تفسير سورة التوبة

تفسير ابن عباس

تفسير سورة سورة التوبة من كتاب تنوير المقباس من تفسير ابن عباس المعروف بـتفسير ابن عباس.
لمؤلفه الفيروزآبادي . المتوفي سنة 817 هـ
وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى ﴿بَرَآءَةٌ﴾ هَذِه بَرَاءَة ﴿مِّنَ الله وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذين عَاهَدْتُمْ مِّنَ الْمُشْركين﴾ ثمَّ نقضوا والبراءة هِيَ نقض الْعَهْد يَقُول من كَانَ بَينه وَبَين رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عهد فقد نقضه مِنْهُم فَمنهمْ من كَانَ عَهده أَرْبَعَة أشهر وَمِنْهُم من كَانَ عَهده فَوق أَرْبَعَة أشهر وَمِنْهُم من كَانَ عَهده دون أَرْبَعَة أشهر وَمِنْهُم من كَانَ عَهده تِسْعَة أشهر وَمِنْهُم من لم يكن بَينه وَبَين رَسُول الله عهد فنقضوا كلهم إِلَّا من كَانَ عَهده تِسْعَة أشهر وهم بَنو كنَانَة فَمن كَانَ عَهده فَوق أَرْبَعَة أشهر وَدون أَرْبَعَة أشهر جعل عَهده أَرْبَعَة أشهر بعد النَّقْض من يَوْم النَّحْر وَمن كَانَ عَهده أَرْبَعَة أشهر جعل عَهده بعد النَّقْض أَرْبَعَة أشهر من يَوْم النَّحْر وَمن كَانَ عَهده تِسْعَة أشهر ترك على ذَلِك وَمن لم يكن لَهُ عهد جعل عَهده خمسين يَوْمًا من يَوْم النَّحْر إِلَى خُرُوج الْمحرم
فَقَالَ لَهُم ﴿فَسِيحُواْ فِي الأَرْض﴾ فامضوا فِي الأَرْض من يَوْم النَّحْر ﴿أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ آمِنين من الْقَتْل بالعهد ﴿وَاعْلَمُوا﴾ يَا معشر الْكفَّار ﴿أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله﴾ غير فائتين من عَذَاب الله بِالْقَتْلِ بعد أَرْبَعَة أشهر ﴿وَأَنَّ الله مُخْزِي الْكَافرين﴾ معذب الْكَافرين بعد أَرْبَعَة أشهر بِالْقَتْلِ
﴿وَأَذَانٌ مِّنَ الله﴾ وَهَذَا إِعْلَام من الله ﴿وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاس﴾ للنَّاس ﴿يَوْمَ الْحَج الْأَكْبَر﴾ يَوْم النَّحْر ﴿أَن الله بَرِيء مِّنَ الْمُشْركين﴾ وَدينهمْ وَعَهْدهمْ الَّذِي نقضوا ﴿وَرَسُولُهُ﴾ أَيْضا بَرِيء من ذَلِك ﴿فَإِن تُبْتُمْ﴾ من الشّرك وآمنتم بِاللَّه وَبِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ من الشّرك ﴿وَإِن تَوَلَّيْتُمْ﴾ عَن الْإِيمَان وَالتَّوْبَة ﴿فاعلموا﴾ يَا معشر الْمُشْركين ﴿أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي الله﴾ غير فائتين من عَذَاب الله ﴿وَبَشِّرِ الَّذين كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ يَعْنِي الْقَتْل بعد أَرْبَعَة أشهر
﴿إِلاَّ الَّذين عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْركين﴾ يَعْنِي بني كنَانَة بعد عَام الْحُدَيْبِيَة ﴿ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً﴾ لم ينقضوا عَهدهم مِمَّن كَانَ لَهُم تِسْعَة أشهر ﴿وَلَمْ يُظَاهِرُواْ﴾ وَلم يعاونوا ﴿عَلَيْكُمْ أَحَداً﴾ من عَدوكُمْ ﴿فَأتمُّوا إِلَيْهِمْ﴾ لَهُم ﴿عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ﴾ إِلَى وَقت أَجلهم تِسْعَة أشهر ﴿إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ عَن نقض الْعَهْد
﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهر الْحرم﴾ فَإِذا خرج شهر الْمحرم من بعد يَوْم النَّحْر ﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْركين﴾ من كَانَ عَهدهم خمسين يَوْمًا ﴿حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ﴾ فِي الْحل وَالْحرم وَالْأَشْهر الْحرم ﴿وَخُذُوهُمْ﴾ اؤسروهم ﴿واحصروهم﴾ احبسوهم عَن الْمبيت ﴿واقعدوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ على كل طَرِيق يذهبون ويجيئون فِيهِ للتِّجَارَة ﴿فَإِن تَابُواْ﴾ من الشّرك وآمنوا بِاللَّه ﴿وَأَقَامُواْ الصَّلَاة﴾ أقرُّوا بالصلوات الْخمس ﴿وَآتَوُاْ الزَّكَاة﴾ أقرُّوا بأَدَاء الزَّكَاة ﴿فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ﴾ إِلَى الْبَيْت ﴿إِنَّ الله غَفُورٌ﴾ متجاوز لمن تَابَ مِنْهُم ﴿رَّحِيمٌ﴾ لمن مَاتَ على التَّوْبَة
﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْركين استجارك﴾ استأمنك ﴿فَأَجِرْهُ﴾ فَأَمنهُ ﴿حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ الله﴾ قراءتك لكَلَام الله ﴿ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ﴾ وَطنه حَيْثُمَا جَاءَ إِن لم يُؤمن ﴿ذَلِك﴾ الَّذِي ذكرت ﴿بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ﴾ أَمر الله وتوحيده ﴿كَيْفَ﴾ على وَجه التَّعَجُّب
﴿يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ الله وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذين عَاهَدْتُمْ عِندَ الْمَسْجِد الْحَرَام﴾
153
بعد عَام الْحُدَيْبِيَة وهم بَنو كنَانَة ﴿فَمَا استقاموا لَكُمْ﴾ بِالْوَفَاءِ ﴿فاستقيموا لَهُمْ﴾ بالتمام ﴿إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ عَن نقض الْعَهْد
154
﴿كَيْفَ﴾ على وَجه التَّعَجُّب كَيفَ يكون بَيْنكُم وَبينهمْ عهد ﴿وَإِن يَظْهَرُوا﴾ يغلبوا ﴿عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ﴾ لَا يحفظوكم ﴿إِلاًّ﴾ لقبل الْقَرَابَة وَيُقَال لقبل الله ﴿وَلاَ ذِمَّةً﴾ لَا لقبل الْعَهْد ﴿يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ بألسنتهم ﴿وتأبى﴾ تنكر ﴿قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ﴾ كلهم ﴿فَاسِقُونَ﴾ ناقضون الْعَهْد
﴿اشْتَروا بآيَات الله﴾ بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن ﴿ثَمَناً قَلِيلاً﴾ عوضا يَسِيرا ﴿فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ﴾ عَن دينه وطاعته ﴿إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ بئس مَا كَانُوا يصنعون من الكتمان وَغَيره وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي شَأْن الْيَهُود
﴿لاَ يَرْقُبُونَ﴾ لَا يحفظون ﴿فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ﴾ قرَابَة وَيُقَال إلاًّ هُوَ الله ﴿وَلاَ ذِمَّةً﴾ لَا لقبل الْعَهْد ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ المعتدون﴾ من الْحَلَال إِلَى الْحَرَام بِنَقْض الْعَهْد وَغَيره
﴿فَإِن تَابُواْ﴾ من الشّرك وآمنوا بِاللَّه ﴿وَأَقَامُواْ الصَّلَاة﴾ أقرُّوا بالصلوات ﴿وَآتَوُاْ الزَّكَاة﴾ أقرُّوا بِالزَّكَاةِ ﴿فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدّين﴾ فِي الْإِسْلَام ﴿وَنُفَصِّلُ الْآيَات﴾ نبين الْقُرْآن بِالْأَمر وَالنَّهْي ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ ويصدقون
﴿وَإِن نكثوا﴾ أهل مَكَّة ﴿أَيْمَانَهُم﴾ عهودهم الَّتِي بَيْنكُم وَبينهمْ (مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ) عابوكم فِي دين الْإِسْلَام ﴿فَقَاتلُوا أَئِمَّةَ الْكفْر﴾ قادة الْكفْر أَبَا سُفْيَان وَأَصْحَابه ﴿إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ﴾ لَا عهد لَهُم ﴿لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ﴾ لكَي ينْتَهوا عَن نقض الْعَهْد
﴿أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً﴾ مَا لكم لَا تقاتلون قوما يَعْنِي أهل مَكَّة ﴿نكثوا أَيْمَانَهُمْ﴾ نقضوا عهودهم الَّتِي بَيْنكُم وَبينهمْ ﴿وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُول﴾ أَرَادوا قتل الرَّسُول حَيْثُ دخلُوا دَار الندوة ﴿وهم بدؤوكم أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ بِنَقْض الْعَهْد مِنْهُم حَيْثُ أعانوا بني بكر حلفاءهم على بني خُزَاعَة حلفاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿أَتَخْشَوْنَهُمْ﴾ يَا معشر الْمُؤمنِينَ أتخشون قِتَالهمْ ﴿فَالله أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ﴾ فِي ترك أمره ﴿إِن كُنتُمْ﴾ إِذْ كُنْتُم ﴿مُّؤُمِنِينَ﴾
﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ الله بِأَيْدِيكُمْ﴾ بسيوفكم بِالْقَتْلِ ﴿وَيُخْزِهِمْ﴾ يذلهم بالهزيمة ﴿وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ﴾ بالغلبة ﴿وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ﴾ يفرح قُلُوب بني خُزَاعَة عَلَيْهِم بِمَا أحل لَهُم الْقَتْل يَوْم فتح مَكَّة سَاعَة فِي الْحرم
﴿وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ﴾ حنق قُلُوبهم ﴿وَيَتُوبُ الله على مَن يَشَآءُ﴾ على من تَابَ مِنْهُم ﴿وَالله عَلِيمٌ﴾ بِمن تَابَ وبمن لم يتب مِنْهُم ﴿حَكِيمٌ﴾ فِيمَا حكم عَلَيْهِم وَيُقَال حكم بِقَتْلِهِم وهزيمتهم
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ﴾ أظننتم يَا معشر الْمُؤمنِينَ ﴿أَن تُتْرَكُواْ﴾ أَن تهملوا وَأَن لَا تؤمروا بِالْجِهَادِ ﴿وَلَمَّا يَعْلَمِ الله﴾ وَلم ير الله ﴿الَّذين جَاهَدُواْ مِنكُمْ﴾ فِي سَبِيل الله ﴿وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ الله وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤمنِينَ﴾ المخلصين ﴿وَلِيجَةً﴾ بطانة من الْكفَّار ﴿وَالله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ من الْخَيْر وَالشَّر فِي الْجِهَاد وَغَيره
﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ﴾ مَا يَنْبَغِي للْمُشْرِكين ﴿أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ على أَنفُسِهِمْ﴾ بتلبيتهم ﴿بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ بطلت حسناتهم فِي الْكفْر ﴿وَفِي النَّار هُمْ خَالِدُونَ﴾ لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا
﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ الله﴾ الْمَسْجِد الْحَرَام ﴿مَنْ آمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر﴾ بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت ﴿وَأَقَامَ الصَّلَاة﴾ أتم الصَّلَوَات الْخمس ﴿وَآتى الزَّكَاة﴾ أدّى الزَّكَاة الْمَفْرُوضَة ﴿وَلَمْ يَخْشَ﴾ وَلم يعبد ﴿إِلاَّ الله فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ المهتدين﴾ بدين الله وحجته وَعَسَى من الله وَاجِب
ثمَّ نزلت فِي رجل من الْمُشْركين أسر يَوْم بدر فافتخر على عَليّ أَو على رجل من أهل بدر فَقَالَ نَحن نسقي الْحَاج ونعمر الْمَسْجِد الْحَرَام ونفعل كَذَا فَقَالَ الله ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاج﴾ أقلتم إِن سقِِي الْحَاج ﴿وَعِمَارَةَ الْمَسْجِد الْحَرَام كَمَنْ آمَنَ بِاللَّه﴾ كَإِيمَانِ من آمن بِاللَّه يَعْنِي البدري ﴿وَالْيَوْم الآخر﴾ بِالْبَعْثِ بعد الْمَوْت ﴿وَجَاهَدَ فِي سَبِيل الله﴾ فِي طَاعَة الله يَوْم بدر ﴿لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ الله﴾ فِي الطَّاعَة وَالثَّوَاب ﴿وَالله لاَ يَهْدِي﴾ لَا يرشد إِلَى دينه ﴿الْقَوْم الظَّالِمين﴾ الْمُشْركين من لم يكن أَهلا لذَلِك
﴿الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن ﴿وَهَاجَرُواْ﴾ من مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة ﴿وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ الله﴾ فِي طَاعَة الله ﴿بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ﴾ بِنَفَقَة أَمْوَالهم وبخروج أنفسهم ﴿أَعْظَمُ دَرَجَةً﴾ فَضِيلَة ﴿عِندَ الله﴾ من غَيرهم ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الفائزون﴾ فازوا بِالْجنَّةِ ونجوا من النَّار
﴿يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ﴾ بنجاة ﴿مِّنْهُ﴾ من الله من الْعَذَاب ﴿وَرِضْوَانٍ﴾ بِرِضا رَبهم عَنْهُم ﴿وَجَنَّاتٍ﴾ بجنات ﴿لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ﴾ دَائِم لَا يَنْقَطِع
﴿خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً﴾ لَا يموتون وَلَا يخرجُون ﴿إِنَّ الله عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ ثَوَاب وافر لمن آمن بِهِ
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُوا آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ﴾ الَّذين بِمَكَّة من الْكفَّار ﴿أَوْلِيَآءَ﴾ فِي الدّين ﴿إِنِ استحبوا الْكفْر عَلَى الْإِيمَان﴾ اخْتَارُوا الْكفْر على الْإِيمَان ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ﴾ فِي الدّين ﴿فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ﴾ الْكَافِرُونَ مثلهم وَيُقَال يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُوا آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ من الْمُؤمنِينَ الَّذين بِمَكَّة الَّذين منعوكم عَن الْهِجْرَة أَوْلِيَآءَ فِي العون والنصرة إِنِ استحبوا الْكفْر اخْتَارُوا دَار الْكفْر يَعْنِي مَكَّة عَلَى الْإِيمَان على دَار الْإِسْلَام يَعْنِي الْمَدِينَة وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فِي العون والنصرة فَأُولَئِك هُمُ الظَّالِمُونَ الضارون بِأَنْفسِهِم
﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ﴾ قومكم الَّذين هم بِمَكَّة ﴿وَأَمْوَالٌ اقترفتموها﴾ اكتسبتموها ﴿وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا﴾ أَن لَا تنْفق بِالْمَدِينَةِ ﴿وَمَسَاكِنُ﴾ منَازِل ﴿تَرْضَوْنَهَآ﴾ تشتهون الْجُلُوس فِيهَا ﴿أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ الله﴾ من طَاعَة الله ﴿وَرَسُولِهِ﴾ وَمن الْهِجْرَة إِلَى رَسُوله ﴿وَجِهَادٍ﴾ وَمن جِهَاد ﴿فِي سَبِيلِهِ﴾ فِي طَاعَته ﴿فَتَرَبَّصُواْ﴾ فانتظروا ﴿حَتَّى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ﴾ بعذابه يَعْنِي الْقَتْل يَوْم فتح مَكَّة ثمَّ هَاجرُوا بعد ذَلِك ﴿وَالله لَا يهدي﴾ يرشد إِلَى دينه
155
﴿الْقَوْم الْفَاسِقين﴾ الْكَافرين من لم يكن أَهلا لدينِهِ
156
﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ الله فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ﴾ فِي مشَاهد كَثِيرَة عِنْد الْقِتَال ﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ﴾ خَاصَّة وَهُوَ وَاد بَين مَكَّة والطائف (إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ) كَثْرَة جموعكم وَكَانُوا عشرَة آلَاف رجل ﴿فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ﴾ كثرتكم من الْهَزِيمَة ﴿شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْض﴾ من الْخَوْف ﴿بِمَا رَحُبَتْ﴾ بسعتها ﴿ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ﴾ منهزمين من الْعَدو وَكَانَ عَددهمْ أَرْبَعَة آلَاف رجل
