تفسير سورة سورة التوبة من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن
المعروف بـفتح الرحمن في تفسير القرآن.
لمؤلفه
مجير الدين العُلَيْمي
.
المتوفي سنة 928 هـ
في حكم البسملةِ بينَ كلِّ سورتينِ سوى براءةَ عندَ الكلامِ في البسملة أولَ التفسير، ومُلَخَّصُه: أنَّ مذهبَ الشّافعيِّ رضي الله عنه أن البسملةَ آيةٌ من الفاتحةِ ومن كلِّ سورةٍ سوى براءةَ، ومذهبُ أحمدَ وأبي حنيفةَ أنّها آيةٌ مستقلةٌ بينَ كلِّ سورتينِ سوى براءةَ، فيكره ابتداؤها بها، ومذهبُ مالكٍ أنّها ليستْ بآيةٍ من الفاتحة، ولا من غيرِها، وإنّما كُتبت للتيمُّن والتبرُّك بها معَ إجماعهم على أنّها بعضُ آيةٍ من سورةِ النمل، وأنَّ بعضَها آيةٌ من الفاتحة.
وأمّا مذاهبُ (١) القراء فيها، فقد أجمعوا على حذفِها بينَ الأنفالِ وبراءةَ، وكذلكَ في الابتداءِ ببراءةَ، وأمّا الابتداءُ بالآي وسطَ براءة، ففيه خلافٌ، ويجوزُ بينَ الأنفالِ وبراءةَ كلّ من الوصلِ والسكتِ والوقفِ لجميعِ القراء إذا لم يقطعْ على آخرِ الأنفالِ، فالقطعُ: هو قطع القراءةِ رأسًا، فهو كالانتهاء، والوقفُ: هو قطعُ الصوتِ على الكلمةِ زمنًا يتنفَّس فيه عادةً بنيةِ استئنافِ القراءة، والسكتُ: هو قطعُ الصوتِ زمنًا دونَ زمنِ الوقفِ عادةً من غيرِ تنفُّسٍ، والله أعلمُ.
* * *
﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١)﴾.
[١] قوله تعالى: ﴿بَرَاءَةٌ﴾ خروجٌ من الشيءِ، ومفارقةٌ له بشدَّةٍ، والتقديرُ: هذِه براءةٌ ﴿مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ مبتدأٌ، خبرُه ﴿إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ﴾ أيُّها المؤمنون.
﴿مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ والمعنى: أن الله ورسوله قد برءا من العهد الّذي عاهدتم به المشركين، رُوي أنّه لما خرجَ رسولُ اللهِ - ﷺ - إلى تبوكَ، كان المنافقون يُرْجِفون الأراجيفَ، وجعلَ المشركونَ ينقُضون عهودًا كانت
وأمّا مذاهبُ (١) القراء فيها، فقد أجمعوا على حذفِها بينَ الأنفالِ وبراءةَ، وكذلكَ في الابتداءِ ببراءةَ، وأمّا الابتداءُ بالآي وسطَ براءة، ففيه خلافٌ، ويجوزُ بينَ الأنفالِ وبراءةَ كلّ من الوصلِ والسكتِ والوقفِ لجميعِ القراء إذا لم يقطعْ على آخرِ الأنفالِ، فالقطعُ: هو قطع القراءةِ رأسًا، فهو كالانتهاء، والوقفُ: هو قطعُ الصوتِ على الكلمةِ زمنًا يتنفَّس فيه عادةً بنيةِ استئنافِ القراءة، والسكتُ: هو قطعُ الصوتِ زمنًا دونَ زمنِ الوقفِ عادةً من غيرِ تنفُّسٍ، والله أعلمُ.
* * *
﴿بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١)﴾.
[١] قوله تعالى: ﴿بَرَاءَةٌ﴾ خروجٌ من الشيءِ، ومفارقةٌ له بشدَّةٍ، والتقديرُ: هذِه براءةٌ ﴿مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ مبتدأٌ، خبرُه ﴿إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ﴾ أيُّها المؤمنون.
﴿مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ والمعنى: أن الله ورسوله قد برءا من العهد الّذي عاهدتم به المشركين، رُوي أنّه لما خرجَ رسولُ اللهِ - ﷺ - إلى تبوكَ، كان المنافقون يُرْجِفون الأراجيفَ، وجعلَ المشركونَ ينقُضون عهودًا كانت
(١) في "ت": "مذهب".
بينَهم وبينَ رسولِ اللهِ - ﷺ -، فأمرَ اللهُ بنقضِ عهودِهم، وكانَ رسولُ اللهِ - ﷺ - هو الّذي عاهدَهم عامًا على ألَّا يُصَدَّ أحدٌ عن البيت الحرام، ونحو هذا من الموادَعات، وأصحابُه كلُّهم راضونَ بذلكَ، فكأنّهم عاهدوا، فَنُسِبَ العهدُ إليهم، وكذلك ما عقدَهُ أئمةُ الكفرِ على قومِهم منسوبٌ إِليهم يُؤاخذونَ به؛ إذ لا يمكنُ غيرُ ذلك؛ لأن تحصيلَ الرضا من الجميعِ متعذرٌ، فإذا عقدَ الإمامُ لما يرى من المصلحةِ أمرًا، لزمَ جميعَ الرعايا.
* * *
﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (٢)﴾.
[٢] ﴿فَسِيحُوا﴾ رجع من الخبر إلى الخطاب؛ أي: قل لهم: سِيحُوا ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ أى: سيروا فيها آمنينَ.
﴿أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ تأجيلٌ من اللهِ للمشركين، فمن كانتْ مدةُ عهدِهِ أقلَّ من أربعةِ أشهرٍ، رُفِعَ إليها، ومن كانت مدَّتُه أكثرَ منها، حُطَّ إليها، ومن كانت مدةُ عهدِه بغيرِ أجلٍ محدودٍ، حَدَّهُ بأربعةِ أشهرٍ، ثمّ هو حربٌ بعدَ ذلكَ للهِ ورسوله يُقتل حيث أُدْرِكَ، ويؤسرُ، إِلَّا أن يتوب، وابتداءُ هذا الأجل يومَ الحجِّ الأكبرِ، وانقضاؤه إلى عشرٍ من ربيعٍ الآخرِ، فأمّا من لم يكنْ له عهدٌ، فإنما أجلُه انسلاخُ المحرَّمِ، وذلك خمسون يومًا، وقيل: الأشهرُ الأربعةُ: شوالٌ وذو القعدةِ، وذو الحجَّةِ، والمحرَّمُ، والأول أصوبُ، وعليه الأكثرُ.
﴿وَاعْلَمُوا﴾ أيّها الناكثون ﴿أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي﴾ أي: فائتي ﴿اللَّهَ﴾ بعدَ الأربعةِ أشهرٍ.
* * *
﴿فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (٢)﴾.
[٢] ﴿فَسِيحُوا﴾ رجع من الخبر إلى الخطاب؛ أي: قل لهم: سِيحُوا ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ أى: سيروا فيها آمنينَ.
﴿أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ﴾ تأجيلٌ من اللهِ للمشركين، فمن كانتْ مدةُ عهدِهِ أقلَّ من أربعةِ أشهرٍ، رُفِعَ إليها، ومن كانت مدَّتُه أكثرَ منها، حُطَّ إليها، ومن كانت مدةُ عهدِه بغيرِ أجلٍ محدودٍ، حَدَّهُ بأربعةِ أشهرٍ، ثمّ هو حربٌ بعدَ ذلكَ للهِ ورسوله يُقتل حيث أُدْرِكَ، ويؤسرُ، إِلَّا أن يتوب، وابتداءُ هذا الأجل يومَ الحجِّ الأكبرِ، وانقضاؤه إلى عشرٍ من ربيعٍ الآخرِ، فأمّا من لم يكنْ له عهدٌ، فإنما أجلُه انسلاخُ المحرَّمِ، وذلك خمسون يومًا، وقيل: الأشهرُ الأربعةُ: شوالٌ وذو القعدةِ، وذو الحجَّةِ، والمحرَّمُ، والأول أصوبُ، وعليه الأكثرُ.
﴿وَاعْلَمُوا﴾ أيّها الناكثون ﴿أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي﴾ أي: فائتي ﴿اللَّهَ﴾ بعدَ الأربعةِ أشهرٍ.
﴿وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي﴾ مُذِلُّ ﴿الْكَافِرِينَ﴾ بالقتلِ في الدنيا، والعذابِ في الآخرةِ.
* * *
﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣)﴾.
[٣] ونزلت براءةُ سنةَ ثمانٍ من الهجرةِ، وفيها فُتحت مكةُ، فلما كان سنةُ تسعٍ تجهَّزَ النبيُّ - ﷺ -، فقيل له: إنَّ المشركينَ يطوفون بالبيتِ عُراةً فقالَ: "لَا أُرِيدُ أَنْ أَرَى ذَلِكَ"، فبعثَ أبا بكرٍ أميرًا على الموسمِ ليقيمَ للناسِ الحجَّ، وبعثَ معه بأربعينَ آيةً من صدرِ براءةَ ليقرأها على أهل الموسم، ثمّ بعثَ بعده عليًّا على ناقتِهِ العضْباءِ ليقرأ على النَّاس صدر براءة، وأمره أن يؤذن بمكةَ ومِنًى وعرفةَ: أن قد بَرِئَتْ ذمةُ اللهِ وذمةُ رسوله من كلِّ مشركٍ، ولا يطوفُ بالبيتِ عُريان، فرجعَ أبو بكر وقال: يا رسولَ الله! أنزلَ في شأني شيءٌ؛ قالَ: "لَا، وَلَكِنْ لا يَنْبَغِي أَنْ يُبَلِّغَ هَذَا إِلَّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِي، أَمَا تَرْضَى أَنَّكَ كُنْتَ مَعِي فِي الْغَارِ، وأَنَّكَ صاحِبِي عَلَى الْحَوْضِ؟ "، قال: بلى. فسار أبو بكرٍ أميرًا على الحاجِّ، وعليٌّ ليؤذِّنَ ببراءةَ، وكانَ من عادةِ العربِ في عقدِ العُهودِ ونقضِها ألَّا يتولَّى ذلكَ إِلَّا سيدُهم، أو رجلٌ من قومِه، أقربُهم إليه نَسَبًا، فلما كانَ قبلَ الترويةِ بيوم، خطبَ أبو بكرٍ الناسَ، وحدثهم عن مناسِكِهم، وأقام للناسِ الحجَّ، والعربُ في تلكَ السنةِ على منازِلهم الّتي كانوا عليها في الجاهليةِ من الحجِّ، حتّى إذا كانَ يومُ النَّحر، قام عليٌّ عندَ جمرةِ العقبةِ، وأَذَّنَ في النَّاس بما أُمر به من الآيات، وألَّا
* * *
﴿وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣)﴾.
[٣] ونزلت براءةُ سنةَ ثمانٍ من الهجرةِ، وفيها فُتحت مكةُ، فلما كان سنةُ تسعٍ تجهَّزَ النبيُّ - ﷺ -، فقيل له: إنَّ المشركينَ يطوفون بالبيتِ عُراةً فقالَ: "لَا أُرِيدُ أَنْ أَرَى ذَلِكَ"، فبعثَ أبا بكرٍ أميرًا على الموسمِ ليقيمَ للناسِ الحجَّ، وبعثَ معه بأربعينَ آيةً من صدرِ براءةَ ليقرأها على أهل الموسم، ثمّ بعثَ بعده عليًّا على ناقتِهِ العضْباءِ ليقرأ على النَّاس صدر براءة، وأمره أن يؤذن بمكةَ ومِنًى وعرفةَ: أن قد بَرِئَتْ ذمةُ اللهِ وذمةُ رسوله من كلِّ مشركٍ، ولا يطوفُ بالبيتِ عُريان، فرجعَ أبو بكر وقال: يا رسولَ الله! أنزلَ في شأني شيءٌ؛ قالَ: "لَا، وَلَكِنْ لا يَنْبَغِي أَنْ يُبَلِّغَ هَذَا إِلَّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِي، أَمَا تَرْضَى أَنَّكَ كُنْتَ مَعِي فِي الْغَارِ، وأَنَّكَ صاحِبِي عَلَى الْحَوْضِ؟ "، قال: بلى. فسار أبو بكرٍ أميرًا على الحاجِّ، وعليٌّ ليؤذِّنَ ببراءةَ، وكانَ من عادةِ العربِ في عقدِ العُهودِ ونقضِها ألَّا يتولَّى ذلكَ إِلَّا سيدُهم، أو رجلٌ من قومِه، أقربُهم إليه نَسَبًا، فلما كانَ قبلَ الترويةِ بيوم، خطبَ أبو بكرٍ الناسَ، وحدثهم عن مناسِكِهم، وأقام للناسِ الحجَّ، والعربُ في تلكَ السنةِ على منازِلهم الّتي كانوا عليها في الجاهليةِ من الحجِّ، حتّى إذا كانَ يومُ النَّحر، قام عليٌّ عندَ جمرةِ العقبةِ، وأَذَّنَ في النَّاس بما أُمر به من الآيات، وألَّا
150
يطوفَ بالبيت عُريان، وأن يتمَّ إلى كلِّ عهدٍ عهدَه، وإن لم يكنْ عهدٌ، فعهدُه أربعةُ أشهرٍ، ولا يدخلُ الجنةَ إِلَّا نفسٌ مؤمنةٌ، وألَّا يجتمعَ المسلمون والمشركون بعدَ عامِهم هذا، فقال المشركون الناكثون: أخبرِ ابنَ عَمِّكَ أنا قد نَبَذْنا العهدَ وراءَ ظُهورِنا، وأنْ ليسَ بينَنا وبينَه إِلَّا طعنٌ بالرمحِ وضربٌ بالسيفِ.
﴿وَأَذَانٌ﴾ عطفٌ على قوله: ﴿براءةٌ﴾ أي: وإعلامٌ.
﴿مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ مبتدأٌ، خبرُهُ ﴿إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ﴾ هو يومُ عرفةَ، والحجُّ الأصغرُ العمرةُ؛ لنقصِ عملِها.
﴿أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ أي: من عهودِهم.
﴿وَرَسُولُهُ﴾ قراءةُ العامةِ برفعِ (رَسُولُهُ) مبتدأُ خَبَرٍ؛ أي: ورسولُه بريءٌ أيضًا من المشركين. وقرأ يعقوبُ: (وَرَسُولَهُ) بنصبِ اللام عطفًا على اسمِ (أَنَّ) (١)، ولا يجوزُ عطفهُ على (المشركين)؛ لأنّه كفرٌ، وتقدَّم في أول التفسير عندَ شكلِ القرآنِ ونقطِه أنَّ سببَ وضعِ الإعرابِ في المصاحفِ أن أبا الأسودِ الدؤليَّ التابعيَّ البصريَّ حكي أنّه سمعَ قارئًا يقرأ: ﴿أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾ بكسرِ اللام، فأعظمَه ذلكَ، وقالَ: "عَزَّ وَجْهُ اللهِ أن يبرأَ من رسولِه"، ثمّ جعلَ الإعرابِ في المصاحف (٢)، تلخيصُهُ: براءةٌ وإعلامٌ من اللهِ ورسولهِ بأنْ لا عهدَ لناكثٍ.
﴿وَأَذَانٌ﴾ عطفٌ على قوله: ﴿براءةٌ﴾ أي: وإعلامٌ.
﴿مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ مبتدأٌ، خبرُهُ ﴿إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ﴾ هو يومُ عرفةَ، والحجُّ الأصغرُ العمرةُ؛ لنقصِ عملِها.
﴿أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ أي: من عهودِهم.
﴿وَرَسُولُهُ﴾ قراءةُ العامةِ برفعِ (رَسُولُهُ) مبتدأُ خَبَرٍ؛ أي: ورسولُه بريءٌ أيضًا من المشركين. وقرأ يعقوبُ: (وَرَسُولَهُ) بنصبِ اللام عطفًا على اسمِ (أَنَّ) (١)، ولا يجوزُ عطفهُ على (المشركين)؛ لأنّه كفرٌ، وتقدَّم في أول التفسير عندَ شكلِ القرآنِ ونقطِه أنَّ سببَ وضعِ الإعرابِ في المصاحفِ أن أبا الأسودِ الدؤليَّ التابعيَّ البصريَّ حكي أنّه سمعَ قارئًا يقرأ: ﴿أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾ بكسرِ اللام، فأعظمَه ذلكَ، وقالَ: "عَزَّ وَجْهُ اللهِ أن يبرأَ من رسولِه"، ثمّ جعلَ الإعرابِ في المصاحف (٢)، تلخيصُهُ: براءةٌ وإعلامٌ من اللهِ ورسولهِ بأنْ لا عهدَ لناكثٍ.
(١) انظر: "البحر المحيط" لأبي حيان (٥/ ٦)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٢٤٠)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٨).
(٢) انظر: "تاريخ دمشق" لابن عساكر (٢٥/ ١٩٢).
(٢) انظر: "تاريخ دمشق" لابن عساكر (٢٥/ ١٩٢).
151
﴿فَإِنْ تُبْتُمْ﴾ من الكفرِ ونقضِ العهدِ.
﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ﴾ أعرَضتُم عن الإيمان.
﴿فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ﴾ لا تعجزونه، ولا تفوتونه في الدنيا.
﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ في الآخِرةِ.
* * *
﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٤)﴾.
[٤] ﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ استثناءٌ من المشركين، وهم بنو ضَمْرَةَ: حَيٌّ منْ كنانةَ، أَمَرَ - ﷺ - بإتمامِ عهدِهم إلى مُدَّتهم، وكان قد بقيَ منها تسعةُ أشهر، والسببُ فيه أنّهم لم ينقُضوا العهدَ، وثبتوا عليه، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا﴾ من عهدِكم.
