تفسير سورة سورة التوبة من كتاب روائع البيان في تفسير آيات الأحكام
المعروف بـتفسير آيات الأحكام.
لمؤلفه
محمد علي الصابوني
.
٩- سورة التوبة
[ ١ ] عمارة المساجد
التحليل اللفظي
﴿ أَن يَعْمُرُواْ ﴾ : عمارة المسجد تطلق على بنائه وإصلاحه، وتطلق على لزومه والإقامة فيه لعبادة الله، فالعمارة قسمان : حسيّة ومعنوية، وكلاهما مراد في الآية.
﴿ شَاهِدِينَ ﴾ : أي مقرين ومعترفين به، وذلك بإظهار آثار الشرك والوثنية.
﴿ حَبِطَتْ ﴾ : ضاعت وذهب ثوابها.
﴿ وَأَقَامَ الصلاة ﴾ : إقامة الصلاة : الإتيان بها على الوجه الأكمل، معتدلة مقوّمة بسائر شروطها وأركانها.
﴿ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ الله ﴾ : أي لم يخف إلا الله، والخشية في اللغة معناها الخوف.
المعنى الإجمالي
يقول الله جل ثناؤه ما معناه : لا ينبغي للمشركين ولا يليق بهم، وليس من شأنهم أن يعمروا بيوت الله، وهم في حالة الكفر والإشراك بالله، لأن عمارة المساجد تقتضي الإيمان بالله والحبّ له، وهؤلاء كفروا بالله شهدت بذلك أقوالهم وأفعالهم، فكيف يليق بهم أن يعمروا بيوت الله!!
هؤلاء المشركون ضاعت أعمالهم وذهب ثوابها، وهم في جهنم مخلّدون في العذاب، لا يخرجون من النار، ولا يخفف عنهم من عذابها بسبب الكفر والإشراك.
ثم أخبر تعالى أنّ عمارة المساجد إنما تحصل من المؤمنين بالله، المطيعين له، المصدّقين باليوم الآخر، الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ويخشون الله حق خشيته، فهؤلاء المتقون لله جديرون بعمارة بيوت الله، وهم أهل لأن يكونوا من المهتدين، الفائزين بسعادة الدارين، المستحقين لرضوان الله.
سبب النزول
روي أن جماعة من رؤساء قريش أُسروا يوم بدر فيهم العباس بن عبد المطلب، فأقبل عليهم نفر من أصحار رسول الله ﷺ فعيّروهم بالشرك، وجعل علي بن أبي طالب يوبّخُ العباس بقتال رسول الله ﷺ وقطيعة الرحم، فقال العباس : تذكرون مساوئنا وتكتمون محاسننا؟ فقالوا : وهل لكم من محاسن؟ قالوا : نعم، إنّا لنعمر المسجد الحرام، ونحجب الكعبة، ونسقي الحجيج، ونفك العاني فنزلت ﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله ﴾ الآية.
وجوه القراءات
١ - قرأ الجمهور ﴿ أَن يَعْمُرُواْ ﴾ وقرأ ابن السميقع ( أن يُعْمِروا ) بضم الياء وكسر الميم من ( أعمر ) الرباعي بمعنى أن يعينوا على عمارته.
٢ - قرأ الجمهور ﴿ مَسَاجِدَ الله ﴾ بالجمع وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ( مسجد الله ) بالإفراد.
وجوه الإعراب
١ - قوله تعالى :﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ ﴾ أن المصدرية وما بعدها في موضع رفع اسم كان و ( للمشركين ) خبرها مقدم، و ( شاهدين ) حال من الواو في ( يعمروا ).
٢ - قوله تعالى :﴿ فعسى أولئك أَن يَكُونُواْ مِنَ المهتدين ﴾ عسى من أخوات ( كان ) وجملة ( أن يكونوا ) خبرها، واسم الإشارة اسمها، والخبر يكون فعلاً مضارعاً في الغالب كما قال ابن مالك :
[ ١ ] عمارة المساجد
التحليل اللفظي
﴿ أَن يَعْمُرُواْ ﴾ : عمارة المسجد تطلق على بنائه وإصلاحه، وتطلق على لزومه والإقامة فيه لعبادة الله، فالعمارة قسمان : حسيّة ومعنوية، وكلاهما مراد في الآية.
﴿ شَاهِدِينَ ﴾ : أي مقرين ومعترفين به، وذلك بإظهار آثار الشرك والوثنية.
﴿ حَبِطَتْ ﴾ : ضاعت وذهب ثوابها.
﴿ وَأَقَامَ الصلاة ﴾ : إقامة الصلاة : الإتيان بها على الوجه الأكمل، معتدلة مقوّمة بسائر شروطها وأركانها.
