دنا على سمع أبو بكر الرغاء وهو صوف ذوات الحوافر فوقف وقال هذا رغاء ناقة رسول الله فلما لحقه قال أمير أم مأمور قال مأمور فمضيا فلما كان قبل يوم التروية خطب أبو بكر وحدثهم عن مساكنهم وقام علىّ يوم النحر عند جمرة العقبة فقال (يا ايها الناس انى رسول الله إليكم فقالوا بماذا فقرأ عليهم ثلاثين او أربعين آية من أول هذه السورة ثم قال أمرت بأربع ان لا يقرب البيت بعد هذا العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ولا يدخل الجنة الا كل نفس مؤمنة وان يتم الى كل ذى عهد عهده) وقال الحدادي كان الحج فى السنة التي قرأ على رضى الله عنه فيها هذه السورة فى العاشر من ذى القعدة ثم صار الحج فى السنة الثانية فى ذى الحجة وكان السبب فى تقديم الحج فى سنة العهد ما كان يفعله بنوا كناية فى النسيء وهو التأخير انتهى فعلى هذا كان المراد بالأشهر الاربعة من عشر ذى القعدة الى عشر من شهر ربيع الاول كما ذهب اليه البعض وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ بسياحتكم فى أقطار الأرض فى العرض والطول وان ركبتم متن كل صعب وذلول غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ اى لا تفوتونه بالهرب والتحصين قال فى ربيع الأبرار غير معجزى الله سابقى الله وكل معجز فى القرآن سابق بلغة كنانة وَأَنَّ اللَّهَ اى واعلموا انه تعالى مُخْزِي الْكافِرِينَ اى مذلكم فى الدنيا بالقتل والاسر وفى الآخرة بالعذاب وما يحصل لكم من الافتضاح. والاخزاء هو الازلال بما فيه فضيحة وعار قال القشيري قطع لهم مدة على وجه المهلة على انهم ان أقلعوا عن الضلال وجدوا فى المال ما فقدوا من الوصال وان أبوا الا التمادي فى الحرمة والجريمة انقطع ما بينهم وبينه من العصمة ثم ختم الآية بما معناه ان أصررتم على قبيح آثاركم مشيتم الى هلاككم بقدمكم وسعيتم فى عاجلكم فى اراقة دمكم وحصلتم فى آجلكم على ندمكم فما خسرتم الا فى صفقتكم
تبدلت وتبدلنا واخسرنا | من ابتغى عوضا يسعى فلم يجد |
فكر آب ودانه در كنج قفس بي حاصلست | زير چرخ انديشه روزى چرا باشد مرا |
بهر روز مرك اين دم مرده باش | تا شوى با عشق سرمد خواجه تاش «١» |
كشته ومرده به پيشت اى قمر | به كه شاه زندكان جاى دكر «٢» |
وراعها وهى فى الأعمال سائمة | وان هى استحلت المرعى فلا تسم |
(٢) در اواخر دفتر سوم در بيان عزم كردن آن وكيل از عشق كه رجوع كند بخارا.
دفع نكرد از شما آن كثرت شما] والإغناء إعطاء ما تدفع به الحاجة اى لم تعطكم تلك الكثرة مما تدفعون به حاجتكم شيأ من الإغناء وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ اى رحبها وسعتها على ان ما مصدرية والباء بمعنى مع اى لا تجدون فيها مقرا تطمئن اليه نفوسكم من شدة الرعب ولا تثبتون فيها كمن لا يسعه مكانه: قال الشاعر
كان بلاد الله وهى عريضة... على الخائف المطلوب كفة حابل
اى حبالة صيد ثُمَّ وَلَّيْتُمْ الكفار ظهوركم مُدْبِرِينَ اى منهزمين لا تلوون على أحد يقال ولى هاربا اى أدبر. فالادبار الذهاب الى خلف خلاف الإقبال- روى- انه بلغ فلهم اى منهزمهم مكة وسر بذلك قوم من اهل مكة وأظهروا الشماتة حتى قال أخو صفوان ابن امية لامه ألا قد أبطل الله السحر اليوم فقال له صفوان وهو يومئذ مشرك اسكت فض الله فاك اى أسقط اسنانك والله لان يربنى من الربوبية اى يملكنى ويدبر امرى رجل من قريش أحب الى من ان يربنى رجل من هوازن ولما انهزموا بقي رسول الله ﷺ وحده وليس معه إلا عمه العباس آخذا بلجام بغلته وابن عمه ابو سفيان بن حرب بن عبد المطلب أخذا بركابه وهو يركض البغلة نحو المشركين ويقول
انا النبي لا كذب... انا ابن عبد المطلب
وهذا ليس بشعر لانه لم يقع عن قصد وانما قال انا ابن عبد المطلب ولم يقل انا ابن عبد الله لان العرب كانت تنسبه ﷺ الى حده عبد المطلب لشهرته ولموت عبد الله فى حياته فليس من الافتخار بالآباء الذي هو من عمل الجاهلية وقال الخطابي انه عليه السلام انما قال انا ابن عبد المطلب لا على سبيل الافتخار ولكن ذكرهم عليه السلام بذلك رؤيا رأها عبد المطلب ايام حباته وكانت القصة مشهورة عندهم فعرفهم بها وذكرهم إياها وهى احدى دلائل نبوته عليه السلام وقصة الرؤيا على ما فى عقد الدرر واللآلى ان عبد المطلب جد النبي عليه السلام بينا هو مائم فى الحجر انتبه مذعورا قال العباس فتبعته وانا يومئذ غلام اعقل ما يقال فاتى كهنة قريش فقال رأيت كأن سلسلة من فضة خرجت من ظهرى ولها اربعة أطراف طرف قد بلغ مشارق الأرض وطرف قد بلغ مغاربها وطرف قد بلغ عنان السماء وطرف قد جاوز الثرى فبينا انا انظر عادت شجرة خضراء لها نور فبينا انا كذلك قام علىّ شيخان فقلت لاحدهما من أنت قال
چون محرم بگذرد آيد بنزد تو صفر | پس ربيعين وجمادين ورجب آيد ببر |
باز شعبانست وماه صوم وعيد وذى القعد | بعد از ان ذى الحجة نام ماهها آيد بسر |
وانما سمى بذلك لخروج الإنسان فيه عن مخالفة النفس الامارة وقمع شهواتها اللذين كانا فى الإنسان فى رمضان بإطلاق طوع المستلذات والمشتهيات فعند خروجه عن ذلك كان يجد خفة فى نفسه ويستريح. واما ذو القعدة فسمى بذلك لانهم كانوا يقعدون فيه لكثرة الخصب فيه او يقعدون عن القتال قال فى شرح التقويم انما سمى هذا الشهر بهذا الاسم لانه زمان يحصل فيه قعود مكة. والقعدة بفتح القاف وسكون العين المهملة قال ابن ملك قولهم ذو القعدة وذو الحجة يجوز فيهما فتح القاف والحاء وكسرهما لكن المشهور فى القعدة الفتح وفى الحجة الكسر. واما ذو الحجة فسمى بذلك لانهم كانوا يحجون فيه وقال فى كتاب عقد الدرر واللآلي فى فضائل الأيام والشهور والليالى تكلم بعض اهل العلم على معانى اسماء الشهور فقال كانت العرب إذا رأوا السادات تركوا العادات وحرموا الغارات قالوا المحرم. وإذا مرضت أبدانهم وضعفت اركانهم واصفرت ألوانهم قالوا صفر. وإذا نبتت الرياحين واخضرت البساتين قالوا ربيعين. وإذا قلت الثمار وبرد الهواء وانجمد الماء قالوا جماديين. وإذا ماجت البحار وجرت الأنهار ورجبت الأشجار قالوا رجب. وإذا تشعبت القبائل وانقطعت الوسائل قالوا شعبان. وإذا حر الفضاء ورمضت الرمضاء قالوا رمضان. وإذا ارتفع التراب وكثر الذباب وشالت الإبل الاذناب قالوا شوال. وإذا رأوا التجار قعدوا من الاسفار والمماليك والأحرار قالوا ذو القعدة. وإذا قصدوا الحج من كل فج ووج وكثر العج والثج قالوا ذو الحجة انتهى مِنْها اى من تلك الشهور الاثني عشر أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ واحد فرد وهو رجب وثلاثة سرد ذو القعدة وذو الحجة والمحرم. والحرم بضمتين جمع الحرام اى اربعة أشهر حرم
