تفسير سورة الطور

التفسير القيم

تفسير سورة سورة الطور من كتاب التفسير القيم من كلام ابن القيم المعروف بـالتفسير القيم.
لمؤلفه ابن القيم . المتوفي سنة 751 هـ

سورة الطور

بسم الله الرحمن الرحيم

[سورة الطور (٥٢) : آية ٢١]
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ (٢١)
روي قيس عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إن الله ليرفع ذرية المؤمن إليه في درجته، وإن كانوا دونه في العمل لتقرّ بهم عينه، ثم قرأ ٥٢: ٢١ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ قال: «ما نقصنا الآباء مما أعطينا البنين»
وذكر ابن مردويه في تفسيره من حديث شريك عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عن ابن عباس- قال شريك: أظنه حكاه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا دخل الرجل الجنة سأل عن أبويه وزوجته وولده؟ فيقال: إنهم لم يبلغوا درجتك، أو عملك. فيقول.
يا رب قد عملت لي ولهم، فيؤمر بالإلحاق بهم، ثم تلا ابن عباس وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ
إلى آخر الآية.
491
وقد اختلف المفسرون في الذرية في هذه الآية، هل المراد بها الصغار أو الكبار أو النوعان؟ على ثلاثة أقوال. واختلافهم مبني على أن قوله:
«بإيمان» حال من الذرية التابعين أو المؤمنين المتبوعين. فقالت طائفة:
المعنى والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم في إيمانهم فأتوا من الإيمان بمثل ما أتوا به ألحقناهم بهم في الدرجات. قالوا: ويدل على هذا قراءة من قرأ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ فجعل الفعل في الاتباع لهم. قالوا: وقد أطلق الله سبحانه الذرية على الكبار، كما قال: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وقال: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وقال: وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ، أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ؟ وهذا قول لكبار العقلاء. قالوا: ويدل على ذلك ما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس يرفعه «إن الله يرفع ذرية المؤمن إلى درجته وإن كانوا دونه في العمل، لتقرّ بهم عينه» فهذا يدل على أنهم دخوا بأعمالهم، ولكن لم يكن لهم أعمال يبلغوا بها درجة آبائهم. فبلّغهم إياها، وإن تقاصر عملهم عنها. قالوا: وأيضا فالإيمان هو القول والعمل والنية. وهذا إنما يمكن من الكبار، وعلى هذا فيكون المعنى: أن الله سبحانه يجمع ذرية المؤمن إليه إذا أتوا من الإيمان بمثل إيمانه، إذ هذا حقيقة التبعية، وإن كانوا دونه في الإيمان، رفعهم الله إلى درجته إقرارا لعينه، وتكميلا لنعيمه. وهذا كما أن زوجات النبي صلّى الله عليه وسلّم معه في الدرجة تبعا، وإن لم يبلغوا تلك الدرجة بأعمالهن.
وقالت طائفة أخرى: الذرية هاهنا الصغار. والمعنى: والذين آمنوا وأتبعناهم ذرياتهم في إيمان الآباء. والذرية تتبع الآباء. وإن كانوا صغارا في الإيمان وأحكامه من الميراث، والدية والصلاة عليهم، والدفن في قبور المسلمين، وغير ذلك، إلّا فيما كان من أحكام البالغين.
ويكون قوله: «بإيمان» على هذا في موضع نصب على الحال من المفعولين، أي وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان الآباء.
492
قالوا: يدل على صحة هذا القول: أن البالغين لهم حكم أنفسهم في الثواب والعقاب، فإنهم مستقلون بأنفسهم، ليسوا تابعين للآباء في شيء من أحكام الدنيا، ولا أحكام الثواب والعقاب، لاستقلالهم بأنفسهم. ولو كان المراد بالذرية البالغين لكان أولاد الصحابة البالغون كلهم في درجة آبائهم، ولكان أولاد التابعين البالغون كلهم في درجة آبائهم، وهلم جرا إلى يوم القيامة. فيكون الآخرون في درجة السابقين.
قالوا: ويدل عليه أيضا: أنه سبحانه جعلهم معهم تبعا في الدرجة.
كما جعلهم تبعا معهم في الإيمان. ولو كانوا بالغين لم يكن إيمانهم تبعا، بل إيمان استقلال.
قالوا: ويدل عليه أن الله سبحانه جعل المنازل في الجنة بحسب الأعمال. في حق المستقلين. وأما الأتباع فإن الله سبحانه يرفعهم إلى درجة أهليهم. وإن لم يكن لهم أعمال. كما تقدم.
وأيضا فالحور العين والخدم في درجة أهليهم، وإن لم يكن لهم عمل، بخلاف المكلفين البالغين. فإنهم يرفعون إلى حيث بلغت بهم أعمالهم.
وقالت فرقة، منهم الواحدي: الوجه أن تحمل الذرية على الصغار والكبار. لأن الكبير يتبع الأب بإيمان نفسه، والصغير يتبع الأب بإيمان الأب.
قالوا: والذرية تقع على الصغير والكبير، والواحد والكثير، والإبن والأب، كما قال تعالى: ٣٦: ٤١ وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ أي آباءهم. والإيمان يقع على الإيمان التبعي وعلى الاختياري الكسبي. فمن وقوعه على التبعي قوله: ٤: ٩٢ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فلو أعتق صغيرا جاز.
493
قالوا: وأقوال السلف تدل على هذا. قال سعيد بن جبير عن ابن عباس: إن الله يرفع ذرية المؤمنين في درجتهم. وإن كانوا دونهم في العمل، لتقرّ بهم عيونهم. ثم قرأ هذه الآية. وقال ابن مسعود في هذه الآية: الرجل يكون له القدم، ويكون له الذرية، فيدخل الجنة، فيرفعون إليه، لتقرّ بهم عينه، وإن لم يبلغوا ذلك. وقال أبو مجلز: يجمعهم الله له، كما كان يحب أن يجتمعوا في الدنيا. وقال الشعبي أدخل الله الذرية بعمل الآباء الجنة.
وقال الكلبي عن ابن عباس: إن كان الآباء أرفع درجة من الأبناء رفع الله الأبناء إلى الآباء. وإن كان الأبناء أرفع درجة من الآباء رفع الله الآباء إلى الأبناء. وقال إبراهيم: أعطوا مثل أجور آبائهم ولم ينقص الآباء من أجورهم شيئا.
قال: ويدل على صحة هذا القول: أن القراءتين كالآيتين، فمن قرأ وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ فهذا في حق البالغين الذين تصح نسبة الفعل إليهم، كما قال تعالى: ٩: ١٠٠ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ ومن قرأ ٥٢: ٢١ وأتبعناهم ذرياتهم فهذا في حق الصغار الذين أتبعهم الله إياهم في الإيمان حكما. فدلت القراءتان على النوعين.
قلت: واختصاص الذرية هاهنا بالصغار أظهر، لئلا يلزم استواء المتأخرين والسابقين في الدرجات. ولا يلزم مثل هذا في الصغار، فإن أطفال كل رجل وذريته معه في درجته. والله أعلم.
494
سورة الطور
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الطُّور) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (السَّجْدة)، وقد جاءت بتحذيرِ الكافرين من تحقيقِ وقوع العذاب بهم؛ ترهيبًا لهم من عاقبة كفرهم، كما أبانت عن صفاتِ أهل التقوى التي ينبغي أن نتصفَ بها، وبيَّنتْ جزاءَ الكفار، وسُوءَ عاقبتهم التي ينبغي أن نَحذَرَ منها، و(الطُّور): هو اسمُ الجبل الذي كلَّم اللهُ عليه موسى عليه السلام.

