ﰡ
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر يوم الجمعة (ألم تنزيل الكتاب) و (هل أتى على الإنسان). وأخرج الترمذي عن جابر أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان لا ينام حتى يقرأ (ألم تنزيل الكتاب) و (تبارك الذي بيده الملك). وأخرج الترمذي عن طاوس قال: تفضلان عن كل سورة في القرآن سبعين حسنة. وأخرج بن مردويه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من قرأ (تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) و (الم تَنْزِيلُ) السجدة بين المغرب والعشاء الأخيرة، فكأنما قام ليلة القدر. وأخرج الخرائطي في مكارم الأخلاق من طريق حاتم بن محمد عن طاوس أنه قال: ما على الأرض رجل يقرأ الم السجدة وتبارك الذي بيده الملك في ليلة إلا كتب له مثل أجر ليلة القدر. وجاء فيما أخرجه أبو عبيد وغيره أنها تأتي يوم القيامة لها جناحان تدافع عن قارئها، وتقول لا سبيل عليه. والأخبار بفضلها كثيرة، وكذلك في فضل تبارك. والله أعلم وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، والحمد لله رب العالمين.
تفسير سورة الطور عدد ٢٦- ٧٦- ٥٢
نزلت بمكة بعد سورة السجدة، وهي تسع وأربعون آية، وثلاثمائة واثنتا عشرة كلمة، وألف وخمسمائة حرفا. لا يوجد سورة مبدوءة بما بدئت به، ولا مثلها في عدد الآي.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قال تعالى: «وَالطُّورِ» ١ طور سيناء الجبل الذي كلم الله عليه موسى عليه السلام، ويطلق لغة على كل جبل بانفراده،وقال بعض المفسرين إنه الكعبة وعمارته بالحجاج، والأول أولى لذكره صراحة بالحديثين الصحيحين، وشهرته في هذا الاسم دون الكعبة، وقال آخر إنه المسجد الأقصى المعمور بالأنبياء، وهو أضعف مما قبله، لأن هناك ثلاثة بيوت مقدسة:
البيت المعمور، وبيت العزة في سماء الدنيا الذي أنزل إليه القرآن جملة دفعة واحدة، والبيت الحرام بالأرض. وكل منها مشهور لا يغلب أحدها على الآخر. أما المسجد الأقصى فلم يطلق عليه لفظ بيت، لأن الله سماه المسجد الأقصى، وأطلق عليه لفظ القدس، وقد سمى الله الكعبة البيت الحرام «وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ» ٥ السماء العالية أو العرش، لأنه سقف الجنة كما ذكره ابن عباس رضي الله عنهما، يؤيده الحديث المار ذكره في تفسير الآية ١٨ من سورة المؤمنين المارة. «وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ» ٦ الموقد المحمى.
جاء في الحديث الشريف عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا يركب رجل البحر إلا غازيا أو معتمرا أو حاجا وان تحت البحر نارا وتحت النار بحرا. وورد أن البحر طباق جهنم. هذا وقد يظن من لا خبرة له في طبقات الأرض أنه لا يوجد بحر متوقد، مع أنه ثبت أخيرا أن جوف الكرة الأرضية فيه بحر يغلي كالمرجل، ومن انجرته تحصل الزلازل، ومن شظايا معادنه تحصل البراكين.
وهذا من معجزات القرآن العظيم وإخباره بالغيب، إذ لا يوجد إيّان نزوله من يعلم ذلك. ولعل هذا يظن أيضا أن الميكروب المكتشف أخيرا لم يشر الله تعالى إليه، كلا بل هو موجود، قال تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها) الآية ١٠ من سورة الأحزاب ج ٣، وجاء في الخبر: اتقوا الغبار فإن فيه النسمة. وهل النسمة إلا الحشرة الصغيرة التي يسمونها ميكروبا، وهي من الجنود التي لم تر، المشار إليها في كتاب الله، وقد يكون في التراب، ولهذا قال صلّى الله عليه وسلم من أكل التراب فقد أعان على قتل نفسه. ولهذا ينبغي لمن يأكل الفواكه والخضراوات أن يغسلها جيدا حتى لا يبقى فيها تراب ما، لأنه لا يخلو عن النسمة أي الميكروب، وعليه فلا يظن أحد استحالة جنود لم ترها العيون، لأن الجراثيم الصغيرة التي لا ترى إلى بالمكبرات هي من جنود الله الفتاكة، وان الله تعالى يسوقها مع الرياح ويسلطها على من يشاء من خلقه، وخاصة الطاعون والهواء الأصفر والهيضة المسماة (كوليرا) والهيجان الذي يقتل فيه أقوى جبار في ساعة واحدة، أليس النمروذ أهلك ببعوضة وهو على ما كان عليه من الجبروت، ألا فلا يظن أحدا أن القرآن أغفل شيئا، كيف والله تعالى يقول (ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) الآية ٣٨ من سورة الأنعام المارة، إلا أنه محتاج لفكر ثاقب وعقل كبير ووعي بالغ وقلب واع ودراسة طويلة، قال القائل:
ومن طلب العلوم بغير درس | سيدر كها إذا شاب الغراب |