حرمتهن وارتكاب ما حرم فيهن قال فى التبيان قال فى الاثني عشر منها فوحد الضمير لانه للكثرة. وقال فى الاربعة فيهن فجمع الضمير لانه للقلة وسببه ان الضمير فى القلة للمؤنث يرجع بالهاء والنون وفى الكثرة يرجع بالهاء والالف للفرق بين القلة والكثرة والجمهور على ان حرمة القتال فيهن منسوخة واوّلوا الظلم بارتكاب المعاصي فيهن فانه أعظم وزرا كارتكابها فى الحرم وخلال الإحرام يعنى ان هذه الأشهر الاربعة خصت بالنهى عن ظلم النفس فيها مع ان الظلم حرام فى كل وقت لبيان ان الظلم فيها اغلظ كأنه قيل فلا تظلموا فيهن خصوصا أنفسكم وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً مصدر كف فان
در راه عشق مرحله قرب وبعد نيست | مى بينمت عيان ودعا مى فرستمت |
دعاى ضعيفان اميدوار | ز بازوى مردى به آيد بكار |
غازىء رسمى كه بغارت رود | هست چوحاجى كه تجارت رود |
آنكه غزا خوانى وجويى رضا | كر غرضى هست نباشد غزا |
رو بغزا دل غرض آلوده واى | جهد خود است اين نه جهاد خداى |
مرد عارف چون بدان پر مى پرد | در دمى از نه فلك مى بگذرد |
سير زاهد در دمى يك روزه راه | سير عارف هر زمان تا تخت شاه |
بگذار جهان را كه جهان آن تو نيست | وين دم كه همى زنى بفرمان تو نيست |
كر مال جهان جمع كنى شاد مشو | ور تكيه بجان كنى جان آن تو نيست |
مردن گفت اين جايكه را بكنيد بكندند بيست هزار درم در سبويى پديد آمد گفت آنگاه كه از جنازه من باز آمده باشيد بدرويش دهيد او را گفتند يا شيخ چون تو كسى درم نهد گفت بحق اين وقت تنگ كه زكاة وى بر گردن من نيست وهرگز عيالان خود را بسختى نداشتم لكن هرگاه كه مرا آرزويى بودمى آنچهـ بدان آرزو بايستى دادن در سبو افكند مى تا اگر مرا سختى پيش آيد بدر سفله نبايد رفتن] كذا فى شرح الشهاب وفى هذه الحكاية امور. الاول ان من كان اماما للناس ومقتدى فى الدين لا ينبغى له ان يدخر ويكنز المال طمعا وحرصا لان الناس على دين ملوكهم وقد قيل [شيخ چون مائل بمال آيد مريد او مباش مائل دينار هرگز مالك ديدار نيست]. والثاني ان من غلبت عليه شهوته فمنع طبيعته عن مقتضاها بامساك ماله عن الصرف لها رجاء بذله لخير منه فقد جاهد مع نفسه وطبيعته اما مع نفسه فلانه ما كتم المال لا جل الكنز بل لا جل البذل لا نفع شىء فى وقت ما. واما مع طبيعته فلانه منعها من مقتضاها وراضها ومثل هذا هو الجهاد الأكبر. والثالث ان عرض الاحتياج على اللئيم ملوم مذموم شرعا وطريقة ولذا من جاع
چون ترا اندر حريم قرب خود ره داده شاه | از نفير پرده دار وطعن دربان غم مخور |
لا تصحب الكسلان فى حالاته | كم صالح بفساد آخر يفسد |
عدوى البليد الى الجليد سريعة | والجمر يوضع فى الرماد فيخمد |
رضا بداده بده وز جبين كره بگشا | كه بر من وتو در اختيار نگشادست |
چونكه بد كردى بترس ايمن مباش | زانكه تخمست وبروياند خداش |
چند گاهى او بپوشاند كه تا | آيدت زان بد پشيمان وحيا |
بارها پوشد پى اظهار فضل | باز گيرد از پى اظهار عدل |
تا كه اين هر دو صفت ظاهر شود | آن مبشر گردد اين منذر شود |
ويل لمن من الأنام يسخر | مقامه يوم الجزاء سقر |
گفت پيغمبر كه با اين سه گروه | رحم آريد ارنه سنگيدونه كوه |
آنكه او بعد از عزيزى خوار شد | وان توانكر هم كه بي دينار شد |
وان سوم آن عالمى كاندر جهان | مبتلا گردد ميان ابلهان |
زانكه از عزت بخوارى آمدن | همچوقطع عضو باشد از بدن |
عضو گردد مرده كز تن وا بريد | كو بريده جنبد اما نى مديد |
مگو جاهى از سلطنت بيش نيست | كه ايمن تر از ملك درويش نيست |
زاهد أيمن مشو از بازى غيرت زنهار | كه ره از صومعه تا دير مغان اين همه نيست |
او ان شفى الله من مريضى او قضى دينى فلله على صيام او صدقة او ان ملكت عبدا او هذا العبد فعلى ان اعتقه يلزمه الوفاء بما نذر لانه نذر بصيغة وليس فيه معنى اليمين وان علقه بشرط لا يريد وجوده كقوله ان كلمت فلانا او دخلت الدار فعلى صوم سنة يجزئه كفارة يمين والمنذور إذا كان له اصل فى الفروض اى واجب من جنسه لزم الناذر كالصوم والصلاة والصدقة والاعتكاف وما لا اصل له فى الفروض فلا يلزم الناذر كعيادة المريض وتشييع الجنازة ودخول المسجد وبناء القنطرة والرباط والسقاية وقرآة القرآن ونحوها والأصل فيه ان إيجاب العبد معتبر بايجاب الله تعالى تحصيلا للمصلحة المعلقة بالنذر والنذر الغير المعلق لا يختض بزمان ومكان ودرهم وفقير بخلاف المعلق فلو قال الناذر على ان أتصدق فى هذا اليوم بهذا الدرهم على هذا الفقير فتصدق غدا بدرهم آخر على غيره اجزأه عندنا ولا يجزئه عند زفر واعلم ان المساجد الثلاثة المسجد الحرام ومسجد الرسول والمسجد الأقصى لكونها ابنية الأنبياء عليهم السلام لها فضيلة تامة ولهذا قال الفقهاء لو نذر ان يصلى فى أحد هذه الثلاثة تعين بخلاف سائر المساجد فان من نذر ان يصلى فى أحدها له ان يصلى فى الآخر ومنها ان النفاق عبارة عن الكذب وخلف الوعد والخيانة الى ما ائتمن كما ان الايمان عبارة عن الصدق وملازمة الطاعة لان الله تعالى خلق الصدق فظهر من ظله الايمان وخلق الكذب فظهر من ظله الكفر والنفاق وفى الحديث (ثلاث من كن فيه فهو منافق وان صام وصلى وزعم انه مسلم إذا حدث كذب وإذا وعد اخلف وإذا ائتمن خان) يعنى من يحدث عالما بانه كذب وتعهد عازما على عدم الوفاء وينتظر الامانة للخيانة ولعل هذا يكون فى حق من اعتاد بهذه الخصال لا فى حق من ندرت منه كما هو مذهب البخاري وبعض العلماء ومذهب الجمهور على ان هذه الخصال خصال المنافقين وصاحبها شبيه لهم فاطلاق اسم المنافق عليه على سبيل التجوز تغليظا كما ان الله تعالى قال ومن كفر مكان ومن لم يحج لكمال قبحه قال صاحب التحفة ليس الغرض ان آية المنافق محصورة فى الثلاث بل من ابطن خلاف ما اظهر فهو من المنافقين واعلم ان المنافقين صنفان صنف معلنوا الإسلام ومسروه فى بدء الأمر وذلك
