تفسير سورة التوبة

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم

تفسير سورة سورة التوبة من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ
الصواب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بوضعها بعد الأنفال وحذف التسمية وحيا، صرح به المحققون كالقاضي أبي بكر، والإيمام وغيرهم، وَلما حكم بمولاة المؤمنين عقبه بالأمر بمعاداة المشركين فقال: هذه ﴿ بَرَآءَةٌ ﴾: انقطاع عصمةٍ.
﴿ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾: واصلة.
﴿ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾: أي: هما بريئان من عهد عاهتموه فانبذوه ولا عهد بعده.
﴿ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ﴾: سيروا أيها المشركون.
﴿ ﴾: من يوم النحر من سنة تسع إلى سنة تسع إلى عاشر ربيع الآخر ﴿ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ﴾: فائتي.
﴿ ٱللَّهِ ﴾: وإن أمهلكم.
﴿ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخْزِي ﴾: مُذِّل ﴿ ٱلْكَافِرِينَ ﴾: في الدارين.
﴿ وَأَذَانٌ ﴾: إعلامٌ، أبلغ -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر وهو أمير الحاج بعلي ليقرأها على الحجال وقال:" لا يُؤذْي عَنِّي إلّا رجلٌ منِّى "لأن عادة العرب ألا يتولى العهد ونقضه إلَّا رجل منهم كما يفهمه بعض الرويات.
﴿ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلأَكْبَرِ ﴾: النحر أو عرفة أو أيام الحج والأصغر العمرة. *تنبيه: قد استهر وصف الحج بالأكبر إذا كان الوقفةُ يوم الجمعة، ولعله لحديث:" إذا كان يوم جمعة غفر الله لجميع أهل الموقف "ولأن في يوم الجمعة ساعةَ الاستجابة، ولأن فيها موافقة النبي، فإن وقفة حجة الوداع كانت في الجمعة، وقد يستشكل الحديث الثاني بأنه ورد مثله في مطلق الحج، ويمكنُ حَمْلُ ذلك على مغفرتهم بلا واسطة، وحَمْلُ هذا على أن يهبَ قوما لقوم، والله تعالى أعلم.
﴿ أَنَّ ﴾: بأنَّ.
﴿ ٱللَّهَ بَرِيۤءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِن تُبْتُمْ ﴾: عن الشرك ﴿ فَهُوَ ﴾ فالتوب.
﴿ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ ﴾: عن التوبة ﴿ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ﴾: فائتي عقاب ﴿ ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلاَّ ﴾: لكن ﴿ ٱلَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً ﴾: من شروط العهد ﴿ وَلَمْ يُظَاهِرُواْ ﴾: يعاونوا ﴿ عَلَيْكُمْ أَحَداً ﴾: من أعدائكم.
﴿ فَأَتِمُّوۤاْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ ﴾: تمام ﴿ مُدَّتِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ ﴾: في نقض العهد.
﴿ فَإِذَا ٱنسَلَخَ ﴾: انقضى.
﴿ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ ﴾: هي مدة عهد غير الناقض وأربعة أشهر لغيره.
﴿ فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾: كافة.
﴿ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ﴾: من حلٍّ أو حرم ﴿ وَخُذُوهُمْ ﴾: وأسروهم.
﴿ وَٱحْصُرُوهُمْ ﴾: احبسوهم.
﴿ وَٱقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ﴾: ممر لئلا ينبسطوا في البلاد ﴿ فَإِن تَابُواْ ﴾: عن الشرك ﴿ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ ﴾: دعوهم ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾: لمن تاب.
﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴾: بعد الانسلاخ.
﴿ ٱسْتَجَارَكَ ﴾: استأمنك من القتل.
﴿ فَأَجِرْهُ ﴾: أمنه.
﴿ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ﴾: ويتدبر فيه ﴿ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ﴾: أي: هو مستمرُّ الأمان إلى أن يرجع إلى بلاده إن لم يسلم.
﴿ ذٰلِكَ ﴾: الأمان.
﴿ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ ﴾: ما الإسلام، فأمنوهم ليعرفوا.
﴿ كَيْفَ ﴾: أي: لا ﴿ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ﴾: يوم الحديبية، هم المستثنون قبل ﴿ فَمَا ٱسْتَقَامُواْ لَكُمْ ﴾: بالوفاء ﴿ فَٱسْتَقِيمُواْ لَهُمْ ﴾: بالوفاء ﴿ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ ﴾: كما مرّ ﴿ كَيْفَ ﴾: لهم عهد.
﴿ وَإِن يَظْهَرُوا ﴾: يظفروا.
﴿ عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ قَلِيلاً ﴾: لا يراعونَ في شأنكم.
﴿ إِلاًّ ﴾: حِلفاً وقرابة.
﴿ وَلاَ ذِمَّةً ﴾: عهداً.
﴿ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ ﴾: ما قالوا.
﴿ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ ﴾: متمردون ﴿ ٱشْتَرَوْاْ ﴾: استبدلوا.
﴿ بِآيَاتِ ٱللَّهِ ثَمَناً ﴾: هو اتباع الشهوات ﴿ فَصَدُّواْ ﴾: الناس ﴿ عَن سَبِيلِهِ ﴾: دينه.
﴿ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ ﴾: حِلْفاً.
﴿ وَلاَ ذِمَّةً ﴾: عهداً ﴿ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُعْتَدُونَ ﴾: المتجاوزون الحدَّ في الظلم ﴿ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ فَإِخْوَٰنُكُمْ ﴾: فهم إخوانكم ﴿ فِي ٱلدِّينِ وَنُفَصِّلُ ﴾: نبين ونكرر.
﴿ ٱلأيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ﴾: فيتأملون فيها ﴿ وَإِن نَّكَثُوۤاْ ﴾: نقضوا ﴿ أَيْمَانَهُم ﴾: مواثيقهم.
﴿ مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوۤاْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ ﴾: أي: قاتلوهم فإنهم أثمه.
﴿ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ ﴾: عُهُدا موثوقا عليها.
﴿ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ ﴾: يرجعون والاستدلال به على أن يمين الكافر ليس بيمين ضَعْفه ظاهرٌ ﴿ أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ ﴾ أهل مكة ﴿ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ ﴾: كما مرَّ.
﴿ وَهُم بَدَءُوكُمْ ﴾: بالقتال.
﴿ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾: يوم بدر بعد ما نجا غيرهم.
﴿ أَتَخْشَوْنَهُمْ ﴾: في قتالهم.
﴿ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ ﴾: بمقاتلتهم.
﴿ إِن كُنتُمْ مُّؤُمِنِينَ ﴾: فإن المؤمن لا يخشى غيرهُ.
﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ ﴾: يذلهم.
﴿ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ ﴾: الذين كانوا متأذين منهم.
﴿ وَيُذْهِبْ غَيْظَ ﴾: كَرْب ﴿ قُلُوبِهِمْ ﴾: لما لقوا منهم ﴿ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ ﴾: كأبي سفيان وأضرابهِ ﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ ﴾: بالكائنات ﴿ حَكِيمٌ ﴾: في أفعاله.
﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ ﴾: أيها المؤمنون.
﴿ أَن تُتْرَكُواْ ﴾: مُهْملينَ ﴿ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ﴾: بعد، علم ظهورٍ ﴿ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ﴾: بطانة أولياء يفشون إليهم أسرارهم.
﴿ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * مَا كَانَ ﴾: ما صَحَّ.
﴿ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ ﴾: بالدخول والقعودِ ﴿ مَسَٰجِدَ ٱللهِ ﴾: فَضْلاً عن المسجد الحرام.
﴿ شَٰهِدِينَ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ ﴾: كقولهم بالطواف: لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك تملكه ولا ملك. مع قَولهم: نحن نعبد اللات والعزى.
﴿ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ ﴾: بَطلت ﴿ أَعْمَٰلُهُمْ وَفِي ٱلنَّارِ هُمْ خَٰلِدُونَ * إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ ﴾: بنحو البناء والتزيين بالفرش والسُّرُج والعبادة وترك حديث الدنيا.
﴿ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ﴾: سكت عن الرسول لأنه لا يتم إلا به.
﴿ وَأَقَامَ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَىٰ ٱلزَّكَٰوةَ وَلَمْ يَخْشَ ﴾: أحداً ﴿ إِلاَّ ٱللَّهَ فَعَسَىٰ أُوْلَـٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ ﴾: آيَسَهم وخوف المؤمنين بعسى ﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ﴾: أي: أهلهما.
﴿ كَمَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ ٱللَّهِ ﴾: بل المجاهدون أفضل.
﴿ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ ﴾: بالشرك.
﴿ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً ﴾: رُتْبةً ﴿ عِندَ ٱللَّهِ ﴾: ممَّن لم يستجمعهما.
﴿ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَائِزُونَ ﴾: بالنجاة الكلية.
﴿ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ ﴾: دَائمٌ ﴿ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾: يستحقرُ دونه كلُّ نعيم الدنيا ﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُوۤاْ آبَآءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَآءَ ﴾: أصدقاء.
﴿ إِنِ ٱسْتَحَبُّواْ ﴾: اختاروا ﴿ ٱلْكُفْرَ عَلَى ٱلإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ * قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ ﴾: أقاربكم.
﴿ وَأَمْوَالٌ ٱقْتَرَفْتُمُوهَا ﴾: اكتسبتموها ﴿ وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا ﴾: عدم نفاقها.
﴿ وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَآ ﴾: تستطيبونها.
﴿ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ ﴾: حُبّاً اختيارياً لا طبيعياً إذ لا يكلف به ﴿ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِ ﴾: عقابه، قيل هو فتح مكَّةَ.
﴿ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ﴾: لا يُرشدُ ﴿ ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ ﴾: فيه تشديد، قلَّ مَن يتخلص عنه.
﴿ لَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ فِي مَوَاطِنَ ﴾: أوقات الحرب، هذا كقولك مقتل حسين.
﴿ كَثِيرَةٍ وَ ﴾: نصركم.
﴿ يَوْمَ ﴾: قتالكم في.
﴿ حُنَيْنٍ ﴾: مع هَوزان بعد فتح مكة، وهو وادٍ بين مكَّة والطائف ﴿ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ ﴾: كانوا اثني عشر ألفا، والكفار أربعةُ آلاف، فقال أحدهم إعجابا: لن نغلب اليوم من قلةٍ ﴿ فَلَمْ تُغْنِ ﴾: لم تدفع الكثرةُ ﴿ عَنكُمْ شَيْئاً ﴾: من أمر العدُوِّ ﴿ وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ﴾: برحبها وسعتها خوفاً ﴿ ثُمَّ وَلَّيْتُم ﴾: فررتم ﴿ مُّدْبِرِينَ ﴾: منهزمين ولم يبقى مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا العباسُ وأبو سفيان بن الحارث، وقيل: إلا عشرة منهم الشيخان وعليٌ والعباسُ.
﴿ ثُمَّ أَنَزلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ ﴾: رحمة سكنوا بها.
﴿ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾: فناداهم عباس بأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- فكرُّوا عُنقاً واحداً قائلين: لبيك لبيك ﴿ وَأَنزَلَ ﴾: من المَلك.
﴿ جُنُوداً لَّمْ تَرَوْهَا ﴾: لكن سمعوا أصواتاً من السماء ﴿ وَعذَّبَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾: بالقتل والسبي فأُسر ستَّةُ آلاف ﴿ وَذٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَافِرِينَ * ثُمَّ يَتُوبُ ٱللَّهُ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ ﴾: لمن أسلم منهم.
﴿ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾: لمن تاب.
﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾: باطناً وديناً، أو عيناً ﴿ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ ﴾: أي: امنعوهم من الحرم، وظاهرة تكليفهم بالفروع ﴿ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا ﴾: السنة التاسعة.
﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً ﴾: فقراً بانقطاع المتاجر بمنعهم ﴿ فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ ﴾: عطائه ﴿ إِن شَآءَ ﴾: فعوَّضَهُم بالجزيةِ وأموال البلدان.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ ﴾: بأحوالكم.
