تفسير سورة الإنفطار

مراح لبيد

تفسير سورة سورة الإنفطار من كتاب مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد المعروف بـمراح لبيد.
لمؤلفه نووي الجاوي . المتوفي سنة 1316 هـ

سورة الانفطار
مكية، تسع عشرة آية، ثمانون كلمة، ثلاثمائة وسبعة وعشرون حرفا
إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (١) أي انشقت لنزول الملائكة، وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ (٢) أي تساقطت متفرقة على وجه الأرض، وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ (٣) أي فتح بعضها إلى بعض، فاختلط العذب بالأجاج، وصارت البحار بحرا واحدا.
وقرأ مجاهد «فجرت» على البناء للفاعل والتخفيف، أي تجاوز بعضها إلى بعض. وقرأ مجاهد أيضا، والربيع بن خثيم، والزعفراني والثوري «فجرت» مبنيا للمفعول ومخففا، أي غير بعضها ببعض لزوال البرزخ، وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (٤) أي قلب أسفلها أعلاها وأخرج ما فيها من الموتى أحياء عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ أي أدت من طاعة، وَأَخَّرَتْ (٥) أي ضيعت، وذلك عند نشر الصحف. يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) أي ما الذي خدعك وسوّل لك الباطل، حتى تركت الواجبات، وأتيت بالمحرمات.
وقرأ سعيد بن جبير والأعمش «ما أغرّك» رباعيا، فاحتمل أن تكون «ما» استفهامية، وأن تكون تعجبية، أي أيّ شيء جعلك آمنا من عقاب ربك، أو شيء عظيم يتعجب منه أدخلك في غرة، أي أمن من العذاب؟ الَّذِي خَلَقَكَ نسمة من نطفة فَسَوَّاكَ أي جعلك سالم الأعضاء مهيأة لمنافعها فَعَدَلَكَ (٧).
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بتخفيف الدال أي عدل بعض أعضائك ببعض حتى اعتدلت- كما قاله أبو علي الفارسي- أو فصرفك إلى أي صورة شاء. وقرأ الباقون بالتشديد أي صيّرك متناسب الأعضاء، فلم يجعل إحدى اليدين أطول، ولا إحدى العينين أوسع.
وقال عطاء عن ابن عباس: أي جعلك معتدل القامة حسن الصورة، لا كالبهيمة المنحنية فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (٨) و «ما» زائدة، و «شاء» صفة ل «صورة»، و «ركبك» بيان لقوله تعالى: فَعَدَلَكَ أي وضعك في صورة اقتضتها مشيئته من حسن وقبح، وطول، وقصر، وذكورة، وأنوثة كَلَّا، أي ارتدعوا عن الاغترار بكرم الله، وإنكم لا ترتدعون عن ذلك، بَلْ
تُكَذِّبُونَ
يا معشر قريش بِالدِّينِ (٩)، أي بالجزاء على الأعمال، وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠) حال من فاعل تكذبون، أي تكذبون بالجزاء والحال أن عليكم من قبلنا لحافظين لأعمالكم،
كِراماً عندنا كاتِبِينَ (١١) لهذه الأعمال في الصحف، كما تكتب الشهود منكم العهود ليقع الجزاء على غاية التقويم، يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (١٢) من الأفعال، قليلا وكثيرا، ويضبطونه نقيرا وقطميرا لتجازوا بذلك، إِنَّ الْأَبْرارَ أي الصادقين في إيمانهم لَفِي نَعِيمٍ (١٣)، أي لفي جنة دائم نعيمها، وَإِنَّ الْفُجَّارَ أي الكافرين المكذبين بيوم الدين لَفِي جَحِيمٍ (١٤) أي في نار عظيمة، يَصْلَوْنَها أي يدخلونها يَوْمَ الدِّينِ (١٥) أي يوم الحساب، وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (١٦) طرفة عين حتى قبل الدخول فيها فإنهم يجدون سمومها في قبورهم كما
قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران»
«١». وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٨) أي أيّ شيء عجيب هو في الهول والفظاعة جعلك داريا يوم الدين، و «ما» الاستفهامية خبر ل «يوم الدين»، فإن مدار الإفادة هو الخبر، يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً.
قرأ ابن كثير وأبو عمرو برفع «يوم» وقرأ أبو عمرو في رواية «يوم» مرفوعا منونا على جعل الجملة بعده نعتا له، والعائد محذوف أي لا تملك فيه. وقرأ الباقون يوم بالفتح، وهي إما فتحة إعراب بإضمار اذكر، أو فتحة بناء وإنما بني لإضافته للفعل، وإن كان معربا على رأي الكوفيين ويكون خبرا لمبتدأ مضمر.
وقال أبو علي: إن اليوم لما جرى في أكثر الأمر ظرفا فاترك على حالة الأكثرية، ومما يقوى النصب قوله تعالى: وَما أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ [القارعة: ٢، ٣] وقوله تعالى:
يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ [الذاريات: ١٢، ١٣].
قال الواحدي: والمعنى أن الله تعالى لم يملك في ذلك اليوم أحدا شيئا من الأمور كما ملكهم في دار الدنيا، وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩).
قال الواسطي: قوله: يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً إشارة إلى فناء غير الله تعالى وهناك تذهب الرسالات والكلمات. وقوله: وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ إشارة إلى أن البقاء لله والأمر كذلك في الأزل، وفي اليوم وفي الآخرة، ولم يتغير من حال إلى حال فالتفاوت عائد إلى أحوال الناظر لا إلى أحوال المنظور إليه، فالكاملون لا تتفاوت أحوالهم بحسب تفاوت الأوقات.
(١) رواه السيوطي في الدر المنثور (٦: ٣٢٥)، بما معناه.
سورة الإنفطار
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الانفطار) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (النَّازعات)، وقد افتُتحت بإثباتِ البعث وما يَتقدَّمه من أهوالٍ بوصف دقيق؛ تحذيرًا من عقاب الله، ودلالة على عظمتِه سبحانه، ثم جاءت بالتحذير من الانهماك في الدنيا، والاغترارِ بنِعَمِ الله على خَلْقِه، ومن نسيان اليوم الذي يَفصِل اللهُ فيه بين عباده، ويحاسبهم على كلِّ صغيرة وكبيرة.