﴿ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ الله ﴾ : أي لم يخف إلا الله، والخشية في اللغة معناها الخوف.
المعنى الإجمالي
يقول الله جل ثناؤه ما معناه : لا ينبغي للمشركين ولا يليق بهم، وليس من شأنهم أن يعمروا بيوت الله، وهم في حالة الكفر والإشراك بالله، لأن عمارة المساجد تقتضي الإيمان بالله والحبّ له، وهؤلاء كفروا بالله شهدت بذلك أقوالهم وأفعالهم، فكيف يليق بهم أن يعمروا بيوت الله!!
هؤلاء المشركون ضاعت أعمالهم وذهب ثوابها، وهم في جهنم مخلّدون في العذاب، لا يخرجون من النار، ولا يخفف عنهم من عذابها بسبب الكفر والإشراك.
ثم أخبر تعالى أنّ عمارة المساجد إنما تحصل من المؤمنين بالله، المطيعين له، المصدّقين باليوم الآخر، الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ويخشون الله حق خشيته، فهؤلاء المتقون لله جديرون بعمارة بيوت الله، وهم أهل لأن يكونوا من المهتدين، الفائزين بسعادة الدارين، المستحقين لرضوان الله.
سبب النزول
روي أن جماعة من رؤساء قريش أُسروا يوم بدر فيهم العباس بن عبد المطلب، فأقبل عليهم نفر من أصحار رسول الله ﷺ فعيّروهم بالشرك، وجعل علي بن أبي طالب يوبّخُ العباس بقتال رسول الله ﷺ وقطيعة الرحم، فقال العباس : تذكرون مساوئنا وتكتمون محاسننا؟ فقالوا : وهل لكم من محاسن؟ قالوا : نعم، إنّا لنعمر المسجد الحرام، ونحجب الكعبة، ونسقي الحجيج، ونفك العاني فنزلت ﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله ﴾ الآية.
وجوه القراءات
١ - قرأ الجمهور ﴿ أَن يَعْمُرُواْ ﴾ وقرأ ابن السميقع ( أن يُعْمِروا ) بضم الياء وكسر الميم من ( أعمر ) الرباعي بمعنى أن يعينوا على عمارته.
٢ - قرأ الجمهور ﴿ مَسَاجِدَ الله ﴾ بالجمع وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ( مسجد الله ) بالإفراد.
وجوه الإعراب
١ - قوله تعالى :﴿ مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ ﴾ أن المصدرية وما بعدها في موضع رفع اسم كان و ( للمشركين ) خبرها مقدم، و ( شاهدين ) حال من الواو في ( يعمروا ).
٢ - قوله تعالى :﴿ فعسى أولئك أَن يَكُونُواْ مِنَ المهتدين ﴾ عسى من أخوات ( كان ) وجملة ( أن يكونوا ) خبرها، واسم الإشارة اسمها، والخبر يكون فعلاً مضارعاً في الغالب كما قال ابن مالك :
ككان « كاد » و « عسى » لكنْ ندر | غير مضارع لهذين خَبَرْ |
وما يَدْري الفقيرُ متى غِناه | وما يدري الغنيّ متى يَعيل |
﴿ الجزية ﴾ : اسم لما يعطيه المعاهد على عهده. قال ابن الأنباري : هي الخراج المجعول عليهم، سميت جزية لأنها قضاء ما وجب عليهم من قولهم : جزى يجزي إذا قضى.
قال أبو حيان : سميت جزية من جزى يجزي إذا كافأ عما أسدى عليه، فكأنهم أعطوها جزاء ما منحوا من الأمن، ومن هذا المعنى قول الشاعر :
نجزيكَ أو نُثْني عليكَ وإنّ من | أثنَى عليكَ ما فعلت فقد جزى |
﴿ صَاغِرُونَ ﴾ : الصاغر : الذليل الحقير، والصّغار الذل.
ومعنى الآية : حتى يدفعوا الجزية منقادين طائعين في حال الذل والهوان.
المعنى الإجمالي
يقول الله جل ثناؤه ما معناه : يا أيها المؤمنون المصدّقون بالله ورسوله، إنما المشركون قذر ورجس لخبث بواطنهم، وفساد عقائدهم، فهم لا يتطهرون ولا يغتسلون ولا يجتنبون النجاسات، فلا تمكنوهم من دخول المسجد الحرام، بعد هذا العام، وإن خفتم - أيها المؤمنون - فقراً أو فاقة بسبب منعكم إياهم من الحج ودخول الحرم، فسوف يغنيكم الله من فضله، ويوسع عليكم من رزقه، حتى لا يدعكم بحاجة إلى أحد وذلك راجع إلى مشيئته جل وعلا إن الله عليم حكيم.