﴿ حَكِيمٌ ﴾: في أفعاله.
﴿ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ﴾: إيماناً كما ينبغي.
﴿ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾: كالخمر والربا.
﴿ وَلاَ يَدِينُونَ ﴾: يعتقدون.
﴿ دِينَ ٱلْحَقِّ ﴾: الثابت الناسخ لغيره.
﴿ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ ﴾: عن غني أوَّلاً بالإرسال أو يدٍ قاهرةٍ عليهم، أي: أذلاء.
﴿ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾: ذليلون، وتؤخذ ممن له شبهة كتاب أيضاً كالمَجُوْس لعمل النبي -صلى الله عليه وسلم- كذا عند الشافعي.
﴿ وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ ﴾: أي: بعضهم مع سكوت الباقين.
﴿ عُزَيْرٌ ٱبْنُ ٱللَّهِ ﴾: لأنه بعث بعد موته، وأملى التوراة عليهم بعدما كانت مَنسيَّة لكلهم.
﴿ وَقَالَتْ ٱلنَّصَارَى ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللَّهِ ذٰلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ﴾: أي: مهمل لا معقول له أو تأكيد لنفي التجوز.
﴿ يُضَاهِئُونَ ﴾: يشابهون به.
﴿ قَوْلَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ ﴾: أي: قُدماءهم فيقلدونهم.
﴿ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ ﴾: أهلكهم الله، تعجب من شناعة قولهم.
﴿ أَنَّىٰ ﴾: كيف.
﴿ يُؤْفَكُونَ ﴾: يُصرفون عن الحقِّ ﴿ ٱتَّخَذُوۤاْ أَحْبَارَهُمْ ﴾: علماء اليهود.
﴿ وَرُهْبَانَهُمْ ﴾: زُهَّاد النصارى ﴿ أَرْبَاباً مِّن دُونِ ٱللَّهِ ﴾: بإطاعتهم دونه في التحريم والتحليل، أو كما مر في الأنعام.
﴿ وَٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ ﴾: بأنه هو أو ابنه.
﴿ وَمَآ أُمِرُوۤاْ ﴾: في كتبهم.
﴿ إِلاَّ لِيَعْبُدُوۤاْ إِلَـٰهاً وَاحِداً ﴾: هو الله.
﴿ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ ﴾: تنزيها له.
﴿ عَمَّا يُشْرِكُونَ * يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ ٱللَّهِ ﴾: دينه.
﴿ بِأَفْوَٰهِهِمْ ﴾: بتكذيبهم أو شبههم بمن يريد إطفاء نُوْر عظيم بنفخة.
﴿ وَيَأْبَىٰ ﴾: لا يرضى.
﴿ ٱللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ ﴾: يظهر ﴿ نُورَهُ ﴾: دينه بإعلاء كلمته.
﴿ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ ﴾: ، إتمامه.
﴿ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ ﴾: بالمعجزات.
﴿ وَدِينِ ٱلْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ ﴾: ليُغلِّبهُ ﴿ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِ ﴾: بنسخه.
﴿ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُشْرِكُونَ ﴾: ذلك.
﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلأَحْبَارِ وَٱلرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ ﴾: يأخذون.
﴿ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ ﴾: بالرشوة، في تغيير الأحكام.
﴿ وَيَصُدُّونَ ﴾: الناس.
﴿ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ ﴾: كالأحبار والرهبان، والكنز مال ما تؤد زكاته للحديث.
﴿ وَلاَ يُنفِقُونَهَا ﴾: الكنوز أو الفضة فالذهب أولى ﴿ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَىٰ ﴾: يوقد.
﴿ عَلَيْهَا ﴾: على الكُنوز ﴿ فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ ﴾: تُحرقُ ﴿ بِهَا ﴾: بالكنوز ﴿ جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ ﴾: خصَّها بالذِّكر لاشتمالها على الأعضاء الرئيسة التي بها أصول الجهات الأربع ولعبوسهم عند السائل وميلهم وتوليتهم، فيوسع جلدهم حتى يسع الكل، يقال لهم: ﴿ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ ﴾: وبال.
﴿ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾: والآية عامة.
﴿ إِنَّ عِدَّةَ ﴾: مبلغ عدد.
﴿ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ﴾: أي: لا بابتداع الناس.
﴿ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً ﴾: كائِنٌ.
﴿ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ ﴾: اللوح، ثابت.
﴿ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ﴾: رَجَب، وذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم.
﴿ ذٰلِكَ ﴾: التحريم.
﴿ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ ﴾: القويم، أي: الحساب المستقيم، لا ما يفعله العرب من نساء الشهور ﴿ فَلاَ تَظْلِمُواْ ﴾: بالمعاصي.
﴿ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾: فإنَّ المعاصي فيها أعظم وزْراً فهو مثل:﴿ فَلاَ رَفَثَ ﴾.
. إلى آخره [البقرة: ١٩٧]، والجمهور على أن تحريم ابتداء القتال فيها منسوخ.
﴿ وَقَاتِلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً ﴾: جميعا في كل الشهور ﴿ كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ * إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ ﴾: تأخير تحريم شهر إلى شهر آخر بالمحاربة في الأول، وتركها في الثاني.
﴿ زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ ﴾: لزيادة ما يكفر به، فإنه تحليل حرام وعكسه.
﴿ يُضَلُّ بِهِ ﴾: بالنسيء.
﴿ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ ﴾: أي: النسئ من الأشهر الحرم.
﴿ عَاماً ﴾: فيقاتلون فيه، ويُحرِّمون شهرا آخر بدلهُ ﴿ وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً ﴾: بتركه على حرمته.
﴿ لِّيُوَاطِئُواْ ﴾: ليوافقوا ﴿ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ ﴾: وهي أربعة أشهرٍ في كلِّ سنة من أي وقت يكونُ ﴿ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوۤءُ أَعْمَالِهِمْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ ﴾: في عمله.
﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ﴾: والقائل النبي -صلى الله عليه وسلم-.
﴿ ٱنفِرُواْ ﴾: اخرجوا ﴿ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾: كغزوة تبوك ﴿ ٱثَّاقَلْتُمْ ﴾: تباطأتم مائلين ﴿ إِلَى ﴾ إقامة ﴿ ٱلأَرْضِ ﴾، أرضكم.
﴿ أَرَضِيتُمْ بِٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ﴾: بدلاً ﴿ مِنَ ٱلآخِرَةِ ﴾: الجنَّة ﴿ فَمَا مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ﴾: التمتع بها.
﴿ فِي ﴾: جَنْبِ ﴿ ٱلآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ * إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً ﴾: في الدارين ﴿ وَيَسْتَبْدِلْ ﴾: منكم.
﴿ قَوْماً غَيْرَكُمْ ﴾: مُطيعينَ ﴿ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً ﴾: بالتثاقل.
﴿ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾: ومنه تبديلكم ﴿ إِلاَّ تَنصُرُوهُ ﴾: النبيُّ -صلى الله وعليه وسلم-، فينصره الله ﴿ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾: من مكة، وإسناد الإخراج إليهم لهمِّهم به، أو لأنه بسببهم، حال كونه.
﴿ ثَانِيَ ﴾: واحد.
﴿ ٱثْنَيْنِ ﴾: هو وأبو بكر.
﴿ إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ ﴾: من جبل نورٍ ثلاثة أيام.
﴿ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ ﴾: أبي بكر حين طلع عليهم الكفار لطلبهما فأشفق على محمد -صل الله عليه وسلم-.
﴿ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا ﴾: بالعصمة.
﴿ فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ ﴾: أمنته.
﴿ عَلَيْهِ ﴾: على محمد أو صاحبه لأنه حزن فاحتاج إليها.
﴿ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا ﴾: الملائكة حرسوه في الغار وغيره.
﴿ وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ﴾: أي: دعوة الشرك.
﴿ ٱلسُّفْلَىٰ ﴾: المغلوبة.
﴿ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ ﴾: التوحيد.
﴿ هِيَ ٱلْعُلْيَا ﴾: الغالبة.
﴿ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ ﴾ في أمره ﴿ حَكِيمٌ ﴾: في تدبيره.
﴿ ٱنْفِرُواْ ﴾: إلى تبوك ﴿ خِفَافاً ﴾: من السِّلاح أو ركبانا ﴿ وَثِقَالاً ﴾: مع السِّلاح أو مشاةً ﴿ وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ذٰلِكُمْ ﴾ الجهاد ﴿ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾: من التَّثاقل ﴿ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾: أهل العلم فلا تثاقلوا، ثم لمَّا شقّت عليهم خصَّت بقوله﴿ لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ ﴾[التوبة: ٩١] الآية، ونزل في المنافقين المخلفين: ﴿ لَوْ كَانَ ﴾: ما دُعُوا إليه.
﴿ عَرَضاً ﴾: نفعاً دنيويا.
﴿ قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً ﴾: متوسِّطاً.
﴿ لاَّتَّبَعُوكَ ﴾: المنافقون.
﴿ وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ ﴾: المسافة التي تقطع بمشقَّة ﴿ وَسَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ ﴾: بعد الرجوع.
﴿ لَوِ ٱسْتَطَعْنَا ﴾: بدناً ومالاً.
﴿ لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ ﴾: بالحلفِ الكاذبِ.
﴿ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ ﴾: في إذْنهم للتخلف عَفَا قبل بيان الحرم كما هُو دأْبُ الحبيب مع حبيبه.
﴿ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ ﴾: في القعود، وما توقفت.
﴿ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ ﴾: في العُذْر.
﴿ وَتَعْلَمَ ٱلْكَاذِبِينَ ﴾: فيه.
﴿ لَقَدِ ٱبْتَغَوُاْ ٱلْفِتْنَةَ ﴾: بتثبيط أمرك.
﴿ مِن قَبْلُ ﴾: كيوم أحد، حين رجع ابن أبي وصحبه.
﴿ وَقَلَّبُواْ ﴾: دبَّروا ﴿ لَكَ ٱلأُمُورَ ﴾: الحيل في كيدك.
﴿ حَتَّىٰ جَآءَ ٱلْحَقُّ ﴾: النصر الإلهيُّ ﴿ وَظَهَرَ ﴾: غلب ﴿ أَمْرُ ٱللَّهِ ﴾: دينه.
﴿ وَهُمْ كَارِهُونَ * وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّي ﴾: في القعود وهو لاالجدُّ بن قيسٍ.
﴿ وَلاَ تَفْتِنِّي ﴾ ببنات الأصفر وهو اسم جنس ملك الروم ﴿ أَلا فِي ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُواْ ﴾: بتخلفهم.
﴿ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِٱلْكَافِرِينَ ﴾: الآن لإحاطة أسبابها ﴿ إِن تُصِبْكَ حَسَنَةٌ ﴾: كظفر وغنيمة ﴿ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ ﴾: كما في أُحُد ﴿ يَقُولُواْ قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا ﴾: من الحَزْم بالتخلف ﴿ مِن قَبْلُ وَيَتَوَلَّواْ وَّهُمْ فَرِحُونَ ﴾: بما أصابكم ﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلاَّ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ ﴾: في اللّوح ﴿ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا ﴾: متولي أمرنا.
﴿ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾: لا غير ﴿ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ ﴾: تنتظرون.
﴿ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ ﴾: بالنَّصر أو الشهادة ﴿ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ ﴾: أحد السّوئيَيْن.
﴿ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ ﴾: من السماء.
﴿ أَوْ بِأَيْدِينَا ﴾: بالإذن في قتالكم.
﴿ فَتَرَبَّصُوۤاْ ﴾: عاقبتنا.
﴿ إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ ﴾: عاقبتكم.
﴿ قُلْ ﴾: لمن قال: ائذن.
﴿ أَنفِقُواْ طَوْعاً ﴾: طائعين.
﴿ أَوْ كَرْهاً ﴾: كارهين.
﴿ لَّن يُتَقَبَّلَ مِنكُمْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ ﴾: خارجين عن الدين.
﴿ وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ ﴾: أي: قبولها.
﴿ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَبِرَسُولِهِ ﴾ أي: إلَّا كفرهم بهما.
﴿ وَلاَ يَأْتُونَ ٱلصَّلٰوةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ * فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُهُمْ ﴾: فإنها استدراج.
﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ ﴾: أن يعذبهم.
﴿ بِهَا فِي ٱلْحَيَٰوةِ ٱلدُّنْيَا ﴾: بالتعب في جمعها وحفظها ثم تلفها بلا تمتعهم.
﴿ وَتَزْهَقَ ﴾: تخرج بالصعوبة.