﴿وَلَمْ يُظَاهِرُوا﴾ يعينوا ﴿عَلَيْكُمْ أَحَدًا﴾ من أعدائِكم.
﴿فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ﴾ أدُّوه إليهم ﴿إِلَى مُدَّتِهِمْ﴾ كملًا، ولا تُجروهم مُجرى الناكثين.
﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ تنبيهٌ على أن تمامَ عهدِهم من بابِ التقوى.
* * *
﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)﴾.
[٥] ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ﴾ انقضى ﴿الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ﴾ الّتي أُبيح للناكثين أن يَسيحوا
﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ﴾ أعرَضتُم عن الإيمان.
﴿فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ﴾ لا تعجزونه، ولا تفوتونه في الدنيا.
﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ في الآخِرةِ.
* * *
﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٤)﴾.
[٤] ﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ استثناءٌ من المشركين، وهم بنو ضَمْرَةَ: حَيٌّ منْ كنانةَ، أَمَرَ - ﷺ - بإتمامِ عهدِهم إلى مُدَّتهم، وكان قد بقيَ منها تسعةُ أشهر، والسببُ فيه أنّهم لم ينقُضوا العهدَ، وثبتوا عليه، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا﴾ من عهدِكم.
﴿وَلَمْ يُظَاهِرُوا﴾ يعينوا ﴿عَلَيْكُمْ أَحَدًا﴾ من أعدائِكم.
﴿فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ﴾ أدُّوه إليهم ﴿إِلَى مُدَّتِهِمْ﴾ كملًا، ولا تُجروهم مُجرى الناكثين.
﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ تنبيهٌ على أن تمامَ عهدِهم من بابِ التقوى.
* * *
﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥)﴾.
[٥] ﴿فَإِذَا انْسَلَخَ﴾ انقضى ﴿الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ﴾ الّتي أُبيح للناكثين أن يَسيحوا
فيها، وقيل لها: حُرُمٌ؛ لأنّ اللهَ تعالى حَرَّمَ فيها على المؤمنينَ دماءَ المشركين والتعرُّضَ لهم، المعنى: إذا مضتِ المدةُ المضروبةُ الّتي يكونُ معها انسلاخُ الأشهرِ الحرمِ، وأصلُ الانسلاخ، خروجُ الشيءِ ممّا لابَسَه؛ من سَلْخِ الشاة.
﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ الناكثينَ ﴿حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ من حِلٍّ وحرمٍ.
﴿وَخُذُوهُمْ﴾ وأْسِرُوهم، والأَخيذُ: الأسيرُ ﴿وَاحْصُرُوهُمْ﴾ احْبِسوهم.
﴿وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ على كلِّ طريقٍ، والمرصدُ، كلُّ مكانٍ يُرْصَدُ منه العدوُّ؛ أي: يرقَبُ فيه؛ لتأخذوهم من أيِّ وجهةٍ توجَّهوا.
﴿فَإِنْ تَابُوا﴾ من الشركِ.
﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ﴾ تصديقًا لتوبتِهم وإيمانِهم.
﴿فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ اتركوهم يدخلون مكةَ، ويتصرَّفون في البلاد، وفيه دليلٌ على أن تاركَ الصّلاةِ ومانعَ الزكاةِ لا يخلَّى سبيلُه، فالكفَّارُ مخاطَبون بالإيمان بالاتفاق، وبالفروعِ عندَ الشّافعيِّ وأحمدَ، وقالَ أكثرُ الحنفيةِ: ليسوا مخاطَبين بالفروعِ، وهو قولُ مالكٍ، ويأتي ذكرُ حكمِ تاركِ الصّلاةِ ومانعِ الزكاةِ في سورةِ الماعونِ.
﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ﴾ لمن تابَ ﴿رَحِيمٌ﴾ به.
* * *
﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (٦)﴾.
[٦] ﴿وَإِنْ أَحَدٌ﴾ أي: وإن جاءكَ أحدٌ.
﴿فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ الناكثينَ ﴿حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ من حِلٍّ وحرمٍ.
﴿وَخُذُوهُمْ﴾ وأْسِرُوهم، والأَخيذُ: الأسيرُ ﴿وَاحْصُرُوهُمْ﴾ احْبِسوهم.
﴿وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ﴾ على كلِّ طريقٍ، والمرصدُ، كلُّ مكانٍ يُرْصَدُ منه العدوُّ؛ أي: يرقَبُ فيه؛ لتأخذوهم من أيِّ وجهةٍ توجَّهوا.
﴿فَإِنْ تَابُوا﴾ من الشركِ.
﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ﴾ تصديقًا لتوبتِهم وإيمانِهم.
﴿فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ﴾ اتركوهم يدخلون مكةَ، ويتصرَّفون في البلاد، وفيه دليلٌ على أن تاركَ الصّلاةِ ومانعَ الزكاةِ لا يخلَّى سبيلُه، فالكفَّارُ مخاطَبون بالإيمان بالاتفاق، وبالفروعِ عندَ الشّافعيِّ وأحمدَ، وقالَ أكثرُ الحنفيةِ: ليسوا مخاطَبين بالفروعِ، وهو قولُ مالكٍ، ويأتي ذكرُ حكمِ تاركِ الصّلاةِ ومانعِ الزكاةِ في سورةِ الماعونِ.
﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ﴾ لمن تابَ ﴿رَحِيمٌ﴾ به.
* * *
﴿وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (٦)﴾.
[٦] ﴿وَإِنْ أَحَدٌ﴾ أي: وإن جاءكَ أحدٌ.
﴿مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ المأمورِ بقتلِهم ﴿اسْتَجَارَكَ﴾ استأمَنَكَ بعدَ انسلاخِ الأشهُرِ الحرُمِ.
﴿فَأَجِرْهُ﴾ فَأَمِّنْهُ ﴿حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ أي: قراءتَكَ كلامَ الله؛ ليعلم شرائعَ الإسلامِ.
﴿ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ﴾ الموضعَ الّذي يأمَنُ فيه، وهو دارُ قومه إنْ لم يُسْلِمْ، فإنْ قاتلكَ بعدُ، فاقتلْه.
﴿ذَلِكَ﴾ المأمورُ به من الإجارة ﴿بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ﴾ جَهَلَةٌ.
﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾ دينَ الله، فهم محتاجون إلى سماعِ كلامِه.
ولا خلافَ بينَ الأئمةِ في جواز أمانِ السلطان؛ لأنّه مقدَّمٌ للنظرِ والمصلحةِ، وكذا أمانُ الحرِّ جائزٌ بالاتفاقِ، وأمّا العبدُ المسلمُ إذا أَمَّنَ شخصًا أو مدينةً، فقال الثلاثة: يَمْضي أمانُه مطلَقًا، وقال أبو حنيفةَ: لا يَمْضي إِلَّا أن يكونَ سيدُه أذنَ له في القتال.
* * *
﴿كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧)﴾.
[٧] ﴿كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ﴾ استفهامٌ بمعنى الإنكارِ والاستبعادِ، المعنى: ممتنعٌ ثبوتُ عهدٍ للمشركين.
﴿عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ﴾ وهم يغدرونَ وينقضونَ العهدَ، ثمّ استثنى فقال:
﴿فَأَجِرْهُ﴾ فَأَمِّنْهُ ﴿حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ﴾ أي: قراءتَكَ كلامَ الله؛ ليعلم شرائعَ الإسلامِ.
﴿ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ﴾ الموضعَ الّذي يأمَنُ فيه، وهو دارُ قومه إنْ لم يُسْلِمْ، فإنْ قاتلكَ بعدُ، فاقتلْه.
﴿ذَلِكَ﴾ المأمورُ به من الإجارة ﴿بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ﴾ جَهَلَةٌ.
﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾ دينَ الله، فهم محتاجون إلى سماعِ كلامِه.
ولا خلافَ بينَ الأئمةِ في جواز أمانِ السلطان؛ لأنّه مقدَّمٌ للنظرِ والمصلحةِ، وكذا أمانُ الحرِّ جائزٌ بالاتفاقِ، وأمّا العبدُ المسلمُ إذا أَمَّنَ شخصًا أو مدينةً، فقال الثلاثة: يَمْضي أمانُه مطلَقًا، وقال أبو حنيفةَ: لا يَمْضي إِلَّا أن يكونَ سيدُه أذنَ له في القتال.
* * *
﴿كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٧)﴾.
[٧] ﴿كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ﴾ استفهامٌ بمعنى الإنكارِ والاستبعادِ، المعنى: ممتنعٌ ثبوتُ عهدٍ للمشركين.
﴿عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ﴾ وهم يغدرونَ وينقضونَ العهدَ، ثمّ استثنى فقال:
﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ وهم قبائلُ بني بكرٍ، وبنو خُزيمةَ، وبنو مدلجٍ، وبنو ضَمْرَةَ، وبنو الدَّيلِ، وهم الذين كانوا قد دخلوا في عهدِ قريشٍ يومَ الحديبيةِ، ولم يكن نقضَ إِلَّا قريشٌ وبنو الديل من بني بكر، فأمرَ بإتمامِ العهدِ لمن لم ينقضْ، وهم بنو ضمرةَ.
﴿فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ﴾ أي: فما قاموا على الوفاء بعهدكم.
﴿فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ﴾ أي: فأقيموا لهم على مثلِ ذلك.
﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ تقدَّمَ تفسيرُه.
* * *
﴿كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (٨)﴾.
[٨] ﴿كَيْفَ﴾ أعادَ الإنكارَ والاستبعاد؛ أي: كيف يكونُ لهم عهدٌ.
﴿وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ﴾ يظفروا بكم.
﴿لَا يَرْقُبُوا﴾ يحفضوا ﴿فِيكُمْ إِلًّا﴾ قرابةً ﴿وَلَا ذِمَّةً﴾ عهدًا، والذمَّةُ في اللُّغة: عبارةٌ عن العهدِ، وفي الشرعِ: عبارةٌ عن وصفٍ يصيرُ فيه أهلًا للإيجاب والاستحباب.
﴿يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ يُظْهِرون الجميلَ، ويُضْمرون القبيحَ، ﴿وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ﴾ الإيمانَ ﴿وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾ ناقضو العهد؛ لأنَّ منهم من وفى.
* * *
﴿فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ﴾ أي: فما قاموا على الوفاء بعهدكم.
﴿فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ﴾ أي: فأقيموا لهم على مثلِ ذلك.
﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ تقدَّمَ تفسيرُه.
* * *
﴿كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (٨)﴾.
[٨] ﴿كَيْفَ﴾ أعادَ الإنكارَ والاستبعاد؛ أي: كيف يكونُ لهم عهدٌ.
﴿وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ﴾ يظفروا بكم.
﴿لَا يَرْقُبُوا﴾ يحفضوا ﴿فِيكُمْ إِلًّا﴾ قرابةً ﴿وَلَا ذِمَّةً﴾ عهدًا، والذمَّةُ في اللُّغة: عبارةٌ عن العهدِ، وفي الشرعِ: عبارةٌ عن وصفٍ يصيرُ فيه أهلًا للإيجاب والاستحباب.
﴿يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ﴾ يُظْهِرون الجميلَ، ويُضْمرون القبيحَ، ﴿وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ﴾ الإيمانَ ﴿وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ﴾ ناقضو العهد؛ لأنَّ منهم من وفى.
* * *
﴿اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩)﴾.
[٩] ﴿اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ استبدلوا بالقرآنِ ﴿ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ من حُطامِ الدنيا ونيلِ الشهوات، وذلك أنّهم نقضوا العهدَ بأكلةٍ أطعمهم أبو سفيان.
﴿فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ﴾ أي: فمنعوا الناسَ من الدخولِ إلى ديِنه.
﴿إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ عملُهم هذا.
* * *
﴿لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (١٠)﴾.
[١٠] ﴿لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً﴾ لا تُبْقوا عليهم أيها المؤمنون؛ فإنهم لا يُبْقون عليكم إنْ ظَفِروا بكم.
﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ﴾ بنقضِ العهد.
* * *
﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١١)﴾.
[١١] ﴿فَإِنْ تَابُوا﴾ من الشركِ ﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ﴾ أي: فهم إخوانُكم ﴿فِي الدِّينِ﴾ لهم ما لَكُم، وعليهم ما عليكم.
﴿وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ﴾ نُبَيَّنُها ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ قال ابنُ عباسٍ: "حُرِّمَتْ بهذهِ الآيةِ دماءُ أهلِ القبلةِ" (١).
[٩] ﴿اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ استبدلوا بالقرآنِ ﴿ثَمَنًا قَلِيلًا﴾ من حُطامِ الدنيا ونيلِ الشهوات، وذلك أنّهم نقضوا العهدَ بأكلةٍ أطعمهم أبو سفيان.
﴿فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ﴾ أي: فمنعوا الناسَ من الدخولِ إلى ديِنه.
﴿إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ عملُهم هذا.
* * *
﴿لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (١٠)﴾.
[١٠] ﴿لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً﴾ لا تُبْقوا عليهم أيها المؤمنون؛ فإنهم لا يُبْقون عليكم إنْ ظَفِروا بكم.
﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ﴾ بنقضِ العهد.
* * *
﴿فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١١)﴾.
[١١] ﴿فَإِنْ تَابُوا﴾ من الشركِ ﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ﴾ أي: فهم إخوانُكم ﴿فِي الدِّينِ﴾ لهم ما لَكُم، وعليهم ما عليكم.
﴿وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ﴾ نُبَيَّنُها ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ قال ابنُ عباسٍ: "حُرِّمَتْ بهذهِ الآيةِ دماءُ أهلِ القبلةِ" (١).
(١) رواه أبو الشّيخ في "تفسيره"، عن الحسن البصري، كما ذكر السيوطيّ في "الدر =
﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (١٢)﴾.
[١٢] ﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ﴾ نقضوا عهودَهم ﴿مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ﴾ يعني: مشركي قريش، ﴿وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ﴾ عابوا الإسلامَ.
﴿فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ﴾ رؤوسَ المشركين وقادتهم، نزلتْ في أبي سفيانَ وأصحابِه رؤساءِ قريشٍ الذين نقضوا العهد. قرأ ابنُ عامرٍ، وعاصمٌ، وحمزةُ، والكسائيُّ، وخلفٌ، وروحٌ عن يعقوبَ: (أَئِمَّةَ) بهمزتين محققتين على الأصل، والباقون: بتحقيق الأولى، وتسهيل الثّانية بينَ بينَ، وروي عنهم وجهٌ أنّها تُجعل ياءً خالصةً مكسورة تخفيفًا؛ لاستثقالهم تحقيقَ همزتينِ في كلمةٍ واحدة، وأبو جعفرٍ يدخِلُ بينهما ألفًا مع تسهيل الثّانية، وهشامٌ راوي ابنِ عامرٍ رُوي عنه المدُّ مع تحقيقِ الهمزة الثّانية (١).
﴿إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ﴾ حقيقةً؛ لنقضهم العهدَ قراءة العامة: (أَيْمَانَ) بفتح الهمزة، جمعُ يمين، وقرأ ابنُ عامرٍ: بكسر الهمزة بمعنى
[١٢] ﴿وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ﴾ نقضوا عهودَهم ﴿مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ﴾ يعني: مشركي قريش، ﴿وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ﴾ عابوا الإسلامَ.
﴿فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ﴾ رؤوسَ المشركين وقادتهم، نزلتْ في أبي سفيانَ وأصحابِه رؤساءِ قريشٍ الذين نقضوا العهد. قرأ ابنُ عامرٍ، وعاصمٌ، وحمزةُ، والكسائيُّ، وخلفٌ، وروحٌ عن يعقوبَ: (أَئِمَّةَ) بهمزتين محققتين على الأصل، والباقون: بتحقيق الأولى، وتسهيل الثّانية بينَ بينَ، وروي عنهم وجهٌ أنّها تُجعل ياءً خالصةً مكسورة تخفيفًا؛ لاستثقالهم تحقيقَ همزتينِ في كلمةٍ واحدة، وأبو جعفرٍ يدخِلُ بينهما ألفًا مع تسهيل الثّانية، وهشامٌ راوي ابنِ عامرٍ رُوي عنه المدُّ مع تحقيقِ الهمزة الثّانية (١).
﴿إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ﴾ حقيقةً؛ لنقضهم العهدَ قراءة العامة: (أَيْمَانَ) بفتح الهمزة، جمعُ يمين، وقرأ ابنُ عامرٍ: بكسر الهمزة بمعنى
= المنثور" (٤/ ١٣٢). وعزاه البغوي في "تفسيره" (٢/ ٢٥٣) إلى ابن عبّاس -رضي الله عنه-.
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣١٢)، و"التيسير" للداني (ص: ١١٧)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٢٥٤)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٣٧٨ - ٣٧٩)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٢٤٠)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٩).
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣١٢)، و"التيسير" للداني (ص: ١١٧)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٢٥٤)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٣٧٨ - ٣٧٩)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٢٤٠)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٩).
157
التصديق (١)؛ أي: إنَّ لم يفِ لكم المشركون، وعابوا دينَكم، فقاتلوهم.
﴿لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ﴾ عمَّا هم عليه.
واختلفوا في يمينِ الكافرِ هل تنعقدُ؟ فقال أبو حنيفةَ ومالكٌ: لا تنعقدُ، وسواءٌ حَنِثَ حالَ كفرِه أو بعدَ إسلامه، ولا يصحُّ منه كفارةٌ؛ استشهادًا بظاهرِ ﴿لَا أَيْمَانَ لَهُمْ﴾.
وقال الشّافعيُّ وأحمدُ: تنعقدُ يمينُه؛ بدليلِ وصفِها بالنكثِ، وتلزمه الكفارةُ بالحنث فيها في الموضعين، ويكفِّرُ بغيرِ الصومِ.