قاتلوا أيها المؤمنون الذين لا يؤمنون بالله ولا برسوله من أهل الكتاب، ولا يصدقون باليوم الآخر على الوجه الذي جاء به رسول الله، ولا يدخلون في دين الإسلام دين الحق، ولا يحرمون ما حرّمه الله ورسوله، من ( اليهود والنصارى ) حتى يدفعوا لكم الجزية، عن انقياد وطاعة، وذل خضوع، وهم صاغرون مهينون.
وجوه القراءات
١ - قرأ الجمهور ﴿ إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ ﴾ بفتح الجيم، وقرأ أبو علي حيوة ( نِجْسٌ ) على وزن رجس، وقرأ ابن السميقع ( أنجاسٌ ) على صيغة الجمع.
٢ - قرأ الجمهور ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً ﴾ وقرئ ( عائلة ) و ( عايلة ).
سبب النزول
لما أمر النبي ﷺ علياً أن يقرأ على مشركي مكة أول سورة براءة، ويَنْبِذَ إليهم عهدهم، وأن يخبرهم أنّ الله بريءٌ من المشركين ورسولهُ، قال أناسٌ : يا أهل مكة ستعلمون ما تلقون من الشدّة وانقطاع السبُل وفقد الحمولات فنزلت الآية الكريمة { إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام بَعْدَ عَامِهِمْ هذا.
280
.. } الآية.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : أطلق القرآن الكريم على المشركين أنهم نجس، والإخبار عنهم بصيغة المصدر فيه مبالغة كأنهم صاروا عين النجاسة، وأصل التعبير ( إنما المشركون كالنجس ) لكنه حذفت منه أداة الشبه، ووجه الشبه، فأصبح ( تشبيهاً بليغاً ).
وقال بعض العلماء : المراد أنهم ذوو نجس أي أصحاب نجس فالكلام على ( حذف مضاف ) وإنما عبّر عنهم أصحاب نجس لخبث بواطنهم، وفساد عقائدهم، وإشراكهم بالله، أو لأنهم لا يتطهرون ولا يغتسلون.
اللطيفة الثانية : النهي عن قربان المسجد الحرام جاء بطريق المبالغة لأن الغرض نهيهم عن دخول المسجد الحرام، فإذا نهوا عن قربانه كان النهي عن دخوله من باب أولى، كما في قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم ﴾ [ الأنعام : ١٥٢ ] وقوله ﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى ﴾ [ الإسراء : ٣٢ ] فيكون النهي عن أكل مال اليتيم، وارتكاب الزنى محرماً من باب أولى.
اللطيفة الثالثة : تعليق الإغناء بالمشيئة في قوله جل وعلا :﴿ فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ ﴾ لتعليم رعاية الأدب مع الله تعالى كما في قوله تعالى :﴿ لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام إِن شَآءَ الله آمِنِينَ ﴾ [ الفتح : ٢٧ ] وللإشارة إلى أنه لا ينبغي الاعتماد على أن المطلوب سيحصل حتماً، بل لا بدّ من التضرع إلى الله تعالى في طلب الخير، وفي دفع الآفات.
اللطيفة الرابعة : في التعبير في ختام الآية ﴿ إِنَّ الله عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ إشارة لطيفة إلى أن الغنى والفقر بيد الله تعالى، وأن الرزق لا يأتي بالحيلة والاجتهاد، بل هو راجع إلى الحكمة والمصلحة، فإن شاء الله أغنى، وإن شاء أفقر، فهو تعالى لا يعطي ولا يمنع إلا عن حكمة ومصلحة، وممّا يروى للإمام الشافعي قدّس الله روحه قوله :
اللطيفة الخامسة : نفى الله تعالى الإيمان عن أهل الكتاب ( اليهود والنصارى ) لأن إيمانهم مغشوش مدخول، وليس إيماناً كما يجب، لأنهم جعلوا لله ولداً، وزوجة، وبدّلوا كتابهم، وحرّموا ما لم يحرّم الله، وأحلّوا ما لم يُحلّه، ووصفوا المولى جل وعلا بما لا يليق، فهم وإن زعموا الإيمان غير مؤمنين إيماناً صحيحاً، وهذا هو السرّ في التعبير القرآن بنفي الإيمان عنهم.
قال الكرماني : نفيُ الإيمان بالله عنهم لأن سبيلهم سبيل من لا يؤمن بالله، إذ يصفونه بما لا يليق أن يوصف به جل وعلا.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : ما المراد بالمشركين في الآية الكريمة؟
ذهب جمهور المفسرين إلى أن لفظ المشركين خاص بعبّاد الأوثان والأصنام، لأن لفظ المشرك يتناول من اتخذ مع الله إلهاً آخر، وأن أهل الكتاب وإن كانوا كفاراً إلا أن لفظ ( المشركين ) لا يتناولهم، لأنه خاص بمن عبد الأوثان والأصنام.
