تفسير سورة الإنفطار

البحر المحيط في التفسير

تفسير سورة سورة الإنفطار من كتاب البحر المحيط في التفسير
لمؤلفه أبو حيان الأندلسي . المتوفي سنة 745 هـ
سورة الانفطار
هذه السورة مكية.

سورة الانفطار
[سورة الانفطار (٨٢) : الآيات ١ الى ١٩]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (١) وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ (٢) وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (٤)
عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (٥) يَا أَيُّهَا الْإِنْسانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شاءَ رَكَّبَكَ (٨) كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩)
وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠) كِراماً كاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (١٢) إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤)
يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ (١٥) وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (١٦) وَما أَدْراكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ مَا أَدْراكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩)
بَعْثَرْتُ الْمَتَاعَ: قَلَبْتُهُ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، وَبَعْثَرْتُ الْحَوْضَ وَبَحْثَرْتُهُ: هَدَمْتُهُ وَجَعَلْتُ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ.
إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ، وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ، وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ، وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ، عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ، يَا أَيُّهَا الْإِنْسانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ، الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ، فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شاءَ رَكَّبَكَ، كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ، وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ، كِراماً كاتِبِينَ، يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ، إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ، يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ، وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ، وَما أَدْراكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ، ثُمَّ مَا أَدْراكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ، يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ.
420
هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ. وَانْفِطَارُهَا تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ، وَانْتِثَارُ الْكَوَاكِبِ: سُقُوطُهَا مِنْ مَوَاضِعِهَا كَالنِّظَامِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: فُجِّرَتْ بتشديد الجيم ومجاهد وَالرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمٍ وَالزَّعْفَرَانِيُّ وَالثَّوْرِيُّ: بِخَفِّهَا، وَتَفْجِيرُهَا مِنَ امْتِلَائِهَا، فَتُفَجَّرُ مِنْ أَعْلَاهَا وَتَفِيضُ عَلَى مَا يَلِيهَا، أَوْ مِنْ أَسْفَلِهَا فَيُذْهِبُ اللَّهُ مَاءَهَا حَيْثُ أَرَادَ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ: فَجَرَتْ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ مُخَفَّفًا بِمَعْنَى: بَغَتْ لِزَوَالِ الْبَرْزَخِ نَظَرًا إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا يَبْغِيانِ»
، لأن البغي والفجور مُتَقَابِلَانِ. بُعْثِرَتْ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بُحِثَتْ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: أُثِيرَتْ لِبَعْثِ الْأَمْوَاتِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أُخْرِجَ مَا فِي بَطْنِهَا مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: بَعْثَرَ وَبَحْثَرَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُمَا مُرَكَّبَانِ مِنَ الْبَعْثِ وَالْبَحْثِ مَعَ رَاءٍ مَضْمُومَةٍ إِلَيْهِمَا، وَالْمَعْنَى: بُحِثَتْ وَأُخْرِجَ مَوْتَاهَا. وَقِيلَ: لِبَرَاءَةَ الْمُبَعْثِرَةُ، لِأَنَّهَا بَعْثَرَتْ أَسْرَارَ الْمُنَافِقِينَ. انْتَهَى. فَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَنَّهُمَا مُرَكَّبَانِ أَنَّ مَادَّتَهُمَا مَا ذُكِرَ، وَأَنَّ الرَّاءَ ضُمَّتْ إِلَى هَذِهِ الْمَادَّةِ، وَالْأَمْرُ لَيْسَ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُ، لِأَنَّ الرَّاءَ لَيْسَتْ مِنْ حُرُوفِ الزِّيَادَةِ، بَلْ هُمَا مَادَّتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ وَإِنِ اتَّفَقَا مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى. وَأَمَّا أَنَّ إِحْدَاهُمَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ كَذَا فَلَا، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُمْ: دَمِثٌ وَدِمَثْرٌ وَسَبِطٌ وَسِبَطْرٌ.
مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ: تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى شَبَهِهِ فِي سُورَةِ الْقِيَامَةِ وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: مَا غَرَّكَ، فَمَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ. وَقَرَأَ ابْنُ جُبَيْرٍ وَالْأَعْمَشُ: مَا أَغَرَّكَ بهمزة، فَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ تَعَجُّبًا، وَاحْتُمِلَ أَنْ تَكُونَ مَا اسْتِفْهَامِيَّةً، وَأَغَرَّكَ بِمَعْنَى أَدْخَلَكَ في الغرة. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: مِنْ قَوْلِكَ غَرَّ الرَّجُلُ فَهُوَ غَارٌّ. إِذَا غَفَلَ مِنْ قَوْلِكَ بَيْنَهُمُ الْعَدُوُّ وَهُمْ غَارُّونَ، وَأَغَرَّهُ غَيْرُهُ: جَعَلَهُ غَارًّا. انْتَهَى.
وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَرَأَ: مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ، فَقَالَ: جَهْلُهُ
وَقَالَهُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَقَرَأَ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا، وَهَذَا يَتَرَتَّبُ فِي الْكَافِرِ وَالْعَاصِي. وَقَالَ قَتَادَةُ: عَدُوُّهُ الْمُسَلَّطُ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: سَتْرُ اللَّهِ عَلَيْهِ.
وَقِيلَ: كَرَمُ اللَّهِ وَلُطْفُهُ يُلَقِّنُ هَذَا الْجَوَابَ، فَهَذَا لُطْفٌ بِالْعَاصِي الْمُؤْمِنِ. وَقِيلَ: عَفْوُهُ عَنْهُ إِنْ لَمْ يُعَاقِبْهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ. وَقَالَ الْفُضَيْلُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سِتْرُهُ الْمُرَخَى. وَقَالَ ابْنُ السِّمَاكِ:
يَا كَاتِمَ الذَّنْبِ أَمَا تَسْتَحِي وَاللَّهُ فِي الْخَلْوَةِ رَائِيكَا
غَرَّكَ مِنْ رَبِّكَ إِمْهَالُهُ وَسَتْرُهُ طُولَ مَسَاوِيكَا
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فِي جَوَابِ الْفُضَيْلِ، وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الِاعْتِرَافِ بِالْخَطَأِ.
بِالِاغْتِرَارِ: بِالسَّتْرِ، وَلَيْسَ بِاعْتِذَارٍ كَمَا يَظُنُّهُ الطَّمَّاعُ، وَيَظُنُّ بِهِ قُصَّاصُ الْحَشْوِيَّةِ، ويروون
(١) سورة الرحمن: ٥٥/ ٢٠.
421
عَنْ أَئِمَّتِهِمْ إِنَّمَا قَالَ: بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ دُونَ سَائِرِ صِفَاتِهِ، لِيُلَقِّنَ عَبْدَهُ الْجَوَابَ حَتَّى يَقُولَ:
غَرَّنِي كَوْنُهُ الْكَرِيمَ. انْتَهَى. وَهُوَ عَادَتِهِ فِي الطَّعْنِ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ. فَسَوَّاكَ: جَعَلَكَ سَوِيًّا فِي أَعْضَائِكَ، فَعَدَلَكَ: صَيَّرَكَ مُعْتَدِلًا مُتَنَاسِبَ الْخَلْقِ مِنْ غَيْرِ تَفَاوُتٍ. وَقَرَأَ الْحَسَنِ وَعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ وَطَلْحَةُ وَالْأَعْمَشُ وَعِيسَى وَأَبُو جَعْفَرٍ وَالْكُوفِيُّونَ: بِخَفِّ الدَّالِ وَبَاقِي السَّبْعَةِ: بِشَدِّهَا. وَقِرَاءَةُ التَّخْفِيفِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ كَقِرَاءَةِ التَّشْدِيدِ، أَيْ عَدَلَ بَعْضَ أَعْضَائِكَ بِبَعْضٍ حَتَّى اعْتَدَلَتْ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ فَصَرَفَكَ. يُقَالُ: عَدَلَهُ عَنِ الطَّرِيقِ: أَيْ عَدَلَكَ عَنْ خِلْقَةِ غَيْرِكَ إِلَى خِلْقَةٍ حَسَنَةٍ مُفَارِقَةٍ لِسَائِرِ الْخَلْقِ، أَوْ فَعَدَلَكَ إِلَى بَعْضِ الْأَشْكَالِ وَالْهَيْئَاتِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ:
فِي أَيِّ صُورَةٍ يَتَعَلَّقُ بِرَبِّكَ، أَيْ وَضَعَكَ في صورة اقتضتها مشيئة مِنْ حُسْنٍ وَطُولٍ وَذُكُورَةٍ، وَشَبَهٍ بِبَعْضِ الْأَقَارِبِ أَوْ مُقَابِلِ ذَلِكَ. وَمَا زَائِدَةٌ، وَشَاءَ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِصُورَةٍ، وَلَمْ يَعْطِفْ رَكَّبَكَ بِالْفَاءِ كَالَّذِي قَبْلَهُ، لِأَنَّهُ بَيَانٌ لِعَدَلَكَ، وَكَوْنُ فِي أَيِّ صُورَةٍ مُتَعَلِّقًا بِرَبِّكَ هُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقِيلَ: يَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ، أَيْ رَكَّبَكَ حَاصِلًا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَوِّلِينَ: إِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ: فَعَدَلَكَ، أَيْ: فَعَدَلَكَ فِي صُورَةٍ، أَيَّ صُورَةِ وَأَيُّ تَقْتَضِي التَّعْجِيبَ وَالتَّعْظِيمَ، فَلَمْ يَجْعَلْكَ فِي صُورَةِ خِنْزِيرٍ أَوْ حِمَارٍ وَعَلَى هَذَا تَكُونُ مَا منصوبة بشاء، كَأَنَّهُ قَالَ: أَيَّ تَرْكِيبٍ حَسَنٍ شَاءَ رَكَّبَكَ، وَالتَّرْكِيبُ: التَّأْلِيفُ وَجَمْعُ شَيْءٍ إِلَى شيء. وأدغم حارجة عَنْ نَافِعٍ رَكَّبَكْ كَلَّا، كَأَبِي عَمْرٍو فِي إِدْغَامِهِ الْكَبِيرِ. وَكَلَّا:
