تفسير سورة الطور

الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم

تفسير سورة سورة الطور من كتاب الصراط المستقيم في تبيان القرآن الكريم
لمؤلفه الكَازَرُوني . المتوفي سنة 923 هـ

لَمَّا أوعدهم بالعذاب أكَد وقوعه بالقسم فقال: ﴿ بِسمِ ٱللهِ ٱلرَّحْمٰنِ ٱلرَّحِيـمِ * وَٱلطُّورِ ﴾: طور سيناء، أو جبل كلم فيه موسى، أو أرسل فيه عيسى ﴿ وَكِتَابٍ مَّسْطُورٍ ﴾: القرآن أو الكتاب السماوي، والسَّطْر ترتيب الحروف المكتوبة ﴿ فِي رَقٍّ ﴾: صحيفة ﴿ مَّنْشُورٍ ﴾: وأصله جلد يكتب فيه ﴿ وَٱلْبَيْتِ ﴾: الكعبة ﴿ ٱلْمَعْمُورِ ﴾: بالحجاج أوبيت في السماء يسامتها يزوره في كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه أبدا ﴿ وَٱلسَّقْفِ ٱلْمَرْفُوعِ ﴾: السماء أو العرش ﴿ وَٱلْبَحْرِ ٱلْمَسْجُورِ ﴾: الموقد في القيامة، أو المملوء أو هو المحيط، وعن علي رضي الله تعالى عنه أنه بحر الحيوان، وهو بحر تحت العرش كما بين سبع سماوات إلى سبع أرضين، فيه ماء غليظ بمطر العباد منه بعد النفخة الأولى أربعين صباحا، فينبتون في قبورهم ﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ ﴾: على الكفار ﴿ مَّا لَهُ مِن دَافِعٍ * يَوْمَ تَمُورُ ﴾: تضطرب ﴿ ٱلسَّمَآءُ مَوْراً ﴾: حين تنشقق ﴿ وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ سَيْراً ﴾: فتصير هباء ﴿ فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴾: رسلنا، أفهم أمان أهل الإيمان يومئذ منه ﴿ ٱلَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ ﴾: في الباطل ﴿ يَلْعَبُونَ * يَوْمَ يُدَعُّونَ ﴾: يدفعون بعنف ﴿ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا ﴾: الجميع بينه وبين " يسحبون " إلى آخره اختلاف الوقتين، يقال لهم: ﴿ هَـٰذِهِ ٱلنَّارُ ٱلَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ * أَفَسِحْرٌ هَـٰذَا ﴾: النار التي هي مصداق ما أوعدنا ﴿ أَمْ أَنتُمْ لاَ تُبْصِرُونَ ﴾: هذا بإزاء قولهم:﴿ إِنَّمَا سُكِّرَتْ ﴾[الحجر: ١٥] إلى آخره وتذكير هذا المعنى المصداق ﴿ ٱصْلَوْهَا ﴾: ادخلوها ﴿ فَٱصْبِرُوۤاْ أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ ﴾: الأمران ﴿ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ ﴾: جزاء ﴿ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ ﴾: تكريما وتعظيما ﴿ فَاكِهِينَ ﴾: متلذذين ﴿ بِمَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَ ﴾: قد ﴿ وَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ ﴾ يقال لهم: ﴿ كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً ﴾: متهنين بلا تنغيص ﴿ بِمَا ﴾: أي: بسبب ما ﴿ كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾: أشار بترك المفعول إلى كثرة أنواعهما ﴿ مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ ﴾: بعضها إلى جنب بعض ﴿ وَزَوَّجْنَاهُم ﴾: قرناهم ﴿ بِحُورٍ عِينٍ ﴾: عظام الأعين، كما مرَّ ﴿ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ ﴾: عظيم، أو أقل ما ينطق عليه الاسم ﴿ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾: المذكورة في الجنة، أو في درجتهم وإن قل عملهم ﴿ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ ﴾: نقصانهم ﴿ مِّنْ ﴾: ثواب ﴿ عَمَلِهِم ﴾: بهذا الإلحاق ﴿ مِّن ﴾: صلة ﴿ شَيْءٍ كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ ﴾: نفسه مرهونة عند الله تعالى إن أحسن فقد فكها، وإلا فأهلكها، وقيل: المراد به الكافر لقوله: ﴿ وَأَمْدَدْنَاهُم ﴾ [المدثر: ] زدناهم وقتا بعد وقت ﴿ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ * يَتَنَازَعُونَ ﴾: يتجاذبون ملاعبة ﴿ فِيهَا ﴾: في الجنة ﴿ كَأْساً ﴾: خمرا ﴿ لاَّ لَغْوٌ ﴾: من الكلام ﴿ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ ﴾: إيقاع في الإثم كخمر الدنيا ﴿ وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ ﴾: بالكأس أو للخدمة ﴿ غِلْمَانٌ ﴾: مماليك ﴿ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ ﴾: مَصون في الصدق لصفائهم وفضل المخدوم عليهم كفضل البدر على سائر الكواكب ﴿ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ ﴾: عن أحالهم الماضية ﴿ قَالُوۤاْ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِيۤ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ ﴾: خائفين من عذاب الله تعالى ﴿ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا ﴾: برحمته ﴿ وَوَقَانَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ ﴾: النار النافذة المسام.