لطائف التفسير
اللطيفة الأولى : أطلق القرآن الكريم على المشركين أنهم نجس، والإخبار عنهم بصيغة المصدر فيه مبالغة كأنهم صاروا عين النجاسة، وأصل التعبير ( إنما المشركون كالنجس ) لكنه حذفت منه أداة الشبه، ووجه الشبه، فأصبح ( تشبيهاً بليغاً ).
وقال بعض العلماء : المراد أنهم ذوو نجس أي أصحاب نجس فالكلام على ( حذف مضاف ) وإنما عبّر عنهم أصحاب نجس لخبث بواطنهم، وفساد عقائدهم، وإشراكهم بالله، أو لأنهم لا يتطهرون ولا يغتسلون.
اللطيفة الثانية : النهي عن قربان المسجد الحرام جاء بطريق المبالغة لأن الغرض نهيهم عن دخول المسجد الحرام، فإذا نهوا عن قربانه كان النهي عن دخوله من باب أولى، كما في قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم ﴾ [ الأنعام : ١٥٢ ] وقوله ﴿ وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى ﴾ [ الإسراء : ٣٢ ] فيكون النهي عن أكل مال اليتيم، وارتكاب الزنى محرماً من باب أولى.
اللطيفة الثالثة : تعليق الإغناء بالمشيئة في قوله جل وعلا :﴿ فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِن فَضْلِهِ إِن شَآءَ ﴾ لتعليم رعاية الأدب مع الله تعالى كما في قوله تعالى :﴿ لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام إِن شَآءَ الله آمِنِينَ ﴾ [ الفتح : ٢٧ ] وللإشارة إلى أنه لا ينبغي الاعتماد على أن المطلوب سيحصل حتماً، بل لا بدّ من التضرع إلى الله تعالى في طلب الخير، وفي دفع الآفات.
اللطيفة الرابعة : في التعبير في ختام الآية ﴿ إِنَّ الله عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ إشارة لطيفة إلى أن الغنى والفقر بيد الله تعالى، وأن الرزق لا يأتي بالحيلة والاجتهاد، بل هو راجع إلى الحكمة والمصلحة، فإن شاء الله أغنى، وإن شاء أفقر، فهو تعالى لا يعطي ولا يمنع إلا عن حكمة ومصلحة، وممّا يروى للإمام الشافعي قدّس الله روحه قوله :
لو كانَ بالحيَلِ الغِنَى لوجدتني | بنجوم أقطارِ السّماءِ تعلّقي |
لكنّ من رَزَقَ الحجا حَرَم الغِنَى | ضدّان مفترقان أيّ تفرق |
ومن الدليل على القضاء وكونه | بؤسُ اللبيبِ وطيبُ عيشِ الأحمقِ |
قال الكرماني : نفيُ الإيمان بالله عنهم لأن سبيلهم سبيل من لا يؤمن بالله، إذ يصفونه بما لا يليق أن يوصف به جل وعلا.
الأحكام الشرعية
الحكم الأول : ما المراد بالمشركين في الآية الكريمة؟
ذهب جمهور المفسرين إلى أن لفظ المشركين خاص بعبّاد الأوثان والأصنام، لأن لفظ المشرك يتناول من اتخذ مع الله إلهاً آخر، وأن أهل الكتاب وإن كانوا كفاراً إلا أن لفظ ( المشركين ) لا يتناولهم، لأنه خاص بمن عبد الأوثان والأصنام.
281
وقال بعض العلماء إن لفظ المشركين يتناول جميع الكفار، سواء منهم عُبّاد الأوثان أو أهل الكتاب لقوله تعالى :﴿ إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ ﴾ [ النساء : ٤٨ ] أن يكفر به فأطلق لفظ الإشراك على الكفر.
أقول : هذا هو الصحيح وهو أن اللفظ يشمل كل كافر، وأن النهي عن دخول المسجد الحرام عام لكل كافر، فلا فرق بين الوثني واليهودي أو النصراني في الحكم.
الحكم الثاني : هل أعيان المشركين نجسة؟
دلّ ظاهر قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ ﴾ على نجاسة المشركين. وقد تقدم معنا أن المراد من اللفظ ( النجاسة المعنوية ) أي أن معهم الشرك المنزّل منزلة النجس الذي يجب اجتنابه، أو أنهم كالأنجاس لتركهم ما يجب عليهم من غسل الجناية والطهارة، وعدم اجتنابهم النجاسات وقد نقل صاحب « الكشاف » : عن ابن عباس أن أعيان المشركين نجسة كالكلاب والخنازير تمسكاً بظاهر الآية. وروى ابن جرير عن الحسن البصري أنه قال : من صافحهم فليتوضأ.