بدنيا توانى كه عقبى خرى | بخر جان من ور نه حسرت خورى |
وهو الميزان يكون فيه الحر وكان ممن تخلف عن مسيره معه ﷺ ابو خيثمة ولما سار عليه السلام أياما دخل ابو خيثمة على اهله فى يوم حار فوجد امرأتين له فى عريشتين لهما فى حائط قدرشت كل منهما عريشتها وبردت فيها ماء وهيأت طعاما فلما دخل نظر الى امرأتيه وما صنعتا فقال رضى الله عنه رسول الله ﷺ فى الحر وابو خيثمة فى ظل وماء بارد وطعام مهيأ وامرأة حسناء ما هذا بالنصف ثم قال والله لا ادخل عريشة واحدة منكما حتى ألحق برسول الله فهيئالى زادا ففعلتا ثم قدم ناضحة فارتحلها وأخذ سيفه ورمحه ثم خرج فى طلب رسول الله حتى أدركه: قال الحافظ
ملول از همرهان بودن طريق كاردانى نيست | بكش دشوارىء منزل بياد عهد آسانى |
مقام عيش ميسر نميشود بي رنج | بلى بحكم بلا بسته اند حكم الست |
من از ديار حبيبم نه از ديار غريب | مهيمنا بعزيزان خود رسان باشم |
در أول چوخواهى كنى جمع مال | بسى رنج بر خويش بايد كماشت |
پس از بهر آن تا بماند بجاى | شب وروز مى بايدت پاس داشت |
وزين جمله آن حال مشكلترست | كه آخر بحسرت ببايد گذشت |
عذر أحمق بد ترا از جرمش بود | عذر نادان زهر هر دانش بود |
فرزند ويار چونكه بميرند عاقبت | اى دوست دل مبند بجز حى لا يموت |
العلم لكون الجهل عليهم اغلب وهم الى البدع اسرع: قال فى المثنوى
ده مرو ده مرد را أحمق كند | عقل را بي نور وبي رونق كند |
قول پيغمبر شنو اى مجتبى | كور عقل آمد وطن در روستا |
اندك اندك آب را دزدد هوا | وين چنين دزددهم أحمق از شما |
گر ميت را دزدد وسردى دهد | همچنان كو زير خود سنگى نهد |
مكو زنهار اصل عود چوبست | ببين دودش چهـ مستثنى وخوبست |
أول فكر آخر آمد در عمل | خاصه فكرى كو بود وصف ازل |
دل بكعبه ميرود در هر زمان | جسم طبعى دل بگيرد ز امتنان |
اين دراز وكوتهى مر جسم راست | چهـ دراز وكوته آنجا كه خداست |
چون خدا مر جسم را تبديل كرد | رفتنش بي فرسخ وبي ميل كرد |
وگر سيم اندوده باشد نحاس... توان خرج كردن بر ناشناس
منه آب زر جان من بر پشيز... كه صراف دانا نكيرد بچيز
اعلم ان الأقلام كتبت على الألواح احوال العالم كلها من السرائر والظواهر ثم سلمت الألواح للحزنة وجعل لكل شىء خزائن ووكلت عليها حوافظ وكوالىء كما قال تعالى وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ فتستنسخ السفرة من الخزنة والحفظة من السفرة فللاعمال كلها مخازن تقسم منها وتنتهى إليها وغاية خزائن الأعمال الصالحة سدرة المنتهى فعلم من هذا ان الحفظة مطلعون على اعمال العباد قلبية كانت او قالبية وليسوا بمطلعين على المقبول منها وغير المقبول الا بعد العرض والرفع فكل عمل مضبوط مجزى به فان أخفاه العبد عن الخلق لا يقدر على اخفائه عن الله تعالى وعن الملائكة: قال السعدي قدس سره
در بسته ز روى خود بمردم... تا عيب نكسترند ما را
در بسته چهـ سود عالم الغيب... داناى نهان وآشكارا
وَآخَرُونَ عطف على آخرون قبله اى ومن المتخلفين من اهل المدينة ومن حولها من الاعراب قوم آخرون غير المعترفين المذكورين مُرْجَوْنَ قرأ نافع وحمزة والكسائي وحفص مرجون بالواو على ان يكون أصله مرجيون بالياء والباقون مرجأون بالهمزة يقال ارجيته وارجأته بالياء والهمزة إذا أخرته والنسبة الى المهموز مرجئىّ كمرجعى لامرج كمعط والى غير مرجى بياء مشددة عقيب الجيم وهم المرجئة بالهمزة والمرجية بالياء مخففة كما فى القاموس والمرجئة قوم لا يقطعون على اهل الكبائر بشىء من عفو او عقوبة بل يرجئون الحكم فى ذلك اى يؤخرونه الى يوم القيامة كما فى المغرب والمعنى مؤخرون لِأَمْرِ اللَّهِ فى شأنهم اى حتى ينزل الله فيهم ما يريد إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ ان بقوا على ما هم عليه من الحال وهو عدم المسارعة الى التوبة والاعتذار دون النفاق فانهم كانوا غير مخلصين وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ان خلصت نيتهم وصحت توبتهم والجملة فى محل النصب على الحالية اى منهم هؤلاء اما معذبين واما متو با عليهم فان قلت اما للشك والله تعالى منزه عنه إذ هو عالم بما يصير اليه أمرهم
فيها خطيئة فهذه حال أكابر اولياء الله تعالى يسيئون الظن بانفسهم ويجتهدون فى الله وان علموا العفو والمغفرة ووقف الفضيل فى بعض حجاته ولم ينطق بشىء فلما غربت الشمس قال وا سوأتاه وان عفوت يقول الفقير وهذا كلام حق فان من الفضاحة العصيان ومن الفضاحة ايضا بقاء اثره الدنيوي بعد الغفران ألا ترى ان عتقاء جهنم لا يستريحون يوم القيامة وان دخلوا الجنة الى ان يمحو الله تعالى ما كتب على جباهم من الأثر: قال الحافظ قدس سره
مكر حق سرچشمه اين مكرهاست | قلب بين الإصبعين كبرياست |
آنكه سازد در دلت مكر وقياس | آتشى داند زدن اندر پلاس |
ازين هلاك مينديش وباش مردانه | كه اين هلاك بود موجب خلاص ونجات |
قلندرى نه بريشست وموى يا ابرو | حساب راه قلندر بدانكه موى بموست |
گذشتن از سر مو در قلندرى سهلست | چوحافظ آنكه ز سر بگذرد قلندر اوست |
آن بيع را كه روز ازل با تو كرده ايم | أصلا در ان حديث اقاله نميرود |
خويشتن نشناخت مسكين آدمي | از فزونى آمد وشد در كمى |
خويشتن را آدمي ارزان فروخت | بود اطلس خويش را بر دلق دوخت |
سنگ بينداز وكهر مى ستان | خاك زمين مى ده وزر مى ستان |
در عوض فانىء خوار وحقير | نعمت پاكيزه باقى بكير |
كاله كه هيچ خلقش ننگريد | از خلاقت آن كريم آنرا خريد |
هيچ قلبى پيش حق مردود نيست | زانكه قصدش از خريدن سود نيست |
ودر نفحات الانس مذكورست از ابو زجانى نقل ميكند كه]
تو بعلم ازل مرا ديدى | ديدى آنكه بعيب بخريدى |
تو بعلم آن ومن بعيب همان | رد مكن آنچهـ خود پسنديدى |
أثامن بالنفس النفيسة ربها | وليس لها فى الخلق كلهمو ثمن |
بها تشترى الجنات ان انا بعتها | بشىء سواها ان ذلكمو غبن |
إذا ذهبت نفسى بشىء أصيبه | فقد ذهب الدنيا وقد ذهب الثمن |
من يشترى قبة فى عدن عالية | فى ظل طوبى رفيعات مبانيها |
دلالها المصطفى والله بائعها | ممن أراد وجبريل مناديها |
فى القيامة بحسن مآبه. الى غير ذلك وإذا كان الأمر كذلك. فيتعين على كل عاقل التعرض لهذه الرتبة وصرف عمره فى طلبها والتشمير للجهاد.