﴿ثُمَّ أَنَزلَ الله سَكِينَتَهُ﴾ طمأنينته ﴿على رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤمنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً﴾ من السَّمَاء ﴿لَّمْ تَرَوْهَا﴾ يَعْنِي الْمَلَائِكَة بالنصرة لكم ﴿وَعذَّبَ الَّذين كَفَرُواْ﴾ بِالْقَتْلِ والهزيمة يَعْنِي قوم مَالك بن عَوْف الدهماني وَقوم كنَانَة ابْن عبد يَا ليل الثَّقَفِيّ ﴿وَذَلِكَ جَزَآءُ الْكَافرين﴾ فِي الدُّنْيَا
﴿ثُمَّ يَتُوبُ الله مِن بَعْدِ ذَلِك﴾ الْقِتَال والهزيمة ﴿على مَن يَشَآءُ﴾ على من تَابَ مِنْهُم ﴿وَالله غَفُورٌ﴾ متجاوز ﴿رَّحِيمٌ﴾ لمن تَابَ
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِنَّمَا الْمُشْركُونَ نَجَسٌ﴾ قذر ﴿فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِد الْحَرَام﴾ بِالْحَجِّ وَالطّواف ﴿بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ عَام الْبَرَاءَة يَوْم النَّحْر ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً﴾ الْفقر وَالْحَاجة ﴿فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ﴾ من رزقه من وَجه آخر ﴿إِن شَآءَ﴾ حَيْثُ شَاءَ ويغنيكم عَن تِجَارَة بكر بن وَائِل ﴿إِنَّ الله عَلِيمٌ﴾ بأرزاقكم ﴿حَكِيمٌ﴾ فِيمَا حكم عَلَيْكُم
﴿قَاتِلُواْ الَّذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخر﴾ وَلَا بنعيم الْجنَّة ﴿وَلاَ يُحَرِّمُونَ﴾ فِي التَّوْرَاة ﴿مَا حَرَّمَ الله وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحق﴾ لَا يخضعون لله بِالتَّوْحِيدِ ثمَّ بيَّن من هم فَقَالَ ﴿مِنَ الَّذين أُوتُواْ الْكتاب﴾ أعْطوا الْكتاب يَعْنِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى ﴿حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَة عَن يَدٍ﴾ عَن قيام من يَد فِي يَد ﴿وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ ذليلون
﴿وَقَالَتِ الْيَهُود﴾ يهود أهل الْمَدِينَة ﴿عُزَيْرٌ ابْن الله وَقَالَتْ النَّصَارَى﴾ نَصَارَى أهل نَجْرَان ﴿الْمَسِيح ابْن الله ذَلِك قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ بألسنتهم ﴿يُضَاهِئُونَ﴾ يشابهون ﴿قَوْلَ الَّذين كَفَرُواْ مِن قَبْلُ﴾ من قبلهم يَعْنِي أهل مَكَّة لِأَن أهل مَكَّة قَالُوا اللات والعزى وَمَنَاة بَنَات الله وَكَذَلِكَ قَالَت الْيَهُود عَزِيز ابْن الله وَقَالَت النَّصَارَى قَالَ بَعضهم الْمَسِيح ابْن الله وَقَالَ بَعضهم شَرِيكه وَقَالَ بَعضهم هُوَ الله وَقَالَ بَعضهم ثَالِث ثَلَاثَة ﴿قَاتَلَهُمُ الله﴾ لعنهم الله ﴿أَنى يُؤْفَكُونَ﴾ من أَيْن يكذبُون
﴿اتَّخذُوا أَحْبَارَهُمْ﴾ علماءهم يَعْنِي الْيَهُود ﴿وَرُهْبَانَهُمْ﴾ واتخذت النَّصَارَى أَصْحَاب الصوامع ﴿أَرْبَاباً﴾ أطاعوهم بالمعصية ﴿مِّن دُونِ الله والمسيح ابْن مَرْيَمَ﴾ وَاتَّخذُوا الْمَسِيح بن مَرْيَم إِلَهًا ﴿وَمَآ أمروا﴾ فِي جملَة الْكتب ﴿إِلاَّ ليعبدوا﴾ ليوحدوا ﴿إِلَهًا وَاحِداً لاَّ إِلَه إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ﴾ نزه نَفسه ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾
﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ﴾ يبطلوا ﴿نُورَ الله﴾ دين الله
156
﴿بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ بتكذيبهم وَيُقَال بألسنتهم ﴿ويأبى الله﴾ لَا يتْرك الله ﴿إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ﴾ إِلَّا أَن يظْهر دينه الْإِسْلَام ﴿وَلَوْ كَرِهَ﴾ وَإِن كره ﴿الْكَافِرُونَ﴾ أَن يكون ذَلِك
157
﴿هُوَ الَّذِي أرسل رَسُوله﴾ مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ﴿بِالْهدى﴾ بِالْقُرْآنِ وَالْإِيمَان ﴿وَدِينِ الْحق﴾ دين الْإِسْلَام شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّين كُلِّهِ﴾ ليظْهر دين الْإِسْلَام على الْأَدْيَان كلهَا من قبل أَن تقوم السَّاعَة ﴿وَلَوْ كَرِهَ﴾ وَإِن كره (الْمُشْركُونَ) أَن يكون ذَلِك
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن ﴿إِنَّ كَثِيراً مِّنَ الْأَحْبَار﴾ عُلَمَاء الْيَهُود ﴿والرهبان﴾ أَصْحَاب الصوامع ﴿لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاس بِالْبَاطِلِ﴾ بالرشوة وَالْحرَام ﴿وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ الله﴾ عَن دين الله وطاعته ﴿وَالَّذين يَكْنِزُونَ﴾ يجمعُونَ ﴿الذَّهَب وَالْفِضَّة وَلاَ يُنفِقُونَهَا﴾ يَعْنِي الْكُنُوز ﴿فِي سَبِيلِ الله﴾ فِي طَاعَة الله وَيُقَال وَلَا يؤدون زَكَاتهَا ﴿فَبَشِّرْهُمْ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ وجيع
﴿يَوْمَ يحمى عَلَيْهَا﴾ على الْكُنُوز وَيُقَال على النَّار ﴿فِي نَارِ جَهَنَّمَ فتكوى بِهَا﴾ فَتضْرب بالكنوز ﴿جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا﴾ يُقَال لَهُم عُقُوبَة هَذَا ﴿مَا كَنَزْتُمْ﴾ بِمَا جمعتم من الْأَمْوَال ﴿لأَنْفُسِكُمْ﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ﴾ بِمَا كُنْتُم ﴿تَكْنِزُونَ﴾ تجمعون
﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُور عِندَ الله﴾ يَقُول السّنة بالشهور عِنْد الله يَعْنِي شهور السّنة الَّتِي تُؤَدّى فِيهَا الزَّكَاة ﴿اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ الله﴾ فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ ﴿يَوْمَ﴾ من يَوْم ﴿خَلَقَ السَّمَاوَات وَالْأَرْض مِنْهَآ﴾ من الشُّهُور ﴿أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ﴾ رَجَب وَذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة وَالْمحرم ﴿ذَلِك الدّين الْقيم﴾ الْحساب الْقَائِم لَا يزِيد وَلَا ينقص ﴿فَلاَ تَظْلِمُواْ﴾ فَلَا تضروا ﴿فِيهِنَّ﴾ فِي الشُّهُور ﴿أَنْفُسَكُمْ﴾ بالمعصية وَيُقَال فِي الْأَشْهر الْحرم ﴿وَقَاتِلُواْ الْمُشْركين كَآفَّةً﴾ جَمِيعًا فِي الْحل وَالْحرم ﴿كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً﴾ جَمِيعًا ﴿وَاعْلَمُوا﴾ يَا معشر الْمُؤمنِينَ ﴿أَنَّ الله مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ الْكفْر والشرك وَالْفَوَاحِش وَنقض الْعَهْد والقتال فِي أشهر الْحرم
﴿إِنَّمَا النسيء زِيَادَةٌ فِي الْكفْر﴾ يَقُول تَأْخِير الْمحرم إِلَى صفر مَعْصِيّة زِيَادَة مَعَ الْكفْر ﴿يُضَلُّ بِهِ﴾ يغلط بِتَأْخِير الْمحرم إِلَى صفر مَعْصِيّة زِيَادَة مَعَ الْكفْر ﴿الَّذين كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ﴾ يَعْنِي الْمحرم ﴿عَاماً﴾ فيقاتلون فِيهِ ﴿وَيُحَرِّمُونَهُ﴾ يَعْنِي الْمحرم ﴿عَاماً﴾ فَلَا يُقَاتلُون فِيهِ فَإِذا أحلُّوا الْمحرم حرمُوا صفر بدله ﴿لِّيُوَاطِئُواْ﴾ ليوافقوا ﴿عِدَّةَ مَا حَرَّمَ الله﴾ أَرْبعا بِالْعدَدِ ﴿فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ الله﴾ يَعْنِي الْمحرم ﴿زين لَهُم﴾ حسن لَهُم ﴿سوء أَعْمَالِهِمْ﴾ قبح أَعْمَالهم ﴿وَالله لاَ يَهْدِي﴾ لَا يرشد إِلَى دينه ﴿الْقَوْم الْكَافرين﴾ من لم يكن أَهلا لذَلِك وَكَانَ الَّذِي يفعل هَذَا رجلا يُقَال لَهُ نعيم بن ثَعْلَبَة
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا﴾ أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفروا﴾ اخْرُجُوا مَعَ نَبِيكُم ﴿فِي سَبِيلِ الله﴾ فِي طَاعَة الله فِي غَزْوَة تَبُوك ﴿اثاقلتم إِلَى الأَرْض﴾ اشتهيتم الْجُلُوس على الأَرْض ﴿أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ مَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا ﴿مِنَ الْآخِرَة فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاة الدُّنْيَا فِي الْآخِرَة إِلاَّ قَلِيلٌ﴾
157
يسير لَا يبْقى
158
﴿إِلاَّ تَنفِرُواْ﴾ إِن لم تخْرجُوا مَعَ نَبِيكُم إِلَى غَزْوَة تَبُوك ﴿يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً﴾ وجيعاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ﴿وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ﴾ خيرا مِنْكُم وأطوع ﴿وَلاَ تَضُرُّوهُ﴾ أَي لَا يضر الله جلوسكم ﴿شَيْئاً وَالله على كُلِّ شَيْءٍ﴾ من الْعَذَاب وَالْبدل ﴿قَدِيرٌ﴾
﴿إِلَّا تنصروه﴾ إِن لم تنصرُوا مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْخرُوجِ مَعَه إِلَى غَزْوَة تَبُوك ﴿فَقَدْ نَصَرَهُ الله إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذين كَفَرُواْ﴾ كفار مَكَّة ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ﴾ يَعْنِي رَسُول الله وَأَبا بكر ﴿إِذْ هما﴾ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ ﴿فِي الْغَار إِذْ يَقُول﴾ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿لِصَاحِبِهِ﴾ أبي بكر ﴿لاَ تَحْزَنْ﴾ يَا أَبَا بكر ﴿إِنَّ الله مَعَنَا﴾ معيننا ﴿فَأَنزَلَ الله سَكِينَتَهُ﴾ طمأنينته ﴿عَلَيْهِ﴾ على نبيه ﴿وَأَيَّدَهُ﴾ أَعَانَهُ يَوْم بدر وَيَوْم الْأَحْزَاب وَيَوْم حنين ﴿بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا﴾ يَعْنِي الْمَلَائِكَة ﴿وَجَعَلَ كَلِمَةَ﴾ دين ﴿الَّذين كَفَرُواْ السُّفْلى﴾ المغلوبة المذمومة ﴿وَكَلِمَةُ الله هِيَ الْعليا﴾ الْغَالِبَة الممدوحة ﴿وَالله عَزِيزٌ﴾ بالنقمة من أعدائه ﴿حَكِيمٌ﴾ بالنصرة لأوليائه
﴿انفروا﴾ اخْرُجُوا مَعَ نَبِيكُم إِلَى غَزْوَة تَبُوك ﴿خِفَافاً وَثِقَالاً﴾ شباناً وشيوخاً وَيُقَال نشاطاً وَغير نشاط وَيُقَال خفافاً من المَال والعيال وثقالاً بِالْمَالِ والعيال ﴿وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ الله﴾ فِي طَاعَة الله ﴿ذَلِكُم﴾ الْجِهَاد ﴿خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ من الْجُلُوس ﴿إِن كُنتُمْ﴾ إِذْ كُنْتُم ﴿تَعْلَمُونَ﴾ وتصدقون ذَلِك
﴿لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً﴾ غنيمَة قريبَة ﴿وَسَفَراً قَاصِداً﴾ هيناً ﴿لاَّتَّبَعُوكَ﴾ إِلَى غَزْوَة تَبُوك بِطيبَة الْأَنْفس ﴿وَلَكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشقة﴾ السّفر إِلَى الشَّام ﴿وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّه﴾ لكم إِذا رجعتم من غَزْوَة تَبُوك عبد الله بن أبي وجد بن قيس ومعتب بن قُشَيْر وأصحابهم الَّذين تخلفوا عَن غَزْوَة تَبُوك ﴿لَوِ استطعنا﴾ بالزاد وَالرَّاحِلَة ﴿لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ﴾ إِلَى غَزْوَة تَبُوك ﴿يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ بِالْحلف الكاذبة ﴿وَالله يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ لأَنهم كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوج مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
﴿عَفَا الله عَنكَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ﴾ لِلْمُنَافِقين بِالْجُلُوسِ ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذين صَدَقُواْ﴾ فِي إِيمَانهم بِالْخرُوجِ مَعَك ﴿وَتَعْلَمَ الْكَاذِبين﴾ فِي إِيمَانهم بالتخلف عَن الْخُرُوج بِلَا إِذن
﴿لاَ يَسْتَأْذِنُكَ﴾ بعد غَزْوَة تَبُوك ﴿الَّذين يُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر﴾ فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة ﴿أَن يُجَاهِدُواْ﴾ أَن لَا يجاهدوا ﴿بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ وَالله عَلِيمٌ بالمتقين﴾ الْكفْر والشرك
﴿إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ﴾ بِالْجُلُوسِ عَن الْخُرُوج ﴿الَّذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر﴾ فِي السِّرّ ﴿وارتابت﴾ شكت ﴿قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ﴾ فِي شكهم ﴿يَتَرَدَّدُونَ﴾ يتحيرون
﴿وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوج﴾ مَعَك إِلَى غَزْوَة تَبُوك ﴿لأَعَدُّواْ لَهُ﴾ لِلْخُرُوجِ
158
﴿عُدَّةً﴾ قُوَّة من السِّلَاح والزاد ﴿وَلَكِن كَرِهَ الله انبعاثهم﴾ خُرُوجهمْ مَعَك إِلَى غَزْوَة تَبُوك ﴿فَثَبَّطَهُمْ﴾ فحبسهم عَن الْخُرُوج ﴿وَقِيلَ اقعدوا﴾ تخلفوا ﴿مَعَ القاعدين﴾ مَعَ المتخلفين بِغَيْر عذر وَقع ذَلِك فِي قُلُوبهم
159
﴿لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم﴾ مَعكُمْ ﴿مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً﴾ شرا وَفَسَادًا ﴿ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ﴾ لساروا على الْإِبِل وسطكم ﴿يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَة﴾ يطْلبُونَ فِيكُم الشَّرّ وَالْفساد والذلة وَالْعَيْب ﴿وَفِيكُمْ﴾ مَعكُمْ ﴿سَمَّاعُونَ لَهُمْ﴾ جواسيس للْكفَّار ﴿وَالله عَلِيمٌ بالظالمين﴾ بالمنافقين عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه
﴿لَقَدِ ابْتَغوا الْفِتْنَة﴾ بغوا لَك الغوائل يَعْنِي طلبُوا لَك الشَّرّ ﴿من قبل﴾ غَزْوَة تَبُوك ﴿وَقَلَّبُواْ لَكَ الْأُمُور﴾ ظهرا لبطن وبطناً لظهر ﴿حَتَّى جَآءَ الْحق﴾ كثر الْمُؤْمِنُونَ ﴿وَظَهَرَ أَمْرُ الله﴾ دين الله الْإِسْلَام ﴿وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ ذَلِك
﴿وَمِنْهُمْ﴾ من الْمُنَافِقين ﴿مَّن يَقُولُ﴾ وَهُوَ جد بن قيس ﴿ائْذَنْ لِّي﴾ بِالْجُلُوسِ ﴿وَلاَ تَفْتِنِّي﴾ فِي بَنَات الْأَصْفَر ﴿أَلا فِي الْفِتْنَة﴾ فِي الشّرك والنفاق ﴿سَقَطُواْ﴾ وَقَعُوا ﴿وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ﴾ ستحيط ﴿بالكافرين﴾ يَوْم الْقِيَامَة
﴿إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ﴾ الْفَتْح وَالْغنيمَة مثل يَوْم بدر ﴿تَسُؤْهُمْ﴾ ساءهم ذَلِك يَعْنِي الْمُنَافِقين ﴿وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ﴾ الْقَتْل والهزيمة مثل يَوْم أحد ﴿يَقُولُواْ﴾ أَي يَقُول المُنَافِقُونَ عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه ﴿قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا﴾ حذرنا بالتخلف عَنْهُم ﴿مِن قَبْلُ﴾ من قبل الْمُصِيبَة ﴿وَيَتَوَلَّواْ﴾ عَن الْجِهَاد ﴿وَّهُمْ فَرِحُونَ﴾ معجبون بِمَا أصَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه يَوْم أحد
﴿قُل﴾ يَا مُحَمَّد لِلْمُنَافِقين ﴿لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ الله لَنَا﴾ قضى الله لنا ﴿هُوَ مَوْلاَنَا﴾ أولى بِنَا ﴿وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ وعَلى الْمُؤمنِينَ أَن يتوكلوا على الله
﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد لِلْمُنَافِقين ﴿هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ﴾ تنتظرون بِنَا ﴿إِلاَّ إِحْدَى الحسنيين﴾ الْفَتْح وَالْغنيمَة أَو الْقَتْل وَالشَّهَادَة ﴿وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ الله بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ﴾ لهلاككم ﴿أَوْ بِأَيْدِينَا﴾ بسيوفنا لقتلكم ﴿فتربصوا﴾ فانتظروا بِنَا ﴿إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ﴾ منتظرون لهلاككم
﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد لِلْمُنَافِقين ﴿أَنفِقُواْ﴾ أَمْوَالكُم ﴿طَوْعاً﴾ من قبل أَنفسكُم ﴿أَوْ كَرْهاً﴾ جبرا مَخَافَة الْقَتْل ﴿لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ﴾ ذَلِك ﴿إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ﴾ منافقين
﴿وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّه وَبِرَسُولِهِ﴾ فِي السِّرّ ﴿وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلَاة﴾ إِلَى الصَّلَاة ﴿إِلاَّ وَهُمْ كسَالَى﴾ متثاقلون ﴿وَلاَ يُنفِقُونَ﴾ شَيْئا فِي سَبِيل الله ﴿إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ﴾ ذَلِك
﴿فَلاَ تُعْجِبْكَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿أَمْوَالُهُمْ﴾ كَثْرَة أَمْوَالهم ﴿وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ﴾ كَثْرَة أَوْلَادهم ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ﴾
159
تخرج أنفسهم ﴿فِي الْحَيَاة الدُّنْيَا وتزهق أنفسهم وهم﴾ مقدم ومؤخر
160
﴿وَيَحْلِفُونَ بِاللَّه﴾ عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه ﴿إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ﴾ مَعكُمْ فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة ﴿وَمَا هُم مِّنكُمْ﴾ مَعكُمْ فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة ﴿وَلَكنهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ﴾ يخَافُونَ من سُيُوفكُمْ
﴿لَو يَجدونَ ملْجأ﴾ حرْزا يلجئون إِلَيْهِ ﴿أَوْ مَغَارَاتٍ﴾ فِي الْجَبَل ﴿أَوْ مُدَّخَلاً﴾ سرباً فِي الأَرْض ﴿لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ﴾ لذهبوا إِلَيْهِ ﴿وَهُمْ يَجْمَحُونَ﴾ يهرولون هرولة والجموح مشي بَين مشيين
﴿وَمِنْهُمْ﴾ من الْمُنَافِقين أَبُو الْأَحْوَص وَأَصْحَابه ﴿مَّن يَلْمِزُكَ فِي الصَّدقَات﴾ يطعن عَلَيْك فِي قسْمَة الصَّدقَات يَقُولُونَ لم يقسم بَيْننَا بِالسَّوِيَّةِ ﴿فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا﴾ من الصَّدقَات حظاً وافراً ﴿رَضُواْ﴾ بِالْقِسْمَةِ ﴿وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا﴾ من الصَّدقَات حظاً وافراً ﴿إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ﴾ بِالْقِسْمَةِ
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ﴾ يَعْنِي الْمُنَافِقين ﴿رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ الله﴾ بِمَا أَعْطَاهُم الله من فَضله ﴿وَرَسُولُهُ وَقَالُواْ حَسْبُنَا الله﴾ ثقتنا بِاللَّه ﴿سَيُؤْتِينَا الله مِن فَضْلِهِ﴾ سيغنينا الله من فَضله برزقه ﴿وَرَسُولُهُ﴾ بِالْعَطِيَّةِ ﴿إِنَّآ إِلَى الله رَاغِبُونَ﴾ رغبتنا إِلَى الله لَو قَالُوا هَكَذَا لَكَانَ خيرا لَهُم
ثمَّ بيَّن لمن الصَّدقَات فَقَالَ ﴿إِنَّمَا الصَّدقَات لِلْفُقَرَآءِ﴾ لأَصْحَاب الصّفة ﴿وَالْمَسَاكِين﴾ للطوافين ﴿والعاملين عَلَيْهَا﴾ لجابي الصَّدقَات ﴿والمؤلفة قُلُوبُهُمْ﴾ بِالْعَطِيَّةِ أبي سُفْيَان وَأَصْحَابه نَحْو خَمْسَة عشر رجلا ﴿وَفِي الرّقاب﴾ المكاتبين ﴿والغارمين﴾ لأَصْحَاب الدُّيُون فِي طَاعَة الله ﴿وَفِي سَبِيلِ الله﴾ وللمجاهدين فِي سَبِيل الله ﴿وَابْن السَّبِيل﴾ الضَّيْف النَّازِل الْمَار بِالطَّرِيقِ ﴿فَرِيضَةً﴾ قسْمَة ﴿مِّنَ الله﴾ لهَؤُلَاء ﴿وَالله عَلِيمٌ﴾ بهؤلاء ﴿حَكِيمٌ﴾ فِيمَا حكم لهَؤُلَاء
﴿وَمِنْهُمُ﴾ من الْمُنَافِقين جذام بن خَالِد وَإيَاس بن قيس وَسماك بن يزِيد وَعبيد بن مَالك ﴿الَّذين يُؤْذُونَ النَّبِي﴾ بالطعن والشتم ﴿وَيِقُولُونَ﴾ بَعضهم لبَعض ﴿هُوَ أُذُنٌ﴾ يسمع منا ويصدقنا إِذا قُلْنَا لَهُ مَا قُلْنَا فِيك شَيْئا ﴿قُلْ﴾ لَهُم يَا مُحَمَّد ﴿أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ﴾ لَا الشَّرّ أَي يسع مِنْكُم ويصدقكم بِالْخَيرِ لَا بِالْكَذِبِ وَيُقَال أذن خير إِن كَانَ أذنا فَهُوَ خير لكم ﴿يُؤْمِنُ بِاللَّه﴾ يصدق قَول الله ﴿وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ يصدق قَول الْمُؤمنِينَ المخلصين ﴿وَرَحْمَةٌ﴾ من الْعَذَاب ﴿لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ﴾ فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة ﴿وَالَّذين يُؤْذُونَ رَسُولَ الله﴾ بالتخلف عَنهُ فِي غَزْوَة تَبُوك جلاس بن سُوَيْد وَسماك بن عَمْرو ومخشي بن حمير وأصحابهم ﴿لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وجيع فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّه لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ﴾ بالتخلف عَن الْغَزْو ﴿وَالله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ﴾ لَو كَانُوا مُصدقين فِي إِيمَانهم
﴿أَلَمْ يعلمُوا﴾ يَعْنِي جلاساً وَأَصْحَابه ﴿أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ الله﴾ يُخَالف الله ﴿وَرَسُولَهُ﴾ فِي السِّرّ ﴿فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِك الخزي الْعَظِيم﴾ الْعَذَاب الشَّديد
﴿يَحْذَرُ المُنَافِقُونَ﴾ عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه ﴿أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ﴾ على نَبِيّهم ﴿سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ﴾ تخبرهم ﴿بِمَا فِي قُلُوبِهِم﴾ من النِّفَاق ﴿قُلِ﴾ يَا مُحَمَّد لوديعة بن جزام وجد بن قيس وجهير بن حمير ﴿استهزؤوا﴾ بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَالْقُرْآن ﴿إِنَّ الله مُخْرِجٌ﴾
160
مظهر ﴿مَّا تَحْذَرُونَ﴾ مَا تكتمون من مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه
161
﴿وَلَئِن سَأَلتهمْ﴾ يَا مُحَمَّد عَمَّا ذَا ضحكتم ﴿ليَقُولن إِنَّمَا كُنَّا نَخُوض﴾ فَتحدث عَن الركب ﴿وَنَلْعَبُ﴾ نضحك فِيمَا بَيْننَا ﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّد لَهُم ﴿أبالله وَآيَاتِهِ﴾ الْقُرْآن ﴿وَرَسُولِهِ كُنْتُم تستهزؤون﴾
﴿لاَ تَعْتَذِرُواْ﴾ بقولكم ﴿قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ﴾ جهير بن حمير لِأَنَّهُ لم يستهزىء مَعَهم وَلَكِن ضحك مَعَهم ﴿نُعَذِّبْ طَآئِفَةً﴾ وَدِيعَة بن جذام وجد بن قيس ﴿بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ﴾ مُشْرِكين فِي السِّرّ
﴿المُنَافِقُونَ﴾ من الرِّجَال ﴿والمنافقات﴾ من النِّسَاء ﴿بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ﴾ على دين بعض فِي السِّرّ ﴿يَأْمُرُونَ بالمنكر﴾ بالْكفْر وَمُخَالفَة الرَّسُول ﴿وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوف﴾ عَن الْإِيمَان وموافقة الرَّسُول ﴿وَيَقْبِضُونَ﴾ يمسكون ﴿أَيْدِيَهُمْ﴾ عَن النَّفَقَة فِي الْخَيْر ﴿نَسُواْ الله﴾ تركُوا طَاعَة الله فِي السِّرّ ﴿فَنَسِيَهُمْ﴾ خذلهم فِي الدُّنْيَا وتركهم فِي الْآخِرَة فِي النَّار ﴿إِنَّ الْمُنَافِقين هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ الْكَافِرُونَ فِي السِّرّ
﴿وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ﴾ من الرِّجَال ﴿والمنافقات﴾ من النِّسَاء ﴿وَالْكفَّار نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ مقيمين فِي النَّار ﴿هِيَ حَسْبُهُمْ﴾ مصيرهم ﴿وَلَعَنَهُمُ الله﴾ عذبهم الله ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ﴾ دَائِم
﴿كَالَّذِين﴾ كعذاب الَّذين ﴿مِن قَبْلِكُمْ﴾ من الْمُنَافِقين ﴿كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً﴾ بِالْبدنِ ﴿وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً فاستمتعوا بِخَلاقِهِمْ﴾ فَأَكَلُوا بنصيبهم من الْآخِرَة فِي الدُّنْيَا ﴿فاستمتعتم بِخَلاَقِكُمْ﴾ فأكلتم بنصيبكم من الْآخِرَة فِي الدُّنْيَا ﴿كَمَا استمتع﴾ كَمَا أكل ﴿الَّذين مِن قَبْلِكُمْ﴾ من الْمُنَافِقين ﴿بِخَلاَقِهِمْ﴾ بنصيبهم من الْآخِرَة فِي الدُّنْيَا ﴿وَخُضْتُمْ﴾ فِي الْبَاطِل ﴿كَالَّذي خَاضُوا﴾ وكذبتم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السِّرّ كَالَّذِين خَاضُوا وكذبوا أنبياءه يَعْنِي أَنْبيَاء الله ﴿أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ بطلت حسناتهم ﴿فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَأُولَئِكَ هُمُ الخاسرون﴾ المغبونون بالعقوبة
﴿ألم يَأْتهمْ نبأ﴾ خير ﴿الَّذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ كَيفَ أهلكناهم ﴿قَوْمِ نُوحٍ﴾ أهلكناهم بِالْغَرَقِ ﴿وَعَادٍ﴾ قوم هود أهلكناهم بِالرِّيحِ ﴿وَثَمُودَ﴾ قوم صَالح أهلكناهم بالرجفة ﴿وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ﴾ أهلكناهم بالهدم ﴿وِأَصْحَابِ مَدْيَنَ﴾ قوم شُعَيْب أهلكناهم بالرجفة ﴿والمؤتفكات﴾ المكذبات المنخسفات يَعْنِي قوم لوط أهلكناهم بالخسف وَالْحِجَارَة ﴿أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ بِالْأَمر وَالنَّهْي والعلامات فَلم يُؤمنُوا بهم فأهلكهم الله ﴿فَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ﴾ بهلاكهم ﴿وَلَكِن كَانُوا أنفسهم يظْلمُونَ﴾ بالْكفْر وَتَكْذيب الْأَنْبِيَاء
﴿والمؤمنون﴾ المصدقون من الرِّجَال ﴿وَالْمُؤْمِنَات﴾ المصدقات من النِّسَاء ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ﴾ على دين بعض فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ﴾ بِالتَّوْحِيدِ وَاتِّبَاع مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكر﴾ عَن الْكفْر والشرك وَترك اتِّبَاع مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
161
﴿وَيُقِيمُونَ الصَّلَاة﴾ يتمون الصَّلَوَات الْخمس ﴿وَيُؤْتُونَ الزَّكَاة﴾ يُعْطون زَكَاة أَمْوَالهم ﴿وَيُطِيعُونَ الله وَرَسُولَهُ﴾ فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة ﴿أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ الله﴾ لَا يعذبهم الله ﴿إِنَّ الله عَزِيزٌ﴾ فِي ملكه وسلطانه ﴿حَكِيمٌ﴾ فِي أمره وقضائه
162
﴿وَعَدَ الله الْمُؤمنِينَ﴾ المصدقين من الرِّجَال ﴿وَالْمُؤْمِنَات﴾ المصدقات من النِّسَاء ﴿جَنَّاتٍ﴾ بساتين ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا﴾ من تَحت شَجَرهَا ومساكنها ﴿الْأَنْهَار﴾ أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن ﴿خَالِدين فِيهَا﴾ مقيمين فِي الْجنَّة ﴿وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً﴾ منَازِل حَسَنَة قد طيبها الله بالمسك وَالريحَان وَيُقَال جميلَة وَيُقَال طَاهِرَة وَيُقَال عامرة ﴿فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ﴾ دَرَجَة الْعليا ﴿وَرِضْوَانٌ مِّنَ الله أَكْبَرُ﴾ رضَا رَبهم أعظم مِمَّا هم فِيهِ ﴿ذَلِك﴾ الَّذِي ذكرت ﴿هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم﴾ النجَاة الوافرة
﴿يَا أَيهَا النَّبِي جَاهِدِ الْكفَّار﴾ بِالسَّيْفِ ﴿وَالْمُنَافِقِينَ﴾ بِاللِّسَانِ ﴿وَاغْلُظْ﴾ اشْدُد ﴿عَلَيْهِمْ﴾ على كلا الْفَرِيقَيْنِ بالْقَوْل وَالْفِعْل ﴿وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ﴾ مصيرهم جَهَنَّم ﴿وَبِئْسَ الْمصير﴾ صَارُوا إِلَيْهِ
﴿يَحْلِفُونَ بِاللَّه مَا قَالُواْ﴾ حلف بِاللَّه جلاس بن سُوَيْد مَا قلت الَّذِي قَالَ على عَامر بن قيس ﴿وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكفْر﴾ كلمة الْكفَّار لقَوْله حَيْثُ ذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عيب الْمُنَافِقين وَمَا فيهم قَالَ وَالله لَئِن كَانَ مُحَمَّد صَادِقا فِيمَا يَقُول فِي إِخْوَاننَا لنَحْنُ أشر من الْحمير فَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَامر بن قيس عَن قَوْله فَحلف بِاللَّه مَا قلت فكذبه الله وَقَالَ وَلَقَد قَالُوا كلمة الْكفْر ﴿وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ﴾ أَرَادوا قتل الرَّسُول وَإِخْرَاج الرَّسُول وَلم يقدروا على ذَلِك ﴿وَمَا نقموا﴾ وَمَا طعنوا على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه ﴿إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ الله وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ﴾ بِالْغَنِيمَةِ ﴿فَإِن يَتُوبُواْ﴾ من الْكفْر والنفاق ﴿يَكُ خَيْراً لَّهُمْ﴾ من الْكفْر والنفاق ﴿وَإِن يَتَوَلَّوْا﴾ عَن التَّوْبَة ﴿يُعَذِّبْهُمُ الله عَذَاباً أَلِيماً﴾ وجيعاً ﴿فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْض مِن وَلِيٍّ﴾ حَافظ يحفظهم ﴿وَلاَ نَصِيرٍ﴾ مَانع يمنعهُم مِمَّا يُرَاد بهم
﴿وَمِنْهُمْ﴾ من الْمُنَافِقين ﴿مَّنْ عَاهَدَ الله﴾ حلف بِاللَّه يَعْنِي ثَعْلَبَة بن حَاطِب بن أبي بلتعة ﴿لَئِنْ آتَانَا﴾ أَعْطَانَا ﴿مِن فَضْلِهِ﴾ المَال الَّذِي لَهُ بِالشَّام ﴿لَنَصَّدَّقَنَّ﴾ فِي سَبِيل الله لنؤدين مِنْهُ حق الله ولنصلن بِهِ الرَّحِم ﴿وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحين﴾ من الحامدين
﴿فَلَمَّآ آتَاهُمْ﴾ الله أَعْطَاهُم ﴿مِّن فَضْلِهِ﴾ المَال الَّذِي لَهُ بِالشَّام ﴿بَخِلُواْ بِهِ﴾ بِمَا وعدوا من حق الله ﴿وَتَوَلَّواْ﴾ عَن ذَلِك ﴿وَّهُمْ معرضون﴾ مكذبون
﴿فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ﴾ فَجعل عاقبته على النِّفَاق ﴿إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ﴾ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ﴿بِمَآ أَخْلَفُواْ الله مَا وَعَدُوهُ﴾ بِمَا أخلف وعده ﴿وَبِمَا كَانُوا يكذبُون﴾ ويكذبه بِمَا قَالَ
﴿أَلَمْ يَعْلَمُواْ﴾ يَعْنِي الْمُنَافِقين ﴿أَنَّ الله يَعْلَمُ سِرَّهُمْ﴾ فِيمَا بَينهم ﴿وَنَجْوَاهُمْ﴾ خلوتهم ﴿وَأَنَّ الله عَلاَّمُ الغيوب﴾ مَا غَابَ عَن الْعباد
﴿الَّذين يَلْمِزُونَ الْمُطوِّعين مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ﴾ يطعنون على عبد الرَّحْمَن وَأَصْحَابه فِي الصَّدقَات يَقُولُونَ مَا جَاءَ هَؤُلَاءِ بالصدقات إِلَّا رِيَاء وَسُمْعَة ﴿وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ﴾
162
ويطعنون على الَّذين لَا يَجدونَ إِلَّا طاقتهم وَكَانَ هَذَا أَبَا عقيل عبد الرَّحْمَن بن تيجان لم يجد إِلَّا صَاعا من تمر ﴿فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ﴾ بقلة الصَّدَقَة يَقُولُونَ مَا جَاءَ بِهِ إِلَّا ليذكر بِهِ وَيُعْطى من الصَّدَقَة أَكثر مِمَّا جَاءَ بِهِ ﴿سَخِرَ الله مِنْهُمْ﴾ عَلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة فِي الْآخِرَة يفتح الله لَهُم بَابا إِلَى النَّار ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وجيع فِي الْآخِرَة
163
