تفسير سورة التوبة

مجاز القرآن

تفسير سورة سورة التوبة من كتاب مجاز القرآن
لمؤلفه أبو عبيدة . المتوفي سنة 210 هـ
﴿ بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ ﴾ ثم خاطب شاهداً فقال :﴿ فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ ﴾
نص مكرر لاشتراكه مع الآية ١:﴿ بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ ﴾ ثم خاطب شاهداً فقال :﴿ فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ ﴾

﴿ فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ ﴾ مجازه : سِيروا وأقبلوا وأدبروا، والعرب تفعل هذا، قال عنترة :
شَطَّتْ مزَار العاشقين فأَصبحتْ عَسِراً عَلَىَّ طلابُكِ ابنةَ مَخْرَمِ
﴿ وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ ﴾ مجازه : وعلم من الله وهو مصدر واسم من قولهم : آذنتهم أي أعلمتهم، يقال أيضاً : " أذينٌ وإذنٌ ".
﴿ وَاقعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ﴾ وكذلك : واقْعدْ له على كل مرصد، والمراصد : الطرق، قال عامر بن الطُّفَيل :
ولقد علمتُ وما إخالُ سِواءَه أَن المَنيَّة للفَتَى بالمَرْصدِ
﴿ لاَ يَرْقُبوا فِيكُمْ إلاًّ وَلاَ ذِمَّةُ ﴾ مجاز الإلّ : العهد والعقد واليمين، ومجاز الذمة التذمم ممن لا عهد له، والجميع ذِمَم ؛ ﴿ يَرْقُبوا ﴾ أي يراقبوا.
﴿ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوا الزَّكَاةَ ﴾ أي أَداموها في مواقيتها، وأعطوا زكاة أموالهم.
{ فَإِخْوَانُكمْ فِي الدِّين مجازه مجاز المختصر الذي فيه ضمير، كقولك : فهم إخوانكم.
﴿ وَإنْ نكَثُوا أَيمَانَهُمْ ﴾ مجازه : إن نقضوا أيمانهم، وهي جميع اليمين من الحلف.
﴿ وَلِيْجَةً ﴾ كل شئ أدخلته في شئ ليس منه فهو وليجة، والرجل يكون في القوم وليس منهم فهو وليجة فيهم، ومجازه يقول : فلا تتخذوا ولياً ليس من المسلمين دون الله ورسوله، ومنه قول طَرَفَة بن العَبْد :
فإن القَوا في يَتّلِجْنَ مَوالجاً تَضايَقُ عنها أَن تُولجّهِ الإبَرْ
ويقال للكناس الذي يلج فيه الوحش من الشجر دَوْلَجٌ وتَوْلج، وقال :
مُتخذاً منها إياداً دَوْلجا ***
﴿ وَلَمْ يَخْشَ إلاَّ اللهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ المُهْتَدِين ﴾ عسى ها هنا واجبة من الله.
﴿ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ ﴾ مجازه مجاز فَعليه من السكون، قال أبو عُرَيف الكُلُيْبِيّ :
لله قبرٌ غالَها ماذا يجَنُّ لقد أَجنَّ سكينةً ووقَارا
﴿ إنَّمَا المُشْرِكُونَ نَجَسٌ ﴾ متحرك الحروف بالفتحة، ومجازه : قَذر، وكل نَتْنٍ وطَفَسٍ نَجَسٌ.
﴿ وَإنْ خِفْتُمْ عَيْلَةٌ ﴾ وهي مصدر عال فلانٌ أي افتقر فهو يَعِيل، وقال :
وما يَدري الفقير متى غناه وما يَدري الغَنِىّ متى يَعيلُ
﴿ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ ﴾ مجازه : لا يطيعون الله طاعة الحق، وكل من أطاع مَلِيكا فقد دان له، ومن كان في طاعة سلطان فهو في دينه، قال زُهَير :
لئن حللتَ بجّوٍ في بني أَسَدٍ في دين عمرو وحالت بيننا فَدَكُ
وقال طَرفَة بن العَبْد :
لَعَمْرُكَ ما كانت حَمولةُ مَعْبَدٍ على جُدِّها حرباً لدِيبك مِن مُضَرْ
أي لطاعتك، جُدّها مياهها.
﴿ حتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغرِينَ ﴾ كل من انطاع لقاهر بشئ أعطاه من غير طيب نفس به وقهر له من يد في يد فقد أعطاه عن يد ومجاز الصاغر الذليل الحقير، يقال : طِعت له وهو يَطاع له، وانطعت له، وأطعته، ولم يُحفَظ طُعت له.
﴿ يُضَاهُون قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ﴾ ومجاز المضاهات مجاز التشبيه.
﴿ قَاتَلَهُمُ اللهُ ﴾ قتلهم الله، وقلّما يوجد فَاعَلَ إلاّ أن يكون العمل من إثنين، وقد جاء هذا ونظيره ونِظْره : عافاك الله، والمعنى أعفاك الله، وهو من الله وحده. والنظر والنظِير سواء مثل نِدِّ وندَيد، وقال :
ألا هل أَتَى نِظْيري مُلَيْكَةَ أنّنِي
﴿ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ كيف يُحَدُّون، وقال كَعْب بن زُهَير :
أَنَّى ألّم بك الخَيالُ يطِيف ومطافُه لك ذِكْرةٌ وشُعُوفُ
ويقال : رجل مأفوك أي لا يصيب خيراً، وأرض مأفوكة أي لم يصبها مطر وليس بها نبات.
﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ والْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا ﴾ صار الخبر عن أحدهما، ولم يقل ﴿ ولا ينفقونهما ﴾ والعرب تفعل ذلك، إذا أشركوا بين اثنين قصروا فخبّروا عن أحدهما استغناءً بذلك وتخفيفاً، لمعرفة السامع بأن الآخَر قد شاركه ودخل معه في ذلك الخبر، قال :
فمن يك أَمسَى بالمدينة رَحْلُه فإنِّي وقيّارٌ بها لَغريبُ
وقال :
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض والرأيُ مُختلِفُ
وقال حَسَّان بن ثابت :