رَدْعٌ وَزَجْرٌ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ مِنَ اغْتِرَارِهِمْ بِاللَّهِ تَعَالَى، أَوْ لِمَا دَلَّ عَلَيْهِ مَا بَعْدَ كَلَّا مِنْ تَكْذِيبِهِمْ بِيَوْمِ الْجَزَاءِ وَالدِّينِ أَوْ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالتَّاءِ، خِطَابًا لِلْكُفَّارِ وَالْحَسَنُ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَأَبُو بِشْرٍ: بِيَاءِ الْغَيْبَةِ.
وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ: اسْتِئْنَافُ إِخْبَارٍ، أَيْ عَلَيْهِمْ مَنْ يَحْفَظُ أَعْمَالَهُمْ وَيَضْبُطُهَا.
وَيَظْهَرُ أَنَّهَا جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ، وَالْوَاوُ وَاوُ الْحَالِ، أَيْ تُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الْجَزَاءِ. وَالْكَاتِبُونَ: الْحَفَظَةُ يَضْبُطُونَ أَعْمَالَكُمْ لِأَنْ تُجَازَوْا عَلَيْهَا، وَفِي تَعْظِيمِ الْكَتَبَةِ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ تَعْظِيمٌ لِأَمْرِ الْجَزَاءِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: يَصْلَوْنَها، مُضَارِعُ صَلِيَ مُخَفَّفًا وَابْنُ مِقْسَمٍ: مُشَدَّدًا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ.
يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ، فَيَكْتُبُونَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ الْجَزَاءُ. قَالَ الْحَسَنُ: يَعْلَمُونَ مَا ظَهَرَ دُونَ حَدِيثِ النَّفْسِ. وَقَالَ سُفْيَانُ: إِذَا هَمَّ الْعَبْدُ بِالْحَسَنَةِ أَوِ السَّيِّئَةِ، وَجَدَ الْكَاتِبَانِ رِيحَهَا. وَقَالَ الْحُسَيْنُ بْنُ الْفَضْلِ: حَيْثُ قَالَ يَعْلَمُونَ وَلَمْ يَقُلْ يَكْتُبُونَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْتُبُ الْجَمِيعَ فَيَخْرُجُ عَنْهُ السَّهْوُ وَالْخَطَأُ وَمَا لَا تَبِعَةَ فِيهِ. وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ: أَيْ عَنِ الْجَحِيمِ، أَيْ
422
لَا يُمْكِنُهُمُ الْغَيْبَةُ، كَقَوْلِهِ: وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ «١». وَقِيلَ: إِنَّهُمْ مُشَاهِدُوهَا فِي الْبَرْزَخِ. لَمَّا أَخْبَرَ عن صليهم يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَخْبَرَ بِانْتِفَاءِ غَيْبَتِهِمْ عَنْهَا قَبْلَ الصَّلْيِ، أَيْ يَرَوْنَ مَقَاعِدَهُمْ مِنَ النَّارِ.
وَما أَدْراكَ: تَعْظِيمٌ لِهَوْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَعِيسَى وَابْنُ جُنْدُبٍ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو: يَوْمَ لَا تَمْلِكُ بِرَفْعِ الْمِيمِ، أَيْ هُوَ يَوْمٌ، وَأَجَازَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِيهِ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِمَّا قَبْلَهُ. وَقَرَأَ مَحْبُوبٌ عَنْ أَبِي عَمْرٍو: يَوْمٌ لَا تَمْلِكُ عَلَى التَّنْكِيرِ مُنَوَّنًا مَرْفُوعًا فَكَّهُ عَنِ الْإِضَافَةِ وَارْتِفَاعُهُ عَلَى هُوَ يَوْمٌ، وَلَا تَمْلِكُ جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ، وَالْعَائِدُ مَحْذُوفٌ، أَيْ لَا تَمْلِكُ فِيهِ. وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالْحَسَنُ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَالْأَعْرَجُ وَبَاقِي السَّبْعَةِ: يَوْمَ بِالْفَتْحِ عَلَى الظَّرْفِ، فَعِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ هِيَ حَرَكَةُ إِعْرَابٍ، وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَرَكَةَ بِنَاءٍ، وَهُوَ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فِي مَوْضِعِ رَفْعِ خَبَرٍ الْمَحْذُوفِ تَقْدِيرُهُ: الْجَزَاءُ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ، أَوْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الظَّرْفِ، أَيْ يُدَانُونَ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ، أَيِ اذْكُرْ يَوْمَ لَا تَمْلِكُ. وَيَجُوزُ عَلَى رَأْيِ مَنْ يُجِيزُ بِنَاءَهُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رفع خبر المبتدأ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ: هُوَ. يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً
: عَامٌّ كَقَوْلِهِ: فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعاً وَلا ضَرًّا «٢». وَقَالَ مُقَاتِلٌ: لِنَفْسٍ كَافِرَةٍ شَيْئًا مِنَ الْمَنْفَعَةِ.
وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ، قَالَ قَتَادَةُ: وَكَذَلِكَ هُوَ الْيَوْمُ، لَكِنَّهُ هُنَاكَ لَا يَدَّعِي أَحَدٌ مُنَازَعَةً، وَلَا يُمَكِّنُ هُوَ أَحَدًا مِمَّا كَانَ مَلَّكَهُ فِي الدنيا.
(١) سورة البقرة: ٢/ ١٦٧.
(٢) سورة سبأ: ٣٤/ ٤٢.
423
سورة الإنفطار
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الانفطار) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (النَّازعات)، وقد افتُتحت بإثباتِ البعث وما يَتقدَّمه من أهوالٍ بوصف دقيق؛ تحذيرًا من عقاب الله، ودلالة على عظمتِه سبحانه، ثم جاءت بالتحذير من الانهماك في الدنيا، والاغترارِ بنِعَمِ الله على خَلْقِه، ومن نسيان اليوم الذي يَفصِل اللهُ فيه بين عباده، ويحاسبهم على كلِّ صغيرة وكبيرة.

