تفسير سورة التوبة

جهود ابن عبد البر في التفسير

تفسير سورة سورة التوبة من كتاب جهود ابن عبد البر في التفسير
لمؤلفه ابن عبد البر . المتوفي سنة 463 هـ
٢٣٨- روي عن حذيفة وغيره، قالوا : لم يعبدوهم من دون الله ولكنهم أحلوا لهم وحرموا عليهم فاتبعوهم١.
وقال عدي بن حاتم، أتيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وفي عنقي صليب، فقال لي :( يا عدي ألق هذا الوثن من عنقك )، وانتهيت إليه وهو يقرأ سورة براءة حتى أتى على هذه الآية :﴿ اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ﴾، قال : قلت يا رسول الله إنا لم نتخذهم أربابا. قال :( بلى، أليس يحلون لكم ما حرم عليكم فتحلونه، ويحرمون عليكم ما أحل الله لكم فتحرمونه )، فقلت بلى، فقال :( تلك عبادتهم )٢. ( جامع بيان العلم وفضله : ٢/١٣٣ )
١ - انظر جامع البيان: ١٠/١١٤-١١٥..
٢ - أخرجه الترمذي في التفسير، سورة التوبة: ٣١: ٤/٣٤٢..
٢٣٩- مالك، عن عبد الله بن دينار ؛ أنه قال : سمعت عبد الله بن عمر وهو يسأل عن الكنز ما هو ؟ هو المال الذي لا تؤدى منه الزكاة١.
قال أبو عمر : سؤال السائل لعبد الله بن عمر عن الكنز ما هو ؟ إنما كان سؤالا عن معنى قول الله تعالى :﴿ والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم( ٣٤ ) يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ﴾.
وكان أبو ذر يقول : بشر أصحاب الكنوز بكي في الجباه، وكي في الجنوب، وكي في الظهور٢.
واختلف العلماء في الكنز المذكور في هذه الآية ومعناه، فجمهورهم على ما قاله ابن عمر، وعليه جماعة فقهاء الأمصار.
وأما الكنز في كلام العرب فهو المال المجتمع المخزون فوق الأرض كان أو تحتها. هذا معنى ما ذكره صاحب " العين " ٣ وغيره، ولكن الاسم الشرعي قاض على الاسم اللغوي٤. ( س : ٩/١١٩-١٢٢ )
١ - الموطأ، كتاب الزكاة، باب ما جاء في الكنز: ١٥٦..
٢ - انظر جامع البيان: ١٠/١٢٣..
٣ - انظر مادة "كنز" : ٥/٣٢١-٣٢٢.
٤ - قال ابن العربي: فنحن لا نقول: إن الشرع غير اللغة. وإنما نقول: إنه تصرف فيها تصرفها في نفسها بتخصيص بعض مسمياتها، وقصر بعض متناولاتها للأسماء، كالقارورة والدابة في بعض العقار والدواب. أحكام القرآن: ٢/٩٢٨..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ٣٤:٢٣٩- مالك، عن عبد الله بن دينار ؛ أنه قال : سمعت عبد الله بن عمر وهو يسأل عن الكنز ما هو ؟ هو المال الذي لا تؤدى منه الزكاة١.
قال أبو عمر : سؤال السائل لعبد الله بن عمر عن الكنز ما هو ؟ إنما كان سؤالا عن معنى قول الله تعالى :﴿ والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم( ٣٤ ) يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ﴾.
وكان أبو ذر يقول : بشر أصحاب الكنوز بكي في الجباه، وكي في الجنوب، وكي في الظهور٢.
واختلف العلماء في الكنز المذكور في هذه الآية ومعناه، فجمهورهم على ما قاله ابن عمر، وعليه جماعة فقهاء الأمصار.
وأما الكنز في كلام العرب فهو المال المجتمع المخزون فوق الأرض كان أو تحتها. هذا معنى ما ذكره صاحب " العين " ٣ وغيره، ولكن الاسم الشرعي قاض على الاسم اللغوي٤. ( س : ٩/١١٩-١٢٢ )
١ - الموطأ، كتاب الزكاة، باب ما جاء في الكنز: ١٥٦..
٢ - انظر جامع البيان: ١٠/١٢٣..
٣ - انظر مادة "كنز" : ٥/٣٢١-٣٢٢.
٤ - قال ابن العربي: فنحن لا نقول: إن الشرع غير اللغة. وإنما نقول: إنه تصرف فيها تصرفها في نفسها بتخصيص بعض مسمياتها، وقصر بعض متناولاتها للأسماء، كالقارورة والدابة في بعض العقار والدواب. أحكام القرآن: ٢/٩٢٨..

٢٤٠- قال أبو عمر : قال الله- عز وجل- :﴿ انفروا خفافا وثقالا ﴾-الآية، يعني شبابا وشيوخا. وقال :﴿ ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض ﴾- الآية، إلى قوله :﴿ يعذبكم عذابا أليما ﴾١، فثبت فرضه٢، إلا أنه على الكفاية، لقول الله- عز وجل :﴿ وما كان المؤمنون لينفروا كافة ﴾٣، وعلى هذا جمهور العلماء. ( ت : ١٨/٣٠٤ )
١ -سورة التوبة: ٣٨-٣٩..
٢ - أي الجهاد..
٣ - سورة التوبة: ١٢٣..
٢٤١- كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لا يكاد يخرج غازيا إلا ورى١ بغيره، إلا غزوة تبوك، فإنه بينها للناس لبعد المسافة ونفقة المال والشقة وقوة العدو المقصود إليه، فتأخر الجد بن قيس٢ من بني سلمة، وكان متهما بالنفاق فاستأذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في البقاء. وهو غني قوي، فأذن له وأعرض عنه. فنزلت فيه :﴿ ومنهم من يقول إيذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ﴾. ( الدرر : ٢٥٣. وانظر الاستيعاب : ١/٢٦٦ )
١ - من وريت الشيء وواريته، إذا أخفيته، اللسان، مادة "ورى": ١٨/٣٨٩..
٢ - هو الجد بن قيس بن صخرين خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن تميم بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري السلمي. يكنى أبا عبد الله، كان ممن يغمص عليه النفاق من أصحاب رسول الله –صلى الله عليه وسلم. انظر الاستيعاب: ١/٢٦٦..
٢٤٢- ليس لأحد أن يعطي من زكاة ماله لغير من سمى الله تعالى في كتابه في قوله- عز وجل- :﴿ إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله ﴾، وقد سقط منها حق المؤلفة قلوبهم، لأن الله تعالى قد أغنى الإسلام وأهله عن أن يتألف عليه اليوم أحد، ولو اضطر الإمام في وقت من الأوقات، أن يتألف كافرا يرجى نفعه وتخشى شوكته، جاز أن يعطى من أموال الصدقات، ويسقط " العاملون " لمن فرقها عن نفسه.
وأما " الفقراء والمساكين " فليس في الفرق بينهما نص، ومذهبه١ يدل على أنهما عنده سواء بمعنى واحد ؛ وهم الذين يملك أحدهم ما لا يكفيه، ولا يقوم بمؤونته. وقيل : الفقير أشد حالا من المسكين، وقيل : المسكين أشد فقرا٢.
و " العاملون عليها " السعاة على الصدقات وجباتها، يدفع إليهم منها أجرة معلومة. قدر عملهم، ولا يستأجرون بجزء منها، للجهالة بقدره.
﴿ وفي الرقاب ﴾ : معناه في عتق الرقاب، فيجوز للإمام أن يشتري رقابا من مال الصدقة، ويكون ولاؤهم لجماعة المسلمين، وإن اشتراهم صاحب الزكاة وأعتقهم، جاز له، هذا تحصيل مذهب مالك. وقد روي عن مالك من رواية المدنيين وزياد عنه، أنه يعان منه المكاتب٣ في أخذ كتابته بما له، وعلى هذا أكثر العلماء في تأويل قول الله عز وجل :﴿ وفي الرقاب ﴾.
وأما ﴿ الغارمون ﴾ فهم الذين عليهم من الدين مثل ما بأيديهم من المال، أو أكثر، وهم ممن قد أدان في واجب، أو مباح، فإن كان كذلك جاز أن يعطوا من الصدقة ما يقضون به ديونهم أو بعضها، فإن لم يكن لهم أموال فهم فقراء غارمون يستحقون الأخذ بالوصفين جميعا إلا أنهم ليسوا عندنا بذوي سهمين ؛ لأن الصدقات عندنا ليست مقسومة سهاما ثمانية وغيرها، وإنما المعنى في الآية إعلام من تجوز له الصدقة، فمن وضعها في صنف من الأصناف التي ذكر الله- عز وجل- أجزأه.
وأما قوله- عز وجل- :﴿ وفي سبيل الله ﴾، فهم الغزاة وموضع الرباط، يعطون ما ينفقون في غزوهم، كانوا أغنياء أو فقراء. وهو قول أكثر العلماء، وهو تحصيل مذهب مالك- رحمه الله-، وقال ابن عمر : هم الحجاج والعمار.
﴿ وابن السبيل ﴾، كل من قطع به في سبيل بر أو سبيل سياحة، وسواء كان غنيا أو فقيرا ببلده، إذا قطع به بغير بلده دفع إليه من الصدقة ما يكفيه ويبلغه ويحل ذلك إليه، وليس عليه صرفه في وجوه الصدقة إذا عاد إلى بلده.
فهذه وجوه الصدقات المفروضات : وهي الزكاة، لا تعطى إلا لهؤلاء، ولا يجوز العدول عن جميعهم، وهم سبعة أصناف لسقوط المؤلفة، فإن فرقها صاحبها فستة أصناف، فإن قسمها عليهم، وسوى بينهم فيها كان حسنا، جائز أن يفضل منها صنف على صنف كما يجوز تفضيل شخص من الفقراء على شخص، وإن وضعها في صنف واحد غير العاملين عليها أجزاء. ( الكافي : ١١٣-١١٥. وانظر س : ٩/١٩٦-٢٢٣ )
١ - أي : الإمام مالك..
٢ - قال ابن العربي: وأما الفقراء والمساكين، فالصحيح أنهم صنفان: ولا نبالي بما قال الناس فيهما، وهاأنا ذا أريحكم منه بعون الله؛ فإن قال قائل بأن الفقير من له شيء، والمسكين من لا شيء له، أو بعكسه، فإن من لا شيء له هو المقدم على من له شيء. فهذا المعنى ساقط لا فائدة فيه.
وأما إن قلنا: إن الفقير هو الذي لا يسأل، والمسكين هو الذي يسأل، فالذي لا يسأل أولى؛ لأن السائل أقرب إلى التفطن والغنى، والعلم به ممن لا يسأل، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا خلاف أن الزمن مقدم على الصحيح وأن المحتاج مقدم على سائر الناس، وأن المسلم مقدم على الكتابي. وقد سقط اعتبار الهجرة والتقرب بذهاب زمانهما، فلا معنى للاحتجاج على ذلك كله، والحمد لله الذي من بالمعرفة وكفانا المؤنة. أحكام القرآن: ٢/٩٧١..