وأمّا الذميُّ إذا طعنَ في الدينِ، بأنْ ذكرَ اللهَ سبحانَه بما لا يليقُ بجلاله، أو ذكرَ كتابَه المجيدَ، أو رسولَه الكريمَ ودينَه القويمَ بما لا ينبغي، فإنّه ينتقضُ عهدُه عندَ مالكٍ وأحمدَ، سواءٌ شُرِطَ تركُ ذلكَ عليهم، أو لم يُشْتَرَطْ، وقال الشافعيُّ: إنَّ شُرِطَ انتقاضُ العهد بها، انتقضَ، وإلا فلا، فإذا انتقضَ عهدُه، فقال مالكٌ: يُقتل، وقال الشّافعيُّ وأحمدُ: يخيرُ الإمامُ فيه قتلًا وَرِقًا ومَنًّا وفِداءً، ولا يردُّ إلى مأمنِه، وقال أبو حنيفةَ: لا ينتقضُ عهدُه إِلَّا باللحاقِ بدارِ الحرب، أو أن يغلبوا على موضعٍ فيحاربوا، فيصير أحكامُهم كالمرتدين، إِلَّا أنّه إذا ظفرنا بهم، نسترقُّهم، ولا نجبرُهم على الإسلامِ، ولا على قبولِ الذِّمَّة، فإن أسلمَ، لم يقتلْ بالاتفاق.
* * *
﴿لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ﴾ عمَّا هم عليه.
واختلفوا في يمينِ الكافرِ هل تنعقدُ؟ فقال أبو حنيفةَ ومالكٌ: لا تنعقدُ، وسواءٌ حَنِثَ حالَ كفرِه أو بعدَ إسلامه، ولا يصحُّ منه كفارةٌ؛ استشهادًا بظاهرِ ﴿لَا أَيْمَانَ لَهُمْ﴾.
وقال الشّافعيُّ وأحمدُ: تنعقدُ يمينُه؛ بدليلِ وصفِها بالنكثِ، وتلزمه الكفارةُ بالحنث فيها في الموضعين، ويكفِّرُ بغيرِ الصومِ.
وأمّا الذميُّ إذا طعنَ في الدينِ، بأنْ ذكرَ اللهَ سبحانَه بما لا يليقُ بجلاله، أو ذكرَ كتابَه المجيدَ، أو رسولَه الكريمَ ودينَه القويمَ بما لا ينبغي، فإنّه ينتقضُ عهدُه عندَ مالكٍ وأحمدَ، سواءٌ شُرِطَ تركُ ذلكَ عليهم، أو لم يُشْتَرَطْ، وقال الشافعيُّ: إنَّ شُرِطَ انتقاضُ العهد بها، انتقضَ، وإلا فلا، فإذا انتقضَ عهدُه، فقال مالكٌ: يُقتل، وقال الشّافعيُّ وأحمدُ: يخيرُ الإمامُ فيه قتلًا وَرِقًا ومَنًّا وفِداءً، ولا يردُّ إلى مأمنِه، وقال أبو حنيفةَ: لا ينتقضُ عهدُه إِلَّا باللحاقِ بدارِ الحرب، أو أن يغلبوا على موضعٍ فيحاربوا، فيصير أحكامُهم كالمرتدين، إِلَّا أنّه إذا ظفرنا بهم، نسترقُّهم، ولا نجبرُهم على الإسلامِ، ولا على قبولِ الذِّمَّة، فإن أسلمَ، لم يقتلْ بالاتفاق.
* * *
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣١٢)، و"التيسير" للداني (ص: ١١٧)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٢٥٤)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ١٠).
158
﴿أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣)﴾.
[١٣] ثمّ حَرَّضَ المسلمين على قتالهم، فقال تعالى: ﴿أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ﴾ نقضوا عهودَهم، وهم الذين نقضوا عهدَ الصلحِ بالحديبية، وأعانوا بني بكر على خزاعةَ.
﴿وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ﴾ من مكةَ حينَ اجتمعوا في دارِ الندوة.
﴿وَهُمْ بَدَءُوكُمْ﴾ بالقتالِ ﴿أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ يومَ بدرِ، ذلك أنّهم قالوا حين سلم العيرُ: لا ننصرفُ حتّى نستأصلَ محمدًا وأصحابَه، ثمّ وَبَّخهم على خوفِهم منهم فقال:
﴿أَتَخْشَوْنَهُمْ﴾ فتتركون قتالَهم ﴿فَاللَّهُ أَحَقُّ﴾ من غيرِه.
﴿أَنْ تَخْشَوْهُ﴾ فقاتِلوا أعداءه ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
* * *
﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤)﴾.
[١٤] ثمّ شَجَّعهم عليهم فقال: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ﴾ يقتلْهم اللهُ.
﴿بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ﴾ يُذِلَّهم بالأسرِ والقتل. قرأ رُويسٌ عن يعقوبَ: (وَيُخْزِهُمْ) بضم الهاء، والباقون: بالكسر (١).
[١٣] ثمّ حَرَّضَ المسلمين على قتالهم، فقال تعالى: ﴿أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ﴾ نقضوا عهودَهم، وهم الذين نقضوا عهدَ الصلحِ بالحديبية، وأعانوا بني بكر على خزاعةَ.
﴿وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ﴾ من مكةَ حينَ اجتمعوا في دارِ الندوة.
﴿وَهُمْ بَدَءُوكُمْ﴾ بالقتالِ ﴿أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ يومَ بدرِ، ذلك أنّهم قالوا حين سلم العيرُ: لا ننصرفُ حتّى نستأصلَ محمدًا وأصحابَه، ثمّ وَبَّخهم على خوفِهم منهم فقال:
﴿أَتَخْشَوْنَهُمْ﴾ فتتركون قتالَهم ﴿فَاللَّهُ أَحَقُّ﴾ من غيرِه.
﴿أَنْ تَخْشَوْهُ﴾ فقاتِلوا أعداءه ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
* * *
﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤)﴾.
[١٤] ثمّ شَجَّعهم عليهم فقال: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ﴾ يقتلْهم اللهُ.
﴿بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ﴾ يُذِلَّهم بالأسرِ والقتل. قرأ رُويسٌ عن يعقوبَ: (وَيُخْزِهُمْ) بضم الهاء، والباقون: بالكسر (١).
(١) انظر: "إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٢٤٠)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ١٠).
﴿وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ﴾ ويُبْرِئ داءَ قلوبِ.
﴿قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾ بما كانوا ينالونَهُ من الأذى منهم.
* * *
﴿وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٥)﴾.
[١٥] ﴿وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ﴾ كَرْبَها ووجْدَها.
﴿وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ﴾ فيهديه للإسلام؛ كأبي سفيانَ، وعكرمةَ بنِ أبي جهل، وسُهيلِ بنِ عمرٍو. وقراءةُ العامَّةِ: (وَيَتُوبُ) برفع الباء استئنافًا إخبارًا عن توبتِه على من أسلم، وقرأ رويسٌ عن يعقوبَ بخلافِ عنه: بنصبِ الباء على تقديرِ وأن (يَتُوبَ) أو حَتَّى (١).
﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾ بما كانَ وسيكونُ ﴿حَكِيمٌ﴾ لا يفعلُ شيئًا عَبثًا.
* * *
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٦)﴾.
[١٦] ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ﴾ أظننتم، خطابٌ للمؤمنين حينَ كرهَ بعضُهم القتالَ ﴿أَنْ تُتْرَكُوا﴾ فلا تؤمَروا بالجهادِ ولا تُمتحنوا ليظهرَ الصادقُ من الكاذبِ.
﴿وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ﴾ أي: ولما يَرَى الله.
﴿قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾ بما كانوا ينالونَهُ من الأذى منهم.
* * *
﴿وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٥)﴾.
[١٥] ﴿وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ﴾ كَرْبَها ووجْدَها.
﴿وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ﴾ فيهديه للإسلام؛ كأبي سفيانَ، وعكرمةَ بنِ أبي جهل، وسُهيلِ بنِ عمرٍو. وقراءةُ العامَّةِ: (وَيَتُوبُ) برفع الباء استئنافًا إخبارًا عن توبتِه على من أسلم، وقرأ رويسٌ عن يعقوبَ بخلافِ عنه: بنصبِ الباء على تقديرِ وأن (يَتُوبَ) أو حَتَّى (١).
﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾ بما كانَ وسيكونُ ﴿حَكِيمٌ﴾ لا يفعلُ شيئًا عَبثًا.
* * *
﴿أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (١٦)﴾.
[١٦] ﴿أَمْ حَسِبْتُمْ﴾ أظننتم، خطابٌ للمؤمنين حينَ كرهَ بعضُهم القتالَ ﴿أَنْ تُتْرَكُوا﴾ فلا تؤمَروا بالجهادِ ولا تُمتحنوا ليظهرَ الصادقُ من الكاذبِ.
﴿وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ﴾ أي: ولما يَرَى الله.
(١) انظر: "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٢٧٨)، و"المحتسب" لابن جني (١/ ٢٨٤ - ٢٨٥)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ١٠).
﴿الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً﴾ وليًّا خاصًّا من المشركين، وخاصَّةُ الرجلِ وَلِيَجُتُه؛ أي: لا تتركون حتّى يتبينَ المخلصون والمجاهدون منكم. قرأ الكسائيُّ: (وَلِيَجةً) بإمالةِ الجيمِ حيثُ وقفَ على هاءِ التأنيث (١).
﴿وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ يعلمُ غرضَكم منه.
* * *
﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (١٧)﴾.
[١٧] ولما أُسر العباسُ يومَ بدرٍ، وَعَيَّرَه المسلمون بالكفرِ وقطيعةِ الرّحمِ، وأغلظَ عليٌّ له القولَ، قال العباسُ: وما لكم تذكرونَ مساوِئَنا، ولا تذكرونَ محاسِنَنا، فقال له عليٌّ: ألكمْ محاسِنُ؟ فقال: نعم، إنا نَعْمُرَ المسجدَ الحرامَ، ونحجُبُ الكعبةَ، ونسقي الحاجَّ، فنزلَ ردًّا عليه: ﴿مَا كَانَ﴾ (٢) ما جازَ ولا ينبغي.
﴿لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ قرأ أبو عمرٍو، وابنُ كثيرٍ، ويعقوبُ: (مَسْجِدَ اللهِ) على التّوحيد، والمرادُ: الكعبةُ، والباقون: (مَسَاجِدَ) على الجمع (٣)، والمرادُ: جنسُ المساجدِ، والكعبةُ داخلة فيه، المعنى: ليس
﴿وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ يعلمُ غرضَكم منه.
* * *
﴿مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (١٧)﴾.
[١٧] ولما أُسر العباسُ يومَ بدرٍ، وَعَيَّرَه المسلمون بالكفرِ وقطيعةِ الرّحمِ، وأغلظَ عليٌّ له القولَ، قال العباسُ: وما لكم تذكرونَ مساوِئَنا، ولا تذكرونَ محاسِنَنا، فقال له عليٌّ: ألكمْ محاسِنُ؟ فقال: نعم، إنا نَعْمُرَ المسجدَ الحرامَ، ونحجُبُ الكعبةَ، ونسقي الحاجَّ، فنزلَ ردًّا عليه: ﴿مَا كَانَ﴾ (٢) ما جازَ ولا ينبغي.
﴿لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ قرأ أبو عمرٍو، وابنُ كثيرٍ، ويعقوبُ: (مَسْجِدَ اللهِ) على التّوحيد، والمرادُ: الكعبةُ، والباقون: (مَسَاجِدَ) على الجمع (٣)، والمرادُ: جنسُ المساجدِ، والكعبةُ داخلة فيه، المعنى: ليس
(١) انظر: "الغيث" للصفاقسي (ص: ٢٣٧)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ١٠).
(٢) انظر: "أسباب النزول" للواحدي (ص: ١٣٦).
(٣) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣١٣)، و"التيسير" للداني (ص: ١١٨)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٢٥٦)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ١١).
(٢) انظر: "أسباب النزول" للواحدي (ص: ١٣٦).
(٣) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣١٣)، و"التيسير" للداني (ص: ١١٨)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٢٥٦)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ١١).
لهم الجمعُ بين أمرينِ متنافيين: عمارةِ متعبداتِ الله مع الكفرِ.
﴿شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ﴾ بإظهارِ الشركِ، وتكذيبِ الرسولِ، وعبادةِ الأصنام، وقولِ النصراني: أنا نصرانيٌّ، وقولِ اليهوديِّ: أنا يهوديٌّ، ونصبُ (شاهدين) على الحالِ.
﴿أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ لأنّها لغيرِ الله.
﴿وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ﴾ لكفرِهم.
* * *
﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨)﴾.
[١٨] ثمّ قال: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ اتفقَ جميعُ القراء على الجمعِ في هذا الحرف؛ لأنّ المرادَ به: جميعُ المساجد.
﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ﴾ لم يتركْ أمرَ اللهِ خشيةً من غيره، وعمارةُ المسجد: بناؤه، ورمُّ متشعثه، وكنسُه، والصلاةُ والذكرُ ودرسُ العلمِ الشرعيِّ فيه، وصيانتُه ممّا لم يُبْنَ له؛ كحديثِ الدنيا ونحوِه (١)، وفي الحديثِ: "يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ الْمَسَاجِدَ فَيَقْعُدُونَ فِيهَا حِلَقًا، ذِكْرُهُمُ الدُّنْيَا وَحُبُّ الدُّنْيَا، فَلَا تُجَالِسُوهُمْ، فَلَيْسَ للهِ فِيهِمْ حَاجَةٌ" (٢)، ويحرمُ البصاقُ في
﴿شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ﴾ بإظهارِ الشركِ، وتكذيبِ الرسولِ، وعبادةِ الأصنام، وقولِ النصراني: أنا نصرانيٌّ، وقولِ اليهوديِّ: أنا يهوديٌّ، ونصبُ (شاهدين) على الحالِ.
﴿أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ لأنّها لغيرِ الله.
﴿وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ﴾ لكفرِهم.
* * *
﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (١٨)﴾.
[١٨] ثمّ قال: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ اتفقَ جميعُ القراء على الجمعِ في هذا الحرف؛ لأنّ المرادَ به: جميعُ المساجد.
﴿مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ﴾ لم يتركْ أمرَ اللهِ خشيةً من غيره، وعمارةُ المسجد: بناؤه، ورمُّ متشعثه، وكنسُه، والصلاةُ والذكرُ ودرسُ العلمِ الشرعيِّ فيه، وصيانتُه ممّا لم يُبْنَ له؛ كحديثِ الدنيا ونحوِه (١)، وفي الحديثِ: "يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ الْمَسَاجِدَ فَيَقْعُدُونَ فِيهَا حِلَقًا، ذِكْرُهُمُ الدُّنْيَا وَحُبُّ الدُّنْيَا، فَلَا تُجَالِسُوهُمْ، فَلَيْسَ للهِ فِيهِمْ حَاجَةٌ" (٢)، ويحرمُ البصاقُ في
(١) في "ت": "وغيره".
(٢) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (١٠٤٥٢)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (٤/ ١٠٩)، والخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (٢/ ٩٨)، =
(٢) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (١٠٤٥٢)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (٤/ ١٠٩)، والخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (٢/ ٩٨)، =
162
المسجدِ بالاتفاق؛ لأنّ رسولَ اللهِ - ﷺ - سماها خطيئةً وسيئةً، وكفارتُه أن تواريَهُ، ومن يبصقْ في المسجدِ استهزاءً به، كفرَ بغيرِ خلافٍ، وكذا لو بصقَ على القرآنِ بقصدِ الاستهزاءِ، وأمّا حكمُ القاضي في المسجدِ، فسيأتي ذكرُ الحكم فيه في سورةِ الجنِّ إن شاء الله تعالى عندَ تفسيرِ قوله تعالى: ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ [الجن: ١٨].
﴿فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ و (عسى) من اللهِ واجبٌ؛ أي: أولئكَ هم المهتدون.
قال - ﷺ -: "إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسَاجِدَ، فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِيَمانِ" (١).
ورُويَ أن عثمانَ بنَ عفانَ رضي الله عنه أرادَ بناءَ المسجدِ، فكرهَ النّاسُ ذلكَ وأَحَبُّوا أن يدعَه، قالَ عثمان رضي الله عنه: سمعتُ النبيَّ - ﷺ - يقولُ: "مَنْ بَنَى للهِ مَسْجِدًا، بَنَى اللهُ لهُ كَهَيْئَتِهِ فِي الْجَنَّةِ" (٢).
* * *
﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٩)﴾.
﴿فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ و (عسى) من اللهِ واجبٌ؛ أي: أولئكَ هم المهتدون.
قال - ﷺ -: "إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسَاجِدَ، فَاشْهَدُوا لَهُ بِالإِيَمانِ" (١).
ورُويَ أن عثمانَ بنَ عفانَ رضي الله عنه أرادَ بناءَ المسجدِ، فكرهَ النّاسُ ذلكَ وأَحَبُّوا أن يدعَه، قالَ عثمان رضي الله عنه: سمعتُ النبيَّ - ﷺ - يقولُ: "مَنْ بَنَى للهِ مَسْجِدًا، بَنَى اللهُ لهُ كَهَيْئَتِهِ فِي الْجَنَّةِ" (٢).
* * *
﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٩)﴾.
= عن ابن مسعود -رضي الله عنه-. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٢/ ٢٤): فيه بزيغ أبو الخليل، ونسب إلى الوضع.
(١) رواه الترمذي (٣٠٩٣)، كتاب: التفسير، باب: ومن سورة التوبة، وقال: حسن غريب، وابن ماجه (٨٠٢)، كتاب: الصّلاة، باب: لزوم المساجد وانتظار الصّلاة، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-.
(٢) رواه البخاريّ (٤٣٩)، كتاب: المساجد، باب: من بنى مسجدًا، ومسلم (٥٣٢)، كتاب: المساجد ومواضع الصّلاة، باب: فضل بناء المساجد والحث عليها.