ألا لا تنال العلم إلا بستة | سأنبيك عن مجموعها ببيان |
ذكاء وحرص واجتهاد وبلغة | وإرشاد أستاذ وطول زمان |
قال تعالى «فَوَيْلٌ» هلاك وعذاب شديد وهوان وبلاء كبير «يَوْمَئِذٍ» يوم وقوعه «لِلْمُكَذِّبِينَ» ١١ بالله ورسوله وكتابه واليوم الآخر «الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ» ١٢ لاهون
«وَالَّذِينَ آمَنُوا» آتيناهم ذلك كله «وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ» أي الكبار منهم بإيمانهم أنفسهم والصغار بإيمان آبائهم «أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ» في الجنة تكرمة لهم لتقربهم أعينهم ويجمع لهم السرور كما كانوا في الدنيا يحبون الاجتماع بهم. الحكم الشرعي:
إن الولد الصغير يحكم بإيمانه إذا مات قبل بلوغه تبعا لأحد أبويه، لأنه يتبع أحسن الأبوين في الدين وأخسّهما في النجاسة، ويتبع أمه في الرق إلا أن تعنق فتكون حرة، قال:
يتبع الفرع في انتساب أباه | والامّ في الرق والحربة |
والزكاة الأخف والدين الأعلى | والذي اشتد في جزاء ودية |
وأخس الأصلين رجيا وذبحا | ونكاحا والأكل والأضحية |
كلا فلست ذلك و «قُلْ» لهم يا سيد الرسل «تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُتَرَبِّصِينَ» ٣١ المنتظرين أمر الله فيكم. واعلم أن المنون يطلق على الدهر وعلى الموت قال:
تربص بها ريب المنون لعلها | تطلق يوما أو يموت خليلها |
أمن المنون وريبه يتوجع | والدهر ليس بمعتب من يجزع |
نشرت في موكب العشاق أعلامي | وكان قبلي بلي بالحبّ أعلامي |
مطلب الحجج العشر وعذاب القبر وبحث في قيام الليل والإخبار بالغيب وما يقال عند القيام من المجلس:
فإذا كان لقولهم من صحة «فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ» في حسن النظم ورشاقة اللفظ ولطافة البيان والأحكام والحدود والإخبار بالمغيبات وقصص الأمم السابقة «إِنْ كانُوا صادِقِينَ» ٣٤ بأنك اختلقته أو أنه شعر أو كهانة، لأنهم عرب مثلك يدعون الفصاحة والبلاغة، والتنكير يفيد التقليل أي ليأتوا بمطلق حديث يشابهه، وقد خسئوا لا يستيعون ولو اجتمعوا وتعاونوا وقد لزمتهم الحجة، راجع الآية ١٣ من سورة هود المارة، قل يا محمد «أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ» أراد بشيء هنا الخلق، إذ ربما يتوهم به أنه يدل على أنه لا يخلق شيء إلا من شيء، والمعنى أوجدوا بلا خالق، فإن قالوا لا، وقعت عليهم الحجة، وإن قالوا نعم فقل لا يجوز أن يوجد خلق بلا خالق، لأن تعلق الخلق بالخالق من ضروريات الاسم «أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ» ٣٥ لأنفسهم أم الله خلقهم، فإن قالوا نحن فقول باطل، لأن من لا وجود له كيف يخلق، وعلى فرض المحال فكلفهم أن يخلقوا ذبابة أو يخلّصوا منها ما تسلبهم، فإذا عجزوا ولا شك أنهم عاجزون فقد لزمتهم الحجة بأنهم مخلوقون لله، وعليهم أن يؤمنوا بخالقهم. وهذا إلزام ثان.
قال تعالى «أَمْ خَلَقُوا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ» كلا، بل خلقها الخالق لهم، ولئن سألتهم ليقولن خلقها الله حتما «بَلْ لا يُوقِنُونَ» ٣٦ إيقانا حقيقيا بأنه خلقها، ولو أيقنوا لا لاعترفوا، ولكنهم يجحدون عنادا بسبب إعراضهم عن آيات الله
«أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ» اللوح المحفوظ الذي فيه ما غاب عن الخلق علمه «فَهُمْ يَكْتُبُونَ» ٤١ منه ما فيه حتى يقولوا لا نبعث ولا نعذّب ولا نحاسب، كلا ليس عندهم ذلك وهذه حجة ثامنة داحضة لأقوالهم لا بعث ولا حساب ولا عقاب «أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً»
قال تعالى «وَاصْبِرْ» يا حبيبي «لِحُكْمِ رَبِّكَ» وأمهلهم على ما تراه من المشقة إلى الوقت المقدر لإعلاء كلمتك عليهم «فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا» ومرأى منا لا تخفى علينا حركاتك وسكناتك، وإنا نكلؤك مما يراد بك، فلا نمكنهم أن يصلوا إليك بسوء أو يوصلوا إليك ما تكره، ومن كان بنظر الحي الذي لا يموت لا يخاف أحدا أبدا، وصلّ يا أكمل الرسل «وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ» ٤٨ من مقامك ومجلسك وللصلاة، أخرج الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم من جلس مجلسا فكثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، إلا كان كفارة لما بينهما.