٣ - الكتابة شراء العبد نفسه من سيده، بمال يكسبه العبد، فالسيد كالبائع والعبد كالمشتري وهو المكاتب. انظر القوانين الفقهية: ٣٢٦..
٢٤٣- النسيان في لسان العرب يكون الترك عمدا، ويكون ضد الذكر، قال الله تعالى :﴿ نسوا الله فنسيهم ﴾، أي تركوا طاعة الله تعالى والإيمان بما جاء به رسوله فتركهم الله من رحمته. وهذا مما لا خلاف فيه، ولا يجهله من له أقل علم بتأويل القرآن. ( س : ١/٢٠٠ )
٢٤٤- قيل : إن ثعلبة بن حاطب١ هو الذي نزلت فيه :﴿ ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ﴾-الآيات، إذ منع الزكاة –والله أعلم-. وما جاء فيمن شهد بدرا يعارضه قوله تعالى :﴿ فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه ﴾٢ –الآية، ولعل قول من قال في ثعلبة إنه مانع الزكاة الذي نزلت فيه الآية غير صحيح، والله أعلم. ( الدرر : ١٢٧ )
٢٤٥- ذكر سنيد، قال : حدثنا معمر بن سليمان عن كهمس٣، عن سعيد بن ثابت في قوله :﴿ ومنهم من عاهد الله لئن أتانا من فضله لنصدقن ﴾-الآية، قال : إنما كان شيئا نووه في أنفسهم ولم يتكلموا به، ألم تسمع إلى قوله :﴿ أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب ﴾٤. ( ت : ١١/١٩٤. وكذا في س : ١٠/٣٠٥ )
١ - هو ثعلبة بن حاطب بن عمرو بن عبيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف، أخى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بين ثعلبة بن حاطب هذا وبين معتب بن عوف بن الحمراء. شهد بدرا، وأحدا، وهو مانع الصدقة فيما قال قتادة، وسعيد بن جبير، وتوفي في خلافة عمر رضي الله عنه، وقيل في خلافة عثمان رضي الله عنه، الاستيعاب: ١/٢٠٩-٢١٠..
٢ - سورة التوبة: ٧٨..
٣ - هو ابن الحسن التميمي، الحنفي، البصري العابدن أبو الحسن، من كبار الثقات، حدث عن أبي الطفيل، وعبد الله بن بريدة، والحسن البصري وجماعة، وعنه ابن المبارك، ويحيى بن سعيد القطان، ووكيع وغيرهم. توفي سنة ١٤٩هـ انظر سير أعلام النبلاء: ٦/٣١٦-٣١٧..
٤ - سورة التوبة: ٧٩..
٢٤٦- روي عن ابن عباس، والربيع بن أنس، وغيرهم١ في قوله عز وجل :﴿ والذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات ﴾-الآية، أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حض على الصدقة يوما. فأتى عبد الرحمان بن عوف بنصف ماله أربعة آلاف درهم وأربعمائة دينار، وأتى عاصم بن عدي بمائة وسق تمر، فلمزهما المنافقون وقالوا : هذا رياء، فنزلت :﴿ الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم ﴾٢. ( الاستيعاب : ٤/١٧١٧-١٧١٨ )
١ - المقروض أن تكون "غيرهما" تبعا للسياق..
٢ - انظر جامع البيان: ١٠/١٩-١٩٥..
٢٤٧- قال أبو عمر : أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن بن يحيى، قال : حدثنا أحمد بن سلمان بن الحسن، قال : حدثنا عبد الله بن حنبل، قال : حدثني أبي ح١، وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان، قال : حدثنا قاسم بن أصبغن قال : حدثنا أحمد بن زهير، قال : حدثنا أحمد بن حنبل، قال : حدثنا هشيم، قال : حدثنا أشعت، أخبرنا ابن سيرين في قوله- عز وجل- :﴿ والسابقون الأولون ﴾، قال : هم الذين صلوا القبلتين، وقال أحمد بن زهير : قلت لسعيد بن المسيب، ما الفرق بين المهاجرين الأولين والآخرين ؟ قال : هم الذين صلوا القبلتين.
وبهذين الإسنادين عن أحمد بن حنبل قال : وحدثنا هشيم عن إسماعيل ومطرف عن الشعبي، قال : هم الذين بايعوا بيعة الرضوان٢. ( المصدر السابق : ١/٣٩٢ )
١ - هذا يعني في اصطلاح المحدثين الانتقال من إسناد إلى آخر عندما يكون للحديث الواحد أكثر من إسناد. انظر علوم الحديث لابن الصلاح: ١٨١..
٢ - أخرجه ابن جرير بسنده إلى الشعبي. انظر جامع البيان: ١١/٧..
٢٤٨- روي عن ابن عباس من وجوه في قول الله تعالى :﴿ وءاخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا ﴾-الآية، أنها نزلت في أبي لبابة ونفر معه سبعة أو ثمانية، أو تسعة سواء، تخلفوا عن غزوة تبوك ثم ندموا وتابوا وربطوا أنفسهم بالسواري، فكان علمهم الصالح : توبتهم وعملهم السيئ : تخلفهم عن الغزو مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم١.
قال أبو عمر : قد قيل إن الذنب الذي أتاه أبو لبابة، كان إشارته إلى حلفائه من بني قريظة أنه الذبح إن نزلتم على حكم سعد بن معاذ، وأشار إلى حلقه، فنزلت فيه :﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم ﴾٢، ثم تاب الله عليه، فقال : يا رسول الله، إن من توبتي أن أهجر دار قومي وأنخلع من مالي، فقال له رسول الله –صلى الله عليه وسلم- :( يجزيك من ذلك الثلث )٣. ( المصدر السابق : ٤/١٧٤١ )
١ - انظر النص: ٢٣٤..
٢ - سورة الأنفال: ٢٧..
٣ - أخرجه الإمام مالك في النذور والأيمان. باب جامع الأيمان: ٢٩٩..
٢٤٩- الصدقة : الزكاة المعروفة- وهي الصدقة المفروضة، سماها الله صدقة وسماها زكاة، قال :﴿ خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ﴾، وقال :﴿ إنما الصدقات للفقراء والمساكين ﴾١-الآية، يعني الزكوات، وقال :﴿ وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ﴾٢، وقال :﴿ الذين لا يؤتون الزكاة ﴾٣ فهي الصدقة وهي الزكاة، وهذا ما لا تنازع فيه ولا اختلاف. ( ت : ٢٠/١٣٧. وكذا في س : ٩/١٤ )
٢٥٠- قال أبو عمر : الأحاديث المروية في الذين يكنزون الذهب والفضة منسوخة بقوله –عز وجل- :﴿ خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ﴾، قال ذلك جماعة من العلماء بتأويل القرآن، منهم : أبو عمر حفص بن عمر الضرير٤ وغيره. ( س : ٩/١٢٨-١٢٩ )
١ - سورة التوبة: ٦٠..
٢ - سورة البقرة: ٤٢ و٨٢ و١٠٩. والنساء: ٧٦. والنور: ٥٤. والمزمل: ١٨..
٣ - سورة فصلت: ٦..
٤ - هو حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صهبان بن عدي بن صهبان، نزيل سامراء إمام القراء وشيخ الناس في زمانه، أول من جمع القراءات، قرأ على إسماعيل بن جعفر عن نافع، وروى عنه ابن ماجة، وأبو حاتم وغيرهما، له من التصانيف "أحكام القرآن" و"السنن"، و"ما اتفقت ألفاظه ومعانيه في القرآن"، و"فضائل القرآن"، توفي سنة ٢٤٦. انظر طبقات المفسرين للداودي: ١/١٦٥-١٦٦..
٢٥١- قال أبو عمر : اختلف في الفئة الذين بنوا مسجد الضرار بقباء، وفي الذين بنوا المسجد الذي أسس على التقوى فيه إن كان هو ذلك، فذكر معمر، عن أيوب١، عن سعيد بن جبير، في قوله :﴿ الذين اتخذوا مسجدا ضرارا ﴾-الآية، قال : هم حي من الأنصار يقال لهم بنو غنم، قال : والذين بنوا المسجد الذي أسس على التقوى بنو عمرو ابن عوف.
