ﰡ
وقد يقال: إنَّ وجهَ المنعِ مِنْ ذلك خَوْفُ الوهَمِ: أنه يُفْهَمُ أن أحداً يدفعُ العذاب في غيرِ ذلك اليومِ، والفرضُ أنَّ عذابَ اللَّهِ لا يُدفع في كل وقت. وهذا أمرٌ مناسِبٌ قد ذُكِر مثلَه كثيرٌ؛ ولذلك مَنَعَ بعضُهم أن ينتصِبَ ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ﴾ بقولِه: ﴿والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [آل عمران: ٢٩-٣٠] لئلا يُفْهَمَ منه ما لا يَليق، وهو أبعدُ من هذا في الوهمِ بكثيرٍ. وقال
والمَوْرُ: الاضطرابُ والحركةُ يقال: مار الشيءُ أي: ذهب وجاء. وقال الأخفش وأبو عبيدة: تَكَفَّأ. وأنشد للأعشى:
٤١١٥ - كأن مِشْيتَها مِنْ بيتِ جارتِها | مَوْرُ السَّحابةِ لا رَيْثٌ ولا عَجَلُ |
وقرأ علي والسلمي وأبو رجاء وزيد بن علي بسكونِ الدالِ وتخفيفِ العينِ مفتوحةٍ من الدعاء أي: يُدْعَوْن إليها فيقال لهم: هلمُّوا فادْخُلوها. و «هذه النارُ» جملةٌ منصوبةٌ بقولٍ مضمرٍ أي: تقولُ لهم الخزنة: هذه النارُ.
وقرأ علي والسلمي وأبو رجاء وزيد بن علي بسكونِ الدالِ وتخفيفِ العينِ مفتوحةٍ من الدعاء أي : يُدْعَوْن إليها فيقال لهم : هلمُّوا فادْخُلوها. و " هذه النارُ " جملةٌ منصوبةٌ بقولٍ مضمرٍ أي : تقولُ لهم الخزنة : هذه النارُ.
قوله: ﴿بِمَآ آتَاهُمْ﴾ يجوزُ أن تكونَ الباء على أصلها، وتكونَ «ما» حينئذٍ واقعةً على الفواكه التي في الجنة أي: مُتَلَذِّذين بفاكهة الجنة. ويجوز أن تكونَ بمعنى «في» أي: فيما آتاهم من الثمارِ وغيرِ ذلك. ويجوزُ أَنْ تكونَ «ما» مصدريةً أيضاً.
قوله: ﴿هَنِيئَاً﴾ قد تقدَّم القولُ فيه وفي «مريئاً» مُشْبَعاً في النساء. وقال الزمخشري هنا: «يُقال لهم: كُلوا واشربوا أَكْلاً وشُرْباً هنيئاً، أو طعاماً وشَراباً هَنيئاً، وهو الذي لا تَنْغيصَ فيه. ويجوز أَنْ يكونَ مثلُه في قوله:
٤١١٦ - هَنِيئاً مَرِيئاً غيرَ داءٍ مُخامِرٍ | لِعَزَّةَ من أعراضِنا ما اسْتَحلَّتِ |
قال الشيخ: «أمَّا تجويزُه زيادةَ الباءِ فليسَتْ بمقيسةٍ في الفاعل إلاَّ في فاعلِ كفى على خلافٍ فيها، فتجويزُها هنا لا يَسُوغُ. وأمَّا قولُه: إنها تتعلَّقُ ب» كُلوا واشربوا «فلا يَصِحُّ إلاَّ على الإِعمال فهي تتعلَّقُ بأحدهما». انتى وهذا قريبٌ.
قال الشيخ: «أمَّا تجويزُه زيادةَ الباءِ فليسَتْ بمقيسةٍ في الفاعل إلاَّ في فاعلِ كفى على خلافٍ فيها، فتجويزُها هنا لا يَسُوغُ. وأمَّا قولُه: إنها تتعلَّقُ ب» كُلوا واشربوا «فلا يَصِحُّ إلاَّ على الإِعمال فهي تتعلَّقُ بأحدهما». انتى وهذا قريبٌ.
