تفسير سورة التكوير

تفسير ابن أبي زمنين

تفسير سورة سورة التكوير من كتاب تفسير القرآن العزيز المعروف بـتفسير ابن أبي زمنين.
لمؤلفه ابن أبي زَمَنِين . المتوفي سنة 399 هـ
تفسير سورة إذا الشمس كورت وهي مكية كلها.

قَوْله: ﴿إِذا الشَّمْس كورت﴾ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ يَعْنِي: ذَهَبَ ضَوْؤُها. قَالَ محمدٌ: (كُوِّرت) حقيقتُه: جُمِعَ ضَوْؤها، وَمِنْ كَلامِهِمْ: كُرْتُ الْعِمَامَةُ عَلَى رَأْسِي أكورُها وكَوَّرْتُها أُكَوِّرُها إِذَا لَفَفْتها وَهُوَ الَّذِي أَرَادَ الْحسن
﴿وَإِذا النُّجُوم انكدرت﴾ انتثرت
﴿وَإِذا الْجبَال سيرت﴾ تَذْهَبُ تَصِيرُ فِي حَالاتٍ أَمَّا أَوَّلُ مَا تُحوَّلُ عَنْ مَنْزِلَةِ الْحِجَارَةِ، فَتَكُونُ كَثِيبًا، وَتَكُونُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ، وَتَكُونُ هَبَاءً مُنْبَثًّا، وَتَكُونُ سَرَابًا؛ مِثْلُ هَذَا السَّرَابِ تَرَاهُ وَلَيْسَ بِشَيْء.
﴿وَإِذا العشار عطلت﴾ وَهِيَ النُّوقُ عطَّلها أَهْلُهَا فَلَمْ تُحْلَب من الشُّغل بِأَنْفسِهِم.
98
(ل ٣٨٧) قَالَ مُحَمَّدٌ: (العِشارُ) مِنَ الْإِبِلِ: الْحَوَامِلُ، وَاحِدُهَا: عشَراءُ، وَهِيَ الَّتِي أَتَى عَلَيْهَا فِي الْحَبَلِ عَشْرَةُ أَشْهُرٍ، ثُمَّ يَزَالُ ذَلِكَ اسْمُهَا حَتَّى تضع وَبَعْدَمَا تضع.
99
﴿وَإِذا الوحوش حشرت﴾ جُمِعَتْ؛ لِيَقْتَصَّ لِبَعْضِهَا مِنْ بَعْضٍ ثُمَّ يُقَالُ لَهَا: كُونِي تُرَابًا
﴿وَإِذا الْبحار سجرت﴾ قَالَ الْحَسَنُ: يَعْنِي: فَاضَتْ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: سُجِّرت حَقِيقَتُهُ: مُلِئَت، فَيُفْضِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فَتَصِيرُ شَيْئًا وَاحِدًا؛ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْحَسَنِ.
﴿وَإِذا النُّفُوس زوجت﴾ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: أَيْ: تَلْحَقُ كُلُّ شِيعَةٍ بِشِيعَتِهَا: الْيَهُودُ بِالْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى بِالنَّصَارَى، وَالْمَجُوسُ بِالْمَجُوسِ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَهِ شَيْئا بضهم ببعضهم، والمنافقون بالمنافقات، والمؤمنون بالمؤمنات.
﴿وَإِذا الموءدة سُئلت﴾ وَهِيَ بَنَاتُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يدفنونهنَّ أَحْيَاءً، لِخَصْلَتَيْنِ: أَمَّا إِحْدَاهُمَا فَكَانُوا يَقُولُونَ: إِنَّ الْمَلائِكَةَ بناتُ اللَّهِ، فَأَلْحِقُوا الْبَنَاتِ بِهِ فَهُوَ أحقُّ بِهِنَّ، وَأَمَّا الْخَصْلَةُ الأُخْرَى: فمخافة الْحَاجة.
﴿بِأَيّ ذَنْب قتلت﴾ قَالَ الْحَسَنُ: أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يوبِّخ قَاتِلَهَا؛ لِأَنَّهَا قُتِلت بِغَيْرِ ذَنْبٍ فسُئلتْ فَلَمْ يُوجَدْ لَهَا ذَنْب، وَبَعْضهمْ يقْرَأ: (وَإِذا الموءدةُ سَأَلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)؛ فَتَتَعَلَّقُ الْجَارِيَةُ بِأَبِيهَا، فَتَقُولُ: بِأَيِّ ذَنْبٍ قَتَلْتَنِي؟!
99
قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ وأدتُ المولودَ إِذَا دَفَنْتُهُ حَيًّا، فَأَنَا وائدٌ، والمصدر إدَةً.
