تفسير سورة الطور

التفسير القيم

تفسير سورة سورة الطور من كتاب التفسير القيم
لمؤلفه ابن القيم . المتوفي سنة 751 هـ

روى قيس عن عمرو بن مرة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«إن الله ليرفع ذرية المؤمن إليه في درجته، و إن كانوا دونه في العمل لتقر بهم عينه، ثم قرأ :﴿ والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم و ما ألتناهم من عملهم من شيء ﴾ [ الطور : ٢١ ] قال :«ما نقصنا الآباء مما أعطينا البنين ».
وذكر ابن مردويه في «تفسيره » من حديث شريك، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنه - قال شريك : أظنه حكاه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«إذا دخل الرجل الجنة سال عن أبويه وزوجته وولده ؟ فيقال : إنهم لم يبلغوا درجتك، أو عملك. فيقول : يا رب قد عملت لي ولهم، فيؤمر بالإلحاق بهم »، ثم تلا ابن عباس رضي الله عنه ﴿ والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ﴾ إلى آخر الآية.
و قد اختلف المفسرون في «الذرية » في هذه الآية، هل المراد بها الصغار أو الكبار أو النوعان ؟ على ثلاثة أقوال. واختلافهم مبني على أن قوله :﴿ بإيمان ﴾ حال من الذرية التابعين أو المؤمنين المتبوعين.
فقالت طائفة : المعنى : والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم في إيمانهم فأتوا من الإيمان بمثل ما أتوا به وألحقناهم بهم في الدرجات.
قالوا : ويدل على هذا قراءة من قرأ :﴿ واتبعتم ذريتهم ﴾ فجعل الفعل في الإتباع لهم.
قالوا : و قد أطلق الله سبحانه الذرية على الكبار، كما قال :﴿ ومن ذريته داود وسليمان ﴾ [ الأنعام : ٨٤ ] وقال :﴿ ذرية من حملنا مع نوح ﴾ [ الإسراء : ٣ ] وقال :﴿ وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون ﴾ [ الأعراف : ١٧٣ ] وهذا قول لكبار العقلاء قالوا : ويدل على ذلك ما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه يرفعه «إن الله يرفع ذرية المؤمن إلى درجته وإن كانوا دونه في العمل، لتقر بهم عينه »، فهذا يدل على أنهم دخلوا الجنة بأعمالهم، ولكن لم يكن لهم أعمال يبلغوا بها درجة آبائهم. فبلغهم إياها، و إن تقاصر عملهم عنها. قالوا : وأيضا فالإيمان هو القول والعمل والنية. وهذا إنما يمكن من الكبار، وعلى هذا فيكون المعنى : أن الله سبحانه يجمع ذرية المؤمن إليه إذا أتوا من الإيمان بمثل إيمانه، إذ هذا حقيقة التبعية، و إن كانوا دونه في الإيمان، رفعهم الله إلى درجته إقرارا لعينه، و تكميلا لنعيمه. وهذا كما إن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم معه في الدرجة تبعا، وإن لم يبلغوا تلك الدرجة بأعمالهن.
وقالت طائفة أخرى : الذرية هاهنا الصغار. والمعنى : والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم في إيمان الآباء. والذرية تتبع الآباء. وإن كانوا صغارا في الإيمان وأحكامه من الميراث، والدية والصلاة عليهم، والدفن في قبور المسلمين، وغير ذلك، إلا فيما كان من أحكام البالغين.
ويكون قوله :﴿ بإيمان ﴾ على هذا في موضع نصب على الحال من المفعولين.
أي : وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان الآباء.
قالوا : يدل على صحة هذا القول : أن البالغين لهم حكم أنفسهم في الثواب والعقاب، فإنهم مستقلون بأنفسهم، ليسوا تابعين للآباء في شيء من أحكام الدنيا، ولا أحكام الثواب والعقاب، لاستقلالهم بأنفسهم. ولو كان المراد بالذرية البالغين لكن أولاد الصحابة البالغون كلهم في درجة آبائهم، ولكان أولاد التابعين البالغون كلهم في درجة آبائهم، وهلم جرا إلى يوم القيامة. فيكون الآخرون في درجة السابقين.
قالوا : و يدل عليه أيضا : أنه سبحانه جعلهم معهم تبعا في الدرجة. كما جعلهم تبعا معهم في الإيمان. ولو كانوا بالغين لم يكن إيمانهم تبعا، بل إيمان استقلال.
قالوا : ويدل عليه أن الله سبحانه وتعالى جعل المنازل في الجنة بحسب الأعمال في حق المستقلين. وأما الإتباع فإن الله سبحانه وتعالى يرفعهم إلى درجة أهليهم. وإن لم يكن لهم أعمال. كما تقدم.
وأيضا : فالحور العين الخدم في درجة أهليهم، وإن لم يكن لهم عمل، بخلاف المكلفين البالغين. فإنهم يرفعون إلى حيث بلغت بهم أعمالهم.
وقالت فرقة - منهم الواحدي : الوجه أن تحمل الذرية الصغار والكبار. لأن الكبير يتبع الأب بإيمان نفسه، والصغير يتبع الأب بإيمان الأب.
قالوا : والذرية تقع على الصغير والكبير، والواحد والكثير، والابن والأب، كما قال تعالى :﴿ وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون ﴾ [ يس : ٤١ ].
أي آباءهم. والإيمان يقع على الإيمان التبعي وعلى الاختياري الكسبي. فمن وقوعه على التبعي قوله :﴿ فتحرير رقبة مؤمنة ﴾ [ النساء : ٩٢ ] فلو أعتق صغيرا جاز.
قالوا : وأقوال السلف تدل على هذا. فقال سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه : إن الله يرفع ذرية المؤمنين في درجته، وإن كانوا دونه في العمل، لتقربهم عيونهم، ثم قرأ هذه الآية. وقال ابن مسعود رضي الله عنه في هذه الآية : الرجل يكون له القدم، و يكون له الذرية، فيدخل الجنة، فيرفعون إليه، لتقر بهم عينه، وإن لم يبلغوا ذلك.
وقال أبو مجلز : يجمعهم الله له، كما كان يحب إن يجتمعوا في الدنيا.
وقال الشعبي أدخل الله الذرية بعمل الآباء الجنة. وقال الكلبي عن ابن عباس رضي الله عنه : إن كان الآباء أرفع درجة من الأبناء رفع الله الأبناء إلى الآباء. وإن كان الأبناء أرفع درجة من الآباء رفع الله الآباء إلى الأبناء. وقال إبراهيم : أعطوا مثل أجور آبائهم ولم ينقص الآباء من أجورهم شيئا.
قال : ويدل على صحة هذا القول : أن القراءتين كالآيتين، فمن قرأ ﴿ واتبعتهم ذريتهم ﴾ فهذا من حق البالغين الذين تصح نسبة الفعل إليهم، كما قال تعالى :﴿ والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان ﴾ [ التوبة : ١٠٠ ] ومن قرأ :﴿ واتبعتهم ذريتهم ﴾ [ الطور : ٢١ ] فهذا في حق الصغار الذين أتبعهم الله إياهم في الإيمان حكما. فدلت القراءتان على النوعين.
قلت : واختصاص «الذرية » هاهنا بالصغار أظهر، لئلا يلزم استواء المتأخرين والسابقين في الدرجات. ولا يلزم مثل هذا في الصغار، فإن أطفال كل رجل وذريته معه في درجته. والله أعلم.
سورة الطور
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الطُّور) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (السَّجْدة)، وقد جاءت بتحذيرِ الكافرين من تحقيقِ وقوع العذاب بهم؛ ترهيبًا لهم من عاقبة كفرهم، كما أبانت عن صفاتِ أهل التقوى التي ينبغي أن نتصفَ بها، وبيَّنتْ جزاءَ الكفار، وسُوءَ عاقبتهم التي ينبغي أن نَحذَرَ منها، و(الطُّور): هو اسمُ الجبل الذي كلَّم اللهُ عليه موسى عليه السلام.