وقال ابن جريج : بنو عمرو بن عوف استأذنوا النبي- صلى الله عليه وسلم- في بنيانه، فأذن لهم، ففرغوا منه يوم الجمعة، فصلوا فيه يوم الجمعة، ويوم السبت، ويوم الأحد، وانهار يوم الاثنين في نار جهنم.
قال أبو عمر : كلام ابن جريج لا أدري ما هو ؟ والذي انهار في نار جهنم مسجد المنافقين، لا يختلف العلماء في ذلك، ولست أدري أبنو عمرو بن عوف هم، أم بنو غنم٢. وقول سعيد بن جبير في هذا مخالف لما قال ابن جريج، وسعيد بن جبير أجل. ومعلوم أن المسجد الذي كان يأتيه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بقباء، ليس المسجد الذي انهار في نار جهنم.
وأما قوله عز وجل :﴿ في نار جهنم ﴾، فإن أهل التفسير٣ قالوا : إنه كان يحفر ذلك الموضع الذي انهار فيخرج منه دخان. وقال بعضهم : كان الرجل يدخل فيه سعفة من سعف النخل فيخرجها سوداء محترقة، وروى عاصم بن أبي النجود، عن زرين حبيش عن ابن مسعود أنه قال : جهنم في الأرض، ثم تلا :﴿ فانهار به في جهنم ﴾.
قال أبو عمر : لا يختلفون أن مسجد الضرار بقباء، واختلفوا في المسجد الذي أسس على التقوى، وقد روي عن النبي – صلى الله عليه وسلم- في المسجد الذي أسس على التقوى أنه مسجده٤- صلى الله عليه وسلم- وهو أثبت من جهة الإسناد عنه من قول من قال : إنه مسجد قباء. وجائز أن يكونا جميعا أسسا على تقوى الله ورضوان، بل معلوم أن ذلك كان كذلك إن شاء الله. ( س : ١٣/٢٦٦-٢٦٨ )
٢٥٢- ذكر وكيع، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء، قال : أحدث قوم من أهل قباء الوضوء، وضوء الاستنجاء، فأنزل الله فيهم :﴿ وفيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ﴾٥. ( ت : ١٣/٢٦٣-٢٦٤ )
٢٥٣- قال الشعبي : لما نزلت :﴿ فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ﴾، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- :( يا أهل قباء ما هذا الثناء الذي أثنى الله عليكم )٦ قالوا : ما منا أحد إلا وهو يستنجي في الخلاء بالماء.
ولا خلاف أن قوله تعالى :﴿ يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ﴾، نزلت في أهل قباء لاستنجائهم بالماء ( س : ٢/٥٥ )
٢٥٤- حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المومن، قال : حدثنا محمد بن بكر الثمار، قال : حدثنا أبو داود، قال : حدثنا محمد بن العلاء، قال : حدثنا معاوية بن هشام، عن يونس بن الحارث، عن إبراهيم بن أبي ميمونة، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال :( نزلت هذه الآية في أهل قباء ) ﴿ فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ﴾، قال :( وكانوا يستنجون بالماء )٧. ( ت : ١١/٢١-٢٢ )
١ - هو الإمام الحافظ، سيد العلماء، أبو بكر بن أبي تميمة كيسان، الغنزي، عداده في صغار التابعين، سمع من سعيد بن جبير، وأبي العالية الرياحي، والحسن البصري، وابن سيرين، وحدث عنه محمد بن سيرين وهو من شيوخه، ومعمر، والحمادان، وآخرون، توفي سنة ١٣١هـ انظر طبقات ابن سعد: ٧/٢٤٦. وسير أعلام النبلاء: ٦/١٥-٢٦..
٢ - قال ابن جرير: وكان الذين بنوه اثنى عشر رجلا: خذام بن خالد بن عبيد بن زيد أحد بني عمرو بن عوف، ومن داره أخرج مسجد الشقاق، وثعلبة بن حاطب بن بني عبيد، وهو إلى بني أمية بن زيد، ومعتب ابن فشير من بني ضبيعة بن زيد، وأبو حبيبة ابن الأزعر من ضبيعة بن زيد، وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف من بني عمرو بن عوف، وجارية بن عامر وابناه، مجمع بن جارية، وزيد بن جارية، ونبتل بن الخرث، وهم من بني ضبيعة، ويخذج وهو إلى بني ضبيعة، ويجاد بن عثمان وهو من بني ضبيعة، ووديعة بن ثابت وهو إلى بني أمية رهط أبي لبابة بن عبد المنذر، جامع البيان: ١١/٢٣..
٣ - انظر جامع البيان: ١١/٣٣..
٤ - قال ابن عبد البر: حدثنا أحمد بن محمد بن أحمد، قال: حدثنا الحسن بن سلمة بن المعلى، وحدثنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا حمزة بن محمد قالا: حدثنا أحمد بن شعيب، قال: أخبرنا قتيبة بن سعيد، قالا: أخبرنا الليث عن عمر بن أبي أنس، عن ابن أبي سعيد الخذري، عن أبي سعيد الخذري أنه قال: تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم. فقال رجل: هو مسجد قباء. وقال الآخر: هو مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (هو مسجدي) التمهيد: ١٣/٢٦٨-٢٦٩..
٥ - أخرجه ابن جرير بسنده على عطاء. انظر جامع البيان: ١١/٣١..
٦ - أخرجه ابن جرير بسنده إلى الشعبي. انظر جامع البيان: ١١/٣٠.
٧ - أخرجه أبو داود في الطهارة، باب في الاستنجاء بالماء: ١/١١. والترمذي في التفسير، سورة التوبة: ١٠٩. ٤/٣٤٤..
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٧:٢٥١- قال أبو عمر : اختلف في الفئة الذين بنوا مسجد الضرار بقباء، وفي الذين بنوا المسجد الذي أسس على التقوى فيه إن كان هو ذلك، فذكر معمر، عن أيوب١، عن سعيد بن جبير، في قوله :﴿ الذين اتخذوا مسجدا ضرارا ﴾-الآية، قال : هم حي من الأنصار يقال لهم بنو غنم، قال : والذين بنوا المسجد الذي أسس على التقوى بنو عمرو ابن عوف.
وقال ابن جريج : بنو عمرو بن عوف استأذنوا النبي- صلى الله عليه وسلم- في بنيانه، فأذن لهم، ففرغوا منه يوم الجمعة، فصلوا فيه يوم الجمعة، ويوم السبت، ويوم الأحد، وانهار يوم الاثنين في نار جهنم.
قال أبو عمر : كلام ابن جريج لا أدري ما هو ؟ والذي انهار في نار جهنم مسجد المنافقين، لا يختلف العلماء في ذلك، ولست أدري أبنو عمرو بن عوف هم، أم بنو غنم٢. وقول سعيد بن جبير في هذا مخالف لما قال ابن جريج، وسعيد بن جبير أجل. ومعلوم أن المسجد الذي كان يأتيه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بقباء، ليس المسجد الذي انهار في نار جهنم.
وأما قوله عز وجل :﴿ في نار جهنم ﴾، فإن أهل التفسير٣ قالوا : إنه كان يحفر ذلك الموضع الذي انهار فيخرج منه دخان. وقال بعضهم : كان الرجل يدخل فيه سعفة من سعف النخل فيخرجها سوداء محترقة، وروى عاصم بن أبي النجود، عن زرين حبيش عن ابن مسعود أنه قال : جهنم في الأرض، ثم تلا :﴿ فانهار به في جهنم ﴾.
قال أبو عمر : لا يختلفون أن مسجد الضرار بقباء، واختلفوا في المسجد الذي أسس على التقوى، وقد روي عن النبي – صلى الله عليه وسلم- في المسجد الذي أسس على التقوى أنه مسجده٤- صلى الله عليه وسلم- وهو أثبت من جهة الإسناد عنه من قول من قال : إنه مسجد قباء. وجائز أن يكونا جميعا أسسا على تقوى الله ورضوان، بل معلوم أن ذلك كان كذلك إن شاء الله. ( س : ١٣/٢٦٦-٢٦٨ )

