا ذُكِرَ فيها». أخرجه مسلم (٣٠٣١).

قال ابنُ عاشورٍ: «ولهذه السورةِ أسماءٌ أُخَرُ، وقَعتْ في كلام السلف، من الصحابة والتابعين؛ فرُوي عن ابن عمرَ، عن ابن عباسٍ: كنَّا ندعوها - أي سورةَ (براءةَ) -: «المُقَشقِشَة» - بصيغةِ اسم الفاعل وتاء التأنيث، مِن قَشْقَشَه: إذا أبرَاه مِن المرضِ -، كان هذا لقبًا لها ولسورة (الكافرون)؛ لأنهما تُخلِّصان مَن آمن بما فيهما من النفاق والشرك؛ لِما فيهما من الدعاء إلى الإخلاص، ولِما فيهما من وصفِ أحوال المنافقين ...

وعن حُذَيفةَ: أنه سمَّاها سورة (العذاب)؛ لأنها نزلت بعذاب الكفار؛ أي: عذاب القتلِ والأخذِ حين يُثقَفون.

وعن عُبَيد بن عُمَير: أنه سمَّاها (المُنقِّرة) - بكسرِ القاف مشدَّدةً -؛ لأنها نقَّرتْ عما في قلوب المشركين...». "التحرير والتنوير" (10 /96).

وقد بلغ عددُ أسمائها (21) اسمًا في موسوعة "التفسير الموضوعي" (3 /187 وما بعدها).

* أمَر عُمَرُ بن الخطَّابِ رضي الله عنه أن يَتعلَّمَها الرِّجالُ لِما فيها من أحكام الجهاد:

فقد كتَب عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رضي الله عنه: «تعلَّمُوا سورةَ براءةَ، وعَلِّموا نساءَكم سورةَ النُّورِ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلَّام (ص241).

جاءت موضوعاتُ سورة (التَّوبة) على الترتيب الآتي:

1. نبذُ العهد مع المشركين (١-٢٤).

2. غزوة (حُنَين) (٢٥-٢٧).

3. قتال أهل الكتاب لفساد عقيدتهم (٢٨-٣٥).

4. تحديد الأشهُرِ الحُرُم (٣٦-٣٧).

5. غزوة تَبُوكَ (٣٨- ١٢٧).

6. صفات المؤمنين، وعقدُ البَيْعة مع الله تعالى.

7. أنواع المنافقين، والمعذِّرون من الأعراب.

8. صفات المنافقين والمؤمنين، وجزاؤهم.

9. أصناف أهل الزكاة.

10. فضحُ المتخلِّفين عن الجهاد، وصفاتهم.

11. النفير العام، والجهاد في سبيل الله.

12. علوُّ مكانة النبيِّ عليه السلام (١٢٨-١٢٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي" لمجموعة من العلماء (3 /178).

إنَّ مقصدَ السورة الأعظم أبانت عنه أولُ كلمةٍ في السورة؛ وهي {بَرَآءَةٞ} [التوبة: 1]؛ فقد جاءت للبراءةِ من الشرك والمشركين، ومعاداةِ مَن أعرض عما دعَتْ إليه السُّوَرُ الماضية؛ مِن اتباعِ الداعي إلى الله في توحيده، واتباعِ ما يُرضيه، كما جاءت بموالاةِ مَن أقبل على الله تعالى، وأعلن توبته؛ كما حصَل مع الصحابة الذين تخلَّفوا عن الغزوِ، ثم تاب اللهُ عليهم ليتوبوا.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /154).