﴿اسْتغْفر لَهُمْ﴾ يَقُول إِن تستغفر لعبد الله بن أبي وجد بن قيس ومعتب بن قُشَيْر وأصحابهم نَحْو سبعين رجلا ﴿أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ﴾ سَوَاء عَلَيْهِم ﴿إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ الله لَهُمْ ذَلِك﴾ الْعَذَاب ﴿بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّه وَرَسُولِهِ﴾ فِي السِّرّ ﴿وَالله لاَ يَهْدِي﴾ لَا يغْفر ﴿الْقَوْم الْفَاسِقين﴾ الْمُنَافِقين عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه
﴿فَرِحَ الْمُخَلفُونَ﴾ رَضِي المُنَافِقُونَ ﴿بِمَقْعَدِهِمْ﴾ بتخلفهم عَن غَزْوَة تَبُوك ﴿خِلاَفَ رَسُولِ الله﴾ خلف رَسُول الله ﴿وكرهوا أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله﴾ فِي طَاعَة الله ﴿وَقَالُواْ﴾ وَقَالَ بَعضهم لبَعض ﴿لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحر﴾ لَا تخْرجُوا مَعَ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى غَزْوَة تَبُوك فِي الْحر الشَّديد ﴿قُلْ﴾ لَهُم يَا مُحَمَّد ﴿نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً﴾ جمراً ﴿لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾ يفهمون ويصدقون
﴿فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً﴾ فِي الْآخِرَة ﴿جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾ يَقُولُونَ ويعملون من الْمعاصِي
﴿فَإِن رَّجَعَكَ الله﴾ من غَزْوَة تَبُوك ﴿إِلَى طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ﴾ من الْمُنَافِقين بِالْمَدِينَةِ ﴿فاستأذنوك لِلْخُرُوجِ﴾ إِلَى غَزْوَة أُخْرَى ﴿فَقُلْ﴾ لَهُم يَا مُحَمَّد ﴿لَّن تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً﴾ بعد غَزْوَة تَبُوك ﴿وَلَن تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بالقعود﴾ بِالْجُلُوسِ ﴿أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ فِي أول مرّة من غَزْوَة تَبُوك ﴿فاقعدوا﴾ عَن الْجِهَاد ﴿مَعَ الخالفين﴾ مَعَ النِّسَاء وَالصبيان
﴿وَلاَ تُصَلِّ على أَحَدٍ مِّنْهُم﴾ من الْمُنَافِقين بعد عبد الله بن أبي ﴿مَّاتَ أَبَداً﴾ وَيُقَال على عبد الله بن أبي ﴿وَلاَ تَقُمْ على قَبْرِهِ﴾ وَلَا تقف على قَبره ﴿إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللَّه وَرَسُولِهِ﴾ فِي السِّرّ ﴿وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ﴾ مُنَافِقُونَ
﴿وَلاَ تُعْجِبْكَ﴾ يَا مُحَمَّد ﴿أَمْوَالُهُمْ﴾ كَثْرَة أَمْوَالهم ﴿وَأَوْلاَدُهُمْ﴾ وَلَا كَثْرَة أَوْلَادهم ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الله أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا﴾ وَفِي الْآخِرَة ﴿وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ﴾ تخرج أَرْوَاحهم ﴿وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ مقدم ومؤخر
﴿وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ﴾ من الْقُرْآن وَأمرُوا فِيهَا ﴿أَنْ آمِنُواْ بِاللَّه﴾ صدقُوا بإيمانكم بِاللَّه ﴿وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ استأذنك﴾ يَا مُحَمَّد ﴿أُوْلُواْ الطول﴾ ذُو الْغنى ﴿مِنْهُمْ﴾ من الْمُنَافِقين عبد الله بن أبي وجد بن قيس ومعتب بن قُشَيْر ﴿وَقَالُواْ ذَرْنَا﴾ يَا مُحَمَّد ﴿نَكُنْ مَّعَ القاعدين﴾ بِغَيْر عذر
﴿رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِف﴾ مَعَ النِّسَاء وَالصبيان
163
﴿وَطُبِعَ﴾ ختم ﴿على قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ﴾ لَا يصدقون أَمر الله
164
﴿لَكِن الرَّسُول﴾ مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿وَالَّذين آمَنُواْ﴾ فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة ﴿مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ﴾ فِي سَبِيل الله ﴿وَأُولَئِكَ لَهُمُ الْخيرَات﴾ الْحَسَنَات المقبولات فِي الدُّنْيَا وَيُقَال الْجَوَارِي الحسان فِي الْآخِرَة ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ المفلحون﴾ الناجون من السخط وَالْعَذَاب
﴿أَعَدَّ الله لَهُمْ جَنَّاتٍ﴾ بساتين ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا﴾ من تَحت شَجَرهَا ومساكنها ﴿الْأَنْهَار﴾ أَنهَار الْخمر وَالْمَاء وَالْعَسَل وَاللَّبن ﴿خَالِدين فِيهَا﴾ مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا ﴿ذَلِك﴾ الَّذِي ذكرت ﴿الْفَوْز الْعَظِيم﴾ النجَاة الوافرة فازوا بِالْجنَّةِ وَمَا فِيهَا ونجوا من النَّار وَمَا فِيهَا
﴿وَجَآءَ﴾ إِلَيْك يَا مُحَمَّد ﴿المعذرون﴾ مُخَفّفَة من كَانَ لَهُ عذر ﴿مِنَ الْأَعْرَاب﴾ من بني غفار وَإِن قَرَأت المعذرون مُشَدّدَة يَعْنِي من لم يكن لَهُ عذر ﴿لِيُؤْذَنَ لَهُمْ﴾ لكَي يَأْذَن لَهُم رَسُول الله بالتخلف عَن غَزْوَة تَبُوك ﴿وَقَعَدَ الَّذين كَذَبُواْ الله وَرَسُولَهُ﴾ فِي السِّرّ وَيُقَال خالفوا الله وَرَسُوله فِي السِّرّ فِي الْجِهَاد بِغَيْر إِذن ﴿سَيُصِيبُ الَّذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ﴾ من الْمُنَافِقين عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وجيع
﴿لَّيْسَ عَلَى الضعفآء﴾ من الشُّيُوخ والزمنى ﴿وَلاَ على المرضى﴾ من الشَّبَاب ﴿وَلاَ عَلَى الَّذين لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ﴾ فِي الْجِهَاد ﴿حَرَجٌ﴾ مأثم بالتخلف ﴿إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ﴾ فِي الدّين ﴿وَرَسُولِهِ﴾ فِي السّنة ﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ بالْقَوْل وَالْفِعْل ﴿مِن سَبِيلٍ﴾ من حرج ﴿وَالله غَفُورٌ﴾ متجاوز لمن تَابَ ﴿رَّحِيمٌ﴾ لمن مَاتَ على التَّوْبَة
﴿وَلاَ عَلَى الَّذين إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ﴾ إِلَى الْجِهَاد بِالنَّفَقَةِ عبد الله ابْن مُغفل بن يسَار الْمُزنِيّ وَسَالم بن عُمَيْر الْأنْصَارِيّ وأصحابهما ﴿قُلْتَ﴾ لَهُم ﴿لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ﴾ إِلَى الْجِهَاد من النَّفَقَة ﴿تَوَلَّوْا﴾ خَرجُوا من عنْدك ﴿وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ﴾ تسيل ﴿مِنَ الدمع حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ﴾ بِأَن لم يَجدوا ﴿مَا يُنْفِقُونَ﴾ فِي الْجِهَاد
﴿إِنَّمَا السَّبِيل﴾ الْحَرج ﴿عَلَى الَّذين يَسْتَأْذِنُونَكَ﴾ بالتخلف ﴿وَهُمْ أَغْنِيَآءُ﴾ بِالْمَالِ عبد الله بن أبي وجد بن قيس ومعتب بن قُشَيْر وأصحابهم نَحْو سبعين رجلا ﴿رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِف﴾ مَعَ النِّسَاء وَالصبيان ﴿وَطَبَعَ الله﴾ ختم الله ﴿على قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أَمر الله وَلَا يصدقون
﴿يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ﴾ من غَزْوَة تَبُوك ﴿إِلَيْهِمْ﴾ إِلَى الْمَدِينَة بِأَنا لم نقدر أَن نخرج مَعَك ﴿قُل﴾ يَا مُحَمَّد لَهُم ﴿لاَّ تَعْتَذِرُواْ﴾ بالتخلف ﴿لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ﴾ لن نصدقكم بِمَا تَقولُونَ من الْعِلَل ﴿قَدْ نَبَّأَنَا الله﴾ أخبرنَا الله ﴿مِنْ أَخْبَارِكُمْ﴾ من أسراركم ونفاقكم ﴿وَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ﴾ بعد ذَلِك إِن تبتم ﴿ثُمَّ تُرَدُّونَ﴾ فِي الْآخِرَة ﴿إِلَى عَالِمِ الْغَيْب﴾ مَا غَابَ عَن الْعباد وَيُقَال الْغَيْب مَا لم يُعلمهُ الْعباد وَيُقَال مَا يكون ﴿وَالشَّهَادَة﴾ مَا علمه الْعباد وَيُقَال مَا كَانَ ﴿فينبئكم﴾ بخبركم ﴿بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾ وتقولون من الْخَيْر وَالشَّر
﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّه﴾ عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه ﴿لَكُمْ إِذَا انقلبتم﴾ إِذا رجعتم من غَزْوَة تَبُوك ﴿إِلَيْهِم﴾ بِالْمَدِينَةِ ﴿لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ﴾ لتصفحوا عَنْهُم وَلَا تعاقبوهم
164
﴿فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ﴾ وَلَا تعاقبوهم ﴿إِنَّهُمْ رِجْسٌ﴾ نجس قذر ﴿وَمَأْوَاهُمْ﴾ مصيرهم ﴿جَهَنَّمُ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾ يَقُولُونَ ويعملون من الشَّرّ
165
﴿يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ﴾ بِالْحلف ﴿فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ﴾ بِالْحلف الْكَاذِب ﴿فَإِنَّ الله لاَ يرضى عَنِ الْقَوْم الْفَاسِقين﴾ الْمُنَافِقين
﴿الْأَعْرَاب﴾ أَسد وغَطَفَان ﴿أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً﴾ هم أَشد على الْكفْر والنفاق من غَيرهم ﴿وَأَجْدَرُ﴾ أَحْرَى أَيْضا ﴿أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ الله﴾ فَرَائض مَا أنزل الله ﴿على رَسُولِهِ﴾ فِي الْكتاب ﴿وَالله عَلِيمٌ﴾ بالمنافقين ﴿حَكِيمٌ﴾ فِيمَا حكم عَلَيْهِم بالعقوبة وَيُقَال عليم بِجَهْل من ترك التَّعَلُّم حَكِيم حكم أَن من لَا يتَعَلَّم الْعلم يكون جَاهِلا
﴿وَمِنَ الْأَعْرَاب﴾ يَعْنِي أَسد وغَطَفَان ﴿مَن يَتَّخِذُ﴾ يحْتَسب ﴿مَا يُنفِقُ﴾ فِي الْجِهَاد ﴿مَغْرَماً﴾ غرماً ﴿وَيَتَرَبَّصُ﴾ ينْتَظر ﴿بِكُمُ الدَّوَائِر﴾ الْمَوْت والهلاك ﴿عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السوء﴾ منقلبة السوء وعاقبة السوء ﴿وَالله سَمِيعٌ﴾ لمقالتهم ﴿عَلِيمٌ﴾ بعقوبتهم
﴿وَمِنَ الْأَعْرَاب﴾ مزينة وجهينة وَأسلم ﴿مَن يُؤْمِنُ بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر﴾ فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة ﴿وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ﴾ فِي الْجِهَاد ﴿قُرُبَاتٍ عِندَ الله﴾ قربَة إِلَى الله فِي الدَّرَجَات ﴿وَصَلَوَاتِ الرَّسُول﴾ دُعَاء الرَّسُول ﴿أَلا إِنَّهَا﴾ يَعْنِي النَّفَقَة ﴿قُرْبَةٌ لَّهُمْ﴾ إِلَى الله فِي الدَّرَجَات ﴿سَيُدْخِلُهُمُ الله فِي رَحْمَتِهِ﴾ فِي جنته ﴿إِنَّ الله غَفُورٌ﴾ متجاوز ﴿رَّحِيمٌ﴾ لمن تَابَ
﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَولونَ مِنَ الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار﴾ بِالْإِيمَان الَّذين صلوا إِلَى قبلتين وشهدوا بَدْرًا ﴿وَالَّذين اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ﴾ بأَدَاء الْفَرَائِض وَاجْتنَاب الْمعاصِي إِلَى يَوْم الْقِيَامَة ﴿رَّضِيَ الله عَنْهُمْ﴾ بإحسانهم ﴿وَرَضُواْ عَنْهُ﴾ بالثواب والكرامة ﴿وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ﴾ بساتين ﴿تَجْرِي تحتهَا﴾ من تَحت أشجارها ومساكنها ﴿الْأَنْهَار﴾ أَنهَار المَاء وَالْخمر وَالْعَسَل وَاللَّبن ﴿خَالِدِينَ فِيهَآ﴾ مقيمين فِي الْجنَّة لَا يموتون وَلَا يخرجُون مِنْهَا ﴿أَبَداً ذَلِك﴾ الرضْوَان والجنان ﴿الْفَوْز الْعَظِيم﴾ النجَاة الوافرة
﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ الْأَعْرَاب﴾ أَسد وغَطَفَان ﴿مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَة﴾ عبد الله بن أبي وَأَصْحَابه ﴿مَرَدُواْ﴾ ثبتوا وجمعوا ﴿عَلَى النِّفَاق لاَ تَعْلَمُهُمْ﴾ لَا تعلم نفاقهم ﴿نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ﴾ نعلم نفاقهم ﴿سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ﴾ مرّة عِنْد قبض أَرْوَاحهم وَمرَّة فِي الْقُبُور ﴿ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾ عَذَاب جَهَنَّم
﴿وَآخَرُونَ﴾ وَمن أهل الْمَدِينَة قوم آخَرُونَ وَدِيعَة بن جذام الْأنْصَارِيّ وَأَبُو لبَابَة ابْن عبد الْمُنْذر الْأنْصَارِيّ وَأَبُو ثَعْلَبَة ﴿اعْتَرَفُوا﴾ أقرُّوا ﴿بِذُنُوبِهِمْ﴾ بتخلفهم عَن غَزْوَة تَبُوك ﴿خَلَطُواْ عَمَلاً صَالحا﴾ خَرجُوا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مرّة ﴿وَآخَرَ سَيِّئاً﴾ تخلفوا مرّة ﴿عَسَى الله﴾ وَعَسَى من الله وَاجِب ﴿أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ أَن يتَجَاوَز عَنْهُم ﴿إِنَّ الله غَفُورٌ﴾ لمن تَابَ مِنْهُم ﴿رَّحِيمٌ﴾ لمن مَاتَ على التَّوْبَة
ثمَّ بَين للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا يَأْخُذهُ من أَمْوَالهم لقَولهم خُذ منا أَمْوَالنَا لأَنا تخلفنا عَن غَزْوَة تَبُوك لقبل الْأَمْوَال فَلم يَأْخُذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بَين الله لَهُ فَقَالَ ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ أَمْوَال المتخلفين ﴿صَدَقَةً﴾ ثلثا
165
﴿تُطَهِّرُهُمْ﴾ من الذُّنُوب ﴿وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ تصلحهم بهَا ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ اسْتغْفر لَهُم وادع لَهُم ﴿إِنَّ صَلاَتَكَ﴾ استغفارك ودعاءك ﴿سَكَنٌ لَّهُمْ﴾ طمأنينة لقُلُوبِهِمْ بِأَن تقبل تَوْبَتهمْ ﴿وَالله سَمِيعٌ﴾ لمقالتهم خُذ منا أَمْوَالنَا ﴿عَلِيمٌ﴾ بتوبتهم ونيتهم
166
﴿أَلَمْ يعلمُوا أَنَّ الله هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَة عَنْ عِبَادِهِ﴾ من عباده ﴿وَيَأْخُذُ الصَّدقَات﴾ وَيقبل الصَّدقَات ﴿وَأَنَّ الله هُوَ التواب﴾ المتجاوز ﴿الرَّحِيم﴾ لمن تَابَ
﴿وَقُلِ﴾ لَهُم يَا مُحَمَّد ﴿اعْمَلُوا﴾ خيرا بعد التَّوْبَة ﴿فَسَيَرَى الله عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ﴾ وَيرى الله وَرَسُوله ﴿والمؤمنون﴾ وَيرى الْمُؤْمِنُونَ ﴿وَسَتُرَدُّونَ﴾ بعد الْمَوْت ﴿إِلَى عَالِمِ الْغَيْب﴾ مَا غَابَ عَن الْعباد وَيُقَال مَا يكون ﴿وَالشَّهَادَة﴾ مَا علمه الْعباد وَيُقَال مَا كَانَ ﴿فينبئكم﴾ يُخْبِركُمْ ﴿بِمَا كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾ وتقولون من الْخَيْر وَالشَّر
﴿وَآخَرُونَ﴾ وَقوم آخَرُونَ من أهل الْمَدِينَة كَعْب بن مَالك ومرارة بن الرّبيع وهلال بن أُميَّة ﴿مرجون لأمر الله﴾ موقوفون محبوسون أنفسهم لأمر الله ﴿إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ﴾ بتخلفهم عَن غَزْوَة تَبُوك ﴿وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾ يتَجَاوَز عَنْهُم بتخلفهم ﴿وَالله عَلِيمٌ﴾ بتوبتهم وتخلفهم ﴿حَكِيمٌ﴾ فِيمَا حكم عَلَيْهِم
﴿وَالَّذين اتَّخذُوا﴾ بنوا ﴿مَسْجِداً﴾ عبد الله بن أبي وجد بن قيس ومعتب بن قُشَيْر وأصحابهم نَحْو سَبْعَة عشر رجلا ﴿ضِرَاراً﴾ مضرَّة للْمُؤْمِنين ﴿وَكُفْراً﴾ فِي قُلُوبهم ثباتاً على كفرهم يَعْنِي النِّفَاق ﴿وَتَفْرِيقًا بَين الْمُؤمنِينَ﴾ لكَي يصل طَائِفَة فِي مَسْجِدهمْ وَطَائِفَة فِي مَسْجِد الرَّسُول ﴿وَإِرْصَاداً﴾ انتظاراً ﴿لِّمَنْ حَارَبَ الله وَرَسُولَهُ﴾ لمن كفر بِاللَّه وَرَسُوله ﴿مِن قَبْلُ﴾ من قبلهم أَبُو عَامر الراهب الَّذِي سَمَّاهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَاسِقًا ﴿وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا﴾ مَا أردنَا بِبِنَاء الْمَسْجِد ﴿إِلاَّ الْحسنى﴾ إِلَّا الْإِحْسَان إِلَى الْمُؤمنِينَ لكَي يُصَلِّي فِيهِ من فَاتَتْهُ صلَاته فِي مَسْجِد قبَاء ﴿وَالله يَشْهَدُ﴾ يعلم ﴿إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ فِي حلفهم