﴿ إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ ﴾: نعبده ﴿ إِنَّهُ هُوَ ٱلْبَرُّ ﴾: المحسن ﴿ ٱلرَّحِيمُ * فَذَكِّرْ ﴾: يا محمد ﴿ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ ﴾: عليك ﴿ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ ﴾: عن الخليل أن كُلَّ ﴿ أَمْ ﴾ في هذه السورة استفهامية، وقال أبو البقاء: منقطعة فمعناه: بل أ ﴿ يَقُولُونَ ﴾: هو ﴿ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ﴾: حوادث ﴿ ٱلْمَنُونِ ﴾: الدهر أو الموت فنستريح ﴿ قُلْ تَرَبَّصُواْ ﴾: انتظروا ﴿ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُتَرَبِّصِينَ ﴾: هلاككم وكلهم هلكوا في حياته عليه الصلاة والسلام ﴿ أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ ﴾: عقولهم ﴿ بِهَـٰذَآ ﴾: التناقض بنسبة الكهانة والجنون ﴿ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ ﴾: في عنادهم ﴿ أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ ﴾: اختلق القرآن من عنده ﴿ بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ ﴾: فيرمونه بما ذكر لكفرهم ﴿ فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ ﴾: اختلف القرآن في بلاغه ﴿ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ ﴾: في تقوله ﴿ أَمْ ﴾: بل أ ﴿ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ ﴾: خالق ﴿ أَمْ ﴾: بل أ ﴿ هُمُ ٱلْخَالِقُونَ ﴾: أ، فسهم ولذا لا يعدبوننا ﴿ أَمْ ﴾: بل ﴿ خَلَقُواْ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ ﴾: وهم يقولون أنه خالق الكل ﴿ بَل لاَّ يُوقِنُونَ ﴾: به ولذا لا يؤمنون بنبيه ﴿ أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَبِّكَ ﴾: فيعطون النبوة لمن شاءوا ﴿ أَمْ هُمُ ٱلْمُصَيْطِرُونَ ﴾: المتسلطون على الأشياء يدبرونها كيف يشاءوا ﴿ أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ ﴾: إلى السماء ﴿ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ ﴾: أي: عليه كلام الملائكة فلذا ينازعون وحينا ﴿ فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُم بِسُلْطَانٍ ﴾: حجة لصدقه ﴿ مُّبِينٍ * أَمْ لَهُ ٱلْبَنَاتُ وَلَكُمُ ٱلْبَنُونَ ﴾: مشعر بأن من هذا رأيه كيف يعد عاقلا فضلاً عن اطلاعه على الغيب ﴿ أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْراً ﴾: على الرسالة ﴿ فَهُم مِّن مَّغْرَمٍ ﴾: غرامة لك ﴿ مُّثْقَلُونَ ﴾: يحملون الثقل ﴿ أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ﴾: منه فينازعونك فيه ﴿ أَمْ ﴾: همزته للتقرير ﴿ يُرِيدُونَ كَيْداً ﴾: بك في دار الندوة فيهلكوك ﴿ فَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ هُمُ ٱلْمَكِيدُونَ ﴾: يحيق بهم وباله، فقتلوا ببدر ﴿ أَمْ لَهُمْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ ﴾: يعصمهم ﴿ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَإِن يَرَوْاْ كِسْفاً ﴾: قطعة ﴿ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ سَاقِطاً ﴾: كما اقترحوا بقولهم: " فأسقطط ﴿ يَقُولُواْ ﴾: عناد ﴿ سَحَابٌ مَّرْكُومٌ ﴾: تراكم بعضها وليس للعذاب ﴿ فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ ﴾: يموتون بالنفحة الأولى ﴿ يَوْمَ لاَ يُغْنِي ﴾: يدفع ﴿ عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ * وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً ﴾: في الدنيا كالسبع والبدر ﴿ دُونَ ذَلِكَ ﴾: العذاب في الآخرة ﴿ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ﴾: ذلك ﴿ وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ﴾: بمَا يصل إليكم من أذاهم ﴿ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ﴾: بمرأى منا ﴿ وَسَبِّحْ ﴾: ملتبسا ﴿ بِحَمْدِ رَبِّكَ ﴾: قُلْ: سُبْحانك اللهم وبحمدك ﴿ حِينَ تَقُومُ ﴾: من مجلسك أو من منامك، أو إلى الصلاة ﴿ وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ ﴾: بالتهجد وغيره، وخصَّه لأنه أشق عباة وأبعد من الرياء ﴿ وَإِدْبَارَ ٱلنُّجُومِ ﴾: أي: إذا أدبر غاب بسبب ضوء الصبح، ومنه صلاة الصبح.
سورة الطور
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الطُّور) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (السَّجْدة)، وقد جاءت بتحذيرِ الكافرين من تحقيقِ وقوع العذاب بهم؛ ترهيبًا لهم من عاقبة كفرهم، كما أبانت عن صفاتِ أهل التقوى التي ينبغي أن نتصفَ بها، وبيَّنتْ جزاءَ الكفار، وسُوءَ عاقبتهم التي ينبغي أن نَحذَرَ منها، و(الطُّور): هو اسمُ الجبل الذي كلَّم اللهُ عليه موسى عليه السلام.