(١) رواه الترمذي (٣٠٩٣)، كتاب: التفسير، باب: ومن سورة التوبة، وقال: حسن غريب، وابن ماجه (٨٠٢)، كتاب: الصّلاة، باب: لزوم المساجد وانتظار الصّلاة، عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-.
(٢) رواه البخاريّ (٤٣٩)، كتاب: المساجد، باب: من بنى مسجدًا، ومسلم (٥٣٢)، كتاب: المساجد ومواضع الصّلاة، باب: فضل بناء المساجد والحث عليها.
163
[١٩] رُويَ عن النعمانِ بنِ بشيرٍ قال: "كنتُ عندَ منبرِ النبيِّ - ﷺ -، فقالَ رجلٌ: ما أُبالي أن لا أعملَ عملًا بعدَ أن أسقيَ الحاجَّ، وقال آخرُ: ما أُبالي أن لا أعملَ عملًا بعدَ أن أعمرَ المسجدَ الحرامَ، فقال آخرُ: الجهادُ في سبيلِ اللهِ أفضلُ ممّا قلتم، فزجَرَهم عمرُ وقالَ: لا ترفعوا أصواتَكم عندَ منبرِ النبيِّ - ﷺ -، وهو يومُ الجمعةِ، ولكنْ إذا صَلَّيْتُ فاستفتيتُ رسولَ الله - ﷺ - فيما اختلفتم فيه، ففعلَ، فأنزلَ الله -عَزَّ وَجَلَّ-:
﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ (١) والسقايةُ والعمارةُ: مَصْدَرا سَقَى وعَمَرَ. ورُوي عن أبي جعفرٍ أنّه قرأ: (سُقَاةَ) بضم السين وحذف الياء بعدَ الألف (وَعَمَرَة) بفتح العين وحذف الألف على جمع ساقي والعامر (٢)، تقديره: أجعلتم أصحابَ سقايةِ الحاجِّ، وأصحابَ عِمارةِ المسجدِ.
﴿كَمَنْ آمَنَ﴾ كإيمان مَنْ آمنَ ﴿بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ المعنى: إنكارٌ أن يشبه المشركين وأعمالُهم المحبَطَةُ بالمؤمنينَ وأعمالِهم المثبتَةِ، ثمّ قَرَّرَ ذلكَ بقولِه:
﴿لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ تنبيهٌ على أن التسويةَ بينَهم ظلمٌ.
﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ (١) والسقايةُ والعمارةُ: مَصْدَرا سَقَى وعَمَرَ. ورُوي عن أبي جعفرٍ أنّه قرأ: (سُقَاةَ) بضم السين وحذف الياء بعدَ الألف (وَعَمَرَة) بفتح العين وحذف الألف على جمع ساقي والعامر (٢)، تقديره: أجعلتم أصحابَ سقايةِ الحاجِّ، وأصحابَ عِمارةِ المسجدِ.
﴿كَمَنْ آمَنَ﴾ كإيمان مَنْ آمنَ ﴿بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ المعنى: إنكارٌ أن يشبه المشركين وأعمالُهم المحبَطَةُ بالمؤمنينَ وأعمالِهم المثبتَةِ، ثمّ قَرَّرَ ذلكَ بقولِه:
﴿لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ تنبيهٌ على أن التسويةَ بينَهم ظلمٌ.
(١) رواه مسلم (١٨٧٩)، كتاب: الإمارة، باب: فضل الشّهادة في سبيل الله تعالى.
(٢) انظر: "تفسير البغوي" (٢/ ٢٥٩)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٢٧٨)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ١١ - ١٢)، وقد ذكرها البغوي من قراءة ابن الزبير وأبيّ.
(٢) انظر: "تفسير البغوي" (٢/ ٢٥٩)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٢٧٨)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ١١ - ١٢)، وقد ذكرها البغوي من قراءة ابن الزبير وأبيّ.
﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (٢٠)﴾.
[٢٠] ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً﴾ أعلى رتبةً.
﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾ ممّن افتخروا بعِمارةِ المسجدِ الحرامِ وسقايةِ الحاجِّ.
﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ الظافرونَ (١) بأمنياتهم.
* * *
﴿يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (٢١)﴾.
[٢١] ﴿يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ﴾ دائمٌ. قرأ حمزةٌ: (يَبْشُرُهُمْ) بفتح الياء وتخفيف الشين وضمِّها من البشر، وهو البشرى والبشارة، وقرأ الباقون: بضم الياء وتشديد الشين مكسورةً، من بَشَّرَ المضعَّفِ على التكثير، والبشرُ والتبشيرُ والإبشارُ لغاتٌ فصيحاتٌ (٢)، وقرأ عاصمٌ بروايةِ أبي بكبر: (وَرُضوَانٍ) بضم الراء، والباقون: بكسرها (٣).
* * *
[٢٠] ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً﴾ أعلى رتبةً.
﴿عِنْدَ اللَّهِ﴾ ممّن افتخروا بعِمارةِ المسجدِ الحرامِ وسقايةِ الحاجِّ.
﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ الظافرونَ (١) بأمنياتهم.
* * *
﴿يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (٢١)﴾.
[٢١] ﴿يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ﴾ دائمٌ. قرأ حمزةٌ: (يَبْشُرُهُمْ) بفتح الياء وتخفيف الشين وضمِّها من البشر، وهو البشرى والبشارة، وقرأ الباقون: بضم الياء وتشديد الشين مكسورةً، من بَشَّرَ المضعَّفِ على التكثير، والبشرُ والتبشيرُ والإبشارُ لغاتٌ فصيحاتٌ (٢)، وقرأ عاصمٌ بروايةِ أبي بكبر: (وَرُضوَانٍ) بضم الراء، والباقون: بكسرها (٣).
* * *
(١) "الظافرون" ساقطة من "ش".
(٢) انظر: "التيسير" للداني (ص: ٨٧)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ١٢).
(٣) انظر: "الغيث" للصفاقسي (ص: ٢٣٧)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٢٤١)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ١٢).
(٢) انظر: "التيسير" للداني (ص: ٨٧)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ١٢).
(٣) انظر: "الغيث" للصفاقسي (ص: ٢٣٧)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٢٤١)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ١٢).
﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (٢٢)﴾.
[٢٢] ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ أكد الخلودَ بالتأبيدِ؛ لأنّه قد يستعمل للمكثِ الطويل ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾.
* * *
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٣)﴾.
[٢٣] عن ابن عبّاس رضي الله عنه: "لما أمرَ رسولُ الله - ﷺ - الناسَ بالهجرةِ إلى المدينة، فمنهم من تعلَّقَ به أهلُه وولدُه يقولون: ننشدُكَ بالله ألَّا تُضَيِّعَنا، فيرقُّ، فيقيمُ عليهم، ويدعُ الهجرةَ، فأنزل اللهُ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ (١) أصفياءَ وبطانةً يمنعونكم عن الإيمان، ويصدُّونكم عن الطاعةِ.
﴿إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ﴾ واختلافُ القراء في الهمزتين من (أَوْلِياءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا) كاختلافِهم فيهما من (أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ) في سورة البقرة.
﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ﴾ يؤثر المقامَ على الهجرةِ والجهادِ.
﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون﴾ بوضعِهم الموالاةَ في غيرِ موضعِها، وكان في ذلك الوقتِ لا يُقَبل الإيمانُ إِلَّا من مهاجرٍ.
* * *
[٢٢] ﴿خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ أكد الخلودَ بالتأبيدِ؛ لأنّه قد يستعمل للمكثِ الطويل ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾.
* * *
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٣)﴾.
[٢٣] عن ابن عبّاس رضي الله عنه: "لما أمرَ رسولُ الله - ﷺ - الناسَ بالهجرةِ إلى المدينة، فمنهم من تعلَّقَ به أهلُه وولدُه يقولون: ننشدُكَ بالله ألَّا تُضَيِّعَنا، فيرقُّ، فيقيمُ عليهم، ويدعُ الهجرةَ، فأنزل اللهُ: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ﴾ (١) أصفياءَ وبطانةً يمنعونكم عن الإيمان، ويصدُّونكم عن الطاعةِ.
﴿إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ﴾ واختلافُ القراء في الهمزتين من (أَوْلِياءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا) كاختلافِهم فيهما من (أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ) في سورة البقرة.
﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ﴾ يؤثر المقامَ على الهجرةِ والجهادِ.
﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون﴾ بوضعِهم الموالاةَ في غيرِ موضعِها، وكان في ذلك الوقتِ لا يُقَبل الإيمانُ إِلَّا من مهاجرٍ.
* * *
(١) انظر: "أسباب النزول" للواحدي (ص: ١٣٧)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٢٦٠).
﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (٢٤)﴾.
[٢٤] نزلت الآية الأولى، قال الذين أسلموا ولم يهاجروا: إنَّ نحنْ هاجرْنا، ضاعتْ أموالُنا، وذهبتْ تجارتنُا، وخربَتْ دورُنا، وقطعْنا أرحامَنا ﴿قُلْ﴾ يا محمدُ للمتخلِّفينَ عن الهجرةِ:
﴿إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ﴾ قرأ أبو بكرٍ عن عاصمٍ: (وَعَشِيَراتُكُمْ) بالألف على الجمع، والباقون: بغير ألف (١)؛ أي: قومُكم بمكة.
﴿وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا﴾ اكتسبتموها ﴿وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا﴾ عدمَ نَفاقِها ﴿وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا﴾ تستطيبونَها.
﴿أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ﴾ الحبّ الاختياري دونَ الطبيعيِّ؛ فإنّه لا يدخلُ تحتَ التكليفِ التحفظ عنه.
﴿فَتَرَبَّصُوا﴾ أي: انتظروا ﴿حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ بقضائِه، وهو تهديدٌ لمن يؤثرُ لذاتِ الدنيا على الآخرة.
﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ لا يرشدُهم، والفسقُ: الخروجُ عن الطّاعة.
* * *
[٢٤] نزلت الآية الأولى، قال الذين أسلموا ولم يهاجروا: إنَّ نحنْ هاجرْنا، ضاعتْ أموالُنا، وذهبتْ تجارتنُا، وخربَتْ دورُنا، وقطعْنا أرحامَنا ﴿قُلْ﴾ يا محمدُ للمتخلِّفينَ عن الهجرةِ:
﴿إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ﴾ قرأ أبو بكرٍ عن عاصمٍ: (وَعَشِيَراتُكُمْ) بالألف على الجمع، والباقون: بغير ألف (١)؛ أي: قومُكم بمكة.
﴿وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا﴾ اكتسبتموها ﴿وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا﴾ عدمَ نَفاقِها ﴿وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا﴾ تستطيبونَها.
﴿أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ﴾ الحبّ الاختياري دونَ الطبيعيِّ؛ فإنّه لا يدخلُ تحتَ التكليفِ التحفظ عنه.
﴿فَتَرَبَّصُوا﴾ أي: انتظروا ﴿حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ﴾ بقضائِه، وهو تهديدٌ لمن يؤثرُ لذاتِ الدنيا على الآخرة.
﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ لا يرشدُهم، والفسقُ: الخروجُ عن الطّاعة.
* * *
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣١٣)، و"التيسير" للداني (ص: ١١٨)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٢٦١)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ١٣).
﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (٢٥)﴾.
[٢٥] ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ﴾ مشاهدَ.
﴿كَثِيرَةٍ﴾ كبدرٍ، وفتحِ مكةَ، وقريظةَ، والنضيرِ.
﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ﴾ اسمُ وادٍ بينَ مكَّةَ والطائفِ، بينهما ثلاثةُ أميال.
وملخَّصُ القصةِ: أنَّ رسولَ الله - ﷺ - لما فتحَ مكةَ في شهرِ رمضانَ سنةَ ثمانٍ من الهجرةِ، تجمعَتْ هوازنُ بحريمِهم وأموالِهم لحربِ رسولِ الله - ﷺ -، ومقدَّمُهم مالكُ بنُ عوفٍ النَّصْريُّ، وانضمَّتْ إليه ثقيفُ، وهم أهلُ الطائف، وبنو سعدٍ، وهم الذين كانَ النبيُّ - ﷺ - مرتَضَعًا عندَهم، فلما سمعَ رسولُ الله - ﷺ - باجتماعِهم، وكانوا أربعةَ آلافٍ، خرجَ من مكةَ لِسِتٍّ خَلَوْنَ من شوالٍ، وخرجَ معه اثنا عشرَ ألفًا، منها عشرة آلاف كانتْ معه، وألفانِ من أهلِ مكةَ، وحضر جماعةٌ كثيرةٌ من المشركين، وهم مع رسولِ اللهِ - ﷺ -، وانتهى إلى حُنَيْنٍ، وركبَ بغلتَهَ الدُّلدُل، وقال رجلٌ من الأنصار يقالُ له سلمةُ بنُ سلامةَ لما رأى كثرةَ مَنْ معَ النّبيّ - ﷺ -: لنْ يغلب هؤلاءِ من قلة، فساءَ رسولَ اللهِ - ﷺ - كلامُه، فلما التقى الجمعان، انكشفَ المسلمونَ، لا يَلْوي أحدٌ على أحدٍ، وانحازَ رسولُ اللهِ - ﷺ - في نفرٍ من المهاجرينَ والأنصارِ وأهلِ بيتِه، واستمرَّ رسولُ اللهِ - ﷺ - ثابتًا، وتراجعَ المسلمون، واقتتلوا قتالًا شديدًا، وأخذ - ﷺ - حَصياتٍ فرمى بها في وَجْهِ المشركينَ، فكانتِ الهزيمةُ، ونصرَ الله المسلمين، واتَّبَع المسلمون المشركين يقتلونهم ويأسرونهم.
[٢٥] ﴿لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ﴾ مشاهدَ.
﴿كَثِيرَةٍ﴾ كبدرٍ، وفتحِ مكةَ، وقريظةَ، والنضيرِ.
﴿وَيَوْمَ حُنَيْنٍ﴾ اسمُ وادٍ بينَ مكَّةَ والطائفِ، بينهما ثلاثةُ أميال.
وملخَّصُ القصةِ: أنَّ رسولَ الله - ﷺ - لما فتحَ مكةَ في شهرِ رمضانَ سنةَ ثمانٍ من الهجرةِ، تجمعَتْ هوازنُ بحريمِهم وأموالِهم لحربِ رسولِ الله - ﷺ -، ومقدَّمُهم مالكُ بنُ عوفٍ النَّصْريُّ، وانضمَّتْ إليه ثقيفُ، وهم أهلُ الطائف، وبنو سعدٍ، وهم الذين كانَ النبيُّ - ﷺ - مرتَضَعًا عندَهم، فلما سمعَ رسولُ الله - ﷺ - باجتماعِهم، وكانوا أربعةَ آلافٍ، خرجَ من مكةَ لِسِتٍّ خَلَوْنَ من شوالٍ، وخرجَ معه اثنا عشرَ ألفًا، منها عشرة آلاف كانتْ معه، وألفانِ من أهلِ مكةَ، وحضر جماعةٌ كثيرةٌ من المشركين، وهم مع رسولِ اللهِ - ﷺ -، وانتهى إلى حُنَيْنٍ، وركبَ بغلتَهَ الدُّلدُل، وقال رجلٌ من الأنصار يقالُ له سلمةُ بنُ سلامةَ لما رأى كثرةَ مَنْ معَ النّبيّ - ﷺ -: لنْ يغلب هؤلاءِ من قلة، فساءَ رسولَ اللهِ - ﷺ - كلامُه، فلما التقى الجمعان، انكشفَ المسلمونَ، لا يَلْوي أحدٌ على أحدٍ، وانحازَ رسولُ اللهِ - ﷺ - في نفرٍ من المهاجرينَ والأنصارِ وأهلِ بيتِه، واستمرَّ رسولُ اللهِ - ﷺ - ثابتًا، وتراجعَ المسلمون، واقتتلوا قتالًا شديدًا، وأخذ - ﷺ - حَصياتٍ فرمى بها في وَجْهِ المشركينَ، فكانتِ الهزيمةُ، ونصرَ الله المسلمين، واتَّبَع المسلمون المشركين يقتلونهم ويأسرونهم.
168
ولما فرغَ - ﷺ - من حُنين، بعثَ أبا عامرٍ على جيشٍ لغزوةِ أوطاس، فاستُشهد رضي الله عنه، وانهزمت ثقيفُ إلى الطائف، فأغلقوا بابَ مدينتِهم، فسار النبيُّ - ﷺ -، وحاصرهم نيفًا وعشرين يومًا، وقاتلَهم بالمنجنيقِ، وأمر بقطعِ أعنابِهم، ثمّ رحلَ عنهم، ونزلَ بالجعرانةِ، وأتى إليه بعضُ هوازن مسلمين، وسألوه أن يردَّ إليهم أموالَهم وسَبْيَهم، فخيرَّهم بينَ المالِ والسبي، فاختاروا السبيَ، فرد النّاسُ أبناءهم ونساءهم، ثمّ لحقَ مالكُ بن عوفٍ مقدَّم هوازنَ برسولِ الله - ﷺ -، وأسلمَ وحسنَ إسلامُه، واستعملَه رسولُ الله - ﷺ - على قومِه وعلى من أسلمَ من تلكَ القبائل، وكانَ عدةُ السبي الّذي أطلقَه ستةَ آلافٍ، ثمّ قسمَ الأموالَ، وكانت عدةُ الإبلِ أربعةً وعشرينَ ألفَ بعيرٍ، والغنمِ أكثرَ من أربعين ألفَ شاة، ومن الفضةِ أربعه آلافِ أوقيةٍ، وأعطى المؤلَفة قلوبُهم مثلَ أبي سفيان، وابنيه يزيدَ ومعاويةَ، وسهلِ بنِ عمرو، وعكرمةَ بنِ أبي جهلٍ، والحارثِ بنِ هشامٍ أخي أبي جهل، وصفوانَ بنِ أميةَ، وهؤلاء من قريش، وأعطى الأقرعَ بنَ حابسٍ التميميَّ، وعُيَيْنَةَ بنَ حصنٍ، ومالكَ بنَ عوفٍ مقدَّمَ هوازنَ وأمثالَهم، فأعطى لكلِّ واحدٍ من الأشراف مئةً من الإبل، وأعطى الآخرين لكلِّ واحدٍ أربعينَ، وأعطَى العباسَ بنَ مِرْداسَ السلميَّ أباعر لم يرضَها، فقالَ في ذلكَ من أبياتٍ:
فَأَصْبحَ نهبي وَنْهب الْعُبَيْـ | ـدِ بَيْنَ عُيَيْنَة وَالأَقْرَعِ |
وَمَا كَانَ حِصْنٌ وَلَا حَابِسٌ | يَفُوقَانِ مِرْدَاسَ فِي مَجْمَعِ |
وَمَا كُنْتُ دُونَ أمْرِئٍ مِنهُما | وَمَنْ تَضَعِ الْيَوْمَ لَمْ يُرْفَعِ |
أَلاَ كُلُّ مَنْ لاَ يَقْتَدِي بِأَئِمَّةٍ | فَقِسْمَتُهُ ضِيزَى عَنِ الْحَقِّ خَارِجَهْ |
فَخُذْهُمْ عُبَيْدُ اللهِ عُرْوَةُ قَاسِمٌ | سَعِيدٌ سُلَيْمَان أَبُو بَكْرٍ خَارِجَهْ |
﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (١٠١)﴾.