﴿لاَ تَقُمْ فِيهِ﴾ لَا تصل فِي مَسْجِد الشقاق ﴿أَبَداً لَّمَسْجِدٌ﴾ وَهُوَ مَسْجِد قبَاء ﴿أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى﴾ بني على طَاعَة الله وَذكره ﴿من أول يَوْم﴾ دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة وَيُقَال أول مَسْجِد بني بِالْمَدِينَةِ ﴿أَحَقُّ﴾ أصوب ﴿أَن تَقُومَ﴾ تصلي ﴿فِيهِ﴾ فِي مَسْجِد قبَاء ﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ﴾ أَن يغسلوا أدبارهم بِالْمَاءِ ﴿وَالله يُحِبُّ المطهرين﴾ بِالْمَاءِ من الأدناس
﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ﴾ بني أساسه ﴿على تقوى مِنَ اللَّهِ﴾ على طَاعَة الله وَذكره ﴿وَرِضْوَانٍ﴾ بنوا إِرَادَة رضوَان رَبهم وَهُوَ مَسْجِد قبَاء ﴿خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ﴾ بني أساسه وَهُوَ مَسْجِد الشقاق ﴿على شَفَا جُرُفٍ﴾ على طرف هوي وَلَيْسَ لَهُ أصل ﴿هَارٍ﴾ غَار ﴿فانهار بِهِ﴾ فغاربه يَعْنِي بانيه ﴿فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَالله لاَ يَهْدِي الْقَوْم الظَّالِمين﴾ لَا يغْفر لِلْمُنَافِقين وَلَا ينجيهم
﴿لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ﴾ بَعْدَمَا هدمت ﴿الَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً﴾ حسرة وندامة ﴿فِي قُلُوبِهِمْ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ﴾ إِلَّا أَن يموتوا ﴿وَالله عَلِيمٌ﴾ ببنيانهم مَسْجِد الضرار وبنياتهم ﴿حَكِيمٌ﴾ فِيمَا حكم من هدم مَسْجِدهمْ وَحَرقه بعث إِلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد رُجُوعه من غَزْوَة تَبُوك عَامر بن قيس ووحشيا مولى مطعم ابْن عدي حَتَّى أحرقاه وَهَدَمَاهُ
﴿إِنَّ الله اشْترى مِنَ الْمُؤمنِينَ﴾ المخلصين ﴿أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجنَّة﴾ بِالْجنَّةِ ﴿يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيل الله﴾
166
فِي طَاعَة الله ﴿فَيَقْتُلُونَ﴾ الْعَدو ﴿وَيُقْتَلُونَ﴾ ويقتلهم الْعَدو ﴿وَعْداً عَلَيْهِ﴾ على الله ﴿حَقّاً﴾ وَاجِبا أَن يوفيهم ﴿فِي التَّوْرَاة وَالْإِنْجِيل وَالْقُرْآن وَمَنْ أوفى بِعَهْدِهِ مِنَ الله﴾ وَمن أوفر بوفاء عَهده من الله ﴿فاستبشروا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ﴾ الله يَعْنِي الْجنَّة ﴿وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعَظِيم﴾ النَّجَاء الوافر
167
ثمَّ بيَّن من هم فَقَالَ ﴿التائبون﴾ أَي هم التائبون من الذُّنُوب ﴿العابدون﴾ المطيعون ﴿الحامدون﴾ الشاكرون ﴿السائحون﴾ الصائمون ﴿الراكعون الساجدون﴾ فِي الصَّلَوَات الْخمس ﴿الآمرون بِالْمَعْرُوفِ﴾ بِالتَّوْحِيدِ وَالْإِحْسَان ﴿والناهون عَنِ الْمُنكر﴾ عَن الْكفْر وَمَا لَا يعرف فِي شَرِيعَة وَلَا سنة ﴿والحافظون لحدود الله﴾ الْفَرَائِض الله ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤمنِينَ﴾ بِالْجنَّةِ
﴿مَا كَانَ للنَّبِي﴾ مَا جَازَ لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿وَالَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿أَن يَسْتَغْفِرُواْ﴾ أَن يدعوا ﴿لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قربى﴾ فِي الرَّحِم ﴿مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيم﴾ أهل النَّار أَي مَاتُوا على الْكفْر
﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَار إِبْرَاهِيمَ﴾ أَي دُعَاء إِبْرَاهِيم ﴿لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ إِيَّاهُ﴾ أَن يسلم ﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ﴾ أَي حِين مَاتَ على الْكفْر ﴿تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ وَمن دينه ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ﴾ دعّاء وَيُقَال رَحِيم وَيُقَال سيد وَيُقَال كَانَ يتأوه على نَفسه فَيَقُول أوه من النَّار قبل دُخُول النَّار ﴿حَلِيمٌ﴾ عَن الْجَهْل
﴿وَمَا كَانَ الله لِيُضِلَّ قَوْماً﴾ ليترك قوما بِمَنْزِلَة الضلال وَيُقَال ليبطل عمل قوم ﴿بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ﴾ للْإيمَان ﴿حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ﴾ الْمَنْسُوخ بالناسخ ﴿إِنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ﴾ من الْمَنْسُوخ والناسخ ﴿عَلِيمٌ﴾
﴿إِنَّ الله لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَات﴾ خَزَائِن السَّمَوَات الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم وَغير ذَلِك ﴿وَالْأَرْض﴾ وخزائن الأَرْض مثل الشّجر وَالدَّوَاب وَالْجِبَال والبحار وَغير ذَلِك ﴿يُحْيِي﴾ للبعث ﴿وَيُمِيتُ﴾ فِي الدُّنْيَا ﴿وَمَا لكم من دون الله﴾ من عَذَاب الله ﴿مِن وَلِيٍّ﴾ قريب ينفعكم ﴿وَلاَ نَصِيرٍ﴾ مَانع
﴿لَقَدْ تَابَ الله على النَّبِي﴾ تجَاوز الله عَن النَّبِي ﴿والمهاجرين وَالْأَنْصَار﴾ الَّذين صلوا إِلَى الْقبْلَتَيْنِ وشهدوا بَدْرًا ثمَّ بيَّنهم فَقَالَ ﴿الَّذين اتَّبعُوهُ﴾ اتبعُوا النَّبِي فِي غَزْوَة تَبُوك ﴿فِي سَاعَةِ الْعسرَة﴾ فِي حِين الْعسرَة والشدة وَكَانَت لَهُم عسرة من الزَّاد وعسرة من الظّهْر وعسرة من الْحر وعسرة من الْعَدو وعسرة من بعد الطَّرِيق ﴿مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ﴾ يمِيل ﴿قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ﴾ من الْمُؤمنِينَ المخلصين عَن الْخُرُوج مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ﴾ تجَاوز عَنْهُم وَثَبت قُلُوبهم حَتَّى خَرجُوا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿إِنَّه بهم رؤوف رَحِيم﴾
﴿وَعَلَى الثَّلَاثَة الَّذين خُلِّفُواْ﴾ وَتجَاوز عَن الثَّلَاثَة الَّذين خلف تَوْبَتهمْ كَعْب بن مَالك وَأَصْحَابه ﴿حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْض بِمَا رَحُبَتْ﴾ بسعتها ﴿وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ﴾
167
قُلُوبهم بِتَأْخِير التَّوْبَة ﴿وظنوا﴾ علمُوا وأيقنوا ﴿أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ الله﴾ أَن لَا نجاة لَهُم من الله ﴿إِلاَّ إِلَيْهِ﴾ إِلَّا بِالتَّوْبَةِ إِلَيْهِ من تخلفهم عَن غَزْوَة تَبُوك ﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ﴾ تجَاوز عَنْهُم وَعَفا عَنْهُم ﴿ليتوبوا﴾ لكَي يتوبوا من تخلفهم ﴿إِنَّ الله هُوَ التواب﴾ المتجاوز ﴿الرَّحِيم﴾ لمن تَابَ
168
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمَنُواْ﴾ عبد الله بن سَلام وَأَصْحَابه وَغَيرهم من الْمُؤمنِينَ ﴿اتَّقوا الله﴾ أطِيعُوا الله فِيمَا أَمركُم ﴿وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقين﴾ مَعَ أبي بكر وَعمر وأصحابهما فِي الْجُلُوس وَالْخُرُوج بِالْجِهَادِ
﴿مَا كَانَ﴾ مَا جَازَ ﴿لأَهْلِ الْمَدِينَة وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ الْأَعْرَاب﴾ من مزينة وجهينة وَأسلم ﴿أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ الله﴾ فِي الْغَزْوَة ﴿وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنْفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ﴾ لَا يَكُونُوا على أنفسهم أشق من نفس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَيُقَال وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفسِهِم بِصُحْبَة أنفسهم عَن صُحْبَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْجِهَاد ﴿ذَلِك﴾ الْخُرُوج ﴿بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ﴾ عَطش فِي الذّهاب والمجيء ﴿وَلاَ نَصَبٌ﴾ وَلَا تَعب ﴿وَلاَ مَخْمَصَةٌ﴾ وَلَا مجاعَة ﴿فِي سَبِيل الله﴾ فِي الْجِهَاد ﴿وَلَا يطؤون مَوْطِئاً﴾ لَا يجوزون مَكَانا يظهرون عَلَيْهِم ﴿يَغِيظُ الْكفَّار﴾ بذلك ﴿وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً﴾ قتلا وهزيمة ﴿إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ﴾ ثَوَاب عمل صَالح فِي الْجِهَاد ﴿إِنَّ الله لاَ يُضِيعُ﴾ لَا يبطل ﴿أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ ثَوَاب الْمُؤمنِينَ فِي الْجِهَاد
﴿وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً﴾ قَليلَة وَلَا كَثِيرَة فِي الذّهاب والمجيء ﴿وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً﴾ فِي طلب الْعَدو ﴿إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ﴾ ثَوَاب عمل صَالح ﴿لِيَجْزِيَهُمُ الله أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ فِي الْجِهَاد
﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ مَا جَازَ للْمُؤْمِنين ﴿لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً﴾ يخرجُوا جَمِيعًا فِي السّريَّة ويتركوا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْمَدِينَة وَحده ﴿فَلَوْلاَ نَفَرَ﴾ فَهَلا خرج ﴿مِن كُلِّ فِرْقَةٍ﴾ جمَاعَة ﴿مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ﴾ وَبَقِي طَائِفَة بِالْمَدِينَةِ ﴿لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدّين﴾ لكَي يتعلموا أَمر الدّين من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿ولينذروا﴾ ليخبروا وليعلموا ﴿قَوْمَهُمْ إِذَا رجعُوا إِلَيْهِمْ﴾ من غزوتهم ﴿لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ لكَي يعلمُوا مَا أمروا بِهِ وَمَا نهوا عَنهُ وَيُقَال نزلت هَذِه الْآيَة فِي بني آسد أَصَابَتْهُم سنة فَجَاءُوا إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ فأغلوا أسعار الْمَدِينَة وأفسدوا طرقها بالعذرات فنهاهم الله عَن ذَلِك
﴿يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن ﴿قَاتِلُواْ الَّذين يَلُونَكُمْ مِّنَ الْكفَّار﴾ من بني قُرَيْظَة وَالنضير وفدك وخيبر ﴿وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ﴾ مِنْكُم ﴿غِلْظَةً﴾ شدَّة ﴿وَاعْلَمُوا﴾ يَا معشر الْمُؤمنِينَ ﴿أَنَّ الله مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ معِين الْمُؤمنِينَ مُحَمَّد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَصْحَابه بالنصرة على أعدائهم
﴿وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ﴾ آيَة فَيقْرَأ عَلَيْهِم مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿فَمِنْهُمْ﴾ من الْمُنَافِقين ﴿مَّن يَقُولُ﴾ أَي يَقُول بَعضهم لبَعض ﴿أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِه﴾ السُّورَة وَالْآيَة ﴿إِيمَاناً﴾ خوفًا ورجاء ويقيناً بِمَا قَالَ مُحَمَّد ﴿فَأَما الَّذين آمنُوا﴾ بِمُحَمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأَصْحَابه ﴿فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً﴾ خوفًا ورجاء ويقيناً ﴿وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ بِمَا أنزل الله من الْقُرْآن
﴿وَأَمَّا الَّذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ شكّ ونفاق ﴿فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ﴾
168
شكا إِلَى شكهم بِمَا أنزل من الْقُرْآن ﴿وماتوا وهم كافرون﴾ بِمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقُرْآن فِي السِّرّ
169
﴿أَو لَا يَرَوْنَ﴾ يَعْنِي الْمُنَافِقين ﴿أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ﴾ يبتلون بِإِظْهَار مَكْرهمْ وخيانتهم وَيُقَال بِنَقْض عَهدهم ﴿فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ﴾ من صنيعهم وَنقض عَهدهم ﴿وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ يتعظون
﴿وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ﴾ نزل جِبْرِيل بِسُورَة فِيهَا عيب الْمُنَافِقين وَكَانَ يقْرَأ عَلَيْهِم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ﴿نَّظَرَ﴾ المُنَافِقُونَ ﴿بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ﴾ من المخلصين ﴿ثُمَّ انصرفوا﴾ عَن الصَّلَاة وَالْخطْبَة وَالْحق وَالْهدى ﴿صَرَفَ الله قُلُوبَهُم﴾ عَن الْحق وَالْهدى وَيُقَال مالوا عَن الْحق وَالْهدى فأمال الله قُلُوبهم عَن ذَلِك الِانْصِرَاف ﴿بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ﴾ أَمر الله وَلَا يصدقونه
﴿لَقَدْ جَآءَكُمْ﴾ يَا أهل مَكَّة ﴿رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ﴾ عَرَبِيّ هاشمي مثلكُمْ ﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ﴾ شَدِيد عَلَيْهِ ﴿مَا عنتم﴾ مَا أتممتم ﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ﴾ على إيمَانكُمْ ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ بِجَمِيعِ الْمُؤمنِينَ ﴿رؤوف رَحِيم﴾
﴿فَإِن تَوَلَّوْاْ﴾ عَن الْإِيمَان وَالتَّوْبَة وَمَا قلت لَهُم ﴿فَقُلْ حَسْبِيَ الله﴾ ثقتي بِاللَّه ﴿لَا إِلَه إِلاَّ هُوَ﴾ لَا حَافظ وَلَا نَاصِر إِلَّا هُوَ ﴿عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ﴾ اتكلت ووثقت ﴿وَهُوَ رب الْعَرْش﴾ السرير ﴿الْعَظِيم﴾ الْكَبِير
وَمن السُّورَة الَّتِي يذكر فِيهَا يُونُس وَهِي كلهَا مَكِّيَّة إِلَّا آيَة وَاحِدَة عِنْد رَأس لأربعين فَإِنَّهَا نزلت فِي الْيَهُود فَهِيَ مَدَنِيَّة وَهِي قَول الله عز وَجل ﴿وَمِنْهُم من يُؤمن بِهِ وَمِنْهُم من لَا يُؤمن بِهِ﴾ الْآيَة وآياتها مائَة وتسع آيَات وكلماتها ألف وَثَمَانمِائَة وَاثْنَانِ وحروفها سِتَّة آلَاف وَخَمْسمِائة وَسَبْعَة وَسِتُّونَ
﴿بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم﴾
tit/٢ /tit
سورة التوبة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (التَّوْبةِ) ارتبَطتِ ارتباطًا وثيقًا بسورة (الأنفال)، حتى ظنَّ بعضُ الصَّحابة أنهما سورةٌ واحدة؛ فقد أكمَلتِ الحديثَ عن أحكام الحرب والأَسْرى. وسُمِّيتْ بـ (الفاضحةِ)؛ لأنها فضَحتْ سرائرَ المنافقين، وأحوالَهم، وصفاتِهم. وقد نزَلتْ سورة (التَّوْبةِ) في غزوتَيْ (حُنَينٍ)، و(تَبُوكَ). وأعلَنتْ هذه السورةُ البراءةَ من الشركِ والمشركين وأفعالهم، وبيَّنتْ أحكامَ المواثيق والعهود مع المشركين، معلِنةً في خاتمتها التوبةَ على مَن تاب وتخلَّف من الصحابة - رضي الله عنهم - عن الغزوِ: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوٓاْۚ} [التوبة: 118].

