تفسير سورة الإنفطار

التفسير الحديث

تفسير سورة سورة الإنفطار من كتاب التفسير الحديث المعروف بـالتفسير الحديث.
لمؤلفه محمد عزة دروزة . المتوفي سنة 1404 هـ

سورة الانفطار
في السورة إنذار بالبعث وهوله ومشاهده. وتنديد بالمكذبين الذين يقفون من الله موقف الكفر والنكران مع عظيم نعمه عليهم في حسن الخلق ومواهب العقل.
وبيان خطورته ومصير الأبرار والفجّار فيه ومسؤولية كل عن عمله.
ونظم السورة وانسجام آياتها تسوغان القول بوحدة نزولها.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الانفطار (٨٢) : الآيات ١ الى ٥]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ (١) وَإِذَا الْكَواكِبُ انْتَثَرَتْ (٢) وَإِذَا الْبِحارُ فُجِّرَتْ (٣) وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (٤)
عَلِمَتْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ (٥)
. (١) انفطرت: تشققت.
في الآيات: إنذار بالبعث وهول مشاهده: فحينما تتشقق السماء وتتساقط الكواكب وتنتثر وتتفجّر البحار وتتفتح القبور عمّا فيها يقف الناس جميعهم أمام الله موقف القضاء فيذكر ويعلم كل منهم ما صدر منه من الأعمال صغيرها وكبيرها، سرّها وعلنها.
وأسلوب هذا المطلع قد تكرر في صدد الإنذار بالآخرة والتخويف من أهوالها.
[سورة الانفطار (٨٢) : الآيات ٦ الى ٨]
يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (٦) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (٧) فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (٨)
(١) عدلك: جعلك معتدلا متناسب الخلق.
وفي هذه الآيات وجّه الخطاب للإنسان بأسلوب التنديد والتذكير وبصيغة الاستفهام الإنكاري عما جعله يغترّ فيستهين بنقمة الله ويجرؤ على الوقوف منه موقف الكفر والجحود وهو الذي خلقه وسوّى أعضاءه وجعله متناسب الخلق ووهبه من المواهب ما ميّزه على غيره، وركّبه في أحسن الصور التي شاءت حكمته أن يكون عليها جنسه خلقا ومواهب.
والآيات قويّة لاذعة حيث تذكّر السامع بكرم الله عليه وتندد به على مقابلته ذلك بالجحود. وليست منقطعة عن المطلع الذي أكّد فيه مجيء يوم القيامة ومحاسبة الناس على أعمالهم. فجاءت تندد بالذين لا يخشون الله ويكفرون بنعمته وفضله.
ولقد روى البغوي عن عطاء أن هذه الآيات نزلت في الوليد بن المغيرة وعن الكلبي ومقاتل أنها نزلت في الأسود بن شريق ضرب النبي ﷺ فلم يعاقبه الله عاجلا.
ولقد جاء بعد هذه الآيات خطاب للسامعين بصيغة الجمع تقرر واقع أمرهم في تكذيبهم بيوم الجزاء وإنذارهم حيث يسوغ هذا التوقف في ما جاء من روايات في سبب نزول الآيات والقول إنها خطاب عامّ للناس والجاحدين منهم بخاصة وفي صدد توكيد البعث والجزاء الأخرويين. والتنديد بجاحدي نعم الله وأفضاله.
والآيات الثلاث [٦- ٨] التي تنوّه بحسن خلقة الإنسان تسجل ما اقتضته حكمة الله تعالى من تميزه في ذلك عن الحيوانات الأخرى وما في ذلك من تكريم له ليستحكم التنديد بالذين يتجاهلون فضل الله العظيم عليهم ويجحدونه.
[سورة الانفطار (٨٢) : الآيات ٩ الى ١٢]
كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠) كِراماً كاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (١٢)
420
وفي هذه الآيات هتاف تنديدي موجّه إلى الكفار في معرض بيان الباعث على جحودهم لله وهو تكذيبهم بالجزاء الرباني يوم القيامة. وتوكيد في معرض الإنذار بأن الله قد جعل عليهم من يحصي ويحفظ كل ما يصدر منهم ويسجله عليهم من كتّاب الله الكرام الذين ينفذون أوامر الله.
وواضح أن التوكيد ينطوي على توكيد الجزاء الأخروي أيضا، ومثل هذا البيان والتوكيد قد تكرر في مواضع كثيرة من القرآن.
ولقد تكررت الإشارة إلى الرقباء والكاتبين لأعمال الناس في سور سابقة.
ولقد أورد ابن كثير في سياق هذه الآيات أيضا بعض الأحاديث. منها حديث عن مجاهد جاء فيه: «قال رسول الله ﷺ أكرموا الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلّا عند إحدى حالتين الجنابة والغائط فإذا اغتسل أحدكم فليستتر بجرم حائط أو ببعيره أو ليستره أخوه». ومنها حديث مثل هذا مع زيادة عن ابن عباس جاء فيه: «إنّ الله ينهاكم عن التعرّي فاستحيوا من ملائكة الله الذين معكم الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلّا عند إحدى ثلاث حالات الغائط والجنابة والغسل. فإذا اغتسل أحدكم بالعراء فليستتر بثوبه أو بجرم حائط أو ببعيره». ومنها حديث عن أنس قال:
«قال رسول الله ﷺ ما من حافظين يرفعان إلى الله عزّ وجلّ ما حفظا في يوم فيرى في أول الصحيفة وفي آخرها استغفارا إلّا قال الله تعالى قد غفرت لعبدي ما بين طرفيّ الصحيفة». وحديث عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله ﷺ إنّ لله ملائكة يعرفون بني آدم، وأحسبه قال ويعرفون أعمالهم فإذا نظروا إلى عبد يعمل بطاعة الله ذكروه بينهم وسمّوه وقالوا أفلح الليلة فلان. نجا الليلة فلان. وإذا نظروا إلى عبد يعمل بمعصية الله ذكروه بينهم وسمّوه وقالوا هلك الليلة فلان».
ولقد علقنا على هذا الموضوع في سياق سورة (ق) فلا نرى ضرورة لتعليق آخر. ومع التنبيه على أن هذه الأحاديث لم ترد في كتب الأحاديث الصحيحة فإنها يلمح فيها قصد التأديب والتنبيه فإن صحّت فيكون من جملة مقاصدها هذا القصد.
والله تعالى أعلم.
421