وأخرج أبو داود والنسائي عن عاصم بن حميد قال: سألت عائشة بأي شيء كان يفتتح رسول الله صلّى الله عليه وسلم قيام الليل؟ فقالت سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك، كان إذا قام كبّر عشرا، وسبح عشرا، وعلل عشرا، واستغفر عشرا، وقال اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني وعافني، وكان يتعوذ من ضيق المقام يوم القيامة.
وأخرج الترمذي عن عائشة قالت: كان النبي صلّى الله عليه وسلم إذا افتتح الصلاة قال سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك. قال تعالى «وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ» أيضا في صلاتي المغرب والعشاء وصلاة التهجد «وَإِدْبارَ النُّجُومِ» ٤٩ بعد وقت السحر إذ فيه تدبر النجوم أي يغيب ضوءها بنور الفجر عن الأبصار فقط، لأنها لا تغيب أصلا، وإنما تخفى على أناس وتظهر لآخرين، وفي القول في غيابها تجوز باعتبار المكان والقطر، وباعتبار ما نرى. روى البخاري
سورة الطور
سورة (الطُّور) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (السَّجْدة)، وقد جاءت بتحذيرِ الكافرين من تحقيقِ وقوع العذاب بهم؛ ترهيبًا لهم من عاقبة كفرهم، كما أبانت عن صفاتِ أهل التقوى التي ينبغي أن نتصفَ بها، وبيَّنتْ جزاءَ الكفار، وسُوءَ عاقبتهم التي ينبغي أن نَحذَرَ منها، و(الطُّور): هو اسمُ الجبل الذي كلَّم اللهُ عليه موسى عليه السلام.
ترتيبها المصحفي
52نوعها
مكيةألفاظها
312ترتيب نزولها
76العد المدني الأول
47العد المدني الأخير
47العد البصري
48العد الكوفي
49العد الشامي
49* سورة (الطُّور):
سُمِّيت سورةُ (الطُّور) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَم الله بـ(الطُّور)، و(الطُّور): هو اسمُ الجبل الذي كلَّم الله عليه موسى عليه السلام.
* كان صلى الله عليه وسلم يقرأُ في المغرب بـ(الطُّور):
عن جُبَيرِ بن مُطعِمٍ رضي الله عنه: «أنَّه سَمِعَ النبيَّ ﷺ يَقرَأُ في المغرِبِ بالطُّورِ». أخرجه ابن حبان (١٨٣٣).
* كان صلى الله عليه وسلم يَقرأ (الطُّور) وهو بجانبِ الكعبة:
عن أمِّ المؤمنين أمِّ سلَمةَ رضي الله عنها، قالت: «شكَوْتُ إلى رسولِ اللهِ ﷺ أنِّي أشتكي، فقال: «طُوفِي مِن وراءِ الناسِ وأنتِ راكبةٌ»، فطُفْتُ ورسولُ اللهِ ﷺ يُصلِّي إلى جَنْبِ البيتِ، يَقرَأُ بـ {اْلطُّورِ * وَكِتَٰبٖ مَّسْطُورٖ}». أخرجه البخاري (٤٨٥٣).
1. تحقيق وقوع العذاب (١-١٦).
2. صفات أهل التقوى (١٧-٢٨).
3. مزاعمُ باطلة (٢٩-٤٦).
4. عاقبة المكذِّبين، وحفظُ الله لرسوله صلى الله عليه وسلم (٤٧-٤٩).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /468).
يقول البِقاعيُّ مشيرًا إلى مقصدها الأعظم - وهو إثبات وقوع العذاب بمَن عصى وكفَر -: «ومقصودها: تحقيقُ وقوع العذاب، الذي هو مضمونُ الوعيد المُقسَم على وقوعه في (الذَّاريَات)، الذي هو مضمون الإنذار المدلول على صدقِه في (ق)، وأنَّ وقوعه أثبَتُ وأمكَنُ من الجبال التي أخبر الصادقُ بسَيْرِها، وجعَل دَكَّ بعضِها آيةً على ذلك، ومِن الكتاب في أثبَتِ أوضاعه؛ لإمكان غَسْلِه وحَرْقِه، ومن البيت الذي يُمكِن عامِرَه وغيرَه إخرابُه، والسقفِ الذي يُمكِن رافِعَه وَضْعُه، والبحرِ الذي يُمكِن مَن سجَرَه أن يُرسِلَه». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /28).