ترتيبها المصحفي
9
نوعها
مدنية
ألفاظها
2505
ترتيب نزولها
113
العد المدني الأول
130
العد المدني الأخير
130
العد البصري
130
العد الكوفي
129
العد الشامي
130

تعلَّقتْ سورةُ (التوبة) بأحداثٍ كثيرة، وهي (الفاضحةُ)؛ لذا صحَّ في أسبابِ نزولها الكثيرُ؛ من ذلك:

* قوله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ اْلْحَآجِّ وَعِمَارَةَ اْلْمَسْجِدِ اْلْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِاْللَّهِ وَاْلْيَوْمِ اْلْأٓخِرِ وَجَٰهَدَ فِي سَبِيلِ اْللَّهِۚ لَا يَسْتَوُۥنَ عِندَ اْللَّهِۗ وَاْللَّهُ لَا يَهْدِي اْلْقَوْمَ اْلظَّٰلِمِينَ} [التوبة: 19]:

عن النُّعمانِ بن بشيرٍ رضي الله عنهما، قال: «كنتُ عند مِنبَرِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال رجُلٌ: ما أُبالي ألَّا أعمَلَ عمَلًا بعد الإسلامِ إلا أن أَسقِيَ الحاجَّ، وقال آخَرُ: ما أُبالي ألَّا أعمَلَ عمَلًا بعد الإسلامِ إلا أن أعمُرَ المسجدَ الحرامَ، وقال آخَرُ: الجهادُ في سبيلِ اللهِ أفضَلُ ممَّا قُلْتم، فزجَرَهم عُمَرُ، وقال: لا تَرفَعوا أصواتَكم عند مِنبَرِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وهو يومُ الجمعةِ، ولكن إذا صلَّيْتُ الجمعةَ دخَلْتُ فاستفتَيْتُه فيما اختلَفْتم فيه؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ اْلْحَآجِّ} [التوبة: 19] الآيةَ إلى آخِرِها». أخرجه مسلم (١٨٧٩).