٢٥٢-
ذكر وكيع، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء، قال : أحدث قوم من أهل قباء الوضوء، وضوء الاستنجاء، فأنزل الله فيهم :﴿ وفيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ﴾٥. ( ت : ١٣/٢٦٣-٢٦٤ )

٢٥٣-
قال الشعبي : لما نزلت :﴿ فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ﴾، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- :( يا أهل قباء ما هذا الثناء الذي أثنى الله عليكم )٦ قالوا : ما منا أحد إلا وهو يستنجي في الخلاء بالماء.
ولا خلاف أن قوله تعالى :﴿ يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ﴾، نزلت في أهل قباء لاستنجائهم بالماء ( س : ٢/٥٥ )

٢٥٤-
حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المومن، قال : حدثنا محمد بن بكر الثمار، قال : حدثنا أبو داود، قال : حدثنا محمد بن العلاء، قال : حدثنا معاوية بن هشام، عن يونس بن الحارث، عن إبراهيم بن أبي ميمونة، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال :( نزلت هذه الآية في أهل قباء ) ﴿ فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ﴾، قال :( وكانوا يستنجون بالماء )٧. ( ت : ١١/٢١-٢٢ )
١ - هو الإمام الحافظ، سيد العلماء، أبو بكر بن أبي تميمة كيسان، الغنزي، عداده في صغار التابعين، سمع من سعيد بن جبير، وأبي العالية الرياحي، والحسن البصري، وابن سيرين، وحدث عنه محمد بن سيرين وهو من شيوخه، ومعمر، والحمادان، وآخرون، توفي سنة ١٣١هـ انظر طبقات ابن سعد: ٧/٢٤٦. وسير أعلام النبلاء: ٦/١٥-٢٦..
٢ - قال ابن جرير: وكان الذين بنوه اثنى عشر رجلا: خذام بن خالد بن عبيد بن زيد أحد بني عمرو بن عوف، ومن داره أخرج مسجد الشقاق، وثعلبة بن حاطب بن بني عبيد، وهو إلى بني أمية بن زيد، ومعتب ابن فشير من بني ضبيعة بن زيد، وأبو حبيبة ابن الأزعر من ضبيعة بن زيد، وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف من بني عمرو بن عوف، وجارية بن عامر وابناه، مجمع بن جارية، وزيد بن جارية، ونبتل بن الخرث، وهم من بني ضبيعة، ويخذج وهو إلى بني ضبيعة، ويجاد بن عثمان وهو من بني ضبيعة، ووديعة بن ثابت وهو إلى بني أمية رهط أبي لبابة بن عبد المنذر، جامع البيان: ١١/٢٣..
٣ - انظر جامع البيان: ١١/٣٣..
٤ - قال ابن عبد البر: حدثنا أحمد بن محمد بن أحمد، قال: حدثنا الحسن بن سلمة بن المعلى، وحدثنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا حمزة بن محمد قالا: حدثنا أحمد بن شعيب، قال: أخبرنا قتيبة بن سعيد، قالا: أخبرنا الليث عن عمر بن أبي أنس، عن ابن أبي سعيد الخذري، عن أبي سعيد الخذري أنه قال: تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم. فقال رجل: هو مسجد قباء. وقال الآخر: هو مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (هو مسجدي) التمهيد: ١٣/٢٦٨-٢٦٩..
٥ - أخرجه ابن جرير بسنده على عطاء. انظر جامع البيان: ١١/٣١..
٦ - أخرجه ابن جرير بسنده إلى الشعبي. انظر جامع البيان: ١١/٣٠.
٧ - أخرجه أبو داود في الطهارة، باب في الاستنجاء بالماء: ١/١١. والترمذي في التفسير، سورة التوبة: ١٠٩. ٤/٣٤٤..

نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١٠٧:٢٥١- قال أبو عمر : اختلف في الفئة الذين بنوا مسجد الضرار بقباء، وفي الذين بنوا المسجد الذي أسس على التقوى فيه إن كان هو ذلك، فذكر معمر، عن أيوب١، عن سعيد بن جبير، في قوله :﴿ الذين اتخذوا مسجدا ضرارا ﴾-الآية، قال : هم حي من الأنصار يقال لهم بنو غنم، قال : والذين بنوا المسجد الذي أسس على التقوى بنو عمرو ابن عوف.
وقال ابن جريج : بنو عمرو بن عوف استأذنوا النبي- صلى الله عليه وسلم- في بنيانه، فأذن لهم، ففرغوا منه يوم الجمعة، فصلوا فيه يوم الجمعة، ويوم السبت، ويوم الأحد، وانهار يوم الاثنين في نار جهنم.
قال أبو عمر : كلام ابن جريج لا أدري ما هو ؟ والذي انهار في نار جهنم مسجد المنافقين، لا يختلف العلماء في ذلك، ولست أدري أبنو عمرو بن عوف هم، أم بنو غنم٢. وقول سعيد بن جبير في هذا مخالف لما قال ابن جريج، وسعيد بن جبير أجل. ومعلوم أن المسجد الذي كان يأتيه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بقباء، ليس المسجد الذي انهار في نار جهنم.
وأما قوله عز وجل :﴿ في نار جهنم ﴾، فإن أهل التفسير٣ قالوا : إنه كان يحفر ذلك الموضع الذي انهار فيخرج منه دخان. وقال بعضهم : كان الرجل يدخل فيه سعفة من سعف النخل فيخرجها سوداء محترقة، وروى عاصم بن أبي النجود، عن زرين حبيش عن ابن مسعود أنه قال : جهنم في الأرض، ثم تلا :﴿ فانهار به في جهنم ﴾.
قال أبو عمر : لا يختلفون أن مسجد الضرار بقباء، واختلفوا في المسجد الذي أسس على التقوى، وقد روي عن النبي – صلى الله عليه وسلم- في المسجد الذي أسس على التقوى أنه مسجده٤- صلى الله عليه وسلم- وهو أثبت من جهة الإسناد عنه من قول من قال : إنه مسجد قباء. وجائز أن يكونا جميعا أسسا على تقوى الله ورضوان، بل معلوم أن ذلك كان كذلك إن شاء الله. ( س : ١٣/٢٦٦-٢٦٨ )

٢٥٢-
ذكر وكيع، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء، قال : أحدث قوم من أهل قباء الوضوء، وضوء الاستنجاء، فأنزل الله فيهم :﴿ وفيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ﴾٥. ( ت : ١٣/٢٦٣-٢٦٤ )

٢٥٣-
قال الشعبي : لما نزلت :﴿ فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ﴾، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- :( يا أهل قباء ما هذا الثناء الذي أثنى الله عليكم )٦ قالوا : ما منا أحد إلا وهو يستنجي في الخلاء بالماء.
ولا خلاف أن قوله تعالى :﴿ يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ﴾، نزلت في أهل قباء لاستنجائهم بالماء ( س : ٢/٥٥ )

