تفسير سورة العاديات

غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني

تفسير سورة سورة العاديات من كتاب غاية الأماني في تفسير الكلام الرباني المعروف بـغاية الأماني في تفسير الكلام الرباني.
لمؤلفه أحمد بن إسماعيل الكَوْرَاني . المتوفي سنة 893 هـ

سُورَةُ الْعَادِيَاتِ
مكية، أحد عشرة آية

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (١) أقسم بخيل الغزاة العاديات في الكر والفر. والضبح: صوت أنفاسها حين العدو. وعن أبي عبيد: هو السير. نصبه على المصدر إما من فعله المحذوف، أو بالعاديات؛ لأنّه يلازم العدو، أو الحال. وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: أنها الإبل؛ إذ لم يكن مع رسول اللَّه - ﷺ - يوم بدر سوى فرسين: فرس المقداد، وفرس أبي قتادة. ولا أظن صحته؛ لأن الخيل آلة الجهاد لقوله: " وَمَنْ رَبَطَ فَرَسًا فِي سَبِيلِ اللَّه فلهُ أجرُ أبوالِها وأرْواثِها " رواه البخاري. وناهيك قوله. (مِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ)، وعدم وجدان الخيل في غزوة بدر لا تمنع الإقسام بها. أدلّ من ذلك: (فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (٢) فالمخرجات ناراً من الحجارة بصكِّ حوافرها قادحات.
(فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (٣) وقت الصباح " كان رسول اللَّه - ﷺ - ينزل بقرب العدو حتى يصبح، فإن سمع الآذان كفَّ وإلَّا أغار ". وقال: " إِنَّا إِذا نزلْنَا بسَاحَة قَوْمٍ (فَسَاءَ صَباح الْمُنْذَرِينَ) ".
(فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (٤) بذلك الوقت والمكان غباراً كما ترى في مواقع الحروب:
كَأَنَّ مُثارَ النَقع فَوقَ رؤوسنا وَأَسيافَنا لَيلٌ تَهاوى كَواكِبُه
وقيل: أصوات الذين أغير عليهم. (فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (٥) من جموع الأعداء. أو أقسم بالنفوس العدية في طلب الكمال، المتأوهة على الفرطات، المورية بإقدام الأفكار من صخور المسالك أنوار المعارف، المغيرات على جيش الهوى بالاستغفار في الأسحار، فأثرن به غبار الشوق، فوسطن به جمعاً من جموع الملأ الأعلى.
(إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦) لكفور جحود، وعن الحسن: هو الذي يذكر المصائب وينسى النعم. وعن أبي أمامة: سئل رسول الله - ﷺ - قال: "
لَكَفُورٌ مَنْ يَأكلُ وَحْدَهُ وَيَضْرِب عَبْدَه، يمنع رِفْدَهُ ". (وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (٧) يدل على كونه كنوداً حاله. وعن الثوري: الضمير للَّه.
(وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨) شديد الحب للمال الكثير. "لوْ كانَ له واديان مِن ذَهب لابتغَى ثالثاً وَلَا يَمْلَأ عَيْنَ ابْنِ آدَمَ إِلا التُّرَابُ ". (أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (٩) [من الموتى أي: البعث، وفي زيادة الراء مبالغة كبحث مع بحثر].
(وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (١٠) أبرز ما فيها من السرائر والضمائر.
(إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (١١) بأعمالهم والإخلاص فيها. وآثر " ما " أولاً ثم قال: " بهم "؛ لأنهم حال البعث تراب ورفات.
* * *
تمت ولله الحمد، والصلاة على رسوله وآله وصحبه.
* * *
سورة العاديات
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (العاديَات) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (العصر)، وقد افتُتحت بقَسَم الله عز وجل بـ(العاديَات)؛ وهي: خيلُ الغُزَاة، أو رواحلُ الحَجيج، وذكَّرتْ بالآخرة، وذمَّتْ خِصالًا تؤدي بصاحبها إلى الخسران والنِّيران؛ منها الجحود، والطَّمَعُ في هذه الدنيا ومَلذَّاتها وشهواتها.

ترتيبها المصحفي
100
نوعها
مكية
ألفاظها
40
ترتيب نزولها
14
العد المدني الأول
11
العد المدني الأخير
11
العد البصري
11
العد الكوفي
11
العد الشامي
11

* سورة (العاديَات):

سُمِّيت سورة (العاديَات) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله عزَّ وجلَّ بـ(العاديَات)؛ قال تعالى: {وَاْلْعَٰدِيَٰتِ ضَبْحٗا} [العاديات: 1].

1. القَسَم على جحود الإنسان (١-٨).

2. مشهد البعث والحشر (٩-١١).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /299).

التذكيرُ بالآخرة، وذمُّ الخصالِ التي تؤدي إلى الخسران والنِّيران.

يقول ابنُ عاشور رحمه الله عن مقاصدها: «ذمُّ خصالٍ تفضي بأصحابها إلى الخسران في الآخرة، وهي خصالٌ غالية على المشركين والمنافقين، ويراد تحذيرُ المسلمين منها، ووعظُ الناس بأن وراءهم حسابًا على أعمالهم بعد الموت؛ ليتذكرَه المؤمن، ويُهدَّد به الجاحد.

وأُكِّد ذلك كلُّه بأن افتُتح بالقَسَم، وأدمج في القَسَم التنويه بخيلِ الغزاة، أو رواحلِ الحجيج». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /498).