[١٠١] قوله تعالى: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ﴾ أي: حولَ بلدِكم، وهي المدينةُ ﴿مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ﴾ وهم مُزَيْنَةُ وجُهَيْنَةُ، وأَشْجَعُ وأَسْلَمُ، وَغِفارٌ كانوا نازلينَ حولَ المدينة.
﴿وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ﴾ قومٌ منافقون ﴿مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ﴾ مَرَنوا وتَمَهَّروا فيه، وهم من الأوسِ والخزرجِ ﴿لَا تَعْلَمُهُمْ﴾ أنتَ يا محمدُ.
﴿نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ﴾ الأُولى: فضْيحَتُهم في الدنيا؛ لأنه - ﷺ - قامَ يومَ جمعةٍ خطيبًا فقال: "اخْرُجْ يَا فُلاَنُ وَيَا فُلاَنُ، فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ"، فأخرجَ جماعةً من المسجد (١)، الثانية: عذابُهم في الآخرةِ، وقيل: هما القتلُ وعذابُ القبرِ.
﴿ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيِمِ﴾ بأن يخلَّدوا في جهنمَ.
* * *
﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٠٢)﴾.
[١٠٢] ﴿وَآخَرُونَ﴾ مبتدأٌ ﴿اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ﴾ صفتُه، وخبرُه:
﴿خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا﴾ وهو إقرارُهم وتوبتُهم.
﴿وَآخَرَ سَيِّئًا﴾ هو تخلُّفُهم، وضعَ الواوَ موضعَ الباءِ كما يقالُ: خلطتُ الماءَ واللبنَ؛ أي: باللبنِ.
﴿عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ يقبلَ توبتهم ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ يتجاوزُ عن التائب.
* * *
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٠٣)﴾.
[١٠٣] فجاؤوا النبيَّ - ﷺ - وقالوا: خذْ أموالَنا التي تخلَّفْنا عنكَ بسببِها،
﴿ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيِمِ﴾ بأن يخلَّدوا في جهنمَ.
* * *
﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٠٢)﴾.
[١٠٢] ﴿وَآخَرُونَ﴾ مبتدأٌ ﴿اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ﴾ صفتُه، وخبرُه:
﴿خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا﴾ وهو إقرارُهم وتوبتُهم.
﴿وَآخَرَ سَيِّئًا﴾ هو تخلُّفُهم، وضعَ الواوَ موضعَ الباءِ كما يقالُ: خلطتُ الماءَ واللبنَ؛ أي: باللبنِ.
﴿عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ﴾ يقبلَ توبتهم ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ يتجاوزُ عن التائب.
* * *
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٠٣)﴾.
[١٠٣] فجاؤوا النبيَّ - ﷺ - وقالوا: خذْ أموالَنا التي تخلَّفْنا عنكَ بسببِها،
(١) رواه الطبراني في "المعجم الأوسط" (٧٩٢)، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-. وانظر: "تخريج أحاديث الكشاف" للزيلعي (٢/ ٩٦ - ٩٧).
فتصدَّقْ ما، واستغفرْ لنا فقال: "لَمْ أُؤْمَرْ بِذَلِكَ" فأنزلَ اللهُ تعالى:
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ﴾ (١) من ذنوبهِم.
﴿وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ أي: تنمِّي حسناتِهم، وترفَعُهم من منازلِ المنافقينَ إلى منازلِ المخلِصين.
﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ أي: ادعُ لهم واستغفرْ.
﴿إِنَّ صَلَاتَكَ﴾ قرأ حمزةُ، والكسائيُّ، وخلفٌ، وحفصٌ عن عاصمٍ: (إِنَّ صَلاَتَكَ) على التوحيد، وفتحِ التاءِ، والباقون: بالجمعِ وكسرِ التاء (٢) ﴿سَكَنٌ لَهُمْ﴾ طُمَأْنينةٌ ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ﴾ لاعترافِهم ﴿عَلِيمٌ﴾ بندامَتِهم.
* * *
﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٠٤)﴾.
[١٠٤] فلما نزلتْ توبةُ هؤلاءِ، قال الذين لم يتوبوا من المتخلِّفين: هؤلاء كانوا معنا بالأمسِ لا يُكَلَّمون ولا يُجالَسون، فما لهم؟! فقال الله تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ﴾ إذا صحَّتْ.
﴿وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ﴾ أي: يقبلُها ﴿وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ وأنَّ من شأنِه قبولَ توبةِ التائبينَ، قالَ - ﷺ -: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! مَا مِنْ عَبْدٍ يَتَصَدَّقُ
﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ﴾ (١) من ذنوبهِم.
﴿وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا﴾ أي: تنمِّي حسناتِهم، وترفَعُهم من منازلِ المنافقينَ إلى منازلِ المخلِصين.
﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ أي: ادعُ لهم واستغفرْ.
﴿إِنَّ صَلَاتَكَ﴾ قرأ حمزةُ، والكسائيُّ، وخلفٌ، وحفصٌ عن عاصمٍ: (إِنَّ صَلاَتَكَ) على التوحيد، وفتحِ التاءِ، والباقون: بالجمعِ وكسرِ التاء (٢) ﴿سَكَنٌ لَهُمْ﴾ طُمَأْنينةٌ ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ﴾ لاعترافِهم ﴿عَلِيمٌ﴾ بندامَتِهم.
* * *
﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٠٤)﴾.
[١٠٤] فلما نزلتْ توبةُ هؤلاءِ، قال الذين لم يتوبوا من المتخلِّفين: هؤلاء كانوا معنا بالأمسِ لا يُكَلَّمون ولا يُجالَسون، فما لهم؟! فقال الله تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ﴾ إذا صحَّتْ.
﴿وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ﴾ أي: يقبلُها ﴿وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ وأنَّ من شأنِه قبولَ توبةِ التائبينَ، قالَ - ﷺ -: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ! مَا مِنْ عَبْدٍ يَتَصَدَّقُ
(١) انظر: "أسباب النزول" للواحدي (ص: ١٤٦)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٣٢١)، و"تخريج أحاديث الكشاف" للزيلعي (٢/ ٩٧).
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣١٧)، و"التيسير" للداني (ص: ١١٩)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٣٢٢)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٢٨١)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٣٩ - ٤٠).
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣١٧)، و"التيسير" للداني (ص: ١١٩)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٣٢٢)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٢٨١)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٣٩ - ٤٠).
237
بِصَدَقَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلاَ يَقْبَلُ اللهُ إِلَّا طَيِّبًا، وَلاَ يَصْعَدُ إِلىَ السَّمَاءِ إِلَّا طَيِّبٌ، إِلَّا كَأَنَّمَا يَضَعُهَا فِي يَدِ الرَّحْمَنِ، فَيُرَبِّيهَا لَهُ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فُلُوَّهُ، حَتَّى إِنَّ اللُّقْمَةَ لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامةِ وَإِنَّهَا مِثْلُ الْجَبَلِ الْعَظِيمِ" (١) قال البغويُّ رحمه الله في "شرح السنة": كلُّ ما جاء به الكتابُ والسنَّةُ من هذا القَبيلِ من صفاتِ الباري تعالى؛ كالنَفْسِ والوجهِ واليدِ والرِّجْلِ، والإتيانِ والمجيءِ والنزولِ إِلى السَّماءِ الدنيا، والاستواءِ على العرشِ، والضحكِ والفرحِ، فهذه ونظائرُها صفاتُ الله تعالى وردَ. ما (٢) الشرعُ يجبُ الإيمانُ ما وإمرارُها على ظاهرِها مُعْرِضًا فيها عن التأويلِ، مُجْتَنبًا عن التشبيهٍ، مُعْتَقِدًا أن الباريَ لا يشبهُ شيءٌ من صفاتِه صفاتِ الخَلْقِ، كما لا تُشبهُ ذاتُه ذاتَ الخلقِ، قالَ الله تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١] وعلى هذا مضى سلفُ الأمةِ وعلماءُ السنَّة، تَلَقَّوها جميعَها بالإيمانِ والقبولِ، وتجنَّبوا فيها من التمثيلِ والتأويلِ، ووَكَلُوا العلمَ فيها إلى اللهِ تعالى كما أخبرَ عن الراسخينَ في العلمِ فقال: ﴿وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا﴾ [آل عمران: ٧] انتهى (٣).
* * *
* * *
(١) رواه البخاري (١٣٤٤)، كتاب: الزكاة، باب: لا يقبل الله صدقة من غلول، ولا يقبل إلا من كسب طيب، ومسلم (١٠١٤)، كتاب: الزكاة، باب: قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.
(٢) في "ت": "به".
(٣) انظر: "شرح السنة" للبغوي (١/ ١٦٨).
(٢) في "ت": "به".
(٣) انظر: "شرح السنة" للبغوي (١/ ١٦٨).
238
﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٠٥)﴾.
[١٠٥] ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا﴾ ما شئتُمْ ﴿فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ فإنَّه لا يخفى على اللهِ، خيرًا كانَ أو شرًّا.
﴿وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ بالمجازاةِ عليه.
* * *
﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠٦)﴾.
[١٠٦] ﴿وَآخَرُونَ﴾ من المتخلِّفينَ التائبينَ ﴿مُرْجَوْنَ﴾ مُؤَخَّرون.
﴿لِأَمْرِ اللَّهِ﴾ فيهم بما يشاءُ. قرأ ابنُ كثيرٍ، وأبو عمرو، وابنُ عامرٍ، وأبو بكرٍ عن عاصمٍ: (مُرْجَؤُونَ) بالهمز، والباقون: بالواو بغير همز (١)، والمرجَؤُون هم الثلاثةُ الذين تأتي قصَّتُهم، وهم كعبُ بنُ مالكٍ، وهلالُ بنُ أميةَ، ومرارةُ بنُ الربيع، لم يبالِغوا في التوبةِ والاعتذار كما فعلَ أبو لُبابةَ، فتوقَّفَ رسولُ الله - ﷺ - في توبَتِهم.
﴿إِمَّا يُعَذِّبُهُم﴾ إنْ لم يتوبوا ﴿وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾ إنْ تابوا.
[١٠٥] ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا﴾ ما شئتُمْ ﴿فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾ فإنَّه لا يخفى على اللهِ، خيرًا كانَ أو شرًّا.
﴿وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ بالمجازاةِ عليه.
* * *
﴿وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠٦)﴾.
[١٠٦] ﴿وَآخَرُونَ﴾ من المتخلِّفينَ التائبينَ ﴿مُرْجَوْنَ﴾ مُؤَخَّرون.
﴿لِأَمْرِ اللَّهِ﴾ فيهم بما يشاءُ. قرأ ابنُ كثيرٍ، وأبو عمرو، وابنُ عامرٍ، وأبو بكرٍ عن عاصمٍ: (مُرْجَؤُونَ) بالهمز، والباقون: بالواو بغير همز (١)، والمرجَؤُون هم الثلاثةُ الذين تأتي قصَّتُهم، وهم كعبُ بنُ مالكٍ، وهلالُ بنُ أميةَ، ومرارةُ بنُ الربيع، لم يبالِغوا في التوبةِ والاعتذار كما فعلَ أبو لُبابةَ، فتوقَّفَ رسولُ الله - ﷺ - في توبَتِهم.
﴿إِمَّا يُعَذِّبُهُم﴾ إنْ لم يتوبوا ﴿وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ﴾ إنْ تابوا.
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣١٨)، و"التيسير" للداني (ص: ١١٩)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٣٢٤)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٢٨١)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٤١).
﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ فيما يفعلُ بهم، فنزلتْ توبتُهم بعدَ خمسينَ ليلةً.
* * *
﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١٠٧)﴾.
[١٠٧] ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا﴾ قرأ نافعٌ، وأبو جعفرٍ، وأبو عمرو: (الَّذيِنَ) بغيرِ واوٍ قبلَ الذين، وكذلكَ هو في مصاحِفهم، والباقون: بالواو.
﴿مَسْجِدًا ضِرَارًا﴾ أي: مضارَّةً، نزلتْ في جماعةٍ من المنافقين بَنَوا مسجِدًا يضارُّونَ به مسجدَ قُباء، وكانوا اثني عشرَ رجلًا، فعلوا ذلكَ مضارَّة للمؤمنين.
﴿كُفْرًا﴾ باللهِ ورسولهِ.
﴿وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الذين كانوا يجتمعونَ للصلاةِ في مسجدِ قُباء، فلما فرغوا، أتوا الرسولَ - ﷺ - وهو يتجهَّزُ إلى تبوكَ، وقالوا: يا رسولَ الله! إنا قد بنينا مسجِدًا لذي العِلَّةِ والحاجَةِ والليلةِ المَطِيَرةِ، وإنَّا نحبُّ أن تأتيَنا وتصلِّي لنا فيه، وتدعوَ بالبركة، فقالَ رسولُ الله - ﷺ -: "إِنِّي عَلَى جَنَاحِ سَفَرٍ، وإِنْ قَدِمْنَا إِنْ شَاءَ اللهُ صَلَّيْنَا لَكُمْ فِيهِ"، وكان أبو عامرٍ الراهبُ رَجُلًا منهم قد تنَصَّرَ في الجاهليةِ، وتَرَهَّبَ، ولم يزلْ يقاتلُ النبيَّ - ﷺ - حتى هُزِمَ يومَ حُنين، وسماهُ: أبا عامرٍ الفاسقَ، كان قال لهم:
* * *
﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١٠٧)﴾.
[١٠٧] ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا﴾ قرأ نافعٌ، وأبو جعفرٍ، وأبو عمرو: (الَّذيِنَ) بغيرِ واوٍ قبلَ الذين، وكذلكَ هو في مصاحِفهم، والباقون: بالواو.
﴿مَسْجِدًا ضِرَارًا﴾ أي: مضارَّةً، نزلتْ في جماعةٍ من المنافقين بَنَوا مسجِدًا يضارُّونَ به مسجدَ قُباء، وكانوا اثني عشرَ رجلًا، فعلوا ذلكَ مضارَّة للمؤمنين.
﴿كُفْرًا﴾ باللهِ ورسولهِ.
﴿وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الذين كانوا يجتمعونَ للصلاةِ في مسجدِ قُباء، فلما فرغوا، أتوا الرسولَ - ﷺ - وهو يتجهَّزُ إلى تبوكَ، وقالوا: يا رسولَ الله! إنا قد بنينا مسجِدًا لذي العِلَّةِ والحاجَةِ والليلةِ المَطِيَرةِ، وإنَّا نحبُّ أن تأتيَنا وتصلِّي لنا فيه، وتدعوَ بالبركة، فقالَ رسولُ الله - ﷺ -: "إِنِّي عَلَى جَنَاحِ سَفَرٍ، وإِنْ قَدِمْنَا إِنْ شَاءَ اللهُ صَلَّيْنَا لَكُمْ فِيهِ"، وكان أبو عامرٍ الراهبُ رَجُلًا منهم قد تنَصَّرَ في الجاهليةِ، وتَرَهَّبَ، ولم يزلْ يقاتلُ النبيَّ - ﷺ - حتى هُزِمَ يومَ حُنين، وسماهُ: أبا عامرٍ الفاسقَ، كان قال لهم:
ابنوا مسجدًا، فإني ذاهبٌ إلى قيصرَ، فآتي بجنودٍ فأُخرجُ محمدًا وأصحابَه من المدينة، فهذا معنى قوله تعالى:
﴿وَإِرْصَادًا﴾ (١) أي: إعدادًا.
﴿لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ أي: لأجلِ هذا المنافقِ الذي حاربَ.
﴿مِنْ قَبْلُ﴾ أي: من قبلِ بناءِ مسجدِ الضِّرارِ إلى جنبِ مسجدِ قُباء، ولما خرجَ إلى الشامِ ليأتيَ من قَيْصَرٍ بجنودٍ يحاربُ بهم رسولَ الله - ﷺ -، هَلَكَ بِقِنَّسْرينَ طَريدًا وحيدًا.
﴿وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا﴾ أي: ما أردْنا ﴿إِلَّا﴾ الفعلَةَ ﴿الْحُسْنَى﴾ ببناءِ هذا المسجد، وهي الرفقُ بالمسكينِ والضعيفِ في الليلةِ الشاتيةِ وشدَّةِ الحرِّ، والسَّعَة على المسلمينَ.
﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ في حلفِهم.
* * *
﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (١٠٨)﴾.