ولكنّ الفقهاء على خلاف ذلك فقد ذهبوا إلى أن أبدانهم طاهرة، لأنهم لو أسلموا كانت أجسامهم طاهرة بالإجماع، مع أنه لم يوجد ما يطهرها من الماء أو النار أو التراب أو ما شابه ذلك، والآية لا تدل على نجاسة الظاهر وإنما يدل على نجاسة الباطن، ولا شك أنهم لا يتطهرون، ولا يغتسلون، ولا يجتنبون النجاسات، فجعلوا نجساً مبالغة في وصفهم بالنجاسة.
الترجيح : الصحيح رأي الجمهور لأن المسلم له أن يتعامل معهم، وقد كان عليه السلام يشرب من أواني المشركين، ويصافح غير المسلمين والله أعلم.
الحكم الثالث : هل يمنع المشرك من دخول المسجد؟
دلّ قوله تعالى :﴿ فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام ﴾ على منع المشركين من دخول المسجد الحرام، وقد اختلف العلماء في المراد من لفظ ( المسجد الحرام ) على أقوال عديدة :
أ - المراد خصوص المسجد الحرام أخذاً بظاهر الآية وهو مذهب الشافعية.
ب - المراد الحرم كلّه ( مكة ) وما حولها من الحرم وهو قول عطاء ومذهب الحنابلة.
ج - المراد المساجد جميعاً المسجد الحرام بالنص وبقية المساجد بالقياس وهو مذهب المالكلية.
د - المراد النهي عن تمكينهم من الحج والعمرة وهو مذهب الحنفية.
دليل الشافعي : احتج الشافعي رحمه الله بظاهر الآية ﴿ فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام ﴾ فقال : الآية خاصة في المسجد الحرام. عامة في الكفار. فأباح دخول غير المسلمين سائر المساجد. ومنع جميع الكفار من دخول المسجد الحرام.
دليل أحمد : واستدل الإمام أحمد رحمه الله بأن لفظ ( المسجد الحرام ) قد يطلق ويراد به الحرم كله كما في قوله تعالى :﴿ هُمُ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام ﴾
أقول : هذا هو الصحيح وهو أن اللفظ يشمل كل كافر، وأن النهي عن دخول المسجد الحرام عام لكل كافر، فلا فرق بين الوثني واليهودي أو النصراني في الحكم.
الحكم الثاني : هل أعيان المشركين نجسة؟
دلّ ظاهر قوله تعالى :﴿ إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ ﴾ على نجاسة المشركين. وقد تقدم معنا أن المراد من اللفظ ( النجاسة المعنوية ) أي أن معهم الشرك المنزّل منزلة النجس الذي يجب اجتنابه، أو أنهم كالأنجاس لتركهم ما يجب عليهم من غسل الجناية والطهارة، وعدم اجتنابهم النجاسات وقد نقل صاحب « الكشاف » : عن ابن عباس أن أعيان المشركين نجسة كالكلاب والخنازير تمسكاً بظاهر الآية. وروى ابن جرير عن الحسن البصري أنه قال : من صافحهم فليتوضأ.
ولكنّ الفقهاء على خلاف ذلك فقد ذهبوا إلى أن أبدانهم طاهرة، لأنهم لو أسلموا كانت أجسامهم طاهرة بالإجماع، مع أنه لم يوجد ما يطهرها من الماء أو النار أو التراب أو ما شابه ذلك، والآية لا تدل على نجاسة الظاهر وإنما يدل على نجاسة الباطن، ولا شك أنهم لا يتطهرون، ولا يغتسلون، ولا يجتنبون النجاسات، فجعلوا نجساً مبالغة في وصفهم بالنجاسة.
الترجيح : الصحيح رأي الجمهور لأن المسلم له أن يتعامل معهم، وقد كان عليه السلام يشرب من أواني المشركين، ويصافح غير المسلمين والله أعلم.
الحكم الثالث : هل يمنع المشرك من دخول المسجد؟
دلّ قوله تعالى :﴿ فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام ﴾ على منع المشركين من دخول المسجد الحرام، وقد اختلف العلماء في المراد من لفظ ( المسجد الحرام ) على أقوال عديدة :
أ - المراد خصوص المسجد الحرام أخذاً بظاهر الآية وهو مذهب الشافعية.
ب - المراد الحرم كلّه ( مكة ) وما حولها من الحرم وهو قول عطاء ومذهب الحنابلة.