﴿ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ ﴾: سيأتي بيانها في آية﴿ وَلاَ تُعْجِبْكَ ﴾[التوبة: ٨٥].
﴿ وَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ وَمَا هُم مِّنكُمْ ﴾: لنفاقهم ﴿ وَلَـٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ ﴾ يخافون الفريقين ﴿ لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً ﴾ كحصن ﴿ أَوْ مَغَارَاتٍ ﴾: سراديب.
﴿ أَوْ مُدَّخَلاً ﴾: نفقاً يدخلونه.
﴿ لَّوَلَّوْاْ ﴾: أقبلوا.
﴿ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ ﴾: يُسرعون كالفرس الجموح، فرارا لضيقهم في أيديكم.
﴿ وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ ﴾: يعيبك ﴿ فِي ﴾: قسم.
﴿ ٱلصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ﴾: يعيبون ﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوْاْ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾: من الغنيمة والصدقة ﴿ وَقَالُواْ حَسْبُنَا ﴾: كافينا ﴿ ٱللَّهُ سَيُؤْتِينَا ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ ﴾ غنيمة أو صدقة أخرى.
﴿ إِنَّآ إِلَى ٱللَّهِ رَاغِبُونَ ﴾: في إغنائنا لكان خيراً لهم.
﴿ إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ ﴾: الزكوات مصروفة.
﴿ لِلْفُقَرَآءِ ﴾: من لا مال له، ولا كسبٌ يقع موقعا من حاجته كأنه أصيب فقاره.
﴿ وَٱلْمَسَاكِينِ ﴾: من له مال أو كسب لا يكفيانه كأن العجز أسكنه.
﴿ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا ﴾: الساعين في تحصيلها كالجابي والقاسم والقيم والكاتب والحاسب.
﴿ وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ﴾: من يعطي ليحسن إسلامه، أو ليسلم نظراؤه.
﴿ وَفِي ﴾: فكِّ ﴿ ٱلرِّقَابِ ﴾: بإعانة المكاتب، دل بفي على أن الاستحقاق للجهة، وتكرير العامل في الكل لتأكيد الحاجة ﴿ وَٱلْغَارِمِينَ ﴾: المديونين الذين استدانوا لغير معصية، أولها وتابوا، وليس لهم وفاء، أو لإصلاح ذات البين.
﴿ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ﴾: غُزاة لا حَقَّ لهم في الديوان ﴿ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ ﴾: المسافر المنقطع عن مال فرض لهم.
﴿ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ ﴾: بأعمالكم.
﴿ حَكِيمٌ ﴾: فيما أمر. *تنبيه: ظاهر الآية تخصيص استحقاقها بالثمانية ووجوب صرفها إلى كل صنفٍ وُجِدَ منهم، والاشتراك يقتضي التسوية، وهو مذهب الشافعي لكن عن عمر وحذيفة وابن عباس وغيرهم مِنَ الصحابة والتابعين جواز صرفها إلى صنف واحد، وعليه الأثمة الثلاثة وبعض أصحابنا، ويؤيدهم وجوب كون الآية هنا لبيان قصر جنسها على الثمانية مثل:" إنما الخلافة لقريش "أي: لا تتعداهم، لا تعلق كل فرد من أفراد الصدقة بكل فرد من أفراد المستحقين، وهو ظاهر، وظاهر الآية يؤيد الشافعي، إذ الشائع في المصرف تعلق الحكم بكل فرد من أفراد الواحد لكن دلالتها على وجوب إعطاء ثلاثة من كل صنف غير ظاهر، والله تعالى أعلم.
﴿ وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ ﴾: بقولهم ما لا ينبغي في شأنه.
﴿ وَيِقُولُونَ ﴾ حين نهوا عنه.
﴿ هُوَ أُذُنٌ ﴾: سمَّاعٌ لكل كلام إن أنكرنا وحلفنا يصدقنا سمي بالجارحة مبالغة ﴿ قُلْ ﴾: نعم وَهُوَ ﴿ أُذُنُ ﴾ سَماع ﴿ خَيْرٍ لَّكُمْ ﴾: ويقبله، لا أُذُن شرٍّ كما بينه.
﴿ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤْمِنُ ﴾: يصدق وينقاد.
﴿ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾: لعلمه بخصوصهم، واللام للفرق بين الإيمان التسليمي والأماني.
﴿ وَ ﴾: هو ﴿ رَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ﴾: لمن أظهر الإيمان ﴿ مِنكُمْ ﴾: حيث لا يكشف عن ستره.
﴿ وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ ﴾: على معاذيرهم ﴿ لِيُرْضُوكُمْ ﴾ بيمينهم ﴿ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ ﴾: بالطاعة، وحَّد الضمير لوحدة رضاهما.
﴿ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ ﴾: صِدْقاً ﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ ﴾: يُخالف ﴿ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾: بالكُفْر ﴿ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذٰلِكَ ٱلْخِزْيُ ﴾: الفضيحة.
﴿ ٱلْعَظِيمُ * يَحْذَرُ ﴾: يخافُ.
﴿ ٱلْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ ﴾: فيهم نحو: على مُلْك اليمن، أو مثل قوله تعالى:﴿ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَـٰنَ ﴾[البقرة: ١٠٢] أي: فيه على المؤمنين ﴿ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ ﴾: تخبرهم إخباراً مفضحاً ﴿ بِمَا فِي قُلُوبِهِم ﴾: من الكفر ﴿ قُلِ ﴾: تهديدا.
﴿ ٱسْتَهْزِءُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ مُخْرِجٌ ﴾: مُظهرٌ ﴿ مَّا تَحْذَرُونَ ﴾: ظهوره.
﴿ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ ﴾ عن استهزائهم حيث قالوا في طريق تبوك: هذا رجل يريد فتح قصور الشام: هيهات! ﴿ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ ﴾: فيما يخوص فيه الرَّكْبُ.
﴿ وَنَلْعَبُ ﴾: لقطع الطريق به.
﴿ قُلْ ﴾ توبيخاً ﴿ أَبِٱللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ ﴾: فإنهم كاذبون فيه.
﴿ لاَ تَعْتَذِرُواْ ﴾: عنه.
﴿ قَدْ كَفَرْتُمْ ﴾: ظهر كفرهم بهذا الطعن ﴿ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ ﴾: لتوبتهم.
﴿ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً ﴾: منكم.
﴿ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ ﴾: مُصرين على النفاق ﴿ ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ ﴾: مقارب.
﴿ مِّن بَعْضٍ ﴾: مشابهة في الكفر كأبعاض شيء واحد، خصَّهم بمن دون المؤمنين ردّاً لحلفهم:﴿ إِنَّهُمْ لَمِنكُمْ ﴾[التوبة: ٥٦].
﴿ يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ ﴾: الكفر.
﴿ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ ﴾: الإيمان.
﴿ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ﴾: عن البر لشُحِّهم ﴿ نَسُواْ ٱللَّهَ ﴾، بترك طاعته.
﴿ فَنَسِيَهُمْ ﴾: تركهم من لطفه ﴿ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾: الكاملون في التمرد ﴿ وَعَدَ اللهُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْكُفَّارَ ﴾ الخلص ﴿ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ ﴾: النار ﴿ حَسْبُهُمْ ﴾: كافيهم جزاءً ﴿ وَلَعَنَهُمُ ٱللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ ﴾: دائم فلا يعتادون عليه كما زعم بعض، أنتم أيها المنافقون.
﴿ كَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُواْ أَشَدَّ مِنكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً فَٱسْتَمْتَعُواْ بِخَلاقِهِمْ ﴾: بنصيبهم من لذات الدنيا.
﴿ فَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ كَمَا ٱسْتَمْتَعَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ ﴾: لا تكرار، إذ الأول لتمهيد التشبيه وتقبيحهم، والثاني: للتشبيه مع ضميمة قوله.
﴿ وَخُضْتُمْ ﴾: في أباطيلهم.
﴿ كَٱلَّذِي ﴾: مخفف الذين، أو كالفوج الذي خاضوا.
﴿ أُوْلَـٰئِكَ حَبِطَتْ ﴾: بطلت.
﴿ أَعْمَالُهُمْ فِي ٱلدنْيَا ﴾: بعدم قبولها وخلوها عن أجر معجل من نحو حسن الثناء وإلقاء محبتهم في القلوب.
﴿ وَٱلآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ ﴾: فأنتم مثلهم ﴿ أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ ﴾: أهلكوا بالطوفان.
﴿ وَعَادٍ ﴾: بالريح.
﴿ وَثَمُودَ ﴾: بالصيحة.
﴿ وَقَوْمِ إِبْرَٰهِيمَ ﴾: هلك سلطانهم ومعبودهم ببعوض.
﴿ وَأَصْحَـٰبِ مَدْيَنَ ﴾: بنار العظمة.
﴿ وَ ﴾: القريات.
﴿ ٱلْمُؤْتَفِكَـٰتِ ﴾: المنقلبات بقوم لوط.
﴿ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِٱلْبَيِّنَـٰتِ ﴾: المعجزات الظاهرات فكذبوهم فأخذوا.
﴿ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ ﴾: أي: ما شأنه ظلمكم من العقاب بلا جرم.
﴿ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾: بالتكذيب.
﴿ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَٱلْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ ﴾: يتناصرون ومرَّ بيان ترك الأسلوب الأول.
﴿ يَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ ٱللَّهُ ﴾: السين للتأكيد.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ ﴾: غالب.
﴿ حَكِيمٌ ﴾: في أفعاله.
﴿ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً ﴾: تستطيبها النفس.
﴿ فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ﴾: إقامة، أو أعلى درجاتها، والعطف لتعدد الموعود لكل واحد، أو للجمع على سبيل التوزيع أو لتغاير الصفة.
﴿ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ أَكْبَرُ ﴾: من كلها ﴿ ذٰلِكَ ﴾: المذكور.
﴿ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ * يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ ﴾: بالسنان.
﴿ وَٱلْمُنَافِقِينَ ﴾: باللسان.
﴿ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ ﴾: بالمقت.
﴿ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ ﴾: هي.
﴿ يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ ﴾: ما قالوا من سبك.
﴿ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ ﴾: بتكذيبك.
﴿ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ ﴾: من قتلك في طريق تبوك حيث دفعهم عمَّارُ ﴿ وَمَا نَقَمُوۤاْ ﴾: أنكروا ﴿ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ ﴾: حاصله: ما له ذنبٌ عندهم إلا أن الله أغناهم ببركته.
﴿ فَإِن يَتُوبُواْ يَكُ ﴾: التوب.
﴿ خَيْراً لَّهُمْ ﴾: روي أن قاتله تاب.
﴿ وَإِن يَتَوَلَّوْا ﴾: عن التَّوب ﴿ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ ﴾: بهم ﴿ فِي ٱلأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ﴾: ينجيهم فكيف بالآخرة.
﴿ وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ ﴾: هو ثعلبة بن حاطب.
﴿ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ ﴾: نتصدقن.
﴿ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ * فَلَمَّآ آتَاهُمْ مِّن فَضْلِهِ ﴾: بدعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بحيث ضَاقَتْ بغنمهم المدينة.
﴿ بَخِلُواْ بِهِ ﴾: بمنع الزكاة.
﴿ وَتَوَلَّواْ ﴾: عن الطاعة.
﴿ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ ﴾: جعل عاقبتهم.
﴿ نِفَاقاً ﴾: متمكِّناً.
﴿ فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ ﴾: تعالى بالموت.
﴿ بِمَآ أَخْلَفُواْ ٱللَّهَ مَا وَعَدُوهُ ﴾: من التصدق والصَّلاح.
﴿ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ ﴾: ثم بعد نزولها جاء بزكاته إليه -صلى الله عليه وسلم- فلم يقبل منه ثم إلى أبي بكر وعمر فلم يقبلا، ومات في زمن عثمان رضي الله عنه.
﴿ أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ ﴾: من النِّفاق ﴿ وَنَجْوَاهُمْ ﴾: ما يتناجون به من الطعن في الدين.
﴿ وَأَنَّ ٱللَّهَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ * ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ﴾: يعيبون.
﴿ ٱلْمُطَّوِّعِينَ ﴾: المتنفلين.
﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ ﴾: يقولون في من أكثر منها: هو مُرَاءٍ كابن عوف، وفيمن أقل منها لفقره: هو يذكر بنفسه ليعطوه ﴿ وَ ﴾: يلمزون.
﴿ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ ﴾: طاقتهم كأبي عقيل الأنصاري جاء بصاع تمرٍ ﴿ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ ﴾: جازاهم على سخريتهم.
﴿ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾: ونزلت في أُبيّ إذ مات: ﴿ ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ ﴾: فيما سيان في عدم النفع.