[١٠٨] فلما خرجَ - ﷺ - إلى تبوكَ، سألوهُ إتيانَ مسجدِهم ليصلِّي فيهِ، فنزلَ: ﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا﴾ لا تصلِّ في مسجدِ الضِّرارِ، وأُخبر بحالِهم فأرسل وَحْشِيًّا بجماعةٍ، فحرقوهُ وهدموهُ، وتفرَّقَ أهلُه فجُعل مكانَه كُناسةٌ تُلْقى فيها (٢) الجِيَفُ.
﴿وَإِرْصَادًا﴾ (١) أي: إعدادًا.
﴿لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ أي: لأجلِ هذا المنافقِ الذي حاربَ.
﴿مِنْ قَبْلُ﴾ أي: من قبلِ بناءِ مسجدِ الضِّرارِ إلى جنبِ مسجدِ قُباء، ولما خرجَ إلى الشامِ ليأتيَ من قَيْصَرٍ بجنودٍ يحاربُ بهم رسولَ الله - ﷺ -، هَلَكَ بِقِنَّسْرينَ طَريدًا وحيدًا.
﴿وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا﴾ أي: ما أردْنا ﴿إِلَّا﴾ الفعلَةَ ﴿الْحُسْنَى﴾ ببناءِ هذا المسجد، وهي الرفقُ بالمسكينِ والضعيفِ في الليلةِ الشاتيةِ وشدَّةِ الحرِّ، والسَّعَة على المسلمينَ.
﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ في حلفِهم.
* * *
﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (١٠٨)﴾.
[١٠٨] فلما خرجَ - ﷺ - إلى تبوكَ، سألوهُ إتيانَ مسجدِهم ليصلِّي فيهِ، فنزلَ: ﴿لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا﴾ لا تصلِّ في مسجدِ الضِّرارِ، وأُخبر بحالِهم فأرسل وَحْشِيًّا بجماعةٍ، فحرقوهُ وهدموهُ، وتفرَّقَ أهلُه فجُعل مكانَه كُناسةٌ تُلْقى فيها (٢) الجِيَفُ.
(١) انظر: "تفسير ابن كثير" (٢/ ٣٨٩)، و"تخريج أحاديث الكشاف" للزيلعي (٢/ ١٠٠)، و"الدر المنثور" للسيوطي (٤/ ٢٨٦).
(٢) في "ظ": "فيه".
(٢) في "ظ": "فيه".
﴿لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ﴾ أي: بني أصلُه ﴿عَلَى التَّقْوَى﴾ واللامُ للابتداء.
﴿مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ﴾ وُضِع أساسُه.
﴿أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ﴾ مصلِّيًّا، خبرُ الابتداء، والمسجدُ المؤَسَّسُ على التقوى هو مسجدُ رسولِ الله - ﷺ -، وردَ بهِ الحديثُ عنه عليه السلام، وقيل: مسجدُ قُباء؛ لأنه - ﷺ - أَسَّسَه وصلَّى فيهِ أيامَ مُقامِه بقُباء من الاثنينِ إلى الجمعةِ.
﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا﴾ بالتوبةِ من المعاصي، وقيلَ: بالماءِ من الأحداث.
﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ يَرْضَى عنهم.
* * *
﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠٩)﴾.
[١٠٩] ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ﴾ قرأ نافعٌ، وابنُ عامرٍ: (أُسِّسَ) بضم الهمزة وكسر السين (بُنْيَانُهُ) رفعٌ فيه جميعًا على غير تسميةِ الفاعلِ، والباقون بفتح الهمزةِ والسينِ والنونِ على تسميةِ الفاعلِ (١)، والمرادُ: قواعدُ البنيانِ.
﴿عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ﴾ أي: على طلب التقوى، ورضا الله.
﴿مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ﴾ وُضِع أساسُه.
﴿أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ﴾ مصلِّيًّا، خبرُ الابتداء، والمسجدُ المؤَسَّسُ على التقوى هو مسجدُ رسولِ الله - ﷺ -، وردَ بهِ الحديثُ عنه عليه السلام، وقيل: مسجدُ قُباء؛ لأنه - ﷺ - أَسَّسَه وصلَّى فيهِ أيامَ مُقامِه بقُباء من الاثنينِ إلى الجمعةِ.
﴿فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا﴾ بالتوبةِ من المعاصي، وقيلَ: بالماءِ من الأحداث.
﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ﴾ يَرْضَى عنهم.
* * *
﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠٩)﴾.
[١٠٩] ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ﴾ قرأ نافعٌ، وابنُ عامرٍ: (أُسِّسَ) بضم الهمزة وكسر السين (بُنْيَانُهُ) رفعٌ فيه جميعًا على غير تسميةِ الفاعلِ، والباقون بفتح الهمزةِ والسينِ والنونِ على تسميةِ الفاعلِ (١)، والمرادُ: قواعدُ البنيانِ.
﴿عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ﴾ أي: على طلب التقوى، ورضا الله.
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣١٨)، و"التيسير" للداني (ص: ١١٩)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٣٢٨)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٤٢).
242
﴿خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ﴾ طرفِ وادٍ مُنْحفِرٍ أصلهُ بالماء.
قرأ ابنُ عامرٍ، وحمزةُ، وخلفٌ، وأبو بكرٍ عن عاصمٍ: (جُرْفٍ) ساكنة الراء، والباقون: بضم الراء، وهما لغتان (١).
﴿هَارٍ﴾ أي: أشرفَ على السقوط. قرأ أبو عمرو، والكسائيُّ، وأبو بكرٍ عن عاصمٍ: (هَارِ) بالإمالة، واختلِفَ عن قالونَ وابنِ ذكوانَ، ورُوي عن يعقوبَ، وقنبلٍ الوقفُ بالياءِ على (هَارِي) (٢).
﴿فَانْهَارَ بِهِ﴾ أي: سقطَ بالباني.
﴿فِي نَارِ جَهَنَّمَ﴾ يريدُ: بناءُ هَذا المسجدِ الضِّرارِ كالبناءِ على شفيرِ جهنَّمَ يتهوَّرُ بأهلِها فيها.
﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ إلى ما فيه نجاتُهم، المعنى: أفمنْ أَسَّسَ دينَه على أثبتِ القواعدِ، وهو الإيمانُ خيرٌ، أم مَنْ أَسَّسه على أضعفِ القواعدِ، وهو الكفرُ، فيسقطُ صاحبُه في النار؟ ورُوي أنه حُفِرَتْ بقعةٌ في مسجدِ الضرار، فرئي الدخانُ يخرجُ منها (٣).
...
قرأ ابنُ عامرٍ، وحمزةُ، وخلفٌ، وأبو بكرٍ عن عاصمٍ: (جُرْفٍ) ساكنة الراء، والباقون: بضم الراء، وهما لغتان (١).
﴿هَارٍ﴾ أي: أشرفَ على السقوط. قرأ أبو عمرو، والكسائيُّ، وأبو بكرٍ عن عاصمٍ: (هَارِ) بالإمالة، واختلِفَ عن قالونَ وابنِ ذكوانَ، ورُوي عن يعقوبَ، وقنبلٍ الوقفُ بالياءِ على (هَارِي) (٢).
﴿فَانْهَارَ بِهِ﴾ أي: سقطَ بالباني.
﴿فِي نَارِ جَهَنَّمَ﴾ يريدُ: بناءُ هَذا المسجدِ الضِّرارِ كالبناءِ على شفيرِ جهنَّمَ يتهوَّرُ بأهلِها فيها.
﴿وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ إلى ما فيه نجاتُهم، المعنى: أفمنْ أَسَّسَ دينَه على أثبتِ القواعدِ، وهو الإيمانُ خيرٌ، أم مَنْ أَسَّسه على أضعفِ القواعدِ، وهو الكفرُ، فيسقطُ صاحبُه في النار؟ ورُوي أنه حُفِرَتْ بقعةٌ في مسجدِ الضرار، فرئي الدخانُ يخرجُ منها (٣).
...
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣١٨)، و"التيسير" للداني (ص: ١١٩)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٣٢٨)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٢١٦)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٤٣).
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣١٩)، و"التيسير" للداني (ص: ١٢٠)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٥٥ - ٥٦)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٤٣ - ٤٤).
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" (١١/ ٣٢)، عن قتادة.
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣١٩)، و"التيسير" للداني (ص: ١٢٠)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٥٥ - ٥٦)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٤٣ - ٤٤).
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" (١١/ ٣٢)، عن قتادة.
243
﴿لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١١٠)﴾.
[١١٠] ﴿لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ﴾ يعني: المنافقينَ البانينَ للمسجدِ، ومَنْ شركَهم في غرضِهم، وقوله: ﴿الَّذِي بَنَوْا﴾ تأكيدٌ وتصريحٌ بأمرِ المسجدِ ورفع الإشكالِ.
﴿رِيبَةً﴾ شَكًّا ونفاقًا ﴿فِي قُلُوبِهِمْ﴾ يحسبون أنهم كانوا في بنائِه مُحسنينَ، ولما هدمَهُ - ﷺ -، ازدادوا تصميمًا على النفاقِ.
﴿إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ﴾ أي: لا تفارقُهم الريبةُ حتى تُقَطَّعَ قلوبُهم بحيثُ لا يبقى لها قابليةُ الإدراكِ والإضمار. قرأ نافعٌ، وابنُ كثيرٍ، وأبو عمرٍو، والكسائيُّ، وخلفٌ: (إلا) بتشديدِ اللامِ على أنه حرفُ استثناء (تُقَطَّعَ) بضم التاءِ وبناءِ الفعل للمفعول، وقرأ ابنُ عامرٍ، وحمزةُ، وعاصمٌ بروايةِ حفصٍ، وأبو جعفرٍ: (إلا) بالتشديد كما تقدَّم (تَقَطَّعَ) بفتحِ التاء؛ أي: تتقطع، وقرأ يعقوبُ: (إِلىَ) بتخفيفِ اللام، فجعلَه حرفَ جر (تَقَطَّعَ) بفتح التاء كابنِ عامرٍ ومَنْ وافقَهُ، ورُوي عنه أيضًا: بضمِّ التاءِ خفيف من القطع (١).
﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾ بنيَّاتِهم ﴿حَكِيمٌ﴾ فيما أَمَرَ بهدمِ بنائهم.
* * *
[١١٠] ﴿لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ﴾ يعني: المنافقينَ البانينَ للمسجدِ، ومَنْ شركَهم في غرضِهم، وقوله: ﴿الَّذِي بَنَوْا﴾ تأكيدٌ وتصريحٌ بأمرِ المسجدِ ورفع الإشكالِ.
﴿رِيبَةً﴾ شَكًّا ونفاقًا ﴿فِي قُلُوبِهِمْ﴾ يحسبون أنهم كانوا في بنائِه مُحسنينَ، ولما هدمَهُ - ﷺ -، ازدادوا تصميمًا على النفاقِ.
﴿إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ﴾ أي: لا تفارقُهم الريبةُ حتى تُقَطَّعَ قلوبُهم بحيثُ لا يبقى لها قابليةُ الإدراكِ والإضمار. قرأ نافعٌ، وابنُ كثيرٍ، وأبو عمرٍو، والكسائيُّ، وخلفٌ: (إلا) بتشديدِ اللامِ على أنه حرفُ استثناء (تُقَطَّعَ) بضم التاءِ وبناءِ الفعل للمفعول، وقرأ ابنُ عامرٍ، وحمزةُ، وعاصمٌ بروايةِ حفصٍ، وأبو جعفرٍ: (إلا) بالتشديد كما تقدَّم (تَقَطَّعَ) بفتحِ التاء؛ أي: تتقطع، وقرأ يعقوبُ: (إِلىَ) بتخفيفِ اللام، فجعلَه حرفَ جر (تَقَطَّعَ) بفتح التاء كابنِ عامرٍ ومَنْ وافقَهُ، ورُوي عنه أيضًا: بضمِّ التاءِ خفيف من القطع (١).
﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾ بنيَّاتِهم ﴿حَكِيمٌ﴾ فيما أَمَرَ بهدمِ بنائهم.
* * *
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣١٩)، و"التيسير" للداني (ص: ١٢٠)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٣٢٩)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٢٨١)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٤٤ - ٤٥).
﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١١)﴾.
[١١١] ولما بايعَ رسولُ الله - ﷺ - الأنصارَ ليلةَ العقبةِ أن يعبدوا اللهَ، ولا يُشركوا به شيئًا، وأن يمنعوه ما يمنعونَ منه أنفسَهم وأموالَهم، ولهم إن وفَوا بذلك الجنةُ، فقبلوا وقالوا: لا نقيلُ ولا نستقيلُ، نزل:
﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ﴾ (١) قرأ حمزة، والكسائيُّ، وخلفٌ: (فَيُقْتَلُونَ) بتقديِم المفعولِ على الفاعلِ على معنى قُتِلَ بعضُهم، وقاتلَ الباقون منهم، وقرأ الآخرونَ بتقديمِ الفاعل (٢).
﴿وَعْدًا عَلَيْهِ﴾ مصدرٌ مؤكِّدٌ ﴿حَقًّا﴾ صفتُه، المعنى ما وُعِدوا به حقٌّ ثابت ﴿فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ﴾ فيه دليلٌ على أن الجهادَ كان في شريعةِ مَنْ تقدَّمنا.
﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾ استفهامٌ على جهةِ التقرير؛ أي: لا أحدَ أوفى بعهدِهِ من الله.
[١١١] ولما بايعَ رسولُ الله - ﷺ - الأنصارَ ليلةَ العقبةِ أن يعبدوا اللهَ، ولا يُشركوا به شيئًا، وأن يمنعوه ما يمنعونَ منه أنفسَهم وأموالَهم، ولهم إن وفَوا بذلك الجنةُ، فقبلوا وقالوا: لا نقيلُ ولا نستقيلُ، نزل:
﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ﴾ (١) قرأ حمزة، والكسائيُّ، وخلفٌ: (فَيُقْتَلُونَ) بتقديِم المفعولِ على الفاعلِ على معنى قُتِلَ بعضُهم، وقاتلَ الباقون منهم، وقرأ الآخرونَ بتقديمِ الفاعل (٢).
﴿وَعْدًا عَلَيْهِ﴾ مصدرٌ مؤكِّدٌ ﴿حَقًّا﴾ صفتُه، المعنى ما وُعِدوا به حقٌّ ثابت ﴿فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ﴾ فيه دليلٌ على أن الجهادَ كان في شريعةِ مَنْ تقدَّمنا.
﴿وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ﴾ استفهامٌ على جهةِ التقرير؛ أي: لا أحدَ أوفى بعهدِهِ من الله.
(١) انظر: "تفسير الطبري" (١١/ ٣٥)، و "تفسير ابن أبي حاتم" (٦/ ١٨٨٦)، و"أسباب النزول" للواحدي (ص: ١٤٨).
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣١٩)، و"التيسير" للداني (ص: ٩٢)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٣٢٩)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٢٤٦)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٤٦ - ٤٧).
(٢) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣١٩)، و"التيسير" للداني (ص: ٩٢)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٣٢٩)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٢٤٦)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٤٦ - ٤٧).
﴿فَاسْتَبْشِرُوا﴾ فافْرَحوا ﴿بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ﴾ فإنه أوجبَ لكم عظائمَ المطالب ﴿وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ أي: إنه الحصولُ على الحظِّ الأغبط.
* * *
﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٢)﴾.
[١١٢] ﴿التَّائِبُونَ﴾ رفعٌ على المدحِ؛ أي: هم التائبون، والمرادُ بهم: المؤمنونَ المذكورون الذين تابوا من الشرك.
﴿الْعَابِدُونَ﴾ المخلِصونَ العبادةَ للهِ تعالى.
﴿الْحَامِدُونَ﴾ في السَّراءِ والضَّراءَ.
﴿السَّائِحُونَ﴾ الصائِمونَ؛ سُمُّوا بذلك لتركِهم اللذاتِ؛ المطعمَ والمشربَ والمنكحَ، في الحديثِ: "سِيَاحَةُ أُمَّتِي الصَّوْمُ" (١).
﴿الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ﴾ في الصلاةِ.
﴿الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ﴾ الإيمانِ.
﴿وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ الشركِ، وتقدَّمَ تفسيرُ المعروفِ والمنكرِ في السورةِ.
﴿وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ﴾ القائمونَ بأوامره.
﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ يعني: هؤلاء الموصوفينَ بتلكَ الفضائل.
* * *
﴿التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١١٢)﴾.
[١١٢] ﴿التَّائِبُونَ﴾ رفعٌ على المدحِ؛ أي: هم التائبون، والمرادُ بهم: المؤمنونَ المذكورون الذين تابوا من الشرك.
﴿الْعَابِدُونَ﴾ المخلِصونَ العبادةَ للهِ تعالى.
﴿الْحَامِدُونَ﴾ في السَّراءِ والضَّراءَ.
﴿السَّائِحُونَ﴾ الصائِمونَ؛ سُمُّوا بذلك لتركِهم اللذاتِ؛ المطعمَ والمشربَ والمنكحَ، في الحديثِ: "سِيَاحَةُ أُمَّتِي الصَّوْمُ" (١).
﴿الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ﴾ في الصلاةِ.
﴿الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ﴾ الإيمانِ.
﴿وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ الشركِ، وتقدَّمَ تفسيرُ المعروفِ والمنكرِ في السورةِ.
﴿وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ﴾ القائمونَ بأوامره.
﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ يعني: هؤلاء الموصوفينَ بتلكَ الفضائل.
(١) قال المناوي في "الفتح السماوي" (٢/ ٧٠٥): لم أقف عليه.
﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١١٣)﴾.