والثالث: أنه مجرورٌ عطفاً على «حورٍ عينٍ». قال الزمخشري: «والذين آمنوا معطوفٌ على» حورٍ عينٍ «أي: قَرَنَّاهم بالحورِ وبالذين آمنوا أي: بالرُّفَقاءِ والجُلَساءِ منهم، كقوله: ﴿إِخْوَاناً على سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ﴾ [الحجر: ٤٧] فيتمتَّعون تارةً بملاعبةِ الحُور، وتارةً بمؤانسةِ الإِخوانِ». ثم قال الزمخشري: «ثم قال تعالى: ﴿بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾ أي: بسببِ إيمانٍ عظيمٍ رفيعِ المحلِّ وهو إيمانُ الآباءِ أَلْحَقْنا بدَرَجَتِهم ذرِّيَّتَهم، وإنْ كانوا لا يَسْتَأهِلُونها تَفَضُّلاً عليهم».
قال الشيخ: «ولا يتخيَّلُ أحدٌ أنَّ» والذين آمنوا «معطوفٌ على» بحورٍ عينٍ «غيرُ هذا الرجلِ، وهو تخيُّلُ أعجميٍّ مُخالفٍ لِفَهْمِ العربيِّ القُحِّ ابنِ عباسٍ وغيرِه». قلت: أمَّا ما ذكره أبو القاسم من المعنى فلا شكَّ في حُسْنِه ونَضارَتِه، وليس في كلامِ العربيِّ القُحِّ ما يَدْفَعُه، بل لو عُرِض على ابنِ عباسٍ وغيرِه لأَعْجبهم. وأيُّ مانعٍ معنوي أو صناعي يمنعُه؟.
وقوله: ﴿واتبعتهم﴾ يجوزُ أَنْ يكونَ عطفاً على الصلةِ، ويكونَ «والذين» مبتدأً، ويتعلقَ «بإيمان» بالاتِّباع بمعنى: أنَّ اللَّهَ تعالى يُلْحق الأولادَ الصغارَ، وإن لم يَبْلغوا الإِيمانَ، بأحكام الآباءِ المؤمنين. وهذا المعنى منقولٌ عن ابنِ عباس والضحاك. ويجوزُ أَنْ يكونَ معترضاً بين المبتدأ والخبر، قاله الزمخشري. ويجوزُ أَنْ يتعلَّق «بإيمان» بألحَقْنا كما تقدَّم. فإنْ قيل: قولُه: «اتَّبَعتْهم ذُرِّيَّتَهم» يفيد فائدةَ قولِه: ﴿أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ﴾. فالجوابُ أنَّ قولَه: «أَلْحَقْنا بهم» أي: في الدرجات والاتِّباعُ إنما هو في حُكْمِ الإِيمان، وإن لم يَبْلُغوه كما تقدَّم. وقرأ أبو عمرو و «وأَتْبَعْناهم» بإسناد الفعل إلى المتكلمٍ المعظِّمِ نفسَه. والباقون «واتَّبَعَتْهم» بإسنادِ الفعلِ إلى الذرِّيَّة وإلحاقِ تاء التأنيث. وقد تَقَدَّم الخلافُ في إفرادِ «ذُرِّيَّتهم» وجمعِه في سورة الأعرافِ محرراً بحمد الله تعالى.
قوله: ﴿أَلَتْنَاهُمْ﴾ قرأ ابن كثير «أَلِتْناهم» بكسر اللام، والباقون بفتحِها. فأمَّا الأولى فَمِنْ أَلِتَ يَأْلَتُ بكسرِ العينِ في الماضي وفتحِها في المضارع كعَلِمَ يَعْلَمُ.