عن ساق الاجتهاد. والنفير الى ذوى العناد. من كل العباد. وتجهيز الجيوش والسرايا.
وبذل الصلات والعطايا. واقراض الأموال لمن يضاعفها ويزكيها. ودفع سلع النفوس من غير مماطلة لمشتريها. وان ينفر فى سبيل الله خفافا وثقالا. ويتوجه الى جهاد اعداء الله ركبانا ورجالا. حتى يخرجوا الى الإسلام من اديانهم. او يعطوا الجزية صغرة بايمانهم.
او تستلب نفوسهم من أبدانهم. وتجتذب رؤسهم من تيجانهم. فجموع ذوى الإلحاد مكسرة. وان كانت بالتعداد مكثرة. وجيوش اولى العناد مدبرة مدمرة. وان كانت بعقولهم مقدمة مدبرة. وعزمات رجال الضلال مؤنثة مصغرة. وان كانت ذواتهم مذكرة مكبرة. ألا ترى ان الله تعالى جعل كل مسلم يغلب منهم اثنين. وللذكر من العقل مثل حظ الأنثيين. فوجب علينا ان نطير إليهم ونغير عليهم رجالا وفرسانا. ونجهد فى خلاص أسير ومكروب. واغتنام كل خطير ومحبوب. ونبيد بايدى الجلاد حماة الشرك وأنصاره. ونصول بالنصول الحداد على دعاة الكفر انهتك استاره. ونتطهر بدماء المشركين والكفار. من أرجاس الذنوب وانحاس الأوزار. هناك فتحت من الجنة ابوابها. وارتفعت فرشها ووضعت أكوابها. وبرزت الحور العين عربها واترابها. وقام للجلاد على قدم الاجتهاد خطابها. فضربوا ببيض المشرفية فوق الأعناق.
واستعذبوا من المنية مر المذاق. وباعوا الحياة الفانية بالعيش الباق. فوردوا من مورد الشهادة موردا لم يظمأوا بعده ابدا. وربحت تجارتهم فكانوا اسعد السعداء. أولئك فى صفقة بيعهم هم الرابحون. فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون. إليك اللهم نمدّ اكف الضراعة ان تجعلنا منهم. وان لا تحيد بنا عند قيام الساعة عنهم. وان ترزقنا من فضلك شهادة ترضيك عنا. وغفرا للذنب الذي انقض الظهر وعنى. وقبولا لنفوسنا إذ عرضناها رحمة منك وتفضلا ومنا. وحاشى كرمك ان نأوب بالخيبة مما رجوناه وأملنا.
وأنت ارحم الراحمين. وعن الشيخ عبد الواحد بن زيد قدس سره قال بينما نحن ذات يوم فى مجلسنا هذا قد تهيأنا للخروج الى الغزو قد أمرت أصحابي بقراءة آيتين فقرأ رجل فى مجلسنا إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ إذ قام غلام فى مقدار خمس عشرة سنة او نحو ذلك وقدمات أبوه وورثه مالا كثيرا فقال يا عبد الواحد بن زيد إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ فقلت نعم حبيبى فقال انى أشهدك انى قد بعت نفسى ومالى بان لى الجنة فقلت له ان حد السيف أشد من ذلك وأنت صبى وانى أخاف
نا اميدم مكن از سابقه لطف ازل | تو چهـ دانى كه پس پرده كه خوبست وكه زشت |
على ما ظهر على قلوبهم فتاب الله عليهم وفى كاد ضمير الشأن وجملة يزيغ فى محل النصب على انها خبر كاد وخبر كاد إذا كان جملة لا بد ان يكون فيه ضمير يعود على اسمها الا إذا كان اسمها ضمير الشان فحينئذ لا يجب ان يكون فيه ضمير يعود الى اسمها ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ اى تجاوز عن ذنبهم الذي فرط منهم وهو تكرير للتأكيد وتنبيه على انه يتاب عليهم من أجل ما كابدوا من العسرة: قال الحافظ
مكن ز غصه شكايت كه در طريق طلب | براحتى نرسيد آنكه زحمتى نكشيد |
كوثر نمى ز چشمه احسان رحمتش | آب حيات قطره از جام مصطفاست |
سفيهانرا بود تأديب نافع | جنونرا شربت چوبست دافع |
ما بين رفع يدك عن ضرعها وقت الحلبة ووضعها وقيل هو ما بين الحلبتين. وفى الحديث دلالة على ان الجهاد والتصدي له أفضل من العزلة للعبادة وقال فى فتح القريب يا هذا ليت شعرى من يقوم مقام هذا الصحابي فى عزلته وعبادته وطيب مطعمه ومع هذا قال النبي عليه السلام (لا تفعل) وأرشده الى الجهاد فكيف لواحد منا ان يتركه مع اعمال لا يوثق بها مع قلتها وخطايا لا ينجى معها لكثرتها وجوارح لا تزال مطلقة فيما منعت منه ونفوس جامحة الا عما نهيت عنه ونيات لا يتحقق إخلاصها وتبعات لا يرجى بغير العناية خلاصها: قال الحافظ
كارى كنيم ور نه حجالت بر آورد | روزيكه رخت جان بجهان دگر كشيم |
ور نكوئى عيب خود بارى خمش | از نمايش واز دغل خود را مكش «١» |
كر تو نقدى يافتى مكشا دهان | هست در ره سنگهاى امتحان |
گفت يزدان از ولادت تا بحين | يفتنون كل عام مرتين |
امتحان بر امتحانست اى پسر | هين بكمتر امتحان خود را محر |
ماهيانرا بحر نگذارد برون | خاكيانرا بحر نگذارد درون «٢» |
(٢) در اواخر دفتر سوم در بيان حكايت امير وغلامش كه نماز باره بود وانس غلام در نماز ومناجات
سورة التوبة
سورةُ (التَّوْبةِ) ارتبَطتِ ارتباطًا وثيقًا بسورة (الأنفال)، حتى ظنَّ بعضُ الصَّحابة أنهما سورةٌ واحدة؛ فقد أكمَلتِ الحديثَ عن أحكام الحرب والأَسْرى. وسُمِّيتْ بـ (الفاضحةِ)؛ لأنها فضَحتْ سرائرَ المنافقين، وأحوالَهم، وصفاتِهم. وقد نزَلتْ سورة (التَّوْبةِ) في غزوتَيْ (حُنَينٍ)، و(تَبُوكَ). وأعلَنتْ هذه السورةُ البراءةَ من الشركِ والمشركين وأفعالهم، وبيَّنتْ أحكامَ المواثيق والعهود مع المشركين، معلِنةً في خاتمتها التوبةَ على مَن تاب وتخلَّف من الصحابة - رضي الله عنهم - عن الغزوِ: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوٓاْۚ} [التوبة: 118].