[١١٣] رُوي أن أبا طالبٍ لما حضرَتْهُ الوفاةُ، جاءَهُ رسولُ الله - ﷺ -، فوجدَ عندَه أبا جهلٍ، وعبدَ اللهِ بنَ أبي أميةَ بنِ المغيرةِ، فقال: "أَيْ عَمِّ قُلْ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ"، فقالَ أبو جهلٍ وعبدُ اللهِ بنُ أبي أميةَ: أَتَرْغَبُ عن ملَّةِ عبدِ المطَّلب؟! فلم يزلْ رسولُ اللهِ - ﷺ - يعرضُها عليه، ويعيدانِه بتلكَ المقالةِ حتى قالَ أبو طالبٍ آخرَ ما كلَّمَهُمْ: هو على ملَّةِ عبدِ المطلبِ، وأبى أن يقولَ: لا إلهَ إلا اللهُ، قالَ رسولُ اللهِ - ﷺ -: "وَاللهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ"، فأنزلَ الله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ معه (١).
﴿أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ (٢) بأنْ ماتوا كفار.
* * *
﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (١١٤)﴾.
[١١٤] ثم بينَ عذرَ إبراهيمَ في الاستغفارِ لأبيهِ فقال: {وَمَا كَانَ
[١١٣] رُوي أن أبا طالبٍ لما حضرَتْهُ الوفاةُ، جاءَهُ رسولُ الله - ﷺ -، فوجدَ عندَه أبا جهلٍ، وعبدَ اللهِ بنَ أبي أميةَ بنِ المغيرةِ، فقال: "أَيْ عَمِّ قُلْ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ"، فقالَ أبو جهلٍ وعبدُ اللهِ بنُ أبي أميةَ: أَتَرْغَبُ عن ملَّةِ عبدِ المطَّلب؟! فلم يزلْ رسولُ اللهِ - ﷺ - يعرضُها عليه، ويعيدانِه بتلكَ المقالةِ حتى قالَ أبو طالبٍ آخرَ ما كلَّمَهُمْ: هو على ملَّةِ عبدِ المطلبِ، وأبى أن يقولَ: لا إلهَ إلا اللهُ، قالَ رسولُ اللهِ - ﷺ -: "وَاللهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ"، فأنزلَ الله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ معه (١).
﴿أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ (٢) بأنْ ماتوا كفار.
* * *
﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ (١١٤)﴾.
[١١٤] ثم بينَ عذرَ إبراهيمَ في الاستغفارِ لأبيهِ فقال: {وَمَا كَانَ
(١) "معه" زيادة من "ت".
(٢) رواه البخاري (١٢٩٤)، كتاب: الجنائز، باب: إذا قال المشرك عند الموت: لا إله إلا الله، ومسلم (٢٤)، كتاب: الإيمان، باب: الدليل على صحة إسلام من حضره الموت ما لم يشرع في النزع وهو الغرغرة، عن سعيد بن المسيب، عن أبيه.
(٢) رواه البخاري (١٢٩٤)، كتاب: الجنائز، باب: إذا قال المشرك عند الموت: لا إله إلا الله، ومسلم (٢٤)، كتاب: الإيمان، باب: الدليل على صحة إسلام من حضره الموت ما لم يشرع في النزع وهو الغرغرة، عن سعيد بن المسيب، عن أبيه.
اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ} قرأ هشامٌ عن ابنِ عامرٍ: (أَبْرَاهَامَ) بالألفِ (١).
﴿لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ﴾ بقوله: ﴿لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ﴾ [الممتحنة: ٤] لأطلبنَّ مغفرتَكَ بالتوفيقِ للإيمانِ.
﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ﴾ أي: ظهرَ لإبراهيمَ بطريقِ الوحيِ أن آزرَ.
﴿عَدُوٌّ لِلَّهِ﴾ لموتِه على الكفرِ ﴿تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ أضربَ عن الاستغفارِ لأبيه في الدنيا.
﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ﴾ مُتَأَوِّهٌ تضرُّعًا ﴿حَلِيمٌ﴾ صفوحٌ عَمَّنْ نالَه بسوءٍ.
* * *
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١٥)﴾.
[١١٥] ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا﴾ أي: ليسمِّيَهم ضُلَّالًا، ويؤاخذَهم مؤاخذَتَهم ﴿بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ﴾ للإسلامِ.
﴿حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ﴾ خطرَ ما يجبُ اتقاؤه، المعنى: ما كانَ ليحكمَ بضلالِ من استغفرَ للمشركينَ قبلَ النهيِ حتى يتبيَّنَ لهم ما يأتون، فإذا بَيَّنَ، ولم يأخذوا به بعدَ ذلكَ يستحقُّون الضلال.
﴿إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ فيعلمُ أمرَهم في الحالين.
* * *
﴿لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ﴾ بقوله: ﴿لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ﴾ [الممتحنة: ٤] لأطلبنَّ مغفرتَكَ بالتوفيقِ للإيمانِ.
﴿فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ﴾ أي: ظهرَ لإبراهيمَ بطريقِ الوحيِ أن آزرَ.
﴿عَدُوٌّ لِلَّهِ﴾ لموتِه على الكفرِ ﴿تَبَرَّأَ مِنْهُ﴾ أضربَ عن الاستغفارِ لأبيه في الدنيا.
﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ﴾ مُتَأَوِّهٌ تضرُّعًا ﴿حَلِيمٌ﴾ صفوحٌ عَمَّنْ نالَه بسوءٍ.
* * *
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١١٥)﴾.
[١١٥] ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا﴾ أي: ليسمِّيَهم ضُلَّالًا، ويؤاخذَهم مؤاخذَتَهم ﴿بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ﴾ للإسلامِ.
﴿حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ﴾ خطرَ ما يجبُ اتقاؤه، المعنى: ما كانَ ليحكمَ بضلالِ من استغفرَ للمشركينَ قبلَ النهيِ حتى يتبيَّنَ لهم ما يأتون، فإذا بَيَّنَ، ولم يأخذوا به بعدَ ذلكَ يستحقُّون الضلال.
﴿إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ فيعلمُ أمرَهم في الحالين.
* * *
(١) انظر: "الغيث" للصفاقسي (ص: ٢٣٩)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٢٤٥)، و "معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٤٨).
﴿إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِير (١١٦)﴾.
[١١٦] ﴿إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ يحكمُ ما يشاء ﴿يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِير﴾ تقدَّمَ تفسيُره في السورةِ.
* * *
﴿لَّقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١١٧)﴾.
[١١٧] ﴿لَّقَدْ تَابَ اللَّهُ﴾ أي: تجاوزَ وصفحَ.
﴿عَلَى النَّبِيِّ﴾ مِنْ إذنهِ للمنافقينَ في التخلُّف.
﴿وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ﴾ فيما ندموا على الخروج؛ لما قاسَوا. قرأ أبو جعفر: (العُسُرَةِ) بضمِّ السينِ، والباقون: بالإسكان (١)، والمرادُ: وقتَ العسرة، وليس المراد ساعةً بعينها، والمرادُ: الذين اتبعوه في غزوةِ تبوكَ، ويسمَّى جيشَ العسرةِ؛ لقلة الظَّهْر، كان العشرةُ يَعْتَقِبون على البعير الواحد، والزاد والماء وشدة الحر، حتى كادتْ أعناقُهم تنقطع عطشًا، ومنهم من نحرَ بعيرَه واعتصرَ ماءَ فرثِه، وجعلَ فرثَهُ: على صدرِه.
﴿مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ﴾ همَّ ﴿يَزِيغُ﴾ تميلُ.
[١١٦] ﴿إِنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ يحكمُ ما يشاء ﴿يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِير﴾ تقدَّمَ تفسيُره في السورةِ.
* * *
﴿لَّقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١١٧)﴾.
[١١٧] ﴿لَّقَدْ تَابَ اللَّهُ﴾ أي: تجاوزَ وصفحَ.
﴿عَلَى النَّبِيِّ﴾ مِنْ إذنهِ للمنافقينَ في التخلُّف.
﴿وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ﴾ فيما ندموا على الخروج؛ لما قاسَوا. قرأ أبو جعفر: (العُسُرَةِ) بضمِّ السينِ، والباقون: بالإسكان (١)، والمرادُ: وقتَ العسرة، وليس المراد ساعةً بعينها، والمرادُ: الذين اتبعوه في غزوةِ تبوكَ، ويسمَّى جيشَ العسرةِ؛ لقلة الظَّهْر، كان العشرةُ يَعْتَقِبون على البعير الواحد، والزاد والماء وشدة الحر، حتى كادتْ أعناقُهم تنقطع عطشًا، ومنهم من نحرَ بعيرَه واعتصرَ ماءَ فرثِه، وجعلَ فرثَهُ: على صدرِه.
﴿مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ﴾ همَّ ﴿يَزِيغُ﴾ تميلُ.
(١) انظر: "إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٢٤٥)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٤٩).
﴿قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ﴾ عن الثباتِ على الإيمانِ، أو اتباع الرسول. قرأ حمزةُ، وحفصٌ عن عاصمٍ: (يَزِيغُ) بالياء على التذكير، والباقون: بالتاء على التأنيث (١).
﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ﴾ تكرير لتأكيدِ التوبة ﴿إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ قرأ نافعٌ، وأبو جعفرٍ، وابنُ كثيرٍ، وابنُ عامرٍ، وحفصٌ عن عاصمٍ: (رَؤُوفٌ) بالإشباعِ حيثُ وقعَ على وزن فَعُول، والباقونَ: بالاختلاسِ على وزن فَعُل (٢)، والرأفةُ: أشدُّ الرحمةِ.
* * *
﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١١٨)﴾.
[١١٨] ﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا﴾ عن غزوةِ تبوكَ هم: كعبُ بنُ مالكٍ الشاعرُ، ومُرارَةُ بنُ الرَّبيعِ، وهلالُ بنُ أميةَ، وملخَّصُ القِصَّةِ: أنَّ غزوةَ تبوكَ تسمَّى: غزوةَ العُسْرَةِ؛ لوقوعِها في زمنِ الحرِّ، والبلادُ مجدبةٌ، والناس في عسرةٍ، وكانت في السنةِ التاسعةِ من الهجرةِ، فأنفقَ أبو بكرٍ جميعَ مالِه، وأنفقَ عثمانُ نفقةً عظيمةً، وسارَ النبيُّ - ﷺ - إلى تبوكَ، واستخلَفَ عليًّا رضي الله عنه، فقال عليٌّ: أتخلفني في الصبيانِ
﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ﴾ تكرير لتأكيدِ التوبة ﴿إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ قرأ نافعٌ، وأبو جعفرٍ، وابنُ كثيرٍ، وابنُ عامرٍ، وحفصٌ عن عاصمٍ: (رَؤُوفٌ) بالإشباعِ حيثُ وقعَ على وزن فَعُول، والباقونَ: بالاختلاسِ على وزن فَعُل (٢)، والرأفةُ: أشدُّ الرحمةِ.
* * *
﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١١٨)﴾.
[١١٨] ﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا﴾ عن غزوةِ تبوكَ هم: كعبُ بنُ مالكٍ الشاعرُ، ومُرارَةُ بنُ الرَّبيعِ، وهلالُ بنُ أميةَ، وملخَّصُ القِصَّةِ: أنَّ غزوةَ تبوكَ تسمَّى: غزوةَ العُسْرَةِ؛ لوقوعِها في زمنِ الحرِّ، والبلادُ مجدبةٌ، والناس في عسرةٍ، وكانت في السنةِ التاسعةِ من الهجرةِ، فأنفقَ أبو بكرٍ جميعَ مالِه، وأنفقَ عثمانُ نفقةً عظيمةً، وسارَ النبيُّ - ﷺ - إلى تبوكَ، واستخلَفَ عليًّا رضي الله عنه، فقال عليٌّ: أتخلفني في الصبيانِ
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣١٩)، و"التيسير" للداني (ص: ١٢٠)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٣٣٦)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٤٩).
(٢) انظر: "الغيث" للصفاقسي (ص: ٢٣٩)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٢٤٥)، و "معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٥٠).
(٢) انظر: "الغيث" للصفاقسي (ص: ٢٣٩)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٢٤٥)، و "معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٥٠).
250
والنساءِ؟! قالَ: "أَلاَ تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى؟! إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي" (١)، وتخلَّفَ عبدُ اللهِ بنُ أُبَيٍّ المنافقُ، ومن تبعَه منْ أهلِ النفاقِ، وتخلَّفَ ثلاثةٌ من الصحابة (٢)، وهم: كعبٌ ومرارةُ وهلالٌ، ولم يكن لهم عذرٌ، ثم رجعَ النبيُّ - ﷺ - إلى المدينة بعدَ أن قامَ بتبوكَ بضعَ عشرةَ ليلةً لم يجاوزْها، وكانَ إذا قدمَ من سفرٍ، بدأَ بالمسجدِ، فركعَ فيه ركعتينِ، ثم جلس للناسِ، فلما فعلَ ذلكَ، جاءه المخلَّفون، فطفِقوا يعتذرون إليه، ويحلفون، وكانوا بضعةً وثمانين رجلًا، فقبلَ منهم رسولُ الله - ﷺ - علانيتَهم، وبايعَهم واستغفرَ لهم، ووَكَل سرائرَهم إلى الله، ثم جاءه كعبٌ، وكانَ تقدَّمَهُ مرارةُ وهلالٌ، فسألَهم عن سببِ تخلُّفِهم، فاعترفوا أن لا عذرَ لهم، فأمرَهُم بالمضيِّ حتى يقضيَ الله فيهم، ونهى النبيُّ - ﷺ - المسلمينَ عن كلامِهم من بينِ مَنْ تخلَّف عنهُ، فاجتنبَهم الناسُ، فلبثوا على ذلك خمسينَ ليلةً، قال كعبٌ: فبينا أنا أسير في سوقِ المدينة، إذا نبطيٌّ من أنباطِ الشامِ ممَّنْ قدمَ بالطعامِ يبيعُه بالمدينةِ يقولُ: مَنْ يدلُّ على كعبِ بنِ مالكٍ؟ فطفقَ الناسُ يُشيرونَ له إليَّ، حتى إذا جاءني، دفعَ إليَّ كتابًا من ملكِ غَسَّانَ، فإذا فيه: أَمَّا بعدُ: فإنه قد بلغَني أن صاحبكَ قد جفاكَ وأقصاكَ، ولستَ بدارِ هوانٍ ولا مضيعةٍ، فالحقْ بنا نُواسِكَ، فقلتُ: هذا أيضًا من البلاءِ والشرِّ، فسجرتُ التنورَ وأحرقْتُه، ولما مضت أربعونَ من الخمسين، أمرَهم
(١) رواه البخاري (٤١٥٤)، كتاب: المغازي، باب: غزوة تبوك، ومسلم (٢٤٠٤)، كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه-.
(٢) في "ش": "الأصحاب".
(٢) في "ش": "الأصحاب".
251
النبيُّ - ﷺ - باعتزالِ نسائِهم، وجاءت امرأةُ هلالٍ رسولَ اللهِ - ﷺ - تستأذنُه في خدمتِه، فأذنَ لها من غيرِ أن يَقْرَبَها، فلما كملَتْ لهم خمسونَ ليلةً من حين نَهى رسولُ الله - ﷺ - عن كلامِهم، آذَنَ رسولُ اللهِ - ﷺ - بتوبةِ اللهِ عليهم، وذهبَ الناسُ يبشرونهم، وجاء كعبٌ إلى النبيِّ - ﷺ -، فسلَّمَ عليه، فقال لهُ وهو يبرُق وجهُه من السرورِ: "أَبْشِرْ بِخَيْرٍ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ"، قالَ: أمنْ عندِكَ يا رسولَ الله، أمْ من عندِ الله؟ قالَ: "لاَ بَلْ مِنْ عِنْدِ اللهِ"، وأنزل الله على رسوله عليه السلام:
﴿حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ﴾ (١) أي: برَحْبِها وسَعَتِها.
﴿وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ﴾ أي: قلوبُهم من فرطِ الوحشةِ والغمِّ. قرأ حمزة: (ضَاقَتْ) بالإمالة (٢).
﴿وَظَنُّوا﴾ أيقنوا.
﴿أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ﴾ من سَخَطِهِ ﴿إِلَّا إِلَيْهِ﴾ إلا إلى الاستغفارِه.
﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا﴾ ليدوموا على التوبةِ.
﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ﴾ لمن تاب ﴿الرَّحِيمُ﴾ متفضلٌ عليهم بالنعم.
* * *
﴿حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ﴾ (١) أي: برَحْبِها وسَعَتِها.
﴿وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ﴾ أي: قلوبُهم من فرطِ الوحشةِ والغمِّ. قرأ حمزة: (ضَاقَتْ) بالإمالة (٢).
﴿وَظَنُّوا﴾ أيقنوا.
﴿أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ﴾ من سَخَطِهِ ﴿إِلَّا إِلَيْهِ﴾ إلا إلى الاستغفارِه.
﴿ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا﴾ ليدوموا على التوبةِ.
﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ﴾ لمن تاب ﴿الرَّحِيمُ﴾ متفضلٌ عليهم بالنعم.
* * *
(١) روى قصة كعب بن مالك وصاحبيه: البخاري (٤١٥٦)، كتاب: المغازي، باب: حديث كعب بن مالك، ومسلم (٢٧٦٩)، كتاب: التوبة، باب: حديث توبة كعب بن مالك وصاحبيه.
(٢) انظر: "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٥٩)، و "معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٥١).
(٢) انظر: "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٥٩)، و "معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٥١).
252
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (١١٩)﴾.
[١١٩] ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ﴾ فيما لا يرضاهُ ﴿وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ الذين صَدَقوا في إيمانهم، وصدقوا اللهَ نيةً وقولًا وعملًا، قال كعبٌ: "فو اللهِ! ما أنعمَ اللهُ عليَّ نعمةً قَطُّ بعدَ إذ هداني للإسلام أعظمَ في نفسي من صدقي لرسولِ الله - ﷺ - ألَّا أكون كذبت فأهلك كما هلك الذين كذبوا؛ فإنَّ اللهَ قالَ للذين كذَبوا حينَ أنزلَ الوحيَ شَرَّ ما قالَ لأحدٍ، فقال تبارك وتعالى: ﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٩٥) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾.