﴿ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً ﴾: أي: كثيراً من سبَّع إذا كثر. *تنبيه: شَاع استعمال السبعة، والسبعين، والسبعمائة ونحوها في الكثير، لاشتمال السبعة على أكثر أقسام العدد كالزوج والفرد، والأول أي: ما لا بعده إلا الواحد والمركب، أي: ما بعد غيره، والفرد الأول كالثلاثة، والفرد المركب كالخمسة، والزوج الأول والمركب والمجذور وَحاصل المضروب في نفسه والجذر المضروب في الأصم بمعنى غير المجذور مثله كالسة، وبمعنى الأول أيضاً، والمنطق بمعنى مقابلهما كالأربعة، قيل: والزائد ما زادت أجزاؤه عليه لاشتمالها على الثلاثة والأربعة الحاصل من ضربهما اثنا عشر ثم السبعين غاية الغاية، إذ الآحاد غايتها العشرات فكأَنَّ المعنى: لَا تستَغْفِرْ لَهمْ أبداً.
﴿ فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ ذٰلِكَ ﴾: التأييس.
﴿ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾: لا ببخل منا أو قصور فيك.
﴿ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ ﴾: المتمردين بكفرهم إلى النجاة، قيل: لمَّا نزلت حمله صلى الله عليه وسلم على العدد فقال:" رَخّصَ لي ربي فسأزيد على السبعين "فنزلت:﴿ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ ﴾[المنافقون: ٦].
. إلى آخره، فنسخت بها. *تنبيه: اعلم أن جعله من باب أسلوب الحكيم، والمغالطة كقول القَبعثري: مثل الأمير يحمل على الأدهم والأشهب، في جواب: لأحملنك على الأدهم، لا يخلو من سوء أدب لأنه للتنبيه على أن هذا المعنى هو الأولى بالقصد، وهذا مما تأباه آداب الأنبياء معه تعالى، على أن الحديث يأباه. فإن قيل: كيف خفي عليه وهو أفصح الفصحاء؟ أجيب بأنها دلت على عدم المغفرة لا ترك الاستغفار واستغفاره وإن لم يترتب عليه مغفرتهم يترتب عليه مصلحة أخرى، وهو إظهار غاية رحمته بمن بعث إليهم، وحثنا على التراحم، وقوله:" لو رَخّصَ لي ربي فسأزيد على السبعين إن لم أُنْهَ "والله أعلم.
﴿ فَرِحَ ٱلْمُخَلَّفُونَ ﴾: أي: عن تبوك.
﴿ بِمَقْعَدِهِمْ ﴾: بقعودهم ﴿ خِلاَفَ ﴾ خلف ﴿ رَسُولِ ٱللَّهِ وَكَرِهُوۤاْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَالُواْ ﴾ للمؤمنين: ﴿ لاَ تَنفِرُواْ ﴾ لغزوة تبوك ﴿ فِي ٱلْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً ﴾ وقد اخترتموها بالمخالفة.
﴿ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ﴾: ذلك لما تخلفوا ﴿ فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً ﴾ أي: أيام الدنيا ﴿ وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً ﴾: أي: الآخرة.
﴿ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾: من النفاق ﴿ فَإِن رَّجَعَكَ ٱللَّهُ إِلَىٰ طَآئِفَةٍ مِّنْهُمْ ﴾: من المخلفين ﴿ فَٱسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ ﴾: إلى غزوة تبوك ﴿ فَقُلْ لَّن ﴾ لا ﴿ تَخْرُجُواْ مَعِيَ أَبَداً وَلَن ﴾: لا ﴿ تُقَاتِلُواْ مَعِيَ عَدُوّاً إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِٱلْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾: في غزوة تبوك ﴿ فَٱقْعُدُواْ مَعَ ٱلْخَالِفِينَ ﴾: المتأخرين من النساء ونحوهن، أو المفسدين.
﴿ وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ ﴾: جنازة.
﴿ أَحَدٍ مِّنْهُم ﴾: كابن أبي، أو لا تدع له.
﴿ مَّاتَ أَبَداً ﴾: أي: موتاً أبديّأً لأن إحياءه للتعذيب كعدمه يعني: مات كافراً، وقيل: أي: لا تصل أبداً ﴿ وَلاَ تَقُمْ ﴾: لنحو زيارة.
﴿ عَلَىٰ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ * وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَأَوْلَـٰدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي ٱلدُّنْيَا وَتَزْهَقَ ﴾: تخرج ﴿ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَٰفِرُونَ ﴾: فسِّر مرةً، وكررها للتأكيد، أو هي في غير الأولين، وترك الفاء لارتباط الأولى بكراهتهم الإنفاق إعجاباً بكثرة أموالهم بخلاف هذا وترك: " لا " في: " ولا أولادهم " دفعاً لما يتوهَّم من تركيب الأولى، وهو أن إعجابهم بأولادهم فوق إعجابهم بأموالهم، وبدَّل " أنْ " باللَّام ليعلم أن فعله تعالى لا يُعلل، وترك الحياة تنبيهاً على أن الحياة الدنيا بلغت مبلغت مبلغاً لا يذكر حسنه، بل يقتصر عنها على ذكر الدنيا.
﴿ وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ ﴾: بعضٌ من القرآن ﴿ أَنْ ﴾ بأن ﴿ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ ٱسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ ٱلطَّوْلِ ﴾ الغني ﴿ مِنْهُمْ وَقَالُواْ ذَرْنَا نَكُنْ مَّعَ ٱلْقَاعِدِينَ ﴾: بعذر.
﴿ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ﴾ النساء ﴿ ٱلْخَوَالِفِ ﴾: في البيوت.
﴿ وَطُبِعَ ﴾: ختم ﴿ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ ﴾: مصالحهم.
﴿ لَـٰكِنِ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ ﴾: قارن إيمانهم إيمانه.
﴿ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ﴾: أي: إن تخلفوا فقد توجه إلى خيرر منهم.
﴿ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلْخَيْرَاتُ ﴾: لا يعلمها إلا الله.
﴿ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ * أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ * وَجَآءَ ٱلْمُعَذِّرُونَ ﴾: من عذَّر: قصَّرَ، أو: أظهر العذر أو اعتذر: مهّد العذر ﴿ مِنَ ٱلأَعْرَابِ ﴾ المسلمين.
﴿ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ ﴾: في القعود فأذن لهم ﴿ وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴾: في ادعاء الإيمان عن المجيء للاعتذار.
﴿ سَيُصِيبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * لَّيْسَ عَلَى ٱلضُّعَفَآءِ ﴾: كالمشايخ.
﴿ وَلاَ عَلَىٰ ٱلْمَرْضَىٰ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ ﴾: في الجهاد.
﴿ حَرَجٌ ﴾: إثم في التأخر.
﴿ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ﴾: بالطاعة سرّاً وجَهراً ﴿ مَا عَلَى ٱلْمُحْسِنِينَ ﴾: أي: إلى معاتبتهم.
﴿ مِن سَبِيلٍ وَٱللَّهُ غَفُورٌ ﴾: لتفريطهم.
﴿ رَّحِيمٌ ﴾: بهم.
﴿ وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ ﴾: هم سبعةٌ من الفقراء.
﴿ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ ﴾: تسيل.
﴿ مِنَ ٱلدَّمْعِ ﴾: دمعها، فيه تجوُّزٌ للمبالغة ﴿ حَزَناً ﴾: للحزن.
﴿ أَلاَّ ﴾: لئلَّا.
﴿ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ ﴾: في الغزو.
﴿ إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ ﴾: بالمعاتبة.
﴿ عَلَى ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَآءُ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ﴾: النساء.
﴿ ٱلْخَوَالِفِ وَطَبَعَ ﴾: ختم.
﴿ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ ﴾: لئلا يتعظوا.
﴿ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾: كالمجانين.
﴿ يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ ﴾: في التخلف ﴿ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ ﴾: لن نصدقكم لأنه ﴿ قَدْ نَبَّأَنَا ٱللَّهُ مِنْ ﴾: بعض ﴿ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ﴾: أتتوبون أم تُصرون؟ ﴿ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾: بمجازاتكم.
﴿ سَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ إِذَا ٱنْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ ﴾: على عذر التخلف.
﴿ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ ﴾: فلا تعاتبوهم.
﴿ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ ﴾: دعوهم.
﴿ إِنَّهُمْ رِجْسٌ ﴾: نجسٌ، لا يتطهرون من النفاق.
﴿ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ ﴾: بتصديقهم.
﴿ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَرْضَىٰ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ ﴾: أي: عنهم إذ لا يلبس عليه هؤلاء المنتفقون، كانوا ثمانين، منع المسلمون من مجالستهم ومكالمتهم، قاله ابن عباس ﴿ ٱلأَعْرَابُ ﴾: البدويون.
﴿ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً ﴾: من الحضريين لقساوتهم وعدم مخالطتهم العلماء، في الحديث:" من سكن البادية جفا "﴿ وَأَجْدَرُ ﴾: وأولى ﴿ أَنْ ﴾ بأن.
﴿ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ ﴾: بقلوبهم.
﴿ حَكِيمٌ ﴾: فيما صنع بهم.
﴿ وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ ﴾: في الجهاد ﴿ مَغْرَماً ﴾: غرامةً لا يرجوا بها ثواباً ﴿ وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ ﴾: انقلاب أمركم ليخلص منكم.
﴿ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ﴾ دوران ﴿ ٱلسَّوْءِ ﴾ وهي اسم لعقوبة الزمان ﴿ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ ﴾: لأقوالهم.
﴿ عَلِيمٌ ﴾: بضمائرهم.
﴿ وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ ﴾: سبب.
﴿ قُرُبَاتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَاتِ ﴾: دعوات.
﴿ ٱلرَّسُولِ ﴾: فإنه كان يدعوا للمُصدِّقين.
﴿ أَلاۤ إِنَّهَا ﴾: نفقتهم ﴿ قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ ﴾: السين للتأكيد.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَٱلسَّابِقُونَ ٱلأَوَّلُونَ مِنَ ٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنْصَارِ ﴾: من صلى إلى القبلتين، أو حضر بدراً أو أسلم قبل الهجرة أو الصحابة.
﴿ وَٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ ﴾: بالإيمان والطاعة إلى الإيمان إلى القيامة أو بالترضي والثناء عليهم ﴿ رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ﴾: بما نالوا من نعم الدارين ﴿ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا ٱلأَنْهَارُ ﴾: قيل: الفرق بينه وبين المقيدبـ " مِنْ " إفهامه أن منبعها منهُ ﴿ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ * وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ ﴾: يا أهل المدينة.
﴿ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَٰفِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ ﴾: قوم.
﴿ مَرَدُواْ ﴾: تمهروا، واستصروا.
﴿ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ ﴾: يا محمدُ بأعينهم ﴿ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ﴾: بفضيحة الدنيا وعذاب القبر أو مرة بعد مرة، أي: كثيراً ﴿ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ ﴾: في جهنم.
﴿ وَآخَرُونَ ﴾: منهم ﴿ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ ﴾: بتخلفهم عن تبوك بلا عُذْرٍ ﴿ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً ﴾: كالندم والاعتراف بالذنب ﴿ وَآخَرَ ﴾: أي: بعمل آخر.
﴿ سَيِّئاً ﴾: كتخلفهم، فهذا كبعث الشاء شاةً ودرهماً، أي: بدرهم، أو تدل على أن كلّاً منهما مخلوط بالآخر ﴿ عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ﴾: يقبل توبتهم أتى بعسى ليأملوا ولا يتكلوا.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾: أي: المخلفين التأبين كأبي لُبَابة وأحزابه ﴿ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ ﴾: عن الذنوب.
﴿ وَتُزَكِّيهِمْ ﴾: تنمي حسناتهم.
﴿ بِهَا ﴾: فأخذ ثلثها وتصدق به.
﴿ وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ﴾: ادع لهم.
﴿ إِنَّ صَلَٰوتَك سَكَنٌ ﴾: رحمة أو طمأنينة ﴿ لَّهُمْ ﴾ بقبول توبتهم ﴿ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ ﴾: لدعائك.
﴿ عَلِيمٌ ﴾: بأهله.
﴿ أَلَمْ يَعْلَمُوۤاْ ﴾: استفهام للتحضيض ﴿ أَنَّ ٱللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ ﴾: يقبل.
﴿ ٱلصَّدَقَاتِ ﴾: بل تقع في بده قبل يد السائل.
﴿ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ * وَقُلِ ٱعْمَلُواْ ﴾: ما شئتم أيُّها الحالفون ﴿ فَسَيَرَى ٱللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾: بأن يطلعهم الله عليه ﴿ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾: بالمجازاة ﴿ وَآخَرُونَ ﴾: من المتخلفين.