٢٥٤-
حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المومن، قال : حدثنا محمد بن بكر الثمار، قال : حدثنا أبو داود، قال : حدثنا محمد بن العلاء، قال : حدثنا معاوية بن هشام، عن يونس بن الحارث، عن إبراهيم بن أبي ميمونة، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال :( نزلت هذه الآية في أهل قباء ) ﴿ فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ﴾، قال :( وكانوا يستنجون بالماء )٧. ( ت : ١١/٢١-٢٢ )
١ - هو الإمام الحافظ، سيد العلماء، أبو بكر بن أبي تميمة كيسان، الغنزي، عداده في صغار التابعين، سمع من سعيد بن جبير، وأبي العالية الرياحي، والحسن البصري، وابن سيرين، وحدث عنه محمد بن سيرين وهو من شيوخه، ومعمر، والحمادان، وآخرون، توفي سنة ١٣١هـ انظر طبقات ابن سعد: ٧/٢٤٦. وسير أعلام النبلاء: ٦/١٥-٢٦..
٢ - قال ابن جرير: وكان الذين بنوه اثنى عشر رجلا: خذام بن خالد بن عبيد بن زيد أحد بني عمرو بن عوف، ومن داره أخرج مسجد الشقاق، وثعلبة بن حاطب بن بني عبيد، وهو إلى بني أمية بن زيد، ومعتب ابن فشير من بني ضبيعة بن زيد، وأبو حبيبة ابن الأزعر من ضبيعة بن زيد، وعباد بن حنيف أخو سهل بن حنيف من بني عمرو بن عوف، وجارية بن عامر وابناه، مجمع بن جارية، وزيد بن جارية، ونبتل بن الخرث، وهم من بني ضبيعة، ويخذج وهو إلى بني ضبيعة، ويجاد بن عثمان وهو من بني ضبيعة، ووديعة بن ثابت وهو إلى بني أمية رهط أبي لبابة بن عبد المنذر، جامع البيان: ١١/٢٣..
٣ - انظر جامع البيان: ١١/٣٣..
٤ - قال ابن عبد البر: حدثنا أحمد بن محمد بن أحمد، قال: حدثنا الحسن بن سلمة بن المعلى، وحدثنا عبد الله بن محمد، قال: أخبرنا حمزة بن محمد قالا: حدثنا أحمد بن شعيب، قال: أخبرنا قتيبة بن سعيد، قالا: أخبرنا الليث عن عمر بن أبي أنس، عن ابن أبي سعيد الخذري، عن أبي سعيد الخذري أنه قال: تمارى رجلان في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم. فقال رجل: هو مسجد قباء. وقال الآخر: هو مسجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: (هو مسجدي) التمهيد: ١٣/٢٦٨-٢٦٩..
٥ - أخرجه ابن جرير بسنده على عطاء. انظر جامع البيان: ١١/٣١..
٦ - أخرجه ابن جرير بسنده إلى الشعبي. انظر جامع البيان: ١١/٣٠.
٧ - أخرجه أبو داود في الطهارة، باب في الاستنجاء بالماء: ١/١١. والترمذي في التفسير، سورة التوبة: ١٠٩. ٤/٣٤٤..

٢٥٥- روى ابن وهب قال : أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال : الثلاثة الذين خلفوا : كعب بن مالك- أحد بني سلمة، ومرارة بن الربيع- وهو أحد بني عمرو بن عوف، وهلال بن أمية- وهو من بني واقفة١. ( الاستيعاب : ٤/١٥٤٢. وانظر أيضا : ٣/١٣٢٤ )
١ - في جامع البيان: ١١/٥٨: "وهو من بني واقف" وهم حلفاء بني عمرو بن عوف. انظر جمهرة أنساب العرب: ٣٤٤..
٢٥٦- ألزمهم النفير في ذلك البعض دون الكل، ثم ينصرفون فيعلمون غيرهم، والطائفة في لسان العرب الواحد فما فوقه. ( جامع بيان العلم وفضله : ١/١٣ )
سورة التوبة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (التَّوْبةِ) ارتبَطتِ ارتباطًا وثيقًا بسورة (الأنفال)، حتى ظنَّ بعضُ الصَّحابة أنهما سورةٌ واحدة؛ فقد أكمَلتِ الحديثَ عن أحكام الحرب والأَسْرى. وسُمِّيتْ بـ (الفاضحةِ)؛ لأنها فضَحتْ سرائرَ المنافقين، وأحوالَهم، وصفاتِهم. وقد نزَلتْ سورة (التَّوْبةِ) في غزوتَيْ (حُنَينٍ)، و(تَبُوكَ). وأعلَنتْ هذه السورةُ البراءةَ من الشركِ والمشركين وأفعالهم، وبيَّنتْ أحكامَ المواثيق والعهود مع المشركين، معلِنةً في خاتمتها التوبةَ على مَن تاب وتخلَّف من الصحابة - رضي الله عنهم - عن الغزوِ: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوٓاْۚ} [التوبة: 118].

ترتيبها المصحفي
9
نوعها
مدنية
ألفاظها
2505
ترتيب نزولها
113
العد المدني الأول
130
العد المدني الأخير
130
العد البصري
130
العد الكوفي
129
العد الشامي
130

تعلَّقتْ سورةُ (التوبة) بأحداثٍ كثيرة، وهي (الفاضحةُ)؛ لذا صحَّ في أسبابِ نزولها الكثيرُ؛ من ذلك:

* قوله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ اْلْحَآجِّ وَعِمَارَةَ اْلْمَسْجِدِ اْلْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِاْللَّهِ وَاْلْيَوْمِ اْلْأٓخِرِ وَجَٰهَدَ فِي سَبِيلِ اْللَّهِۚ لَا يَسْتَوُۥنَ عِندَ اْللَّهِۗ وَاْللَّهُ لَا يَهْدِي اْلْقَوْمَ اْلظَّٰلِمِينَ} [التوبة: 19]:

عن النُّعمانِ بن بشيرٍ رضي الله عنهما، قال: «كنتُ عند مِنبَرِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال رجُلٌ: ما أُبالي ألَّا أعمَلَ عمَلًا بعد الإسلامِ إلا أن أَسقِيَ الحاجَّ، وقال آخَرُ: ما أُبالي ألَّا أعمَلَ عمَلًا بعد الإسلامِ إلا أن أعمُرَ المسجدَ الحرامَ، وقال آخَرُ: الجهادُ في سبيلِ اللهِ أفضَلُ ممَّا قُلْتم، فزجَرَهم عُمَرُ، وقال: لا تَرفَعوا أصواتَكم عند مِنبَرِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وهو يومُ الجمعةِ، ولكن إذا صلَّيْتُ الجمعةَ دخَلْتُ فاستفتَيْتُه فيما اختلَفْتم فيه؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ اْلْحَآجِّ} [التوبة: 19] الآيةَ إلى آخِرِها». أخرجه مسلم (١٨٧٩).

* قوله تعالى: {اْلَّذِينَ يَلْمِزُونَ اْلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ فِي اْلصَّدَقَٰتِ وَاْلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} [التوبة: 79]:

عن أبي مسعودٍ عُقْبةَ بن عمرٍو رضي الله عنه، قال: «لمَّا نزَلتْ آيةُ الصَّدقةِ كنَّا نُحامِلُ، فجاءَ رجُلٌ فتصدَّقَ بشيءٍ كثيرٍ، فقالوا: مُرائي، وجاءَ رجُلٌ فتصدَّقَ بصاعٍ، فقالوا: إنَّ اللهَ لَغنيٌّ عن صاعِ هذا؛ فنزَلتِ: {اْلَّذِينَ يَلْمِزُونَ اْلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ فِي اْلصَّدَقَٰتِ وَاْلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} [التوبة: 79] الآية». أخرجه البخاري (١٤١٥).

* قوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِۦٓۖ} [التوبة: 84]:

عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: «أنَّ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ لمَّا تُوُفِّيَ جاءَ ابنُه إلى النبيِّ ﷺ، فقال: يا رسولَ اللهِ، أعطِني قميصَك أُكفِّنْهُ فيه، وصَلِّ عليه، واستغفِرْ له، فأعطاه النبيُّ ﷺ قميصَه، فقال: آذِنِّي أُصلِّي عليه، فآذَنَه، فلمَّا أراد أن يُصلِّيَ عليه جذَبَه عُمَرُ رضي الله عنه، فقال: أليس اللهُ نهاك أن تُصلِّيَ على المنافِقين؟ فقال: أنا بين خِيرَتَينِ، قال: {اْسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةٗ فَلَن يَغْفِرَ اْللَّهُ لَهُمْۚ} [التوبة: 80]، فصلَّى عليه؛ فنزَلتْ: {وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِۦٓۖ} [التوبة: 84]». أخرجه البخاري (١٢٦٩).

* قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ مِنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَٰبُ اْلْجَحِيمِ} [التوبة: 113]:

عن المسيَّبِ بن حَزْنٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا حضَرتْ أبا طالبٍ الوفاةُ جاءَه رسولُ اللهِ ﷺ، فوجَدَ عنده أبا جهلٍ، وعبدَ اللهِ بنَ أبي أُمَيَّةَ بنِ المُغيرةِ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «يا عَمِّ، قُلْ: لا إلهَ إلا اللهُ، كلمةً أشهَدُ لك بها عند اللهِ»، فقال أبو جهلٍ وعبدُ اللهِ بنُ أبي أُمَيَّةَ: يا أبا طالبٍ، أتَرغَبُ عن مِلَّةِ عبدِ المطَّلِبِ؟ فلَمْ يَزَلْ رسولُ اللهِ ﷺ يَعرِضُها عليه، ويُعِيدُ له تلك المقالةَ، حتى قال أبو طالبٍ آخِرَ ما كلَّمهم: هو على مِلَّةِ عبدِ المطَّلِبِ، وأبى أن يقولَ: لا إلهَ إلا اللهُ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «أمَا واللهِ لَأستغفِرَنَّ لك ما لم أُنْهَ عنك»؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ مِنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَٰبُ اْلْجَحِيمِ} [التوبة: 113]». أخرجه مسلم (٢٤).

* قوله تعالى: {وَعَلَى اْلثَّلَٰثَةِ اْلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰٓ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ اْلْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوٓاْ أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اْللَّهِ إِلَّآ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوٓاْۚ إِنَّ اْللَّهَ هُوَ اْلتَّوَّابُ اْلرَّحِيمُ} [التوبة: 118]:

نزَلتْ في (كعبِ بن مالكٍ)، و(مُرَارةَ بنِ الرَّبيعِ)، و(هلالِ بنِ أُمَيَّةَ).

والحديثُ يَروِيه عبدُ اللهِ بن كعبٍ، عن أبيه كعبِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «لم أتخلَّفْ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في غزوةٍ غزاها قطُّ، إلا في غزوةِ تَبُوكَ، غيرَ أنِّي قد تخلَّفْتُ في غزوةِ بَدْرٍ، ولم يُعاتِبْ أحدًا تخلَّفَ عنه، إنَّما خرَجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم والمسلمون يُريدون عِيرَ قُرَيشٍ، حتى جمَعَ اللهُ بَيْنهم وبين عدوِّهم على غيرِ ميعادٍ، ولقد شَهِدتُّ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ليلةَ العَقَبةِ، حِينَ تواثَقْنا على الإسلامِ، وما أُحِبُّ أنَّ لي بها مَشهَدَ بَدْرٍ، وإن كانت بَدْرٌ أذكَرَ في الناسِ منها، وكان مِن خَبَري حِينَ تخلَّفْتُ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في غزوةِ تَبُوكَ: أنِّي لم أكُنْ قطُّ أقوى ولا أيسَرَ منِّي حِينَ تخلَّفْتُ عنه في تلك الغزوةِ، واللهِ ما جمَعْتُ قَبْلها راحلتَينِ قطُّ، حتى جمَعْتُهما في تلك الغزوةِ، فغزَاها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في حَرٍّ شديدٍ، واستقبَلَ سفَرًا بعيدًا ومَفازًا، واستقبَلَ عدوًّا كثيرًا، فجَلَا للمسلمين أمْرَهم لِيتأهَّبوا أُهْبةَ غَزْوِهم، فأخبَرَهم بوجهِهم الذي يريدُ، والمسلمون مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كثيرٌ، ولا يَجمَعُهم كتابٌ حافظٌ، يريدُ بذلك الدِّيوانَ، قال كعبٌ: فقَلَّ رجُلٌ يريدُ أن يَتغيَّبَ، يظُنُّ أنَّ ذلك سيَخفَى له، ما لم يَنزِلْ فيه وَحْيٌ مِن اللهِ عز وجل، وغزَا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تلك الغزوةَ حِينَ طابتِ الثِّمارُ والظِّلالُ، فأنا إليها أصعَرُ، فتجهَّزَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، وطَفِقْتُ أغدو لكي أتجهَّزَ معهم، فأرجِعُ ولم أقضِ شيئًا، وأقولُ في نفسي: أنا قادرٌ على ذلك إذا أرَدتُّ، فلم يَزَلْ ذلك يَتمادى بي حتى استمَرَّ بالناسِ الجِدُّ، فأصبَحَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم غاديًا والمسلمون معه، ولم أقضِ مِن جَهازي شيئًا، ثم غدَوْتُ فرجَعْتُ ولم أقضِ شيئًا، فلم يَزَلْ ذلك يَتمادى بي حتى أسرَعوا، وتفارَطَ الغَزْوُ، فهمَمْتُ أن أرتحِلَ فأُدرِكَهم، فيا لَيْتني فعَلْتُ، ثم لم يُقدَّرْ ذلك لي، فطَفِقْتُ إذا خرَجْتُ في الناسِ بعد خروجِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يحزُنُني أنِّي لا أرى لي أُسْوةً إلا رجُلًا مغموصًا عليه في النِّفاقِ، أو رجُلًا ممَّن عذَرَ اللهُ مِن الضُّعفاءِ، ولم يذكُرْني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حتى بلَغَ تَبُوكَ، فقال وهو جالسٌ في القومِ بتَبُوكَ: «ما فعَلَ كعبُ بنُ مالكٍ؟»، قال رجُلٌ مِن بَني سَلِمةَ: يا رسولَ اللهِ، حبَسَه بُرْداه والنَّظرُ في عِطْفَيهِ، فقال له مُعاذُ بنُ جبلٍ: بئسَ ما قلتَ، واللهِ يا رسولَ اللهِ، ما عَلِمْنا عليه إلا خيرًا، فسكَتَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فبينما هو على ذلك، رأى رجُلًا مُبيِّضًا، يزُولُ به السَّرابُ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كُنْ أبا خَيْثمةَ»، فإذا هو أبو خَيْثمةَ الأنصاريُّ، وهو الذي تصدَّقَ بصاعِ التَّمْرِ حِينَ لمَزَه المنافِقون».

فقال كعبُ بن مالكٍ: فلمَّا بلَغَني أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قد توجَّهَ قافلًا مِن تَبُوكَ، حضَرَني بَثِّي، فطَفِقْتُ أتذكَّرُ الكَذِبَ وأقولُ: بِمَ أخرُجُ مِن سَخَطِه غدًا؟ وأستعينُ على ذلك كلَّ ذي رأيٍ مِن أهلي، فلمَّا قيل لي: إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قد أظَلَّ قادمًا، زاحَ عنِّي الباطلُ، حتى عرَفْتُ أنِّي لن أنجوَ منه بشيءٍ أبدًا، فأجمَعْتُ صِدْقَه، وصبَّحَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قادمًا، وكان إذا قَدِمَ مِن سَفَرٍ، بدَأَ بالمسجدِ فركَعَ فيه ركعتَينِ، ثم جلَسَ للناسِ، فلمَّا فعَلَ ذلك جاءه المخلَّفون، فطَفِقوا يَعتذِرون إليه، ويَحلِفون له، وكانوا بِضْعةً وثمانين رجُلًا، فقَبِلَ منهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم علانيتَهم، وبايَعَهم، واستغفَرَ لهم، ووكَلَ سرائرَهم إلى اللهِ، حتى جئتُ، فلمَّا سلَّمْتُ تبسَّمَ تبسُّمَ المُغضَبِ، ثم قال: «تعالَ»، فجئتُ أمشي حتى جلَسْتُ بين يدَيهِ، فقال لي: «ما خلَّفَك؟ ألم تكُنْ قد ابتَعْتَ ظَهْرَك؟»، قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنِّي واللهِ لو جلَسْتُ عند غيرِك مِن أهلِ الدُّنيا، لَرأَيْتُ أنِّي سأخرُجُ مِن سَخَطِه بعُذْرٍ، ولقد أُعطِيتُ جدَلًا، ولكنِّي واللهِ لقد عَلِمْتُ، لَئِنْ حدَّثْتُك اليومَ حديثَ كَذِبٍ تَرضَى به عنِّي، لَيُوشِكَنَّ اللهُ أن يُسخِطَك عليَّ، ولَئِنْ حدَّثْتُك حديثَ صِدْقٍ تجدُ عليَّ فيه، إنِّي لَأرجو فيه عُقْبى اللهِ، واللهِ ما كان لي عُذْرٌ، واللهِ ما كنتُ قطُّ أقوى ولا أيسَرَ منِّي حين تخلَّفْتُ عنك، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أمَّا هذا فقد صدَقَ؛ فقُمْ حتى يَقضِيَ اللهُ فيك»، فقُمْتُ، وثارَ رجالٌ مِن بَني سَلِمةَ فاتَّبَعوني، فقالوا لي: واللهِ ما عَلِمْناك أذنَبْتَ ذَنْبًا قبل هذا، لقد عجَزْتَ في ألَّا تكونَ اعتذَرْتَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بما اعتذَرَ به إليه المخلَّفون، فقد كان كافيَك ذَنْبَك استغفارُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لك، قال: فواللهِ ما زالوا يُؤنِّبوني حتى أرَدتُّ أن أرجِعَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأُكذِّبَ نفسي، قال: ثم قلتُ لهم: هل لَقِيَ هذا معي مِن أحدٍ؟ قالوا: نَعم، لَقِيَه معك رجُلانِ، قالا مِثْلَ ما قلتَ، فقيل لهما مثلُ ما قيل لك، قال: قلتُ: مَن هما؟ قالوا: مُرَارةُ بنُ الرَّبيعِ العامريُّ، وهِلالُ بنُ أُمَيَّةَ الواقِفيُّ، قال: فذكَروا لي رجُلَينِ صالحَينِ قد شَهِدا بَدْرًا، فيهما أُسْوةٌ، قال: فمضَيْتُ حين ذكَروهما لي.

