تفسير سورة الإنفطار

الدر المصون

تفسير سورة سورة الإنفطار من كتاب الدر المصون في علوم الكتاب المكنون المعروف بـالدر المصون.
لمؤلفه السمين الحلبي . المتوفي سنة 756 هـ

قوله: ﴿فُجِّرَتْ﴾ : العامَّةُ على بنائِه للمفعول مثقَّلاً. وقرأ مجاهد مبنياً للفاعل مخففاً، من الفُجور، نظراً إلى قولِه: ﴿بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ﴾ [الرحمن: ٢٠]، فلمَّا زال البَرْزَخُ بَغَيا. وقرأ مجاهد أيضاً والربيع ابن خُثَيْم والزعفرانيُّ والثوري مبنياً للمفعول مخففاً.
قوله: ﴿بُعْثِرَتْ﴾ : أي: قُلِبَتْ. يقال: بَعْثَره وبَحْثَرَه بالعين والحاء. قال الزمخشري: «وهما مركبان من البَعْث والبَحْث مضموماً إليهما راءٌ» يعني: أنهما ممَّا اتَّفق معناهما؛ لأنَّ الراءَ مزيدةٌ
709
فيهما إذ ليَسْت مِنْ حروفِ الزيادةِ، وهذا ك «دَمِث ودِمَثْرٍ، وسَبِطَ وسِبَطْر. و» عَلِمَتْ «جوابُ» إذا «.
710
قوله: ﴿مَا غَرَّكَ﴾ : العامَّةُ على «غَرَّك» ثلاثياً و «ما» استفهاميةٌ في محلِّ رفع بالابتداء. وقرأ ابن جبير والأعمش «ما أَغَرَّك» فاحتمل أَنْ تكونَ استفهاميةً، وأن تكونَ تعجبيةً. ومعنى أغرَّه: أدخله في الغِرَّة أو جعله غارَّاً.
قوله: ﴿الذي خَلَقَكَ﴾ : يحتمل الإِتباعَ على البدلِ والبيان والنعتِ، والقطعَ إلى الرفع أو النصبِ.
قوله: ﴿فَعَدَلَكَ﴾ قرأ الكوفيون «عَدَلَك، مخففاً. والباقون/ مثقلاً. فالتثقيل بمعنى: جَعَلكَ متناسِبَ الأطرافِ، فلم يجعَلْ إحدى يَدَيْكَ أو رِجْلَيْكَ أطولَ، ولا إحدى عينَيْك أَوْسَعَ، فهو من التَّعْديلِ. وقراءةُ التخفيفِ تحتمل هذا، أي: عَدَلَ بعضَ أعضائِك ببعضٍ. وتحتمل أَنْ تكونَ من العُدولِ، أي: صَرَفَك إلى ما شاء من الهيئاتِ والأشكالِ والأشباهِ.
قوله: ﴿في أَىِّ صُورَةٍ﴾ : يجوز فيه أوجهٌ، أحدُها: أَنْ يتعلَّقُ ب «رَكَّبَكَ» و «ما» مزيدةٌ على هذا، و «شاءَ» صفةٌ ل «صورةٍ»،
710
ولم يَعْطِفْ «رَكَّبَكَ» على ما قبله بالفاءِ، كما عَطَفَ ما قبلَه بها؛ لأنه بيانٌ لقولِه: «فَعَدَلَكَ». والتقدير: فَعَدَلَكَ: ركَّبك في أيِّ صورةٍ من الصورِ العجيبةِ الحسنةِ التي شاءها. والمعنى: وَضَعَكَ في صورةٍ اقتضَتْها مَشيئتُه: مِنْ حُسْنٍ وقُبْحٍ وطُولٍ وقِصَرٍ وذُكورةٍ وأُنوثةٍ. الثاني: أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ، أي: رَكَّبك حاصلاً في بعض الصور. الثالث: أنه يتعلَّقُ بعَدَلَكَ، نقله الشيخ عن بعض المتأوِّلين، ولم يَعْتَرِضْ عليه، وهو مُعْتَرَضٌ: بأنَّ في «أيّ» معنى الاستفهام، فلها صدرُ الكلام فكيف يعمل فيها ما تقدَّمَها؟
وكأنَّ الزمخشري استشعر هذا فقال: «ويكونُ في» أيّ «معنى التعجبِ، أي: فَعَدَلَكَ في أيِّ صورةٍ عجيبةٍ». وهذا لا يَحْسُنُ أَنْ يكونَ مُجَوِّزاً لِتَقَدُّمِ العاملِ على اسمِ الاستفهامِ، وإنْ دَخَلَه معنى التعجب. ألا ترى أنَّ كيف وأنَّى وإنْ دَخَلهما معنى التعجبِ لا يتقدَّم عاملُهما عليهما. وقد اختلف النحويون في اسم الاستفهام إذا قُصِدَ به الاستثباتُ: هل يجوزُ تقديمُ عاملِه أم لا؟ والصحيح أنه لا يجوزُ، وكذلك لا يجوز أن يتقدَّمَ عاملُ «كم» الخبريةِ عليها لشَبَهِها في اللفظ بالاستفهاميةِ فهذا أَوْلَى، وعلى تعلُّقِها ب «عَدَلَكَ» تكون «ما» منصوبةً ب «شاء»، أي: رَكَّبَكَ ما شاءَ من التركيبِ، أي: تركيباً حَسَناً، قاله الزمخشري، فظاهرُه أنها منصوبةٌ على المصدر.
711
وقال أبو البقاء: «ويجوز أَنْ تكونَ» ما «زائدةً، وأَنْ تكونَ شرطيةً، وعلى الأمرَيْن: الجملةُ نعتٌ ل» صورة «، والعائدُ محذوفٌ، أي: رَكَّبك عليها. و» في «تتعلَّقُ ب» رَكَّبك «. وقيل: لا موضعَ للجملةِ؛ لأن» في «تتعلَّقُ بأحد الفعلَيْن، والجميعُ كلامٌ واحدٌ، وإنما تقدُّمُ الاستفهامِ على» ما «هو حَقُّه. قوله:» بأحد الفعلَيْنِ «يعني: شاءَ ورَكَّبك. وتَحَصَّل في» ما «ثلاثةُ أوجهٍ: الزيادةُ، وكونُها شرطيَّةً، وحيئنذٍ جوابُها محذوفٌ، والنصبُ على المصدريةِ، أي: واقعةٌ موقعَ مصدرٍ.
712
والعامَّةُ: «يُكَذِّبُون» خطاباً. والحسن وأبو جعفر وشَيْبَةُ بياء الغَيْبة.
قوله: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ﴾ : يجوزُ أَنْ تكونَ الجملةُ حالاً مِنْ فاعل تُكَذِّبون، أي: تُكَذِّبُون والحالةُ هذه، ويجوز أَنْ تكونَ مستأنفةً، أخبرهم بذلك لينزَجِروا.
قوله: ﴿يَعْلَمُونَ﴾ : يجوزُ أَنْ يكونَ نعتاً، وأَنْ يكونَ حالاً من ضمير «كاتبين»، وأَنْ يكونَ نعتاً ل «جحيم»، وأَنْ يكونَ مستأنفاً.
قوله: ﴿يَصْلَوْنَهَا﴾ : يجوزُ فيه أَنْ يكونَ حالاً من الضمير في الجارِّ لوقوعِه خبراً، وأَنْ يكونَ مستأنفاً. وقرأ العامَّةُ «
712
يَصْلَوْنَها» مخففاً مبنياً للفاعل. وابن مقسم مشدَّداً مبيناً للمفعولِ، وتقدَّم مثلُه.
713
قوله: ﴿يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ﴾ : قرأ ابن كثير وأبو عمرو برفع «يوم» على أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ، أي: هو يومُ. وجَوَّز الزمخشري أَنْ يكونَ بدلاً مِمَّا قبلَه، يعني قولَه: «يومَ الدين». وقرأ أبو عمروٍ في روايةٍ «يومٌ» مرفوعاً منوناً على قَطْعِه عن الإِضافة، وجَعَلَ الجملةَ نعتاً له، والعائدُ محذوفٌ، أي: لا يَمْلِكُ فيه. وقرأ الباقون «يومَ» بالفتح. وقيل: هي فتحةُ إعرابٍ، ونصبُه بإضمار أعني أو يَتجاوزون، أو بإضمار اذكُرْ، فيكونُ مفعولاً به، وعلى رأي الكوفيين يكون خبراً لمبتدأ مضمر، وإنما بُني لإِضافتِه للفعل، وإن كان معرباً، كقولِه ﴿هذا يَوْمُ يَنفَعُ﴾ [المائدة: ١١٩] وقد تقدَّم.
سورة الإنفطار
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الانفطار) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (النَّازعات)، وقد افتُتحت بإثباتِ البعث وما يَتقدَّمه من أهوالٍ بوصف دقيق؛ تحذيرًا من عقاب الله، ودلالة على عظمتِه سبحانه، ثم جاءت بالتحذير من الانهماك في الدنيا، والاغترارِ بنِعَمِ الله على خَلْقِه، ومن نسيان اليوم الذي يَفصِل اللهُ فيه بين عباده، ويحاسبهم على كلِّ صغيرة وكبيرة.