ج - المراد المساجد جميعاً المسجد الحرام بالنص وبقية المساجد بالقياس وهو مذهب المالكلية.
د - المراد النهي عن تمكينهم من الحج والعمرة وهو مذهب الحنفية.
دليل الشافعي : احتج الشافعي رحمه الله بظاهر الآية ﴿ فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام ﴾ فقال : الآية خاصة في المسجد الحرام. عامة في الكفار. فأباح دخول غير المسلمين سائر المساجد. ومنع جميع الكفار من دخول المسجد الحرام.
دليل أحمد : واستدل الإمام أحمد رحمه الله بأن لفظ ( المسجد الحرام ) قد يطلق ويراد به الحرم كله كما في قوله تعالى :﴿ هُمُ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام ﴾
282
[ الفتح : ٢٥ ] وقوله :﴿ لَتَدْخُلُنَّ المسجد الحرام إِن شَآءَ الله آمِنِينَ ﴾ [ الفتح : ٢٧ ] وقد كان الصد عن دخول مكة، وأخبر تعالى بأنهم سيدخلونها آمنين.
دليل مالك : واستدل مالك رحمه الله بأن العلة وهي ( النجاسة ) موجودة في المشركين. والحرمة ثابتة لكل المساجد، فلا يجوز تمكينهم من دخول المسجد الحرام والمساجد كلها. فقاس مالك جميع الكفار من أهل الكتاب وغيرهم على المشركين، وقاس سائر المساجد على المسجد الحرام ومنع من دخول الجميع في جميع المساجد.
دليل أبي حنيفة : واستدل أبو حنيفة رحمه الله على أن المراد النهي عن تمكينهم من الحج والعمرة بما يلي :
أولاً : قوله تعالى :﴿ بَعْدَ عَامِهِمْ هذا ﴾ فإن تقييد الني بذلك يدل على اختصاص المنهي عنه بوقت من أوقات العام، أي لا يحجوا ولا يعتمروا بعد هذا العام.
ثانياً : قول علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه حين أرسله رسول الله ﷺ ينادي بسورة براءة :« وألاّ يحجّ بعد هذا العام مشرك ».
ثالثاً : قوله تعالى :﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً ﴾ فإن خشية الفقر إنما تكون بسبب انقطاع تلك المواسم ومنع المشركين من الحج والعمرة حيث كانوا يتاجرون في مواسم الحج، فإن ذلك يضر بمصالحهم المالية، فأخبرهم تعالى بأن الله يغنيهم من فضله.
رابعاً : إجماع المسلمين على وجوب منع المشركين من الحج، والوقوف بعرفة، ومزدلفة، وسائر أعمال الحج وإن لم تكن هذه الأفعال في المسجد الحرام.
قال صاحب « الكشاف » :« إن معنى قوله تعالى :﴿ فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام ﴾ أي لا يحجوا ولا يعتمروا، ويدل عليه قول علي :» وألاّ يحج بعد عامنا هذا مشرك « فلا يمنعون من دخول الحرم، والمسجد الحرام، وسائر المساجد عند أبي حنيفة ».
الحكم الرابع : ما هي الجزية، وما هو مقدارها وممن تؤخذ؟
الجزية : ما يدفعه أهل الكتاب للمسلمين لقاء حمايتهم ونصرتهم، سميت جزية لأنها من الجزاء، جزاء الكفر وعدم الدخول في الإسلام، أو جزاء الحماية والدفاع عنهم.
وقد اختلف الفقهاء في الذين تؤخذ منهم الجزية، فالمشهور عن أحمد : أنها لا تقبل إلا من اليهود والنصارى والمجوس، وبه قال الشافعي.
وقال الأوزاعي : تؤخذ من كل مشرك عابد وثنٍ، أو نارٍ، أو جاحدٍ مكذب.
وقال أبو حنيفة ومالك : الجزية تؤخذ من الكل إلاّ من عابدي الأوثان من العرب فقط.
فأما الذين تؤخذ منهم الجزية فهم الرجال البالغون، فأما الزمنى، والعمي، والشيوخ المسنون، والنساء، والصبيان، والرهبان المنقطعون في الصوامع فلا تؤخذ منهم الجزية.
وأما مقدارها فعلى الموسر ثمانية وأربعون درهماً، وعلى المتوسط أربعة وعشرون درهماً، وعلى الفقير القادر على العمل إثنا عشر درهماً في السنة، وهو قول أبي حنيفة وأحمد رحمهما الله تعالى.
وقال مالك : على أهل الذهب أربعة دنانير، وعلى أهل الفضّة أربعون درهماً، وسواءٌ في ذلك الغني والفقير.