ترتيبها المصحفي
9نوعها
مدنيةألفاظها
2505ترتيب نزولها
113العد المدني الأول
130العد المدني الأخير
130العد البصري
130العد الكوفي
129العد الشامي
130تعلَّقتْ سورةُ (التوبة) بأحداثٍ كثيرة، وهي (الفاضحةُ)؛ لذا صحَّ في أسبابِ نزولها الكثيرُ؛ من ذلك:
* قوله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ اْلْحَآجِّ وَعِمَارَةَ اْلْمَسْجِدِ اْلْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِاْللَّهِ وَاْلْيَوْمِ اْلْأٓخِرِ وَجَٰهَدَ فِي سَبِيلِ اْللَّهِۚ لَا يَسْتَوُۥنَ عِندَ اْللَّهِۗ وَاْللَّهُ لَا يَهْدِي اْلْقَوْمَ اْلظَّٰلِمِينَ} [التوبة: 19]:
عن النُّعمانِ بن بشيرٍ رضي الله عنهما، قال: «كنتُ عند مِنبَرِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال رجُلٌ: ما أُبالي ألَّا أعمَلَ عمَلًا بعد الإسلامِ إلا أن أَسقِيَ الحاجَّ، وقال آخَرُ: ما أُبالي ألَّا أعمَلَ عمَلًا بعد الإسلامِ إلا أن أعمُرَ المسجدَ الحرامَ، وقال آخَرُ: الجهادُ في سبيلِ اللهِ أفضَلُ ممَّا قُلْتم، فزجَرَهم عُمَرُ، وقال: لا تَرفَعوا أصواتَكم عند مِنبَرِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وهو يومُ الجمعةِ، ولكن إذا صلَّيْتُ الجمعةَ دخَلْتُ فاستفتَيْتُه فيما اختلَفْتم فيه؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ اْلْحَآجِّ} [التوبة: 19] الآيةَ إلى آخِرِها». أخرجه مسلم (١٨٧٩).
* قوله تعالى: {اْلَّذِينَ يَلْمِزُونَ اْلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ فِي اْلصَّدَقَٰتِ وَاْلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} [التوبة: 79]:
عن أبي مسعودٍ عُقْبةَ بن عمرٍو رضي الله عنه، قال: «لمَّا نزَلتْ آيةُ الصَّدقةِ كنَّا نُحامِلُ، فجاءَ رجُلٌ فتصدَّقَ بشيءٍ كثيرٍ، فقالوا: مُرائي، وجاءَ رجُلٌ فتصدَّقَ بصاعٍ، فقالوا: إنَّ اللهَ لَغنيٌّ عن صاعِ هذا؛ فنزَلتِ: {اْلَّذِينَ يَلْمِزُونَ اْلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ فِي اْلصَّدَقَٰتِ وَاْلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} [التوبة: 79] الآية». أخرجه البخاري (١٤١٥).
* قوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِۦٓۖ} [التوبة: 84]:
عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: «أنَّ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ لمَّا تُوُفِّيَ جاءَ ابنُه إلى النبيِّ ﷺ، فقال: يا رسولَ اللهِ، أعطِني قميصَك أُكفِّنْهُ فيه، وصَلِّ عليه، واستغفِرْ له، فأعطاه النبيُّ ﷺ قميصَه، فقال: آذِنِّي أُصلِّي عليه، فآذَنَه، فلمَّا أراد أن يُصلِّيَ عليه جذَبَه عُمَرُ رضي الله عنه، فقال: أليس اللهُ نهاك أن تُصلِّيَ على المنافِقين؟ فقال: أنا بين خِيرَتَينِ، قال: {اْسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةٗ فَلَن يَغْفِرَ اْللَّهُ لَهُمْۚ} [التوبة: 80]، فصلَّى عليه؛ فنزَلتْ: {وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِۦٓۖ} [التوبة: 84]». أخرجه البخاري (١٢٦٩).
* قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ مِنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَٰبُ اْلْجَحِيمِ} [التوبة: 113]:
عن المسيَّبِ بن حَزْنٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا حضَرتْ أبا طالبٍ الوفاةُ جاءَه رسولُ اللهِ ﷺ، فوجَدَ عنده أبا جهلٍ، وعبدَ اللهِ بنَ أبي أُمَيَّةَ بنِ المُغيرةِ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «يا عَمِّ، قُلْ: لا إلهَ إلا اللهُ، كلمةً أشهَدُ لك بها عند اللهِ»، فقال أبو جهلٍ وعبدُ اللهِ بنُ أبي أُمَيَّةَ: يا أبا طالبٍ، أتَرغَبُ عن مِلَّةِ عبدِ المطَّلِبِ؟ فلَمْ يَزَلْ رسولُ اللهِ ﷺ يَعرِضُها عليه، ويُعِيدُ له تلك المقالةَ، حتى قال أبو طالبٍ آخِرَ ما كلَّمهم: هو على مِلَّةِ عبدِ المطَّلِبِ، وأبى أن يقولَ: لا إلهَ إلا اللهُ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «أمَا واللهِ لَأستغفِرَنَّ لك ما لم أُنْهَ عنك»؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ مِنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَٰبُ اْلْجَحِيمِ} [التوبة: 113]». أخرجه مسلم (٢٤).
* قوله تعالى: {وَعَلَى اْلثَّلَٰثَةِ اْلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰٓ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ اْلْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوٓاْ أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اْللَّهِ إِلَّآ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوٓاْۚ إِنَّ اْللَّهَ هُوَ اْلتَّوَّابُ اْلرَّحِيمُ} [التوبة: 118]:
نزَلتْ في (كعبِ بن مالكٍ)، و(مُرَارةَ بنِ الرَّبيعِ)، و(هلالِ بنِ أُمَيَّةَ).
