تفسير سورة الطور

الوجيز للواحدي

تفسير سورة سورة الطور من كتاب الوجيز في تفسير الكتاب العزيز المعروف بـالوجيز للواحدي.
لمؤلفه الواحدي . المتوفي سنة 468 هـ
مكية وهي أربعون وتسع آيات

﴿والطور﴾ أقسم الله تعالى بالجبل الذي كلَّم عليه موسى وهو جبلٌ بمدين اسمه زبير
﴿وكتاب مسطور﴾ مكتوبٍ
﴿في رقّ﴾ وهو الجلد الذي يكتب فيه ﴿منشور﴾ مبسوطٍ أَيْ: دواوين الحفظة التي أثبتت فيها أعمال بني آدم
﴿والبيت المعمور﴾ وهو بيتٌ في السَّماء بإزاء الكعبة تزوره الملائكة
﴿والسقف المرفوع﴾ أي: السَّماء
﴿والبحر المسجور﴾ المملوء
﴿إنَّ عذاب ربك لواقع﴾ لنازلٌ كائن
﴿ما له من دافع﴾
﴿يوم تمور السماء موراً﴾ تتحرَّك وتضطرب وتدور يعني: يوم القيامة
﴿وتسير الجبال سيرا﴾
﴿فويل يومئذ للمكذبين﴾
﴿الذين هم في خوض﴾ باطلٍ ﴿يلعبون﴾ أي: تشاغلهم بكفرهم
﴿يوم يدعون إلى نار جهنم دعاً﴾ يُدفعون إليها دفعاً عنيفاً ويقال لهم:
﴿هذه النار التي كنتم بها تكذبون﴾
﴿أفسحر هذا﴾ الذي ترون ﴿أم أنتم لا تبصرون﴾ وهذا توبيخٌ لهم والمعنى: أتصدِّقون الآن عذاب الله وقوله:
﴿اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون﴾
﴿إنَّ المتقين في جنات ونعيم﴾
﴿فاكهين بما آتاهم ربهم﴾ أي: معجبين به
﴿كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون﴾
﴿متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين﴾
﴿والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم﴾ يريد: إنَّه يلحق الأولاد بدرجة الآباء في الجنَّة إذا كانوا على مراتب وكذلك الآباء بدرجة الأبناء لتقرَّ بذلك أعينهم فيلحق بعضهم بعضاً إذا اجتمعوا في الإيمان من غير أن ينقص من أجر مَنْ هو أحسن عملاً شيئا بزيارته في درجة الأنقص عملاً وهو قوله: ﴿وما ألتناهم﴾ أَيْ: وما نقصناهم ﴿من عملهم من شيء كلُّ امرئ بما كسب﴾ بما عمل من خيرٍ أو شرٍّ ﴿رهين﴾ مرهونٌ يُؤخذ به
﴿وأمددناهم بفاكهة ولحم﴾ أَيْ: زدناهم
﴿يتنازعون﴾ يتناولون ويأخذ بعضهم من بعض ﴿فيها كأساً لا لغوٌ فيها ولا تأثيم﴾ لا يجري بينهم فيها باطلٌ ولا إثمٌ كما يجري بين شرب الخمر في الدُّنيا
﴿ويطوف عليهم﴾ بالخدمة ﴿غلمان لهم كأنهم﴾ في بياضهم وصفائهم ﴿لؤلؤ مكنون﴾ مخزونٌ مصونٌ
﴿وأقبل بعضهم على بعض﴾ في الجنَّة ﴿يتساءلون﴾ عن أحوالهم التي كانت في الدُّنيا
﴿قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين﴾ خائفين من عذاب الله
﴿فمنَّ الله علينا﴾ بالجنَّة ﴿ووقانا عذاب السموم﴾ عذاب سموم جهنم وهو نارها وحرارتها
﴿إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم﴾
﴿فذكر﴾ فذكِّرهم يا محمَّد الجنَّة والنَّار ﴿فما أنت بنعمة ربك﴾ برحمة ربّك وإكرامه إيَّاك بالنُّبوَّة ﴿بكاهنٍ﴾ تخبر بما في غدٍ من غير وحيٍ ﴿ولا مجنون﴾ كما تقولون
﴿أم يقولون﴾ بل أيقولون: هو ﴿شاعرٌ نتربَّص به ريب المنون﴾ ننتظر به الموت فيهلك
﴿قل تربصوا فإني معكم من المتربصين﴾ حتى يأتي أمر الله فيكم
﴿أم تأمرهم أحلامهم﴾ عقولهم ﴿بهذا﴾ أَيْ: بترك قبول الحقِّ من صاحب المعجزة ﴿أم هم قوم طاغون﴾ أَيْ: أم يكفرون طغياناً بعد ظهور الحقِّ
﴿أم يقولون تقوَّله﴾ أَي: القرآن من قبل نفسه ليس كما يقولون ﴿بل لا يؤمنون﴾ استكباراً
﴿فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين﴾ أنَّ محمداً يقوله من قبل نفسه
﴿أم خلقوا من غير شيء﴾ أَيْ: لغير شيءٍ يعني: أَخُلقوا عبثاً وسُدىً ﴿أم هم الخالقون﴾ أنفسهم
﴿أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون﴾
﴿أم عندهم خزائن ربك﴾ ما في خزائن ربِّك من العلم بما يكون في غدٍ ﴿أم هم المصيطرون﴾ المُسلَّطون الجبَّارون
﴿أم لهم سلَّم﴾ مرقىً إلى السَّماء ﴿يستمعون فيه﴾ أنَّ الذي هم عليه حقٌّ ﴿فليأت مستمعهم﴾ إن ادَّعوا ذلك ﴿بسلطانٍ مبين﴾ بحجَّةٍ واضحةٍ ثمَّ سفَّه أحلامهم في جعلهم البنات لله فقال:
﴿أم له البنات ولكم البنون﴾
﴿أم تسألهم أجراً﴾ على ما جئتهم به ﴿فهم من مغرم﴾ غُرمٍ ﴿مثقلون﴾ مجهدون والمعنى: إنَّ الحجَّة واجبةٌ عليهم من كلِّ جهةٍ
﴿أم عندهم الغيب﴾ علم ما يؤول إليه أمر محمد ﷺ ﴿فهم يكتبون﴾ يحكمون بأنَّه يموت فتسريح منه
﴿أم يريدون كيداً﴾ مكراً بكم في دار النَّدوة ﴿فالذين كفروا هم المكيدون﴾ المجزيون بكيدهم لأنَّ الله تعالى حفظ نبيَّه عليه السَلام من مكرهم وقُتلوا هم ببدر
﴿أم لهم إله غير الله سبحان الله عما يشركون﴾
﴿وإن يروا كسفاً﴾ قطعاً ﴿من السماء ساقطا يقولوا﴾ لعنادهم وفرط شقاوتهم: ﴿سحاب مركوم﴾ بعضه على بعض وهذا جوابٌ لقولهم: ﴿فأسقط علينا كسفاً من السماء﴾ أخبر الله تعالى أنَّه لو فعل ذلك لم يؤمنوا
﴿فذرهم حتى يُلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون﴾ يموتون ثمَّ أخبر أنَّه يعجِّل لهم العذاب في الدنيا فقال:
﴿يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون﴾
﴿وإنَّ للذين ظلموا﴾ كفروا ﴿عذاباً دون ذلك﴾ قبل موتهم وهو الجوع والقحط سبع سنين ثمَّ أمره بالصَّبر فقال:
﴿واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا﴾ بحيث نراك ونحفظك ونرعاك ﴿وسبح بحمد ربك حين تقوم﴾ من مجلسك قل: سبحانك اللهم وبحمدك
﴿ومن الليل﴾ فسبحه أَيْ: صلِّ له صلاتي العشاء ﴿وإدبار النجوم﴾ أَيْ: ركعتي الفجر
سورة الطور
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الطُّور) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (السَّجْدة)، وقد جاءت بتحذيرِ الكافرين من تحقيقِ وقوع العذاب بهم؛ ترهيبًا لهم من عاقبة كفرهم، كما أبانت عن صفاتِ أهل التقوى التي ينبغي أن نتصفَ بها، وبيَّنتْ جزاءَ الكفار، وسُوءَ عاقبتهم التي ينبغي أن نَحذَرَ منها، و(الطُّور): هو اسمُ الجبل الذي كلَّم اللهُ عليه موسى عليه السلام.

