تفسير سورة الفجر

تفسير التستري

تفسير سورة سورة الفجر من كتاب تفسير التستري المعروف بـتفسير التستري.
لمؤلفه سهل التستري . المتوفي سنة 283 هـ

السورة التي يذكر فيها الفجر
[سورة الفجر (٨٩) : الآيات ١ الى ٣]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

وَالْفَجْرِ (١) وَلَيالٍ عَشْرٍ (٢) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣)
قوله تعالى: وَالْفَجْرِ [١] قال: ظاهرها الفجر الصبح.
وَلَيالٍ عَشْرٍ [٢] قال: يعني عشر ذي الحجة وهي الأيام المعلومات.
وَالشَّفْعِ [٣] آدم وحواء وقيل جميع ما خلق الله من الأضداد، الليل والنهار والنور والظلمة والموت والحياة.
[سورة الفجر (٨٩) : الآيات ٣ الى ٤]
وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ (٤)
وَالْوَتْرِ [٣] هو الله تعالى.
وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ [٤] ليلة الجمع تذهب بما فيها قال: باطنها والفجر محمد صلّى الله عليه وسلّم منه تفجرت أنوار الإيمان وأنوار الطاعات وأنوار الكونين.
وَلَيالٍ عَشْرٍ [٢] العشرة من أصحابه الذين شهد لهم بالجنة. وَالشَّفْعِ [٣] الفرض والسنة. وَالْوَتْرِ [٣] نية الإخلاص لله تعالى في الطاعات دون رؤية غيره فيهان.
وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ [٤] أمته وذلك السواد الأعظم كما قال صلّى الله عليه وسلّم: «ليلة أسري بي رأيت سواداً عظيماً ما بين السماء والأرض فقلت: ما هذا السواد يا جبريل؟ قال: هذه أمتك ولك سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب، لم تكلمهم الخطايا، ولم يدنسوا بالدنيا لا يعرفون إلا الله» «١»، فأقسم الله به وبأصحابه وبأمته.
[سورة الفجر (٨٩) : الآيات ١٤ الى ١٦]
إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (١٤) فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (١٦)
وجواب القسم: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ [١٤] يعني طريق الكل عليه يجازيهم بأعمالهم فأما سالم أو غيره يقول: يجعل رصداً من الملائكة على جسر جهنم معهم الحسك يسألون الخلق عن الفرائض.
فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ [١٥] قال: يعني بعض المؤمنين إذا اختبره ربه بالنعمة فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ [١٥] بما أعطاني من السعة والرزق وذلك له استدراج واغترار. وقد قال الحسن رضي الله عنه: لا يزال العبد بخير ما علم ما الذي يفسد عمله. ومنهم من يزين له ما هو فيه ومنهم من تغلبه الشهوة.
وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ [١٦] أي قتر عليه رزقه. فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ [١٦] بالفقر، يقول الله: كلا لم أبتله بالغنى لكرامته، ولم أبتله بالفقر لهوانه علي.
ولقد حكي أن فتح الموصلي رجع إلى أهله بعد صلاة العتمة وكان صائماً فقال: عشوني فقال: ما عندنا شيء نعشيك به: قال: فما لكم جلوس في الظلمة؟ قالوا: ما عندنا زيت نسرج به.
(١) صحيح البخاري: كتاب الطب، باب من اكتوى، رقم ٥٣٧٨، وباب من لم يرق، رقم ٥٤٢٠ وكتاب الرقاق، باب يدخل الجنة، رقم ٦١٧٥.
قال: فقعد يبكي من الفرح إلى الصباح وقال: إلهي مثلي يترك بلا عشاء بلا سراج، بأي يد كانت مني يا مولاي «١».
[سورة الفجر (٨٩) : الآيات ٢٧ الى ٣٠]
يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠)
قوله تعالى: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ [٢٧] قال: هذا خطاب لنفس الروح الذي به حياة نفس الطبع والمطمئنة المصدقة بثواب الله وعقابه.
ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ [٢٨] بطريق الآخرة راضِيَةً [٢٨] عن الله بالله مَرْضِيَّةً [٢٨] عنها لسكونها إلى الله عزَّ وجلَّ.
فَادْخُلِي فِي عِبادِي [٢٩] أي في جملة أوليائي الذين هم عبادي حقاً وَادْخُلِي جَنَّتِي [٣٠] قال سهل: الجنة جنتان: أحدهما الجنة نفسها، والأخرى حياة بحياة وبقاء ببقاء.
كما روي في الخبر: يقول الملائكة للمنفردين يوم القيامة: امضوا إلى منازلكم في الجنة، فيقولون: ما الجنة عندنا، وإنما انفردنا لمعنى منه إلينا، لا نريد سواه حياة طيبة.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
السورة التي يذكر فيها البلد
[سورة البلد (٩٠) : الآيات ١ الى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

