تفسير سورة الهمزة

كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل

تفسير سورة سورة الهمزة من كتاب كشف التنزيل في تحقيق المباحث والتأويل
لمؤلفه أبو بكر الحداد اليمني . المتوفي سنة 800 هـ

قال ابنُ عبَّاس: ((نَزَلَتْ فِي الأَخْنَسِ ابْنِ شُرَيْقٍ، كَانَ يَهْمِزُ النَّاسَ وَيَلْمِزُهُمْ مُقْبلِينَ وَمُدْبرِينَ)). وقال مقاتلُ: ((نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ)). وحرف (كُلِّ) يقتضي أنَّ هذا الوعيدَ لكلِّ كافرٍ يغتابُ الناسَ ويَعيبُهم. والويلُ كلمةٌ تقولها العربُ في كلِّ مَن وقعَ في هَلكةٍ، ويقالُ: إنه وادٍ في جهنَّم مملوءٌ من القيحِ والصَّديد مما يسيلُ من أهلِ النار. والْهُمَزَةُ: الطاعنُ على غيرهِ بغير حقِّ بالسَّفَهِ والجهلِ، واللُّمَزَةُ: الْمُغتَابُ الْمِعيَابُ، وعن أبي العاليةِ قال: ((الْهُمَزَةُ: الَّذِي يَلْمِزُ مِنْ خَلْفٍ، وَاللُّمَزُ: هُوَ الْعَيْبُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى:﴿ وَلاَ تَلْمِزُوۤاْ أَنفُسَكُمْ ﴾[الحجرات: ١١] أي لا يعيبَنَّ بعضُكم على بعضٍ)). وقال ابنُ عبَّاس: ((الْهُمَزَةُ اللُّمَزَةُ: هُمُ الْمَشَّاءُونَ بالنَّمِيمَةِ الْمُفَرِّقُونَ بَيْنَ الأَحِبَّةِ)). وَقِيْلَ: الْهُمَزَةُ: الذي يأكلُ لحومَ الناسِ ويغتابُهم، واللُّمَزة: الطعَّان عليهم. وَقِيْلَ: اللُّمَزة: الذي يُكرِمُ الناسَ بلسانهِ ويهمِزُهم بعينهِ، وقال ابنُ كَيسان: ((الْهُمَزَةُ: الَّذِي يُؤْذِي جَلِيسَهُ بسُوءٍ اللَّفْظِ، وَاللُّمَزَةُ: الَّذِي يَكْسِرُ عَيْنَهُ عَلَى جَلِيسِهِ، وَيُشِيرُ برَأسِهِ، وَيُومِئُ بعَيْنَيْهِ، وَيَرْمِزُ بحَاجِبهِ)).
قرأ ابنُ كثيرٍ وأبو عامر ونافع وعاصم (جَمَعَ) بتخفيفِ الميم، وقرأ غيرُهم بالتشديدِ، ومعنى الآية: الذي جمعَ مالاً كثيراً من الحرامِ وعدَّدَهُ لنوائبِ دهرهِ. وَقِيْلَ: عدَّهُ وأحصاهُ وأحرَزهُ، وقرأ الحسنُ (وَعَدَدَهُ) بالتخفيفِ؛ أي جمَعهُ وعدده؛ أي وخدَمهُ واتباعهُ، تقول العربُ: جَمعتُ الشيءَ إذا كان متفرِّقاً، وجَمَّعتُ الشيء بالتشديدِ إذا أكثرتُ الجمعَ منه.
معناهُ: يحسبُ هذا الكافر الطاعنُ اللعَّانُ أنَّ كثرةَ مالهِ تُخْلِدُهُ وتُبقيه؟ أي يعملُ عمَلَ من يظنُّ أن ماله يُبقيهِ؟
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ كَلاَّ ﴾؛ أي حاشَا أن يخلُدَ أحدٌ في الدنيا. ويجوزُ أن يكون معناه: حقّاً؛ ﴿ لَيُنبَذَنَّ فِي ٱلْحُطَمَةِ ﴾؛ أي ليُطرَحنَّ فيها، وقرأ الحسنُ (لَيُنْبَذَان) أي ليطرحَانَّ هو ومالهُ. والْحُطَمَةُ: اسمُ دركَةٍ من دركاتِ النار، سُميت بذلك؛ لأنَّها كثيرةُ الحطْمِ للكفار، وأصلُ الْحَطْمِ الكسرُ، يقالُ: رجلٌ حَطَمَةٌ إذا كان كثيرَ الأكلِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحُطَمَةُ ﴾؛ تفخيمٌ لشأنِها، وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ ﴾؛ أي لا تَخْمَدُ أبداً، وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأَفْئِدَةِ ﴾؛ أي تُشرِفُ على القلوبِ، تأكلُ كلَّ شيءٍ من الجلودِ واللُّحوم والعظامِ والعُروقِ حتى يبلغَ إحراقُها إلى القلوبِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ ﴾؛ أي إنَّ الحطَمةَ عليهم؛ أي على الكفار مُطبَقَةُ الأبوابِ مغلقَةٌ لا تدخلُ فيها رَوْحٌ، ولا يخرج منها غمُّها. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ ﴾؛ قرأ أهلُ الكوفة (عُمُدٍ) بضمَّتين، وقرأ غيرُهم بالنصبِ، واختارَهُ أبو عبيد لقوله تعالى﴿ رَفَعَ ٱلسَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾[الرعد: ٢]، والعَمَدُ والعُمُدُ جمعُ عَمُودٍ، قال الفرَّاء: ((هُوَ جَمْعُ عِمَادٍ، وَهُوَ الاسْطِوَانةُ))، والمعنى: تُمَدُّ أيديهم وأرجلُهم إلى عَمَدٍ ممدودةٍ في النار، وتُجعَلُ في أعناقهم السلاسلُ؛ ليكونَ ذلك زيادةً في تعذيبهم.
سورة الهمزة
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الهُمَزة) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (القيامة)، وقد افتُتحت بإثبات الوَيْلِ لكلِّ مَن يطعن في المؤمنين ويَلمِزهم، والمقصودُ ابتداءً من هذا الخطابِ مشركو قُرَيش عندما كانوا يَعِيبون المسلمين؛ ليتركوا الإسلامَ، ويعُودُوا إلى الشِّرك.

ترتيبها المصحفي
104
نوعها
مكية
ألفاظها
33
ترتيب نزولها
32
العد المدني الأول
9
العد المدني الأخير
9
العد البصري
9
العد الكوفي
9
العد الشامي
9

* سورةُ (الهُمَزة):

سُمِّيت سورةُ (الهُمَزة) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {وَيْلٞ لِّكُلِّ هُمَزَةٖ لُّمَزَةٍ} [الهمزة: 1]، و(الهُمَزة): هو الذي يغتاب الناسَ، ويطعن فيهم.

 جزاء الطعَّان والعيَّاب للناس (١-٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /342).

تحذيرُ المشركين من الطعنِ في المؤمنين ولَمْزِهم طمعًا في أن يُلجِئَهم الملَلُ من أصناف الأذى إلى الانصراف عن الإسلام، والرجوع إلى الشرك.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /536).