دليل مالك : واستدل مالك رحمه الله بأن العلة وهي ( النجاسة ) موجودة في المشركين. والحرمة ثابتة لكل المساجد، فلا يجوز تمكينهم من دخول المسجد الحرام والمساجد كلها. فقاس مالك جميع الكفار من أهل الكتاب وغيرهم على المشركين، وقاس سائر المساجد على المسجد الحرام ومنع من دخول الجميع في جميع المساجد.
دليل أبي حنيفة : واستدل أبو حنيفة رحمه الله على أن المراد النهي عن تمكينهم من الحج والعمرة بما يلي :
أولاً : قوله تعالى :﴿ بَعْدَ عَامِهِمْ هذا ﴾ فإن تقييد الني بذلك يدل على اختصاص المنهي عنه بوقت من أوقات العام، أي لا يحجوا ولا يعتمروا بعد هذا العام.
ثانياً : قول علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه حين أرسله رسول الله ﷺ ينادي بسورة براءة :« وألاّ يحجّ بعد هذا العام مشرك ».
ثالثاً : قوله تعالى :﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً ﴾ فإن خشية الفقر إنما تكون بسبب انقطاع تلك المواسم ومنع المشركين من الحج والعمرة حيث كانوا يتاجرون في مواسم الحج، فإن ذلك يضر بمصالحهم المالية، فأخبرهم تعالى بأن الله يغنيهم من فضله.
رابعاً : إجماع المسلمين على وجوب منع المشركين من الحج، والوقوف بعرفة، ومزدلفة، وسائر أعمال الحج وإن لم تكن هذه الأفعال في المسجد الحرام.
قال صاحب « الكشاف » :« إن معنى قوله تعالى :﴿ فَلاَ يَقْرَبُواْ المسجد الحرام ﴾ أي لا يحجوا ولا يعتمروا، ويدل عليه قول علي :» وألاّ يحج بعد عامنا هذا مشرك « فلا يمنعون من دخول الحرم، والمسجد الحرام، وسائر المساجد عند أبي حنيفة ».
الحكم الرابع : ما هي الجزية، وما هو مقدارها وممن تؤخذ؟
الجزية : ما يدفعه أهل الكتاب للمسلمين لقاء حمايتهم ونصرتهم، سميت جزية لأنها من الجزاء، جزاء الكفر وعدم الدخول في الإسلام، أو جزاء الحماية والدفاع عنهم.
وقد اختلف الفقهاء في الذين تؤخذ منهم الجزية، فالمشهور عن أحمد : أنها لا تقبل إلا من اليهود والنصارى والمجوس، وبه قال الشافعي.
وقال الأوزاعي : تؤخذ من كل مشرك عابد وثنٍ، أو نارٍ، أو جاحدٍ مكذب.
وقال أبو حنيفة ومالك : الجزية تؤخذ من الكل إلاّ من عابدي الأوثان من العرب فقط.
فأما الذين تؤخذ منهم الجزية فهم الرجال البالغون، فأما الزمنى، والعمي، والشيوخ المسنون، والنساء، والصبيان، والرهبان المنقطعون في الصوامع فلا تؤخذ منهم الجزية.
وأما مقدارها فعلى الموسر ثمانية وأربعون درهماً، وعلى المتوسط أربعة وعشرون درهماً، وعلى الفقير القادر على العمل إثنا عشر درهماً في السنة، وهو قول أبي حنيفة وأحمد رحمهما الله تعالى.
وقال مالك : على أهل الذهب أربعة دنانير، وعلى أهل الفضّة أربعون درهماً، وسواءٌ في ذلك الغني والفقير.
283
وقال الشافعي : على كل رأسٍ دينار سواءٌ فيه الغني والفقير.
الترجيح أقول : ما روي عن مالك رحمه الله هو ما فرضه عمر رضي الله عنه، وقد رويت عن عمر ضرائب مختلفة أخد كل مجتهد بما بلغه، وأظن أن ذلك كان بحسب الاجتهاد، وبحسب اليسر والعسر، وقد روي أن عمر ورضع الجزية عن شيخ يهودي طعن في السن رآه يسأل الناس، وأعاله من بيت مال المسلمين، فالأمر فيه سعة، والله أعلم.
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
أوجبت الشريعة الإسلامية الغراء على المسلمين قتال أهل الكفر والعدوان، ممن أبوا أن يدخلوا في دين الله، وأن ينعموا بظلال الإسلام الوارفة، وأحكامه العادلة، ويستجيبوا لدعوة الحق التي فيها الخير والسعادة لني الإنسانية جمعاء.