﴿ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ ﴾: لحكمه في شأنهم.
﴿ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ ﴾: هم الثلاثة الذين خلفوا.
﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ ﴾: بأحوالهم.
﴿ حَكِيمٌ ﴾: فيما يفعل بهم.
﴿ وَ ﴾: منهم.
﴿ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ ﴾ بنوا ﴿ مَسْجِداً ضِرَاراً ﴾: مُضارة لأهل قباءَ ﴿ وَكُفْراً ﴾: لتقويته.
﴿ وَتَفْرِيقاً بَيْنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾: من مسجد قباء.
﴿ وَإِرْصَاداً ﴾: ترقباً.
﴿ لِّمَنْ حَارَبَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ ﴾: في بدر، هو أبو عامر الراهب، وفد بعد البدر إلى الشام ليأتي بجنود قصير وينوه له بأمره إرصاداً، لرجوعه.
﴿ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ ﴾: ما.
﴿ أَرَدْنَا ﴾: ببنائه.
﴿ إِلاَّ ﴾: الخصلة.
﴿ ٱلْحُسْنَىٰ ﴾: كالصلاة.
﴿ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾: في حلفهم ﴿ لاَ تَقُمْ ﴾: للصلاة ﴿ فِيهِ ﴾: في مسجدهم.
﴿ أَبَداً ﴾: فأمر بهدمه ثم صار مطرح الجيف ﴿ لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى ٱلتَّقْوَىٰ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ ﴾: من أيام وجوده ﴿ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ ﴾: هو مسجد قباؤ كما في البخاري، ويؤيده نسقُ القصة وحديثٌ في ابن ماجه، أو مسجد المدينة كما في مسلم وغيره والتحقيق أن رواية نزولها في مسجد قباء لا يعارض تنصيصه -صلى الله عليه وسلم- أنه مسجد المدينة فإنها لا تدل على اختصاص أهل قباء بذلك.
﴿ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ ﴾: بالجمع بين الاستجمار والماء في الاستنجاء كأهل قباء كما رواه ابن ماجه وغيره أو من المعاصي ﴿ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُطَّهِّرِينَ ﴾: ظاهراً وباطناً.
﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ ﴾: مبيَّنة ﴿ عَلَىٰ ﴾ قاعدة ﴿ تَقْوَىٰ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ ﴾: طلب مرضاته.
﴿ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا ﴾: طرف.
﴿ جُرُفٍ ﴾: جانب وادي من جهنم.
﴿ هَارٍ ﴾: متصدع مشرفٍ على السقوط.
﴿ فَٱنْهَارَ ﴾: طاح.
﴿ بِهِ ﴾: منع بنائه أو بنيه.
﴿ فِي نَارِ جَهَنَّمَ ﴾: صحَّ أنهم رأوا الدخان حين حفروه.
﴿ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ ﴾: إلى ما ينجيهم.
﴿ لاَ يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ ٱلَّذِي بَنَوْاْ رِيبَةً ﴾: شكّاً ونفاقاً ﴿ فِي قُلُوبِهِمْ ﴾: إذ بتخريبه ازدادوا حسداً.
﴿ إِلاَّ أَن تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ ﴾: في القبر بحيث لا يبقى لها قابلية الإضمار.
﴿ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ ﴾: بنياتهم.
﴿ حَكِيمٌ ﴾: في الأمر بهدمه.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ ﴾: تمثيل لإثابتهم.
﴿ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ﴾: استئناف لبيان الشري.
﴿ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً ﴾: مصدران مؤكّدان لنفسه ولغيره، أي: ثابتا.
﴿ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ وَٱلْقُرْآنِ وَمَنْ ﴾: لا أحد ﴿ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ ٱللَّهِ فَٱسْتَبْشِرُواْ ﴾: افرحوا غاية.
﴿ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ ﴾: هم.
﴿ ٱلتَّائِبُونَ ٱلْعَابِدُونَ ﴾: بالإخلاص.
﴿ ٱلْحَامِدُونَ ﴾: لله.
﴿ ٱلسَّائِحُونَ ﴾: الصائمون، أو طلبةُ العلم ﴿ ٱلرَّاكِعُونَ ٱلسَّاجِدونَ ﴾: المُصلون ﴿ ٱلآمِرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱلنَّاهُونَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ ﴾: والوا بجعلهما مع ما يليهما كخصلة هو قيل للثمانية لأنَّ التعداد تَمَّ بالسبعة لأنها تمامٌ عند العرب كالعشرة عندنا، والثامن ابتداء، وهذا لا أصل له.
﴿ وَٱلْحَافِظُونَ لِحُدُودِ ٱللَّهِ ﴾: شرائعه ﴿ وَبَشِّرِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾: أي: بشرهم.
﴿ مَا كَانَ ﴾: ما صح.
﴿ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ ﴾: كآمنة وأبي طالب.
﴿ وَلَوْ كَانُوۤاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ ﴾: بموتهم على الكفر.
﴿ وَمَا كَانَ ٱسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَآ ﴾ إبراهيم ﴿ إِيَّاهُ ﴾: إن أسلم، بقوله:﴿ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ﴾[الممتحنة: ٤] ﴿ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ ﴾: بموته على الكفر ﴿ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ ﴾: متضرع كثير التأوُّه ﴿ حَلِيمٌ ﴾: صبورٌ على الأذى ﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً ﴾: ليأخذهم أخذ الضالين ﴿ بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ ﴾: للإسلام ﴿ حَتَّىٰ يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ ﴾: ما يجبُ إتقاوه فلا يؤاخذكم بالاستغفار لهم قبل ذلك.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * إِنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ ﴾: فتوجوا إليه معرضين عنهم.
﴿ لَقَدْ تَابَ ٱللهُ عَلَىٰ ٱلنَّبِيِّ وَٱلْمُهَاجِرِينَ وَٱلأَنصَارِ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوهُ ﴾: أي: برأهم عن عُلقة الذنوب، مثل:﴿ لِّيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ ﴾[الفتح: ٢] ﴿ فِي سَاعَةِ ﴾: وقت.
﴿ ٱلْعُسْرَةِ ﴾: أي: غزوة تبوك في شدّة الحرِّ والضيق.
﴿ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ ﴾: يميلُ.
﴿ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ﴾: عن اتباعه.
﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ﴾: تأكيد لما مر.
﴿ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾: ﴿ وَ ﴾: تاب.
﴿ عَلَى ٱلثَّلاَثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُواْ ﴾: خَلّف الله أمرهم عن أمر الذين ربطوا أنفسهم بالسواري، وعمَّن اعتذر بالأكاذيب ﴿ حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ﴾: بسعتها مثلٌ لشدة الحيرةِ ﴿ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ ﴾: لكثرة الهم.
﴿ وَظَنُّوۤاْ ﴾: علموا.
﴿ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ ٱللَّهِ ﴾: من سخطهِ ﴿ إِلاَّ إِلَيْهِ ﴾: بالتضرع ﴿ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ ﴾: وفقهم للتوبة ﴿ لِيَتُوبُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ ﴾: يقبل التوبة برحمته.
﴿ يَـٰأيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ ٱلصَّادِقِينَ ﴾: في إيمانهم وعهودهم.
﴿ مَا كَانَ لأَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ وَلاَ ﴾ أَنْ ﴿ يَرْغَبُواْ بِأَنْفُسِهِمْ ﴾: أي: لا يجعلوا أنفسهم راغبة.
﴿ عَن نَّفْسِهِ ﴾: فليكونوا معه في البأساء والضراء.
﴿ ذٰلِكَ ﴾: النهيُ ﴿ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ ﴾: عطش.
﴿ وَلاَ نَصَبٌ ﴾: تعبٌ ﴿ وَلاَ مَخْمَصَةٌ ﴾: جُوعٌ ﴿ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَطَأُونَ مَوْطِئاً ﴾: مكاناً.
﴿ يَغِيظُ ﴾: يغضبُ ﴿ ٱلْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً ﴾: من قتل وغيره.
﴿ إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ ﴾: بكل ممَّا ذكر ﴿ عَمَلٌ صَالِحٌ ﴾: استجوبوا به ثواباً جزيلاً.
﴿ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ * وَلاَ يُنفِقُونَ ﴾: في سبيل الله.
﴿ نَفَقَةً صَغِيرَةً ﴾: قليلاً ﴿ وَلاَ كَبِيرَةً ﴾: كثيراً.
﴿ وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً ﴾: بالسير.
﴿ إِلاَّ كُتِبَ ﴾: ثوابهما.
﴿ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ ٱللَّهُ ﴾: جزاء.
﴿ أَحْسَنَ ﴾: من.
﴿ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾: بمعنى حسن ﴿ وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾: ما من شأنهم.
﴿ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً ﴾: جميعاً لغزوٍ إذ كانوا ينفرون جميعاً حذراً ممَّا نزل في المخَلفين، وهذا في السرايا وما قبلها فيمن خرج معه -صلى الله عليه وسلم- ﴿ فَلَوْلاَ ﴾: هلَّا ﴿ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ ﴾: جماعة كثيرة.
﴿ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ ﴾: جمع قليل ﴿ لِّيَتَفَقَّهُواْ ﴾: القاعدون.
﴿ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ ﴾: بما نزل وأحكامه.
﴿ إِذَا رَجَعُوۤاْ إِلَيْهِمْ ﴾: من الغزو.
﴿ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ﴾: منه، دلَّ على أن خبر الآحاد حُجَّة عنه.
﴿ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِّنَ ٱلْكُفَّارِ ﴾: الأقرب فالأقرب.
﴿ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً ﴾: شدَّةً، أي: اغلظوا عليهم.
﴿ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ ﴾: بالإعانة.
﴿ وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ ﴾: من المنافقين ﴿ مَّن يَقُولُ ﴾: لبعضهم أو لضُعفاءَ المؤمنين استهزاءً ﴿ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَـٰذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً ﴾: تصديقاً، بزيادة المؤمن به.
﴿ وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴾: بنزولها ﴿ وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ ﴾: نفاق.
﴿ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً ﴾ كُفْراً ﴿ إِلَىٰ رِجْسِهِمْ ﴾ كفرهم ﴿ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ * أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ ﴾: يبتلون بالقحط وغيره.
﴿ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ﴾: ليتنبهوا.
﴿ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾: يعتبرون.
﴿ وَإِذَا مَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ نَّظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ ﴾: تدبيراً للفرار، قائلين: ﴿ هَلْ يَرَاكُمْ مِّنْ أَحَدٍ ﴾: من المسلمين، فإن رآهم أقاموا وإلا قاموا.
﴿ ثُمَّ ٱنصَرَفُواْ ﴾: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ﴿ صَرَفَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُم ﴾: عن الإيمان.
﴿ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ ﴾: لا يتدبرون.
﴿ لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ ﴾: شديد.
﴿ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ﴾: عنتكم، أو ما أثمتم به ﴿ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ ﴾: على صلاحكم ﴿ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ ﴾: شديد الرحمة.
﴿ رَّحِيمٌ ﴾: لهم.
﴿ فَإِن تَوَلَّوْاْ ﴾: عن الإيمان بك.
﴿ فَقُلْ حَسْبِيَ ﴾: كافيَّ ﴿ ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ﴾: به فقط وَثقْتُ ﴿ وَهُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ ﴾: المُحيطُ على جَميع المَخْلوقات.
سورة التوبة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (التَّوْبةِ) ارتبَطتِ ارتباطًا وثيقًا بسورة (الأنفال)، حتى ظنَّ بعضُ الصَّحابة أنهما سورةٌ واحدة؛ فقد أكمَلتِ الحديثَ عن أحكام الحرب والأَسْرى. وسُمِّيتْ بـ (الفاضحةِ)؛ لأنها فضَحتْ سرائرَ المنافقين، وأحوالَهم، وصفاتِهم. وقد نزَلتْ سورة (التَّوْبةِ) في غزوتَيْ (حُنَينٍ)، و(تَبُوكَ). وأعلَنتْ هذه السورةُ البراءةَ من الشركِ والمشركين وأفعالهم، وبيَّنتْ أحكامَ المواثيق والعهود مع المشركين، معلِنةً في خاتمتها التوبةَ على مَن تاب وتخلَّف من الصحابة - رضي الله عنهم - عن الغزوِ: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوٓاْۚ} [التوبة: 118].