إن شَرْخَ الشَّباب والشَّعرَ الأسْ وَد ما لم يُعاصَ كان جُنونا
ولم يقل يعاصَيا. وقال جرير :
ما كان حَيْنُكَ والشقَّاءُ لِينتهي حتى أَزوركَ في مُغار مُحْصَدٍ
لم يقل لِينتهيا.
﴿ الدِّينُ القَيِّمُ ﴾ مجازه : القائم أي المستقيم، خرج مخرج سيّد، وهو مِن ساد يسود بمنزلة قام يقوم.
﴿ وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كافَّةً ﴾ أي عامة، يقال : جاءوني كافة، أي جميعاً.
﴿ إنَّمَا النِّسِئُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ ﴾ كانت النسَأة في الجاهلية، وهم بنو فُقَيم من كِنانة اجتَبروا لدينهم ولشدتهم في دينهم في الجاهلية، إذا اجتمعت العرب في ذي الحجة للموسم وأرادوا أن يؤخروا ذا الحجة في قابل لحاجة أو لحرب، نادى مناد : إن المحرم في صفر وكانوا يسمون المُحَرَّم وصَفَر الصفرين، والمحرَّم صَفَر الأكبر، وصفر المحرم الأصغرَ فيحلون المحرم ويحّرمون صفر، فلا يفعلون ذلك كل عام، حتى إذا حج النبي صلى الله عليه وسلم في ذي الحجة الذي يكون فيه الحج قال :﴿ إن الزمان قد استدار وعاد كهيئته، فاحفظوا العدد ﴾ فبنصرف الناس بذلك إلى منازلهم.
﴿ لِيُوَاطِوُا ﴾ مجازه : ليوافقوا مِن وَطئت، قال ابن مُقبل :
ومنْهلٍ دَعْسُ آثارِ المَطِيِّ به يأتي المَخارِمَ عِرْنينا فعرنينا
واطَأتُه بالسُّرىَ حتى تركتُ به ليلَ التمّام ترى أعلامَه جُونا
﴿ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفُرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَثَّاقَلْتُمُ إلَى الأَرْضِ ﴾، انفروا : اخرُجوا واغزوا، ومحاز :﴿ أثاقلتم ﴾ : مجاز افتعلتم من التثاقل فأدغمت التاء في الثاء فثقلت وشددت ؛ إلى الأرض أي أخلدتم إليها فاقمتم وابطأتم.
﴿ إِنّ اللهَ مَعَنَا ﴾ أي ناصرنا وحافظنا.
﴿ الشُّقَّةُ ﴾ السفر البعيد، يقال : إنك لبعيد الشّقّة، قال الأّخْوَص الرِّياحي وحمل أبوه حَمالة فظَلَع فقدما البصرة فبادر أباه فقال : إنا من تعرفون وأبناء السبيل وجئتا من شقة ونسأل في حق وتنطوننا ويجزيكم الله. فقام أبوه ليخطب فقال : يا إياك، إني قد كفيتك، وليس بنداء إنما هي ياء التنبيه. إياك كف، كقولك : إياك وذاك، فقال معاوية للأخوص : وكيف غلبت الأبيرد وهو أسن منك؟ قال : إن قوافي علائق وأنبازي قلائد، فقال معاوية : قاتلك الله جني برونكت بالقضيب في صدره.
﴿ إلاَّ خَبالاً ﴾ الخبَال : الفساد.
قوله عز وجل :﴿ وَلا وْضَعُوا خِلاَلَكُمْ ﴾ أي لأسرعوا خَلاكم أي بَيْنكم، وأصله مِن التخلل.
﴿ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ ﴾ أي مُطيعون لهم سامعون.
﴿ أَثْذَنْ لِيَ وَلاَ تَفْتِنِّي ﴾ مجازه : ولا تؤثمني.
﴿ أَلاَ في الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ﴾ أي ألا في الإثم وقعوا وصاروا.
﴿ إلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ لَنَا ﴾ إلا ما قضى الله لنا وعلينا.
﴿ هُوَ مَوْلاَنَا ﴾ أي ربُّنا.
﴿ أَنْ يُصِيَبكُمُ اللهُ بِعذَابٍ ﴾ أي أن يُميتكم.
﴿ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً ﴾ مفتوح ومضموم سواء.
﴿ كُسَالَى﴾ وكَسالى مضمومة ومفتوحة وهي جميع كَسلان، وإن شئت كَسْل.
﴿ وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ ﴾ أي تخرج وتموت وتهلك، ويقال : زهَق ما عندك، أي ذهب كله.
﴿ مَلْجَئاً أَوْ مَغَارَات ﴾ أي ما يلجئون إليه أو ما يغورون فيه فيدخلون فيه ويتغيبون فيه.
﴿ يَجْمَحُونَ ﴾ يَجمح أي يَطمَح يريد أن يُسِرع.
﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ ﴾ أي يعيبون، قال زِياد الأعْجَم :
﴿ أَلمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللهَ ﴾ أي من يحارب الله ويشاقق الله ورسوله.
﴿ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ﴾ أي يمسكون أيديهم عن الصدقة والخير، يقال : قبض فلان عنا يده أي منعنا.
﴿ فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ ﴾ أي بنصيبهم ودينهم ودنياهم.
﴿ وَمَالَهُ في الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ ﴾ أي من نصيب يعود إليه.
﴿ وَالمُؤْتَفِكَاتِ ﴾ قوم لوط ائتفكت بهم الأرض أي انقلبت بهم.
﴿ في جنَّاتِ عَدْنٍ ﴾ أي خلد، يقال عدن فلان بأرض كذا وكذا أي أقام بها وخلد بها، ومنه المعدن، ويقلل هو في معدن صدق، أي في أصل ثابت، وقال الأعشى :
إذا لقيتُكَ تُبدِي لِي مُكاشرةً وإن أَغِيب فأَنتَ العائب اللُّمَزَهْ
وإنْ يَسْتضيفوا إلى حِلْمه يُضافوا إلى راجحٍ قد عدَنْ
أي رزين لا يستخفّ
﴿ إِلاّ جُهْدُهمْ ﴾ مضموم ومفتوح سواء، ومجازه : طاقتهم، ويقال : جَهدُ المُقِل وجُهده.
﴿ خِلاَفَ رَسُولِ اللهِ ﴾ أي بعده، قال الحارث بن خالد
عَقِب الربيعُ خُلافَهم فكأنما بسَطَ الشواطِبُ بينهن حصِيرا
الشواطب اللاتي يشطبن سِحاءَ الجريد ثم يصبغنه ويرمُلن الحُصرَ.