وأمَّا الثانيةُ فتحتمل أَنْ تكونَ مِنْ أَلَتَ يَأْلِتُ كضَربَ يَضْرِبُ، وأَنْ تَكونَ مِنْ أَلات يُليت كأَماتَ يُميت، فَأَلَتْناهم كأَمَتْناهم.
وقرأ طلحة والأعمش أيضاً «لَتْناهم» بفتح اللام. قال سهل: «لا يجوز فتحُ اللامِ مِنْ غير ألفٍ بحالٍ» ولذلك أَنْكر «آلَتْناهم» بالمدِّ: وقال: «لا يَدُلُّ عليها لغةٌ ولا تفسيرٌ». وليس كما زعم؛ بل نَقَلَ أهلُ اللغةِ: آلَتَ يُؤْلِتُ. وقُرِىء «وَلَتْناهم» بالواو ك «وَعَدْناهم» نَقَلها هارون. قال ابن خالويه: «فيكونُ هذا الحرفُ مِنْ لاتَ يَليت، ووَلَتَ يَلِتَ، وأَلِتَ يَأْلَت، وأَلَت، وأَلات يُليت. وكلُّها بمعنى نَقَص. ويقال: أَلَتَ بمعنى غَلَّظ. وقام رجلٌ إلى عمر يَعِظُه فقال له رجل: لا تَأْلِتْ أميرَ المؤمنين أي: لا تُغْلِظْ عليه». قلت: ويجوزُ أَنْ يكونَ هذا الأثرُ على حالِه، والمعنى: لا تُنْقِصْ أميرَ المؤمنين حَقَّه، لأنه إذا أَغْلَظَ له القولَ نَقَصَه حَقَّه.
قوله: ﴿مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ﴾ «مِنْ شيءٍ» مفعولٌ ثانٍ ل «أَلَتْناهم» و «مِنْ» مزيدةٌ فيه. والأُولى في محلِّ نصبٍ على الحال مِنْ «شيء» لأنَّها في الأصلِ صفةٌ له، فلَمَّا قُدِّمَتْ نُصِبَتْ حالاً. وجَوَّزَ أبو البقاء أَنْ يتعلَّقَ ب «أَلَتْناهم» وليس بظاهرٍ. وفي الضمير في «أَلَتْناهم» وجهان، أظهرهما: أنَّه عائدٌ على المؤمنين. والثاني: أنَّه عائد على أبنائهم. قيل: ويُقَوِّيه قولُه: ﴿كُلُّ امرىء بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ﴾.
٤١١٧ - نازَعْتُه طَيِّبَ الراحِ الشَّمولِ وقد | صاح الدَّجاجُ وحانَتْ وَقْعَةُ السَّاري |
٤١١٨ - تَرَبَّصْ بها رَيْبَ المنونِ لَعَلَّها | تُطَلَّقُ يوماً أو يموتُ حليلُها |
٤١١٩ - أمِن المَنونِ ورَيْبِه تتَوَجَّعُ | والدهرُ ليس بمُعْتِبٍ مَنْ يَجْزَعُ |
٤١٢٠ - كأن ذُرا رأسِ المُجَيْمِرِ غُدْوَةً | من السيلِ والغُثَّاءِ فَلْكَةُ مِغْزَلِ |
قوله: ﴿سَحَابٌ﴾ خبرُ مبتدأ مضمرٍ أي: هذا سحابٌ. والجملةُ نصبٌ بالقول.