ترتيبها المصحفي
52
نوعها
مكية
ألفاظها
312
ترتيب نزولها
76
العد المدني الأول
47
العد المدني الأخير
47
العد البصري
48
العد الكوفي
49
العد الشامي
49

* سورة (الطُّور):

سُمِّيت سورةُ (الطُّور) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَم الله بـ(الطُّور)، و(الطُّور): هو اسمُ الجبل الذي كلَّم الله عليه موسى عليه السلام.

* كان صلى الله عليه وسلم يقرأُ في المغرب بـ(الطُّور):

عن جُبَيرِ بن مُطعِمٍ رضي الله عنه: «أنَّه سَمِعَ النبيَّ ﷺ يَقرَأُ في المغرِبِ بالطُّورِ». أخرجه ابن حبان (١٨٣٣).

* كان صلى الله عليه وسلم يَقرأ (الطُّور) وهو بجانبِ الكعبة:

عن أمِّ المؤمنين أمِّ سلَمةَ رضي الله عنها، قالت: «شكَوْتُ إلى رسولِ اللهِ ﷺ أنِّي أشتكي، فقال: «طُوفِي مِن وراءِ الناسِ وأنتِ راكبةٌ»، فطُفْتُ ورسولُ اللهِ ﷺ يُصلِّي إلى جَنْبِ البيتِ، يَقرَأُ بـ {اْلطُّورِ * وَكِتَٰبٖ مَّسْطُورٖ}». أخرجه البخاري (٤٨٥٣).

1. تحقيق وقوع العذاب (١-١٦).

2. صفات أهل التقوى (١٧-٢٨).

3. مزاعمُ باطلة (٢٩-٤٦).

4. عاقبة المكذِّبين، وحفظُ الله لرسوله صلى الله عليه وسلم (٤٧-٤٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /468).

يقول البِقاعيُّ مشيرًا إلى مقصدها الأعظم - وهو إثبات وقوع العذاب بمَن عصى وكفَر -: «ومقصودها: تحقيقُ وقوع العذاب، الذي هو مضمونُ الوعيد المُقسَم على وقوعه في (الذَّاريَات)، الذي هو مضمون الإنذار المدلول على صدقِه في (ق)، وأنَّ وقوعه أثبَتُ وأمكَنُ من الجبال التي أخبر الصادقُ بسَيْرِها، وجعَل دَكَّ بعضِها آيةً على ذلك، ومِن الكتاب في أثبَتِ أوضاعه؛ لإمكان غَسْلِه وحَرْقِه، ومن البيت الذي يُمكِن عامِرَه وغيرَه إخرابُه، والسقفِ الذي يُمكِن رافِعَه وَضْعُه، والبحرِ الذي يُمكِن مَن سجَرَه أن يُرسِلَه». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /28).