مكية في قول الجميع
بسم الله الرحمان الرحيم
ﰡ
(لو مر بالطور بعض ناعقة | ما أنبت الطور فوقه ورقة) |
(فكأنما هي من تقادم عهدها | رق أتيح كتابها مسطور) |
(عمر البيت عامر... إذ أتته جآذر)
(من ظباء روائح... وظباء تباكر)
وتأول سهل أنه القلب، عمارته إخلاصه، وهو بعيد. ﴿وَالسَّقْفِ المَرْفُوعِ﴾ فيه وجهان: أحدهما: أنه السماء، قاله علي. الثاني: أنه العرش، قاله الربيع. ﴿وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ﴾ فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه جهنم، رواه صفوان بن يعلى عن النبي صلى الله عليه وسلم. الثاني: هو بحر تحت العرش، رواه أبو صالح عن علي رضي الله عنه. الثالث: هو بحر الأرض، وهو الظاهر.
(صهابية العثنون موجدة القرا | بعيدة وخد الرجل موارة اليد.) |
(وما زالت القتلى تمور دماؤها | بدجلة حتى ماء دجلة أشكل) |
(كأن مشيتها من بيت جارتها | مور السحابة لا ريث ولا عجل) |
(يدعه بصفحتي حيزومه | دع الوصي جانبي يتيمه) |
أحدها : أنه الكتاب الذي كتب الله لملائكته في السماء يقرؤون فيه ما كان وما يكون.
الثاني : أنه القرآن مكتوب عند الله في اللوح المحفوظ.
الثالث : هي صحائف الأعمال فمن أخذ كتابه بيمينه، ومن آخذ كتابه بشماله، قاله الفراء.
الرابع : التوراة قاله ابن بحر.
أحدها : الصحيفة المبسوطة وهي التي تخرج للناس أعمالهم، وكل صحيفة فهي رق لرقة حواشيها، قال المتلمس١ :
فكأنما هي من تقادم عهدها | رق أتيح كتابها مسطور |
الثالث : هو ما بين المشرق والمغرب، قاله ابن عباس.
أحدها : ما روى قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أُتِيَ بِيَ إِلَى السَّمَاءِ فَرُفِعَ لَنَا الْبَيتُ المَعْمُورُ، فَإِذَا هُوَ حِيالُ الكَعْبَةِ، لَوْ خَرَّ خَرَّ عَلَيهَا، يَدْخُلُهُ كُلَّ يَومٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا مِنهُ لَمْ يَعُودُوا إِلَيهِ١ " قاله علي وابن عباس.
الثاني : ما قاله السدي : أن البيت المعمور، هو بيت فوق ست سموات، ودون السابعة، يدعى الضراح، يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك من قبيلة إبليس لا يرجعون إليه أبداً، وهو بحذاء البيت العتيق.
الثالث : ما قاله الربيع بن أنس، أن البيت المعمور كان في الأرض في موضع الكعبة في زمان آدم، حتى إذا كان زمان نوح أمرهم أن يحجوا، فأبوا عليه وعصوه، فلما طغى الماء رفع فجعل بحذائه في السماء الدنيا، فيعمره، فبوأ الله لإبراهيم الكعبة البيت الحرام حيث كان، قاله الله تعالى :﴿ وَإِِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ ﴾ الآية.
الرابع : ما قاله الحسن أن البيت المعمور هو البيت الحرام.
وفي ﴿ الْمَعْمُورِ ﴾ وجهان :
أحدهما : أنه معمور بالقصد إليه.
الثاني : بالمقام عليه، قال الشاعر :
عمر البيت عامر *** إذ أتته جآذر
من ظباء روائح *** وظباء تباكر٢
وتأول سهل أنه القلب، عمارته إخلاصه، وهو بعيد.
٢ هكذا ورد بالأصل ولعل الصواب أنه بيتان كل شطر يؤلف بتا مستقلا هكذا:
عمر البيت عامر إذ أتته جاذر
من ظباء روائح وظباء تباكر.