ترتيبها المصحفي
9
نوعها
مدنية
ألفاظها
2505
ترتيب نزولها
113
العد المدني الأول
130
العد المدني الأخير
130
العد البصري
130
العد الكوفي
129
العد الشامي
130

تعلَّقتْ سورةُ (التوبة) بأحداثٍ كثيرة، وهي (الفاضحةُ)؛ لذا صحَّ في أسبابِ نزولها الكثيرُ؛ من ذلك:

* قوله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ اْلْحَآجِّ وَعِمَارَةَ اْلْمَسْجِدِ اْلْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِاْللَّهِ وَاْلْيَوْمِ اْلْأٓخِرِ وَجَٰهَدَ فِي سَبِيلِ اْللَّهِۚ لَا يَسْتَوُۥنَ عِندَ اْللَّهِۗ وَاْللَّهُ لَا يَهْدِي اْلْقَوْمَ اْلظَّٰلِمِينَ} [التوبة: 19]:

عن النُّعمانِ بن بشيرٍ رضي الله عنهما، قال: «كنتُ عند مِنبَرِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال رجُلٌ: ما أُبالي ألَّا أعمَلَ عمَلًا بعد الإسلامِ إلا أن أَسقِيَ الحاجَّ، وقال آخَرُ: ما أُبالي ألَّا أعمَلَ عمَلًا بعد الإسلامِ إلا أن أعمُرَ المسجدَ الحرامَ، وقال آخَرُ: الجهادُ في سبيلِ اللهِ أفضَلُ ممَّا قُلْتم، فزجَرَهم عُمَرُ، وقال: لا تَرفَعوا أصواتَكم عند مِنبَرِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وهو يومُ الجمعةِ، ولكن إذا صلَّيْتُ الجمعةَ دخَلْتُ فاستفتَيْتُه فيما اختلَفْتم فيه؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ اْلْحَآجِّ} [التوبة: 19] الآيةَ إلى آخِرِها». أخرجه مسلم (١٨٧٩).

* قوله تعالى: {اْلَّذِينَ يَلْمِزُونَ اْلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ فِي اْلصَّدَقَٰتِ وَاْلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} [التوبة: 79]:

عن أبي مسعودٍ عُقْبةَ بن عمرٍو رضي الله عنه، قال: «لمَّا نزَلتْ آيةُ الصَّدقةِ كنَّا نُحامِلُ، فجاءَ رجُلٌ فتصدَّقَ بشيءٍ كثيرٍ، فقالوا: مُرائي، وجاءَ رجُلٌ فتصدَّقَ بصاعٍ، فقالوا: إنَّ اللهَ لَغنيٌّ عن صاعِ هذا؛ فنزَلتِ: {اْلَّذِينَ يَلْمِزُونَ اْلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ فِي اْلصَّدَقَٰتِ وَاْلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} [التوبة: 79] الآية». أخرجه البخاري (١٤١٥).

* قوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِۦٓۖ} [التوبة: 84]:

عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: «أنَّ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ لمَّا تُوُفِّيَ جاءَ ابنُه إلى النبيِّ ﷺ، فقال: يا رسولَ اللهِ، أعطِني قميصَك أُكفِّنْهُ فيه، وصَلِّ عليه، واستغفِرْ له، فأعطاه النبيُّ ﷺ قميصَه، فقال: آذِنِّي أُصلِّي عليه، فآذَنَه، فلمَّا أراد أن يُصلِّيَ عليه جذَبَه عُمَرُ رضي الله عنه، فقال: أليس اللهُ نهاك أن تُصلِّيَ على المنافِقين؟ فقال: أنا بين خِيرَتَينِ، قال: {اْسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةٗ فَلَن يَغْفِرَ اْللَّهُ لَهُمْۚ} [التوبة: 80]، فصلَّى عليه؛ فنزَلتْ: {وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِۦٓۖ} [التوبة: 84]». أخرجه البخاري (١٢٦٩).

* قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ مِنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَٰبُ اْلْجَحِيمِ} [التوبة: 113]:

عن المسيَّبِ بن حَزْنٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا حضَرتْ أبا طالبٍ الوفاةُ جاءَه رسولُ اللهِ ﷺ، فوجَدَ عنده أبا جهلٍ، وعبدَ اللهِ بنَ أبي أُمَيَّةَ بنِ المُغيرةِ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «يا عَمِّ، قُلْ: لا إلهَ إلا اللهُ، كلمةً أشهَدُ لك بها عند اللهِ»، فقال أبو جهلٍ وعبدُ اللهِ بنُ أبي أُمَيَّةَ: يا أبا طالبٍ، أتَرغَبُ عن مِلَّةِ عبدِ المطَّلِبِ؟ فلَمْ يَزَلْ رسولُ اللهِ ﷺ يَعرِضُها عليه، ويُعِيدُ له تلك المقالةَ، حتى قال أبو طالبٍ آخِرَ ما كلَّمهم: هو على مِلَّةِ عبدِ المطَّلِبِ، وأبى أن يقولَ: لا إلهَ إلا اللهُ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «أمَا واللهِ لَأستغفِرَنَّ لك ما لم أُنْهَ عنك»؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ مِنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَٰبُ اْلْجَحِيمِ} [التوبة: 113]». أخرجه مسلم (٢٤).

* قوله تعالى: {وَعَلَى اْلثَّلَٰثَةِ اْلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰٓ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ اْلْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوٓاْ أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اْللَّهِ إِلَّآ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوٓاْۚ إِنَّ اْللَّهَ هُوَ اْلتَّوَّابُ اْلرَّحِيمُ} [التوبة: 118]:

نزَلتْ في (كعبِ بن مالكٍ)، و(مُرَارةَ بنِ الرَّبيعِ)، و(هلالِ بنِ أُمَيَّةَ).

