ﰡ
قوله: ﴿ضَبْحاً﴾ فيه أوجهٌ. أحدُها: أنه مصدرٌ مؤكِّدٌ لاسمِ الفاعلِ؛ فإنَّ الضَّبْحَ نوعٌ من السيرِ والعَدْوِ كالضَّبْع. يقال: ضَبَحَ الفَرَسُ وضَبَعَ، إذا عدا بشدةٍ، أَخْذاً مِن الضَّبْع، وهو الذِّرَاع لأنه يَمُدُّه عند العَدْوِ، وكأنَّ الحاءَ بدلٌ من العين. وإلى هذا ذهب أبو عبيدةَ. والمبردُ. قالا الضَّبْحُ مِنْ إضباعِها في السَّيْرِ. وقال عنترةُ:
٤٦١٧ - والخيلُ تعلَمُ حين تَضْ | بَحُ في حِياضِ المَوْتِ ضَبْحاً |
٤٦١٨ - حَنَّانَةٌ مِنْ نَشَمٍ أو تالبِ | تَضْبَحُ في الكَفِّ ضُباحَ الثعلبِ |
الثالث: من الأوجه: أَنْ يكونَ منصوباً بفعلٍ مقدرٍ، أي: تَضْبَحُ ضَبْحاً. وهذا الفعلُ حالٌ من «العاديات».
الرابع: أنَّه منصوبٌ بالعادِيات، وإنْ كان المرادُ به الصوتَ. قال الزمخشري: «كأنَّه قيل: والضَّابحاتِ لأنَّ الضَّبْحَ يكون مع العَدْوِ». قال الشيخ: «وإذا كان الضَّبْحُ مع العَدْوِ فلا يكون معنى» والعادياتِ «: والضَّابحاتِ فلا ينبغي أن يُفَسَّرَ به». قلت: لم يَقُلْ الزمشخريُّ أنه بمعناه، وإنما جعله منصوباً به؛ لأنه لازمٌ له لا يُفارِقُه فكأنَّه ملفوظٌ به. وقوله: «كأنه قيل» تفسيرٌ للتلازُمِ، لا أنه هو هو.
٤٦١٩ - تَقُدُّ السُّلُوقِيَّ المُضاعَفَ نَسْجُهُ | وتُوْقِدُ بالصُّفَّاحِ نارَ الحُباحِبِ |
٤٦٢٠ - فلَيْتَ لي بهمُ قوماً إذا رَكِبوا | شَنُّوا الإِغارةَ فُرْساناً ورُكْبانا |
٤٦٢١ - يا لَهْفَ زيَّابةَ لِلحارِث ال | صابحِ فالغانِمِ فالآئِبِ |
٤٦٢٢ - أمَا والعادياتِ غَداةَ جَمْعٍ | بأَيْديها إذا سَطَع الغُبارُ |
قوله: ﴿بِهِ﴾ : في الهاء أوجهٌ. أحدُهما: أنها ضميرُ الصُّبح، أي: فَأَثَرْنَ في وقتِ الصُّبح غُباراً. وهذا حَسَنٌّ؛ لأنه مذكورٌ بالصَّريح. الثاني: أنه عائدٌ على المكانِ، وإن لم يَجْرِ له ذِكْرٌ؛ لأنَّ الإِثارةَ لا بُدَّ لها من مكان، فالسِّياقُ والفعلُ يَدُلاَّن عليه. وفي عبارةِ الزمخشريِّ: «وقيل: الضمير لمكان الغارة» هذا على تلك اللُّغَيَّةِ، وإلاَّ فالفصيحُ أَنْ يقولَ: الإِغارة الثالث: أنَّه ضميرُ العَدْوِ الذي دَلَّ عليه «والعادياتِ».