أحدهما : أنه السماء، قاله علي.
الثاني : أنه العرش، قاله الربيع.
أحدها : أنه جهنم، رواه صفوان بن يعلى عن النبي صلى الله عليه وسلم.
الثاني : هو بحر تحت العرش، رواه أبو صالح عن علي رضي الله عنه.
الثالث : هو بحر الأرض، وهو الظاهر.
وفي قوله :﴿ الْمَسْجُورِ ﴾ سبعة تأويلات :
أحدها : المحبوس، قاله ابن عباس والسدي.
الثاني : أنه المرسل، قاله سعيد بن جبير.
الثالث : الموقد ناراً، قاله مجاهد.
الرابع : أنه الممتلىء، قاله قتادة.
الخامس : أنه المختلط، قاله ابن بحر.
السادس : أنه الذي قد ذهب ماؤه ويبس، رواه ابن أبي وحشية عن سعيد بن جبير.
السابع : هو الذي لا يشرب من مائه ولا يسقى به زرع، قاله العلاء بن زيد.
هذا آخر القسم، وجوابه :﴿ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لوَاقِعٌ ﴾.
أحدها : معناه تدور دوراً، قاله مجاهد، قال طرفة بن العبد :
صهابية العثنون موجدة القرا | بعيدة وخد الرجل موارة اليد١. |
الثالث : تشقق السماء، قاله ابن عباس لقوله تعالى ﴿ فَإِذَا بُسَّتِ الْجِبَالُ بَسّاً ﴾ الآية.
الرابع : تجري السماء جرياً، ومنه قول جرير :
وما زالت القتلى تمور دماؤها | بدجلة حتى ماء دجلة أشكل |
كأن مشيتها من بيت جارتها | مور ٢السحابة لا ريث ولا عجل |
السابع : أن السماء ها هنا الفلك، وموره اضطراب نظمه واختلاف سيره، قاله ابن بحر.
٢ الرواية المشهورة: مر السحابة وقد سبق للمؤلف الاستشهاد بهذا البيت ورواه: مشي السحابة. والمعنى أن في مشيها تمايلا. فمعنى تتكفأ تتمايل حسب هذا التأويل..
أحدهما : يدفعون دفعاً عنيفاً ومنه قول الراجز :
يدعه بصفحتي حيزومه *** دع الوصي جانبي يتيمه
قاله ابن عباس ومجاهد والضحاك والسدي وابن زيد.
الثاني : يزعجون إزعاجاً، قاله قتادة.
ويحتمل ثالثاً : أن يدعهم زبانيتها بالدعاء عليهم.
(فحُور قد لهون وهن عين | نواعم في المروط وفي الرياط) |
أحدها : معجبين، قاله ابن عباس.
الثاني : ناعمين، قاله قتادة.
الثالث : فرحين، قاله السدي.
الرابع : المتقابلين بالحديث الذي يسر ويؤنس، مأخوذ من الفكاهة، قاله ابن بحر.
الخامس : ذوي فاكهة كما قيل : لابن وتامر، أي ذو لبن وتمر، قاله عبيدة، ومعنى ذلك، أنهم ذوو بساتين فيها فواكه.
أحدها : المصفوفة بين الفرش، قاله عكرمة.
الثاني : هي الموصولة بالذهب.
الثالث : أنها الموصولة بعضها إلى بعض حتى تصير صفاً، قاله ابن بحر.
﴿ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ ﴾ والعين الواسعة الأعين في صفائها، وهو جمع عيناء، ومنه قول الشاعر١ :
فحُور قد لهون وهن عين | نواعم في المروط وفي الرياط |
أحدهما : لأنه يحار فيهن الطرف، قاله مجاهد.
الثاني : لبياضهن، قاله الضحاك، ومنه قيل للخبز حوار لبياضه.