والحديثُ يَروِيه عبدُ اللهِ بن كعبٍ، عن أبيه كعبِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «لم أتخلَّفْ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في غزوةٍ غزاها قطُّ، إلا في غزوةِ تَبُوكَ، غيرَ أنِّي قد تخلَّفْتُ في غزوةِ بَدْرٍ، ولم يُعاتِبْ أحدًا تخلَّفَ عنه، إنَّما خرَجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم والمسلمون يُريدون عِيرَ قُرَيشٍ، حتى جمَعَ اللهُ بَيْنهم وبين عدوِّهم على غيرِ ميعادٍ، ولقد شَهِدتُّ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ليلةَ العَقَبةِ، حِينَ تواثَقْنا على الإسلامِ، وما أُحِبُّ أنَّ لي بها مَشهَدَ بَدْرٍ، وإن كانت بَدْرٌ أذكَرَ في الناسِ منها، وكان مِن خَبَري حِينَ تخلَّفْتُ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في غزوةِ تَبُوكَ: أنِّي لم أكُنْ قطُّ أقوى ولا أيسَرَ منِّي حِينَ تخلَّفْتُ عنه في تلك الغزوةِ، واللهِ ما جمَعْتُ قَبْلها راحلتَينِ قطُّ، حتى جمَعْتُهما في تلك الغزوةِ، فغزَاها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في حَرٍّ شديدٍ، واستقبَلَ سفَرًا بعيدًا ومَفازًا، واستقبَلَ عدوًّا كثيرًا، فجَلَا للمسلمين أمْرَهم لِيتأهَّبوا أُهْبةَ غَزْوِهم، فأخبَرَهم بوجهِهم الذي يريدُ، والمسلمون مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كثيرٌ، ولا يَجمَعُهم كتابٌ حافظٌ، يريدُ بذلك الدِّيوانَ، قال كعبٌ: فقَلَّ رجُلٌ يريدُ أن يَتغيَّبَ، يظُنُّ أنَّ ذلك سيَخفَى له، ما لم يَنزِلْ فيه وَحْيٌ مِن اللهِ عز وجل، وغزَا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تلك الغزوةَ حِينَ طابتِ الثِّمارُ والظِّلالُ، فأنا إليها أصعَرُ، فتجهَّزَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، وطَفِقْتُ أغدو لكي أتجهَّزَ معهم، فأرجِعُ ولم أقضِ شيئًا، وأقولُ في نفسي: أنا قادرٌ على ذلك إذا أرَدتُّ، فلم يَزَلْ ذلك يَتمادى بي حتى استمَرَّ بالناسِ الجِدُّ، فأصبَحَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم غاديًا والمسلمون معه، ولم أقضِ مِن جَهازي شيئًا، ثم غدَوْتُ فرجَعْتُ ولم أقضِ شيئًا، فلم يَزَلْ ذلك يَتمادى بي حتى أسرَعوا، وتفارَطَ الغَزْوُ، فهمَمْتُ أن أرتحِلَ فأُدرِكَهم، فيا لَيْتني فعَلْتُ، ثم لم يُقدَّرْ ذلك لي، فطَفِقْتُ إذا خرَجْتُ في الناسِ بعد خروجِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يحزُنُني أنِّي لا أرى لي أُسْوةً إلا رجُلًا مغموصًا عليه في النِّفاقِ، أو رجُلًا ممَّن عذَرَ اللهُ مِن الضُّعفاءِ، ولم يذكُرْني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حتى بلَغَ تَبُوكَ، فقال وهو جالسٌ في القومِ بتَبُوكَ: «ما فعَلَ كعبُ بنُ مالكٍ؟»، قال رجُلٌ مِن بَني سَلِمةَ: يا رسولَ اللهِ، حبَسَه بُرْداه والنَّظرُ في عِطْفَيهِ، فقال له مُعاذُ بنُ جبلٍ: بئسَ ما قلتَ، واللهِ يا رسولَ اللهِ، ما عَلِمْنا عليه إلا خيرًا، فسكَتَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فبينما هو على ذلك، رأى رجُلًا مُبيِّضًا، يزُولُ به السَّرابُ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كُنْ أبا خَيْثمةَ»، فإذا هو أبو خَيْثمةَ الأنصاريُّ، وهو الذي تصدَّقَ بصاعِ التَّمْرِ حِينَ لمَزَه المنافِقون».
فقال كعبُ بن مالكٍ: فلمَّا بلَغَني أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قد توجَّهَ قافلًا مِن تَبُوكَ، حضَرَني بَثِّي، فطَفِقْتُ أتذكَّرُ الكَذِبَ وأقولُ: بِمَ أخرُجُ مِن سَخَطِه غدًا؟ وأستعينُ على ذلك كلَّ ذي رأيٍ مِن أهلي، فلمَّا قيل لي: إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قد أظَلَّ قادمًا، زاحَ عنِّي الباطلُ، حتى عرَفْتُ أنِّي لن أنجوَ منه بشيءٍ أبدًا، فأجمَعْتُ صِدْقَه، وصبَّحَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قادمًا، وكان إذا قَدِمَ مِن سَفَرٍ، بدَأَ بالمسجدِ فركَعَ فيه ركعتَينِ، ثم جلَسَ للناسِ، فلمَّا فعَلَ ذلك جاءه المخلَّفون، فطَفِقوا يَعتذِرون إليه، ويَحلِفون له، وكانوا بِضْعةً وثمانين رجُلًا، فقَبِلَ منهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم علانيتَهم، وبايَعَهم، واستغفَرَ لهم، ووكَلَ سرائرَهم إلى اللهِ، حتى جئتُ، فلمَّا سلَّمْتُ تبسَّمَ تبسُّمَ المُغضَبِ، ثم قال: «تعالَ»، فجئتُ أمشي حتى جلَسْتُ بين يدَيهِ، فقال لي: «ما خلَّفَك؟ ألم تكُنْ قد ابتَعْتَ ظَهْرَك؟»، قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنِّي واللهِ لو جلَسْتُ عند غيرِك مِن أهلِ الدُّنيا، لَرأَيْتُ أنِّي سأخرُجُ مِن سَخَطِه بعُذْرٍ، ولقد أُعطِيتُ جدَلًا، ولكنِّي واللهِ لقد عَلِمْتُ، لَئِنْ حدَّثْتُك اليومَ حديثَ كَذِبٍ تَرضَى به عنِّي، لَيُوشِكَنَّ اللهُ أن يُسخِطَك عليَّ، ولَئِنْ حدَّثْتُك حديثَ صِدْقٍ تجدُ عليَّ فيه، إنِّي لَأرجو فيه عُقْبى اللهِ، واللهِ ما كان لي عُذْرٌ، واللهِ ما كنتُ قطُّ أقوى ولا أيسَرَ منِّي حين تخلَّفْتُ عنك، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أمَّا هذا فقد صدَقَ؛ فقُمْ حتى يَقضِيَ اللهُ فيك»، فقُمْتُ، وثارَ رجالٌ مِن بَني سَلِمةَ فاتَّبَعوني، فقالوا لي: واللهِ ما عَلِمْناك أذنَبْتَ ذَنْبًا قبل هذا، لقد عجَزْتَ في ألَّا تكونَ اعتذَرْتَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بما اعتذَرَ به إليه المخلَّفون، فقد كان كافيَك ذَنْبَك استغفارُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لك، قال: فواللهِ ما زالوا يُؤنِّبوني حتى أرَدتُّ أن أرجِعَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأُكذِّبَ نفسي، قال: ثم قلتُ لهم: هل لَقِيَ هذا معي مِن أحدٍ؟ قالوا: نَعم، لَقِيَه معك رجُلانِ، قالا مِثْلَ ما قلتَ، فقيل لهما مثلُ ما قيل لك، قال: قلتُ: مَن هما؟ قالوا: مُرَارةُ بنُ الرَّبيعِ العامريُّ، وهِلالُ بنُ أُمَيَّةَ الواقِفيُّ، قال: فذكَروا لي رجُلَينِ صالحَينِ قد شَهِدا بَدْرًا، فيهما أُسْوةٌ، قال: فمضَيْتُ حين ذكَروهما لي.
قال: ونهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامِنا - أيُّها الثلاثةُ - مِن بَيْنِ مَن تخلَّفَ عنه.