ترتيبها المصحفي
82
نوعها
مكية
ألفاظها
81
ترتيب نزولها
82
العد المدني الأول
19
العد المدني الأخير
19
العد البصري
19
العد الكوفي
19
العد الشامي
19

* سورة (الانفطار):

سُمِّيت سورة (الانفطار) بذلك؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنفَطَرَتْ} [الانفطار: 1].

* سورة (الانفطار) من السُّوَر التي وصفت أحداثَ يوم القيامة بدقة؛ لذا كان يدعو الصحابةُ إلى قراءتها:

عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن سَرَّه أن ينظُرَ إلى يومِ القيامةِ كأنَّه رأيَ عينٍ، فَلْيَقرأْ: {إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}، و{إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنفَطَرَتْ}، و{إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنشَقَّتْ}». أخرجه الترمذي (٣٣٣٣).

1. إثبات البعث وأهواله (١-٥).

2. التحذير من الانهماك في الدنيا (٦-٨).

3. علَّةُ تكذيب الإنسان ليوم الحساب (٩-١٦).

4. ضخامة يوم الحساب (١٧-١٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /57).

يقول البقاعي: «مقصودها: التحذيرُ من الانهماك في الأعمال السيئة؛ اغترارًا بإحسانِ الربِّ وكرمِه، ونسيانًا ليوم الدِّين، الذي يحاسِبُ فيه على النَّقِير والقِطْمِير، ولا تغني فيه نفسٌ عن نفس شيئًا.
واسمها (الانفطار) أدلُّ ما فيها على ذلك». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /165).

وينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /170).