ترتيبها المصحفي
52
نوعها
مكية
ألفاظها
312
ترتيب نزولها
76
العد المدني الأول
47
العد المدني الأخير
47
العد البصري
48
العد الكوفي
49
العد الشامي
49

* سورة (الطُّور):

سُمِّيت سورةُ (الطُّور) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَم الله بـ(الطُّور)، و(الطُّور): هو اسمُ الجبل الذي كلَّم الله عليه موسى عليه السلام.

* كان صلى الله عليه وسلم يقرأُ في المغرب بـ(الطُّور):

عن جُبَيرِ بن مُطعِمٍ رضي الله عنه: «أنَّه سَمِعَ النبيَّ ﷺ يَقرَأُ في المغرِبِ بالطُّورِ». أخرجه ابن حبان (١٨٣٣).

* كان صلى الله عليه وسلم يَقرأ (الطُّور) وهو بجانبِ الكعبة:

عن أمِّ المؤمنين أمِّ سلَمةَ رضي الله عنها، قالت: «شكَوْتُ إلى رسولِ اللهِ ﷺ أنِّي أشتكي، فقال: «طُوفِي مِن وراءِ الناسِ وأنتِ راكبةٌ»، فطُفْتُ ورسولُ اللهِ ﷺ يُصلِّي إلى جَنْبِ البيتِ، يَقرَأُ بـ {اْلطُّورِ * وَكِتَٰبٖ مَّسْطُورٖ}». أخرجه البخاري (٤٨٥٣).

1. تحقيق وقوع العذاب (١-١٦).

2. صفات أهل التقوى (١٧-٢٨).

3. مزاعمُ باطلة (٢٩-٤٦).

4. عاقبة المكذِّبين، وحفظُ الله لرسوله صلى الله عليه وسلم (٤٧-٤٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /468).

يقول البِقاعيُّ مشيرًا إلى مقصدها الأعظم - وهو إثبات وقوع العذاب بمَن عصى وكفَر -: «ومقصودها: تحقيقُ وقوع العذاب، الذي هو مضمونُ الوعيد المُقسَم على وقوعه في (الذَّاريَات)، الذي هو مضمون الإنذار المدلول على صدقِه في (ق)، وأنَّ وقوعه أثبَتُ وأمكَنُ من الجبال التي أخبر الصادقُ بسَيْرِها، وجعَل دَكَّ بعضِها آيةً على ذلك، ومِن الكتاب في أثبَتِ أوضاعه؛ لإمكان غَسْلِه وحَرْقِه، ومن البيت الذي يُمكِن عامِرَه وغيرَه إخرابُه، والسقفِ الذي يُمكِن رافِعَه وَضْعُه، والبحرِ الذي يُمكِن مَن سجَرَه أن يُرسِلَه». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /28).