﴿ مَعَ الخَالِفِينَ ﴾ الخالف الذي خلف بعد شاخص فقعد في رحله، وهو من تَخَلَّفَ عن القوم.
ومنه أللهم اخلفُني في ولدي، ويقال فلان خالفة أهل بينه أي مخالفهم إذا كان لا خير فيه.
﴿ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ ﴾ أي ذوو الغِنَى والسِّعة.
﴿ رَضُوْا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوَالِفِ ﴾ يجوز أن يكون الخوالف ها هنا النساء، ولا يكادون يجمعون الرجال على تقدير فواعل، غير أنهم قد قالوا : فارس، والجميع فوارس، وهالك في قوم هوالك، قال ابن جِذْل الطَّعَان يرثى رَبيعةَ.
ابن مكدم :
فأيقنتُ أنِّي ثائراً بنِ مِكَدِّمٍ غداة إذٍ أو هالكٌ في الهَوالِكِ
﴿ وَطِبعَ على قُلُوبِهِمْ ﴾ أي ختم، ومنه قولهم : ضَعْ عليه طابعاً، أي خاتماً.
﴿ وَأُولَئِكَ لَهُمُ الخَيْرَاتُ ﴾ وهي جميع خَيرة، ومعناها الفاضلة في كل شئ، قال رجل من بني عَدِي جاهليُّ عَدِي تميم :
ولقد طعنتُ مجامِعَ الرَّبَلاتِ رَبَلاتِ هِندٍ خيْرة المَلكَاتِ
﴿ وَجَاءَ المُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ ﴾ أي من مُعَذِّر وليس بجادّ إنما يُظهر غيرَ ما في نفسه ويعرض ما لا يفعله.
﴿ تَوَلَّوْا وأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْع ﴾ والعرب إذا بدأت بالأسماء قبل الفعل جعلت أفعالها على العدد فهذا المستعمل، وقد يجوز أن يكون الفعل على لفظ الواحد كأنه مقدم ومؤخر، كقولك : وتفيض أعينهم، كما قال الأعْشَى :
فإِن تعهَديني ولي لِمّةٌ فإن الحوادث أَودى بها
ووجه الكلام أن يقول : أَودين بها، فلما توسع للقافية جاز على النَّكس، كأنه قال : فإنه أودى الحوادث بها.
﴿ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ ﴾ أي عتوا ومرّنوا عليه وهو من قولهم : تمرَّد فلان، ومنه ﴿ شيطانٍ مَرِيدِ ﴾.
﴿ إنَّ صَلَوَاتِكُ سكَنٌ لَهُمْ ﴾ أي إن دعاءك تثبيت وسكون ورجاء، قال الأعشَى :
تقول بِنتِي وقد قرَّبْتُ مُرتَحِلاً يا رَبِّ جنِّبْ أبي الأوْصابَ والْوجَعا
عليكِ مِثلُ الذي صليتِ فاغتمِضي نوماً فإن لِجنب المَرءٍ مضْطَجعا
رفعته كرفع قولك : إذا قال السلام عليكم، قلت أنت : وعليك السلام وبعضهم ينصبه على الإغراء والأمر : أن تلزم هذا الذي دعت به فتردده وتدعو به.
﴿ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ﴾ أي من عبيده، كقولك أخذته منك وأخذته عنك.
﴿ وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ اللهِ ﴾ أي مؤخرُون، يقال : أرجَأتك، أي أخّرتك.
﴿ عَلَى شَفَا جُرُف هارٍ ﴾ مجاز شفا جرفِ شَفير، والجرف ما لم يبن من الرَّكايا لها جُول، قال :
جُرُفٌ هِيَامٌ جُوْلُه يَتَهدَّمُ ***
وهار مجاره هائر، والعرب تنزع هذه الياء من فاعل، قال العجاج :
لاثٍ به الأَشَاء والعُبْرِيُّ ***
أي لائث. ويقال : كيدٌ خاب أي خائب، لات : بعضه فوق بعض كما تلوث العمامة ؛ مجاز التمثيل لأن ما بنوه على التقوى أثبت أساساً من البناء الذي بنوه على الكفر والنفاق فهو على شفا جرف، وهو ما يجرف من سيول الأودية فلا يثبت البناء عليه.
﴿ إلا أَنْ تُقَطّعَ قُلُوبُهُمْ ﴾ إلا ها هنا غاية.
﴿ إنَّ إبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ ﴾ مجازه مجاز فَعَّال من التأوه، ومعناه متضرع شفقاً وفَرَقاً ولزُوماً لطاعة ربه، وقال المُثقِّب العَبْدِيُّ :
إذا ما قمتُ أَرحَلُها بليلٍ تأوَّهُ آهَةَ الرجلِ الحزين
﴿ تَزِيغُ قُلُوبُ فَريقٍ مِنْهُمْ ﴾ أي تعدل وتجور وتحيد، فريق : بعضز ﴿ رَؤُوفٌ ﴾ فَعول من الرأفة وهي أرق الرحمة، قال كَعْب بن مالك الأنصاري :
نُطيع نبيّنا ونطيع ربّاً هو الرحمن كان بنا رءوفا
وقال :
ترَى للمُسلمين عليك حقاً كفعل الوالد الرؤف الرحيمِ
﴿ رَحُبَتْ ﴾ أي اتسعت، والرحيب الواسع.
﴿ مَخْمَصَةٌ ﴾، المخمصة : المجاعة.
﴿ فلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كلِّ فِرْقةٍ مِنهُمْ ﴾ مجازه : فهلا، وقد فرغنا منها في غير موضع.
﴿ يُفْتَنُون في كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ﴾ وهو من الفتنة في الدين والكفر.
سورة التوبة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورةُ (التَّوْبةِ) ارتبَطتِ ارتباطًا وثيقًا بسورة (الأنفال)، حتى ظنَّ بعضُ الصَّحابة أنهما سورةٌ واحدة؛ فقد أكمَلتِ الحديثَ عن أحكام الحرب والأَسْرى. وسُمِّيتْ بـ (الفاضحةِ)؛ لأنها فضَحتْ سرائرَ المنافقين، وأحوالَهم، وصفاتِهم. وقد نزَلتْ سورة (التَّوْبةِ) في غزوتَيْ (حُنَينٍ)، و(تَبُوكَ). وأعلَنتْ هذه السورةُ البراءةَ من الشركِ والمشركين وأفعالهم، وبيَّنتْ أحكامَ المواثيق والعهود مع المشركين، معلِنةً في خاتمتها التوبةَ على مَن تاب وتخلَّف من الصحابة - رضي الله عنهم - عن الغزوِ: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوٓاْۚ} [التوبة: 118].