لاَ أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (١) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ (٢) وَوالِدٍ وَما وَلَدَ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ (٤)
قوله تعالى: لاَ أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ [١] قال: يعني مكة. وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ [٢] يعني يوم فتح مكة جعلناها لك حلالاً تقتل فيها من شئت من الكفار كما قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «إنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار» «٢»، فأقسم الله تعالى بمكة لحلول نبيه فيها إعزازاً له وإذلالاً لأعدائه.
وَوالِدٍ وَما وَلَدَ [٣] قال: الوالد: آدم، وما ولد: محمد صلّى الله عليه وسلّم. لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ [٤] أي في مشقة وشدة. قال: الكبد الانتصاب، أي لقد خلقناه في بطن أنه منتصباً. كما قال مجاهد: إن الولد يكون في بطن أمه منتصباً كانتصاب الأم، وملك موكل به، إذا اضجعت الأم رفع رأسه، ولولا ذلك لغرق في الدم.
[سورة البلد (٩٠) : الآيات ١٠ الى ١١]
وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (١٠) فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١)
قوله تعالى: وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ [١٠] قال: بيّنّا له طريق الخير ليتبعه، وطريق الشر ليجتنبه، كما قال: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً [الإنسان: ٣]. وقيل: يعني التدبير.
قوله تعالى: فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ [١١] قال: أي فهلا جاوز الصراط والعقبة دونها، وفي الباطن عقبتان، إحداهما: الذنوب التي اجترحها، يعني بين يديه كالجبل يجاوزها بعتق رقبة، أو إطعام في يوم ذي مجاعة وشدة مسكيناً قد لزق بالتراب من الجهد والفاقة، ويتيماً بينه
(١) شعب الإيمان ٧/ ٢٣٠.
(٢) صحيح البخاري: كتاب الجنائز، رقم ١٢٨٤.
سورة الفجر
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الفجر) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (الليل)، وقد افتُتحت بقَسَمِ الله عز وجل بـ(الفجر)، وجاءت على ذكرِ ما عذَّب اللهُ به عادًا وثمودَ وقوم فرعون؛ ليعتبِرَ بذلك مشركو قريش، وفي ذلك تثبيتٌ للنبي صلى الله عليه وسلم على طريق الدعوة، وخُتمت السورة الكريمة بتقسيم الناس إلى أهل الشقاء وأهل السعادة.

ترتيبها المصحفي
89
نوعها
مكية
ألفاظها
139
ترتيب نزولها
10
العد المدني الأول
32
العد المدني الأخير
32
العد البصري
29
العد الكوفي
30
العد الشامي
30

* سورة (الفجر):

سُمِّيت سورة (الفجر) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَمِ الله عز وجل بـ(الفجر)؛ قال تعالى: {وَاْلْفَجْرِ} [الفجر: 1].

1. في التاريخ عِبْرة وعِظة (١-١٤).

2. أهل الشقاء وأهل السعادة (١٥- ٣٠).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /127).

مقصدُ السورة هو إنذارُ قُرَيش بعذاب الآخرة عن طريقِ ضربِ المثَلِ في إعراضهم عن قَبول رسالة ربهم بمثَلِ عادٍ وثمودَ وقومِ فرعون، وما أوقَعَ اللهُ بهم من عذاب، وفي ذلك تثبيتُ النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الدعوة.

ينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /312).