تفسير سورة الإنفطار

التفسير الواضح

تفسير سورة سورة الإنفطار من كتاب التفسير الواضح
لمؤلفه محمد محمود حجازي .

سورة الانفطار
وهي مكية. وعدد آياتها تسع عشرة آية، وهي تتضمن الكلام على البعث والتذكير بيوم القيامة وأن النفس تشهد فيه ما عملت، ثم ناقشت الإنسان في شأن مخالفته لربه وتماديه في فجوره، مع أنه صاحب نعم جليلة عليه، وقد جعل له شهودا كراما كاتبين، ثم كانت النهاية لكل إنسان إما الجنة وإما النار، والأمر يومئذ لله.
[سورة الانفطار (٨٢) : الآيات ١ الى ١٩]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (١) وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ (٢) وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (٤)
عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (٥) يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (٨) كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩)
وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠) كِراماً كاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (١٢) إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤)
يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ (١٥) وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (١٦) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩)
833
المفردات:
انْفَطَرَتْ: انشقت. انْتَثَرَتْ: تساقطت. فُجِّرَتْ: فتحت وشققت جوانبها فزال ما بينها من برزخ. بُعْثِرَتْ: قلب ترابها الذي وضع على موتاها، ويلزم هنا إخراج من دفن فيها. ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ؟: ما خدعك وجعلك تعصاه؟! فَسَوَّاكَ: خلقك كامل الأعضاء حسن الهيئة. الْأَبْرارَ:
جمع بر، وهو من يعمل البر ويلتزم به في كل تصرفاته. الْفُجَّارَ: جمع فاجر، وهو الخارج عن الحدود. يَصْلَوْنَها: يقاسون حرها. يَوْمَ الدِّينِ: يوم الحساب والجزاء. وَما أَدْراكَ
: ما أعلمك ما هو؟
المعنى:
يذكرنا القرآن كثيرا بيوم القيامة، وأن الإنسان فيه يشهد ما قدمته يداه من خير أو شر وسيجازى عليه، ويقدم لذلك بذكر بعض أهوال يوم القيامة ليجذب قلب السامع إلى دائرة الاتعاظ والتهويل والتفخيم، فترى السامع وقد حبس أنفاسه ساعة يسمع (إذا السماء انفطرت) وتشققت، وإذا الكواكب التي كانت زينة ونورا تصبح وقد تناثرت وسقطت بلا نظام، كسقوط العقد إذا انفرط حبه في يد صاحبه، ولا تنس أن الأرض تسير سيرا، وتضطرب اضطرابا. ويقع الخلل في جميع أجزائها فترى البحار وقد فجرت تفجيرا، وتشققت جوانبها وامتلأت ماء حتى اختلط عذبها بملحها، ولم يعد بينها حاجز بل يغمر البسيطة الماء ثم لا يلبث أن يتبخر، والبحار تسجر وتملأ لهبا ودخانا، أرأيت الأرض في هذه الساعة: وكأنى بك وأنت تنظر إلى القبور وقد بعثرت، وذرى ترابها وأخرج من فيها للحساب، وقد نشرت الصحف وقرئت الكتب عندئذ تعلم كل نفس ما قدمت من صالح الأعمال أو سيئها وما أخرت منه.
عجبا لك أيها الإنسان العاقل المفكر ما الذي غرك وخدعك، وجرأك على عصيان ربك الكريم؟! وقد علمت ما سيكون يوم القيامة من أهوال، وما ستلاقيه أنت من أحوال، وما سيظهر لك من أعمال، يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم المتعالي المنزه عن كل نقص المتصف بكل كمال، الذي خلقك أولا، وهو على خلقك ثانيا أقدر
834
وأقدر، الذي خلقك فسواك وجعلك حسن الصورة كامل الهيئة سالما في أعجب الصور وأتقنها وأجملها وأدقها وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ الأعضاء، الذي خلقك فعدلك وصيرك معتدلا متناسب الخلق منتصب القامة، فلست كبقية الحيوان، وقد عدلك، أى صرفك عن صورة غيرك.
«كلا» ارتدع عن الاغترار بمولاك، ولا تجعل كرمه حجة لعصيانه فتلك حجة المغرورين المخدوعين، فقد خلقك في صورة حسنة كاملة وركّبك في أى صورة شاءها.
ولكنكم يا معشر العصاة والكفار لا ترتدعون بل تكذبون بيوم الدين، أو تكذبون بدين الإسلام، والحال أن الله جعل عليكم حافظين: ملائكة تكتب أعمالكم وتحفظها ليوم الدين، وهم كرام بررة، كاتبون للأعمال: خيرها وشرها، يعلمون كل ما تفعلون.
ويوم القيامة تعرفون وتندمون ولات ساعة مندم.
وما نتيجة هذا الحفظ والكتب من الملائكة؟ النتيجة: إن الأبرار لفي نعيم مقيم، وإن الفجار لفي جحيم مقيم، يصلونها ويحترقون بنارها يوم الدين. أما الأبرار فأولئك هم العاملون المؤمنون بالله وباليوم الآخر وبالملائكة والكتاب والنبيين، الذين آتوا المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين، وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة، ووفوا بالعهود، وصبروا في البأساء والضراء وحين البأس أولئك هم الذين صدقوا الله في إيمانهم، وأما الفجار فهم على النقيض من ذلك كله.
وما أدراك ما يوم الدين؟ ثم ما أدراك ما يوم الدين؟! وهذا تعجب من حال الإنسان الذي لا يعرف هذا اليوم الشديد ولا يعمل له لينجو من عذابه.
835
سورة الإنفطار
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الانفطار) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (النَّازعات)، وقد افتُتحت بإثباتِ البعث وما يَتقدَّمه من أهوالٍ بوصف دقيق؛ تحذيرًا من عقاب الله، ودلالة على عظمتِه سبحانه، ثم جاءت بالتحذير من الانهماك في الدنيا، والاغترارِ بنِعَمِ الله على خَلْقِه، ومن نسيان اليوم الذي يَفصِل اللهُ فيه بين عباده، ويحاسبهم على كلِّ صغيرة وكبيرة.

ترتيبها المصحفي
82
نوعها
مكية
ألفاظها
81
ترتيب نزولها
82
العد المدني الأول
19
العد المدني الأخير
19
العد البصري
19
العد الكوفي
19
العد الشامي
19

* سورة (الانفطار):

سُمِّيت سورة (الانفطار) بذلك؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنفَطَرَتْ} [الانفطار: 1].

* سورة (الانفطار) من السُّوَر التي وصفت أحداثَ يوم القيامة بدقة؛ لذا كان يدعو الصحابةُ إلى قراءتها:

عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن سَرَّه أن ينظُرَ إلى يومِ القيامةِ كأنَّه رأيَ عينٍ، فَلْيَقرأْ: {إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}، و{إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنفَطَرَتْ}، و{إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنشَقَّتْ}». أخرجه الترمذي (٣٣٣٣).

1. إثبات البعث وأهواله (١-٥).

2. التحذير من الانهماك في الدنيا (٦-٨).

3. علَّةُ تكذيب الإنسان ليوم الحساب (٩-١٦).

4. ضخامة يوم الحساب (١٧-١٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /57).

يقول البقاعي: «مقصودها: التحذيرُ من الانهماك في الأعمال السيئة؛ اغترارًا بإحسانِ الربِّ وكرمِه، ونسيانًا ليوم الدِّين، الذي يحاسِبُ فيه على النَّقِير والقِطْمِير، ولا تغني فيه نفسٌ عن نفس شيئًا.
واسمها (الانفطار) أدلُّ ما فيها على ذلك». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /165).

وينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /170).