قال: ونهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامِنا - أيُّها الثلاثةُ - مِن بَيْنِ مَن تخلَّفَ عنه.

قال: فاجتنَبَنا الناسُ، وقال: تغيَّروا لنا، حتى تنكَّرتْ لي في نفسي الأرضُ، فما هي بالأرضِ التي أعرِفُ، فلَبِثْنا على ذلك خَمْسين ليلةً، فأمَّا صاحبايَ فاستكانا وقعَدا في بيوتِهما يَبكيانِ، وأمَّا أنا فكنتُ أشَبَّ القومِ وأجلَدَهم، فكنتُ أخرُجُ فأشهَدُ الصَّلاةَ، وأطُوفُ في الأسواقِ، ولا يُكلِّمُني أحدٌ، وآتي رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأُسلِّمُ عليه وهو في مَجلِسِه بعد الصَّلاةِ، فأقولُ في نفسي: هل حرَّكَ شَفَتَيهِ برَدِّ السلامِ أم لا؟ ثم أُصلِّي قريبًا منه، وأُسارِقُه النَّظرَ، فإذا أقبَلْتُ على صلاتي نظَرَ إليَّ، وإذا التفَتُّ نحوَه أعرَضَ عنِّي، حتى إذا طالَ ذلك عليَّ مِن جَفْوةِ المسلمين، مشَيْتُ حتى تسوَّرْتُ جدارَ حائطِ أبي قَتادةَ، وهو ابنُ عَمِّي، وأحَبُّ الناسِ إليَّ، فسلَّمْتُ عليه، فواللهِ ما رَدَّ عليَّ السلامَ، فقلتُ له: يا أبا قَتادةَ، أنشُدُك باللهِ هل تَعلَمَنَّ أنِّي أُحِبُّ اللهَ ورسولَه؟ قال: فسكَتَ، فعُدتُّ فناشَدتُّه، فسكَتَ، فعُدتُّ فناشَدتُّه، فقال: اللهُ ورسولُهُ أعلَمُ، ففاضت عينايَ، وتولَّيْتُ حتى تسوَّرْتُ الجدارَ.

فبَيْنا أنا أمشي في سوقِ المدينةِ، إذا نَبَطيٌّ مِن نََبَطِ أهلِ الشامِ، ممَّن قَدِمَ بالطعامِ يَبِيعُه بالمدينةِ، يقولُ: مَن يدُلُّ على كعبِ بن مالكٍ؟ قال: فطَفِقَ الناسُ يُشيرون له إليَّ، حتى جاءَني، فدفَعَ إليَّ كتابًا مِن مَلِكِ غسَّانَ، وكنتُ كاتبًا، فقرَأْتُه، فإذا فيه: أمَّا بعدُ، فإنَّه قد بلَغَنا أنَّ صاحِبَك قد جفَاك، ولم يَجعَلْك اللهُ بدارِ هوانٍ ولا مَضِيعةٍ، فالحَقْ بنا نُواسِك، قال: فقلتُ حين قرَأْتُها: وهذه أيضًا مِن البلاءِ، فتيامَمْتُ بها التَّنُّورَ، فسجَرْتُها بها.

حتى إذا مضَتْ أربعون مِن الخَمْسين، واستلبَثَ الوَحْيُ؛ إذا رسولُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يأتيني، فقال: إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يأمُرُك أن تعتزِلَ امرأتَك، قال: فقلتُ: أُطلِّقُها أم ماذا أفعَلُ؟ قال: لا، بل اعتزِلْها، فلا تَقرَبَنَّها، قال: فأرسَلَ إلى صاحِبَيَّ بمِثْلِ ذلك، قال: فقلتُ لامرأتي: الحَقِي بأهلِكِ فكُوني عندهم حتى يَقضِيَ اللهُ في هذا الأمرِ، قال: فجاءت امرأةُ هلالِ بنِ أُمَيَّةَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالت له: يا رسولَ اللهِ، إنَّ هلالَ بنَ أُمَيَّةَ شيخٌ ضائعٌ ليس له خادمٌ، فهل تَكرَهُ أن أخدُمَه؟ قال: لا، ولكن لا يَقرَبَنَّكِ، فقالت: إنَّه واللهِ ما به حركةٌ إلى شيءٍ، وواللهِ ما زالَ يَبكي منذ كان مِن أمرِه ما كان إلى يومِه هذا، قال: فقال لي بعضُ أهلي: لو استأذَنْتَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في امرأتِك؟ فقد أَذِنَ لامرأةِ هلالِ بنِ أُمَيَّةَ أن تخدُمَه، قال: فقلتُ: لا أستأذِنُ فيها رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وما يُدرِيني ماذا يقولُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا استأذَنْتُه فيها، وأنا رجُلٌ شابٌّ، قال: فلَبِثْتُ بذلك عَشْرَ ليالٍ، فكمَلَ لنا خمسون ليلةً مِن حِينَ نُهِيَ عن كلامِنا، قال: ثم صلَّيْتُ صلاةَ الفجرِ صباحَ خَمْسين ليلةً على ظَهْرِ بيتٍ مِن بيوتِنا، فبَيْنا أنا جالسٌ على الحالِ التي ذكَرَ اللهُ عز وجل منَّا، قد ضاقَتْ عليَّ نفسي، وضاقَتْ عليَّ الأرضُ بما رحُبَتْ؛ سَمِعْتُ صوتَ صارخٍ أوفَى على سَلْعٍ، يقولُ بأعلى صوتِه: يا كعبُ بنَ مالكٍ، أبشِرْ، قال: فخرَرْتُ ساجدًا، وعرَفْتُ أنْ قد جاء فَرَجٌ.

قال: فآذَنَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الناسَ بتوبةِ اللهِ علينا حِينَ صلَّى صلاةَ الفجرِ، فذهَبَ الناسُ يُبشِّروننا، فذهَبَ قِبَلَ صاحَبَيَّ مبشِّرون، وركَضَ رجُلٌ إليَّ فرَسًا، وسعى ساعٍ مِن أسلَمَ قِبَلي، وأوفى الجبلَ، فكان الصوتُ أسرَعَ مِن الفرَسِ، فلمَّا جاءني الذي سَمِعْتُ صوتَه يُبشِّرُني، فنزَعْتُ له ثَوْبَيَّ، فكسَوْتُهما إيَّاه ببِشارتِه، واللهِ ما أملِكُ غيرَهما يومَئذٍ، واستعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فلَبِسْتُهما، فانطلَقْتُ أتأمَّمُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَتلقَّاني الناسُ فوجًا فوجًا، يُهنِّئوني بالتوبةِ، ويقولون: لِتَهْنِئْكُ توبةُ اللهِ عليك، حتى دخَلْتُ المسجدَ، فإذا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جالسٌ في المسجدِ، وحَوْله الناسُ، فقام طَلْحةُ بنُ عُبَيدِ اللهِ يُهَروِلُ حتى صافَحَني وهنَّأني، واللهِ ما قامَ رجُلٌ مِن المهاجِرين غيرُه.

قال: فكان كعبٌ لا يَنساها لطَلْحةَ.