ترتيبها المصحفي
82
نوعها
مكية
ألفاظها
81
ترتيب نزولها
82
العد المدني الأول
19
العد المدني الأخير
19
العد البصري
19
العد الكوفي
19
العد الشامي
19

* سورة (الانفطار):

سُمِّيت سورة (الانفطار) بذلك؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنفَطَرَتْ} [الانفطار: 1].

* سورة (الانفطار) من السُّوَر التي وصفت أحداثَ يوم القيامة بدقة؛ لذا كان يدعو الصحابةُ إلى قراءتها:

عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن سَرَّه أن ينظُرَ إلى يومِ القيامةِ كأنَّه رأيَ عينٍ، فَلْيَقرأْ: {إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}، و{إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنفَطَرَتْ}، و{إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنشَقَّتْ}». أخرجه الترمذي (٣٣٣٣).

1. إثبات البعث وأهواله (١-٥).

2. التحذير من الانهماك في الدنيا (٦-٨).

3. علَّةُ تكذيب الإنسان ليوم الحساب (٩-١٦).

4. ضخامة يوم الحساب (١٧-١٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /57).

يقول البقاعي: «مقصودها: التحذيرُ من الانهماك في الأعمال السيئة؛ اغترارًا بإحسانِ الربِّ وكرمِه، ونسيانًا ليوم الدِّين، الذي يحاسِبُ فيه على النَّقِير والقِطْمِير، ولا تغني فيه نفسٌ عن نفس شيئًا.
واسمها (الانفطار) أدلُّ ما فيها على ذلك». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /165).

وينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /170).