ترتيبها المصحفي
9
نوعها
مدنية
ألفاظها
2505
ترتيب نزولها
113
العد المدني الأول
130
العد المدني الأخير
130
العد البصري
130
العد الكوفي
129
العد الشامي
130

تعلَّقتْ سورةُ (التوبة) بأحداثٍ كثيرة، وهي (الفاضحةُ)؛ لذا صحَّ في أسبابِ نزولها الكثيرُ؛ من ذلك:

* قوله تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ اْلْحَآجِّ وَعِمَارَةَ اْلْمَسْجِدِ اْلْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِاْللَّهِ وَاْلْيَوْمِ اْلْأٓخِرِ وَجَٰهَدَ فِي سَبِيلِ اْللَّهِۚ لَا يَسْتَوُۥنَ عِندَ اْللَّهِۗ وَاْللَّهُ لَا يَهْدِي اْلْقَوْمَ اْلظَّٰلِمِينَ} [التوبة: 19]:

عن النُّعمانِ بن بشيرٍ رضي الله عنهما، قال: «كنتُ عند مِنبَرِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال رجُلٌ: ما أُبالي ألَّا أعمَلَ عمَلًا بعد الإسلامِ إلا أن أَسقِيَ الحاجَّ، وقال آخَرُ: ما أُبالي ألَّا أعمَلَ عمَلًا بعد الإسلامِ إلا أن أعمُرَ المسجدَ الحرامَ، وقال آخَرُ: الجهادُ في سبيلِ اللهِ أفضَلُ ممَّا قُلْتم، فزجَرَهم عُمَرُ، وقال: لا تَرفَعوا أصواتَكم عند مِنبَرِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وهو يومُ الجمعةِ، ولكن إذا صلَّيْتُ الجمعةَ دخَلْتُ فاستفتَيْتُه فيما اختلَفْتم فيه؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ اْلْحَآجِّ} [التوبة: 19] الآيةَ إلى آخِرِها». أخرجه مسلم (١٨٧٩).

* قوله تعالى: {اْلَّذِينَ يَلْمِزُونَ اْلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ فِي اْلصَّدَقَٰتِ وَاْلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} [التوبة: 79]:

عن أبي مسعودٍ عُقْبةَ بن عمرٍو رضي الله عنه، قال: «لمَّا نزَلتْ آيةُ الصَّدقةِ كنَّا نُحامِلُ، فجاءَ رجُلٌ فتصدَّقَ بشيءٍ كثيرٍ، فقالوا: مُرائي، وجاءَ رجُلٌ فتصدَّقَ بصاعٍ، فقالوا: إنَّ اللهَ لَغنيٌّ عن صاعِ هذا؛ فنزَلتِ: {اْلَّذِينَ يَلْمِزُونَ اْلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ اْلْمُؤْمِنِينَ فِي اْلصَّدَقَٰتِ وَاْلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} [التوبة: 79] الآية». أخرجه البخاري (١٤١٥).

* قوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِۦٓۖ} [التوبة: 84]:

عن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: «أنَّ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ لمَّا تُوُفِّيَ جاءَ ابنُه إلى النبيِّ ﷺ، فقال: يا رسولَ اللهِ، أعطِني قميصَك أُكفِّنْهُ فيه، وصَلِّ عليه، واستغفِرْ له، فأعطاه النبيُّ ﷺ قميصَه، فقال: آذِنِّي أُصلِّي عليه، فآذَنَه، فلمَّا أراد أن يُصلِّيَ عليه جذَبَه عُمَرُ رضي الله عنه، فقال: أليس اللهُ نهاك أن تُصلِّيَ على المنافِقين؟ فقال: أنا بين خِيرَتَينِ، قال: {اْسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةٗ فَلَن يَغْفِرَ اْللَّهُ لَهُمْۚ} [التوبة: 80]، فصلَّى عليه؛ فنزَلتْ: {وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٖ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدٗا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِۦٓۖ} [التوبة: 84]». أخرجه البخاري (١٢٦٩).

* قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ مِنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَٰبُ اْلْجَحِيمِ} [التوبة: 113]:

عن المسيَّبِ بن حَزْنٍ رضي الله عنه، قال: «لمَّا حضَرتْ أبا طالبٍ الوفاةُ جاءَه رسولُ اللهِ ﷺ، فوجَدَ عنده أبا جهلٍ، وعبدَ اللهِ بنَ أبي أُمَيَّةَ بنِ المُغيرةِ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «يا عَمِّ، قُلْ: لا إلهَ إلا اللهُ، كلمةً أشهَدُ لك بها عند اللهِ»، فقال أبو جهلٍ وعبدُ اللهِ بنُ أبي أُمَيَّةَ: يا أبا طالبٍ، أتَرغَبُ عن مِلَّةِ عبدِ المطَّلِبِ؟ فلَمْ يَزَلْ رسولُ اللهِ ﷺ يَعرِضُها عليه، ويُعِيدُ له تلك المقالةَ، حتى قال أبو طالبٍ آخِرَ ما كلَّمهم: هو على مِلَّةِ عبدِ المطَّلِبِ، وأبى أن يقولَ: لا إلهَ إلا اللهُ، فقال رسولُ اللهِ ﷺ: «أمَا واللهِ لَأستغفِرَنَّ لك ما لم أُنْهَ عنك»؛ فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَاْلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوٓاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ مِنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَٰبُ اْلْجَحِيمِ} [التوبة: 113]». أخرجه مسلم (٢٤).