(وليلة ذات سرى سريت | ولم يلتني عن سراها ليت) |
(أبلغ سراة بني سعد مغلغلة | جهد الرسالة لا ألتاً ولا كذباً) |
(وما كنت أخشى أن يكون رهينة | لأحمر قبطي من القوم معتق) |
(وشارب مربح بالكأس نادمني | لا بالحضور ولا فيها بسوار) |
(نازعته طيب الراح السمول وقد | صاح الدجاج وحانت وقعه الساري.) |
(فلا الفحش فيه يرهبون ولا الخنا | عليهم ولكن هيبة هي ما هيا) |
(بمستحكم جزل المروءة مؤمن | من القوم لا يهوى الكلام اللواغيا) |
(قد كنت أعطيهم مالاً وأمنعهم | عرضي، وودهم في الصدر مكنون) |
(اليوم يوم بارد سمومه | من جزع اليوم فلا نلومه) |
وشارب مربح بالكأس نادمني١ | لا بالحصور ولا فيها بسوار |
نازعته طيب الراح السمول وقد | صاح الدجاج وحانت وقعة الساري. |
أحدها : لا باطل في الخمر ولا مأثم، قاله ابن عباس وقتادة، وإنما ذلك في الدنيا من الشيطان.
الثاني : لا كذب فيها ولا خلف، قاله الضحاك.
الثالث : لا يتسابون عليها ولا يؤثم بعضهم بعضاً، قاله مجاهد.
الرابع : لا لغو في الجنة ولا كذب، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً. واللغو ها هنا فحش الكلام كما قال ذو الرمة :
فلا الفحش فيه يرهبون ولا الخنا | عليهم ولكن هيبة هي ما هيا |
بمسحتكم جزل المروءة مؤمن | من القوم لا يهوى الكلام اللواغيا٢ |
٢ انظر ديوان ذي الرمة ٦٥٥..
أحدهما : أن يكون الأطفال من أولادهم الذين سبقوهم، فأقَرَّ الله بهم أعينهم.
الثاني : أنهم من أخدمهم الله إياهم من أولاد غيرهم.
﴿ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مكْنُونٌ ﴾ أي مصون بالكن والغطاء، ومنه قول الشاعر :
قد كنت أعطيهم مالاً وأمنعهم | عرضي، وودهم في الصدر مكنون |
" والذي نفسي بيده لفضل ما بينهم، كفضل القمر ليلة البدر على النجوم ".
أحدهما : بالجنة والنعيم. الثاني : بالتوفيق والهداية.
﴿ وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه عذاب النار، قاله ابن زيد. وقال الأصم : السموم اسم من أسماء جهنم.
الثاني : أنه وهج جهنم، وهو معنى قول ابن جريج.
الثالث : لفح الشمس والحر، وقد يستعمل في لفح البرد، كما قال الراجز :
اليوم يوم بارد سمومه | من جزع اليوم فلا نلومه |
أحدها : أن البر الصادق، قاله ابن جريج.
الثاني : اللطيف، قاله ابن عباس.
الثالث : أنه فاعل البر المعروف به، قاله ابن بحر.
وفي ﴿ ريب المنون ﴾ وجهان :
أحدهما : الموت، قاله ابن عباس.
الثاني : حوادث الدهر، قاله مجاهد. المنون : الدهر، قال أبو ذؤيب١ :
(أمن المنون وريبها تتوجع | والدهر ليس بمعتب من يجزع) |
أمن المنون وريبها تتوجع | والدهر ليس بمعتب من يجزع |
(لا تحرز المرء أحجاء البلاد ولا | يبنى له في السموات السلاليم) |
(تجنيت لي ذنباً وما إن جنيته | لتتخذي عذراً إلى الهجر سلماً) |
أحدهما : مفاتيح الرحمة.
الثاني : خزائن الرزق.
﴿ أَمْ هُمْ الْمُسَيْطِرُونَ ﴾ فيه أربعة أوجه :
أحدها : المسلطون، قاله ابن عباس والضحاك.
الثاني : أنهم الأرباب، قاله الحسن وأبو عبيدة.
الثالث : معناه : أم هم المتولون، وهذا قد روي عن ابن عباس أيضاً.