* * *
﴿مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١٢٠)﴾.
[١٢٠] ﴿مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ﴾ نهيٌ عُبِّرَ عنه بصيغةِ النفيِ للتأكيدِ.
﴿أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ﴾ - ﷺ - إذا غَزا ﴿وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ﴾ أي: لا يصونوا أنفسَهم عَمَّا يصيبُ نفسَه.
[١١٩] ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ﴾ فيما لا يرضاهُ ﴿وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ الذين صَدَقوا في إيمانهم، وصدقوا اللهَ نيةً وقولًا وعملًا، قال كعبٌ: "فو اللهِ! ما أنعمَ اللهُ عليَّ نعمةً قَطُّ بعدَ إذ هداني للإسلام أعظمَ في نفسي من صدقي لرسولِ الله - ﷺ - ألَّا أكون كذبت فأهلك كما هلك الذين كذبوا؛ فإنَّ اللهَ قالَ للذين كذَبوا حينَ أنزلَ الوحيَ شَرَّ ما قالَ لأحدٍ، فقال تبارك وتعالى: ﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٩٥) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾.
* * *
﴿مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١٢٠)﴾.
[١٢٠] ﴿مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ﴾ نهيٌ عُبِّرَ عنه بصيغةِ النفيِ للتأكيدِ.
﴿أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ﴾ - ﷺ - إذا غَزا ﴿وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ﴾ أي: لا يصونوا أنفسَهم عَمَّا يصيبُ نفسَه.
﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ﴾ في سفرِهِم ﴿ظَمَأٌ﴾ عطشٌ.
﴿وَلَا نَصَبٌ﴾ تعبٌ ﴿وَلَا مَخْمَصَةٌ﴾ مجاعةٌ.
﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا﴾ يدوسونَ موضِعًا.
﴿يَغِيظُ الْكُفَّارَ﴾ يُغْضِبُهم. قرأ أبو جعفرٍ: (يَطُونَ) بإسكان الواو (مَوْطِيًا) بنصب الياء بغير همز فيهما وشبهِه حيثُ وقع (١).
﴿وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا﴾ أَسْرًا وقتلًا وهزيمةً.
﴿إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ﴾ إلا استوجبوا به الثوابَ.
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ على إحسانِهم.
* * *
﴿وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٢١)﴾.
[١٢١] ﴿وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً﴾ تمرة ونحوها ﴿وَلَا كَبِيرَةً﴾ كنفقةِ عثمانَ في جيشِ العسرةِ.
﴿وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا﴾ في مسيرِهم في الغزوِ في الذهابِ والمجيءِ.
﴿إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ﴾ بذلكَ.
﴿أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ لام قسم تأكيد، تقديُره: واللهِ لَيَجْزِيَنَّهُمُ اللهُ،
﴿وَلَا نَصَبٌ﴾ تعبٌ ﴿وَلَا مَخْمَصَةٌ﴾ مجاعةٌ.
﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا﴾ يدوسونَ موضِعًا.
﴿يَغِيظُ الْكُفَّارَ﴾ يُغْضِبُهم. قرأ أبو جعفرٍ: (يَطُونَ) بإسكان الواو (مَوْطِيًا) بنصب الياء بغير همز فيهما وشبهِه حيثُ وقع (١).
﴿وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا﴾ أَسْرًا وقتلًا وهزيمةً.
﴿إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ﴾ إلا استوجبوا به الثوابَ.
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ على إحسانِهم.
* * *
﴿وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٢١)﴾.
[١٢١] ﴿وَلَا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً﴾ تمرة ونحوها ﴿وَلَا كَبِيرَةً﴾ كنفقةِ عثمانَ في جيشِ العسرةِ.
﴿وَلَا يَقْطَعُونَ وَادِيًا﴾ في مسيرِهم في الغزوِ في الذهابِ والمجيءِ.
﴿إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ﴾ بذلكَ.
﴿أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ لام قسم تأكيد، تقديُره: واللهِ لَيَجْزِيَنَّهُمُ اللهُ،
(١) انظر: "النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (١/ ٢٩٦ - ٢٩٧)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٥٢).
فحذفتِ النونُ استخفافًا، وكسرت اللامُ وكانت مفتوحة، فأشبهت في اللفظ لامَ (كي) فنصبوا ما (١) كلامِ (كي).
* * *
﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢٢)﴾.
[١٢٢] ولما أنزل الله عز وجل عيوبَ المنافقين في غزوةِ تبوكَ، كان النبيُّ - ﷺ - يبعثُ السرايا، فكان المسلمون ينفرون إلى الغزِو ويتركون النبي - ﷺ - وحدَه، فأنزل الله عز وجل:
﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً﴾ (٢) نفيٌ بمعنى النهيِ.
﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ﴾ أي: فحينَ لم يكنْ نفيرٌ للكافةِ، فهلَّا نفرَ من كلِّ فرقةٍ بعضُها، ويبقى مع النبيِّ جماعة.
﴿لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ﴾ أي: الباقونَ مع رسولِ الله - ﷺ -.
﴿وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ﴾ النافرينَ ويعلِّموهم القرآنَ.
﴿إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ﴾ وفيه دليلٌ على أن التفقُّهَ والتذكيرَ من فروضِ الكفايةِ.
﴿لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ ولا يعملون بخلافِه.
قال - ﷺ -: "مَنْ يُرِدِ اللهُ بهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ" (٣).
* * *
﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ (١٢٢)﴾.
[١٢٢] ولما أنزل الله عز وجل عيوبَ المنافقين في غزوةِ تبوكَ، كان النبيُّ - ﷺ - يبعثُ السرايا، فكان المسلمون ينفرون إلى الغزِو ويتركون النبي - ﷺ - وحدَه، فأنزل الله عز وجل:
﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً﴾ (٢) نفيٌ بمعنى النهيِ.
﴿فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ﴾ أي: فحينَ لم يكنْ نفيرٌ للكافةِ، فهلَّا نفرَ من كلِّ فرقةٍ بعضُها، ويبقى مع النبيِّ جماعة.
﴿لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ﴾ أي: الباقونَ مع رسولِ الله - ﷺ -.
﴿وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ﴾ النافرينَ ويعلِّموهم القرآنَ.
﴿إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ﴾ وفيه دليلٌ على أن التفقُّهَ والتذكيرَ من فروضِ الكفايةِ.
﴿لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ ولا يعملون بخلافِه.
قال - ﷺ -: "مَنْ يُرِدِ اللهُ بهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ" (٣).
(١) في "ت": "به".
(٢) انظر: "أسباب النزول" للواحدي (١٥٠).
(٣) رواه البخاري (٧١)، كتاب: العلم، باب: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، =
(٢) انظر: "أسباب النزول" للواحدي (١٥٠).
(٣) رواه البخاري (٧١)، كتاب: العلم، باب: من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين، =
وقال - ﷺ -: "فَضلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ" (١)
وقالَ - ﷺ -: "فَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ" (٢).
* * *
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٣)﴾.
[١٢٣] ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ﴾ وهو عامٌّ في قتالِ الأقربِ فالأقربِ.
﴿وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً﴾ شِدَّةً عليهم ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ بالنصرِ.
* * *
﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤)﴾.
[١٢٤] ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ﴾ أي: المنافقينَ ﴿مَنْ يَقُولُ﴾ بعضُهم لبعضٍ ﴿أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا﴾ يقينًا وتصديقًا.
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾ بزيادةِ العلمِ الحاصلِ.
وقالَ - ﷺ -: "فَقِيهٌ وَاحِدٌ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ" (٢).
* * *
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (١٢٣)﴾.
[١٢٣] ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ﴾ وهو عامٌّ في قتالِ الأقربِ فالأقربِ.
﴿وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً﴾ شِدَّةً عليهم ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾ بالنصرِ.
* * *
﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤)﴾.
[١٢٤] ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ﴾ أي: المنافقينَ ﴿مَنْ يَقُولُ﴾ بعضُهم لبعضٍ ﴿أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا﴾ يقينًا وتصديقًا.
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾ بزيادةِ العلمِ الحاصلِ.
= ومسلم (١٠٣٧)، كتاب: الزكاة، باب: النهي عن المسألة، عن معاوية -رضي الله عنه-.
(١) رواه الترمذي (٢٦٨٥)، كتاب: العلم، باب: ما جاء في فضل الفقه على العبادة، عن أبي أمامة -رضي الله عنه-، وقال: غريب.
(٢) رواه الترمذي (٢٦٨٥)، كتاب: العلم، باب: ما جاء في فضل الفقه على العبادة، وقال: غريب، وابن ماجه (٢٢٢) في المقدمة، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-.
(١) رواه الترمذي (٢٦٨٥)، كتاب: العلم، باب: ما جاء في فضل الفقه على العبادة، عن أبي أمامة -رضي الله عنه-، وقال: غريب.
(٢) رواه الترمذي (٢٦٨٥)، كتاب: العلم، باب: ما جاء في فضل الفقه على العبادة، وقال: غريب، وابن ماجه (٢٢٢) في المقدمة، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-.
﴿وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ يفرحون؛ لأنه سببٌ لزيادةِ كمالِهم.
* * *
﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (١٢٥)﴾.
[١٢٥] ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ شكٌّ ونفاقٌ.
﴿فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ﴾ كُفْرًا إلى كفرِهم، فعندَ نزوِل كلِّ سورةٍ ينكرونها، فيزدادُ كفرُهم.
﴿وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ واستحكمَ ذلكَ فيهم حتى ماتوا عليه.
* * *
﴿أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦)﴾.
[١٢٦] ﴿أَوَلَا يَرَوْنَ﴾ قرأ حمزةُ، ويعقوبُ: (تَرَوْنَ) بالتاء والخطاب للمؤمنين، والباقون: بالغيب على خبر المنافقين (١).
﴿أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ﴾ يُبْتَلَون ﴿فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ﴾ بالمرضِ وغيرِه.
﴿ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ﴾ من نفاقِهم ﴿وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ يَتَّعِظون.
* * *
* * *
﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (١٢٥)﴾.
[١٢٥] ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ شكٌّ ونفاقٌ.
﴿فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ﴾ كُفْرًا إلى كفرِهم، فعندَ نزوِل كلِّ سورةٍ ينكرونها، فيزدادُ كفرُهم.
﴿وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ واستحكمَ ذلكَ فيهم حتى ماتوا عليه.
* * *
﴿أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (١٢٦)﴾.
[١٢٦] ﴿أَوَلَا يَرَوْنَ﴾ قرأ حمزةُ، ويعقوبُ: (تَرَوْنَ) بالتاء والخطاب للمؤمنين، والباقون: بالغيب على خبر المنافقين (١).
﴿أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ﴾ يُبْتَلَون ﴿فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ﴾ بالمرضِ وغيرِه.
﴿ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ﴾ من نفاقِهم ﴿وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ يَتَّعِظون.
* * *
(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣٢٠)، و"التيسير" للداني (ص: ١٢٠)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٣٤٦)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٢٨١)، و "معجم القراءات القرآنية" (٣/ ٥٣).
﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (١٢٧)﴾.
[١٢٧] ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ﴾ فيها عيبُ المنافقين ﴿نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ عندَ تعريضِ النبيِّ - ﷺ - بنفاقهم يريدونَ الهربَ يقولونَ:
﴿هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ﴾ من المؤمنين إنْ قمتُم من المسجد.
﴿ثُمَّ انْصَرَفُوا﴾ عن مكانِهم خارجين ﴿صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ عن الهدى، وهو يحتملُ الإخبارَ والدعاءَ، ذلك:
﴿بِأَنَّهُمْ﴾ بسببِ أنهم ﴿قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ﴾ لسوءِ فهمِهم، والفقهُ لغةً: الفهمُ، وهو إدراكُ معنى الكلامِ، وشرعًا: معرفةُ الأحكامِ الشرعيةِ المتعلقةِ بأفعالِ العبادِ.
قالَ ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما: "لا تقولوا إذا صليتُم: انصرفْنا من الصلاةِ، فإنَّ قومًا انصرفوا، فصرفَ اللهُ قلوبهم، ولكنْ قولوا: قد قَضَينا الصلاةَ" (١).
* * *
﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨)﴾.
[١٢٨] عن أُبيٍّ -رضي الله عنه- أن آخرَ ما نزل: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ من جنسِكم عربيٌّ مثلُكم نسبًا وصهرًا وحسبًا، ليس في آبائِه من لَدُنْ آدمَ سِفاحٌ، كلُّهم نكاحٌ. قرأ أبو عمرٍو، وحمزةُ،
[١٢٧] ﴿وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ﴾ فيها عيبُ المنافقين ﴿نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ عندَ تعريضِ النبيِّ - ﷺ - بنفاقهم يريدونَ الهربَ يقولونَ:
﴿هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ﴾ من المؤمنين إنْ قمتُم من المسجد.
﴿ثُمَّ انْصَرَفُوا﴾ عن مكانِهم خارجين ﴿صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ عن الهدى، وهو يحتملُ الإخبارَ والدعاءَ، ذلك:
﴿بِأَنَّهُمْ﴾ بسببِ أنهم ﴿قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ﴾ لسوءِ فهمِهم، والفقهُ لغةً: الفهمُ، وهو إدراكُ معنى الكلامِ، وشرعًا: معرفةُ الأحكامِ الشرعيةِ المتعلقةِ بأفعالِ العبادِ.
قالَ ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما: "لا تقولوا إذا صليتُم: انصرفْنا من الصلاةِ، فإنَّ قومًا انصرفوا، فصرفَ اللهُ قلوبهم، ولكنْ قولوا: قد قَضَينا الصلاةَ" (١).
* * *
﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨)﴾.
[١٢٨] عن أُبيٍّ -رضي الله عنه- أن آخرَ ما نزل: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ﴾ من جنسِكم عربيٌّ مثلُكم نسبًا وصهرًا وحسبًا، ليس في آبائِه من لَدُنْ آدمَ سِفاحٌ، كلُّهم نكاحٌ. قرأ أبو عمرٍو، وحمزةُ،
(١) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"، والطبري في "تفسيره" (١١/ ٧٥).
والكسائيُّ، وخلفٌ وهشام: (لَقَد جاءَكُمْ) بإدغامِ الدالِ في الجيم، والباقونَ: بالإظهار (١)، وتقدَّم في سورة البقرة.
﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ﴾ شديدٌ عليه عَنَتكم؛ أي: مَشَقَّتكُم.
﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ﴾ حتى لا يخرجَ أحدٌ منكم عن اتباعِه.
﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ ومعنى رؤوف: مبالغٌ في الشفقةِ (٢)، وتقدم اختلافُ القراءِ في رؤوف عندَ قوله: ﴿إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾.
* * *
﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (١٢٩)﴾.
[١٢٩] ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ أعرَضوا عن الإيمانِ.
﴿فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ﴾ كافيَّ وناصرِي.
﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ﴾ واعتمدْتُ، فلا أرجو غَيرَه.
﴿وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ وخُصَّ العرشُ بالذكرِ إذْ هو أعظمُ المخلوقاتِ، فيدخلُ فيه ما دونَهُ إذا ذكره، وهاتان الآيتان لم توجدا حينَ جمعِ المصاحفِ إلا في حفظِ خزيمةَ بن ثابتٍ، فلمَّا جاءَ بهما، تَذَكَّرَهما كثيرٌ من الصحابةِ، وقد كانَ زيدٌ يعرفُهما، ولذلكَ قالَ: "فقدتُ آيتينِ من
﴿عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ﴾ شديدٌ عليه عَنَتكم؛ أي: مَشَقَّتكُم.
﴿حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ﴾ حتى لا يخرجَ أحدٌ منكم عن اتباعِه.
﴿بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ ومعنى رؤوف: مبالغٌ في الشفقةِ (٢)، وتقدم اختلافُ القراءِ في رؤوف عندَ قوله: ﴿إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾.
* * *
﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (١٢٩)﴾.
[١٢٩] ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾ أعرَضوا عن الإيمانِ.
﴿فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ﴾ كافيَّ وناصرِي.
﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ﴾ واعتمدْتُ، فلا أرجو غَيرَه.
﴿وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ﴾ وخُصَّ العرشُ بالذكرِ إذْ هو أعظمُ المخلوقاتِ، فيدخلُ فيه ما دونَهُ إذا ذكره، وهاتان الآيتان لم توجدا حينَ جمعِ المصاحفِ إلا في حفظِ خزيمةَ بن ثابتٍ، فلمَّا جاءَ بهما، تَذَكَّرَهما كثيرٌ من الصحابةِ، وقد كانَ زيدٌ يعرفُهما، ولذلكَ قالَ: "فقدتُ آيتينِ من
(١) انظر: "الغيث" للصفاقسي (ص: ٢٣٨)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ١٢٨)، و"معجم القراءات القرآنية" (١/ ٢٦)، وتقدم في البقرة الآية (٩٢).
(٢) عند تفسير الآية (١١٧) من هذه السورة.
(٢) عند تفسير الآية (١١٧) من هذه السورة.
259
آخرِ سورة التوبةِ" (١)، ولو لم يعرفْهما، لم يدرِ هل فقدَ شيئًا أم لا، فإنما أُثبتتِ الآيتانِ بالإجماعِ لا بخزيمةَ وحدَه.
ورويَ أنَّ رسولَ اللهِ - ﷺ - عاشَ بعدَ نزولها خمسةً وثلاثين يومًا، والله أعلمُ.
* * *
ورويَ أنَّ رسولَ اللهِ - ﷺ - عاشَ بعدَ نزولها خمسةً وثلاثين يومًا، والله أعلمُ.
* * *
(١) انظر القصة في: "صحيح البخاري" (٤٤٠٢)، كتاب: التفسير، باب قوله: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ...﴾.
260