* قوله تعالى: {وَعَلَى اْلثَّلَٰثَةِ اْلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰٓ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ اْلْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوٓاْ أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اْللَّهِ إِلَّآ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوٓاْۚ إِنَّ اْللَّهَ هُوَ اْلتَّوَّابُ اْلرَّحِيمُ} [التوبة: 118]:

نزَلتْ في (كعبِ بن مالكٍ)، و(مُرَارةَ بنِ الرَّبيعِ)، و(هلالِ بنِ أُمَيَّةَ).

والحديثُ يَروِيه عبدُ اللهِ بن كعبٍ، عن أبيه كعبِ بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: «لم أتخلَّفْ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في غزوةٍ غزاها قطُّ، إلا في غزوةِ تَبُوكَ، غيرَ أنِّي قد تخلَّفْتُ في غزوةِ بَدْرٍ، ولم يُعاتِبْ أحدًا تخلَّفَ عنه، إنَّما خرَجَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم والمسلمون يُريدون عِيرَ قُرَيشٍ، حتى جمَعَ اللهُ بَيْنهم وبين عدوِّهم على غيرِ ميعادٍ، ولقد شَهِدتُّ مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ليلةَ العَقَبةِ، حِينَ تواثَقْنا على الإسلامِ، وما أُحِبُّ أنَّ لي بها مَشهَدَ بَدْرٍ، وإن كانت بَدْرٌ أذكَرَ في الناسِ منها، وكان مِن خَبَري حِينَ تخلَّفْتُ عن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في غزوةِ تَبُوكَ: أنِّي لم أكُنْ قطُّ أقوى ولا أيسَرَ منِّي حِينَ تخلَّفْتُ عنه في تلك الغزوةِ، واللهِ ما جمَعْتُ قَبْلها راحلتَينِ قطُّ، حتى جمَعْتُهما في تلك الغزوةِ، فغزَاها رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم في حَرٍّ شديدٍ، واستقبَلَ سفَرًا بعيدًا ومَفازًا، واستقبَلَ عدوًّا كثيرًا، فجَلَا للمسلمين أمْرَهم لِيتأهَّبوا أُهْبةَ غَزْوِهم، فأخبَرَهم بوجهِهم الذي يريدُ، والمسلمون مع رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كثيرٌ، ولا يَجمَعُهم كتابٌ حافظٌ، يريدُ بذلك الدِّيوانَ، قال كعبٌ: فقَلَّ رجُلٌ يريدُ أن يَتغيَّبَ، يظُنُّ أنَّ ذلك سيَخفَى له، ما لم يَنزِلْ فيه وَحْيٌ مِن اللهِ عز وجل، وغزَا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تلك الغزوةَ حِينَ طابتِ الثِّمارُ والظِّلالُ، فأنا إليها أصعَرُ، فتجهَّزَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه، وطَفِقْتُ أغدو لكي أتجهَّزَ معهم، فأرجِعُ ولم أقضِ شيئًا، وأقولُ في نفسي: أنا قادرٌ على ذلك إذا أرَدتُّ، فلم يَزَلْ ذلك يَتمادى بي حتى استمَرَّ بالناسِ الجِدُّ، فأصبَحَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم غاديًا والمسلمون معه، ولم أقضِ مِن جَهازي شيئًا، ثم غدَوْتُ فرجَعْتُ ولم أقضِ شيئًا، فلم يَزَلْ ذلك يَتمادى بي حتى أسرَعوا، وتفارَطَ الغَزْوُ، فهمَمْتُ أن أرتحِلَ فأُدرِكَهم، فيا لَيْتني فعَلْتُ، ثم لم يُقدَّرْ ذلك لي، فطَفِقْتُ إذا خرَجْتُ في الناسِ بعد خروجِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يحزُنُني أنِّي لا أرى لي أُسْوةً إلا رجُلًا مغموصًا عليه في النِّفاقِ، أو رجُلًا ممَّن عذَرَ اللهُ مِن الضُّعفاءِ، ولم يذكُرْني رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حتى بلَغَ تَبُوكَ، فقال وهو جالسٌ في القومِ بتَبُوكَ: «ما فعَلَ كعبُ بنُ مالكٍ؟»، قال رجُلٌ مِن بَني سَلِمةَ: يا رسولَ اللهِ، حبَسَه بُرْداه والنَّظرُ في عِطْفَيهِ، فقال له مُعاذُ بنُ جبلٍ: بئسَ ما قلتَ، واللهِ يا رسولَ اللهِ، ما عَلِمْنا عليه إلا خيرًا، فسكَتَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فبينما هو على ذلك، رأى رجُلًا مُبيِّضًا، يزُولُ به السَّرابُ، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «كُنْ أبا خَيْثمةَ»، فإذا هو أبو خَيْثمةَ الأنصاريُّ، وهو الذي تصدَّقَ بصاعِ التَّمْرِ حِينَ لمَزَه المنافِقون».