100
﴿وَإِذا الصُّحُف نشرت﴾ لِلْحِسَابِ وَهُوَ مَا كَتَبَتِ الْمَلائِكَةُ على الْعباد من أعماهم
﴿وَإِذا السَّمَاء كشطت﴾ أَيْ: طُوِيَتْ وَقَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي: اجتبذت. قَالَ مُحَمَّدٌ: يُقَالُ كَشَطْتُ السَّقْفَ أَيْ: قَلَعْتُهُ، فَكَأَنَّ الْمَعْنَى: قُلِعَت فطُويت.
﴿وَإِذا الْجَحِيم سعرت﴾ أُوقِدَتْ، وَهِيَ تُوقَدُ مُنْذُ خُلِقَتْ السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي السِّتَّة الْأَيَّام
﴿وَإِذا الْجنَّة أزلفت﴾ أدنيتْ
﴿علمت نفس مَا أحضرت﴾ من عَملهَا.
تَفْسِير سُورَة التكوير من آيَة (١٥ - ٢٩)
﴿فَلَا أقسم﴾ الْمَعْنى: فأقسم ((وَلَا)) صلَة ﴿بالخنس﴾ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: هِيَ النُّجُومُ تخنِسُ؛ بِالنَّهَارِ أَيْ: تَتَوَارَى، وَهِيَ فِي ذَلِك جَارِيَة
﴿الْجَوَارِي﴾ يَعْنِي: جَرْيَهَا فِي السَّمَاءِ ﴿الْكُنَّسِ﴾ تَفْسِيرُ الْكَلْبِيِّ: يَعْنِي: أَنَّهَا تُكْنَسُ بِالنَّهَارِ كَمَا تَتَوَارَى الظِّبَاءُ فِي كِنَاسِها
﴿وَاللَّيْل إِذا عسعس﴾ تَفْسِيرُ الْحَسَنِ: إِذَا أَظْلَمَ.
100
قَالَ مُحَمَّدٌ ": قَالَ قَوْمٌ: عَسْعَسَ اللَّيْل إِذَا أَظْلَمَ، وَقِيلَ: عَسْعَسَ أَدْبَرَ، وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ:
101
﴿الصُّبْح إِذا تنفس﴾ إِذَا أَضَاءَ أَقْسَمَ بِهَذَا كُلِّهِ
﴿إِنَّه لقَوْل رَسُول كريم﴾ يَعْنِي: جِبْرِيلَ يُرْسِلُهُ اللَّهُ إِلَى النَّبِيين
﴿ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مكين﴾ فِي الْمنزلَة والقربة
﴿مُطَاع ثمَّ﴾ يَعْنِي: فِي السَّمَاءِ. قَالَ الْحَسَنُ أَمَرَ اللَّهُ أَهْلَ السَّمَاءِ بِطَاعَةِ جِبْرِيلَ، كَمَا أَمَرَ أَهْلَ الْأَرْضِ أَن يطيعوا مُحَمَّدًا ﴿امين﴾ عِنْد الله وَعند الْمَلَائِكَة.
﴿وَمَا صَاحبكُم بمجنون﴾ يَعْنِي: مُحَمَّدا [صلى اللَّه عَلَيْهِ وَسلم] وَذَلِكَ لِقَوْلِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّهُ مَجْنُونٌ
﴿وَلَقَد رَآهُ بالأفق الْمُبين﴾ يَعْنِي: الْمَشْرِقَ الَّذِي مِنْهُ مَطَالِعُ النُّجُومِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، يَعْنِي أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ مَعَ الْأُفُقِ فَسَدَّ مَا بَيْنَ السَّمَاء وَالْأَرْض
﴿وَمَا هُوَ على الْغَيْب﴾ الْوَحْي ﴿بضنين﴾ بِبَخِيلٍ يَبْخَلُ عَلَيْكُمْ بِهِ، وَبَعْضُهُمْ يقْرَأ (بظنين) أَي: بمتهم
﴿وَمَا هُوَ﴾ يَعْنِي: الْقُرْآنَ ﴿بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ﴾ مَلْعُون
﴿فَأَيْنَ تذهبون﴾ تعدلون عَنهُ يَقُوله للْمُشْرِكين
﴿ان هُوَ﴾ يَعْنِي: مَا هُوَ، أَيْ: مَا الْقُرْآن
101
﴿إِلَّا ذكر للْعَالمين﴾ يَعْنِي: مَنْ آمَنَ بِهِ يَذْكُرُونَ بِهِ الْآخِرَة
102
﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ﴾ على أَمر الله والتذكرة
﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ الله رب الْعَالمين﴾.
102
تَفْسِيرُ سُورَةِ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ وَهِي مَكِّيَّة كلهَا