ترتيبها المصحفي
52
نوعها
مكية
ألفاظها
312
ترتيب نزولها
76
العد المدني الأول
47
العد المدني الأخير
47
العد البصري
48
العد الكوفي
49
العد الشامي
49

* سورة (الطُّور):

سُمِّيت سورةُ (الطُّور) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَم الله بـ(الطُّور)، و(الطُّور): هو اسمُ الجبل الذي كلَّم الله عليه موسى عليه السلام.

* كان صلى الله عليه وسلم يقرأُ في المغرب بـ(الطُّور):

عن جُبَيرِ بن مُطعِمٍ رضي الله عنه: «أنَّه سَمِعَ النبيَّ ﷺ يَقرَأُ في المغرِبِ بالطُّورِ». أخرجه ابن حبان (١٨٣٣).

* كان صلى الله عليه وسلم يَقرأ (الطُّور) وهو بجانبِ الكعبة:

عن أمِّ المؤمنين أمِّ سلَمةَ رضي الله عنها، قالت: «شكَوْتُ إلى رسولِ اللهِ ﷺ أنِّي أشتكي، فقال: «طُوفِي مِن وراءِ الناسِ وأنتِ راكبةٌ»، فطُفْتُ ورسولُ اللهِ ﷺ يُصلِّي إلى جَنْبِ البيتِ، يَقرَأُ بـ {اْلطُّورِ * وَكِتَٰبٖ مَّسْطُورٖ}». أخرجه البخاري (٤٨٥٣).

1. تحقيق وقوع العذاب (١-١٦).

2. صفات أهل التقوى (١٧-٢٨).

3. مزاعمُ باطلة (٢٩-٤٦).

4. عاقبة المكذِّبين، وحفظُ الله لرسوله صلى الله عليه وسلم (٤٧-٤٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /468).

يقول البِقاعيُّ مشيرًا إلى مقصدها الأعظم - وهو إثبات وقوع العذاب بمَن عصى وكفَر -: «ومقصودها: تحقيقُ وقوع العذاب، الذي هو مضمونُ الوعيد المُقسَم على وقوعه في (الذَّاريَات)، الذي هو مضمون الإنذار المدلول على صدقِه في (ق)، وأنَّ وقوعه أثبَتُ وأمكَنُ من الجبال التي أخبر الصادقُ بسَيْرِها، وجعَل دَكَّ بعضِها آيةً على ذلك، ومِن الكتاب في أثبَتِ أوضاعه؛ لإمكان غَسْلِه وحَرْقِه، ومن البيت الذي يُمكِن عامِرَه وغيرَه إخرابُه، والسقفِ الذي يُمكِن رافِعَه وَضْعُه، والبحرِ الذي يُمكِن مَن سجَرَه أن يُرسِلَه». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /28).