فقال كعبُ بن مالكٍ: فلمَّا بلَغَني أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قد توجَّهَ قافلًا مِن تَبُوكَ، حضَرَني بَثِّي، فطَفِقْتُ أتذكَّرُ الكَذِبَ وأقولُ: بِمَ أخرُجُ مِن سَخَطِه غدًا؟ وأستعينُ على ذلك كلَّ ذي رأيٍ مِن أهلي، فلمَّا قيل لي: إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قد أظَلَّ قادمًا، زاحَ عنِّي الباطلُ، حتى عرَفْتُ أنِّي لن أنجوَ منه بشيءٍ أبدًا، فأجمَعْتُ صِدْقَه، وصبَّحَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قادمًا، وكان إذا قَدِمَ مِن سَفَرٍ، بدَأَ بالمسجدِ فركَعَ فيه ركعتَينِ، ثم جلَسَ للناسِ، فلمَّا فعَلَ ذلك جاءه المخلَّفون، فطَفِقوا يَعتذِرون إليه، ويَحلِفون له، وكانوا بِضْعةً وثمانين رجُلًا، فقَبِلَ منهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم علانيتَهم، وبايَعَهم، واستغفَرَ لهم، ووكَلَ سرائرَهم إلى اللهِ، حتى جئتُ، فلمَّا سلَّمْتُ تبسَّمَ تبسُّمَ المُغضَبِ، ثم قال: «تعالَ»، فجئتُ أمشي حتى جلَسْتُ بين يدَيهِ، فقال لي: «ما خلَّفَك؟ ألم تكُنْ قد ابتَعْتَ ظَهْرَك؟»، قال: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنِّي واللهِ لو جلَسْتُ عند غيرِك مِن أهلِ الدُّنيا، لَرأَيْتُ أنِّي سأخرُجُ مِن سَخَطِه بعُذْرٍ، ولقد أُعطِيتُ جدَلًا، ولكنِّي واللهِ لقد عَلِمْتُ، لَئِنْ حدَّثْتُك اليومَ حديثَ كَذِبٍ تَرضَى به عنِّي، لَيُوشِكَنَّ اللهُ أن يُسخِطَك عليَّ، ولَئِنْ حدَّثْتُك حديثَ صِدْقٍ تجدُ عليَّ فيه، إنِّي لَأرجو فيه عُقْبى اللهِ، واللهِ ما كان لي عُذْرٌ، واللهِ ما كنتُ قطُّ أقوى ولا أيسَرَ منِّي حين تخلَّفْتُ عنك، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أمَّا هذا فقد صدَقَ؛ فقُمْ حتى يَقضِيَ اللهُ فيك»، فقُمْتُ، وثارَ رجالٌ مِن بَني سَلِمةَ فاتَّبَعوني، فقالوا لي: واللهِ ما عَلِمْناك أذنَبْتَ ذَنْبًا قبل هذا، لقد عجَزْتَ في ألَّا تكونَ اعتذَرْتَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بما اعتذَرَ به إليه المخلَّفون، فقد كان كافيَك ذَنْبَك استغفارُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لك، قال: فواللهِ ما زالوا يُؤنِّبوني حتى أرَدتُّ أن أرجِعَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأُكذِّبَ نفسي، قال: ثم قلتُ لهم: هل لَقِيَ هذا معي مِن أحدٍ؟ قالوا: نَعم، لَقِيَه معك رجُلانِ، قالا مِثْلَ ما قلتَ، فقيل لهما مثلُ ما قيل لك، قال: قلتُ: مَن هما؟ قالوا: مُرَارةُ بنُ الرَّبيعِ العامريُّ، وهِلالُ بنُ أُمَيَّةَ الواقِفيُّ، قال: فذكَروا لي رجُلَينِ صالحَينِ قد شَهِدا بَدْرًا، فيهما أُسْوةٌ، قال: فمضَيْتُ حين ذكَروهما لي.

قال: ونهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم المسلمين عن كلامِنا - أيُّها الثلاثةُ - مِن بَيْنِ مَن تخلَّفَ عنه.

قال: فاجتنَبَنا الناسُ، وقال: تغيَّروا لنا، حتى تنكَّرتْ لي في نفسي الأرضُ، فما هي بالأرضِ التي أعرِفُ، فلَبِثْنا على ذلك خَمْسين ليلةً، فأمَّا صاحبايَ فاستكانا وقعَدا في بيوتِهما يَبكيانِ، وأمَّا أنا فكنتُ أشَبَّ القومِ وأجلَدَهم، فكنتُ أخرُجُ فأشهَدُ الصَّلاةَ، وأطُوفُ في الأسواقِ، ولا يُكلِّمُني أحدٌ، وآتي رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فأُسلِّمُ عليه وهو في مَجلِسِه بعد الصَّلاةِ، فأقولُ في نفسي: هل حرَّكَ شَفَتَيهِ برَدِّ السلامِ أم لا؟ ثم أُصلِّي قريبًا منه، وأُسارِقُه النَّظرَ، فإذا أقبَلْتُ على صلاتي نظَرَ إليَّ، وإذا التفَتُّ نحوَه أعرَضَ عنِّي، حتى إذا طالَ ذلك عليَّ مِن جَفْوةِ المسلمين، مشَيْتُ حتى تسوَّرْتُ جدارَ حائطِ أبي قَتادةَ، وهو ابنُ عَمِّي، وأحَبُّ الناسِ إليَّ، فسلَّمْتُ عليه، فواللهِ ما رَدَّ عليَّ السلامَ، فقلتُ له: يا أبا قَتادةَ، أنشُدُك باللهِ هل تَعلَمَنَّ أنِّي أُحِبُّ اللهَ ورسولَه؟ قال: فسكَتَ، فعُدتُّ فناشَدتُّه، فسكَتَ، فعُدتُّ فناشَدتُّه، فقال: اللهُ ورسولُهُ أعلَمُ، ففاضت عينايَ، وتولَّيْتُ حتى تسوَّرْتُ الجدارَ.

فبَيْنا أنا أمشي في سوقِ المدينةِ، إذا نَبَطيٌّ مِن نََبَطِ أهلِ الشامِ، ممَّن قَدِمَ بالطعامِ يَبِيعُه بالمدينةِ، يقولُ: مَن يدُلُّ على كعبِ بن مالكٍ؟ قال: فطَفِقَ الناسُ يُشيرون له إليَّ، حتى جاءَني، فدفَعَ إليَّ كتابًا مِن مَلِكِ غسَّانَ، وكنتُ كاتبًا، فقرَأْتُه، فإذا فيه: أمَّا بعدُ، فإنَّه قد بلَغَنا أنَّ صاحِبَك قد جفَاك، ولم يَجعَلْك اللهُ بدارِ هوانٍ ولا مَضِيعةٍ، فالحَقْ بنا نُواسِك، قال: فقلتُ حين قرَأْتُها: وهذه أيضًا مِن البلاءِ، فتيامَمْتُ بها التَّنُّورَ، فسجَرْتُها بها.