وقد استثنى الباري جل وعلا من قتال الكفار أهل الكتاب، فأمر بدعوتهم إلى الدخول في الإسلام فإن أبوا دفعوا الجزية، وإلاّ وجب قتالهم حتى يفيئوا إلى دين الله، ويرضوا بحكم الله جل وعلا ﴿ حتى يُعْطُواْ الجزية عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [ التوبة : ٢٩ ] والجزية هي - في الحقيقة - رمزٌ للخضوع والإذغان، رمزٌ لقبول غير المسلم بالعيش في ظل نظام الإسلام، رمزٌ لإظهار الطاعة والرضى والانقياد للدولة الإسلامية، وهي بعد ذلك تعبيرٌ عن مبدأ التعاون، بين الذميين والدولة الإسلامية ممثلة في خليفة المسلمين، بحيث لا يكون هناك خروجٌ عن الطاعة، ولا تمرد على نظام الإسلام، أو بتعبير آخر : الاستسلام لحكم الإسلام، والرضى بكل تشريعاته وأحكامه.
وإذا كان المسلم يدفع زكاة ماله كل عام لتنفق في مصارفها التي حدّدها القرآن الكريم، فإن هذا الذمي المعاهد ( اليهودي أو النصراني ) لا يكلف بدفع الزكاة، وإنما يكلف بدفع الجزية وهي مبلغ يسير زهيد، لا يزيد على ثمانية وأربعين درهماً في العام مقابل الدفاع عنه، وحمايته ونصرته، ومقابل استمتاعه بالمرافق العامة للدولة التي يعيش في كنفها، وتحت ظل حكمها، فليس الهدف إذاً من الجزية الجباية وسلب الأموال، وإنما الهدف الاطمئنان إلى رضى أهل الكتاب بالعيش في ظلال حكم الإسلام، والانقياد، والطاعة لأحكامه وأوامره، وصدق من قال :« إنّ الله لم يبعث المسلمين ليكونوا جباة وإنما بعثهم ليكونوا هداة »!!
الترجيح أقول : ما روي عن مالك رحمه الله هو ما فرضه عمر رضي الله عنه، وقد رويت عن عمر ضرائب مختلفة أخد كل مجتهد بما بلغه، وأظن أن ذلك كان بحسب الاجتهاد، وبحسب اليسر والعسر، وقد روي أن عمر ورضع الجزية عن شيخ يهودي طعن في السن رآه يسأل الناس، وأعاله من بيت مال المسلمين، فالأمر فيه سعة، والله أعلم.
خاتمة البحث :
حكمة التشريع
أوجبت الشريعة الإسلامية الغراء على المسلمين قتال أهل الكفر والعدوان، ممن أبوا أن يدخلوا في دين الله، وأن ينعموا بظلال الإسلام الوارفة، وأحكامه العادلة، ويستجيبوا لدعوة الحق التي فيها الخير والسعادة لني الإنسانية جمعاء.
وقد استثنى الباري جل وعلا من قتال الكفار أهل الكتاب، فأمر بدعوتهم إلى الدخول في الإسلام فإن أبوا دفعوا الجزية، وإلاّ وجب قتالهم حتى يفيئوا إلى دين الله، ويرضوا بحكم الله جل وعلا ﴿ حتى يُعْطُواْ الجزية عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ﴾ [ التوبة : ٢٩ ] والجزية هي - في الحقيقة - رمزٌ للخضوع والإذغان، رمزٌ لقبول غير المسلم بالعيش في ظل نظام الإسلام، رمزٌ لإظهار الطاعة والرضى والانقياد للدولة الإسلامية، وهي بعد ذلك تعبيرٌ عن مبدأ التعاون، بين الذميين والدولة الإسلامية ممثلة في خليفة المسلمين، بحيث لا يكون هناك خروجٌ عن الطاعة، ولا تمرد على نظام الإسلام، أو بتعبير آخر : الاستسلام لحكم الإسلام، والرضى بكل تشريعاته وأحكامه.
وإذا كان المسلم يدفع زكاة ماله كل عام لتنفق في مصارفها التي حدّدها القرآن الكريم، فإن هذا الذمي المعاهد ( اليهودي أو النصراني ) لا يكلف بدفع الزكاة، وإنما يكلف بدفع الجزية وهي مبلغ يسير زهيد، لا يزيد على ثمانية وأربعين درهماً في العام مقابل الدفاع عنه، وحمايته ونصرته، ومقابل استمتاعه بالمرافق العامة للدولة التي يعيش في كنفها، وتحت ظل حكمها، فليس الهدف إذاً من الجزية الجباية وسلب الأموال، وإنما الهدف الاطمئنان إلى رضى أهل الكتاب بالعيش في ظلال حكم الإسلام، والانقياد، والطاعة لأحكامه وأوامره، وصدق من قال :« إنّ الله لم يبعث المسلمين ليكونوا جباة وإنما بعثهم ليكونوا هداة »!!
284