قال كعبٌ: فلمَّا سلَّمْتُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال وهو يبرُقُ وجهُه مِن السُّرورِ، ويقولُ: «أبشِرْ بخيرِ يومٍ مَرَّ عليك منذُ ولَدَتْك أمُّك»، قال: فقلتُ: أمِنْ عندِك يا رسولَ اللهِ، أم مِن عندِ اللهِ؟ فقال: «لا، بل مِن عندِ اللهِ»، وكان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ استنارَ وجهُه، كأنَّ وَجْهَه قطعةُ قمَرٍ، قال: وكنَّا نَعرِفُ ذلك.

قال: فلمَّا جلَسْتُ بين يدَيهِ، قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ مِن تَوْبتي أن أنخلِعَ مِن مالي صدقةً إلى اللهِ، وإلى رسولِه صلى الله عليه وسلم، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أمسِكْ بعضَ مالِك؛ فهو خيرٌ لك»، قال: فقلتُ: فإنِّي أُمسِكُ سَهْمي الذي بخَيْبرَ.

قال: وقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ اللهَ إنَّما أنجاني بالصِّدْقِ، وإنَّ مِن تَوْبتي ألَّا أُحدِّثَ إلا صِدْقًا ما بَقِيتُ.

قال: فواللهِ ما عَلِمْتُ أنَّ أحدًا مِن المسلمين أبلاه اللهُ في صِدْقِ الحديثِ، منذُ ذكَرْتُ ذلك لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، أحسَنَ ممَّا أبلاني اللهُ به، واللهِ ما تعمَّدتُّ كَذْبةً منذُ قلتُ ذلك لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، وإنِّي لأرجو أن يَحفَظَني اللهُ فيما بَقِيَ.

قال: فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {لَّقَد تَّابَ اْللَّهُ عَلَى اْلنَّبِيِّ وَاْلْمُهَٰجِرِينَ وَاْلْأَنصَارِ اْلَّذِينَ اْتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ اْلْعُسْرَةِ مِنۢ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٖ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْۚ إِنَّهُۥ بِهِمْ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ ١١٧ وَعَلَى اْلثَّلَٰثَةِ اْلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰٓ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ اْلْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ} [التوبة: 117-118] حتى بلَغَ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ اْتَّقُواْ اْللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ اْلصَّٰدِقِينَ} [التوبة: 119].

قال كعبٌ: واللهِ ما أنعَمَ اللهُ عليَّ مِن نعمةٍ قطُّ، بعد إذ هداني اللهُ للإسلامِ، أعظَمَ في نفسي مِن صِدْقي رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ألَّا أكونَ كذَبْتُه فأهلِكَ كما هلَكَ الذين كذَبوا؛ إنَّ اللهَ قال لِلَّذين كذَبُوا حِينَ أنزَلَ الوَحْيَ شرَّ ما قال لأحدٍ، وقال اللهُ: {سَيَحْلِفُونَ ‌بِاْللَّهِ ‌لَكُمْ إِذَا اْنقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْۖ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْۖ إِنَّهُمْ رِجْسٞۖ وَمَأْوَىٰهُمْ جَهَنَّمُ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ٩٥ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْۖ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اْللَّهَ لَا يَرْضَىٰ عَنِ اْلْقَوْمِ اْلْفَٰسِقِينَ} [التوبة: 95-96].

قال كعبٌ: كنَّا خُلِّفْنا - أيُّها الثلاثةُ - عن أمرِ أولئك الذين قَبِلَ منهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ حلَفوا له، فبايَعَهم، واستغفَرَ لهم، وأرجأَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أمْرَنا حتى قضى اللهُ فيه، فبذلك قال اللهُ عز وجل: {وَعَلَى ‌اْلثَّلَٰثَةِ ‌اْلَّذِينَ ‌خُلِّفُواْ} [التوبة: 118]، وليس الذي ذكَرَ اللهُ ممَّا خُلِّفْنا تخلُّفَنا عن الغَزْوِ، وإنَّما هو تخليفُه إيَّانا، وإرجاؤُه أمْرَنا عمَّن حلَفَ له واعتذَرَ إليه فقَبِلَ منه». أخرجه مسلم (٢٧٦٩).

* سورةُ (التوبة):

سُمِّيتْ بذلك لكثرةِ ذِكْرِ التوبة وتَكْرارها فيها، وذِكْرِ توبة الله على الثلاثة الذين تخلَّفوا يومَ غزوة (تَبُوكَ)، ولها عِدَّةُ أسماءٍ؛ من ذلك:

* سورةُ (براءةَ):

وقد اشتهَر هذا الاسمُ بين الصحابة؛ فعن البَراء رضي الله عنه، قال: «آخِرُ سورةٍ نزَلتْ كاملةً براءةُ». أخرجه البخاري (٤٣٦٤).

* (الفاضحةُ):

فعن سعيدِ بن جُبَيرٍ رحمه الله، قال: «قلتُ لابنِ عباسٍ: سورةُ التَّوبةِ، قال: آلتَّوبةُ؟ قال: بل هي الفاضحةُ؛ ما زالت تَنزِلُ: {وَمِنْهُمْ} {وَمِنْهُمْ} حتى ظَنُّوا أن لا يَبقَى منَّا أحدٌ إلا ذُكِرَ فيها». أخرجه مسلم (٣٠٣١).

قال ابنُ عاشورٍ: «ولهذه السورةِ أسماءٌ أُخَرُ، وقَعتْ في كلام السلف، من الصحابة والتابعين؛ فرُوي عن ابن عمرَ، عن ابن عباسٍ: كنَّا ندعوها - أي سورةَ (براءةَ) -: «المُقَشقِشَة» - بصيغةِ اسم الفاعل وتاء التأنيث، مِن قَشْقَشَه: إذا أبرَاه مِن المرضِ -، كان هذا لقبًا لها ولسورة (الكافرون)؛ لأنهما تُخلِّصان مَن آمن بما فيهما من النفاق والشرك؛ لِما فيهما من الدعاء إلى الإخلاص، ولِما فيهما من وصفِ أحوال المنافقين ...

وعن حُذَيفةَ: أنه سمَّاها سورة (العذاب)؛ لأنها نزلت بعذاب الكفار؛ أي: عذاب القتلِ والأخذِ حين يُثقَفون.

وعن عُبَيد بن عُمَير: أنه سمَّاها (المُنقِّرة) - بكسرِ القاف مشدَّدةً -؛ لأنها نقَّرتْ عما في قلوب المشركين...». "التحرير والتنوير" (10 /96).

وقد بلغ عددُ أسمائها (21) اسمًا في موسوعة "التفسير الموضوعي" (3 /187 وما بعدها).

* أمَر عُمَرُ بن الخطَّابِ رضي الله عنه أن يَتعلَّمَها الرِّجالُ لِما فيها من أحكام الجهاد:

فقد كتَب عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رضي الله عنه: «تعلَّمُوا سورةَ براءةَ، وعَلِّموا نساءَكم سورةَ النُّورِ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلَّام (ص241).

جاءت موضوعاتُ سورة (التَّوبة) على الترتيب الآتي:

1. نبذُ العهد مع المشركين (١-٢٤).

2. غزوة (حُنَين) (٢٥-٢٧).

3. قتال أهل الكتاب لفساد عقيدتهم (٢٨-٣٥).

4. تحديد الأشهُرِ الحُرُم (٣٦-٣٧).

5. غزوة تَبُوكَ (٣٨- ١٢٧).

6. صفات المؤمنين، وعقدُ البَيْعة مع الله تعالى.

7. أنواع المنافقين، والمعذِّرون من الأعراب.

8. صفات المنافقين والمؤمنين، وجزاؤهم.

9. أصناف أهل الزكاة.

10. فضحُ المتخلِّفين عن الجهاد، وصفاتهم.

11. النفير العام، والجهاد في سبيل الله.

12. علوُّ مكانة النبيِّ عليه السلام (١٢٨-١٢٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي" لمجموعة من العلماء (3 /178).

إنَّ مقصدَ السورة الأعظم أبانت عنه أولُ كلمةٍ في السورة؛ وهي {بَرَآءَةٞ} [التوبة: 1]؛ فقد جاءت للبراءةِ من الشرك والمشركين، ومعاداةِ مَن أعرض عما دعَتْ إليه السُّوَرُ الماضية؛ مِن اتباعِ الداعي إلى الله في توحيده، واتباعِ ما يُرضيه، كما جاءت بموالاةِ مَن أقبل على الله تعالى، وأعلن توبته؛ كما حصَل مع الصحابة الذين تخلَّفوا عن الغزوِ، ثم تاب اللهُ عليهم ليتوبوا.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /154).