حتى إذا مضَتْ أربعون مِن الخَمْسين، واستلبَثَ الوَحْيُ؛ إذا رسولُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يأتيني، فقال: إنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يأمُرُك أن تعتزِلَ امرأتَك، قال: فقلتُ: أُطلِّقُها أم ماذا أفعَلُ؟ قال: لا، بل اعتزِلْها، فلا تَقرَبَنَّها، قال: فأرسَلَ إلى صاحِبَيَّ بمِثْلِ ذلك، قال: فقلتُ لامرأتي: الحَقِي بأهلِكِ فكُوني عندهم حتى يَقضِيَ اللهُ في هذا الأمرِ، قال: فجاءت امرأةُ هلالِ بنِ أُمَيَّةَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقالت له: يا رسولَ اللهِ، إنَّ هلالَ بنَ أُمَيَّةَ شيخٌ ضائعٌ ليس له خادمٌ، فهل تَكرَهُ أن أخدُمَه؟ قال: لا، ولكن لا يَقرَبَنَّكِ، فقالت: إنَّه واللهِ ما به حركةٌ إلى شيءٍ، وواللهِ ما زالَ يَبكي منذ كان مِن أمرِه ما كان إلى يومِه هذا، قال: فقال لي بعضُ أهلي: لو استأذَنْتَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في امرأتِك؟ فقد أَذِنَ لامرأةِ هلالِ بنِ أُمَيَّةَ أن تخدُمَه، قال: فقلتُ: لا أستأذِنُ فيها رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وما يُدرِيني ماذا يقولُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا استأذَنْتُه فيها، وأنا رجُلٌ شابٌّ، قال: فلَبِثْتُ بذلك عَشْرَ ليالٍ، فكمَلَ لنا خمسون ليلةً مِن حِينَ نُهِيَ عن كلامِنا، قال: ثم صلَّيْتُ صلاةَ الفجرِ صباحَ خَمْسين ليلةً على ظَهْرِ بيتٍ مِن بيوتِنا، فبَيْنا أنا جالسٌ على الحالِ التي ذكَرَ اللهُ عز وجل منَّا، قد ضاقَتْ عليَّ نفسي، وضاقَتْ عليَّ الأرضُ بما رحُبَتْ؛ سَمِعْتُ صوتَ صارخٍ أوفَى على سَلْعٍ، يقولُ بأعلى صوتِه: يا كعبُ بنَ مالكٍ، أبشِرْ، قال: فخرَرْتُ ساجدًا، وعرَفْتُ أنْ قد جاء فَرَجٌ.

قال: فآذَنَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الناسَ بتوبةِ اللهِ علينا حِينَ صلَّى صلاةَ الفجرِ، فذهَبَ الناسُ يُبشِّروننا، فذهَبَ قِبَلَ صاحَبَيَّ مبشِّرون، وركَضَ رجُلٌ إليَّ فرَسًا، وسعى ساعٍ مِن أسلَمَ قِبَلي، وأوفى الجبلَ، فكان الصوتُ أسرَعَ مِن الفرَسِ، فلمَّا جاءني الذي سَمِعْتُ صوتَه يُبشِّرُني، فنزَعْتُ له ثَوْبَيَّ، فكسَوْتُهما إيَّاه ببِشارتِه، واللهِ ما أملِكُ غيرَهما يومَئذٍ، واستعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فلَبِسْتُهما، فانطلَقْتُ أتأمَّمُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَتلقَّاني الناسُ فوجًا فوجًا، يُهنِّئوني بالتوبةِ، ويقولون: لِتَهْنِئْكُ توبةُ اللهِ عليك، حتى دخَلْتُ المسجدَ، فإذا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جالسٌ في المسجدِ، وحَوْله الناسُ، فقام طَلْحةُ بنُ عُبَيدِ اللهِ يُهَروِلُ حتى صافَحَني وهنَّأني، واللهِ ما قامَ رجُلٌ مِن المهاجِرين غيرُه.

قال: فكان كعبٌ لا يَنساها لطَلْحةَ.

قال كعبٌ: فلمَّا سلَّمْتُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قال وهو يبرُقُ وجهُه مِن السُّرورِ، ويقولُ: «أبشِرْ بخيرِ يومٍ مَرَّ عليك منذُ ولَدَتْك أمُّك»، قال: فقلتُ: أمِنْ عندِك يا رسولَ اللهِ، أم مِن عندِ اللهِ؟ فقال: «لا، بل مِن عندِ اللهِ»، وكان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا سُرَّ استنارَ وجهُه، كأنَّ وَجْهَه قطعةُ قمَرٍ، قال: وكنَّا نَعرِفُ ذلك.

قال: فلمَّا جلَسْتُ بين يدَيهِ، قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ مِن تَوْبتي أن أنخلِعَ مِن مالي صدقةً إلى اللهِ، وإلى رسولِه صلى الله عليه وسلم، فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أمسِكْ بعضَ مالِك؛ فهو خيرٌ لك»، قال: فقلتُ: فإنِّي أُمسِكُ سَهْمي الذي بخَيْبرَ.

قال: وقلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنَّ اللهَ إنَّما أنجاني بالصِّدْقِ، وإنَّ مِن تَوْبتي ألَّا أُحدِّثَ إلا صِدْقًا ما بَقِيتُ.

قال: فواللهِ ما عَلِمْتُ أنَّ أحدًا مِن المسلمين أبلاه اللهُ في صِدْقِ الحديثِ، منذُ ذكَرْتُ ذلك لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، أحسَنَ ممَّا أبلاني اللهُ به، واللهِ ما تعمَّدتُّ كَذْبةً منذُ قلتُ ذلك لرسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، وإنِّي لأرجو أن يَحفَظَني اللهُ فيما بَقِيَ.

قال: فأنزَلَ اللهُ عز وجل: {لَّقَد تَّابَ اْللَّهُ عَلَى اْلنَّبِيِّ وَاْلْمُهَٰجِرِينَ وَاْلْأَنصَارِ اْلَّذِينَ اْتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ اْلْعُسْرَةِ مِنۢ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٖ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْۚ إِنَّهُۥ بِهِمْ رَءُوفٞ رَّحِيمٞ ١١٧ وَعَلَى اْلثَّلَٰثَةِ اْلَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّىٰٓ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ اْلْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ} [التوبة: 117-118] حتى بلَغَ: {يَٰٓأَيُّهَا اْلَّذِينَ ءَامَنُواْ اْتَّقُواْ اْللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ اْلصَّٰدِقِينَ} [التوبة: 119].

