تفسير سورة الإنفطار

تفسير السمرقندي

تفسير سورة سورة الإنفطار من كتاب بحر العلوم المعروف بـتفسير السمرقندي.
لمؤلفه أبو الليث السمرقندي . المتوفي سنة 373 هـ
سورة الانفطار مكية وهي تسع عشرة آية.

سورة الانفطار
وهي تسع عشرة آية مكية
[سورة الانفطار (٨٢) : الآيات ١ الى ٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (١) وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ (٢) وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (٤)
عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (٥)
قوله تعالى: إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ يعني: انفجرت لهيبة الرب تبارك وتعالى ويقال:
انفجرت لنزول الملائكة لقوله تعالى: وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلًا [الفرقان: ٢٥] وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ يعني: تساقطت وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ يعني: فتحت بعضها في بعض وصارت بحراً واحداً وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ يعني: بعثرت وأخرج ما فيه، ويقال: بعثرت المتاع وبعثرته إذا جعلت أسفله أعلاه ثم قال عز وجل: عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ يعني: ما عملت من خير وشر يعني: ما عملت من سنة صالحة أو سيئة، وروى أبو هريرة- رضي الله عنه- عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «أَيُّمَا دَاعٍ دَعَا إلَى الْهُدَى فَاتُّبِعَ فَلَهُ أَجْرُ مَنِ اتَّبَعَهُ إلا أنه لا ينقص مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئاً وأَيُّمَا دَاعٍ دَعَا إلَى الضَّلاَلَةِ فَاتُّبِعَ فَلَهُ أَجْرُ مَنِ اتبعه إلا أنه لا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئَاً» ويقال: مَّا قَدَّمَتْ أي: ما عملت وما أَخَّرَتْ يعني: أضاعت العمل فلم تعمل.
[سورة الانفطار (٨٢) : الآيات ٦ الى ١٢]
يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (٨) كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠)
كِراماً كاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (١٢)
ثم قال عز وجل: يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ يعني: يا أيها الكافر مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ يعني: لم يعجل بالعقوبة، وقال مقاتل: نزلت في كلدة بن أسيد حيث ضرب النبيّ صلّى الله عليه وسلم بقوسه
فلم يعاقبه النبيّ صلّى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك حمزة فأسلم حمية لذلك ثم أراد أن يعود كلدة لضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى هذه الآية فأسلم حمزة يومئذٍ».
ويقال نزلت في جميع الكفار ما غرك يعني: ما خدعك حين كفرت بربك الكريم المتجاوز لمن تاب الَّذِي خَلَقَكَ من النطفة فَسَوَّاكَ يعني: فسوى خلقك فَعَدَلَكَ يعني: خلقك معتدل القامة فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ يعني: شبهك بأي صورة شاء إن شاء بالوالد وإن شاء بالوالدة قرأ عاصم والكسائي وحمزة فعدلك بالتخفيف والباقون بالتشديد فمن قرأ بالتخفيف جعل في المعنى إلى فكأنه قال فعدلك إلى أي صورة شاء أن يركبك يعني صرفك إلى ما شاء من الصور من الحسن والقبح ومن قرأ بالتشديد فمعناه قومك ويكون ما صلة وقد تم الكلام عند قوله فعدلك ثم ابتدأ فقال: في أي صورة شاء ركبك، ويقال: في ما معنى الشرط والجزاء والمعنى أي صورة ما شاء أن يركبك فيها ركبك ويكون شاء بمعنى يشاء ثم قال عز وجل: كَلَّا يعني: لا يؤمن هذا الإنسان بما ذكره من أمره وصورته بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ يعني: تكذبون بأنكم مبعوثون يوم القيامة ثم أعلم الله تعالى أن أعمالكم محفوظة عليهم فقال: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ من الملائكة يحفظون أعمالكم كِراماً كاتِبِينَ يعني:
كراماً على الله تعالى كاتبين يعني يكتبون أعمال بني آدم- عليه السلام- يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ من الخير والشر، وروى مجاهد عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم قال: «أَكْرِمُوا الكِرَامَ الْكَاتِبِينَ الَّذِينَ لاَ يُفَارِقُونَكُمْ إلاَّ عِنْدَ إِحْدَى الْحَالَتَيْنِ الجَنَابَةِ والغائط».
[سورة الانفطار (٨٢) : الآيات ١٣ الى ١٩]
إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤) يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ (١٥) وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (١٦) وَما أَدْراكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٧)
ثُمَّ مَا أَدْراكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩)
ثم قال تعالى: إِنَّ الْأَبْرارَ يعني: المؤمنين المصدقين في أيمانهم لَفِي نَعِيمٍ يعني:
في الجنة وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وأصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلم- ورضي الله عنهم- ومن كان مثل حالهم وَإِنَّ الْفُجَّارَ يعني: الكفار لَفِي جَحِيمٍ يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ يعني: يدخلون فيها يوم القيامة وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ يعني: لا يخرجون منها أبداً وَما أَدْراكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ تعظيماً لذلك اليوم ثُمَّ مَا أَدْراكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ يعني: كيف تعلم حقيقة ذلك اليوم ولم تعاينه يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً يعني: لا تنفع نفس مؤمنة لنفس كافرة شيئاً بالشفاعة قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو بالضم والباقون بالنصب فمن قرأ بالضم معناه يوم لا تملك ومن قرأ بالنصب فلنزع الخافض يعني في يوم ثم قال: وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ يعني: الحكم والقضاء لله تعالى وهو يوم القيامة.
سورة الإنفطار
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الانفطار) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (النَّازعات)، وقد افتُتحت بإثباتِ البعث وما يَتقدَّمه من أهوالٍ بوصف دقيق؛ تحذيرًا من عقاب الله، ودلالة على عظمتِه سبحانه، ثم جاءت بالتحذير من الانهماك في الدنيا، والاغترارِ بنِعَمِ الله على خَلْقِه، ومن نسيان اليوم الذي يَفصِل اللهُ فيه بين عباده، ويحاسبهم على كلِّ صغيرة وكبيرة.

ترتيبها المصحفي
82
نوعها
مكية
ألفاظها
81
ترتيب نزولها
82
العد المدني الأول
19
العد المدني الأخير
19
العد البصري
19
العد الكوفي
19
العد الشامي
19

* سورة (الانفطار):

سُمِّيت سورة (الانفطار) بذلك؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنفَطَرَتْ} [الانفطار: 1].

* سورة (الانفطار) من السُّوَر التي وصفت أحداثَ يوم القيامة بدقة؛ لذا كان يدعو الصحابةُ إلى قراءتها:

عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن سَرَّه أن ينظُرَ إلى يومِ القيامةِ كأنَّه رأيَ عينٍ، فَلْيَقرأْ: {إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}، و{إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنفَطَرَتْ}، و{إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنشَقَّتْ}». أخرجه الترمذي (٣٣٣٣).

1. إثبات البعث وأهواله (١-٥).

2. التحذير من الانهماك في الدنيا (٦-٨).

3. علَّةُ تكذيب الإنسان ليوم الحساب (٩-١٦).

4. ضخامة يوم الحساب (١٧-١٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /57).

يقول البقاعي: «مقصودها: التحذيرُ من الانهماك في الأعمال السيئة؛ اغترارًا بإحسانِ الربِّ وكرمِه، ونسيانًا ليوم الدِّين، الذي يحاسِبُ فيه على النَّقِير والقِطْمِير، ولا تغني فيه نفسٌ عن نفس شيئًا.
واسمها (الانفطار) أدلُّ ما فيها على ذلك». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /165).

وينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /170).