قوله: ﴿يُصْعَقُونَ﴾ قرأ ابن عامر وعاصم بضم الياء مبنياً للمفعول. وباقي السبعةِ بفتحها مبنياً للفاعل. وقرأ أبو عبد الرحمن بضم الياء وكسر العين. فأمَّا الأُولى فيُحتمل أن تكونَ مِنْ صُعِقَ فهو مَصْعُوق مبنياً للمفعولِ، وهو ثلاثي، حكاه الأخفش، فيكونُ مثلَ سُعِدوا، وأَنْ يكونَ مِنْ أَصْعَقَ رباعياً. يقال: أَصْعَق فهو مُصْعَق، قاله الفارسيُّ. والمعنى: أنَّ غيرَهم أَصْعَقَهم. وقراءةُ السلمي تُؤْذِنُ أنَّ أَفْعَلَ بمعنى فَعَل. وقوله: ﴿يَوْمَ لاَ يُغْنِي﴾ بدلٌ مِنْ «يومَهم».
سورة الطور
سورة (الطُّور) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (السَّجْدة)، وقد جاءت بتحذيرِ الكافرين من تحقيقِ وقوع العذاب بهم؛ ترهيبًا لهم من عاقبة كفرهم، كما أبانت عن صفاتِ أهل التقوى التي ينبغي أن نتصفَ بها، وبيَّنتْ جزاءَ الكفار، وسُوءَ عاقبتهم التي ينبغي أن نَحذَرَ منها، و(الطُّور): هو اسمُ الجبل الذي كلَّم اللهُ عليه موسى عليه السلام.
ترتيبها المصحفي
52نوعها
مكيةألفاظها
312ترتيب نزولها
76العد المدني الأول
47العد المدني الأخير
47العد البصري
48العد الكوفي
49العد الشامي
49* سورة (الطُّور):
سُمِّيت سورةُ (الطُّور) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقَسَم الله بـ(الطُّور)، و(الطُّور): هو اسمُ الجبل الذي كلَّم الله عليه موسى عليه السلام.
* كان صلى الله عليه وسلم يقرأُ في المغرب بـ(الطُّور):
عن جُبَيرِ بن مُطعِمٍ رضي الله عنه: «أنَّه سَمِعَ النبيَّ ﷺ يَقرَأُ في المغرِبِ بالطُّورِ». أخرجه ابن حبان (١٨٣٣).
* كان صلى الله عليه وسلم يَقرأ (الطُّور) وهو بجانبِ الكعبة:
عن أمِّ المؤمنين أمِّ سلَمةَ رضي الله عنها، قالت: «شكَوْتُ إلى رسولِ اللهِ ﷺ أنِّي أشتكي، فقال: «طُوفِي مِن وراءِ الناسِ وأنتِ راكبةٌ»، فطُفْتُ ورسولُ اللهِ ﷺ يُصلِّي إلى جَنْبِ البيتِ، يَقرَأُ بـ {اْلطُّورِ * وَكِتَٰبٖ مَّسْطُورٖ}». أخرجه البخاري (٤٨٥٣).
1. تحقيق وقوع العذاب (١-١٦).
2. صفات أهل التقوى (١٧-٢٨).
3. مزاعمُ باطلة (٢٩-٤٦).
4. عاقبة المكذِّبين، وحفظُ الله لرسوله صلى الله عليه وسلم (٤٧-٤٩).
ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (7 /468).
يقول البِقاعيُّ مشيرًا إلى مقصدها الأعظم - وهو إثبات وقوع العذاب بمَن عصى وكفَر -: «ومقصودها: تحقيقُ وقوع العذاب، الذي هو مضمونُ الوعيد المُقسَم على وقوعه في (الذَّاريَات)، الذي هو مضمون الإنذار المدلول على صدقِه في (ق)، وأنَّ وقوعه أثبَتُ وأمكَنُ من الجبال التي أخبر الصادقُ بسَيْرِها، وجعَل دَكَّ بعضِها آيةً على ذلك، ومِن الكتاب في أثبَتِ أوضاعه؛ لإمكان غَسْلِه وحَرْقِه، ومن البيت الذي يُمكِن عامِرَه وغيرَه إخرابُه، والسقفِ الذي يُمكِن رافِعَه وَضْعُه، والبحرِ الذي يُمكِن مَن سجَرَه أن يُرسِلَه». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /28).