قال: فاجتنَبَنا الناسُ، وقال: تغيَّروا لنا، حتى تنكَّرتْ لي في نفسي الأرضُ، فما هي بالأرضِ التي أعرِفُ، فلَبِثْنا على ذلك خَمْسين ليلةً، فأمَّا صاحبايَ فاستكانا وقعَدا في بيوتِهما يَبكيانِ، وأمَّا أنا فكنتُ أشَبَّ القومِ وأجلَدَهم، فكنتُ أخرُجُ فأشهَدُ الصَّلاةَ، وأطُوفُ في الأسواقِ، ولا يُكلِّمُني أحدٌ، وآتي رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأُسلِّمُ عليه وهو في مَجلِسِه بعد الصَّلاةِ، فأقولُ في نفسي: هل حرَّكَ شَفَتَيهِ برَدِّ السلامِ أم لا؟ ثم أُصلِّي قريبًا منه، وأُسارِقُه النَّظرَ، فإذا أقبَلْتُ على صلاتي نظَرَ إليَّ، وإذا التفَتُّ نحوَه أعرَضَ عنِّي، حتى إذا طالَ ذلك عليَّ مِن جَفْوةِ المسلمين، مشَيْتُ حتى تسوَّرْتُ جدارَ حائطِ أبي قَتادةَ، وهو ابنُ عَمِّي، وأحَبُّ الناسِ إليَّ، فسلَّمْتُ عليه، فواللهِ ما رَدَّ عليَّ السلامَ، فقلتُ له: يا أبا قَتادةَ، أنشُدُك باللهِ هل تَعلَمَنَّ أنِّي أُحِبُّ اللهَ ورسولَه؟ قال: فسكَتَ، فعُدتُّ فناشَدتُّه، فسكَتَ، فعُدتُّ فناشَدتُّه، فقال: اللهُ ورسولُهُ أعلَمُ، ففاضت عينايَ، وتولَّيْتُ حتى تسوَّرْتُ الجدارَ.
فبَيْنا أنا أمشي في سوقِ المدينةِ، إذا نَبَطيٌّ مِن نََبَطِ أهلِ الشامِ، ممَّن قَدِمَ بالطعامِ يَبِيعُه بالمدينةِ، يقولُ: مَن يدُلُّ على كعبِ بن مالكٍ؟ قال: فطَفِقَ الناسُ يُشيرون له إليَّ، حتى جاءَني، فدفَعَ إليَّ كتابًا مِن مَلِكِ غسَّانَ، وكنتُ كاتبًا، فقرَأْتُه، فإذا فيه: أمَّا بعدُ، فإنَّه قد بلَغَنا أنَّ صاحِبَك قد جفَاك، ولم يَجعَلْك اللهُ بدارِ هوانٍ ولا مَضِيعةٍ، فالحَقْ بنا نُواسِك، قال: فقلتُ حين قرَأْتُها: وهذه أيضًا مِن البلاءِ، فتيامَمْتُ بها التَّنُّورَ، فسجَرْتُها بها.
حتى إذا مضَتْ أربعون مِن الخَمْسين، واستلبَثَ الوَحْيُ؛ إذا رسولُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يأتيني، فقال: إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يأمُرُك أن تعتزِلَ امرأتَك، قال: فقلتُ: أُطلِّقُها أم ماذا أفعَلُ؟ قال: لا، بل اعتزِلْها، فلا تَقرَبَنَّها، قال: فأرسَلَ إلى صاحِبَيَّ بمِثْلِ ذلك، قال: فقلتُ لامرأتي: الحَقِي بأهلِكِ فكُوني عندهم حتى يَقضِيَ اللهُ في هذا الأمرِ، قال: فجاءت امرأةُ هلالِ بنِ أُمَيَّةَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالت له: يا رسولَ اللهِ، إنَّ هلالَ بنَ أُمَيَّةَ شيخٌ ضائعٌ ليس له خادمٌ، فهل تَكرَهُ أن أخدُمَه؟ قال: لا، ولكن لا يَقرَبَنَّكِ، فقالت: إنَّه واللهِ ما به حركةٌ إلى شيءٍ، وواللهِ ما زالَ يَبكي منذ كان مِن أمرِه ما كان إلى يومِه هذا، قال: فقال لي بعضُ أهلي: لو استأذَنْتَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في امرأتِك؟ فقد أَذِنَ لامرأةِ هلالِ بنِ أُمَيَّةَ أن تخدُمَه، قال: فقلتُ: لا أستأذِنُ فيها رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وما يُدرِيني ماذا يقولُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا استأذَنْتُه فيها، وأنا رجُلٌ شابٌّ، قال: فلَبِثْتُ بذلك عَشْرَ ليالٍ، فكمَلَ لنا خمسون ليلةً مِن حِينَ نُهِيَ عن كلامِنا، قال: ثم صلَّيْتُ صلاةَ الفجرِ صباحَ خَمْسين ليلةً على ظَهْرِ بيتٍ مِن بيوتِنا، فبَيْنا أنا جالسٌ على الحالِ التي ذكَرَ اللهُ عز وجل منَّا، قد ضاقَتْ عليَّ نفسي، وضاقَتْ عليَّ الأرضُ بما رحُبَتْ؛ سَمِعْتُ صوتَ صارخٍ أوفَى على سَلْعٍ، يقولُ بأعلى صوتِه: يا كعبُ بنَ مالكٍ، أبشِرْ، قال: فخرَرْتُ ساجدًا، وعرَفْتُ أنْ قد جاء فَرَجٌ.
قال: فآذَنَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الناسَ بتوبةِ اللهِ علينا حِينَ صلَّى صلاةَ الفجرِ، فذهَبَ الناسُ يُبشِّروننا، فذهَبَ قِبَلَ صاحَبَيَّ مبشِّرون، وركَضَ رجُلٌ إليَّ فرَسًا، وسعى ساعٍ مِن أسلَمَ قِبَلي، وأوفى الجبلَ، فكان الصوتُ أسرَعَ مِن الفرَسِ، فلمَّا جاءني الذي سَمِعْتُ صوتَه يُبشِّرُني، فنزَعْتُ له ثَوْبَيَّ، فكسَوْتُهما إيَّاه ببِشارتِه، واللهِ ما أملِكُ غيرَهما يومَئذٍ، واستعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فلَبِسْتُهما، فانطلَقْتُ أتأمَّمُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَتلقَّاني الناسُ فوجًا فوجًا، يُهنِّئوني بالتوبةِ، ويقولون: لِتَهْنِئْكُ توبةُ اللهِ عليك، حتى دخَلْتُ المسجدَ، فإذا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جالسٌ في المسجدِ، وحَوْله الناسُ، فقام طَلْحةُ بنُ عُبَيدِ اللهِ يُهَروِلُ حتى صافَحَني وهنَّأني، واللهِ ما قامَ رجُلٌ مِن المهاجِرين غيرُه.
قال: فكان كعبٌ لا يَنساها لطَلْحةَ.
قال كعبٌ: فلمَّا سلَّمْتُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال وهو يبرُقُ وجهُه مِن السُّرورِ، ويقولُ: «أبشِرْ بخيرِ يومٍ مَرَّ عليك منذُ ولَدَتْك أمُّك»، قال: فقلتُ: أمِنْ عندِك يا رسولَ اللهِ، أم مِن عندِ اللهِ؟ فقال: «لا، بل مِن عندِ اللهِ»، وكان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ استنارَ وجهُه، كأنَّ وَجْهَه قطعةُ قمَرٍ، قال: وكنَّا نَعرِفُ ذلك.
قال: فلمَّا جلَسْتُ بين يدَيهِ، قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ مِن تَوْبتي أن أنخلِعَ مِن مالي صدقةً إلى اللهِ، وإلى رسولِه صلى الله عليه وسلم، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أمسِكْ بعضَ مالِك؛ فهو خيرٌ لك»، قال: فقلتُ: فإنِّي أُمسِكُ سَهْمي الذي بخَيْبرَ.