والحديثُ يَروِيه عبدُ اللهِ بن كعبٍ، عن أبيه كعبِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «لم أتخلَّفْ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في غزوةٍ غزاها قطُّ، إلا في غزوةِ تَبُوكَ، غيرَ أنِّي قد تخلَّفْتُ في غزوةِ بَدْرٍ، ولم يُعاتِبْ أحدًا تخلَّفَ عنه، إنَّما خرَجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم والمسلمون يُريدون عِيرَ قُرَيشٍ، حتى جمَعَ اللهُ بَيْنهم وبين عدوِّهم على غيرِ ميعادٍ، ولقد شَهِدتُّ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ليلةَ العَقَبةِ، حِينَ تواثَقْنا على الإسلامِ، وما أُحِبُّ أنَّ لي بها مَشهَدَ بَدْرٍ، وإن كانت بَدْرٌ أذكَرَ في الناسِ منها، وكان مِن خَبَري حِينَ تخلَّفْتُ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في غزوةِ تَبُوكَ: أنِّي لم أكُنْ قطُّ أقوى ولا أيسَرَ منِّي حِينَ تخلَّفْتُ عنه في تلك الغزوةِ، واللهِ ما جمَعْتُ قَبْلها راحلتَينِ قطُّ، حتى جمَعْتُهما في تلك الغزوةِ، فغزَاها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في حَرٍّ شديدٍ، واستقبَلَ سفَرًا بعيدًا ومَفازًا، واستقبَلَ عدوًّا كثيرًا، فجَلَا للمسلمين أمْرَهم لِيتأهَّبوا أُهْبةَ غَزْوِهم، فأخبَرَهم بوجهِهم الذي يريدُ، والمسلمون مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كثيرٌ، ولا يَجمَعُهم كتابٌ حافظٌ، يريدُ بذلك الدِّيوانَ، قال كعبٌ: فقَلَّ رجُلٌ يريدُ أن يَتغيَّبَ، يظُنُّ أنَّ ذلك سيَخفَى له، ما لم يَنزِلْ فيه وَحْيٌ مِن اللهِ عز وجل، وغزَا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تلك الغزوةَ حِينَ طابتِ الثِّمارُ والظِّلالُ، فأنا إليها أصعَرُ، فتجهَّزَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، وطَفِقْتُ أغدو لكي أتجهَّزَ معهم، فأرجِعُ ولم أقضِ شيئًا، وأقولُ في نفسي: أنا قادرٌ على ذلك إذا أرَدتُّ، فلم يَزَلْ ذلك يَتمادى بي حتى استمَرَّ بالناسِ الجِدُّ، فأصبَحَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم غاديًا والمسلمون معه، ولم أقضِ مِن جَهازي شيئًا، ثم غدَوْتُ فرجَعْتُ ولم أقضِ شيئًا، فلم يَزَلْ ذلك يَتمادى بي حتى أسرَعوا، وتفارَطَ الغَزْوُ، فهمَمْتُ أن أرتحِلَ فأُدرِكَهم، فيا لَيْتني فعَلْتُ، ثم لم يُقدَّرْ ذلك لي، فطَفِقْتُ إذا خرَجْتُ في الناسِ بعد خروجِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يحزُنُني أنِّي لا أرى لي أُسْوةً إلا رجُلًا مغموصًا عليه في النِّفاقِ، أو رجُلًا ممَّن عذَرَ اللهُ مِن الضُّعفاءِ، ولم يذكُرْني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حتى بلَغَ تَبُوكَ، فقال وهو جالسٌ في القومِ بتَبُوكَ: «ما فعَلَ كعبُ بنُ مالكٍ؟»، قال رجُلٌ مِن بَني سَلِمةَ: يا رسولَ اللهِ، حبَسَه بُرْداه والنَّظرُ في عِطْفَيهِ، فقال له مُعاذُ بنُ جبلٍ: بئسَ ما قلتَ، واللهِ يا رسولَ اللهِ، ما عَلِمْنا عليه إلا خيرًا، فسكَتَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فبينما هو على ذلك، رأى رجُلًا مُبيِّضًا، يزُولُ به السَّرابُ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كُنْ أبا خَيْثمةَ»، فإذا هو أبو خَيْثمةَ الأنصاريُّ، وهو الذي تصدَّقَ بصاعِ التَّمْرِ حِينَ لمَزَه المنافِقون».

فقال كعبُ بن مالكٍ: فلمَّا بلَغَني أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قد توجَّهَ قافلًا مِن تَبُوكَ، حضَرَني بَثِّي، فطَفِقْتُ أتذكَّرُ الكَذِبَ وأقولُ: بِمَ أخرُجُ مِن سَخَطِه غدًا؟ وأستعينُ على ذلك كلَّ ذي رأيٍ مِن أهلي، فلمَّا قيل لي: إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قد أظَلَّ قادمًا، زاحَ عنِّي الباطلُ، حتى عرَفْتُ أنِّي لن أنجوَ منه بشيءٍ أبدًا، فأجمَعْتُ صِدْقَه، وصبَّحَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قادمًا، وكان إذا قَدِمَ مِن سَفَرٍ، بدَأَ بالمسجدِ فركَعَ فيه ركعتَينِ، ثم جلَسَ للناسِ، فلمَّا فعَلَ ذلك جاءه المخلَّفون، فطَفِقوا يَعتذِرون إليه، ويَحلِفون له، وكانوا بِضْعةً وثمانين رجُلًا، فقَبِلَ منهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم علانيتَهم، وبايَعَهم، واستغفَرَ لهم، ووكَلَ سرائرَهم إلى اللهِ، حتى جئتُ، فلمَّا سلَّمْتُ تبسَّمَ تبسُّمَ المُغضَبِ، ثم قال: «تعالَ»، فجئتُ أمشي حتى جلَسْتُ بين يدَيهِ، فقال لي: «ما خلَّفَك؟ ألم تكُنْ قد ابتَعْتَ ظَهْرَك؟»، قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنِّي واللهِ لو جلَسْتُ عند غيرِك مِن أهلِ الدُّنيا، لَرأَيْتُ أنِّي سأخرُجُ مِن سَخَطِه بعُذْرٍ، ولقد أُعطِيتُ جدَلًا، ولكنِّي واللهِ لقد عَلِمْتُ، لَئِنْ حدَّثْتُك اليومَ حديثَ كَذِبٍ تَرضَى به عنِّي، لَيُوشِكَنَّ اللهُ أن يُسخِطَك عليَّ، ولَئِنْ حدَّثْتُك حديثَ صِدْقٍ تجدُ عليَّ فيه، إنِّي لَأرجو فيه عُقْبى اللهِ، واللهِ ما كان لي عُذْرٌ، واللهِ ما كنتُ قطُّ أقوى ولا أيسَرَ منِّي حين تخلَّفْتُ عنك، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أمَّا هذا فقد صدَقَ؛ فقُمْ حتى يَقضِيَ اللهُ فيك»، فقُمْتُ، وثارَ رجالٌ مِن بَني سَلِمةَ فاتَّبَعوني، فقالوا لي: واللهِ ما عَلِمْناك أذنَبْتَ ذَنْبًا قبل هذا، لقد عجَزْتَ في ألَّا تكونَ اعتذَرْتَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بما اعتذَرَ به إليه المخلَّفون، فقد كان كافيَك ذَنْبَك استغفارُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لك، قال: فواللهِ ما زالوا يُؤنِّبوني حتى أرَدتُّ أن أرجِعَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأُكذِّبَ نفسي، قال: ثم قلتُ لهم: هل لَقِيَ هذا معي مِن أحدٍ؟ قالوا: نَعم، لَقِيَه معك رجُلانِ، قالا مِثْلَ ما قلتَ، فقيل لهما مثلُ ما قيل لك، قال: قلتُ: مَن هما؟ قالوا: مُرَارةُ بنُ الرَّبيعِ العامريُّ، وهِلالُ بنُ أُمَيَّةَ الواقِفيُّ، قال: فذكَروا لي رجُلَينِ صالحَينِ قد شَهِدا بَدْرًا، فيهما أُسْوةٌ، قال: فمضَيْتُ حين ذكَروهما لي.

قال: ونهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامِنا - أيُّها الثلاثةُ - مِن بَيْنِ مَن تخلَّفَ عنه.

قال: فاجتنَبَنا الناسُ، وقال: تغيَّروا لنا، حتى تنكَّرتْ لي في نفسي الأرضُ، فما هي بالأرضِ التي أعرِفُ، فلَبِثْنا على ذلك خَمْسين ليلةً، فأمَّا صاحبايَ فاستكانا وقعَدا في بيوتِهما يَبكيانِ، وأمَّا أنا فكنتُ أشَبَّ القومِ وأجلَدَهم، فكنتُ أخرُجُ فأشهَدُ الصَّلاةَ، وأطُوفُ في الأسواقِ، ولا يُكلِّمُني أحدٌ، وآتي رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأُسلِّمُ عليه وهو في مَجلِسِه بعد الصَّلاةِ، فأقولُ في نفسي: هل حرَّكَ شَفَتَيهِ برَدِّ السلامِ أم لا؟ ثم أُصلِّي قريبًا منه، وأُسارِقُه النَّظرَ، فإذا أقبَلْتُ على صلاتي نظَرَ إليَّ، وإذا التفَتُّ نحوَه أعرَضَ عنِّي، حتى إذا طالَ ذلك عليَّ مِن جَفْوةِ المسلمين، مشَيْتُ حتى تسوَّرْتُ جدارَ حائطِ أبي قَتادةَ، وهو ابنُ عَمِّي، وأحَبُّ الناسِ إليَّ، فسلَّمْتُ عليه، فواللهِ ما رَدَّ عليَّ السلامَ، فقلتُ له: يا أبا قَتادةَ، أنشُدُك باللهِ هل تَعلَمَنَّ أنِّي أُحِبُّ اللهَ ورسولَه؟ قال: فسكَتَ، فعُدتُّ فناشَدتُّه، فسكَتَ، فعُدتُّ فناشَدتُّه، فقال: اللهُ ورسولُهُ أعلَمُ، ففاضت عينايَ، وتولَّيْتُ حتى تسوَّرْتُ الجدارَ.

فبَيْنا أنا أمشي في سوقِ المدينةِ، إذا نَبَطيٌّ مِن نََبَطِ أهلِ الشامِ، ممَّن قَدِمَ بالطعامِ يَبِيعُه بالمدينةِ، يقولُ: مَن يدُلُّ على كعبِ بن مالكٍ؟ قال: فطَفِقَ الناسُ يُشيرون له إليَّ، حتى جاءَني، فدفَعَ إليَّ كتابًا مِن مَلِكِ غسَّانَ، وكنتُ كاتبًا، فقرَأْتُه، فإذا فيه: أمَّا بعدُ، فإنَّه قد بلَغَنا أنَّ صاحِبَك قد جفَاك، ولم يَجعَلْك اللهُ بدارِ هوانٍ ولا مَضِيعةٍ، فالحَقْ بنا نُواسِك، قال: فقلتُ حين قرَأْتُها: وهذه أيضًا مِن البلاءِ، فتيامَمْتُ بها التَّنُّورَ، فسجَرْتُها بها.