* قوله تعالى: {اْلَّذِينَ يَلْمِزُونَ اْلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ فِي اْلصَّدَقَٰتِ وَاْلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} [التوبة: 79]:

عن أبي مسعودٍ عُقْبةَ بن عمرٍو رضي الله عنه، قال: «لمَّا نزَلتْ آيةُ الصَّدقةِ كنَّا نُحامِلُ، فجاءَ رجُلٌ فتصدَّقَ بشيءٍ كثيرٍ، فقالوا: مُرائي، وجاءَ رجُلٌ فتصدَّقَ بصاعٍ، فقالوا: إنَّ اللهَ لَغنيٌّ عن صاعِ هذا؛ فنزَلتِ: {اْلَّذِينَ يَلْمِزُونَ اْلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ فِي اْلصَّدَقَٰتِ وَاْلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} [التوبة: 79] الآية». أخرجه البخاري (١٤١٥).

* قوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِۦٓۖ} [التوبة: 84]:

عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: «أنَّ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ لمَّا تُوُفِّيَ جاءَ ابنُه إلى النبيِّ ﷺ، فقال: يا رسولَ اللهِ، أعطِني قميصَك أُكفِّنْهُ فيه، وصَلِّ عليه، واستغفِرْ له، فأعطاه النبيُّ ﷺ قميصَه، فقال: آذِنِّي أُصلِّي عليه، فآذَنَه، فلمَّا أراد أن يُصلِّيَ عليه جذَبَه عُمَرُ رضي الله عنه، فقال: أليس اللهُ نهاك أن تُصلِّيَ على المنافِقين؟ فقال: أنا بين خِيرَتَينِ، قال: {اْسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةٗ فَلَن يَغْفِرَ اْللَّهُ لَهُمْۚ} [التوبة: 80]، فصلَّى عليه؛ فنزَلتْ: {وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِۦٓۖ} [التوبة: 84]». أخرجه البخاري (١٢٦٩).

* قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ مِنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَٰبُ اْلْجَحِيمِ} [التوبة: 113]:

عن المسيَّبِ بن حَزْنٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا حضَرتْ أبا طالبٍ الوفاةُ جاءَه رسولُ اللهِ ﷺ، فوجَدَ عنده أبا جهلٍ، وعبدَ اللهِ بنَ أبي أُمَيَّةَ بنِ المُغيرةِ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «يا عَمِّ، قُلْ: لا إلهَ إلا اللهُ، كلمةً أشهَدُ لك بها عند اللهِ»، فقال أبو جهلٍ وعبدُ اللهِ بنُ أبي أُمَيَّةَ: يا أبا طالبٍ، أتَرغَبُ عن مِلَّةِ عبدِ المطَّلِبِ؟ فلَمْ يَزَلْ رسولُ اللهِ ﷺ يَعرِضُها عليه، ويُعِيدُ له تلك المقالةَ، حتى قال أبو طالبٍ آخِرَ ما كلَّمهم: هو على مِلَّةِ عبدِ المطَّلِبِ، وأبى أن يقولَ: لا إلهَ إلا اللهُ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «أمَا واللهِ لَأستغفِرَنَّ لك ما لم أُنْهَ عنك»؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ مِنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَٰبُ اْلْجَحِيمِ} [التوبة: 113]». أخرجه مسلم (٢٤).

* قوله تعالى: {وَعَلَى اْلثَّلَٰثَةِ اْلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰٓ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ اْلْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوٓاْ أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اْللَّهِ إِلَّآ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوٓاْۚ إِنَّ اْللَّهَ هُوَ اْلتَّوَّابُ اْلرَّحِيمُ} [التوبة: 118]:

نزَلتْ في (كعبِ بن مالكٍ)، و(مُرَارةَ بنِ الرَّبيعِ)، و(هلالِ بنِ أُمَيَّةَ).

والحديثُ يَروِيه عبدُ اللهِ بن كعبٍ، عن أبيه كعبِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «لم أتخلَّفْ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في غزوةٍ غزاها قطُّ، إلا في غزوةِ تَبُوكَ، غيرَ أنِّي قد تخلَّفْتُ في غزوةِ بَدْرٍ، ولم يُعاتِبْ أحدًا تخلَّفَ عنه، إنَّما خرَجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم والمسلمون يُريدون عِيرَ قُرَيشٍ، حتى جمَعَ اللهُ بَيْنهم وبين عدوِّهم على غيرِ ميعادٍ، ولقد شَهِدتُّ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ليلةَ العَقَبةِ، حِينَ تواثَقْنا على الإسلامِ، وما أُحِبُّ أنَّ لي بها مَشهَدَ بَدْرٍ، وإن كانت بَدْرٌ أذكَرَ في الناسِ منها، وكان مِن خَبَري حِينَ تخلَّفْتُ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في غزوةِ تَبُوكَ: أنِّي لم أكُنْ قطُّ أقوى ولا أيسَرَ منِّي حِينَ تخلَّفْتُ عنه في تلك الغزوةِ، واللهِ ما جمَعْتُ قَبْلها راحلتَينِ قطُّ، حتى جمَعْتُهما في تلك الغزوةِ، فغزَاها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في حَرٍّ شديدٍ، واستقبَلَ سفَرًا بعيدًا ومَفازًا، واستقبَلَ عدوًّا كثيرًا، فجَلَا للمسلمين أمْرَهم لِيتأهَّبوا أُهْبةَ غَزْوِهم، فأخبَرَهم بوجهِهم الذي يريدُ، والمسلمون مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كثيرٌ، ولا يَجمَعُهم كتابٌ حافظٌ، يريدُ بذلك الدِّيوانَ، قال كعبٌ: فقَلَّ رجُلٌ يريدُ أن يَتغيَّبَ، يظُنُّ أنَّ ذلك سيَخفَى له، ما لم يَنزِلْ فيه وَحْيٌ مِن اللهِ عز وجل، وغزَا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تلك الغزوةَ حِينَ طابتِ الثِّمارُ والظِّلالُ، فأنا إليها أصعَرُ، فتجهَّزَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، وطَفِقْتُ أغدو لكي أتجهَّزَ معهم، فأرجِعُ ولم أقضِ شيئًا، وأقولُ في نفسي: أنا قادرٌ على ذلك إذا أرَدتُّ، فلم يَزَلْ ذلك يَتمادى بي حتى استمَرَّ بالناسِ الجِدُّ، فأصبَحَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم غاديًا والمسلمون معه، ولم أقضِ مِن جَهازي شيئًا، ثم غدَوْتُ فرجَعْتُ ولم أقضِ شيئًا، فلم يَزَلْ ذلك يَتمادى بي حتى أسرَعوا، وتفارَطَ الغَزْوُ، فهمَمْتُ أن أرتحِلَ فأُدرِكَهم، فيا لَيْتني فعَلْتُ، ثم لم يُقدَّرْ ذلك لي، فطَفِقْتُ إذا خرَجْتُ في الناسِ بعد خروجِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يحزُنُني أنِّي لا أرى لي أُسْوةً إلا رجُلًا مغموصًا عليه في النِّفاقِ، أو رجُلًا ممَّن عذَرَ اللهُ مِن الضُّعفاءِ، ولم يذكُرْني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حتى بلَغَ تَبُوكَ، فقال وهو جالسٌ في القومِ بتَبُوكَ: «ما فعَلَ كعبُ بنُ مالكٍ؟»، قال رجُلٌ مِن بَني سَلِمةَ: يا رسولَ اللهِ، حبَسَه بُرْداه والنَّظرُ في عِطْفَيهِ، فقال له مُعاذُ بنُ جبلٍ: بئسَ ما قلتَ، واللهِ يا رسولَ اللهِ، ما عَلِمْنا عليه إلا خيرًا، فسكَتَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فبينما هو على ذلك، رأى رجُلًا مُبيِّضًا، يزُولُ به السَّرابُ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كُنْ أبا خَيْثمةَ»، فإذا هو أبو خَيْثمةَ الأنصاريُّ، وهو الذي تصدَّقَ بصاعِ التَّمْرِ حِينَ لمَزَه المنافِقون».

فقال كعبُ بن مالكٍ: فلمَّا بلَغَني أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قد توجَّهَ قافلًا مِن تَبُوكَ، حضَرَني بَثِّي، فطَفِقْتُ أتذكَّرُ الكَذِبَ وأقولُ: بِمَ أخرُجُ مِن سَخَطِه غدًا؟ وأستعينُ على ذلك كلَّ ذي رأيٍ مِن أهلي، فلمَّا قيل لي: إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قد أظَلَّ قادمًا، زاحَ عنِّي الباطلُ، حتى عرَفْتُ أنِّي لن أنجوَ منه بشيءٍ أبدًا، فأجمَعْتُ صِدْقَه، وصبَّحَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قادمًا، وكان إذا قَدِمَ مِن سَفَرٍ، بدَأَ بالمسجدِ فركَعَ فيه ركعتَينِ، ثم جلَسَ للناسِ، فلمَّا فعَلَ ذلك جاءه المخلَّفون، فطَفِقوا يَعتذِرون إليه، ويَحلِفون له، وكانوا بِضْعةً وثمانين رجُلًا، فقَبِلَ منهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم علانيتَهم، وبايَعَهم، واستغفَرَ لهم، ووكَلَ سرائرَهم إلى اللهِ، حتى جئتُ، فلمَّا سلَّمْتُ تبسَّمَ تبسُّمَ المُغضَبِ، ثم قال: «تعالَ»، فجئتُ أمشي حتى جلَسْتُ بين يدَيهِ، فقال لي: «ما خلَّفَك؟ ألم تكُنْ قد ابتَعْتَ ظَهْرَك؟»، قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنِّي واللهِ لو جلَسْتُ عند غيرِك مِن أهلِ الدُّنيا، لَرأَيْتُ أنِّي سأخرُجُ مِن سَخَطِه بعُذْرٍ، ولقد أُعطِيتُ جدَلًا، ولكنِّي واللهِ لقد عَلِمْتُ، لَئِنْ حدَّثْتُك اليومَ حديثَ كَذِبٍ تَرضَى به عنِّي، لَيُوشِكَنَّ اللهُ أن يُسخِطَك عليَّ، ولَئِنْ حدَّثْتُك حديثَ صِدْقٍ تجدُ عليَّ فيه، إنِّي لَأرجو فيه عُقْبى اللهِ، واللهِ ما كان لي عُذْرٌ، واللهِ ما كنتُ قطُّ أقوى ولا أيسَرَ منِّي حين تخلَّفْتُ عنك، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أمَّا هذا فقد صدَقَ؛ فقُمْ حتى يَقضِيَ اللهُ فيك»، فقُمْتُ، وثارَ رجالٌ مِن بَني سَلِمةَ فاتَّبَعوني، فقالوا لي: واللهِ ما عَلِمْناك أذنَبْتَ ذَنْبًا قبل هذا، لقد عجَزْتَ في ألَّا تكونَ اعتذَرْتَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بما اعتذَرَ به إليه المخلَّفون، فقد كان كافيَك ذَنْبَك استغفارُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لك، قال: فواللهِ ما زالوا يُؤنِّبوني حتى أرَدتُّ أن أرجِعَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأُكذِّبَ نفسي، قال: ثم قلتُ لهم: هل لَقِيَ هذا معي مِن أحدٍ؟ قالوا: نَعم، لَقِيَه معك رجُلانِ، قالا مِثْلَ ما قلتَ، فقيل لهما مثلُ ما قيل لك، قال: قلتُ: مَن هما؟ قالوا: مُرَارةُ بنُ الرَّبيعِ العامريُّ، وهِلالُ بنُ أُمَيَّةَ الواقِفيُّ، قال: فذكَروا لي رجُلَينِ صالحَينِ قد شَهِدا بَدْرًا، فيهما أُسْوةٌ، قال: فمضَيْتُ حين ذكَروهما لي.

قال: ونهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامِنا - أيُّها الثلاثةُ - مِن بَيْنِ مَن تخلَّفَ عنه.