قال: وقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ اللهَ إنَّما أنجاني بالصِّدْقِ، وإنَّ مِن تَوْبتي ألَّا أُحدِّثَ إلا صِدْقًا ما بَقِيتُ.
قال: فواللهِ ما عَلِمْتُ أنَّ أحدًا مِن المسلمين أبلاه اللهُ في صِدْقِ الحديثِ، منذُ ذكَرْتُ ذلك لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، أحسَنَ ممَّا أبلاني اللهُ به، واللهِ ما تعمَّدتُّ كَذْبةً منذُ قلتُ ذلك لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، وإنِّي لأرجو أن يَحفَظَني اللهُ فيما بَقِيَ.
قال: فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {لَّقَد تَّابَ اْللَّهُ عَلَى اْلنَّبِيِّ وَاْلْمُهَٰجِرِينَ وَاْلْأَنصَارِ اْلَّذِينَ اْتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ اْلْعُسْرَةِ مِنۢ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٖ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْۚ إِنَّهُۥ بِهِمْ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ ١١٧ وَعَلَى اْلثَّلَٰثَةِ اْلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰٓ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ اْلْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ} [التوبة: 117-118] حتى بلَغَ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ اْتَّقُواْ اْللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ اْلصَّٰدِقِينَ} [التوبة: 119].
قال كعبٌ: واللهِ ما أنعَمَ اللهُ عليَّ مِن نعمةٍ قطُّ، بعد إذ هداني اللهُ للإسلامِ، أعظَمَ في نفسي مِن صِدْقي رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ألَّا أكونَ كذَبْتُه فأهلِكَ كما هلَكَ الذين كذَبوا؛ إنَّ اللهَ قال لِلَّذين كذَبُوا حِينَ أنزَلَ الوَحْيَ شرَّ ما قال لأحدٍ، وقال اللهُ: {سَيَحْلِفُونَ بِاْللَّهِ لَكُمْ إِذَا اْنقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْۖ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْۖ إِنَّهُمْ رِجْسٞۖ وَمَأْوَىٰهُمْ جَهَنَّمُ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ٩٥ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْۖ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اْللَّهَ لَا يَرْضَىٰ عَنِ اْلْقَوْمِ اْلْفَٰسِقِينَ} [التوبة: 95-96].
قال كعبٌ: كنَّا خُلِّفْنا - أيُّها الثلاثةُ - عن أمرِ أولئك الذين قَبِلَ منهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ حلَفوا له، فبايَعَهم، واستغفَرَ لهم، وأرجأَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أمْرَنا حتى قضى اللهُ فيه، فبذلك قال اللهُ عز وجل: {وَعَلَى اْلثَّلَٰثَةِ اْلَّذِينَ خُلِّفُواْ} [التوبة: 118]، وليس الذي ذكَرَ اللهُ ممَّا خُلِّفْنا تخلُّفَنا عن الغَزْوِ، وإنَّما هو تخليفُه إيَّانا، وإرجاؤُه أمْرَنا عمَّن حلَفَ له واعتذَرَ إليه فقَبِلَ منه». أخرجه مسلم (٢٧٦٩).
* سورةُ (التوبة):
سُمِّيتْ بذلك لكثرةِ ذِكْرِ التوبة وتَكْرارها فيها، وذِكْرِ توبة الله على الثلاثة الذين تخلَّفوا يومَ غزوة (تَبُوكَ)، ولها عِدَّةُ أسماءٍ؛ من ذلك:
* سورةُ (براءةَ):
وقد اشتهَر هذا الاسمُ بين الصحابة؛ فعن البَراء رضي الله عنه، قال: «آخِرُ سورةٍ نزَلتْ كاملةً براءةُ». أخرجه البخاري (٤٣٦٤).
* (الفاضحةُ):
فعن سعيدِ بن جُبَيرٍ رحمه الله، قال: «قلتُ لابنِ عباسٍ: سورةُ التَّوبةِ، قال: آلتَّوبةُ؟ قال: بل هي الفاضحةُ؛ ما زالت تَنزِلُ: {وَمِنْهُمْ} {وَمِنْهُمْ} حتى ظَنُّوا أن لا يَبقَى منَّا أحدٌ إلا ذُكِرَ فيها». أخرجه مسلم (٣٠٣١).
قال ابنُ عاشورٍ: «ولهذه السورةِ أسماءٌ أُخَرُ، وقَعتْ في كلام السلف، من الصحابة والتابعين؛ فرُوي عن ابن عمرَ، عن ابن عباسٍ: كنَّا ندعوها - أي سورةَ (براءةَ) -: «المُقَشقِشَة» - بصيغةِ اسم الفاعل وتاء التأنيث، مِن قَشْقَشَه: إذا أبرَاه مِن المرضِ -، كان هذا لقبًا لها ولسورة (الكافرون)؛ لأنهما تُخلِّصان مَن آمن بما فيهما من النفاق والشرك؛ لِما فيهما من الدعاء إلى الإخلاص، ولِما فيهما من وصفِ أحوال المنافقين ...
وعن حُذَيفةَ: أنه سمَّاها سورة (العذاب)؛ لأنها نزلت بعذاب الكفار؛ أي: عذاب القتلِ والأخذِ حين يُثقَفون.
وعن عُبَيد بن عُمَير: أنه سمَّاها (المُنقِّرة) - بكسرِ القاف مشدَّدةً -؛ لأنها نقَّرتْ عما في قلوب المشركين...». "التحرير والتنوير" (10 /96).
وقد بلغ عددُ أسمائها (21) اسمًا في موسوعة "التفسير الموضوعي" (3 /187 وما بعدها).
* أمَر عُمَرُ بن الخطَّابِ رضي الله عنه أن يَتعلَّمَها الرِّجالُ لِما فيها من أحكام الجهاد:
فقد كتَب عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رضي الله عنه: «تعلَّمُوا سورةَ براءةَ، وعَلِّموا نساءَكم سورةَ النُّورِ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلَّام (ص241).
جاءت موضوعاتُ سورة (التَّوبة) على الترتيب الآتي:
1. نبذُ العهد مع المشركين (١-٢٤).
2. غزوة (حُنَين) (٢٥-٢٧).
3. قتال أهل الكتاب لفساد عقيدتهم (٢٨-٣٥).
4. تحديد الأشهُرِ الحُرُم (٣٦-٣٧).
5. غزوة تَبُوكَ (٣٨- ١٢٧).
6. صفات المؤمنين، وعقدُ البَيْعة مع الله تعالى.
7. أنواع المنافقين، والمعذِّرون من الأعراب.
8. صفات المنافقين والمؤمنين، وجزاؤهم.
9. أصناف أهل الزكاة.
10. فضحُ المتخلِّفين عن الجهاد، وصفاتهم.
11. النفير العام، والجهاد في سبيل الله.
12. علوُّ مكانة النبيِّ عليه السلام (١٢٨-١٢٩).
ينظر: "التفسير الموضوعي" لمجموعة من العلماء (3 /178).
إنَّ مقصدَ السورة الأعظم أبانت عنه أولُ كلمةٍ في السورة؛ وهي {بَرَآءَةٞ} [التوبة: 1]؛ فقد جاءت للبراءةِ من الشرك والمشركين، ومعاداةِ مَن أعرض عما دعَتْ إليه السُّوَرُ الماضية؛ مِن اتباعِ الداعي إلى الله في توحيده، واتباعِ ما يُرضيه، كما جاءت بموالاةِ مَن أقبل على الله تعالى، وأعلن توبته؛ كما حصَل مع الصحابة الذين تخلَّفوا عن الغزوِ، ثم تاب اللهُ عليهم ليتوبوا.
ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /154).