حتى إذا مضَتْ أربعون مِن الخَمْسين، واستلبَثَ الوَحْيُ؛ إذا رسولُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يأتيني، فقال: إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يأمُرُك أن تعتزِلَ امرأتَك، قال: فقلتُ: أُطلِّقُها أم ماذا أفعَلُ؟ قال: لا، بل اعتزِلْها، فلا تَقرَبَنَّها، قال: فأرسَلَ إلى صاحِبَيَّ بمِثْلِ ذلك، قال: فقلتُ لامرأتي: الحَقِي بأهلِكِ فكُوني عندهم حتى يَقضِيَ اللهُ في هذا الأمرِ، قال: فجاءت امرأةُ هلالِ بنِ أُمَيَّةَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالت له: يا رسولَ اللهِ، إنَّ هلالَ بنَ أُمَيَّةَ شيخٌ ضائعٌ ليس له خادمٌ، فهل تَكرَهُ أن أخدُمَه؟ قال: لا، ولكن لا يَقرَبَنَّكِ، فقالت: إنَّه واللهِ ما به حركةٌ إلى شيءٍ، وواللهِ ما زالَ يَبكي منذ كان مِن أمرِه ما كان إلى يومِه هذا، قال: فقال لي بعضُ أهلي: لو استأذَنْتَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في امرأتِك؟ فقد أَذِنَ لامرأةِ هلالِ بنِ أُمَيَّةَ أن تخدُمَه، قال: فقلتُ: لا أستأذِنُ فيها رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وما يُدرِيني ماذا يقولُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا استأذَنْتُه فيها، وأنا رجُلٌ شابٌّ، قال: فلَبِثْتُ بذلك عَشْرَ ليالٍ، فكمَلَ لنا خمسون ليلةً مِن حِينَ نُهِيَ عن كلامِنا، قال: ثم صلَّيْتُ صلاةَ الفجرِ صباحَ خَمْسين ليلةً على ظَهْرِ بيتٍ مِن بيوتِنا، فبَيْنا أنا جالسٌ على الحالِ التي ذكَرَ اللهُ عز وجل منَّا، قد ضاقَتْ عليَّ نفسي، وضاقَتْ عليَّ الأرضُ بما رحُبَتْ؛ سَمِعْتُ صوتَ صارخٍ أوفَى على سَلْعٍ، يقولُ بأعلى صوتِه: يا كعبُ بنَ مالكٍ، أبشِرْ، قال: فخرَرْتُ ساجدًا، وعرَفْتُ أنْ قد جاء فَرَجٌ.

قال: فآذَنَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الناسَ بتوبةِ اللهِ علينا حِينَ صلَّى صلاةَ الفجرِ، فذهَبَ الناسُ يُبشِّروننا، فذهَبَ قِبَلَ صاحَبَيَّ مبشِّرون، وركَضَ رجُلٌ إليَّ فرَسًا، وسعى ساعٍ مِن أسلَمَ قِبَلي، وأوفى الجبلَ، فكان الصوتُ أسرَعَ مِن الفرَسِ، فلمَّا جاءني الذي سَمِعْتُ صوتَه يُبشِّرُني، فنزَعْتُ له ثَوْبَيَّ، فكسَوْتُهما إيَّاه ببِشارتِه، واللهِ ما أملِكُ غيرَهما يومَئذٍ، واستعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فلَبِسْتُهما، فانطلَقْتُ أتأمَّمُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَتلقَّاني الناسُ فوجًا فوجًا، يُهنِّئوني بالتوبةِ، ويقولون: لِتَهْنِئْكُ توبةُ اللهِ عليك، حتى دخَلْتُ المسجدَ، فإذا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جالسٌ في المسجدِ، وحَوْله الناسُ، فقام طَلْحةُ بنُ عُبَيدِ اللهِ يُهَروِلُ حتى صافَحَني وهنَّأني، واللهِ ما قامَ رجُلٌ مِن المهاجِرين غيرُه.

قال: فكان كعبٌ لا يَنساها لطَلْحةَ.

قال كعبٌ: فلمَّا سلَّمْتُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال وهو يبرُقُ وجهُه مِن السُّرورِ، ويقولُ: «أبشِرْ بخيرِ يومٍ مَرَّ عليك منذُ ولَدَتْك أمُّك»، قال: فقلتُ: أمِنْ عندِك يا رسولَ اللهِ، أم مِن عندِ اللهِ؟ فقال: «لا، بل مِن عندِ اللهِ»، وكان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ استنارَ وجهُه، كأنَّ وَجْهَه قطعةُ قمَرٍ، قال: وكنَّا نَعرِفُ ذلك.

قال: فلمَّا جلَسْتُ بين يدَيهِ، قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ مِن تَوْبتي أن أنخلِعَ مِن مالي صدقةً إلى اللهِ، وإلى رسولِه صلى الله عليه وسلم، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أمسِكْ بعضَ مالِك؛ فهو خيرٌ لك»، قال: فقلتُ: فإنِّي أُمسِكُ سَهْمي الذي بخَيْبرَ.

قال: وقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ اللهَ إنَّما أنجاني بالصِّدْقِ، وإنَّ مِن تَوْبتي ألَّا أُحدِّثَ إلا صِدْقًا ما بَقِيتُ.

قال: فواللهِ ما عَلِمْتُ أنَّ أحدًا مِن المسلمين أبلاه اللهُ في صِدْقِ الحديثِ، منذُ ذكَرْتُ ذلك لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، أحسَنَ ممَّا أبلاني اللهُ به، واللهِ ما تعمَّدتُّ كَذْبةً منذُ قلتُ ذلك لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، وإنِّي لأرجو أن يَحفَظَني اللهُ فيما بَقِيَ.

قال: فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {لَّقَد تَّابَ اْللَّهُ عَلَى اْلنَّبِيِّ وَاْلْمُهَٰجِرِينَ وَاْلْأَنصَارِ اْلَّذِينَ اْتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ اْلْعُسْرَةِ مِنۢ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٖ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْۚ إِنَّهُۥ بِهِمْ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ ١١٧ وَعَلَى اْلثَّلَٰثَةِ اْلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰٓ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ اْلْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ} [التوبة: 117-118] حتى بلَغَ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ اْتَّقُواْ اْللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ اْلصَّٰدِقِينَ} [التوبة: 119].

قال كعبٌ: واللهِ ما أنعَمَ اللهُ عليَّ مِن نعمةٍ قطُّ، بعد إذ هداني اللهُ للإسلامِ، أعظَمَ في نفسي مِن صِدْقي رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ألَّا أكونَ كذَبْتُه فأهلِكَ كما هلَكَ الذين كذَبوا؛ إنَّ اللهَ قال لِلَّذين كذَبُوا حِينَ أنزَلَ الوَحْيَ شرَّ ما قال لأحدٍ، وقال اللهُ: {سَيَحْلِفُونَ ‌بِاْللَّهِ ‌لَكُمْ إِذَا اْنقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْۖ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْۖ إِنَّهُمْ رِجْسٞۖ وَمَأْوَىٰهُمْ جَهَنَّمُ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ٩٥ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْۖ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اْللَّهَ لَا يَرْضَىٰ عَنِ اْلْقَوْمِ اْلْفَٰسِقِينَ} [التوبة: 95-96].

قال كعبٌ: كنَّا خُلِّفْنا - أيُّها الثلاثةُ - عن أمرِ أولئك الذين قَبِلَ منهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ حلَفوا له، فبايَعَهم، واستغفَرَ لهم، وأرجأَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أمْرَنا حتى قضى اللهُ فيه، فبذلك قال اللهُ عز وجل: {وَعَلَى ‌اْلثَّلَٰثَةِ ‌اْلَّذِينَ ‌خُلِّفُواْ} [التوبة: 118]، وليس الذي ذكَرَ اللهُ ممَّا خُلِّفْنا تخلُّفَنا عن الغَزْوِ، وإنَّما هو تخليفُه إيَّانا، وإرجاؤُه أمْرَنا عمَّن حلَفَ له واعتذَرَ إليه فقَبِلَ منه». أخرجه مسلم (٢٧٦٩).

* سورةُ (التوبة):

سُمِّيتْ بذلك لكثرةِ ذِكْرِ التوبة وتَكْرارها فيها، وذِكْرِ توبة الله على الثلاثة الذين تخلَّفوا يومَ غزوة (تَبُوكَ)، ولها عِدَّةُ أسماءٍ؛ من ذلك:

* سورةُ (براءةَ):

وقد اشتهَر هذا الاسمُ بين الصحابة؛ فعن البَراء رضي الله عنه، قال: «آخِرُ سورةٍ نزَلتْ كاملةً براءةُ». أخرجه البخاري (٤٣٦٤).

* (الفاضحةُ):

فعن سعيدِ بن جُبَيرٍ رحمه الله، قال: «قلتُ لابنِ عباسٍ: سورةُ التَّوبةِ، قال: آلتَّوبةُ؟ قال: بل هي الفاضحةُ؛ ما زالت تَنزِلُ: {وَمِنْهُمْ} {وَمِنْهُمْ} حتى ظَنُّوا أن لا يَبقَى منَّا أحدٌ إلا ذُكِرَ فيها». أخرجه مسلم (٣٠٣١).

قال ابنُ عاشورٍ: «ولهذه السورةِ أسماءٌ أُخَرُ، وقَعتْ في كلام السلف، من الصحابة والتابعين؛ فرُوي عن ابن عمرَ، عن ابن عباسٍ: كنَّا ندعوها - أي سورةَ (براءةَ) -: «المُقَشقِشَة» - بصيغةِ اسم الفاعل وتاء التأنيث، مِن قَشْقَشَه: إذا أبرَاه مِن المرضِ -، كان هذا لقبًا لها ولسورة (الكافرون)؛ لأنهما تُخلِّصان مَن آمن بما فيهما من النفاق والشرك؛ لِما فيهما من الدعاء إلى الإخلاص، ولِما فيهما من وصفِ أحوال المنافقين ...

وعن حُذَيفةَ: أنه سمَّاها سورة (العذاب)؛ لأنها نزلت بعذاب الكفار؛ أي: عذاب القتلِ والأخذِ حين يُثقَفون.

وعن عُبَيد بن عُمَير: أنه سمَّاها (المُنقِّرة) - بكسرِ القاف مشدَّدةً -؛ لأنها نقَّرتْ عما في قلوب المشركين...». "التحرير والتنوير" (10 /96).

وقد بلغ عددُ أسمائها (21) اسمًا في موسوعة "التفسير الموضوعي" (3 /187 وما بعدها).

* أمَر عُمَرُ بن الخطَّابِ رضي الله عنه أن يَتعلَّمَها الرِّجالُ لِما فيها من أحكام الجهاد:

فقد كتَب عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رضي الله عنه: «تعلَّمُوا سورةَ براءةَ، وعَلِّموا نساءَكم سورةَ النُّورِ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلَّام (ص241).

جاءت موضوعاتُ سورة (التَّوبة) على الترتيب الآتي:

1. نبذُ العهد مع المشركين (١-٢٤).

2. غزوة (حُنَين) (٢٥-٢٧).

3. قتال أهل الكتاب لفساد عقيدتهم (٢٨-٣٥).

4. تحديد الأشهُرِ الحُرُم (٣٦-٣٧).

5. غزوة تَبُوكَ (٣٨- ١٢٧).

6. صفات المؤمنين، وعقدُ البَيْعة مع الله تعالى.

7. أنواع المنافقين، والمعذِّرون من الأعراب.

8. صفات المنافقين والمؤمنين، وجزاؤهم.

9. أصناف أهل الزكاة.

10. فضحُ المتخلِّفين عن الجهاد، وصفاتهم.

11. النفير العام، والجهاد في سبيل الله.

12. علوُّ مكانة النبيِّ عليه السلام (١٢٨-١٢٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي" لمجموعة من العلماء (3 /178).

إنَّ مقصدَ السورة الأعظم أبانت عنه أولُ كلمةٍ في السورة؛ وهي {بَرَآءَةٞ} [التوبة: 1]؛ فقد جاءت للبراءةِ من الشرك والمشركين، ومعاداةِ مَن أعرض عما دعَتْ إليه السُّوَرُ الماضية؛ مِن اتباعِ الداعي إلى الله في توحيده، واتباعِ ما يُرضيه، كما جاءت بموالاةِ مَن أقبل على الله تعالى، وأعلن توبته؛ كما حصَل مع الصحابة الذين تخلَّفوا عن الغزوِ، ثم تاب اللهُ عليهم ليتوبوا.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /154).