تفسير سورة العاديات

فتح الرحمن في تفسير القرآن

تفسير سورة سورة العاديات من كتاب فتح الرحمن في تفسير القرآن المعروف بـفتح الرحمن في تفسير القرآن.
لمؤلفه مجير الدين العُلَيْمي . المتوفي سنة 928 هـ

سُوْرَةُ العَادِيَات
مختلف فيها كالتي قبلها، وآيها: إحدى عشرة آية، وحروفها: مئة وثمانية وستون حرفًا، وكلمها: أربعون كلمة.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (١)﴾.
[١] ﴿وَالْعَادِيَاتِ﴾ هي خيل الغزاة؛ لأنّها تعدو بالفرسان ﴿ضَبْحًا﴾ وهو صوت أنفاسها عند العدو، ونصبها مصدر.
روي أن رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - بعث خيلًا إلى بني كنانة سرية، فأبطأ أمرها حتّى أرجف بهم بعضُ المنافقين، فنزلت الآية معلمة أن خيله - صلّى الله عليه وسلم - قد فعلت جميع ما في الآيات (١).
* * *
﴿فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (٢)﴾.
[٢] ﴿فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا﴾ الخيل توري النارَ بحوافرها إذا سارت في الحجارة.
(١) انظر: "تفسير القرطبي" (٢٠/ ١٥٥).
﴿فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (٣)﴾.
[٣] ﴿فَالْمُغِيرَاتِ﴾ غاراتها (١) ﴿صُبْحًا﴾ الخيل تغير بفرسانها على العدو عند الصباح. قرأ أبو عمرو، وخلاد عن حمزة: بإدغام التاء في ضاد (ضَبْحًا)، وصاد (صُبحًا)، والباقون: بكسر التاء وإظهارها (٢).
* * *
﴿فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (٤)﴾.
[٤] ﴿فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا﴾ أي: هَيَّجْنَ ﴿بِهِ﴾ بمكان سيرهن ﴿نَقْعًا﴾ غبارًا.
* * *
﴿فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (٥)﴾.
[٥] ﴿فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا﴾ دخلنَ به وسطَ جمع العدو، والفاء للعطف؛ أي: واللاتي عَدَوْنَ فأوريْنَ فأغرْنَ فأثرْنَ فوسطْنَ، وجواب القسم:
* * *
﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (٦)﴾.
[٦] ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُود﴾ لكفورٌ لنعم الله.
عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - أنّه قال: "هل تدرون ما الكنودُ؟ قالوا: لا يا رسولَ الله، قال: هو الكفورُ الّذي يأكلُ وحده، ويمنعُ رِفْدَه، ويضرِبُ
(١) في "ت": "ظرفها".
(٢) انظر: "التيسير" للداني (ص: ١٨٦)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٤٤٢)، و"معجم القراءات القرآنية" (٨/ ٢١٥).
عبدَه" (١)، وقد يكون في المؤمنين الكفورُ بالنعمة، فتقدير الآية: إنَّ الإنسان لنعمة ربه لكنود، وأرضٌ كنودٌ: لا تنبت شيئًا (٢)، ويقال للبخيل: كنود.
* * *
﴿وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (٧)﴾.
[٧] ﴿وَإِنَّهُ﴾ أي: الإنسانَ ﴿عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ﴾ أي: شاهدٌ على نفسه بذلك.
* * *
﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (٨)﴾.
[٨] ﴿وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ﴾ المال ﴿لَشَدِيدٌ﴾ أي: لشديدُ الحبِّ له.
* * *
﴿أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (٩)﴾.
[٩] ﴿أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ﴾ هو قُلِبَ وأُخْرِج ﴿مَا فِي الْقُبُورِ﴾ توقيف على المآل والمصير؛ أي: أفلا يعلم مآلَه فيستعدَّ له؟ وهذه عبارة عن البعث.
* * *
﴿وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (١٠)﴾.
[١٠] ﴿وَحُصِّلَ﴾ أُظْهِر ﴿مَا فِي الصُّدُورِ﴾ وكُشف؛ ليقع الجزاء عليه.
(١) رواه الطّبريّ في "تفسيره" (٣٠/ ٢٧٨)، والطبراني في "المعجم الكبير" (٧٧٧٨)، وغيرهما من حديث أبي أمامة رضي الله عنه. وإسناده انظر: "علل الحديث" لابن أبي حاتم (٢/ ٧٨)، و"المجروحين" لابن حبّان (١/ ٢١٢).
(٢) "شيئًا" زيادة من "ت".
قال - صلّى الله عليه وسلم -: "يُبْعثون على نِيَّاتهم" (١).
* * *
﴿إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (١١)﴾.
[١١] ﴿إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ﴾ وهو تعالى خبير دائمًا، ولكن خصص يومئذ؛ لأنّه يوم المجازاة، وفي هذا وعيد مصرح، وجمع الكناية؛ لأنّ الإنسان اسم جنس، والله أعلم.
* * *
(١) رواه البخاريّ (٢٠١٢)، كتاب: البيوع، باب: ما ذكر في الأسواق، ومسلم (٢٨٨٤)، كتاب: الفتن وأشراط الساعة، باب: الخسف بالجيش الّذي يؤم البيت، من حديث عائشة رضي الله عنها.
سورة العاديات
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (العاديَات) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (العصر)، وقد افتُتحت بقَسَم الله عز وجل بـ(العاديَات)؛ وهي: خيلُ الغُزَاة، أو رواحلُ الحَجيج، وذكَّرتْ بالآخرة، وذمَّتْ خِصالًا تؤدي بصاحبها إلى الخسران والنِّيران؛ منها الجحود، والطَّمَعُ في هذه الدنيا ومَلذَّاتها وشهواتها.

ترتيبها المصحفي
100
نوعها
مكية
ألفاظها
40
ترتيب نزولها
14
العد المدني الأول
11
العد المدني الأخير
11
العد البصري
11
العد الكوفي
11
العد الشامي
11

* سورة (العاديَات):

سُمِّيت سورة (العاديَات) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله عزَّ وجلَّ بـ(العاديَات)؛ قال تعالى: {وَاْلْعَٰدِيَٰتِ ضَبْحٗا} [العاديات: 1].

1. القَسَم على جحود الإنسان (١-٨).

2. مشهد البعث والحشر (٩-١١).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /299).

التذكيرُ بالآخرة، وذمُّ الخصالِ التي تؤدي إلى الخسران والنِّيران.

يقول ابنُ عاشور رحمه الله عن مقاصدها: «ذمُّ خصالٍ تفضي بأصحابها إلى الخسران في الآخرة، وهي خصالٌ غالية على المشركين والمنافقين، ويراد تحذيرُ المسلمين منها، ووعظُ الناس بأن وراءهم حسابًا على أعمالهم بعد الموت؛ ليتذكرَه المؤمن، ويُهدَّد به الجاحد.

وأُكِّد ذلك كلُّه بأن افتُتح بالقَسَم، وأدمج في القَسَم التنويه بخيلِ الغزاة، أو رواحلِ الحجيج». "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /498).