قال: فاجتنَبَنا الناسُ، وقال: تغيَّروا لنا، حتى تنكَّرتْ لي في نفسي الأرضُ، فما هي بالأرضِ التي أعرِفُ، فلَبِثْنا على ذلك خَمْسين ليلةً، فأمَّا صاحبايَ فاستكانا وقعَدا في بيوتِهما يَبكيانِ، وأمَّا أنا فكنتُ أشَبَّ القومِ وأجلَدَهم، فكنتُ أخرُجُ فأشهَدُ الصَّلاةَ، وأطُوفُ في الأسواقِ، ولا يُكلِّمُني أحدٌ، وآتي رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأُسلِّمُ عليه وهو في مَجلِسِه بعد الصَّلاةِ، فأقولُ في نفسي: هل حرَّكَ شَفَتَيهِ برَدِّ السلامِ أم لا؟ ثم أُصلِّي قريبًا منه، وأُسارِقُه النَّظرَ، فإذا أقبَلْتُ على صلاتي نظَرَ إليَّ، وإذا التفَتُّ نحوَه أعرَضَ عنِّي، حتى إذا طالَ ذلك عليَّ مِن جَفْوةِ المسلمين، مشَيْتُ حتى تسوَّرْتُ جدارَ حائطِ أبي قَتادةَ، وهو ابنُ عَمِّي، وأحَبُّ الناسِ إليَّ، فسلَّمْتُ عليه، فواللهِ ما رَدَّ عليَّ السلامَ، فقلتُ له: يا أبا قَتادةَ، أنشُدُك باللهِ هل تَعلَمَنَّ أنِّي أُحِبُّ اللهَ ورسولَه؟ قال: فسكَتَ، فعُدتُّ فناشَدتُّه، فسكَتَ، فعُدتُّ فناشَدتُّه، فقال: اللهُ ورسولُهُ أعلَمُ، ففاضت عينايَ، وتولَّيْتُ حتى تسوَّرْتُ الجدارَ.

فبَيْنا أنا أمشي في سوقِ المدينةِ، إذا نَبَطيٌّ مِن نََبَطِ أهلِ الشامِ، ممَّن قَدِمَ بالطعامِ يَبِيعُه بالمدينةِ، يقولُ: مَن يدُلُّ على كعبِ بن مالكٍ؟ قال: فطَفِقَ الناسُ يُشيرون له إليَّ، حتى جاءَني، فدفَعَ إليَّ كتابًا مِن مَلِكِ غسَّانَ، وكنتُ كاتبًا، فقرَأْتُه، فإذا فيه: أمَّا بعدُ، فإنَّه قد بلَغَنا أنَّ صاحِبَك قد جفَاك، ولم يَجعَلْك اللهُ بدارِ هوانٍ ولا مَضِيعةٍ، فالحَقْ بنا نُواسِك، قال: فقلتُ حين قرَأْتُها: وهذه أيضًا مِن البلاءِ، فتيامَمْتُ بها التَّنُّورَ، فسجَرْتُها بها.

حتى إذا مضَتْ أربعون مِن الخَمْسين، واستلبَثَ الوَحْيُ؛ إذا رسولُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يأتيني، فقال: إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يأمُرُك أن تعتزِلَ امرأتَك، قال: فقلتُ: أُطلِّقُها أم ماذا أفعَلُ؟ قال: لا، بل اعتزِلْها، فلا تَقرَبَنَّها، قال: فأرسَلَ إلى صاحِبَيَّ بمِثْلِ ذلك، قال: فقلتُ لامرأتي: الحَقِي بأهلِكِ فكُوني عندهم حتى يَقضِيَ اللهُ في هذا الأمرِ، قال: فجاءت امرأةُ هلالِ بنِ أُمَيَّةَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالت له: يا رسولَ اللهِ، إنَّ هلالَ بنَ أُمَيَّةَ شيخٌ ضائعٌ ليس له خادمٌ، فهل تَكرَهُ أن أخدُمَه؟ قال: لا، ولكن لا يَقرَبَنَّكِ، فقالت: إنَّه واللهِ ما به حركةٌ إلى شيءٍ، وواللهِ ما زالَ يَبكي منذ كان مِن أمرِه ما كان إلى يومِه هذا، قال: فقال لي بعضُ أهلي: لو استأذَنْتَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في امرأتِك؟ فقد أَذِنَ لامرأةِ هلالِ بنِ أُمَيَّةَ أن تخدُمَه، قال: فقلتُ: لا أستأذِنُ فيها رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وما يُدرِيني ماذا يقولُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا استأذَنْتُه فيها، وأنا رجُلٌ شابٌّ، قال: فلَبِثْتُ بذلك عَشْرَ ليالٍ، فكمَلَ لنا خمسون ليلةً مِن حِينَ نُهِيَ عن كلامِنا، قال: ثم صلَّيْتُ صلاةَ الفجرِ صباحَ خَمْسين ليلةً على ظَهْرِ بيتٍ مِن بيوتِنا، فبَيْنا أنا جالسٌ على الحالِ التي ذكَرَ اللهُ عز وجل منَّا، قد ضاقَتْ عليَّ نفسي، وضاقَتْ عليَّ الأرضُ بما رحُبَتْ؛ سَمِعْتُ صوتَ صارخٍ أوفَى على سَلْعٍ، يقولُ بأعلى صوتِه: يا كعبُ بنَ مالكٍ، أبشِرْ، قال: فخرَرْتُ ساجدًا، وعرَفْتُ أنْ قد جاء فَرَجٌ.

قال: فآذَنَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الناسَ بتوبةِ اللهِ علينا حِينَ صلَّى صلاةَ الفجرِ، فذهَبَ الناسُ يُبشِّروننا، فذهَبَ قِبَلَ صاحَبَيَّ مبشِّرون، وركَضَ رجُلٌ إليَّ فرَسًا، وسعى ساعٍ مِن أسلَمَ قِبَلي، وأوفى الجبلَ، فكان الصوتُ أسرَعَ مِن الفرَسِ، فلمَّا جاءني الذي سَمِعْتُ صوتَه يُبشِّرُني، فنزَعْتُ له ثَوْبَيَّ، فكسَوْتُهما إيَّاه ببِشارتِه، واللهِ ما أملِكُ غيرَهما يومَئذٍ، واستعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فلَبِسْتُهما، فانطلَقْتُ أتأمَّمُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَتلقَّاني الناسُ فوجًا فوجًا، يُهنِّئوني بالتوبةِ، ويقولون: لِتَهْنِئْكُ توبةُ اللهِ عليك، حتى دخَلْتُ المسجدَ، فإذا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جالسٌ في المسجدِ، وحَوْله الناسُ، فقام طَلْحةُ بنُ عُبَيدِ اللهِ يُهَروِلُ حتى صافَحَني وهنَّأني، واللهِ ما قامَ رجُلٌ مِن المهاجِرين غيرُه.

قال: فكان كعبٌ لا يَنساها لطَلْحةَ.

قال كعبٌ: فلمَّا سلَّمْتُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال وهو يبرُقُ وجهُه مِن السُّرورِ، ويقولُ: «أبشِرْ بخيرِ يومٍ مَرَّ عليك منذُ ولَدَتْك أمُّك»، قال: فقلتُ: أمِنْ عندِك يا رسولَ اللهِ، أم مِن عندِ اللهِ؟ فقال: «لا، بل مِن عندِ اللهِ»، وكان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ استنارَ وجهُه، كأنَّ وَجْهَه قطعةُ قمَرٍ، قال: وكنَّا نَعرِفُ ذلك.

قال: فلمَّا جلَسْتُ بين يدَيهِ، قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ مِن تَوْبتي أن أنخلِعَ مِن مالي صدقةً إلى اللهِ، وإلى رسولِه صلى الله عليه وسلم، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أمسِكْ بعضَ مالِك؛ فهو خيرٌ لك»، قال: فقلتُ: فإنِّي أُمسِكُ سَهْمي الذي بخَيْبرَ.

قال: وقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ اللهَ إنَّما أنجاني بالصِّدْقِ، وإنَّ مِن تَوْبتي ألَّا أُحدِّثَ إلا صِدْقًا ما بَقِيتُ.

قال: فواللهِ ما عَلِمْتُ أنَّ أحدًا مِن المسلمين أبلاه اللهُ في صِدْقِ الحديثِ، منذُ ذكَرْتُ ذلك لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، أحسَنَ ممَّا أبلاني اللهُ به، واللهِ ما تعمَّدتُّ كَذْبةً منذُ قلتُ ذلك لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، وإنِّي لأرجو أن يَحفَظَني اللهُ فيما بَقِيَ.

قال: فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {لَّقَد تَّابَ اْللَّهُ عَلَى اْلنَّبِيِّ وَاْلْمُهَٰجِرِينَ وَاْلْأَنصَارِ اْلَّذِينَ اْتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ اْلْعُسْرَةِ مِنۢ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٖ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْۚ إِنَّهُۥ بِهِمْ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ ١١٧ وَعَلَى اْلثَّلَٰثَةِ اْلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰٓ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ اْلْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ} [التوبة: 117-118] حتى بلَغَ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ اْتَّقُواْ اْللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ اْلصَّٰدِقِينَ} [التوبة: 119].

قال كعبٌ: واللهِ ما أنعَمَ اللهُ عليَّ مِن نعمةٍ قطُّ، بعد إذ هداني اللهُ للإسلامِ، أعظَمَ في نفسي مِن صِدْقي رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ألَّا أكونَ كذَبْتُه فأهلِكَ كما هلَكَ الذين كذَبوا؛ إنَّ اللهَ قال لِلَّذين كذَبُوا حِينَ أنزَلَ الوَحْيَ شرَّ ما قال لأحدٍ، وقال اللهُ: {سَيَحْلِفُونَ ‌بِاْللَّهِ ‌لَكُمْ إِذَا اْنقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْۖ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْۖ إِنَّهُمْ رِجْسٞۖ وَمَأْوَىٰهُمْ جَهَنَّمُ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ٩٥ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْۖ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اْللَّهَ لَا يَرْضَىٰ عَنِ اْلْقَوْمِ اْلْفَٰسِقِينَ} [التوبة: 95-96].

قال كعبٌ: كنَّا خُلِّفْنا - أيُّها الثلاثةُ - عن أمرِ أولئك الذين قَبِلَ منهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ حلَفوا له، فبايَعَهم، واستغفَرَ لهم، وأرجأَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أمْرَنا حتى قضى اللهُ فيه، فبذلك قال اللهُ عز وجل: {وَعَلَى ‌اْلثَّلَٰثَةِ ‌اْلَّذِينَ ‌خُلِّفُواْ} [التوبة: 118]، وليس الذي ذكَرَ اللهُ ممَّا خُلِّفْنا تخلُّفَنا عن الغَزْوِ، وإنَّما هو تخليفُه إيَّانا، وإرجاؤُه أمْرَنا عمَّن حلَفَ له واعتذَرَ إليه فقَبِلَ منه». أخرجه مسلم (٢٧٦٩).

* سورةُ (التوبة):

سُمِّيتْ بذلك لكثرةِ ذِكْرِ التوبة وتَكْرارها فيها، وذِكْرِ توبة الله على الثلاثة الذين تخلَّفوا يومَ غزوة (تَبُوكَ)، ولها عِدَّةُ أسماءٍ؛ من ذلك:

* سورةُ (براءةَ):

وقد اشتهَر هذا الاسمُ بين الصحابة؛ فعن البَراء رضي الله عنه، قال: «آخِرُ سورةٍ نزَلتْ كاملةً براءةُ». أخرجه البخاري (٤٣٦٤).

* (الفاضحةُ):

فعن سعيدِ بن جُبَيرٍ رحمه الله، قال: «قلتُ لابنِ عباسٍ: سورةُ التَّوبةِ، قال: آلتَّوبةُ؟ قال: بل هي الفاضحةُ؛ ما زالت تَنزِلُ: {وَمِنْهُمْ} {وَمِنْهُمْ} حتى ظَنُّوا أن لا يَبقَى منَّا أحدٌ إلا ذُكِرَ فيها». أخرجه مسلم (٣٠٣١).

قال ابنُ عاشورٍ: «ولهذه السورةِ أسماءٌ أُخَرُ، وقَعتْ في كلام السلف، من الصحابة والتابعين؛ فرُوي عن ابن عمرَ، عن ابن عباسٍ: كنَّا ندعوها - أي سورةَ (براءةَ) -: «المُقَشقِشَة» - بصيغةِ اسم الفاعل وتاء التأنيث، مِن قَشْقَشَه: إذا أبرَاه مِن المرضِ -، كان هذا لقبًا لها ولسورة (الكافرون)؛ لأنهما تُخلِّصان مَن آمن بما فيهما من النفاق والشرك؛ لِما فيهما من الدعاء إلى الإخلاص، ولِما فيهما من وصفِ أحوال المنافقين ...

وعن حُذَيفةَ: أنه سمَّاها سورة (العذاب)؛ لأنها نزلت بعذاب الكفار؛ أي: عذاب القتلِ والأخذِ حين يُثقَفون.

وعن عُبَيد بن عُمَير: أنه سمَّاها (المُنقِّرة) - بكسرِ القاف مشدَّدةً -؛ لأنها نقَّرتْ عما في قلوب المشركين...». "التحرير والتنوير" (10 /96).

وقد بلغ عددُ أسمائها (21) اسمًا في موسوعة "التفسير الموضوعي" (3 /187 وما بعدها).

* أمَر عُمَرُ بن الخطَّابِ رضي الله عنه أن يَتعلَّمَها الرِّجالُ لِما فيها من أحكام الجهاد:

فقد كتَب عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رضي الله عنه: «تعلَّمُوا سورةَ براءةَ، وعَلِّموا نساءَكم سورةَ النُّورِ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلَّام (ص241).

جاءت موضوعاتُ سورة (التَّوبة) على الترتيب الآتي:

1. نبذُ العهد مع المشركين (١-٢٤).

2. غزوة (حُنَين) (٢٥-٢٧).

3. قتال أهل الكتاب لفساد عقيدتهم (٢٨-٣٥).

4. تحديد الأشهُرِ الحُرُم (٣٦-٣٧).

5. غزوة تَبُوكَ (٣٨- ١٢٧).

6. صفات المؤمنين، وعقدُ البَيْعة مع الله تعالى.

7. أنواع المنافقين، والمعذِّرون من الأعراب.

8. صفات المنافقين والمؤمنين، وجزاؤهم.

9. أصناف أهل الزكاة.

10. فضحُ المتخلِّفين عن الجهاد، وصفاتهم.

11. النفير العام، والجهاد في سبيل الله.

12. علوُّ مكانة النبيِّ عليه السلام (١٢٨-١٢٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي" لمجموعة من العلماء (3 /178).

إنَّ مقصدَ السورة الأعظم أبانت عنه أولُ كلمةٍ في السورة؛ وهي {بَرَآءَةٞ} [التوبة: 1]؛ فقد جاءت للبراءةِ من الشرك والمشركين، ومعاداةِ مَن أعرض عما دعَتْ إليه السُّوَرُ الماضية؛ مِن اتباعِ الداعي إلى الله في توحيده، واتباعِ ما يُرضيه، كما جاءت بموالاةِ مَن أقبل على الله تعالى، وأعلن توبته؛ كما حصَل مع الصحابة الذين تخلَّفوا عن الغزوِ، ثم تاب اللهُ عليهم ليتوبوا.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /154).