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَن الرَّحِيم

تَفْسِير سُورَة الانفطار [من آيَة ١ - ١٩]
103
سورة التكوير
معلومات السورة
الكتب
الفتاوى
الأقوال
التفسيرات

سورة (التَّكْوير) من السُّوَر المكية، نزلت بعد سورة (المَسَد)، وهي من السُّوَر التي شيَّبتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؛ كما صح في الأثر؛ وذلك لِما أخبَرتْ عنه من الأهوال التي تسبق يومَ القيامة؛ تخويفًا للكفار من عذاب الله الواقع بهم إن بَقُوا على كفرهم، وقد خُتِمت بحقيقةِ الوحي، وإثباتِ مجيئه من عند الله عز وجل.

ترتيبها المصحفي
81
نوعها
مكية
ألفاظها
104
ترتيب نزولها
7
العد المدني الأول
29
العد المدني الأخير
29
العد البصري
29
العد الكوفي
29
العد الشامي
29

* سورة (التَّكْوير):

سُمِّيت سورة (التَّكْوير) بهذا الاسم؛ لافتتاحها بقوله تعالى: {إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1].

سورة (التَّكْوير) من السُّوَر التي شيَّبتْ رسول الله صلى الله عليه وسلم:

عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما، قال: «قال أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه لرسولِ اللهِ: يا رسولَ اللهِ، أراكَ قد شِبْتَ! قال: «شيَّبتْني هُودٌ، والواقعةُ، والمُرسَلاتُ، و{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ}، و{إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}». أخرجه الحاكم (3314).

* سورة (التَّكْوير) من السُّوَر التي وصفت أحداثَ يوم القيامة بدقة؛ لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الصحابةَ إلى قراءتها:

عن عبدِ اللهِ بن عُمَرَ رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن سَرَّه أن ينظُرَ إلى يومِ القيامةِ كأنَّه رأيَ عينٍ، فَلْيَقرأْ: {إِذَا اْلشَّمْسُ كُوِّرَتْ}، و{إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنفَطَرَتْ}، و{إِذَا اْلسَّمَآءُ اْنشَقَّتْ}». أخرجه الترمذي (٣٣٣٣).

1. حقيقة القيامة (١-١٤).

2. حقيقة الوحي (١٥-٢٩).

ينظر: "التفسير الموضوعي لسور القرآن الكريم" لمجموعة من العلماء (9 /49).

يقول ابنُ عاشور رحمه الله: «اشتملت على تحقيقِ الجزاء صريحًا، وعلى إثبات البعث، وابتُدئ بوصفِ الأهوال التي تتقدمه، وانتُقل إلى وصف أهوال تقع عَقِبَه.

وعلى التنويه بشأن القرآن الذي كذَّبوا به؛ لأنه أوعَدهم بالبعث؛ زيادةً لتحقيقِ وقوع البعث إذ رمَوُا النبيَّ صلى الله عليه وسلم بالجنون، والقرآنَ بأنه يأتيه به شيطانٌ». "التحرر والتنوير" لابن عاشور (30 /140).

(حَتَّى إِذَا الصُّبْحُ لَهَا تَنَفَّسَا وَانْجَابَ عَنْهَا لَيْلُهَا وعسعسا)