ترتيبها المصحفي
82
نوعها
مكية
ألفاظها
81
ترتيب نزولها
82
العد المدني الأول
19
العد المدني الأخير
19
العد البصري
19
العد الكوفي
19
العد الشامي
19

* سورة (الانفطار):

سُمِّيت سورة (الانفطار) بذلك؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنفَطَرَتْ} [الانفطار: 1].

* سورة (الانفطار) من السُّوَر التي وصفت أحداثَ يوم القيامة بدقة؛ لذا كان يدعو الصحابةُ إلى قراءتها:

عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن سَرَّه أن ينظُرَ إلى يومِ القيامةِ كأنَّه رأيَ عينٍ، فَلْيَقرأْ: {إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}، و{إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنفَطَرَتْ}، و{إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنشَقَّتْ}». أخرجه الترمذي (٣٣٣٣).

1. إثبات البعث وأهواله (١-٥).

2. التحذير من الانهماك في الدنيا (٦-٨).

3. علَّةُ تكذيب الإنسان ليوم الحساب (٩-١٦).

4. ضخامة يوم الحساب (١٧-١٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /57).

يقول البقاعي: «مقصودها: التحذيرُ من الانهماك في الأعمال السيئة؛ اغترارًا بإحسانِ الربِّ وكرمِه، ونسيانًا ليوم الدِّين، الذي يحاسِبُ فيه على النَّقِير والقِطْمِير، ولا تغني فيه نفسٌ عن نفس شيئًا.
واسمها (الانفطار) أدلُّ ما فيها على ذلك». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /165).

وينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /170).