[سورة الانفطار (٨٢) : الآيات ١٣ الى ١٩]

إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (١٤) يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ (١٥) وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (١٦) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٧)
ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (١٩)
. وفي هذه الآيات بيان لمصير الناس يوم الجزاء وإنذار بخطورته. فالأبرار الصالحون في النعيم، والفجار الآثمون في الجحيم. وهي مصيرهم الذي لا مفلت لهم منه حتما في ذلك اليوم العظيم الخطر الذي يكون الأمر فيه لله وحده، والذي لا يستطيع فيه أحد أن ينفع أحدا ولا تغني فيه نفس عن نفس.
والاتصال بين هذه الآيات وسابقاتها قائم موضوعا وسياقا كما هو المتبادر.
ومع واجب الإيمان بما احتوته من مشهد أخروي فالمتبادر من العبارة القرآنية أن من حكمتها تعظيم يوم القيامة وحسابه وتوكيده وترغيب المؤمنين وترهيب الكفار.
والمؤمنون مندمجون في تعبير الأبرار. والكفار مندمجون في تعبير الفجّار.
غير أن المتبادر أنه قد أريد بوصف المؤمنين بالأبرار والكفار بالفجّار تلقين كون الإيمان الصادق يوجّه صاحبه نحو الخير والبر، بينما الكفر يوجه صاحبه نحو الإثم والفجور.
سورة الإنفطار
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (الانفطار) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (النَّازعات)، وقد افتُتحت بإثباتِ البعث وما يَتقدَّمه من أهوالٍ بوصف دقيق؛ تحذيرًا من عقاب الله، ودلالة على عظمتِه سبحانه، ثم جاءت بالتحذير من الانهماك في الدنيا، والاغترارِ بنِعَمِ الله على خَلْقِه، ومن نسيان اليوم الذي يَفصِل اللهُ فيه بين عباده، ويحاسبهم على كلِّ صغيرة وكبيرة.

ترتيبها المصحفي
82
نوعها
مكية
ألفاظها
81
ترتيب نزولها
82
العد المدني الأول
19
العد المدني الأخير
19
العد البصري
19
العد الكوفي
19
العد الشامي
19

* سورة (الانفطار):

سُمِّيت سورة (الانفطار) بذلك؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنفَطَرَتْ} [الانفطار: 1].

* سورة (الانفطار) من السُّوَر التي وصفت أحداثَ يوم القيامة بدقة؛ لذا كان يدعو الصحابةُ إلى قراءتها:

عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن سَرَّه أن ينظُرَ إلى يومِ القيامةِ كأنَّه رأيَ عينٍ، فَلْيَقرأْ: {إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}، و{إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنفَطَرَتْ}، و{إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنشَقَّتْ}». أخرجه الترمذي (٣٣٣٣).

1. إثبات البعث وأهواله (١-٥).

2. التحذير من الانهماك في الدنيا (٦-٨).

3. علَّةُ تكذيب الإنسان ليوم الحساب (٩-١٦).

4. ضخامة يوم الحساب (١٧-١٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /57).

يقول البقاعي: «مقصودها: التحذيرُ من الانهماك في الأعمال السيئة؛ اغترارًا بإحسانِ الربِّ وكرمِه، ونسيانًا ليوم الدِّين، الذي يحاسِبُ فيه على النَّقِير والقِطْمِير، ولا تغني فيه نفسٌ عن نفس شيئًا.
واسمها (الانفطار) أدلُّ ما فيها على ذلك». "مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور" للبقاعي (3 /165).

وينظر: "التحرير والتنوير" لابن عاشور (30 /170).