وقرأ العامَّةُ بتخفيفِ الثاءِ، مِنْ أثار كذا: إذا نَشَره وفَرَّقه مع ارتفاعٍ. وقرأ أبو حَيْوَةَ وابن أبي عبلة بتشديدها، وخَرَّجه الزمخشريُّ
٤٦٢٣ - يَخْرُجْنَ مِنْ مُسْتطارِ النَّقْعِ داميةً | كأنَّ آذانَها أطرافُ أَقْلامِ |
٤٦٢٤ - عَدِمْتُ بُنَيَّتِي إنْ لَمْ تَرَوْها | تُثير النَّقْعَ مِنْ كَنَفَيْ كَداءِ |
٤٦٢٥ - فمتى يَنْقَعْ صُراخٌ صادِقٌ | يُحْلِبُوْها ذاتَ جَرْسٍ وزَجَلْ |
فمتى يَنْقَعْ صُراخٌ صادِقٌ | ...................... |
٤٦٢٦ -........... والعادياتِ غَداةَ جَمْعٍ | ................... |
٤٦٢٧ - فَوَسَطْنَ جَمْعَهُمُ وأَفْلَتَ حاجبٌ | تحت العَجابةِ في الغُبارِ الأَقْتَمِ |
وقرأ علي وزيد بن علي وقتادة وابن أبي ليلى بتشديد السين، وهما لغتان بمعنىً واحدٍ أعني التثقيلَ والتخفيفَ. وقال الزمخشري:»
٤٦٢٨ - كَنُوْدٌ لِنَعْماءِ الرجالِ ومَنْ يَكُنْ | كَنُوْداً لِنَعْماءِ الرجالِ يُبَعَّدِ |
٤٦٢٩ - إنْ تَفْتْني فلم أَطِبْ عنك نَفْساً | غيرَ أنِّي أمنى بدَيْنٍ كَنُودِ |
٤٦٣٠ -[أرى] الموتَ يَعْتامُ الكرامَ ويَصْطَفي | عَقيلةَ مالِ الفاحشِ المتشدِّدِ |
وقرأ العامَّةُ» بُعْثِرَ «بالعين مبنياً للمفعولِ. والموصولُ قائمٌ مقامَ الفاعلِ. وابن مسعودٍ بالحاء. وقرأ الأسود بن يزيد ومحمد بن معدان» بُحِثَ «من البحث. ونصر بن عاصم» بَعْثَرَ «مبنياً للفاعل وهواللَّهُ تعالى أو المَلَكُ. والعامَّةُ» حُصِّل «مبنياً للمفعولِ كالذي قبلَه. ويحيى بن يعمر ونصرُ بن عاصم وابن معدان» حَصَّلَ «مبنياً للفاعلِ. ورُوِي عن ابن يعمرَ ونصرٍ أيضاً» حَصَلَ «خفيفةَ الصادِ مبنياً للفاعل بمعنى: جَمَعَ ما في الصحفِ تَحَصُّلاً، والتحصيلُ: جَمْعُ الشيء، والحُصولُ اجتماعُه. وقيل: التحصيلُ التمييزُ. ومنه قيل للمُنْخُل: مُحَصِّل. وحَصَل الشيءُ مخفَّفاً: ظَهَر واستبانَ، وعليه القراءةُ الأخيرةُ.
و «بهم» و «يومئذٍ» متعلِّقان بالخبرِ، واللامُ غيرُ مانعةٍ من ذلك، وقُدِّما لأَجْلِ الفاصلةِ.
سورة العاديات
سورة (العاديَات) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (العصر)، وقد افتُتحت بقَسَم الله عز وجل بـ(العاديَات)؛ وهي: خيلُ الغُزَاة، أو رواحلُ الحَجيج، وذكَّرتْ بالآخرة، وذمَّتْ خِصالًا تؤدي بصاحبها إلى الخسران والنِّيران؛ منها الجحود، والطَّمَعُ في هذه الدنيا ومَلذَّاتها وشهواتها.
ترتيبها المصحفي
100نوعها
مكيةألفاظها
40ترتيب نزولها
14العد المدني الأول
11العد المدني الأخير
11العد البصري
11العد الكوفي
11العد الشامي
11* سورة (العاديَات):
سُمِّيت سورة (العاديَات) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله عزَّ وجلَّ بـ(العاديَات)؛ قال تعالى: {وَاْلْعَٰدِيَٰتِ ضَبْحٗا} [العاديات: 1].
1. القَسَم على جحود الإنسان (١-٨).
2. مشهد البعث والحشر (٩-١١).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /299).
التذكيرُ بالآخرة، وذمُّ الخصالِ التي تؤدي إلى الخسران والنِّيران.
يقول ابنُ عاشور رحمه الله عن مقاصدها: «ذمُّ خصالٍ تفضي بأصحابها إلى الخسران في الآخرة، وهي خصالٌ غالية على المشركين والمنافقين، ويراد تحذيرُ المسلمين منها، ووعظُ الناس بأن وراءهم حسابًا على أعمالهم بعد الموت؛ ليتذكرَه المؤمن، ويُهدَّد به الجاحد.
وأُكِّد ذلك كلُّه بأن افتُتح بالقَسَم، وأدمج في القَسَم التنويه بخيلِ الغزاة، أو رواحلِ الحجيج». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /498).