قال كعبٌ: واللهِ ما أنعَمَ اللهُ عليَّ مِن نعمةٍ قطُّ، بعد إذ هداني اللهُ للإسلامِ، أعظَمَ في نفسي مِن صِدْقي رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ألَّا أكونَ كذَبْتُه فأهلِكَ كما هلَكَ الذين كذَبوا؛ إنَّ اللهَ قال لِلَّذين كذَبُوا حِينَ أنزَلَ الوَحْيَ شرَّ ما قال لأحدٍ، وقال اللهُ: {سَيَحْلِفُونَ ‌بِاْللَّهِ ‌لَكُمْ إِذَا اْنقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْۖ فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْۖ إِنَّهُمْ رِجْسٞۖ وَمَأْوَىٰهُمْ جَهَنَّمُ جَزَآءَۢ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ٩٥ يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْۖ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ اْللَّهَ لَا يَرْضَىٰ عَنِ اْلْقَوْمِ اْلْفَٰسِقِينَ} [التوبة: 95-96].

قال كعبٌ: كنَّا خُلِّفْنا - أيُّها الثلاثةُ - عن أمرِ أولئك الذين قَبِلَ منهم رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ حلَفوا له، فبايَعَهم، واستغفَرَ لهم، وأرجأَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أمْرَنا حتى قضى اللهُ فيه، فبذلك قال اللهُ عز وجل: {وَعَلَى ‌اْلثَّلَٰثَةِ ‌اْلَّذِينَ ‌خُلِّفُواْ} [التوبة: 118]، وليس الذي ذكَرَ اللهُ ممَّا خُلِّفْنا تخلُّفَنا عن الغَزْوِ، وإنَّما هو تخليفُه إيَّانا، وإرجاؤُه أمْرَنا عمَّن حلَفَ له واعتذَرَ إليه فقَبِلَ منه». أخرجه مسلم (٢٧٦٩).

* سورةُ (التوبة):

سُمِّيتْ بذلك لكثرةِ ذِكْرِ التوبة وتَكْرارها فيها، وذِكْرِ توبة الله على الثلاثة الذين تخلَّفوا يومَ غزوة (تَبُوكَ)، ولها عِدَّةُ أسماءٍ؛ من ذلك:

* سورةُ (براءةَ):

وقد اشتهَر هذا الاسمُ بين الصحابة؛ فعن البَراء رضي الله عنه، قال: «آخِرُ سورةٍ نزَلتْ كاملةً براءةُ». أخرجه البخاري (٤٣٦٤).

* (الفاضحةُ):

فعن سعيدِ بن جُبَيرٍ رحمه الله، قال: «قلتُ لابنِ عباسٍ: سورةُ التَّوبةِ، قال: آلتَّوبةُ؟ قال: بل هي الفاضحةُ؛ ما زالت تَنزِلُ: {وَمِنْهُمْ} {وَمِنْهُمْ} حتى ظَنُّوا أن لا يَبقَى منَّا أحدٌ إلا ذُكِرَ فيها». أخرجه مسلم (٣٠٣١).

قال ابنُ عاشورٍ: «ولهذه السورةِ أسماءٌ أُخَرُ، وقَعتْ في كلام السلف، من الصحابة والتابعين؛ فرُوي عن ابن عمرَ، عن ابن عباسٍ: كنَّا ندعوها - أي سورةَ (براءةَ) -: «المُقَشقِشَة» - بصيغةِ اسم الفاعل وتاء التأنيث، مِن قَشْقَشَه: إذا أبرَاه مِن المرضِ -، كان هذا لقبًا لها ولسورة (الكافرون)؛ لأنهما تُخلِّصان مَن آمن بما فيهما من النفاق والشرك؛ لِما فيهما من الدعاء إلى الإخلاص، ولِما فيهما من وصفِ أحوال المنافقين ...

وعن حُذَيفةَ: أنه سمَّاها سورة (العذاب)؛ لأنها نزلت بعذاب الكفار؛ أي: عذاب القتلِ والأخذِ حين يُثقَفون.

وعن عُبَيد بن عُمَير: أنه سمَّاها (المُنقِّرة) - بكسرِ القاف مشدَّدةً -؛ لأنها نقَّرتْ عما في قلوب المشركين...». "التحرير والتنوير" (10 /96).

وقد بلغ عددُ أسمائها (21) اسمًا في موسوعة "التفسير الموضوعي" (3 /187 وما بعدها).

* أمَر عُمَرُ بن الخطَّابِ رضي الله عنه أن يَتعلَّمَها الرِّجالُ لِما فيها من أحكام الجهاد:

فقد كتَب عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رضي الله عنه: «تعلَّمُوا سورةَ براءةَ، وعَلِّموا نساءَكم سورةَ النُّورِ». "فضائل القرآن" للقاسم بن سلَّام (ص241).

جاءت موضوعاتُ سورة (التَّوبة) على الترتيب الآتي:

1. نبذُ العهد مع المشركين (١-٢٤).

2. غزوة (حُنَين) (٢٥-٢٧).

3. قتال أهل الكتاب لفساد عقيدتهم (٢٨-٣٥).

4. تحديد الأشهُرِ الحُرُم (٣٦-٣٧).

5. غزوة تَبُوكَ (٣٨- ١٢٧).

6. صفات المؤمنين، وعقدُ البَيْعة مع الله تعالى.

7. أنواع المنافقين، والمعذِّرون من الأعراب.

8. صفات المنافقين والمؤمنين، وجزاؤهم.

9. أصناف أهل الزكاة.

10. فضحُ المتخلِّفين عن الجهاد، وصفاتهم.

11. النفير العام، والجهاد في سبيل الله.

12. علوُّ مكانة النبيِّ عليه السلام (١٢٨-١٢٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي" لمجموعة من العلماء (3 /178).

إنَّ مقصدَ السورة الأعظم أبانت عنه أولُ كلمةٍ في السورة؛ وهي {بَرَآءَةٞ} [التوبة: 1]؛ فقد جاءت للبراءةِ من الشرك والمشركين، ومعاداةِ مَن أعرض عما دعَتْ إليه السُّوَرُ الماضية؛ مِن اتباعِ الداعي إلى الله في توحيده، واتباعِ ما يُرضيه، كما جاءت بموالاةِ مَن أقبل على الله تعالى، وأعلن توبته؛ كما حصَل مع الصحابة الذين تخلَّفوا عن الغزوِ، ثم تاب اللهُ عليهم ليتوبوا.

ينظر: "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (2 /154).