ترتيبها المصحفي
52
نوعها
مكية
ألفاظها
312
ترتيب نزولها
76
العد المدني الأول
47
العد المدني الأخير
47
العد البصري
48
العد الكوفي
49
العد الشامي
49

* سورة (الطُّور):

سُمِّيت سورةُ (الطُّور) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَم الله بـ(الطُّور)، و(الطُّور): هو اسمُ الجبل الذي كلَّم الله عليه موسى عليه السلام.

* كان صلى الله عليه وسلم يقرأُ في المغرب بـ(الطُّور):

عن جُبَيرِ بن مُطعِمٍ رضي الله عنه: «أنَّه سَمِعَ النبيَّ ﷺ يَقرَأُ في المغرِبِ بالطُّورِ». أخرجه ابن حبان (١٨٣٣).

* كان صلى الله عليه وسلم يَقرأ (الطُّور) وهو بجانبِ الكعبة:

عن أمِّ المؤمنين أمِّ سلَمةَ رضي الله عنها، قالت: «شكَوْتُ إلى رسولِ اللهِ ﷺ أنِّي أشتكي، فقال: «طُوفِي مِن وراءِ الناسِ وأنتِ راكبةٌ»، فطُفْتُ ورسولُ اللهِ ﷺ يُصلِّي إلى جَنْبِ البيتِ، يَقرَأُ بـ {اْلطُّورِ * وَكِتَٰبٖ مَّسْطُورٖ}». أخرجه البخاري (٤٨٥٣).

1. تحقيق وقوع العذاب (١-١٦).

2. صفات أهل التقوى (١٧-٢٨).

3. مزاعمُ باطلة (٢٩-٤٦).

4. عاقبة المكذِّبين، وحفظُ الله لرسوله صلى الله عليه وسلم (٤٧-٤٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /468).

يقول البِقاعيُّ مشيرًا إلى مقصدها الأعظم - وهو إثبات وقوع العذاب بمَن عصى وكفَر -: «ومقصودها: تحقيقُ وقوع العذاب، الذي هو مضمونُ الوعيد المُقسَم على وقوعه في (الذَّاريَات)، الذي هو مضمون الإنذار المدلول على صدقِه في (ق)، وأنَّ وقوعه أثبَتُ وأمكَنُ من الجبال التي أخبر الصادقُ بسَيْرِها، وجعَل دَكَّ بعضِها آيةً على ذلك، ومِن الكتاب في أثبَتِ أوضاعه؛ لإمكان غَسْلِه وحَرْقِه، ومن البيت الذي يُمكِن عامِرَه وغيرَه إخرابُه، والسقفِ الذي يُمكِن رافِعَه وَضْعُه، والبحرِ الذي يُمكِن مَن سجَرَه أن يُرسِلَه». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /28).