الرابع : أنهم الحفظة، مأخوذ من تسطير الكتاب، الذي يحفظ ما كتب فيه فصار المسيطر هنا حافظاً ما كتبه الله في اللوح المحفوظ، قاله ابن بحر.
أحدهما : أن السلم المرتقى إلى السماء، ومنه قول ابن مقبل :
لا تحرز المرء أحجاء البلاد ولا | يبنى له في السموات السلاليم |
تجنيت لي ذنباً وما إن جنيته | لتتخذي عذراً إلى الهجر سلماً |
أحدهما : يستمعون من السماء ما يقضيه الله على خلقه.
الثاني : يستمعون منها ما ينزل الله على رسله من وحيه.
﴿ فلْيَأْتِ مْسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : فليأت صاحبهم بحجة ظاهرة تدل على صدقه.
الثاني : فليأت بقوة تتسلط على الاستماع وتدل على قدرته.
مكية في قول الحسن وعطاء وعكرمة وجابر، وقال ابن عباس وقتادة: إلا آية، وهي: ﴿الذين يحتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم﴾. بسم الله الرحمن الرحيم
أحدها : يوم يموتون، قاله قتادة.
الثاني : النفخة الأولى، حكاه ابن عيسى.
الثالث : يوم القيامة يغشى عليهم من هول ما يشاهدونه، ومنه قوله تعالى :
﴿ وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً ﴾ أي مغشياً عليه.
أحدها : عذاب القبر، قاله علي.
الثاني : الجوع، قاله مجاهد.
الثالث : مصابهم في الدنيا، قاله الحسن.
وفي المراد بالذين ظلموا ها هنا قولان :
أحدهما : أنهم أهل الصغائر من المسلمين.
الثاني : أنهم مرتكبو الحدود منهم.
أحدهما : لقضائه فيما حملك من رسالته.
الثاني : لبلائه فيما ابتلاك به من قومك.
﴿ فَإِنَّكَ بأَعْيُنِنَا ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : بعلمنا، قاله السدي.
الثاني : بمرأى منا، حكاه ابن عيسى.
الثالث : بحفظنا وحراستنا، ومنه قوله تعالى لموسى :﴿ وَلتُصنَعَ عَلَى عَيْنِي ﴾ [ طه : ٣٩ ] أي بحفظي وحراستي، قاله الضحاك.
﴿ وَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ ﴾ فيه أربعة أقاويل :
أحدها : أن يسبح الله إذا قام من مجلسه، قاله أبو الأحوص، ليكون تكفيراً لما أجرى في يومه.
الثاني : حين تقوم من منامك١، ليكون مفتتحاً لعمله بذكر الله، قاله حسان بن عطية.
الثالث : حين تقوم من نوم القائلة لصلاة الظهر، قاله زيد بن أسلم.
الرابع : أنه التسبيح في الصلاة، إذا قام إليها.
وفي هذا التسبيح قولان :
أحدهما : هو قول : سبحان ربي العظيم، في الركوع، وسبحان ربي الأعلى، في السجود.
الثاني : التوجه في الصلاة بقوله : سبحانك اللهم وبحمدك [ وتبارك٢ اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ]، قاله الضحاك.
٢ ما بين المربعين من تفسير القرطبي ١٧/ ٨٠ وقد نقل ذلك حرفيا عن الماوردي ونسبه إليه..
أحدها : أنها صلاة الليل.
الثاني : التسبيح فيها.
الثالث : أنه التسبيح في صلاة وغير صلاة.
وأما ﴿ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ ﴾ ففيه ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنها ركعتان قبل الفجر، رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" رَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ، إِدْبَارُ النُّجومِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ المَغْرِبِ إِدْبَارُ السُّجُودِ ".
الثاني : أنها ركعتا الفجر قبل الغداة.
الثالث : أنه التسبيح بعد الصلاة، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً، وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : لا صلاة بعد الفجر إلا ركعتي الفجر.